Skip to main content

Full text of "أوروبا والعالم الإسلامي تاريخ بلا أساطير - هنري لورنس وجون تولان وجيل فاينشتاين"

See other formats




أوروبا والعالم الإسلامي 


المركز القومى للترجمة 
مدير المركز: أنور مغيث 


- العدد: 2857 

- أوروبا والعالم الإسلامى: تاريخ بلا أساطير 
- هنرى لورنس» وجون تولان» وجيل قاينشتاين 
- بشير السباعى 

- الطبعة الأولى 2016 


هذه ترجمة كتاب: 
1 'نآ أء عمم تلاط بآ 
15015 لآ وعاء516 ععمتن0© 
متعأقماعء/ و0111 ,1م1018 قط0ل ,قلاع "تاهآ لإبمع]ط روم 
9 تع الاصول رطامعةل ء1نل0 © غطع زمه 


حقوق الترجمة والنشر بالعربية محفوظة للمركز القومى للترجمة 
شارع الجبلاية بالأوبرا- الجزيرة- القاهرة. ت: 775514674 فاكس: 4هه4ه0/ا؟ 
00 ,لراجه0 إخآ رعقناه0]ط هعم 0 .51 ملإداوطة 0 خآ 
4 1 4 :1 018 .آم لجع 910101)أم لإجرعاء1 :اتمدصظ 


هنري لورنسء جون تولان 
جيل قاينشتاين 


أوروبا والعالم الإسلامي 
تاريخ بلا أساطير 


أ 


ترجمة 


بشير السباعي 


القاهرة 
2016 


بطاقة الفهرسة 
إعداد الهيئة العامة لدار الكتب والو 
إدارة الشئون الفنية 


لورنس؛ هنرى . 
أوروبا والعالم الإسلامى : تاريخ بلا أساطير/ تأليف: هنرى 
لورنسء جون تولان - جيل فاينشتاين؛ ترجمة: بشير السباعى 
ط ١‏ - القاهرة: المركز القومى للترجمة؛» ٠١1١5‏ 

65> صء ١5‏ سم 

١‏ - العالم الإسلامى - العلاقات الخارجية - أوروبا 

( ) تولانء جون (مؤلف مشارك) 

(ب) فاينشتاين» جيل (مؤلف مشارك) 

(ج) السباعى؛ بشير 

(د ) العنوان فض 
رقم الإيداع 77845 / 7١16‏ 

الترقيم الدولي: 6 -0466 - 92 -978-977 - [1.5.8.1 


طبع بالهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية" 





قدف إصدارات المركز القومي للترجمة إلى تقد الاتجاهات والمذاهب الفكرية المختلفة للقارئْ العربي 
وتعريفه ما والأفكار الي تتضمنها هى اجتهادات أصحاها فى ثقافاهم. ولا تعبر بالضرورة عن 
رأي المر كز . 


تمهيد 


العلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي في قلب أحداث الساعة ؛ لا أحد يمكنه 
تجاهل هذه الحقيقة. وقد يكون بوسعنا ضرب العديد من الأمثلة على ما نقول: 
الدييلوماسية الأوروبية مع إيران أو ضمن إطار النزاع الففسطيني- الإسرائيلي» 
الجاليات المسلمة المهاجرة في البلدان الأوروبية» موقع شركات بترولية أوروبية 
في الاقتصادات العربية» اتفاقات التبادلات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وبلدان 
المغرب؛ أو المفاوضات بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد [الأوروبي]. إن 
موضوعات الساعة هذه كلها» وموضوعات كثيرة أخرى أيضناء قد تقود إلى 
تعاونات أو تلاقيات أو نزاعات» سوف تظل رهانات رئيسية بالنسبة للمجتمعات 
الأوروبية والإسلامية على امتداد القرن الحادي والعشرين كله وبعده بكثير. ْ 

والحال أن تاريخ هذه العلاقات الثرية والمعقدة هو ما يتناوله هذا الكتاب» 
الذي يبدأ بثلاثينيات القرن السابع» حيث تتنازع جيوش القسطنطينية والمديئنة 
[المنؤرة] على السيطرة على سوريا - فلسطين. ومنذ ذلك الحين» خلال نحو خمسة 
عشر قرناء كانت العلاقات متصلة وعظيمة التنوع: حروب؛ فتوحات» استردادات» 
ديبلوماسية» تحالفات؛ تجارة» مصاهراتء تجارات عبيدء» ترجمات» عمليات نقل 
للتكنولوجياء تقليدات على المستوى الفني والثقافي. وبعيذا عن أن تكون هذه 
الاتصالات غرائب هامشية في تاريخ الشعوب الأوروبية والإسلامية» فإنها قد 

على أن أهمية هذه العلاقات وثراءها واتساعها الجلي تمامًا لمن يعرف تاريخ 
أوروبا أو تاريخ البلدان الإسلامية ليست واضحة بالنسبة للجميع. فعلى العكس مما 
نقول يزعم صمويل هانتنجتون؛ عالم السياسة الأميركي: أنه «خلال الجزء الأعظم 
في تاريخ البشرية» ظلت الاتصالات بين الحضارات: حيثما كانت هناك اتصالات 
بين الحضارات؛ اتصالات متقطعة»7') ؛ وقد يكون اعتبارًا من حملات الاستكشاف 
والاستعمار البرتغالية والإسبانية» عند منعطف القرن السادس عشرء وليس قبل 
ذلك؛ أن الحضارات تدخل في اتصال دائم بعضها مع البعض الآخر. وعلى أساس 
هذا الخطأ التاريخي الجسيم» يبني هانتنجتون أطروحته الشهيرة عن «صدام 


نت 


الحضارات»»؛ والتي تذهب إلى أن عدذا محدوذا من الحضارات جد المتمايزة 
(الغربء العالم الإسلامي» الصين؛ إلخ.) يتطور بشكل مستقل نسبيّاء نم يصطدم 
بعضه بالبعض الآخر. ْ 

فكيف يمكن تناول العلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي» من دون الوقوع 
في فخ هائتنجتون»: أي من دون وضع «حضارتين»»؛ هما العالم الإسلامي وأوروباء 
في تعارض إحدافنا مع الأخرى؟ فلنحاول تعريف مصطلحاتنا. ولنبدأ بأوروبا: 
بالنسبة لجغرافيي العصر القديم الإغريقي والروماني» أوروبا جزءٌ من أجزاء العالم 
الثلاثة» إلى جانب آسيا وأفريقيا (أو ليبيا) ؛ ونحن نجد هذه الفكرة لدى واضعي 
الخرائط اللاتين في العصر الوسيطء والذي يمثلون العالم على خرائط الأرض 
المسماة بال«07»» لأننا نرى عليها دائرة المحيط التي تطوق الكتلة اليابسة وء 
على شكل «5»: مياه البحر المتوسط والنيل والتانايس!" التي تقسم العالم إلى ثلاث 
قارات. لكن هذا التقليد: الجغرافي المتواصل يبدو أن تأثيره على الهويات الفعلية 
محدود: فالمرء يعتبر نفسه حنويًا أو نورمانيّاء يرتبط بمملكة أو بالإمبراطورية» إلا 
أنه نادرا ما يسمي نفسه «أوروبيًا». وسوف تكون المرجعية الأوسع دينية: 
الكنيسة» التي توَحَدُ نظريًا جميع المسيحيين. لكن وحدة هذه الكنيسة وهمية بالفمل 
وتؤدي انقسامات لاهوتية ومؤسسية عديدة إلى الفصل بين جماعات مسيحية عديدة. 
واعتبارا من القرن التاسع؛ يتحدث بعض الكتاب اللاتين عن ال عمازمما/عةم:0 
«الجماعة المسيحية»؛ لتسمية مجمل من يعترفون بسلطة البابا ويستخدمون اللاتينية 
في أداء الطقوس. لكن هذه «جماعة مسيحية» متمحورة على أوروباء تستبعد غالبية 
مسيحيي العالم. وهي حضارة في توسع سافرء أولاً في داخل أوروبا (في إسبانيا 
وفي أوروبا الشمالية - الشرقية) وفي جزر البحر المتوسط (صقلية؛» كورسيكاء 
جزر الباليارء قبرصء إلخ.)؛ تسود جزءا من فلسطين لحقبة قصيرة: فالقدس في 
أيدي ملوك صليبيين من عام ٠١494‏ إلى عام ١١87‏ ؛ ويحتفظ اللاتين بجزء من 
الساحل الفلسنطيني حتى عام .174١‏ واعتبارًا من المغامرة الاستعمارية البرتغالية 
والإسبانية التي تبدأ في أواخر القرن الخامس عشرء سيحدث التوسع الأوروبي فسي 
أجزاء أخرى من العالم - وصولا إلى حملة نابوليون بونابيرت على مصر. 


(*) الاسم القديم لنهر الدون» في روسيا. - م. 


وعند الكتاب العرب؛ فإن أوروبا (أروفا)» وهي مصطلح موروث من التراث 
الإغريقي» يجري تمثيلها في الجغرافيا العالمة بوصفها أيضًا أحد أجزاء العالم. 
لكنها تلعب دور! ضئيلاء لأن الجغرافيين العرب يرفضون بوجه عام التقسيم إلى 
قارات إيثارًا لمخطط تصوري آخرء أصله إغريقي أيضنا: فهم يقسمون العالم إلى 
مناخات [أقاليم] عددهاء في الأغلب؛ سبعة. ومن ثم فهم لا يعتبرون أوروبا وحدةء 
بل بلاذا جد متمايزة: بلاد الروم (البيزنطيين)؛ بلاد الإفرنج (الفرانك)؛ بلاد 
الصقالبة (السلاف).؛ إلخ ؛ أي أنهم يرون في هذه البلدان تعددية وتنوعًاء لا 
«حضارة» منافسة. وسوف نكتفي» في هذا الكتاب؛ باستخدام مصطلح أوروبا 
بتعريفه الحالي» مع كل ما ينطوي عليه ذلك من غموض فيما يتعلق بالحدود 
الشرقية لأوروبا. 

فماذا عن «العالم الإسلامي»؟ يمكننا تشبيهه بالمصطلح جد المنتشر لدى 
الكتاب العرب؛ مصطلح دار الإسلام: مجمل الأراضي التي يُعَدُ الإسلام الديائة 
المسيطرة فيها ؛ وهو مصطلح لا يجب خلطه بمصطلح الأمة» مجمل المؤمنين 
المسلمين: فهناك يقيم أيضا ذميون؛ أقليات «محمية» (يهودء مسيحيون؛ مزدكيون). 
أمّا فيما يتعلق بالأمة» فيدخل في قوامها أيضنا المسلمون الذين يحيون خارج دار 
الإسلام: الأسرى المسلمون أو الأقليات المسلمة التي تحيا في بلدان يحكمها غير 
مسلمين؛ تجار مسلمون في المحيط الهندي أو في أفريقيا ماتحت الصحراء 
الكبرى؛ أو (في العصر الحاضر) المهاجرون المسلمون في أوروبا أو في أميركا. 

ومن الواضح أن دار الإسلام» شأنها في ذلك شأن أوروباء ليست كيانا 
جغرافيًا ثابتا: فهي في توسع سافر على امتداد العصر الوسيط. وهي تولد في 
موجة من الفتوحات الخاطفة التي تؤديء خلال القرن التالي لوفاة محمد (في عام 
)2 إلى جعل المسلمين سادة لإمبراطورية تمتد من نهر الإندوس ومن الهندو 
كوش') إلى السواحل الأطلسية للمغرب الأقصى والبرتغال. وإذا كان هذا التوسع 
يتباطئ بعد ذلك» فما ذلك إلا لكي يستأنف مسيرته بوسائل أخرى ذيما بعند: عبر 
التحول الجماعي إلى اعتناق الإسلام من جانب الأتراك اعتبارا من القبرن التاسع 
ومن جائب المغول اعتبارا من القرن الثالث عشرء ما يقود الإسلام في آسيا 


الوسطى إلى أبواب الصين. وسوف يقوم المغول الذين أسلموا بفتح جزء لا بأس 
به من شمالي الهند. ومن جهة أخرىء فعبر طرق التجارة ينتشر الإسلام: صوب 
ممالك غربي أفريقيا كمالي» أو في المحيط الهندي» من زنزبار إلى جاوه. وصحيح 
أن الأندلسء إسبانيا المسلمة» يتم فتحها بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر من 
عجان كناك المسيحيين في شبه الجزيرة [الإيبيرية]. لكن الدولة العثمانية تتمكن؛ 
في الوقت نفسه؛ من مدّ سلطتها إلى قلب أوروبا. وفيما يتعلق بالعصر الوسيطء 
سنهتم بالأخصّ بذلك الجزء من دار الإسلام ذي الصلات الوثيقة بأوروباء أي 
ببلدان البحر المتوسط أساسا. 
فما التصور الأوروبي لدار الإسلام مذه؟ إن كلمتي «إسلام» و«مسلم» 
تعاودان الدخول إلى اللغات الأوروبية متأخرتين: فنحن نجد أول استخدام بالفرنسية 
لكلمة ««داةة» في عام 17917 وأول استخدام لها بالإنجليزية في عام 1814 ؛ 
وفي الفرنسية» نلتقي بكلمة «188ن5نا2:» منذ منتصف القرن السادس عشر ونتلقي 
بكلمة ”/1405 في الإنجليزية في عام 77715". أمّا فيما قبل» فإن مصطلحات ذات 
أصل إثني بالأخص هي التي كانت تستخدم للكلام: عن المسلمين: مويه ترك 
نوس هارا *). إلخ. اكت دن لكك انين لقا الإسماعيليون أو 
أبناء إسماعيل» لأن هذا الأخيرء في التراث التوزاتي والقرآني؛ يعتبر جد العرب ؛ 
ويسمونهم بالمثل ب«الهاجرنة»»: نسبة إلى هاجر» أم إسماعيل. لكن المصطلح 
الأكثر استخدامًا في العصر الوسيط لاشك أنه الستراسنة: وهذه الكلمة ذات الأصل 
الغامض تحيل» بانمبة للجغرافين القدماء؛ إلى أحد شعوب بلاد العربا”". .وهي 
تستخدم فيما بعد للإشارة إلى كل العرب؛ ثم إلى كل المسلمين. وللإشارة إلى 
الإسلام؛ غالبًا ما يدور الكلام عن «شريعة السر اسنة» (621107/71 عرعط) أو 
«شريعة محمد» (716/1/:«أها/! :6.ط). ومع صعود الدولة العثمانية في القرنين الرابع 
عشر والخامس عشرهء بالمقابل» يدور الحديث بالأخص عن التركء أو غالٍا عن 
التركي» بصيغة المفرد. وإذا كان هناك مصطلح لاتيني مساو لمصطلح دار الإسلام 
في العصر الوسيطء فقد يكون هذا المسصطلح مصطلح 50170 106رهل 
«أراضي السراسنة». وآنذاك يتردد كتاب أوروبيون كثيرون بين رؤية تجانسية إلى 





)0س سكان الصحراء الغربية» خليط من العرب والبربر والسود [سكان موريتانيا حاليًا]. والمصطلح 
يشير إلى مسلمي الغرب الإسلامي, - م. 
)ع انظر الفصل الأول من الجزء الأول من هذا الكتاب, ام 

م 


السراسنة؛ تعتبرهم أعداء في عمومهم للمسيحيين» ورؤية أكثر تركيناء حساسة 
للتنوع الكبير للأراضي والشعوب. . | 

فهل نحن؛ كما يزعم هانتنجتون» بإزاء حضارتين متنافستين» قائمتين على . 
إيديولوجيتين عالميتين» متباريتين في طموحاتهما التوسعية» تتصادمان ملوحتين 
بلوائي الحملة الصليبية والجهاد؟ أم أننا بالأحرى؛ كما يذهب إلى ذلك المؤرخ 
ريشار بيلييه» بإزاء فرعين لحضارة واحدة «إسلامية - مسيحية»؛ تمتد جذورها 
امتداذا عميقا في تراث دينيء ثقافي وفكري مشترك: الحضارة المتوسطية وشرق 
الأوسطية القديمة» الوحي الإنجيليء العلوم والفلسفة الإغريقية والهيلينستية؟ وقد 
يكون هذا التراث المشترك قد تعزز» خلال خمسة عشر قرناء بفضل التبادلات 
المتواصلة للسلع والأشخاص والأفكار””. والواقع أننا لو اعتبرنا العالم الإسلامي 
وأوروبا (أو الغرب) فرعين لحضارة واحدة» فإن الفكرة التي تتحدث عن «صدام 
حضارات» لا يعود لها معنى. والمسألة ليست مجرد مسألة كلمات. فالنظر» على 
سبيل المثال؛ إلى الفتح الإسلامي لإسبانيا :)71١1(‏ الحملة الصليبية الأولسى 
(99١٠0)؛‏ استيلاء العثمانيين على القسطنطينية (457١)؛‏ فتح غرناطة (597١)؛‏ 
حملة نايوليون بونابرت على مصر :]1١7448[‏ الفتح الفرنسي للجزائر )]١870[‏ 
التدخلات الأميركية في العراق؛ وهلمجراء بوصفها تجليات أو أدلة على «صدام 
حضارات» مفترضء إنما يجعل أي بحث عن تفسيرات أكثر تحديذا أمرًا لا طافل 
من ورائه. إلا أننا حين نعدد الحروب في داخل أوروباء أو في البلدان الإسلامية؛ 
فإننا لا نلجأ إلى قيد تفسيري كهذا: فالمؤرخ يسعى إلى تفسير الفتح العثماني على 
حساب المماليك أو حروب الدين في أوروبا أو الحربين العالميتين اللتين مزقتا 
أوروبا في القرن العشرين من دون اللجوء إلى «صدام حضارات» ما. وغالبًا ما 
كانت فرنسا في حرب مع جاراتهاء خاصة بريطانيا العظمى وألمانيا ؛ إلا أننا لا 
نقول مع ذلك أنها جزء من «حضارة» متميزة عن حضارة هاتين الجارتين. 


ومن ثم فلا يجب لعنوان هذا الكتاب أن يخدع القارى: فالأمر لن يتعلق 
بعلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي بقدر تعلقه بعلاقات بين جنويين وتونسيين» 
بين أهل القسطنطينية وأهل الإسكندرية» بين كاتالونيين ومغاربة» وهلمجرًا .؛ وهي 
ليست علاقات بين «حضارتين»»؛ بل علاقات مركبة ومتنوعة بين أفراد وجماعات 


8 


عديدة تشكل جزءًا مما نشير إليه؛ بكل الغموض الذي رأيناه للتوّء بمصطلحي 
أوروبا والعالم الإسلامي. 

كما أننا لن نكون بإزاء صياغة نظرية أو بيان إيديولوجي. فالمؤلفون لن 
يضطلعوا بدحض منهجي لأطروحات هانتنجتون؛ ولا بدحض الأطروحات المماثلة 
الصادرة عن ملهمي الحركات الإسلامية الداعية اليوم إلى الجهاد. وبالمثل أيضناء 
فإن الإسلام والمسيحية لن يتم تناولهما كموضوعين من حيث كونهما ديانتين: فنحن 
لن نبحث عن جذورهما المشتركة ولا عن اختلافاتهما ونقاط التقائهما المحتملة. 
فالأمر سيتعلق فقط بمحاولة إحياء تاريخ طويل ضاعت جوانب كثيرة منهفي 
غياهب النسيان وبالاستعاضة عن مخططات تصورية تبسيطية واختزالية بما يدل 
عليه تاريخ أكثرٌ تعقيدًا وثراء. وفضلاً عن ذلك فإن ما سوف يجري تقديمه ليس 
التاريخ نفسه؛ فالمؤرخ لا يقدر البتة إلا على أن يقدم إعادة بناء لهء وهي إعادة بناء 
ضمن خطاب يصوغ نسقا ويقوم باختيارات من كتلة المواد الخام. ومن جهة 
أخرى؛ فإن هذه الكتلة على درجة عظيمة من الضخامة هناء أخذا بعين الاعتبار 
الأمد الطويل المُراعى؛ والزوايا العديدة التي يمكن تناول الموضوع منهاء وتنوع 
المستويات التي يمكن استيعابها عليهاء بحيث إن المؤلفين قد تخلوا عن هدف تقديم 
معالجة وافية. ولا تشكل الصفحات التالية بحا منهجيًا ولا حتى مرجمًا عانًا عن 
المسألة. فهذا العمل ينتسب أكثر إلى جنس الرسالة [5531©]» وهو جنس ذاتي أكثر 
ومن ثم أكثر أريحية» يُعلي من شأن الحقيقة الواقعية ذات الدلالة والمثل التوضيحي 
والاستشهاد الذي يصيب الهدف» تبعًا لبضع أفكار موجّهة. ومع ذلك فإن ما سوف 
يتعامل القارئ معه ليس رسالة واحدة:؛ بل ثلاث رسائل متتالية. فالمؤلفون الذين 
عالجوا حقبة العصر الوسيط والحقبة الحديثة والحقبة المعاصرة قد قام كل منهم 
بمهمته» كما سوف يتسنى للقارئ أن يحكم على ذلك؛ بأسلوب جد مختلشف عن 
أسلوبي زميليه الآخرين. ولا مراء في أن هذا يرجع إلى شخصياتهم المتباينة» وإن 
كان يرجع أيضنا إلى عوامل موضوعية أكثر سيكون كل واحد منهم محكوما بها ؛ 
فالحقب الثلاث الكبرى تنتمي إلى حقول تاريخية متمايزة» سواء كان ذلك من حيث 
الحالة الكمية أو النوعية للوثائق المتاحة؛ أم من حيث حالة الكتابات التاريخية 
الخاصة بكل حقبة» أمل") اممء! 701 اط /25]» من حيث الظروف التاريخية نفسهاء 
والتي تضع في صدارة المشهدء في كل عصرء مسائل مختلفة. 


(«) أخيرً! ولكن ليس آخراء بالإنجليزية في الأصل. - م. 
١٠‏ 


والجزء الأول من هذا الكتاب مَكرس لتاريخ العلاقات في العصر الوسيط؛ أي 
منذ ثلاثينيات القرن السابع إلى القرن الخامس عشر. ونحن نبدأء في الفصل الأول» 
«عالم الجغرافيين»؛ بالنظر في الكيفية التي تصنَوّر بها الجغرافيون العرب 
والأوروبيون في العصر الوسيط العالم والشعوب: التي تحيا فيه. وسوف نولي 
انتباهًا خاصنًا إلى صورة الأوروبيين في الجغرافيا العربية وإلى صورة الشرق في 
الجغرافيا اللاتينية. وفي الأرض المسيحية كما في الأرض الإسلامية» غالٍاما 
استخدمت إيديولوجيات الحرب المقدّسة لتبرير الفتح على حساب «الكفار»؛ كما 
سوف نرى ذلك في الفصل الثاني» المُكرّس لتطور مفاهيم الجهاد والحملة الصليبية 
وال ا“اورئزرروجرمعع8» وهي إيديولوجيات تمجد الحرب التي تخاض في سبيل الدين 
«الحق»؛ وإن كانت نادر! ما تستبعد التحالفات السياسية والعسكرية مع أمراء الدين 
المنافس. وهذه الإيديولوجيات لا تمنع الأمراء من ترك مكان محم قيلت 
الدينية وإن كان مكانا تابعغا. وسوف يدرس الفصل الثالث مصير الأقليات المسيحية 
في البلدان الإسلامية في أوروبا ومصير الأقليات المسلمة في البلدان المسيحية. 
وتؤدي التجارة في عالم البحر المتوسط إلى نسج علاقات قوية بين المدن البحرية 
الأوروبية (كبيزا والبندقية وجنوه وبرشلونة) وموانيء العالم الإسلامي؛ وتمارس» 
خاصة اعتيارًا من القرن الثاني عشرء تأثيرا عميقا على كل المجتمعات التي 
تمسهاء كما سنرى ذلك في الفصل الرابع. أمّا القفصل الخامسء أخيراء» فسوف 
يتناول التبادلات الفكرية والثقافية والفنية: وسوف ندرس بالأخص الأثر العميق 
للعلوم والفلسفة العربية في اليقظة.الفكرية في أوروبا اعتبارا من القرن الثاني 

ويعالج الجزء الثاني ما يسميه المؤرخون بالحقبة الحديثة» أي الحقبة الممتدة 
من أواخر القرن الخامس عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر. ويمكن الاعتراض 

على هذا التقسيم» الذي ينطوي بالنسبة للتاريخ الغربي على معنئ (كان قد جرى 
القيام به بحكمه) أكثر مما بالنسبة للتاريخ الإسلامي. على أنه يجد تبريرًا معينا له 
بقدر ما أن هذه الحقبة؛ في داخل التاريخ الإسلامي نفسه: تقدّمْ بععسض خصائص 


(*) الاسترداد» بالإسبانية في الأصل. - م. 
1١١‏ 


كانبثاق وازدهار عدة إمبراطوريات عظمى تحل محل التفتت السياسي الهائل الذي 
عرفته المرحلة السابقة: إمبراطورية المغول الكبار في الهندء إمبراطورية 
الصفويين الشيعة في فارس والإمبراطورية العشانية. والمهم بالأخص هو أن 
الاعتراف بأن هذه الحقبة تتميز بتغيرات عميقة في أوروباء الدخول إلى الحدائة 

إنما يعني الاعتراف أيضنًا بأن العلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي تدخل في هذه 
الحقبة في مرحلة جديدة. وفي هذا الصددء فإن حالة الدولة العثمانية لا يمكن سوى 
الإعلاء من شأنها لأنها حالة إمبراطورية من الإمبراطوريات الإسلامية يعد 
تاريخها التاريخ الأعمق تداخلاً مع التاريخ الأوروبي؛ بحيث إن التاريخين يمتزجان 
جزئيًا. والحال أن فصلا أول د يعيد تتبع هذا التاريخ المشترك. وإذ يعالج الفتح 
العثماني في أوروباء فإنه يستعيد ترتيلة الأحداث التي اختلط عبرها تاريخ أوروبا 
بتاريخ علاقاتهاء الطيبة أو السيئة؛ مع الدولة العظمى الإسلامية الأولسى أنذاك. 
ويستخلص فصل ثان خصائص «أوروبا الأخرى» هذه المنبتقفة عن الفتح 
العثماني: أوروبا متعددة الإثنيات ومتعددة الطوائف الدينية تحت سيطرة الهلال. 

وهذا الحضور الكافر [من وجهة النظر المسيحية] في أوروبا والخطر الذي يمثله 
يشكلان أسوأ التجريسات بالنسبة للجماعة المسيحية. وهكذا يصور الفصل الثالدث 
كل أشكال التناحر التي تضع الطرفين» على المستوى الإيديولوجي» في موضع 
التضاد الذي لا علاج له. فالعامل الديني يظل حاضرا بالفعل» كما في العصر 
الوسيط وهو يستعيد في الأغلب أشكال السجال القروسطي. لكن الرفض المتبادل 
يتخذ أيضناء على الجانبين؛ أشكالاً جديدة تتغذى على مصادر أخرى غير الإقصاء 
الديتي بشكله المحثد. ويشدّد الفصل الرابع على نتيجة أخرى لانقسام أوروبا إلى 
قسمين» حاضرين بشكل متفاوت اليوم في الذاكرات الأوروبية: وجود حدود 
إسلامية- مسيحية عبر أوروبا. وهذه الحدود هي موقع مواجهات دائمة:؛ فعلية 
ورمزية؛ وإن كانت أيضنا موقع تبادلات وتأثيرات متبادلة. ويظهر تعبيمرٌ صارخ 
عن هذه التأثيرات في هذه التشكيلات الاجتماعية العسكرية المعكوسة انعكاما 
مرآويّاء والتي» تحت» تسميات متنوعة وء بشخصيات خاصة في كل حالة» “تكد 
ثابتة, على جانبي هذه الحدود» على امتداد خطها البري أو البحري: فبماأنها 
مجتمعات بديلة ناجمة عن توترات اجتماعية ودينية في الخلفية: فإنها تخلق 


1١ 


مواجهة على جانبي الخط الفاصل؛ بين خصوم لا يجتمعون إلا لكي يزدادوا 
خصومة- إنها عالمٌ بيني؛ عالمٌ على حدة يميل إلى لعب لعبته الخاصة في.العلاقات 
بين الدول» وء عندما تدعو الضرورة إلى ذلكء يُربك ال0ولبمضرد وبهوم, الذي 
تقيمه هذه الدول. أمًا الفصل التالي فهو يلطف الصورة الكئييسة والسلبية أسانا 
للفصول السابقة. فجدار العداوة له ثغراته التي تعمل على عدم اختزال قرون 
التعايش هذه البتة في سلسلة متصلة من أعمال العنف والمواجهات. فبصورة 
منتظمة» نرى تراجع التناحر الإيديولوجي لصالح الواقعية السياسية أو البراجماتية 
التجارية التي لا تؤدي» بالتأكيد» إلى القضاء على أعمال العنف والمواجهات لكنهاء 
على الأقل» تضعها بين قوسين. وبوسع طباع أخرى؛ كالميل إلى الغرائبية أو 
الفضول الفكري أو التأمل الفلسفي أن تساعد على تآكل الحاجز الإيديولوجي: لكن 
التشكيك الذي تحمله إليه يظل على أي حال محدوذا بالفعل خلال الحقبة موضصع 
النظر. 


وينطلق الجزء الثالث من القطيعة الكبرى في النصف الثاني من القرن الثامن 
عشرء القطيعة التي سمّاها المؤرخون في الماضبي ب«فتح المسألة الشرقية». 
ونحن ننظر في معطيات من طبائع مختلفة تؤدي فجأة إلى وضع أوروبا في موقف 
قوة عظمى مفرطة مع ما يلزم عن ذلك من برنامج فتوحات للعالم القديم. ومنذ 
بداية القرن التاسع عشرء يصبح واضحا للنخب المسلمة أن مما لا مفر منه قبول 
التحول للتمكن من البقاء. والبرنامج المقبول هو برنامج تكوين دولة حديثة:؛ لكنه 
ينطوي على تحولات أساسية للمجتمع والثقافة. 

ومن ينجحون في صون استقلال شكلي ينخرطون في سباق سرعة بين تقسدم 
التدخلات الأوروبية وإقامة دولة قوية لا مفر أمامها من الاستعانة بالأوروبيين 
أنفسهم. ودينامية التغيرات تبين أن من الصعب تحديد ما هو مستعار لا أكثر ولا 
أقل وما هو مزامنة للتطورء كما تبين“ذلك المسألة المعقدة الخاصة بتحرير غير 
المسلمين في أرض الإسلام. أمّا الآخرون فيمضطرون إلى مواجهة «الليل 
الاستعماري» للسيطرة الأوروبية والتي تميل في بعض المناطق إلى التحول إلى 
استعمار استيطاني. 


(») التعايشء باللاتينية في الأصل. - م. 
1١‏ 


والعالم الإسلامي بعيد عن أن يكون سلبيًا حيال تقدم أوروبا متعدد الأشكال. 
فهو يدخل بالأحرى في دورة تحولات متسارعة تفضي إلى تبني مبدأ القوميات 
بوصفه نمطا جديذا للتنظيم الاجتماعي. والأشكال الجديدة للتعبير السياسي تصطدم 
بالتراثات الإسلامية الإمبراطورية مثلما تتصطدم بالإمبراطوريات الاستعمارية 
الحديثة. وفي مستهل القرن العشرين؛ يدخل العالم الإسلامي في عصر الثورات. 
وتحرره يتقدم مع الحرب العالمية الأولى التي تجتاح مع ذلك كل فضائه القاريء 
من المغرب الأقصى إلى الهند. 

والاستقلالات المحرزة وإن تطلب ذلك خوض النضال المسلح تفرض على 
العالم الإسلامي تحديات جديدة منبثقة من مواجهته مع أوروبا: النزعة القومية 
والإسلام السياسيء التنمية والتبعية» الدول الحديثة والجماعات الطائفية الدينية أو 
الإثنية. والحال أن العالم الإسلامي هو في آن واحد رهان وفاعل النزاعات الجديدة 
للحرب الباردة وهي نزاعات تستأنف منطق التوريط والتدخل الذي جرى إدخاله 

ا في القرن التاسع عشر. 

وفي الوقت نفسه؛ تؤدي حركات الهجرة إلى مولد إسلام «أوروبي» في داخل 
المتروبولات الاستعمارية السابقة. وتستعيدُ إشكاليةٌ التعددية الثفافية جزئيًًا الترائات 
الاستعمارية ولكن ضمن منظورٍ جديد تمامًا. ففي لحظة تُعَهُ فيه «الضفة الشمالية» 
للبحر المتوسط بسبيلها إلى إنجاز توحيدها عبر البناء الأوروبي؛ فإن أورويا تجد 
نفسها مدعوة إلى تحديد هويتها ضمن علاقتها بجيرانها المسلمين. والحال أن 
الخطابات التي تشَدّدُ على البُعد الثقافي على الجانبين إنما تميل إلى الرغبة في 
إنكار المكونات الوجدانية المشتركة العائدة إلى أكثثشر من قرنين من التاريخ 
المشترك. 


ج. كل 03 ك.ء ه. ل. 


١ 


الجزء الأول 
السراسنة والإفرنج: 
مزاحمات ومنافسات 

وتلاقيات 


بقلم 
جون تولان 


الفصل الأول 
عالم الجغر افيين: 
من 111 484814 إلى بلاد الإفرنج 


ما الصور التي كوّنها رجال ونساء العصر الوسيط عن العالم الذي عاشوا 
فيه؟ ماذا كان تصورهم عن الحدود - الجغرافية أو الدينية أو الثفافية؛ أو ما سوى 
ذلك- التي فصلت ما نسميه؛ نحن أبناء العصر الحديث؛ بالعالم الإسلامي عن 
أوروبا؟ من الواضح أن الإجابات عديدة؛ فالمنظور يتغير تبعا لتغير موقع النظرة: 
سواء كانت صنادرة من دير نورثامبريّ في القرن الثامن أم من بغداد في القرن 
العاشر أم من طرق الأناضول غير المستقرة في القرن الحادي عشر أم من سفينة 
جنوية مبحرة قبالة السواحل المصرية في القرن الثالث عشرء أم من المغرب في 
القرن الرابع عشر أم من الرأس المقدس في أقصى جنوبي - غرب البرتغال في 
القرن الخامس عشر. ويبقى أننا مضطرون إلى الاعتماد على تأملات تركتها نخبة 
مثقفة محدودة:؛ من الذكور أساسناء حول جغرافية وإتنوغرافية العالم الذي سكنته. 

والثقافة الجغرافية لهؤلاء المثقفين لها ركيزة مزدوجة: ركيزة الكتب المقدسة 
(التوراة والإنجيل والقرآن) وركيزة العلم الجغرافي الإغريقي. ومن المؤكد أن 
الجغرافيا الإغريقية قد مرت بتحولات: إذ تتلقاها أوروبا القروسطية مُفلترة عبر 
المؤلفات الجغرافية والموسوعية اللاتينية» العائدة بالأخص إلى القرن الخامس 
والسادس والسابع. وفي الخلافة الأموية ثم في الخلافة العباسية: يضاف إلى 
ترجمات المؤلفات الإغريقية تراث جغرافي بأكمله أصله فارسي وهندي. وقد نجد 
صعوبة في التمييز بوضوح بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية والتفسير 


(*:) بلاد العرب السعيدة, باللاتينية في الأصل, - م. 
/7ا١‏ 


الديني: فالجبال؛ مثلأء يجري تصويرها أحيانا على أنها تجليات للقوة الإلعية وقد 
يفسر مناخ بلاد الشمال قارس البرودة عجز الصقالبة والإفرنج عن إدراك تفوق 
الإسلام. 


أيناء إسحق: أيناء إسماعيل 

لننظر أولاً في الأطر التي تفرضها الكتب المقدسة - التوراة والإنجيل 
والقرآن- على الجغرافيا والإثنوغرافيا. وهذا اتجاه من المؤكد أنه أوضح ة في العلم 
اللاتيني مما في العلم العربي» ولهذا سببه: فالكتاب المقدس (خلاقًا للقرآن) يقذم 
معطيات سلالية تسمح للمسيحي بإعادة تتبع تاريخ الشعب المختار من أدم إلى 
يسوع (مع بعض ثغراتء والحق يقال) وبأن يحدد من خلاله عدذا معينا من 
الشعوب المجاورة: بل المعادية. والزمن مبني بالأسلوب نفسه: فكتاب الأخبار قد 
قسُموا التاريخ إلى ستة «عصور» كانت علاماتها هي حياة فاعلين رئيسيين في 
التاريخ المقدس: أدم؛ نوحء إيراهيم» داوودء نبوخد ا («العدو» الوحيد في 
السلسلة)؛ ثم المسيح7). 

وبالنسبة لإيزيدور السيبيلي» وهو موسوعي لاتيني ومعاصر لمحمدء فإن 
الجغرافيا البشرية هي نتيجة للتاريخ البشري: فتنوع الشعوب واللغات والعادات هو 
النتيجة المباشرة للسقوط [هبوط آدم وحواء على الأرض] والطوفان [النوحي] 
وتبلبل الألسنة في بابل. وكلنا منحدرون من آدم ونوح. وكان أسلافنا يتكلمون كلهم 
لغة واحدة» هي العبرانية» إلى أن دَمْرَ الرب برج بابل وبث البلبلة في الألسن. 
ويرى إيزيدور أن تنوع البشرية المدهش قابل لتفسير عقلاني وأن بالإمكان؛ من 
الناحية النظرية على الأقل» العودة إلى أصل مُوَحّْدء جِدٌّ مشترك في شخص نوح. 
وإذا كان إيزيدور يقوم بدمج تفاصيل كثيرة من التراث الإقوغرافي الروماني 
الكلاسيكي؛ فإنه يدرجها في إطار توراتي - إنجيلي؛ فارضنا نظامنا على 
الفوضى7). وهو يعرض هذه الرؤية للإثنوغرافية التاريخية في كتابات مختلفة؛ 
وبالأخص في الكتاب التاسع من مؤلفه الاشتقاقات. فالعالم يشتمل على اثنين 
وسبعين أو ثلاثة وسبعين شعبّاء لكل منهم لغته ويمكن رده إلى واحد من أبناء نوح 
الثلاثة: سام وحام ويافث. وهذا المخطط التصوري يسمح لإيزيدور ولقارئيه 

14 


بتصنيف الشعوب ضمن إطار عقلاني ومفهوم من الناحية الظاهرية. وهو يحدد 
شخصيات توراتية مختلفة بوصفها آباء لشعوب محدذة» ومن بين هذه الشخصيات 
«إسماعيل؛ ابن إبراهيم» ومن هنا الإسماعيليون؛ المعروفون الآن بالسراسنة 
(تمععهموى)» جراء التحوير الذي حدث لاسمهم؛ بوصفهم أحفادًا لسارة» والهّاجرنة 
(42076:1)؛ بوصفهم أحفادًا لهاجر»7) 
ويحسب سفر التكوين» فإن إسماعيل كان الإبنٍ البكر لإبراهيم ؛ وأمه هاجرء 
كانت جارية سارة. والحال أن ملاك الرب الذي شر هاجر بمولد اينها قد أبلغها 
بأنه سيكون «إنسائا وحشيًا. يدُهُ على كّ واحد ونه كل واحد عليه. وأمام جميع 
إخوته يسكن» (تكوين 15+ .)١7‏ وبعد ذلك؛ تضع سارة» زوجة إبراهيم؛ ابناء هو 
إسحق. ولدى فطام إسحقء يقيم والده مأدبة» وترى سارة إسماعيل وهو يسخر من 
أخيه الأصغر (تكوين +7١‏ 4). فتطلب عندئذ من إبراهيم: «اطرد هذه الجارية 
وابنها. لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني» (تكوين .)٠١ +7١‏ ويقول الرب 
لإبراهيم اسمع لقول سارة» مواسيًا إياه بتبشيره بأن «ابن الجارية أيطضنا سأجعله 
أته. وتلك هي الرسالة نفسها التي يوجهها إلى هاجر التي دب اليأس في صدرها 
في الصحراء (تكوين .)18-١7 ,7١‏ وسيحيا إسماعيل بما يكفي لإنجاب اثنى 
عشر ابناء «اثنى عشر رئيسنا حسب قبائلهم» «سكنوا من حويلة إلى شور التي أمام 
مصر حينما تجئ نحو أشور» (تكوين 76 .)18-1١5‏ وإسحقء الابن الشرعي 
لإبراهيم؛ هو وريثه ؛ ويجري نبذ إسماعيل في الصحراء. لكن نسله يظل خطرا 
على نسل إسحق. ومنذ القرن الأول للعصر المسيحيء يُماهي الكتاب اليهود 
والمسيحيون أبناء إسماعيل الإثنى عشر بقبائل العرب الإثنى عشرة(). ويزعم 
جيروم؛ في مستهل القرن الخامسء أنهم قد اغتصبوا اسم السراسنة «متخذين 
لأنفسهم زور! اسم سارة لكي يزعموا أنهم أحفاد امرأة حرة وشرعية»0). والواقع 
أنه ما من عربي يحمل اسم «السرسني»؛ فهذا مصطلح منبثق من الكتابة الجغرافية 
الإغريفية, القديمة! ). لكن إيزيدور ينقل هذه الفقرة عن جيروم وسوف يكرر كتاب 
لاتينيون 0 هذا الاشتقاق الزائف الذي يجعل من السراسنة مطالبين بشرعية تعود 
إلى ذرية سارة وحدها(". ا ْ 
ويقدم القرآن مروية مختلفة بالفعل فيما يتعلق بإبراهيم وإسماعيل. فإبراهيم 
يعلن: « الحمد لله :الذي وهب لي على الكبّر إسمعيل وإسحق»7) وإسماعيل هو 
114 


الابن البكر ؛ وهو الذي يرافق أبيه حتى مكة» حيث يبني الأب والابن معا الكعبة 
[القرآن 7: 1176 .]١77-‏ وفي عدة مناسبات في القرآن» يُدعى المؤمن إلى 
إعلان أنه يعبد إله إبراهيم وإسماعيل وإسحق ؛ وتضناف أحيانا أسماء أنبياء؛: 
خاصة موسى وعيسى30). والحال أن إسماعيل؛ بعيذا عن أن يكون ابنا غير 
شرعيء كان «صادق الوعد وكان رسولا نبيّا. وكان يأمر أهله بالصتلاة والزكاة 
وكان عند ربه مَرضيّا» [القرآن :١9‏ 4ه - 50]. وعندما يصف القرآن كيف تهيأ 
إبراهيم لتقديم ابنه كأضحية» فإنه لا يحدد ما إذا كان هذا الابن هو إسماعيل أم 
إسحق [9”؟ - ١9-931١‏ (]. 

ويستعيد الجغرافيون العرب هذه الموروثات القرآأنية. وبالنسبة للمسعودي؛ في 
القرن العاشرء فإن هناك هيراركية تامة بين أبناء نوح الثلاشة: ففي القمسة سام 
وذريته (ومنهم العرب والعبرانيون)؛ ثم يافث (جد الصينيين والهنود والإفرنج 
والصقالبة والأتراك)؛ وقي المرتبة الأخيرة حام (الذي ينحدر السود منه)!"). 
وأحيانا نجد صعوبة في تصور ذلك: فالمسعودي هذا نفسه يميز بين اليونانيين 
(الإغريق) المنحدرين من يافثء والروم (البيزنطيين) المنحدرين من سامل'". إلا 
أن الأنساب الواردة في الكتب المقدسة تقدم» بالنسبة للكُتّاب اللاتين والعرب»: 
المسيحيين والمسلمين» معلومات جغرافية وإثنوغرافية ذات أهمية من الدرجة 
الأولى. 


آخر الدنيا: 
بلاد الإفرنج منظورا إليها من بغداد في القرنين التاسع والعاشر 
وصف أندريه ميكيل بالتفصيل تطور علم الجغرافيا في المراكز الفكرية للعالم 
الإسلاميء خاصة في بغدادء العاصمة العباسية؛ وإن كان أيضناء اعتبارا من عام 
417 في القاهرة؛ العاصمة الجديدة للخلافة الفاطمية. والحال أن جغرافيي القرون 
الإسلامية الأولى إنما يترجمون المؤلفات الجغرافية الإغريقية والفارسية والهندية 
ويدخلون عليها تعديلات ويشرحونها ويعلقون عليهاء وهم يضيفون إليهما معارف 
جديدة مستمدة من مرويات الرحلات والرسائل والسجلات الحكومية. . وفي القرنين 
التاسع والعاشرء نجد أن هذا العلم الجديدء المسمى بالجغرافية؛ وفقًا لاسمه اليوناني» 
"٠‏ 


يستفيد من مؤلفات موسوعية كبرى كمؤلفات المسعودي وابن حوقل والمقدتسي. 
وتصبح المعرفة الجغرافية جزغ! من الأدب؛ الثقافة العالمة التي يجب على كل 
إنسان مثقف التمتع بها. 

ويستأثر العالم الإسلامي بالنصيب الأوفر في هذه الجغرافيا. فبغداد» العاصمة 
السياسية والثقافية؛ هي بشكل ما مركز العالم» حتى وإن كانت تتقاسم هذه المكانة 
أحيانا مع مدينتي مكة والمدينة المنورة المقدستين. وهناك سعي إلى رصد وتوصيل 
دراية بعالم خاضع لسلطة الخلفاء: فيجري عرض التضاريس الجبلية والأنهار 
وطرق التجارة البرية والبحرية. ويجري وصف الجماعات السكانية في مختلف 
الأقاليم: لغاتهاء عاداتهاء اقتصادها. كما يجري رسم صورة للمدن» مع تزويد 
القارئ يعدد مساجدها وحماماتها وأسواقها. 

والعالم خارج دار الإسلام يفتن أيضنا هؤلاء الجغرافيين. خاصة الهند 
والصين؛ وهما إقليمان شاسعان؛ عامران بالبشر وثريان. والصين» خاصة؛ تستثير 
فيهم إعجابًا صريخا. فالإدارة والقضاء والاقتصاد تعمل كلها على ما يرام ويبدو 
أنها خالية من الفساد. وخارج الصين والهند» خاصة في جزر المحيط؛ يحدد 
الجغرافيون مواقع عالم خرافي. فبعض الجزر تزخر بالذهب أو بالأحجار الكريمة» 
وفي جزر أخرى تنمو أشجار الفاكهة تلقائيُا معفية البشر من وجوب فلاحة 
الأرض. وهناك جزر يسكنها أكلون للحوم البشرء ويسكن جزرا أخرى نساء 
شهوتهن الجنسية عظيمة بحيث إنهن يُهلكن البحارة المساكين الذين ترسو مراكبهم 
عندهن. ومن الواضح أن هذا كله إنما يندرج في استمرارية العجائب التي نجدها 
أيضًا في الكتابات الجغرافية القديمة. وهكذا يجري إسكان العالم بكائنات بشعة: 
بشر من دون رؤوس ووجوههم في صدورهمء وكائنات أخرى لها أجساد بشر 
ورؤوس كلاب. وهناك بلاد الواق واق التي تحمل فيها شجرةٌ ثمرةٌ غريبة» على 
شكل امرأة عارية: وعندما تنضجء تفتح الثمرة ثغرها وتقول «واق واق!» وتسقط 
؛ ولدى انفلاقها على الأرضء؛ تخرج منها رائحة مثيرة للغثيان!'). 

وخلاقا للصين أو الهند؛ لا تحتل أوروبا غير مكان جد محدود في هذا 
التصور للعالم. ومن المؤكد أن الكلمة اليونانية مم0:؛ التي تصبح أروفا فسي 
العربية, موجودة عند هؤلاء الجغرافيين: فنحن نجدها مثلا في القرن العاشر عند 

5 


الهمداني وابن خرداذبه اللذين يشير هذا المصطلح عندهما إلى الربع الشمالي- 
الغربي من الأرض المسكونة7"". إلا أنه كما يشير إلى ذلك أندريه ميكيل؛ «فيما 
عدا هذه الذكريات القديمة» فإن مفهوم أوروبا غير موجود»9''). فالعلماء العرب قد 
قَسُموا العالم بالأحرى إلى مناخات (أقاليم): قطاعات مستطيلة: سبعةً في العادة: 
وأحيانا ثلاثة أو خمسة؛ موزّعة عمومًا بين خط الاستواء والقطب الثمالي*". 
ولكل مناخ خصائصه الخاصة: الرطوبة:؛ الحرارة؛ إلخ. التي تحدد طبيعة وأداء 
مملكته النباتية ومملكته الحيوانية وسكائه من البشر. والحال أن الجغرانيين العرب» 
شأنهم في ذلك شأن الإغريق قبلهم» قد زعموا أن المناخات الأنسب لسكنى البشر 
هي المناخات التي سكنوا هم فيها. ففي هذه المناخات «الوسط»»؛ يمكن للإنسان 
ممارسة الزراعة وبناء المدن والاستفادة من توازن جسماني ونفسي يسمح بالتأمل 
الفكري والعلم والاهتداء إلى الدين الحق. 277 

وبحسب الجغرافيين العرب أيضناء فإن الأمر مختلف تمامًا بالنسبة لسيئي 
الحظ الذين يسكنون المناخات الحارة جدًا أو الباردة جدًا. فزراعتهم أقل كثافة 
وبناياتهم الهشة من الخشب أو من القش وهشاشة صحتهم تظهر بجلاء في لون 
بشرتهم - فهي جد قاتمة بالنسبة لمن يسكنون البلاد الحارة بشكل زائد عن الحدء»؛ 
وجد فاتحة بالنسبة لمن يحيون في البلدان الباردة. وآثار المناخ السيئة تمنعهم أيضنا 
من الصفاء الذهني وتحرمهم من نعم الفلسفة والعلم والدين الحق. ولا غرابة بالمرة 
في أن المسلمين بينهم جد قليلين!. 

ومن المفهوم أن آثار المناخ البارد السيئة تمس شعوبًا أخرى سوى شعوب 
أوروبا: الترك خاصة؛ الذين يجري الإعجاب ببراعاتهم العسكرية وإن كان يجري 
تصويرهم على أنهم شبه متوحشين. فالبرد يدفعهم إلى الترحال والحربء لكنه 
يختزل شهوتهم الجنسية. وهي الآثار نفسها التي نجدها لدى الصقالبة والإفرنج؛» 
وهما شعبان يحتلان أقصى الشمال الغربي: للعالم المسكون. وصورة برابرة الشمال 
هذه تتواصل مع الصورة ألتي سادت في العصر القديم» سواء تعلق الأمر 
بالسكيثيين لدى هيرودوت أم بالجرمان لدى تاكيت. ويؤسس الهمداني (المتوفى في 
عام ©44) هذا التصور على نظريات بطليموس الفلكية: فهو يُعَدَدُْ أقاليم الرئع 
الشمالي الغربي من العالم: بريطانياء غالاتياء جرمانياء إيطالياء بلاد الغال» اليويل» 
صقلية» بلاد الكلت؛ هسبانياء بلاد الصقالية؛ ضمن بلاد أخرى. وسكان هذه الأقاليم 


>23 


«أقل ميلا إلى الإذعان» عشاق للحرية والسلاح والجهدء معادون لرجال الشرطة 
والنظام» تحركهم أهداف عظمى707"). ومن المؤكد أن هذه السمات نتيجة البُعد 
عن الشمسء لكنها أيضا مترتبة على التأثير المتزايد لكوكبي المشترى والمريخ. 
ويزايد جغرافيون آخرون. ولننظر مثلا إلى ما يقوله الموسوعي الكبير 
المسعودي (المتونى في عام 155 أو في عام 1517) في مؤلفه كتاب التنبيه 
والإشراف: «وأمًا أهل الربع الشمالي» وهم الذين بعدت الشمس عن سمتهم من . 
الواغلين في الشمال كالصقالبة والإفرنجة ومن جاورهم من الأممء فإن سلطان 
الشمس ضعف عندهم لبعدهم عنهاء فغلب على نواحيهم البرد والرطوبة وتواترت 
الثلوج عندهم والجليد» فقل مزاج الحرارة فيهم؛ فعظمت أجسامهم وجفت طبائعهم 
وتوعرت أخلاقهم وتبلدت أفهامهم وثفلت ألسنتهم؛ وابيضت ألوانهم حتى أفرطت 
فخرجت من البياض إلى الزرقة ورقت جلودهم وغلظت لحومهم؛ وازرقت أعينهم 
أيضاء فلم تخرج من طبع ألوانهم وسبطت شعورهم وصارت صهبًا لغلبة البخار 
الرطب ولم يكن في مذاهبهم متانة» وذلك لطباع البرد وعدم الحرارة. ومن كان 
منهم أوغل في الشمال فالغالب عليه الغباء والجفاء والبهايمة» وتزايد ذلك فيهم في 
الأبعد فالأبعد إلى الشمال» وكذلك من كان من الترك واغلاً في الشمال؛ فلبعدهم من 
مدار الشمس في حال طلوعها وغروبها كثرت الثلوج فيهم وغلبت اليرودة 
والرطوبة على مساكنهم» فاسترخت أجسامهم وغلظت ولانت فقارات ظهورهم 
وخرز أعناقهم؛ حتى تأتى لهم الرمي بالنشاب في كرهم وفرهم وغارت مفاص لهم 
ثرة لحومهم فاستدارت وجوههم وصغرت أعينهم لاجتماع الحرارة في الوجه 
حين تمكنت البرودة من أجسادهم إذ كان المزاج البارد يولد دما كثيراء واحمرت 
ألوانهم؛ إذ كان من شأن البرودة جمع الحرارة وإظهارها. وأمًا من كان خارجًا عن 
هذا العرض إلى نيف وستين ميلا 5 ومأجوج؛ وهم في الإقليم السادس» قإنهم 
في عداد البهائم»7"". 


فما أهمية هذا الوصف. بالنسبة للعالم البغدادي وجمهوره المثقف؟ إنه يؤكد 
. شعوره بالتفوق الديني» من دون شك: إن النجوم نفسها»ء خاصة الشمسء؛ تعود 


(»:) ترجمة عن الفرنسية. -م. 
5 


بفوائد عظيمة على من كان من حسن حظهم سكنى المناخات الوسط في المسكونة. 
فغياب الحرارة هو سبب خصائص الترك الخاصة: العيون الزرق» الشعر السبطء 
الغباء والغلظة» بل وقدرتهم على الرمي بالنشاب في كرهم وفرهم. وهذا مصير 
محزن أفلت منه العرب جراء مولدهم في وسط العالم. ومن المؤكد أن من غير 
الممكن الحديث عن تصور ل«أوروبا»» بل بالأحرى عن رؤية لشمال غامض 
وشاسع تصعب رؤية حدوده بين الإفرئج والصقالبة والترك. وهذه لكشيو 
بالنسبة للمسعودي» جار ليأجوج ومأجوج وهما شعبان متوحشان لابد لهماء بحسب 
الكتاب المقدس والقرآن» من أن يدمرا العالم المتمدن في آخر الزمان. ونشعر بأن 
أناس الشمال هؤلاء هم بشكل ما في منتصف الطريق بين الإنسان «الطبيعي»» 
الذي يسكن مناخات الوسطء والكائنات البشعة» ويأجوج ومأجوج وآكلي لحوم البشر 
وكائنات واق الواق التي تخيم على محيط العالم. على أن الشعوب النائتية تستثير 
العجب: إن ابن رسته في كتابه الأعلاق النفيسة (407)؛ يصف صيد الحيتان عند 
الأيرلنديين ويتحدث عن الجزر المسكونة بالإوز التي لا تتغذى إلا على لحم 
البحارة الغرقى1". 

أمّا مصادر هذه الأفكار عن الشعوب التي تسكن أطراف الأرض فهي تتمثل 
غالبًا في مؤلفات الجغرافيين الإغريق والفرس ؛ ونلتقي أيضنا بمعلومات أحدث. 
ففي يونيو/ حزيران :47١‏ تغادر سفارة بغداد لتصلء بعد عام تقريباء إلى ملك . 
البلغار» على ضعاف القولجا. وأمين سر المجموعة؛ ابن فضلان»ء يصف الرحلة 
والمحادثات وعادات الشعوب التي يلتقونها: كالخوارزميين والترك والغز 
والبشكيريين والبيتشنيخ والبلغار والروس. وهو يصف في دهشة المناخ القاسي 
للشمال الواسع؛ حيث تتجمد لحيته ما أن يخرج من الحمام ؛ وهو يتحدث عن 
الذهول والهلع الذي بثته في صدره تجربته الأولى مع الأضواء القطبية الشمالية. 
ونظرة ابن فضلان نظرة إثنوغرافي: ففيما يخص كل شعب يلتقيه» يصف عاداته 
الغذائية وملابسه ونظافته (أو في الأغلب غيابها)» والموقف من الزواج ومن 
الجنس وطقوس الدفن. وهو يتحدثء بكل تأكيد عن الديانات: فهو يلتقي تركا 
يعبدون أوثانا على شكل الإحليل ويبررون موقفهم هذا قائلين: «خرجت من مثله 
فلست أعرف لنفسي خالقا غيره»9". والروس لهم آلهة منحوتة من أعواد من 


>23: 


الخشب مغروزة في الأرض: وهم يقدمون لها عطايا للفوز ببركاتها في التجارة أو 
في الحرب. أمّا ملك البلغار فقد تحول إلى اعتناق الإسلام: ويعظ ابن فضلان 
مؤذنه فيما يتعلق بطريقة النداء إلى أداء الصلاة ؛ وهو يحاول عبثًا إلزام النساء 
البلغاريات بارتداء الحجاب. 
ولم يكن بوسع تقرير ابن فضلان إلا أن يؤكد المخططات التبور ب المقاية 
التي نزلت بشعوب الشمال إلى درك أسفل. وفي عالم الأطراف هذاء لم تكن يأجوج 
ومأجوج بعيدة. ومن الوارد أن البلغار قد حدثوه عن التقائهم بعملاق ينتمي إلى هذا 
الشعب: ولدى مجرد رؤيته» مات الأطفال وسقطت الأجنة من النساء الحوامل. وقد 
أمسك هذا العملاق بالرجال وقام بخنقهم ؛ وفي نهاية المطاف؛ تمكن ملك البلغار 
من شنقه ؛ وقد أشار لابن فضلان إلى قبره. ومن بين الشعوب التي سيلتقيها هذا 
الأخيرء يصف الروس بأنهم «حميرٌ ضالة»» ويرجع ذلك جزئيًا إلى وثنيتهم» وإن 
كان يرجع أيضنًا إلى أنهم «أقذر خلق الله»7 ). فهم قليلاً ما يستحمون أو أنهم لا 
يستحمون: على الإطلاق ؛ ولهم علاقات جنسية مع جواريهم يمارسونها على مرأى 
من الجميع. لكننا نرى نظرته كإثنوغرافي» خاصة في الوصف التفصيلي الذي 
يقدمه لمأتم زعيم روسي. فالميت يوضع في قبر مؤقت ترقبًا لإعداد كل شيء 
لحرق جثمانه. ويجري نصب خيام حول المقبرة ويتم اختيار إحدى الجواري 
الشابات لمشاركة سيدها في الموت. وهذه الضحية تحتفل؛ على مدار عشرة أيام؛ 
مع أقارب الميت؛ فتشرب معهم وتسلم نفسها لجميع الرجال. وفي اليسوم العاشرء 
يجري إعداد محطبة يوضع عليها مركب يتضمن غرفة جنائزية. ثم يقومون 
بإخراج الميت من قبره ويلبسونه ثيابًا زاهية ويقدمون إليه مشروبات ومأكولات» 
ويذبحون حيوانات لأجله. وأخيراء يضعون الجارية إلى جواره ؛ ويمسك بها أربعة 
رجال وتقوم عجوز يسمونها «ملك الموت» بتسديد طعنة خنجر إلى صدرها. ثئم 
يجري إشعال المحطبة وء في غضون ساعة من الزمن» يصبح كل ذلك رماذا. 
وهذه المرويات سوف تغذي الموسوعات الجغرافية؛ لكنهاء وهذا مفهوم تماماء لبن 
تبدل شيئا فيما يتصل بالأفكار المسبقة عن برابرة الشمال. 
ومع ذلك؛ تشغل شعوب الشمال هذه؛ بوجه عام؛ حيزً!ا محدوذا في مرويات 
الجغرافيين. والموسوعيون الذين أرادوا تقديم وصف شسامل للعالم المسكون لا 


56 


يملكون الكثير لقوله عن أوروبا الشمالية. فهل يجب أن نستنتج من ذلك؛ مع برنارد 
لويس» أن عرب العصر الوسيط كانوا يفتقرون إلى الفضول فيما يتعلق بالعالم 
خارج دار الإسلام0')؟ كلا بالمرة ؛ فقد تحدثنا بالفعل عن المكانة المهمة التي 
تحتلها الصين والهند ؛ كما تستحق بيزنطة مرويات وصفية مستفيضة. 

والواقع أن بيزنطة» أو بالأحرى الروم في العربية» أي «روما»» هي المنافس 
الذي يستثير الخوف والاشتهاء لدى كتاب عرب عددين في القرنين التاسع 
والعاشرء في عصر (كما سنرى) تستعيد فيه إمبراطورية القسطنطينية قواها وتقوم 
بفتوحات على حساب جيرانها المسلمين. فهم يهتمون بقوة الإمبراطورية وبنيتها 
التحتية العسكريتين: شبكة حصونهاء تنظيم جيشها في أسلحة:؛ أسطولها"". 
والعاصمة» القسطنطينية» التي حاولت القوات العربية الاستيلاء عليها في العقود 
الأولى للفتح» تظل منيعة» فخيمة» خلف أسوارها القوية. والحال أن هارون بن 
يحيى؛ أسير الحرب الذي أقام فيها (نحو أواخر القرن التاسع على الأرجح)ء إنما 
يقدم لوحة لها ثرية بالمعلومات» مشدّدًا بالأخص على التزيين الباذخ للقصور 
والكنائس وعلى فخامة المواكب والطقوس خلال الأعياد» مقدمًا على سبيل المثال 
وصفًا تفصيليًا للأرغن الذي يتم العغزف عليه خلال مأدبة. وسوف يستعيد 
جغرافيون هذه المروية. 

وبيزنطة مصدر انزعاج وفتنة. وهناك تساؤل عن المصدر الذي تستمد منه 
مواردها المالية: إنهم يعرفون بكل تأكيد ضريبة الأرض الكامنة في أساس هذه 
الثروات» لكنهم يشتبهون أحيانا بحيازة الإمبراطور لأرضدة لا تنفد مستمدة من 
دراياته بالخيمياء: الواقع» فيما يهم ابن الفقيه في مؤلّفه كتاب البلدان (القرن 
التاسع)؛ أن الإمبراطور يحوز في خزانته زكائب بودرة بيضاء يحولها إلى 
0 

وإذا كانت القسطنطينية عاصمة الروم؛ فإن هؤلاء الجغرافيين يعرفون بالفغعمل 
أن هناك؛: في الغرب»؛ روما أخرى؛ هي الأولى. ويشدّد السعودي على أهمية 
المدينة في البحر المتوسط ويتتبع تاريخها من يوليوس قيصر إلى قسطنطين؛ معدذا 
الأباطرة ؛ كما أنه يصف كيف حلت المسيحية هناك محل عبادة الأوثان. وتصبح 
المدينة مقر البطريرك المسمى بالباب؛ الباباك'). ولدى كتاب عديدين» فإن وصف 


الل 


المدينة مصبوغ بالعجب: إن ابن خرداذبه (في مؤلفه كتاب المسالك والممالك: 
المكتوب نحو عام 886) يقدم وصفا سوف تتم استعادته إلى حد بعيد (ورسوف 
يتم توسيعه أحيانا) من جائب من جاءوا بعده. فهو يؤكد أن روما بها ... ؟١‏ 
شارع يضم كل شارع منها ١777‏ قصر! ؛ وهناك 16 سوقا و ... 48٠‏ حمّام 
٠٠١ ٠٠٠0(‏ عند ابن الفقيه في عام .)1١07‏ لكن ما يصدم مخيلة ابن خردانبه 
بالأخص هو سيطرة الكنيسة: إن ١١٠١‏ كاهن عمود يبدو أنهم عاشوا مقيمين على 
أعمدة عددها مساو لهذا العدد ؛ ومن المفترض أن هناك ٠٠٠١‏ كنيسة (... ١4‏ 
عند ابن الفقيه) وأكثر من ٠٠١ ٠٠١‏ جرس و0١0٠٠١7‏ صليب من الذهب 
وهلمجرا. ويقال إن أوسع هذه الكنائس طولها “ كيلومترات وقد لا تكون مسضاءة. 
إلا بأحجار الياقوت التي يجري إدخالها في أعين التماثيل. وفي كنيسة الرسولين 
. بطرس ويولس تقاد المصابيح بزيت يتم جمعه بطريقة فريدة: فالريح تهب في 
دوارة ريح نحاسية على شكل طائرء يبدأ في الصفير. وتجاوبًا مع هذاء تقوم كل 
الطيور في الجوار بجمع غصينات من أشجار الزيتون وتضعها أمام الكنيسة!*". 

وسوف تحتل أوروبا مكانة أهم بكثير لدى عبد الله محمد الإدريسي الذي 
سوف يقوم؛ في خمسينيات القرن الثاني عشرء بتأليف كتابه كتاب روجرا, بطلب 
من روجر الثاني» ملك صقلية النورماني". وهدف الإدريسي المعلن هو تقديم 
رؤية عامة ودقيقة للعالم. وهو يرسم خارطة للعالم يُعَدُ كتاب روجر بشكل ما شرا 
تفصيليًا لها. وهو يستخدم في أن واحد نصوص جغرافيين سابقين ومعارفه الخاصة 
عن الأماكن التي شاهدها (في صقلية وفي إسبانيا وفي المغرب) كما يستخدم 
شهادات الرحالة والتجار الذين ترددوا على بلاط باليرموء وهي شهادات يبدو أنه 
قام بجمعها بشكل منهجي. والإدريسي لا يكتب بعد ضمن منظور الأدب ؛ فهو 
يختزل الاستطرادات التاريخية والأوصاف العجائبية التي وجدها في مصادره. 
ومن المؤكد أنه لا يستبعدها كليًا: ففي وصفه لروماء مثلاً» نجد من جديد ال 
0 كنيسة وقناة عظيمة مصنوعة من النحاس؛ ونجدء في إحدى الكنائس؛ اثنى 
عشر تمثالاً من الذهب الخالص عيونها مصنوعة من الياقوت. ولكي يصف كنائس 
روماء يثق بابن خرداذبه بأكثر مما يثق بالأحبار في حاشية روجر. 


(“*) عنوانه الأصلي «نزهة المشتاق في اختراق الأفاق». - م. 
ا 


ويحتفظ الإدريسي بالبنية الكلاسيكية للمناخات السبعة ؛ وهو يقسم كل مناخ 
إلى عشرة أقسام مستطيلة» من الغرب إلى الشرق. وفي داخل كل قسم؛ يسير 
وصفه في أثر مسار الرحالة: في رحلة ساحلية من ميناء إلى آخر أو على امتداد 
الأنهار أو على طول الطرق البرية. وهو يصف أحيانا الأرياف أو المحاصيل 
الزراعية أو تربية الماشية أو صيد السمك. وهو يسمي المدن» وبعضها (كقرطبة 
أو تونس) له الحق في وصف مفصل نسبيّاء بينما بعضها الآخر له الحق في مجرد 
أوصاف من قبيل «رائعة» (بالنسبة لكليرمون) أو «مريحة وشهيرة وجد 
مزدهر”» (بالنسبة لثيسالونيك). وفيما يتعلق بأوروباء فإن المعلومات الواردة في 
كتاب روجر تتجاوز بكثير معلومات سابقيه. ويمكننا أن نرصد أيضا مسارًا من 
ماينس إلى 0 أو من كولونيا إلى راتيسبون» مرورً! بمدن على الطريق يُعَدَدُ 
أسماءها. وبديهي أن الإدريسي يقدم معلومات غزيرة عن صقلية وجنوبي إيطاليا. 
وبالنسبة لبقية أوروباء فإن معلوماته متفاوتة ؛ ويمكننا أن ندهش مع هنري بريسك 
وآنليز نيف؛ مثلأء من فقر المعلومات عن شمالي إيطاليال'”'). ومما لا مراء فيه 
أن بعض من يزودونه بالمعلومات تجارٌ نورمان» يقدمون له معلومات عن 
السواحل البريتونية (وفي الوقت نفسه رأيا سيئا في البريتون). والواقع أن 
نورماندي تحتل مكانة ممتازة في الوصف. وهكذا فإن بايو «مديئة مريحة؛ رائعة 
ومزدهرة» (ص 5 بينما قد لا تكون باريس سوى مدينة «محدودة العظمة!!» 
(ص 57307). 

وتظل جغرافيا كتاب روجر فريدة: فهذا الكتاب مكتوب بالعربية في بلاط 
ملك نورماني؛ ويشكل صهرا للتراث. الجغرافي العربي بمعلومات مجموعة 
خلال استقصاءات من رحالة وتجار أوروبيين. وحقيقة أن هذا المؤلف تسنى له أن 
يرى النور شهادة على الطابع الكوزموبوليتي لبلاط ملوك صقلية» رعاة العلماء ‏ 
اللاتين واليونانيين والعرب. لكن هذه الكوزموبوليتية لها حدودها: فالكتاب لم يترجم 
في العصر الوسيط ومن ثم فلن يمارس أي تأثير على المعرفة الأوروبية 
بالجغرافيا. 





0س ترجمة عن الفرنسية. - م. 


العالم منظورً! إليه من أوروبا اللاتينية في القرن الثاني عشر: 
الجغرافيا والتاريخ بحسب إيجيس دو سان - قيكتور 
كان الجغرافيون الإغريق قد جعلوا من ديلفي سرّة (05اه/م:جم) العالم ؛ أما 
الجغرافيون العرب فقد حددوا مركز العالم في بغداد أحيانا وفي المدينتين المقدستين 
بالجزيرة العربية أحيانا أخرى. لكن الجغرافيين الأوروبيين في العصر الوسيط لم 
يزعموا قط أنهم يسكنون مركز العالم. وبما أنهم كانوا مدينين بالولاء للتراثئات 
القديمة» فقد كانوا مدركين لحقيقة أنهم يسكنون الأطراف الثمالية - الغربية 
للارض. أمّا المركز فقد كان أورشليم: ونحن نراها على العديد من خرائط العصر 
الوسيط. وهذه الخرائط تقسم العالم إلى ثلاث قارات يحيط بها البحر المحيط: آسياء 
في الشرق؛ تحتل نصف السطح المسكون من الأرض ؛ أفريقياء تحتل الربع 
الجنوبي - الغربي بينما تحتل أوروبا الشمال - الغربي. 
لننظر إلى العالم من باريس نحو عام .١١١‏ إن إيجيس دو سان - قيكتور 
يؤلف كتابه المعنون ب( ,لمم عمصه: و[اننرععه2 بعد عام ١١١٠١‏ بقليل على ما 
يبدو”"» وذلك بهدف تعليم فن قراءة خارطة» خارطة للعالم. والحال أن إيجيس 
المنحدر من الفلاندر إنما يدخل دير كهنة شرعيين منتظمين هو دير سان - 
قيكتور؛ جد القريب من باريسء نحو عام ١١١١‏ ويمكث فيه حتى موته فسي عام 
.,١‏ ولعدم اكتفائه بكتابة كتالوج بسيط يشتمل على معارفه المستمدة من الكتب 
عن الجغرافياء فإنه يحاول أن يقدم؛ بشكل واضح ومنهجيء مختلف أسماء الأماكن. 
ونصه يُعَدٌ في أن واحد تقليديًا ومجدذا: فهو تقليدي لأن رؤيته للعالم لا تختدف 
كثيرا عن رؤية أكبر كاتبين في القرنين السابع والثامن؛ إيزيدور و بيديه؛ اللذين 
وصفا العالم مستخدمين معارف مستمدة من قراءتهما للجغرافيين القدماء ومن 
التوراة والإنجيل ومن أباء الكنيسة. لكن إيجيس يبرهن على حرص تربوي لم يكن 
لدى هذين الكاتبين: فكتابه مزامة50ه2 هو بشكل مأ مرجع كذررسن» بثين لنا كيف 
أمكن استخدام خارطة للعالم لتدريس الجغرافيا في باريس في عام .1١7١‏ ولا 
يحتفظ أي مخطوط من مخطوطي القرن الثاني عشر اللذين يتضمنان كتاب ال 
00 خارطة العالم التي يشرحها إيجيس. إلا أنه أمكن التعرف على خارطة 
(“) وصف خارطة العالم, - م. 
8 


أخرى؛ رسمت أيضنًا في شمالي فرنسا في القرن الثاني عشرء شبيهة بتلك التي 
استخدمها إيجيس9؟". 

ويبدو أن خطة هذا النص تعكس أيضنا الترتيب الذي أعطاه إيجيس لدروسه 
عن الجغرافيا. فهو يوضح أنه سوف يبدأ بوصف المحيط والرياح الإثنتي عشر 
والجزر الموجودة في المحيط. ولو نظرنا في الخارطة الموجودة في ال 
نه 1اطازطكاقة)5 وناءئزمعنز82 في ميونخ؛ فسوف نرى أن إيجيس يبدأ من الخارج: 
فالمحيط؛ بما يتماشى مع تراث الجغرافيا القديمة» يحيط بالعالم المسكون ؛ وحوله» 
يشار إلى أسماء الرياح الاثنتي عشر. ومن الناحية الفعلية» نجد أن إيجيس» بعد أن 
شرح موقع المحيط وأسماء الرياح, يُعَدَدُ الجزر الموجودة في المحيط وفي مختلف 
البحارء مقدمًا وصفا موجز! لبعض هذه الجزر وسكانها. ثم يشرح تقسيم الأرض 
إلى ثلاث قارات: «جرت العادة على تقسيم الأرض إلى ثلاث قاراتء هي آسيا 
وأفريقيا وأوروباء حتى وإن كان هناك تفاوت ضخم بين هذه القارات الثلاث. إلا 
أن من يود معرفة أقاليم هذه الأجزاء الثلاثة [للعالم] أو مقاطعاتها وأقسامها قد يكون 
عليه التعرف أولاً على مختلف الجبال والأنهار والمجاري المائية التي تفصل بين 
الأقاليم أو المقاطعات. وفي آسياء التي تضم نحو نصف الأرض (من حييث 
حجمها)» فإن الأنهار والمجاري المائية هي ما يلي [...]070”. 

ثم يلي ذلك تعداد لل 57:0 (الأنهار والمجاري المائية) في مختلف أقاليم 
آسيا: ويمكننا أن نتخيل بسهول إشارة الأستاذ الذي يتتبع؛ بيده مسارات الأنهار 
على الخارطة. ثم إنه يفعل الشيء نفسه بالنسبة للجبال. وتسعى الخارطة إلى 
فرض النظام على العالم وإلى جعله قابلاً للتعرف عليه ولأن يكون مفهومًا: 
وإيجيسء بهذه القراءة للخارطة»؛ يفعل الشيء نفسه. إن العالم منقسم إلى ثلافة 
«أجزاء» (لا يستخدم إيجيس مصطلح «قارة»). وكل جزء من هذه الأجزاء الثلائة 
ينقسم إلى أقاليم عبر حدود طبيعية» خلقها الرب» هي الجبال والأنهار. والنهج 
التربوي واضح: لابد أولاً من معرفة هذه الأقسام الطبيعية قبل: السعي إلى معرفة 
أسماء المدن أو الممالك. وهذه الأخيرة» التي خلقها البشرء تتبع منطق الجغرافيا 
لطبيعية التي حددتها الأنهار والجبال. وعمليّاء يُعَدَهُ إيبجيس بعد ذلك أسماء 
«مقاطعات ومدن آسيا». ثم يُعَددُ مختلف البحار بين القارات قبل أن يتحول إلى 


7 





«ذلك الجزء من العالم المُسمّى بأفريقيا» وأخير! إلى أوروبا «ثالث أجزاء 
الأرض». 

ومن المفترضص أن الطالب الذي تابع بانتباه هذا الدرس في الجغرافيا كان 
بوسعه أن يقول لناء مثل» أن مدينة إيشباثائيس موجودة في الهند» على ضفاف نهر 
الجانج» وأن البحر الكريتي موجود بين جزيرة كريت والإسكندرية وأن أوروبا 
منقسمة إلى اثنتين بجبال الألبء وأن سفينة نوح قد رست على جبل آرارات في 
أرمينيا. ولكن ما الهدف من هذا التعليم؟ ما مكانته في البرنامج التعليمي في مدرسة 
سان - فيكتور؟. يصرح إيجيس في مقدمة ال 0 (ص ”177) ب: «إننا 
نقترح في هذا المؤلف ليس رسم خارطة العالم» بل وصفهاء أي بيان ليس الأشياء 
ولا صور الأشياء, بل بالأحرى دلالاتها». فالمعارف الجغرافية مفيدة في فهم 
أسماء الأماكن التي نقابلها لدى قراءة الكتاب المقدس أو الكتاب القدماء. ولنلاحظ 
الفرق مع الجغرافيا العربية. فجغرافيا إيجيس (وكتاب لاتين آخرين) يتم إنتاجها 
ضمن وسط ديري ولأجل هذا الوسط ؛ وهي قائمة على الكتاب القدماء وعلى 
الكتاب المقدس وتشكل أداةً بيد الراهب أو الكاهن الذي ينصب اهتمامه الرئيسي 
على فهم قراءاته الإنجيلية وقراءاته لكتابات آباء الكنيسة. بينما الجغرافيا العربية: 
بالمقابل» كما رأيناء يتم إنتاجها في بلاط الخلفاء وملوك مسلمين آخرين ؛ وهي 
جزء لا يتجزأ من الأدبء ثقافة إنسان الدنياء الإنسان المثقف. ومن المؤكد أنها 
تعتمد على التراث الإغريقي نفسه؛ وتدمج معلومات من التراث التوراتي والإنجيلي 
والقرآني» لكنها تتضمن أيضنا معلومات مستقاة من الرسائل الإدارية ومرويات 
رحلات ومعلومات مأخوذة عن تجار. والهدف هو جمع معازف ضرورية بالنسبة 
لرجل يعمل في البلاط. 1 

وحالة الإدريسي (معاصر إيجيس) مختلفة بعض الشيء. فالإدريسي» شأنه في 
ذلك شأن إيجيس تماماء يستخدم خارطة كنقطة انطلاق ؛ ونص كل منهما يجري 
تقديمه بشكل ما على أنه شرح للخارطة. لكن النتيجة مختلفة تمامًا: فالإدريسي يود 
فهم العالم في ذاته؛ ويُقارب المسألة علميًا ؛ أمّا بحسب إيجيسء فإن الجغرافيا علمٌّ 
في خدمة التأويل واللاهوت. وهو يرى أننا قبل أن نفهم الدلالة الروحية لسفينة نوح 
(والتي يكرس لها بحثًا آخر)؛ فمن الحكمة أن نتمكن من وضع نوح وسفينته في 

1 


الزمان (بدراسة الجغرافيا). والجغرافيا والتاريخ علمان مساعدان جد مفيدين؛ 
يشكلان جزءًا (متواضعا لكنه مهم) من التربية. وفهم خارطة إنما يعني فهم جانب 
من التنظيم المنطقي الذي أعطاه الرب للكون. والحال أن إيجيس والجغرافيين 
اللاتين الآخرين لا يملكون سوى القليل أو لا شيْء لقوله عن سكان آسيا وأفريقيا 
المسلمين؛ ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن معرفتهم قائمة أساسئا على مؤلفات 
الجغرافيين القدماء؛ المكتوبة قبل صعود الإسلام. ومن المؤكد أن هناك مرويات 
رحلات؛ كتبها حجاج وتجارء إلخ. سافروا إلى بلدان إسلامية ؛ لكن المعلومات 
التي تقدمها لا هي متضمنة في الخرائط ولا هي واردة في النصوص الجغرافية. 

وقد قلنا إن إيجيس يستمد معلوماته من مؤلفات كتاب مسيحيين سابقين» 
استمدوها هم أنفسهم من كتاب قدماء ومن الكتاب المقدس ومن كتابات الآباء [أباء 
الكنيسة]. وأسماء المدن والأقاليم (عندما لا تكون ذات ات شكل مغاير) مطابقة للأسماء 
التي نجدها عند كُتاب القرن الرابع؛ كما لو أن شيئا لم يتغير في ثمانية قرون. ومن 
المؤكد أن إيجيس يقدم من وقت لآخر تفصيلا جديذا: : فهو يضع مصر بالفعل في 
أفريقيا وليس في آسياء واثقًا بخارطته بدلا من أن د يثق بالمرجعيات النصوصية. 
وهى بورد بطتدة لسناء ندن لا تجدها عل اللكاب القنماةة : ماروش (مراكش) في 
أفريقياء بوغداد (بغداد) وتوفليت (تفليس) في آسيا ؛ وبما أن هذه المدينة الأخيرة 
كان قد تم فتحها على يد ملك جيورجيا (حليف الصليبيين) في عام 21١57”‏ فإن 
الخارطة تشتمل من ثم على بضع معلومات حديثة نسييا. . ويبدو أن إيجيس ذل 
جهذا في تحديث معلوماته. ونحن نرى ذلك فيما يتعلق بأوروبا: فهو يسمي عدة 
مدن أوروبية يبدو أن معيار إدراجها هو ما تمتعت تمتعت به من أهمية في القرن الثاني 
عشر. إلا أنه حتى فيما يتعلق بأوروباء وحتى فيما يتعلق ببلاد الغال» التي يصفها 
بالتفصيل: فإن الأخطاء عديدة: فالجارون واقعة في اللوار وتولسوز موجودة في 
بريتانيء إلخ. ورؤيته للعالم لا تتطابق مع الواقع. 

وهذا أوضح أيضنًا في أوصافه للشرق الأة قصىء حيث يمزج بين معلومات 
أكل الدهر عليها وشرب وأسماء مشوهة وتفاصيل خيالية. . نقد بادت التقسيمات 
(الإثنية وتقسيمات أخرى) التي ترجع إلى زمن الكتاب القدماء» والذين يشكلون 
مصادر غير مباشرة لخارطة العالم ؛ ؟ وموقف إيجيس من المعرفة مختلف تماما 

0 


عن موقفنا: فهو يرى أن الكتاب القدماء جديرون بالثقة بشكل قبلي (0:”,م >) وأن 
الجماعات الإثنية ثابتة نسبيًا في الزمان. وأسماء الأماكن مشوهة أحيانا ويصعب 
تحديد الأماكن. وأخيراء فإن المجمل مصبوغ بما هو خيالي: فإيجيس؛» أنه في 
ذلك شأن إخوته العربء الأوفياء للتراث القديم والقروسطيء يُسكن الحدود الشرقية 
والجنوبية بكائنات غريبة ؛ وهو إذ يتحدث عن الهند؛ مثلأء يعلن أن: «هذه الأقاليم 
بها العديد من الكائنات البشعة العجيبة» إذا كان ما يقال صحيحا. فهناك أقزام؛ بشر 
طولهم ذراع. يحيون فقط [من رؤية؟] ألوان مختلفة. وهناك ثيران عملاقة. وهناك 
تنطورات: نصف بشر نصف أحصنة. وهناك أيضنا إكثيوفاجات [آأكلون للأسماك] 
يأكلون ثعابين بحر يبلغ طولها ثلاثين قدما. وهناك أفيال ووحيدو قرن. وهناك 
أقزام. وبين نهر كواسبين والبحر الأحمرء هناك هيمانتيبودات» تسير بأقدام مقلوبة 
ومانتيكورات؛ وهي ذوات أربع جد مفترسة لها رأس ووجه امرأة. وهناك 
سينوفالات» لها جسد إنسان ورأس كلب. وهناك بليمات» لها جسد [إنسان] بلا رأس 
وعيونها في زورها وذوات واحدة لها عين واحدة وقدم واحدة»(0). 
وهذه الفقرة تنبئنا بالكثير فيما يتعلق بالثقافة الكتبية القروسطية» حتى وإن كان 
إيجيس يعبر عن قدر من التحفظ إذ يستهل وصفه بعبارة: «إن كان صحيخًا ما 
يقال». ففيما يتعلق بأفريقياء يجعلها مأهولة بالتنانين وكائنات بشعة أخرى من دون 
أدنى تردد. ويثق إيجيس على نحو قبلي (03م 0) بمرجعية مصادره المكتوبة. 
فأمام ثراء الكائنات النادرة المهيمن على القصائد القديمة التي كانت لا تزال 
مقروءة في العصر الوسيط؛ ليس رد الفعل هو الشك في وجود القنطورات أو الأبو 
الهولات: بل هو إبعادها إلى الأطراف البعيدة للعالم المسكون. والحال أن مراجع 
«علمية» قديمة (كبليني القديم) كانت قد أسكنت الشرق بالفمل بهذه الكاتفات 
البشعة ؛ وسوف تسكن هذه الكائنات مخيال المستكشفين في القرن السادس عشر 
والذين سوف يقومون بتعميد الأماكن الجديدة التي سيكتشفونها بأسماء مستعارة من 
الجغرافيا الخيالية: البرازيل» توليه؛ أمازونيا. ويقول جاك لو جوف أنه بالنسبة 
للأوروبي القروسطي فإن «المحيط الهندي أفق ذهني» فهو موقع أحلامه وتنفيساته 
عن مكبوتاته»7”). والشرق هو مكان ما هو شاذ وغير مهذب ؛ ولذا فمن الطبييعي 
تمامًا أن أسوأ الهرطقات تخرج من الشرق ؛ ومن الطبيعي أن الشرقيين المنحطين؛ 
قليلي الميل إلى إعمال العقل» يعتنقون الإسلام. 
7 


وال مندةبنىء2 حاقل أيضنا بالأسماء التوراتية والإنجيلية: فيأجوج ومأجوج 
يْردَان إلى جزيرة في المحيط: في أقصى شمالي العالم. أنّا عدن القردوس 
الأرضيء فهي أت بالنسبة لإيجيس كما بالنسبة لكتاب آخرين» في أقصى شرقي 
العالم المسكون7". وقد رأينا أنه يحدد الموقع الذي رست فيه سفينة نوح. ومن 
الواضح أن أسماء الأماكن التوراتية والإنجيلية عديدة في وصفه لآسيا الغربية. 

وقد يكون من السهل تمامًا السخرية من المعارف الجغرافية التافهة عند هذا 
الكاهن الباريسي - أوء على العكس من ذلكء اغتفارها له بالتذكير بأنه لم يكن 
يملك غير مصادر عديمة الدقة. لكن المهم هنا ليس عدم دقة رؤيته للعالم» بل أنه 
كانت لديه رؤية للعالم. وبالنسبة لإيجيسء فإن العالم بالإمكان معرفته.؛ وهو عالم 
منظّم ومنطقي. وتقسيمه الطبيعي (إلى قارات» ثم إلى أقاليم تفصل بينها جبال 
وأنهار) تقسيم عقلاني. وهو تقسيم يعبر عن العقل الأسمى؛ الرب خالق الكون. 
وتقسيماته البشرية (شعوبء؛ مدن) تعكس هذا المنطق الطبيعي؛ لأن المنطق البشري 
قادر على أن يفهم (ولو بشكل غير كامل) المنطق الإلهي الذي ينظم العالم. وإذا 
كان إيجيس لا يوضح في هذا النص الفارق الأخلاقي واللاهوتي بين الشرق 
والغربء فإنه يفعل ذلك في كتابه لكاءم/( وبزعم,ه ءوم. 

والحال أن جغرافيا إيجيس دو سان - فيكتور مشرُبة بالتاريخ: فالأماكن التي 
يذكرها هي غالبًا الأماكن التي لعبت دور مهما فيه. وبالمقابل» نجد أن مفهومه عن 
التاريخ مفهوم جغرافي للغاية: فهو يتصور تقدمًا بطيئًا للأحداث الرئيسية من 
الشرق (حيث خلق الرب آدم وحواء في الفردوس الأرضي).؛ نحو الأرض 
المقدسة» موقع حياة المسيح وموته؛ ثم نحو الغرب»؛ الموقع الذي لابد أن تدور فيه 
الدراما الأخيرة. «يبدو أن العناية الإلهية قد أعدت كل شيء بحيث إن ما يقع في 
مبتدأ الزمان يقع في الشرق كمبتدأ للعالم وأن مجمل الأحداث؛ مع اقتراب مسار 
الزمان من نهايته» يهبط في اتجاه الغرب. وهكذا نعرف اقتراب نهاية الأزمنة من 
اقتراب مسار الأشياء من أطراف العالم بالفعل. فالإنسان الأول؛ المخلوق في جنة 
عدن؛ يوضع من ثم في الشرق ... وبالمثل؛ بعد الطوفان؛ يوجد مبدأ 


(*) سفينة نوح. - م. 


الإمبراطوريات ورأس العالم في الشرق؛ عند الآشوريين والكلدانيين والميديين. ثم 
يأتي الإغريق. وأخيراء نحو نهاية الزمان» تنتقل السلطة العليا إلى الغربء إلى 
الرومان» بوصفهم سكانًا لأطراف العالم. ومن ثم فإن تسلسل الأحداث يحذو خطّا 
مستقيما يهبط من الشرق إلى الغرب»9©. 

والرب هو المؤرخ الأرقى والجغرافي الأسمى: فهو ينظم المكان والزمان. 
وبالنسبة لإيجيسء ليس التاريخ محض تعاقب عشوائي واعتباطي للأحداث. فهو 
دراما يديرها مؤلفها/ مخرجها الإلهي» وهي تدور على المسرح الذي خلقه (مسرح 
العالم)؛ وهي دراما مفعمة بالدلالات بالنسبة لكل قارئ منتبه. 

والتاريخ؛ بالنسبة للمسيحي أو بالنسبة للمسلم؛ له بداية (الخلق) ووسط ونهاية 
(نهاية العالم والحساب الأخير). والله هو مؤلف التاريخ ؛ ومن ثم فإن كل ما يحدث 
إنما يعبر عن المشيئة الإلهية. ويسعى الكاتب المسيحي (أو المسلم) إلى فهم وتفسير 
مسار مجريات التاريخ» مشدذا بالأخص على تطور الدين «الحق» (الإسلام أو 
المسيحية) وتوسعه في العالم. كما يتعين عليه أن يفسر النجاح (المؤقت والوهمي: 
فيما يؤكد) لمن يتبنون «أخطاء» دينية (الهراطقة والوثنيين واليهود و«القائلين 
بانفصال الأقانيم الثلاثة» و«السراسنة»). وهنا يحاول إيجيس عمل ذلك بالإحالة 
إلى تقدم في الزمان وفي المكان في أن واحد. فالتاريخ يبدأ في الشرق الأقصى 
(مع الخلق) ثم «يهبط» صوب الغرب. وبالنسبة لإيجيس فقد وصلنا تقفريناء في 
القرن الثاني عشرء إلى نهاية الزمان» لأن الغرب الآن في مركز التاريخ. وهذه 
طريقة لتهميش الشرقء الإسلامي الآن ؛ ومن المؤكد أن فلسطين كانت» في 
الأزمنة التوراتية والإنجيلية؛ مركز العالم؛ لكن مركزه الدرامي الحقيقي (إن لم يكن 
الجغرافي) موجود الآن في أوروبا. 

ويقدم إيجيس مثالاً واضخا بشكل خاص ل (6م:/م/ئ,م” من الشرق إلى 
الغرب؛ لكنه ليس الوحيد: ذلك أن كتابًا قروسطيين عديدين يتحدثون عن ال 
1 ومةمة وفاداع/» انتقال الإمبراطورية لصالح الغربء. كما يتحدثون عن ال 
111 7/1و /: انتقال المعارف. وقد يكون الغرب الأور وبي» على الرغم من 


(*) الانتقال؛ باللاتينية في الأصل. - م, 
56 


وجوده في هامش العالم» د أصبح الآن الوريث؛: «المركز الللمركزي» الجديد؛ 
للسلطة الشرعية وللروحانية والعلوم. 

إن الثقافة الجغرافية للبلدان الإسلامية وللعالم. اللاتيني إنما تنهل من مصادر 
واحدة) لكنها تأخذ أشكالاً جد مختلفة. والحال أن كتابا كالمسعودي في القسرن 
العاشر وإيجيس دو سان - ثيكتور في باريس في القرن الثاني عشر قد تمكنوا من 
الآخر. وبشكل موازٍ » صاغ المعاصرون العرب والأوروبيون إيديولوجيات لتبرير 
الفتوحات التي خيضت ضد هذا الآخر. 


77 


الفصل الثاني 


الفتح وتبريراته: 
الجهادء الحملة الصليبية» الاسترداد 


على امتداد العصر الوسيطء» وبعد ذلك بكثير» نجد أن الدين» المسيحي أو 
الإسلامي؛ يلهم أو يبرر فتوحات عسكرية. فيجري خوض الجهاد ضد الكافر 
المسيحيء الروم أو الإفرنج ؛ وتجري الدعوة إلى الحملة الصليبية ضد السرسني 
أو إلى الاسترداد ضد المسلمين. إلا أنه يجري أيضنا استخدام منطق ومعجم الحرب 
المقدسة ضد الأعداء في الداخل: فالرب يهب النصر ل«المتمسكين بالعقيدة 
القويمة» على «المارقين» أو «المنشقين»؛ ضمن إطار نزاع بين السلاجقة السئّة 
والفاطميين الشيعة؛ بين البيزنطيين والنورمان» بين الياباوية وآل هوهنشتاوفن. 
ومع أن إيديولوجيات الحرب المقدسة تخدم في تبرير أو تمجيد هذا الانتقتصار 
أو ذاك؛ فإننا لا يجب أن ننخدع بذلك. فالدين غاليًا ما يكون تفسيرًا بعديًا | 
(6:0/دمم +) لنزاع يرجع إلى أسباب أخرى كثيرة. كما لا يجب أن نتخيل أن 
هذه المواجهات نكبات «صدام حضار ات» بين «الإسلام» و«الغرب». ففي ساحة 
القتال» في شبه الجزيرة الإيبيرية» أو في فلسطين؛ أو في صقلية أو على الساحل 
المغربي؛ غالبًا ما كنا بإزاء مسيحيين متحالفين مع مسلمين ومسلمين متحالفين مع 
مسيحيين يواجهون خصوما مختلطين هم أيضنا. 

إلا أنه يبقى أن الدين هو في أن واحد دافعٌ مهم وعنصر رئيسي في تبرير 
الحرب في العصر الوسيط. وسوف ندرس هذا الموضوع عبر أمثلة متنوعة: 
مُعلين من شأن نوعين من النصوص: الحوليات والوثائق القانونية. ولننظر أولا في 
الفتح الإسلاميء ثم في الأشكال المتنوعة للفتوحات المسيحية. 


57 


الحرب والفتح في الإسلام: 
من محمد إلى الخلافة العباسية 

يشهد القرن الأول للإسلام الفتح الخاطف لجزء شاسع من المسكونة. فمنذ 
هجرة محمد في عام 577 إلى وفاته في عام 577,: تمكن المسلمون من فرض 
سيطرتهم» عن طريق الأسلمة والفتح» على مجمل شبه الجزيرة العربية. ويقوم 
خلفاء النبي» الخلفاء الأوائل» بفتح سوريا والعراق وفارس ومصر. ثم يأتي الدور 
على الشمال الأفريقي؛ فنشهد الأسلمة الجماعية لقبائل البربر و(بين عامي 7١١‏ 
و8١)‏ فتح الجزء الرئيسي من شبه الجزيرة الإيييرية. وفي اللحظة نفسهاء 
تستولي قوات مسلحة على أراض في ترانسوكسيانا (أفغانستان) وعلى ضفاف نهر 
الإندوس: 

وأسباب هذه الفتوحات عديدة: بينها خاصة الوحدة السياسية والدينية للقبافل 
العربية وضعف الإمبراطوريتين الكبريين المتنافستين» فارس وبيزنطة. وكان 
رعايا هاتين الإمبراطوريتين غير متحمسين للقتال دفاغا عن سادتهم ؛ وتلك 
بالأخص حالة مسيحيي سوريا ومصر القائلين بواحدية طبيعة المسيح: والذين 
تعرضوا للاضطهاد من جانب القسطنطينية بوصفهم هراطقة؛ والذين لم يبدوا 
مقاومة ذات شأن للمسلمين. وفي المفاوضات خلال حصار مدينة؛ كان المسلمون 
يتعهدون بضمان حرية العبادة للسكان وكانوا يعرضون عليهم درجة واسعة مسن 
الاستقلالية» وذلك في مقابل الاعتراف بالسلطة الإسلامية وأداء ضريبة سنوية. 
وفي جميع الحالات؛ فإن الإمبراطورية الإسلامية الجديدة تمتدء بعد قرن من 
الهجرة؛ من نهر الإندوس إلى المحيط الأطلسي: إن إمبراطوريتين كانتا تسيطران 
على عالم البحر المتوسط والشرق الأوسط منذ قرون قد تم دمج إحداهما بالكامل؛ 
هي إمبراطورية فارسء بينما تم دمج جزء لا بأس به من الثانية» بيزنطة؛ على 
الرغم من أن القسطنطينية قد واصلت الصمود في وجه كل محاولات الفتح. 

فألم يُبد الله تفضيلاته بمنحه الإسلام انتصارات مذهلة؟ من المفقتقرض أن 
مسلمًا من القرن السابع كان من السهل عليه أن يقول لراهب مسيحي: «أنها لعلامة 
على حب الله لنا وفرحه بديننا أنه قد منحنا السيطرة على جميع الأقاليم وعلى كل 
الشعوب»7). والحال أن سوفرون: بطريرك أورشليم الذي اضطر إلى تسليم 


1 


المدينة للخليفة عمر الأول في عام 5748.: قد اشتكى من أن السراسنة يتباهون 
بإخضاع الأرض كلها(). والواقع أن صعود الإسلام الخاطف قد بدا معجزًا بالفعمل 
للكتاب المسلمين: فحفنة من مقاتلي الصحراء يتمكنون من إخضاع الأجزاء الأكثر 
ثراء والمأهولة أكثر بالسكان في أقوى إمبراطوريتين في العالم. ٍ 

ولا يجب على المسلم إكراه «أهل الكتاب» (أي اليهود والمسيحيين) على 
اعتناق الإسلام ؛ وبالمقابل؛ يمكنه إجبارهم على الاعتراف بتفوق وسيادة السلطة 
الإسلامية. والقران واضح: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله 0 باليوم الآخر ولا 
يُحرّمون ما حرْم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى 
يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» (القرآن 65 

ويتعين على الجماعة المسلمة خوض الحرب لإخضاع غير المسلمين 
لسلطتها. ومن غير الوارد إكراههم على اعتناق الإسلام؛ بل المطلوب وحده هو 
كسب خضوعهم للسلطة المسلمة وإلزامهم بأداء الجزية» وهي ضريبة خاصة تشكل 
أحد الالتزامات القانونية الرئيسية التي يجب على غير المسلمين الوفاء بهافي 
أرض الإسلام. ومن المؤكد أن الحرب تشكل جزء! من الجهاد؛ الجهد المبذول في 
سبيل الله؛ والذي يجب على كل مسلم الوفاء به(". لكنه؛ بالنسبة للفرآن» ليس غير 
عنصر واحد: فمن بين خمس وثلاثين مرة ترد فيها كلمة الجهاد ومصطلحات 
شبيهة بها في الكتاب المقدسء؛ تشير عشر فقط إلى الحرب7). وفي أغلب الحالات» 
فإن هذا «الجهاد في سبيل الله» إنما يتم بسبل سلمية: فالقرآن يدعو المسلمين إلى 
خوض «الجهاد الأكبر» ضد الكفار عبر الدعوةة). وكما لاحظ ذلك ألفريد مورابياء 
فإن كل ما ذكر عن الحرب إنما يشير إلى حملات. محمد ضد أعداء محددين ؛ ولا 
تتحدث أي فقرة في القرآن عن حرب من أجل نشر الإسلام خارج شبه الجزيرة 
العربية0). والقرآن حَمّال أوجه حيال الحرب: فبعض الفقرات تحث المسلمين على 
نشر الدين بالسبل السلمية وحدهاء وتجيز فقرات أخرى الحرب الدفاعية عندما 
يتعرض المسلمون للهجوم؛ وتشجع فقرات أخرىء أخيراء الحرب من أجل إخضاع 
الأعداء الكفار للسلطة المسلمة. ثم إن آيات عديدة تشير إلى خلافات في داخل 
الجماعة المسلمة الأولى فيما يتعلق باستخدام العنف. في حياة محمد: فبعض 
المسلمين يخرجون في حملة هجومية بينما يرفض آخرون المشاركة فيها". 

8 


لكن رؤية الجهاد تتطور في الجيل الذي يلي موت النبيء وهو جيل يشهد 
الفتوحات الكبرى والنزاعات المذهبية مع اليهودية والمسيحية ويشهد في الوقت نسه 
تكوين الفقه الإسلامي» خاصة عبر تسجيل الأحاديث النبوية. وهذه الأحاديث تعكس 
تنوعا كبيرا في وجهات النظر بشأن الجهادء كما بشأن موضوعات أخرى كثيرة. 
وبعض المصئفين يقدمون رؤية حربية بشكل خاص للعلاقات بين المسلمين والعالم 
غير الإسلامي. فقد لا يكون محمد النبي المرسل إلى العرب وحدهم؛ ومن شأن 
رسالته أن ترتدي طابعا عالميًا. وقد يتألف الجهادء هذا الجهد المبذول في سبيل 
الله؛ من توسيع دار الإسلام أساساء باستخدام السلاح - وذلك إلى أن يعترف العالم 
كله بسيادته. ومن هنا ينشأ التمييز بين دار الإسلام؛ الأراضي الخاضعة للسلطة 
المسلمة: ودار الكفرء المسماة أيضنا بدار الحربء والتي لم يتم كسبها بعد للإسلام 
وإن كان لابد من كسبها له عاجلا أم آجلاً. وهذا التمييزهء الغائب في القرآن» 
يفرض نفسه في زمن الفتوحات الكبرى”7). أمّا فيما يتعلق بالتغايرات الظاهرية في 
القرآن بشأن الحرب في خدمة الإسلام؛ فإن المفسرين يحلونها بالإحالة إلى سياقات 
[أسباب] التنزيل» فمن المفترض أن التنزيلات جرت في مواقف جد محددة: ومن 
المفترض أن الفقرات التي توصي باللاعنف قد نزلت في مرحلة كانت فيها 
الجماعة المسلمة في مكة ضعيفة ولم يكن بوسعها التصدي بالقوة. وقد تكون 
الفقرات الأكثر كفاحية منتمية إلى الفترة المدنية حين تمكن المسلمون من توطيد 
سلطتهم فتم نسخ الآيات الأسبق وجرى تأكيد معايير جديدة يجب لها منذ ذلك الحين 
أن تنظم حياة الجماعة. وهذا التفسير؛ كما أشار إلى ذلك ريوقن فايرستون؛ إنما يتم 
في زمن التوسع الخاطف للإسلام؛ في الوقت الذي كانت فيه الرؤية الكفاحية تبحث 
عن أسانيد راسخة في النص القرآني0"). 

ولا تتوقف نظرية الجهاد وممارسته عن التغير لكي تعبر عن شواغل 
الجماعة المسلمة وحاجاتها. فالجهاد؛ الروحي أساسا خلال فترة محمد المكية.ءثم 
الأكثر حربيةٌ بعد الهجرة؛ حين يصبح محمد قائذا للمدينة ويخوض أعمالاً عسكرية 
ضد القبائل الوثنية واليهودية في شبه الجزيرة» إنما يتخذ بُعدَا آخر خلال الفتوحات 
الكبرى» فهو يصبح دعوة إلى إخضاع الأرض كلها لسلطة دين الله. والانقسامات 
التي تميز دار الإسلام خلال فتنتي عام 5.٠١‏ وعام 270٠‏ وكذلك المقاومة المتزايدة 


٠ 


-. 


التي يبديها بعض الخصوم (خاصة البيزنطيون)؛ ستعمل على تطوير المفهوم من 
جديد. فيصيح الجهاد دفاعيًا أساسا: إذ يجب حماية الأمة من اختراقات الأعداءء 
سواء كانوا بيزنطيين أم تركا (لم يُسلموا بعدُ) أو تيارات «مارقة» في داخل 
الإسلام.. 

ومن المؤكد أن من أحسوا أنهم الأكثر عرضة لخطر التوسع البيزنطي قد 
سعوا إلى إحياء شعور واجب الجهاد ضد الكفار. وتلك» مثلاء حالة سيف الدولة» 
سلطان حلب من عام 145 حتى وفاته في عام 4317», والذي يعمل لحسابه فريق 
بأكمله من الدعاة. ويقول أحدهم؛ وهو القاضي الطرسوسي: «أنتم من يجب عليهم 
شن الهجوم لا الكفار(” '»ا"). لكن هذه النداءات» الصادرة من إقليم حدودي سوف 
تسترده بيزنطة بين عامي 1174 و4817 ليس من شأنها سوى بيان أننا لم نعد في 
عصر الفتوحات الكبرى وأن الحرب ضد الكافر لا تشكل أولوية إلا بالننسبة 
للمناطق المعرضة للتهديد المباشر. وفي تخوم دار الإسلام؛ غالبا ما'يدور الحديث 
أيضا عن الجهاد لتبرير الغارات حيث يمتزج الدافع الديني بغواية الغنيمة ؛ ولعل 
العنصر الأهم؛ لأنه الأكثر عائذاء هو تجارة البشر: فهذه الغارات: البرية أو 
البحرية» توفر عبيذا سيتم بيعهم في شتى أرجاء العالم الإسلامي. 

والحال أن الجهاد «الخارجي»؛ الصراع من أجل إخضاع دار الحرب؛ لم 
يُعتبر إلزاميًا بالنسبة للمسلم إل نادرنا. وهو بالمقابل مأثرة» ويؤكد بعض المؤرخين 
أن الجهاد من شأنه أن يكون «رهبانية» الإسلام7”'). ويشهد على ذلك التطور 
المعقد لمصطلح الرباط والذي يعني في الأصل «الاستعداد للمعركة» ثم يشير فيما 
بعد إلى المواقع الحصينة؛ القريبة في الأغلب من الحدود مع دار الحرب؛ حيث 
يمكن للمجاهد أن ينال المجد والثراء بخوض الحرب الدفاعية أو الهجومية ضد 
الكاقر 99"), 

ومن الصعب معرفة تصور الفاتحين المسلمين له في القرنين السابع والثامن» 
لأن المصادر العربية التي تروي هذه الفتوحات ترجع أساسنا إلى القرن التاسع. 
ومن الواضح أن الفتوحات في ذلك العصرء كفتح صقلية على أيدي أغالبة إفريقية 
(تونس الحالية) والذي جرى الاضطلاع به اعتبارًا من عام 4719» ترتدي طابعا 


(*) ترجمة عن الفرنسية. - م. 
.4 


دينيًاا”')؛ ما لا يحول دون تحالفات بين الأغالبة ومدن ساحل جنوبي إيطالياء 
كأمالفي» التي تظل محايدة بشكل متعقل خلال فتح ص قنية؛ أو كنايولي؛ التي 
تتحالف مع الأغالبة ضد أمير بينيقينتو اللومباردي!*). 

وفي إسبانياء فإن النصوص التي تروي قصة الفتح - من نزول طارق [يبن 
زياد]ء وهو قائد من البربر» في عام 7١١‏ إلى الاستيلاء على ناربون في عام ١9‏ 
من جانب الوالي السمح بن مالك الخولاني - نصوص لاحقة: وهي تكشف عن 
حنين إلى العصر البطولي للحملات الكبرى7” ). واعتبارا من عام 4١ل‏ تتقطع 
أنفاس الحركة في أوروبا: ففي عام 77١‏ يحاصر السمح تولوز؛ لكنه يتعرض 
للهجوم من جانب إيوديسء كونت أكيتين؛ الذي يقتل الوالي ويُلحق الهزيمة بالقوات 
المسلمة. والمواجهات بعد ذلك متواترة» لكنها غارات بأكثر مما هي محاولات 
للفتح. وأشهرها غارة 77: فبعد نهب بوردو وبواتييه» تتمكن قوات شارل مارتل 
من مهاجمة القوات المسلمة وتشتيت شملها ؛ ويلقى الوالي عبد الرحمن الغانقي 
حتفه في المعركة. ومعركة يواتييه هذه؛ التي تجري المبالغة إلى حد بعيد في 
أهميتها في الكتابة التاريخية» ترمز أيضنا إلى انتكاسة خطيرة للعرب الأندلسبين 
وإلى مرحلة مهمة في صعود قوة العائلة الكارولينجية. وبالمقابل» فإنها لااتضع 
حذًا البتة للغارات في بلاد الغال» فهي تتواصل على امتداد أكثر من قرنء وإن 
كانت تتخللها فترات هدنة أو هدوء. 

وعندما ننظر إلى الأمر عن قرب أكثرء نرى أنه على الرغع من الحوليات 
التي تتحدث بعفوية عن الجهاد المجيد أو عن دفاع الجماعة المسيحية غالنٍا ما 
تشكلت تحالفات هنا أيضنًا بين مسيحيين ومسلمين. فالكونت إيوديس» كونت أكيتين» 
كان يخشى شارل مارتلء» جاره الشمالي القوي, بالدرجة نفسها التي كان يخشى بها 
الولاة الأندلسيين ؛ ومن ثم فإنه يتحالف مع زعيم من البربرء هو مونيوتاء المقيم 
في قلعة في البرانس» غير بعيد عن يوجسيردا. ومن المفهوم تماما ما الذي يخلق 
التقارب بين إيوديس ومونيوثا: لقد كان كل واحد منهما يسعى إلى مقاومة سلطة 
أخيه في الدين المتمتع بالقوة مع السعي إلى تفادي غزو من جانب «الكافر» عبر 
اليرانس. ولكن بلا طائل: فمونوزا يلقى حتفه على أيدي القوات القرطبية في عام 
84 ويستفيد شارل مارتل من انتصاره في يواتييه في عام ”؟؟/ا لكي يضم 

بق 


آكيتين. وهذا النوع من التحالفات يتكرر في العقود التالية عندما تحاول قرطبة 
فرض سلطتها بطريقة أو بأخرى على شبه الجزيرة. وتجتاز سلسلة بأكملها من 
المتمردين المسلمين في شمالي شبه الجزيرة جبال البرانس لكي تتحالف مع 
شارلمان أو مع ابنه لويس الورع. ويتفاهم بنو قصي الآراجونيون مع مسيحيي 
بامبيلون وكثيرا ما يطلب متمردو ميريدا أو طليطلة عون ملوك آستورياس؛ بل 
عون ملوك الإفرنج. أمّا الإفرنج الذين يودون التحرر من وصاية لويس الورع أو 
شارل الأصلع فمن الطبيعي تماما أنهم يتعاملون مع قرطبة. 

وبين منتصف القرن الثامن ومنتصف القرن التاسع» تتوطد أربع قوى عظمى 
حول البحر المتوسط: الخلافة العباسية» الإمبراطورية البيزنطية:؛ إمارة قرطبة 
الأموية والإمبراطورية الكارولينجية. والحال أن العباسيين» الذين يقاتلون ضد 
بيزنطة في الأناضول وفي سوريا والذين يرون في إمارة قرطية ابنا لنظام غير 
شرعي أطاحوا به في الشرق» إنما يتوجهون إلى الكارولينجيين» الحلفاء الطبيعيين 
لأنهم أعداء للبيزنطيين وللأمويين هؤلاء أنفسهم. وهكذا فإن بييان القصير يرسل 
سفارة إلى بغداد في عام 70 ؛ ويبدو أنها قد قوبلت بالترحيب من جانب الخليفة 
المنصورء الذي يرسل بعثة معها هدايا إلى الملك في عام 754,. ويوفد شارلمان 
سفارة إلى هارون الرشيد في عام 47 وفي عام 2٠١7‏ يصل وفد عباسي إلى 
اكس- لا- شايل محملاً بالهداياء وكان أفدحها عبئا فيل اسمه أبو العباسء؛ لم 
يتخلف عن إثارة إعجاب من رأوه. وفي عام »855١‏ يرسل الخليفة المأمون وفذا 
جديذا إلى لويس الورع في تيونقيل7 ). وإذا كانت هذه التواصلات لا تسفر عن 
الكثير؛ فإنها تشير بالفعمل إلى أن المصالح الجيوسياسية كانت بالنسبة 
للكارولينجيين كما بالنسبة للعباسيين» أهم بكثير من تضامن دينيً مال'). 

والأمراء والخلفاء الأمويون في قرطبة يمارسون الجهاد السنوي ضد كفار 
الشمال بهذه الدرجة أو تلك من الانتظام: ويبدو أن هدفهم هو السلب والهيبة بأكثر 
مما'هو فتح أراض. وهذه الحروب ضد الممالك الشمالية الصغيرة تستمر بشكل 
متقطع في ظل السقاء. لسمد لي الوص الورك سيد لسن ملرلنية هذه الممالك» 
الأمر الذي أشار إلى سيادة الخلفاء النظرية على أراضي هؤلاء الملوك. والحق إن 
كبير الحجاب المنصور بن أبي عامر (9171 :)٠٠١7-‏ تحت سلطة الخليفة 


2 


النظرية؛ يتذرع بإيديولوجية الجهاد لخوض عدة حملات مدمرة ضد الدول 
المسيحية. وأشهرها هي الحملة التي تقوده إلى سان - جاك - دو - كوميوستل» 
حيث يستولي القائد على أجراس الكنيسة؛ بما يشكل غنيمة ورمز إهانة تسنى له 
إنزالها بالأعداء الكفار9"). لكن هذه الغارات» وإن كانت مكلفة بالنسبة لضحاياهاء 
لم تكن إلا قصيرة الأمد ؛ ويبدو أن المنصور استخدم هذه الغارات بالأخص لتوطيد 
سلطته في قرطبة وهو لا يسعى إلى إقامة وجود إسلامي في الأراضي التي 
اجتاحها. ثم إن لا شيء يشير إلى أن هذا الموقف الحربي تجاه المسيحيين قد أدى 
إلى تغير في الموقف حيال مستعربي الخلافة الذميين ؛ فالوحدات المسيحية تخفل 
عنصرا رئيسيا في جيشه. 


الفتوحات العربية 
منظورًا إليها من جَانب كتاب الحوليات الأوروبيين في القرون 
السابع والثامن والتاسع 


ماذا كان ردُ فعل مسيحيي أوروبا على الفتوحات الإسلامية؟ إن كتائِا 
مختلفين» من القسطنطينية إلى دير جارو في انجلتراء قد حاولوا أن يفسرواء بهذه 
الطريقة أو تلك» أسباب وعواقب فتوحات «السراسنة». وسوف ننظر بالأخص في 
ما قاله كتاب حوليات؛: سعوا إلى إدراج هذه الفتوحات في رؤية مسيحية للقاريخ. 
وبعبارة أخرىء فإنه إذا كان الرب هو مؤلف التاريخ؛ وإذا كان عادلاء فكيف يسمح 
بأن يستولي هؤلاء الغزاة «الكفار» على كل هذه الأراضي على حشَات المسيحيين؟ 
من المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي طرح فيها هذا السؤال. ففي القرنين 
الرابع والخامس؛ كانت شعوب همجية (جرمانية بالأخص)؛ وثنية أو آرية؛ قد 
استولت على جزء لا بأس به من الإمبراطورية الرومانية الغربية. ثم إن 
الإمبراطورية الشرقية (ما يسميه المؤرخون بالإمبراطورية البيزنطية) قد اضطرت 
إلى التعرض للهجوم من جانب أعداء عديدين؛ كالسلاف والآقار والفرس. وقد ساد 
الأمل دومًا بأن هؤلاء الكفار قد ينتهي بهم الأمر إمّا إلى الهزيمة أو إلى اعتتاق 
المسيحية. وفي نهاية المطافء فإن هذه الآمال غالبا ما تحقفت: فغالبية الغزاة 
السلاف أو الجرمان قد انتهوا إلى الانضواء تحت راية الكنيسة. 

وضمن هذا المنظورء يصور بعض الكتاب المسيحيين انطلاق الغزاة 
«السراسنة»: فهو بمثابة بلية أرسلها الرب لمعاقبة المسيحيين على خطاياهم؛ لكنها 

45 


بلية لا تختلف اختلاقا أساسيًا عن الهجمات السابقة. وحولية (عننونبرم0) 
فريديجير (نحو عام 158): وهي أول حولية لاتينية تذكر الانتصار العربي على 
البيزنطيين» تصف الغزوات بلغة قريبة من لغة رؤيا نهاية العالم: فالمنجمون 
يحذرون الإمبراطور هرقل من هزيمته الوشيكة على أيدي جنس من المختنين ؛ 
وهو يفتح البوابات الشمالية الأسطورية (التي أقامها الإسكندر الأكهبر)ء لإطلاق 
احتياطي من همج الشمال على السراسنة؛ ولكن هيهات"". 

وبالنسبة لبيديه (نحو عام 577 - عام ©77)؛ وهو راهب في دير جارو في 
نورثمبرياء كان السراسنة خطر! بعيذا وغامضنا(”'. ففي كتابه التاريخ الكنسسي 
للشعب الإنجليزي؛ حيث يروي التاريخ الظافر لانتصار المسيحية البريطانية 
ويحتفي بحياة الرهبان» لا تستحق الاختراقات النائية التي يقوم بها محاربون غير 
مسيحيين في القارة الأوروبية سوى إشارات موجزة؛ بوصفها مجرد سحب سوداء 
صغيرة في الأفق. على أن بد بيديه يرصد مع ذلك ظهور شهابين»؛ في عام 4١لا‏ 
ينذران بوصول الهمجء قبل أن يضيف: «في ذلك المصرء نجد أن السراسنة؛ 
هؤلاء المصيبة جد الرهيبة؛ قد دمروا بلاد الغال مكثرين من المذابح البشعة ونزلت 
بهم بعد ذلك بقليل» في هذه المقاطعة نفسهاء عقابات يستحقونها عن غدرهم 
) ( "من وترووم) 6 

وقد ذهب بعض المؤرخين إلى أن بيديه يلمح هنا إلى هزيمة عبد الرحمن 
الغافقي على أيدي قوات شارل مارتل في بواتييه؛ إلا أن الأمر يتعلق على الأرجح 
بتلميح إلى معركة تولوز (771)؛ التي شهدت إلحاق إيوديس,؛ دوق أكيتين» 
الهزيمة بالأمير السمح. وكان الاختراق السرسني «مصيبة رهيبة»؛ تذكرٌ بالملمات 
والعقابات التي حلت بالعبرانيين في العهد القديم» تلاها انقلاب في الوضع أثبت 
بشكل مُرض التفوق المسيحي. ثم إن بيديه يوضح أن السراسنة قد عوقبوا على 
غدرهم؛ وهي كلمة استخدمها كُتاب معاصرون آخرون للإشارة عمومًا إلى خطأ 
ديني: وثني أو يهودي أو هرطوقي (وإن كان من الوارد أن تعني أحيانا «الخيانة» 
من دون دلالة دينية). ويبدو أنهم قد عوقبوا بسبب خطأهم الديني بأكثر مما بسبب 
تغلغلاتهم المدمرة في بلاد الغال المسيحية. والحق إن وحشية السراسنة» بالنسبة 
لبيديه» ناجمة بشكل مباشر على الأرجح عن ضلالهم. وعلى أي حال» فإن كتابه 


هم 


التاريخ الكنسي يتحدث عن جماعات أخرى من ال :74م [الضالين] الذين 
حاربوا بضراوة حتى تحولهم [إلى اعتناق المسيحية]: سكان كفت قبل وصول 
أوغسطين من كانتربريء الآنجل؛ اليكت وسواهم. والواقع» في أوروبا تجتاحها 
بشكل متواصل الحرب والغزوات؛ أن السراسنة لا يشكلون غير جماعة من الغغزاة 
الكفار بين آخرين. والحال أن الكتاب الأوروبيين المسيحيين لم يُيدوا سوى القليل 
من الفضول المعرفي تجاه ديانة هؤلاء الغزاة» سواء كانوا سراسنة أم قايكنج أم 
آخرين. وقد بدا أن كل هؤلاء إنما يشكلون جزءًا من الملمات الرهيبة التي أنزلها 
الرب بشعبه؛ لكن أحذا لم يخطر بباله أن معتقداتهم وممارساتهم الدينية تستحق أي 
بحثء ناهيك عن أن تكون متميزة بأدنى مشروعية. 

ومن وجهة نظر راهب وعالم كبيديه؛ فإن ميزة السراسنة على الغزاة البعيدين 
الآخرين قد تمثلت في إمكانية التعرف عليهم من خلال الرجوع إلى الكتاب 
المقدس. والواقع أنه في تفسيراته للكتاب المقدس يبدو مدركا لاتساع ولأهمية 
غزوات السراسنة. فسفر التكوين )١7 +١5(‏ يصف إسماعيل بأنه «وحشيء يده 
على كل واحد». والحال أن بيدء شأنه في ذلك شأن عدد من إخوته المعاصرين في 
الشرق» قد رأى في ذلك تلميخا شفافا لفتوحات السراسنة: «فهاكم الآن يده على كل 
واحد ويد كل واحد عليه؛ إذ يفرضون [أحفاد إسماعيل] سلطته على الجميع على 
امتداد أفريقيا ويحتلون في أن واحد الجزء الأكبر من آسيا وجزءًا من أوروباء في 
كراهية وعداوة للجميع»). 

أمّا من القسطنطينية» حيث كتب ثيوفان كتابه الحوليات نحو عام 232١©‏ فقد 
بدا شكل الأمور مختلفا بعض الشيء. إذ أصبح واض ذا الآن أن سادة الشرق 
الأوسط المسلمين الجدد سوف يبقون ؛ ومن ثم يجب تفسير نجاحهم ضمن سياق 
التاريخ المسيحي. ويكرس ثيوفان عرضنا بيوجرافيًا قصيرا لمحمد؛ الذي يعتبره 
«زعيم السراسنة ونبيهم الزائف»7"). وهو يصف زواج محمد من الأرملة خديجة؛ 
كما يصف رحلاته إلى فلسطين بحثًا عن كتابات اليهود والمسيحيين. وهو يزعم إن 
محمد قد أصيب بنوبة صرع أحزنت خديجة؛ فسرّى عنها بهذه الكلمات: «إنني لا 
أكف عن رؤية ملك اسمه جبريل وبما أنني لا أقوى على تحمل رؤيته؛ فإنني أفققد 
الوعي وأتداعى»7 '). فتستشير خديجة «راهيًا ما هناك؛ من أصدقائها (كان قد نفي 

45 


بسبب مذهبه الفاسد)». وهذا الراهب الهرطوق (الذي قد يكون آتيْا من المرويات 
المسلمة عن شخصين مسيحيين مقربين من محمدء هما ورقة وبحيرى) يوضح لها 
أن محمد هو بالفعل نبي تجلى له الملاك جبريل في رؤاه. وبعد هذه البداية الجميلة 
سرعان ما جرى نشر «هرطقت»ه بالقوة. ويزعم ثيوفان أن محمد وَعَدَ كل من 
سقطوا في مقاتلة العدو بفردوس حافل بالملذات الحسية: المأكولات؛: المشروبات 
والجنس. وهو يقول: «إلى جانئب الكثير من الأشياء الأخرى الحافلة بالرذيلة 
والحماقة»*2"). 

ولإدراك ثيوفان الكامل للدوافع الدينية وراء الفتوحات الإسلامية؛ فإنه يشخص 
الإسلام بأنه هرطقة ممتزجة بعناصر يهودية ومسيحية ؛ وبعد ذلك يصور مكة 
على أنها موقع «تجديف»7 ' السراسنة. وهو أقل وضوحا فيما يتعلق بالأسباب 
التي لأجلها سمح الرب لهؤلاء الهراطقة المسلمين بفتح أراض شاسعة. فهو يقول 
إنه جرّاء اعتناق هرقل لهرطقة وحدة المشيئة الإلهية (والتي تذهب إلى أن المسيح 
ليست له غير مشيئة واحدة موحدة؛ بدلا من مشيئتين متمايزتين؛ بشرية وإلهية) بدأ 
المسنحيون. يخسرون أراضي لصالح العرب. وهذا العار أكثر درامية بقدر ما إن 
هرقل؛ في نظر ثيوفان» كان نصير الأرثوذكسية التي بفضلها سحقت القسطنطينية 
الأقار والفرس واستردت الصليب الحقيقي منهم. والحال أن الرب والعذراء قد 
سهرا على هرقل وكفلا نجاحه إلى أن جاء اليوم الذي أصبح فيه الإمبراطورء 
لسبب غير معلوم؛ هرطوقيًا وسمح لنفسه بالوقوع في فخ الهرطقة؛ وهي خطيئة 
يتحمل المسؤولية عنها القائلون السريان بوحدة طبيعة المسيح7"". فكيف يمكن 
لنهب سوريا على أيدي الجيوش العربية أن يكون شيئًا آخر غير عقاب إلهيء عادل 
ورهيب؟. ْ ١‏ 

وفي أوروبا اللاتينية» بالمقابل» لا يقول كتاب الأخبار اللاتين شيئًا عن البُعد 
الديني للفتح الإسلامي ؛ فهم يواصلون تصوير المسلمين على أنهم بلايا أرسلها 
الرب لعقابهم على خطاياهم؛ وعلى أنهم خصوم عسكريون رهيبون ولكن ليس 
على أنهم خصوم دينيون. ويرى الإخباريون الكارولينجيون أن القوط خسروا 
إسبانيا بسبب خطاياهم» وأن من الطبيعي تمامًا أن هيمنتهم على أرضهم القديمة 
(سييتمانياء كاتالونيا) قد انتقلت إلى الفرانك. والحال أن كتاب «برمءنسمم:0 


ف 


© فصن يصور الفتح العربي لإسبانيا على أنه عقاب على خطايا الملك 
القوطي الغربي فيتيثالا"). على أنهم؛ سواء كانوا يتحدثون عن نهب بينيقينتو أم عن 
انتصار شارل مارتل في بواتييه؛ فإنهم لا يجدون ما يقولونه بشأن المعتقدات أو 
الممارسات الدينية لهؤلاء. «السراسنة»9'). والأمر كذلك فيما يتعلق بوصف 
ليوتبران دو كريمون» في القرن العاشرء لعمليات السلب والنهب التي قام بها 
السراسنة في فراكسينتوه(”". 

وينزعج كتاب عديدون في القرن التاسع من فتح الأغالبة لصقلية؛ ثم من 
الغارات في داخل شبه الجزيرة الإيطالية. لكننا نجد من جديد باسم رجال الكنيسة 
فكرة أن غارات «الكفار» عقاب أنزله الربٌ ب«مسيحيين سيئيين» ؛ وذلك هو 
تصور آدون: كبير أساقفة فييناء أو البابا يوحنا الثامن'). وغالبًا ما يجري نعمت 
«السراسنة» أو «العرب» ب«القراصنة» أو «قطاع الطرق» أو «النهابين». وهي 
مصطلحات إهانة» من دون شك. لكنها مصطلحات نجدها مستعملة ضد مسيحيين 
عديدين أيضناء وتوحي بالفعل بأننا بإزاء عصابات مسلحة صغيرة وليس بإزاء 

وفي الوقت نفسه؛ تتحدث نصوص أخرى عن تحالفات بين أمراء مسيحيين 
وزعماء مسلمين. فعندما تقوم القوات المسلمة بنهب مدينة بينيقينتو» يصور جنود 
الإمبراطور لويس الثاني (855 - 375) السراسنة على أنهم منتقمون أرسلهم 
الرب ضد سكان بينيقينتو الذين أسروا الإمبراطورا"". وعندما يدعو البابا يوحنا 
الثامن إلى الوحدة للتصديى لأعمال السلب والنهب التي يقوم بها «الكفار»» فإن ذلك 
إنما يرجع في جانب منه إلى رغبته في تأكيد نفوذه في جنوبي إيطالياء كما تفضل 
نايولي و آمالفي التحالف مع الأغالبة في تونس وصقلية: على الرغم من التهديدات 
الروحية الصادرة من روما”). وعلى حدود بيزنطة وجيرانها المسلمين المتغيرة؛ 
نجد عدذا من الزعماء العرب والترك الذين ينضمون إلى النخبة البيزنطية كما نجد 
في الوقت نفسه أفراذا من النخبة البيزنطية في الأقاليم يتحالفون مع جيرانهم أو 
سادتهم المسلمين7). وقد يكون بوسعنا مضاعفة الأمثلة: فهناك شكوى من غارات 
«السراسنة الكفار» عندما يقع المرء ضحية لهجماتهم؛ لكن هذا لا يحول البتة دون 
التحالف بين أمراء مسيحيين ومسلمين. 


الحملة الصليبية من وجهة نظر الإخباريين 

حتى القرن الحادي عشرء كانت المواجهات بين الأوروبيين والعرب تدور 
أساسنا على الأرض الأوروبية. واعتبارًا من القرن الحادي عشرء ييدأ هذا في 
التغير: فالبيزاويون والجنويون يقومون بحملات نهب في أفريقيا الشمالية ؛ ثم نشهد 
الفتح المسيحي لجزر في البحر المتوسط (كصقلية التي استولى عليها النورمان بين 
عامي ٠١5١‏ و١4١٠)‏ ؛ ثم تحدث الحملة الصليبية الأولى؛ التي اطلقت في عام 
65»»؛ والتي تقود إلى الاستيلاء على القدس في يوليو/ تموز ٠١44‏ وإلى تكوين 
دول لاتينية في الشرق: مملكة أروشليم؛ كونتية طرابلسء إمارة أنطاكية:؛ كونتية 
إيديس. وسوف نرى في الفصل التالي كيف فرض الحكام الأوروبيون لهذه الدول 
سلطتهم على جماعة فلاحية ناطقة بالعربية غالبيتها مسلمة. أمّا هنا فسوف ندرس 
بالأخص كيف جرى تبرير هذه الحملة من جانب إخباريي الحملة الصليبية. 

ولنشر بادئ ذي بدء إلى أن القوات التي استولت على القدس في عام ٠١195‏ 
لم تكن تدرك أنها تشارك في «حملة صليبية»: فهذا مصطلح لم يظهر إلا في القرن 
الثالث عشر. وقد شبه المعاصرون حملتهم بحجٌ: وقد سموها 16 (رحلة) ؛ أو م 
(طريق) أو 0ه "وعم (حج) ؛ والجنود هم في الأغلب عه :م (حجاج)؛ 
و أحيانا 101ع 1ك أعلنان (مو سومون بالصليبء أو «صليبيون»؛ ومن هنأ مصطلح 
[الحملة] «الصليبية» فيما بعد) 7 ). والواقع أنه عندما أطلق البابا أوربان الثاني 
نداعِه في كليرمون في عام 6: صر الحملة على أنها حج مسلح: : وهو يقدم 
للمشاركين فيها صكوك الغفران نفسها التي تقدُمْ لحاجٌ يذهب إلى القدس. وهكذا فإن 
نذر الذهاب تجري مماهاته بنذر الحج ؛ ويُخاط صليب على ثياب «الحجاج» 
للإشارة إلى هذا التعهد. ومن ثم ثم فإن كتاب الأخبار يميلون إلى تصوير هذه 
الجيوشٍ القوية في صورة جماعات من الحجاج الخاشعين المتجهين إلى أورشليم. 

إل أن هؤلا الإخباريين يسمون الصليبيين في الوقت نفسه ب«جنئود المسسيح» 
(1اكة:/© 5ه/1/1:”) أو ب«جيش الر ب» (أءط ومع عب أو أعط ه/1/ز:). وقد 
يكون الجيش المسيحي بشكل ما وريثًا لجيش إسرائيل في العهد القديم. والحال أن 
الإخباري روبير الراهب يروي أنه بعد انتصار دوريليه الحاسم (497١٠)؛‏ الذي 
يفتح الأناضول الشرقية أمام «جيش الرب»»؛ قام الجنود المنتصرون بإنشاد نشيد 


: 


للرب يستعيد النشيد الذي وجهه موسى إلى الرب ليشكره على إبادته جيش فرعون: 
«يمينك يارب معتزة بالقدرة. يمينك يارب تحطم العدو. وبكثشرة عظمتك تهدم 
مقاوميك. ترسل سخطك فيأكلهم كالقش»). ومن المؤكد أن الكلمات الواردة في 
سفر الخروج أمامها فرصة أكبر للانسياب من ريشة الراهب مما من شفاه الجنود ؛ 
لكن هذه الفقرة تقول لنا الكثيرء على الأقل؛ فيما يتعلق بالطريقة التي نظرت بها 
نخبة ديرية معينة إلى الحملة. ولم يكن روبير وحيذا: فإخباريون آخرون يقيمون 
توازيًا وثيقا بين جيش إسرائيل وال »2 م:/[/: [جيش الرب] الذي ينخرط في 
فتح أورشليم(””. 

ومن المفهوم تمامًا أن هذه الرؤية تتطلب تصوير الخصم في صورة عدو 
الرب. وفي حوليات روبير الراهبء نجد أن البابا أوربان الثاني» إذ يطلق النداء 
إلى الحملة الصليبية الأولى» يرسم سيناريو كنيبا بالفعل: تصل من الشرق أنباء تفيد 
أن الفرسء؛ و«هم جنس مقيت»»؛ يبدو أنهم قد غزوا أراضي المسيحيين في تلك 
المناطق» ناشرين الخراب وسافكين الدماء. ثم إن أعداء الرب هؤلاء يبدو أنهم قد 
هدموا الكنائس وركلوا المذابح وختنوا المسيحيين بالقوة وسكبوا دماء هؤلاء 
المختنين على المذابح وفي أجر ان المعمودية؛ ناهيك عن اغتصاب مسيحيات!". 
ولدى روبير الراهب» يصبح الترك فرسا (أعداء تقليديين للرومان) وتُعزى إليهم 
بسهولة أسوأ الفظائع. ومن ثم فقد يكون هدف الحملة هو إغاثة مسيحيي الشرق 
هؤلاء والثأر نهم؛ وإن كان أيضنًا استرداد الأراضي التي استولى الكفار عليها مسن 
دون وجه حق ورد الأماكن المقدسة التي دنسوها إلى العبادة المسيحية. 

وأغلب هؤلاء الكتاب لا يعرفون شيئا عن الإسلام؛ لكنهم يعوضون جهلهم 
بخيالهم وبمعارفهم الكتبية عن المعتقدات التي طالها الهوان وهي معتقدات الوثتنيين 

في العصر القديم. وقد يكون بوسعنا أن نضرب مثل الإخباري بيير تيديبود» الذي 

يرى أن السراسنة «عدونا وعدو الرب» [...]» تصدر عنه أصوات تبيطاية فشيي 
مالا أدري أي لغة»207. وك نسب الى زغرى بالا يني قصكا واس وتكيه 
وبأسماء جميع 0 ). ومن ثم فإن هؤلاء الأعداء وثنيون يعبدون الأوثان؛ 
على غرار الوثنيين الذين قاموا في الماضي باضطهاد الشعب اليهودي المختار 
والمسيحيين الأوائل. وهكذا يصور تيديبود المسيحيين الذين يموتون على أيدي 
هؤلاء الكفار في صورة الشهداء. 


وعند إخباريين مختلفين؛ فإن المثال الصارخ أكثر من سواه للتذرع بوثنية 
الترك المزعومة لتبرير الحملة الصليبية إنما يظهر في وصف عبادات سراسنة 
أورشليم التدنيسية. فبحسب فوشيه الشارتري؛ من المفترض أنهم قد أقاموا في معبد 
الرب؛ أن قبة الصخرة؛ صنما لمحمد كانوا يوجهون إليه صلواتهم الباطلة» مدنسين 
بذلك هذا المكان المقدس7'“). أمّا راؤول الكاني فهو يذكر أن راعيه:؛ تانكريد 
الجسورء من المفترض أنه قد وجد الصنم في المعبد وقام بتحطيمه تعبيرًا عن 
ورعه”'“). وليس من شأن تدنيسات كهذه في الأماكن الأكثر قداسة في العالم سوى 
إضفاء المجد على المشروع الذي أقدم عليه جنود المسيح. ولا أهمية تذكر لكون 
هذه التدنيسات مجرد تخيلات. 

إلا أن الإخباريين لم يجمعوا على وصف المسلمين بالوثنيين. فأحد إخباريي 
الحملة الصليبية الأولى يقدم صورة لمحمد مختلفة تمامًا - حتى وإن كانت معادية- 
إذ يعلن جيبير النوجيني أن محمد ليسء كما يعتقد البعض, إله السراسنة؛ بل إن 
هؤلاء الأخيرين «يعتبرونه رجلا عادلاً وشفيعهم الذي نقل إليهم الشرائع 
الإلهية»7”). ويدرج جيبير في حولياته إشارة الرب للفرانك :)1١١9(‏ سيرة 
قصيرة لمحمد. ويعرف جيبير أن السراسنة لا يعبدون سوى الرب الأب» وأنهم 
يرفضون الأقانيم الثلاثة» وأنهم يرون أن يسوع كان إنسانا ونبيّاء لكنه ليس الرب. 
وبحسب جيبير» فإن «ماتوموس» هذا قام» بمساعدة مسيحي هرطوقيء بكتابة 
شريعة «تترك الحبل على الغارب لشتى البشاعات». ولكي يجعل ماتوموس العرب 
يؤمنون بأنه نبي» درب حمامة على أكل حبوب في أذنه مدعيًا أنها ملاك قادم من 
السماء. وهو يربط لفافات شريعته بقرني بقرة يجري الاحتفال بظهورها باعتباره 
معجزة. وهذه الشريعة الجديدة» التي يرحب بها الدهماء» تشجع التجاوزات 
الشهوانية: تعدد الزوجات» البغاء» المثلية الجنسية. وكعقاب عادل على جرائمه؛ 
فإن «ماتوموس» يموت ميتة مريعة: مصابًا بالصرع. ثم تأكله خنازينٌ منتففة 
البطون. وحكايات المعجزات الزائفة تشبه الحكايات التي كأنوا يروونها عن زعماء 
الهراطقة: فهذه الخدع ذات مصدر الإلهام الشيطاني من شأنها أن تفسر السبب في 
اعتناق الدهماء للهرطقات. 


ه١‎ 


والحال أن الوظيفة الإيديواوجية لهذه السيرة لمحمدء والموضوعة في مستهل 
حوليات جيبيرء إنما تَعَدُ واضحة: إنها تعمل على تبرير الحملة الصليبية. ويؤكد 
جيبير أن مسيحيي الشرقء اللوذعيين إلى حد بعيدء قد جرتهم مماحكاتهم العقلية إلى 
السقوط في : شتى أنواع الهرطقات ؛ وقد لا يكون الإسلام سوى التجلي الأحدث 
والأكثر كارثية لهذه الاتجاهات الهرطوقية. والرسالة بسيطة: إن الشرقيين بحاجة 
إلى الغربيين لتنظيم أمورهم. والإساءة إلى النبي عنصر رئيسي في تبرير الحملة 
الصليبية. والحال أن مؤرخين آخرين للحملة الصليبية إنما يسيرون في خطى 
جيبير. فوليم؛ كبير أساقفة صورء يقدم محمد على أنه «ابن.الشيطان البكر»»: 
المجنون والكاذب الذي «يغوي بلاد العرب»7'). ولن يكون بوسع أشياع رجل 
كهذا الفوز بأي شرعية سياسية في أرض المسيح. 


الحملة الصليبية من وجهة نظر الحقوقيين 

لئن كان الإخباريون يصورؤن الحملات الصليبية على أنها استرداد لميراث 
المسيح الذي اغتصبه الكفار من دون وجه حق: فإن القائون الشرعي يقدم إطارًا 
شرعيًا للحرب المخاضة في ظل السلطة الكنسية لتأكيد حقوق الكنيسة. والحال أن 

الب ««رية6001:011 يت “مع كك و0 :م00 (أو المرسوم) العائد إلى منتصف القرن 
الثاني عشر هو مصنف موسوعيء منسوب إلى جراسيان» يصبح أساس كل 
منظومة القانون الشرعي في العصر الوسيط. والمرسوم ينقسم إلى متدنيم» 
حالات افتراضية متنوعة تسمح للكاتب بتقديم آراء متباينة حول هذه المسألة أو 
تلك؛ بالإعتماد على مقتطفات مرجعية؛ ثم حسم المسألة. وال مدبهه [الحالة] التي 
تهمنا هنا هي الحالة الثالثة والعشرونء والتي تعالج شرعية الحرب ضد الهراطقة 
والتي تخاض في ظل السلطة الكنسية. وكما في جميع ال موده [الحالات]ء 
يطرح جراسيان أولاً حالة فتزاسئية) م بستغلص مها غنذا نينا منيق المسائل» 
يجتهد في حلها مستشهدا بنصوص لها مرجعيتها. «إن بعض. الأساقفة» مع الشعب 
الذي يتحملون المسؤولية عنه؛ قد غرقوا في الهرطقة. وقد شرعواء عبر تهديدات 
وتعذيبات» بإجبار كاثوليك المناطق: المجاورة على اعتناق هرطقتهم. فأمر البابا 
أساقفة المناطق المجاورة» والذين تلقوا السلطة المدنية من يد الإمبراطورء بالدفاع 


وه 


عن الكاثوليك ضد الهراطقة. وبما أن هؤلاء الأساقفة قد قبلوا هذا التكليف 
الرسولي؛ فقد حشدوا قوات وشرعوا في محاربة الهراطقة على المكشوف 
وبالخديعة. وتم قتل هراطقة عديدين» وجِرّذ أخرون؛ عبر السلب؛. من ممتلكاتهم 
الخاصة أو من ممتلكات كنائسهم» بينما جرى حبس آخرين في سجون أو إنزالهم 
إلى درك العبودية» في حين أن آخرين أيضا جرت إعادتهم بالإكراه إلى وحدة 
الدين الكاثوليكي»7؟). 

وقد رأئ كثيرون من المؤرخين في هذه ال ,هه [الحالة] تلميئخا إلى 
الحملة الصليبية الأولى» محقين من دون شكء كما توحي بذلك مخطوطات عديدة 
مزينة من المرسوم تصور (اعتبارا من القرن الثالث عشر) ال مدمء [الحالة] 
> بمشاهد مطابقة من ناحية التصوير الأيقوني لزخارف كتب حوليات الحملات 
الصليبية. ويحيل حقوقيو القرنين الثالث عشر والرابع عشر إلى هذه الب مع 
[الحالة] حين يتحدثون عن الحملات الصليبية. والتوازيات بين الحملة الصليبية 
الأولى والحالة المطروحة عديدة جذًا بحيث يصعب أن تكون عَرضية: سلطة البابا 
في دعوة ال 5م//71 [الجنود] إلى حمل السلاح دفاعًا عن مسيحيين مضطهدين؛ 
حق الغالبين في الاستحواذ على ممتلكات المغلوبين وفرض سلطتهم على الأراضي 
التي يتم إخضاعها. ويسعى جراسيان من دون أي شك إلى تأكيد شرعية الحملة 
الصليبية الأولى لكنه يقدم أيضنا معايير للحكم على مشروعية أي نوع من الفعل 
العسكريء الهجومي والدفاعيء الذي يتم القيام به في ظل سلطة الكنيسة. 

ومن الواضح أن جراسيان لا ينوي إصدار حكم على شرعية «الحملات 
الصليبية» بصفتها هذه؛ لأن مفهوم «الحملة الصليبية» (كما رأينا) لم يكن موجودا 
بعد ؛ ولا يرجع الحقوقيون إليه بشكل واضح إلا في القرن الثالث عشر7*). وهو 
يطرح المشكلة بطريقة أوسع بكثير: إذ يبدو بالنسبة له؛ أن السابقة الحقوقية للحملة 
الصليبية الأولى قد تتمثل في الصراع ضد الهراطقة الدوناتيين في أفريقيا الشمالية 
في القرئين الرابع والخامس: وفي الحالتين» يتعلق الأمر باستعادة السلطة الرومانية 
(الإمبراطورية أو الباباوية) على من بدوا متمردين عليها وإغاثئة المسيحيين 
الكاثوليك المضطهدين من جانب الهراطقة. وإذا كان الخصوم قد جرى تصويرهم 
في هذه ال مىىم:م» [الحالة] على أنهم هراطقة» فهذا لأنه؛ اعتبارا من القرن الثاني 


؟ه. 


عشر كان يجري النظر إلى المسلمين بهذا الشكل؛ كما رأينا ذلك بالنسبة لجيبير 
النوجيني ووليم الصوري. ومن ثم يمكن بالفعل تطبيق هذه ال مى:هه [الحالة] 
على «السراسنة» حيث يتعلق الأمر بهراطقة. 

وكما بالنسبة لكل حالة من حالاته (»مئ:م)»؛ يتبع جراسيان هذه الحالة 
النظرية بسلسلة من الأسئلة التي تنبثق عنها (ثمانية أسئلة هنا). فهو يتساءل (ضمن 
أمور أخرى) عن مشروعية الحرب؛ عن واجب إغاثة الزملاء» عن معاقبة 
المذنبين» عن سلطة أشخاص مختلفين (الباباوات؛ الأساقفة؛ الأباطرة» إلخ.) في 
الدعوة إلى حمل السلاح ضد الهراطقة. ويتساءل جراسيان» في سؤاله السابع» عما 
إذا كان يمكن مصادرة ممتلكات الهراطقة وكنائسهم وعما إذا كان يمكن 
ل«المسيحيين الصالحين» الاستيلاء عليها. وهو يؤكدء في إجاباته: على مشروعية 
الفتح واحتياز الأراضي والممتلكات. وبوصفه مدرسيًا ناشئا جيد الأسلوب في 
القرن الثاني عشرء يستشهد جراسيان بمراجع مؤيدة ومعارضة لكل فكرة من 
أفكاره: فقرات من الكتاب المقدسء المجامع المسكونية» المرسومات الباباوية وآباء 
الكنيسة - آمبروازء جيروم؛ جريجوار الأكبر -»؛ لكنه يستشهد بالأخص 
بأوغسطسء الذي يُقَدُمْ غالبية الاستشهادات. وهذا التفضيل لأسقف هييون منطقيٌ 
تماما: ففي هذه الكتابات حول الدوناتيين» يبرر أوغسطين اللجوء إلى السلاح لخدمة 
الكنيسة الكاثوليكية ضد الهراطقة. ولم يكن أوغسطين أول من يحرم الهراطقة من 
الحقوق المدنية. ففي ظل قسطنطين بالفعل» جرى حرمان الهراطقة من الس 
7م 1سم. وفي التشريع الإمبراطوريء منذ القرن الرابع» كانت الهرطقة تُمَدْ 
جريمة مساس بالجلالة؛ بل خيانة'). 

لكن جر اسيان يستشهد بأو غسطين وحده في الفقرات الآر بع للب وزاععواتني 
[المسألة] 7 وهي الفقرات التي تصرح بخق المسيحيين في احتياز ممتلكات 
الهراطقة. فبالنسبة لأوغسطين؛ وَضْنع الدوناتيون أنفسهم خارج القانون: وبما أنهم 
متمردون في أن واحد على القائون الإلهي وعلى القانون البشري (قانون 
الإمبراطورية) لم يعد لهم أي حق شرعي في امتلاك ممتلكات. ويسير جراسيان 
في آثر أوغسطين ويقرر حق الكاثوليك في مصادرة ممتلكات الهراطقة:؛ طارخا 


(»*) الامتيازات. باللاتينية في الأصل. - م. 


بذلك تبرير! للفتح على حسابهم - وهو تبرير يغدو مرجعيًا وسوف يكون نقطة 
انطلاق كل تأمل حول هذا الموضوع من جانب الحقوقيين في القرنين الثاني عشر 
والثالث عشر. فبالنسبة للحقوقي أوجوتشيوء الذي يقوم بالتدريس في بولونيا في 
أواخر القرن الثاني عشر (والذي يبدو أنه كان أستاذ الرجل الذي سيصبح فيما بعد 
البابا إينوسينت الثالث)؛ تَعَدُ الحرب ضد الهراطقة مُجازة بالقانون البشري 
وبالقانون الإلهي7). والقانون ”* لمجمع لاتران الرابع )١7١5(‏ يفرض على 
الأحبار واجب مكافحة الهرطقة وتعبئة الأمراء لأجل ملاحقة الهراطقة:؛ مانا 
المسيحيين الحق في امضازنة أملاكهم. ويؤكد القانوني لورنسيوس هيسيانوس (مات 
في عام 5448؟١)‏ أن ال مى:من [الحالة] ”7 تضفي الشرعية على كل حرب ضد 
الهراطقة والسراسنة9'). واللاهوتيون الذين يتحدثون عن هذه الحالة يذهبون 
المذهب نفسه في عمومهم ؛ وقد يكون بوسعنا الإشارة إلى الفرنسيسكاني ألكسندر 
دو آل (مات في عام ©4؟١)؛‏ الذي رأى أن نهب الهراطقة أو السراسنة وسلب 
ممتلكاتهم من جانب ب الصليبيين ل ب 

على أن بعض الحقوقيين يترددون في إنزال السراسنة إلى مستوى الهراطقة» 
لاسيما أن مسلمين عديدين يتمتعون» شأنهم في ذلك شأن اليمودء بوضعية أقلية 
تابعة لا تتعرض للإكراه في إسبانيا وفي صقلية وفي الدول اللاتينية في الشرق 
(كما سوف نرى.في الفصل التالي). وبعض الحقوقيين يصورون الحرب ضد . 
السراسنة بالأحرى على أنها استعادة للسلطة المسيحية الشرعية التي من المفقرض 
أن الكفار اغتصبوها. والحال أن الدومينيكاني ريمون دو بينيافور (القرن الثالث 
عشر)ء؛ قد اعترف في كتابه ("اوررؤزوم عه وتووربرى؛ بأن بوسع السراسنة ممارسة 
الحكم بشكل شرعيء ولكن ليس في الأراضي التسي كسبوها على حساب 
المسيحيين. ويصبح الفتح المسيحي لأراض إسلامية مشروعا عندما يتعلق الأمر 
بأراض كانت في السابق مسيحية: الأرض المقدسة:؛ إسبانيا أو أجزاء أخسرى من 
الإمبراطورية الرومانية القديمة. وهذا أيضنا هو رأي حقوقيين آخرين في القرن 
الثالث عشر كجيوم دو ران أو يوهانس دو ديوء أو لاهوتيين كروبير دو كورسو 
كما يؤكد البابا إينوسنت الرابع على الحق في الاسترداد. ويمضي توماس الأكويني 
إلى ما هو أبعد من ذلك: فهو يرى أن الكفار لا يمكنهم حكم المسيحيين ؛ وللكنيسة 


(*) موجز الحالات. -م. 
6 


الحق في إلغاء هذه السيطرة7””). وهكذا يعمل حقوقيو القرن الثالث عشر في اتجاه 
جراسيان؛ مؤكدين بشكل قطعي شرعية الاسترداد المسيحي لأراضي الإمبراطورية 
الرومانية المسيحية» حيث لا حق للهراطقة - السراسنة أو سواهم - في ممارسة 
السلطة. 
الاسترداد في إسبانيا 

بينما كان الصليبيون يستأثرون بإمارات في الشرقء؛ انخرطت الممالك 
المسيحية في شمالي شبه الجزيرة الإيبيرية في فتوحات على حساب الإمارات 
الإسلامية. ففي مستهل القرن الحادي عشرء نجد أن خلافة قرطبة:؛ التي كانت 
مسيطرة حتى ذلك الحين على شبه الجزيرة والتي شكلت أقوى وأغنى دولة في 
أوروباء قد غرقت في الفتنة: أو الحرب الأهلية» وانتهت إلى التمزق في طوائف؛ 
إمارات صغيرة متنافسة تتقاتل الآن فيما بينها. والحال أن سادة الشمال المسيحيين 
(كونت برشلونة وملوك كاستيل إقشتالة] وآراجون وليون و» اعتبارا من أواخر 
القرن الحادي عشرء البرتغال) إنما يستفيدون من هذا الوضع لكي يستولوا على 
أراض أو لكي يطالبوا الأمراء [المسلمين] بأداء إتاوات (5م:,دم). وتلكء مكلا 
حالة فرناندو الأول .)٠١50- ٠١5(‏ ملك كاستيل وليون» الذي يطالب بإتاوات 
من جانب أمراء توليدو [طليطلة] وباداخوث وسيبيل [إشبيلية]. ويواصل هذه 
السياسة ويوسعها ابنه ألفونسو السادس :)٠١١١94-57١55(‏ ويضطر عبء 
الإتاوات الأمراء [المسلمين] إلى فرض ضرائبء؛ لم ينص عليها القرأن؛ على 
رعاياهم؛ ما يؤدي إلى عدة تمردات. ويستفيد ألفونسو من تمرد ضد أمير طليطلة 
لكي يستولي على المدينة في عام .٠١8©‏ والحال أن أمراء الطوائف الأخرى؛ 
سعيًا منهم إلى مواجهة الخطر الذي يمثله ألفونسوء يطلبون العون من المرابطين» 
وهم سلالة حاكمة تسيطر على جزء لا بأس به من أفريقيا الغربية؛ من مالي إلى 
مدينة الجزائر. فيتدخل المرابطون ويلحقون هزيمة أليمة بألفون سو في زلاقة 
)٠١86(‏ ويفرضون سيطرتهم على الطوائف. وفي أربعينيات القرن الثاني عشرء 
تتمكن سلالة حاكمة مغربية أخرىء؛ هي سلالة الموحدين» من الإطاحة بالمرابطين 
وفتح الأندلس وخوض هجمات ضد الممالك المسيحية في شمالي شبه الجزيرة. لكن 
انتلانًا للممالك المسيحية ينتهي إلى إلحاق هزيمة حاسمة بالموحدين في عام 


كه 


:» في معركة ناباس دي تولوزاء ما يفتح الطريق أمام الفتح: فجاك الأول 
الآراجوني يستولي على مايوركا [ميورقة] (75؟١)‏ وبالنسيا [بلنسيّة] ,)١774(‏ 
بينما يستولي فرناندو الثالث ملك كاستيل وليون على قرطبة (1175) وإشبيلية 
.)١144(‏ والحال أن مملكة غرناطة النصرية وحدها هي التي تبقى في أيدي حكام 
مسلمين حتى فتحها في عام ١547‏ على إيدي إيسابيللا القشتالية وفرناندو 
الآأراجوني. 

وال مإوزربوجمعء2 («الاسترداد») هو المصطلح الذي تسمي به الكتابة 
التاريخية عادة هذه الموجات المتعاقبة من الفتوحات من جائب أمراء مسيحيين. 
ومن الواضح أن مصطلح الاسترداد يتضمن برنامجًا إيديولوجيًا بأكمله. فالأمر 
لايتعاق يتجرد فتع: ايل يغوده إلى الحالة الطبيعية: باستعادة لنظام مسيحي من 
المفترض أنه قد أطيح به مؤقتا من جانب السيطرة الإسلامية. وإذا كان هذا 
المصطلح يُعَدُ أساسا اختراعًا من جانب الكتابة التاريخية في القرن التاسع 
عشر”7””)» فإن المفهوم له جذوره في الكتابة التاريخية في العصر الوسيط. ففي 
مملكة آستورياس في القرن التاسع؛ نرى بالفعل عرضنا للفكرة التي تذهب إلى أن 
ملوك آستورياس هم ورثة الملوك القوط الغربيين القدماء وأن «الكلدانيين» ليسوا 
غير بلية أرسلها الرب» مصيرها الزوال من شبه الجزيرة في وجه الملك 
الآستورياسي ألفونسو الثالث. وهذه الإيديولوجية سوف يطورها إخباريون في 
حاشية خلفائه: ملوك ليون وقتشالة. وهنا نرى اقتران عنصرين أساسيين: أولاء 
عودة أسرة مالكة منحدرة من سلالة القوط الغربيين وتشكل بحكم هذا الواقع السلطة 
الشرعية الوحيدة في كل شبه الجزيرة ؛ وفيما بعد» وبما يمثل لازمة مرافقة لهذه 
العودة القوطية» العودة المسيحية: فالحكم من جانب أمراء مسيحيين هو وحده الذي 
يمكنه أن يكون شرعيًا ؛ وليس للأمراء المسلمين أي حق في السلطة على الأرض 
الإيبيرية. ونحن نجد هذه الفكرة الأخيرة لدى ملوك أراجونء الذين من الواضح 
أنهم لا يوافقون على فكرة عودة قوطية؛ من شأنها أن تنطوي على خضوعهم 
لملوك كاستيل وليون7”. 

وفي القرن العاشرء عندما تستعيد قرطبة» في ظل الخلافة» قواهاء قلّما يتسنى 
للممالك المسيحية في الشمال ادعاء الانخراط في «استرداد» لشبه الجزيرة. وفي 
القرن الحادي عشرء عندما يشن ألفونسو السادس الهجوم ضد أمراء الطوائف» 


باه 


يجري استعادة التواصل مع الفكرة الآستورية عن عودة للشرعية «القوطية». 
وينجح الملك في الاستيلاء على مدينة طليطلة؛ العاصمة القديمة للملوك القوط 
الغربيين» ما ليس من شأنه سوى مساعدته في تعزيز وجوده بوصفه وريثنا لهم. 
ويظهر هذا الحرص في الألقاب التي يمنحها لنفسه: فهو يسمي نفسه «ألفونسوء 
إمبراطور كل إسبانيا بنعمة الرب» و«منتصر إمبراطورية توليدو الرائع» ؛ 
وسلطته تمتد على «كل إمبراطورية إسبانيا ومملكة توليدو»9). ومما يدعو إلى 
الاستغراب أن هذا الادعاء بعودة قوطية لا يظهر عند الإخباريين اللاتين آنذاك» بل 
عند كاتبين عربيين. فعبد اللهء آخر أمراء غرناطة الزيريين يروي ما يفترض أنه 
قد قاله له الكونت سيسناندو دافيديث؛ الذي أرسله الولميو السادس إلى غرناطه 
ليطالب بأداء ال :مم [الإتاوات]: «كانت الأندلس تنتمي في البداية إلى 
المسيحيين (الروم) إلى أن استولى عليها العرب الذين طردوهم إلى غاليسيا. لكنهم 
يودون» وقد أصبح ذلك ممكنا الآن» استرداد ما سلب منهم بالقو ول" (*”). 

وتظهر هذه الإيديولوجية بوضوح في ثلاث حوليات ترجع إلى القرن الثالث 
عشر: كتاب ال "“ازىرورررر ورمع زبرم :0 )1١473--1775(‏ للوكاس دي توي 
وكتاب!""" “وو زرروورئز/ وبرطعم 26 )١1745---17435(‏ لرودريجو خيمينيث دي 
راداء كبير ا توليدو والمستشار المقرب من فرناندو الثالنث» ملك كاستيل 
وليون وكتاب 0“ “ان تروروع م وره:2 المصنف بأمر من الملك ألفونسو العاشر 
الحكيم 17017 - 17184) والذي تم إنجازه في عهد ابنه سانشو الرابع”*) ١744(‏ 
.)١746 -‏ وكتاب الحوليات الأخير هذا يروي تاريخ السلالات الحاكمة المختلفة 
التي حكمت إسبانيا: من الإغريق والقرطاجنيين والرومان والقاندال والقوط 
الغربيين والعرب. ومن بين كل هذه المجموعات» فإن مجموعتين فقط كانتا 
شرعيتين: الرومان والقوط الغربيون ؛ وألفونسو العاشرء الملك والإمبراطور (اتخذ 
لنفسه في الواقع لقب الإمبراطور)؛ هو الوريث الطبيعي للإثنتين. أمَا الجماعات 
الأخرى فهي دخيلة - خاصة الغزاة الذين جاءوا من أفريقياء القرطاجنيو 
والمارل'”*). والحال أن كتاب مم5 مه 55/014 شأنه في ذلك شأن النصوص 





(»«) ترجمة عن الفرنسية. - م. 
0 وقائع العالم, ال 
(*©*:) حول إسبانيا. - م. 
(«*») تاريخ إسيانيا. - م. 


مه 


التي سبقته في هذا التقليد الذي وسم الكتابة التاريخية» إنما يرفض الاعتراف بأي 
مشروعية للسادة العرب (أو «الكلدانيين»؛: «السراسنة»» «المار»). وما يحدد هذه 
النبرة بالفعل كتابُ حوليات لاتيني كتب في عام 784: إن «ضياع» إسبانيا من 
جانب الملوك المسيحيين القوط الغربيين كان كارثة لا نظير لهاء فهي تتجاوز دمار 
أورشليم وخراب روماء إلخ(1*), 

والوجه الآخر لهذا الغش السياسي من جانب «المار» هو لا شرعيتهم الدينية. 
فالحال أن غدة كتانب يذرحوفق » في حولياتهم عن تاريخ انسياتوا؟ سديرة متوجرة 
لمحمد. وكتاب ال (كأعبروزنبزوم,ط عرنوزه,ره© (887) يصوره على أنه زعيم 
هراطقة» «نبي كافر» قد تكون «روح الضلال» (أي الشيطان) قد ظهرت له على 
شكل نسر ذي وجه ذهبي وادعت بأنها الملاك جبريل. ومن المفترض أن محمدء 
وقد شجعته إيحاءات النسرء قد تولى دور النبي ودعا إلى إيادة غير المؤمنين 
بالسيف. وهذا النص يصف «النبي المزعوم» بأنه رجل عنيف ومترف»ء لا يتردد ' 
في أخذ امرأة رجل آخر. وبما أنه زعيم هراطقة؛ فإن له أيِضًا سمات المسيح 
الدجال: إذ من المفترض أنه تنبأ يأن الملاك جبريل من شأنه أن يأتي لبعثه بعد 
ثلاثة أيام من موته؛» إلا أنه «بدلاً من الملائكة: جاءت كلاب» جذدبتها الراشئحة 
النتنة» فالتهمت خاصرته». وهذه السيرة السجالية تخدم في نفي أي مشروعية دينية 
أو سياسية للمارء مشايعي هذا النبي الزائف7"). ونجد سير ممائلة لدى لوكاس دي 
توي ورودريجو خيمينيث دي راداء» وفي كتاب هوم ون1م/ى5. ومن المؤكد أن 
الصورة التي يرسمها رودريجو خيمينيث دي راداء الذي يستخدم مصادر عربية» 
أقل فجاجة وأكثر مراعاة لتباين الألوان والظلال وأكثر عمقًا من الصورة التسي 
يرسمها ال منوناء :ممم لا 60 لكن الاستنتاج مماثل: «عن طريق وحي 
زائف» صاغ محمد المخدوع قيروسا خبيثا». 

وإذا كان الشيطان في صف زعيم الهراطقة ومأجوريه» فإن الرب وقديسيه 
يدعمون المسيحيين. وبالنسبة للكتاب الليونيين والكاستيليين» فإن سانتياجوء القديس 
جاكء هو الراعي الأول للاسترداد. وفي معركة كلابيخو (855»: وهي معركة لم 
تتأكد حقيقتها الواقعية التاريخية بوضوح).» نجد أن القديس» ممتطيًا جواذا أبيض» 
وحاملاً راية بيضاءء؛ ربما يكون قد تدخل ليهب الكاستيليين النصر ضد المسلمين. 


() الحولية النبوءية. - م. 
١‏ 8ه 


وتتطور الأسطورة نفسها حول معارك أخرى ؛ فالرسول يصبح :م/::” [جنديًا] 
يقاتل في سبيل كاستيل ضد أعدائها. لكنه يتدخل أحيانا أيضنا ضد أعذاء مسيحيين» 
خاصة البرتغاليين. وأخوية سانتياجو العسكرية» التي تأسست في عام 21١07١‏ 
تتبينى شعار #الاطن ,رك ©:17ااج5011 وزوده /8::86 «السيف أحمرت من دم العرب». وفي 
وقت متأخر أكثر ٠‏ خاصة في العصر الحديث» يصبح :0,ه«ه1ه: مع30::/10» 
القديس جاك قاتل المار: ويجري تصويره ممتطيًا جواذاء شاهرًا سيفه؛ بينما المار 
طرحى الأرض من حوله. وهذه الصورة الأيقونية تنتشر في إسبانيا وفي أميركاء 
وقد عمدت مدن في المكسيك وتكساس باسم ماتاموروس. 

ولم يكن جاك القديس الوحيد الراعي للجيوش المسيحية. فإيزيدور الإشبيلي» 
والذي كانت رفاته قد نقلت إلى ليون في القرن الثاني عشرء محبوب لدى الكقتاب 
الليونيين» خاصة لوكاس دي توي. نفي كتابه معجزات القديس إيزيدور» يصف 
لوكاس كيف ظهر القديس في رؤيا للملك ألفونسو السابع خلال حصار باينا (في 
عام )١١47‏ ووعده بالنصر على أعدائه المار لبقخري لك أي الج وإلي 
جانب إيزيدورء هناك القديس جاكء الذي يحمل سيفا ذي حدين7''). ومع القديس 

جاك والعذراءء يُعَدُ إيزيدور القديس الراعي للاسترداد الإسباني. وعشية الاستيلاء 
على قرطبة» العاصمة القديمة للخلافة» يتوسل فرناندو الثالث إلى إيزيدور لتحرير 
المدينة. 

وحرمة أماكن العبادة عنصر رئيسي آخر في تبرير استرداد الأرض من 
أيدي «الكفار». وإذا ما صدقنا الإخباريين المسيحيين؛ فإن المار كانوا قد انهمكواء 
خلال فتحهم لشبه الجزيرة» في تدمير الكنائس ؛ والأسوأ من ذلك أنهم حولوها إلى 
مساجد. ويُصوتر” كتاب »ومو 46 و:م)عك الأمور على النحو التالي: «لقد جرى 
تدمير الأماكن المقدسة وهدم الكنائس ومارس [المسلمون] التجديف في الأماكن التي 
كان يجري فيها الثناء على الرب في مَسَرة» وقاموا بأعمال تخريب وأزالوا 
الصلبان والمذابح: من الكنائس. وجرى إتلاف ودوس الزيت المقدس والكتب وكل 
تلك الأشياء التي كانت لشرف الجماعة المسيحية. ونسيت كل الأعياد والاحتفالات. 
ولم يعد شرف القديسيين وجمال الكنيسة سوى رذيلة وبشاعة. وها هم في الكنائس 
والأبراج التي كان يجري الثناء فيها على الرب؛: يتضرعونء في المكان نفسه؛ إلى 


محمد»'). 


ومن ثم فإن أحد أهداف الاسترداد هو إعادة هذه الأماكن إلى العبادة الحقة 
للرب. ولدى الاستيلاء على مدينة على حساب مسلمين» غالبا ما كان يجري الاتجاه 
إلى «تطهير» شعائري للمسجد الرئيسي وتحويله إلى كنيسة7”'). وكانت الكنائس 
تّعاد إلى استخدامها الأصلي ؛ ؛ وكانت تستعاد الهيراركية الصالحة المؤلفة من 
الكاهن والأسقف والجاثئليق والباباء مثلما كانت تستعاد السلطة الشرعية لوريت 
ملوك إسبانيا القوطيين. 

والحال أنه في أراجون؛ بأكثر مما في كاستيل وليسونء يتبنى الملوك 
إيديولوجية الحملة الصليبية وأطرها الحقوقية. وأول فتح كبير يحرزه الملك جاك 
الأول هو فتح مايوركاء في جزر الباليار. وفي نوقمبر/ تشرين الثاني 21755 
يوجه البابا جريجوار التاسع إليه رسالة يبلغه فيها بأنه يرسل إليه رجالاء من 
العلمائيين والكهنة» لأجل مساعدته في حملته؛ ويأنه «يمنحهم صك الغفران الذي لا 
يُمنح عادة إلا لمن يهبون لمساعدة الأرض المقدسة». وجريجوار واضح جدًا أيضنا 
فيما يتعلق بهدف الحملة الصليبية: «حتى يتسنى للبلد» بمجرد أسر الأعداء وتبديد 
شملهم؛ التواصل من جديد مع العبادة المقدسة وحتى يتسنى نشر طقوس 
الكنيسة»(" ''. وهذا التبرير للفتح» للحملة الصليبية من أجل إعادة العبادة المسيحية 
إلى الأراضي المغتصبة؛ يتكرر في الوثائق الباباوية المتعلقة بفتوحات جاك التالية؛ 
خاصة فتح بالنسياء التي ينتهي إلى الاستيلاء عليها في عام ١774‏ بعد حصار 
طويل. وقد نظم جاك التعميد الجماعي لمسلمين اعتنقوا المسيحية أمسام أسوار 
المدينة المحاصرة: وهذه مبادرة ذات قيمة رمزية قوية هدفها تثبيط عزيمة 
المدافعين المسلمين مع تمكين الملك الصليبي من الإعلاء من شأن سموه الأدبسي 
والديني. 


يقظة الجهاد في وجه الإفرنج 
في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر 
في الغرب كما في الشرق؛ تؤدي فتوحات الروم أو الإفرئج إلى إيقاظ لغة 
وإيديولوجية الجهاد. ومن المؤكد أن هذه اللغة قد وجدت من قبل: فخلفاء قرطبة قد 
خاضوا حملات منتظمة ضد الإمارات المسيحية التي رفضت أداء جزية لهمء 


ل 


متذعرين بإيديولوجية الحرب المقدسة لتبرير وتمجيد ما كان بالأساس حملات 
تأديبية أو غارات سلب ونهب. والحال أن الحاجب المنصور القرطبي يوسع هذه 
السياسة» فيخوض غارات تدميرية في شمالي شبه الجزيرة: وهو يسعى بذلك إلى 
الالتفاف على من كان بوسعهم الاعتراض على اغتصابه السلطة على حساب 
الخليفة. وفي الشرق» يستخدم الأتراك السلاجقة لغة الجهاد لإضفاء الشرعية على 
فتوحاتهم على حساب بيزنطة وإن كان أيضًا على حساب فاطميي مصر الشيعة 
(ومن ثم «المارقين»). 

وفي ا ا 0 
المرابطين في عام ٠ ٠85‏ ثم سلالة الموحدين في عام 57١١؛‏ يصبح يصبح الجهاد 
عنصر'! أساسيًا في الإيديولوجية السياسية'"). ونحن نرى ذلك في الرسائل 
الصادرة عن ديوان الموحدين» والتي تصف الأعداء المسيحيين ب «الكفار» أو 
«الزنادقة» أو «المشوكيت»(ة 0 وعندما تباغت قوات الموحدين حملة غارة قام بها 
كونت آبيلا في عام نجد أن القالمي» أمين سر الذليفة الموحد أبو يعقوب 
يوسف؛ يصور الاشتباك على أنه انتصار باهر للإسلام على الكفار: فالعدو يُساق 
إلى أبواب جهنم وقوات الموحدين ترجع مكللة بالغار إلى إشبيلية؛ ومعها «بيارق 
المسيحيين المهانة التي ظهرت عليها صورهم وصلبانهم وعلامات كذبهم على الله 
وكفرهم. كما حملت معها رأس زعيمهم الملعون؛ شيطانهم الرجيم» مسضطهد 
المؤمنين» أكثر الكفار تطاولاً على الرحمن الرحيم'/,0. 

وفي رسالة تصف استيلاء الموحدين على المرية؛ يتحدث كاتب اخر عن 
القوات الظافرة كأسو د «تتبادل الدعوة إلى شرب دم هذا الحشد من الكفار7"»(". 
ولكن دعونا نكشف عن تباين الألوان والظلال. فهؤلاء الخلفاء الموحدون أنفسهم قد 
استخدموا مرتزقة كاتالونيين وبرتغاليين ووقعوا معاهدات تجارية مع البيزاويين 
والجنويين"). ثم إن «الكفار» الذين كانوا أكثر ضراوة معهم؛ الذين كانوا الأكثر 
عرضة للتشنيع عليهم بأقلامهم» كانوا المنافسين المسلمين لهم؛ المرابطين» الذين 
جرى اتهامهم بارتكاب أسوأ الجرائم: الزندقة» الانحلال؛ الكفرء الوثنية؛ إلخ. وابن 
تومرت؛ مؤسس حركة الموحدين؛ يقول ذلك بوضوح: «إعلموا - وفقكم الل!- أن 





(»*) ترجمة عن الفرنسية. - م. 


جهادهم فرض على الأعيان» على كل من فيه طاقة للقتال: واجتهدوا في قتال 
الكفرة الملثمين [أي ضد المرابطين» الذين كان رجالهم ملثمين]» فجهادهم أعظم 
ضعفين أو أكثر من جهاد النصارى وسائر الكفار ؛ فهم؛ في حقيقة الأمرء قد 
خلعوا صفة جسدية على الخالق - جل ثناؤه!- ورفضوا التوحيد [الوحدة المطلقة 
للذات الإلهية]» وكانوا متمردين على الحقيقة! 8*)يم7©. 


وفي الشرقء لو فحصنا ردود الفمل الإسلامية الأولى تجاه الحملات 
الصليبية» فقلّما كانت فيها عداوة دينية. فالتقدير يذهب في البداية إلى أن القوات 
الإفرنجية ليست غير قوات مرتزقة لبيزنطة يجري استخدامها لشن هجوم مضاد 
على الترك ؛ ولم تكن مصر الفاطمية مستاءة من نجاحات الصليبيين الأولى ضد 
أعدائها السلاجقة. ومن المؤكد أنه سرعان ما يجري إدراك أن الإفرنج يتصرفون 
لحسابهم ويتم التعبير عن الأسف للمجازر التي يرتكبونها. لكن العداوة التي يجري 
استشعارها حيال الإفرنج ليست عداوة دينية ؛ فالمسلمون يعرفون جيذا المسيحية 
على أي حال؛ بفضل البيزنطيين والذميين. أمّا ضراوة الإفرنج فيبدو أنها تنتمي 
إلى نسق آخر تماما. وبالإمكان عقد تحالفات معهم أو خوض الحرب ضدهم؛ لكن 
الحرب ليست تعبيرًا عن الجهاد. 

على أن مسلمي المنطقة يبدءونء شيئًا فشيئّاء في إدراك إن ما يحرك الإفرنج 
هو عداوة دينية. فيجري وصف التدنيسات التي طالت المساجد على أيدي الإفرنج 
؟؛ وفي عام 2١١54‏ ينتقم مسلمو حلب بمهاجمة كنائس تنتمي إلى المسيحيين 
الذميين. وفي دمشق وفي حلبء يحث الورعون المسلمين على عدم التحالف مع 
الإفرنج الكفار؛ الذين يشرعون بالدعوة إلى الجهاد ضدهم. وهم ينجحون في عام 
65 في تسليم مدينة حلب لأمير الموصل» برسقيء الذي يخلف عماد الدين 
زنكي» في عام .١١77‏ وغاليًا ما يجري تصوير زنكي على أنه المبادر بالجهادء 
بالهجوم الإسلامي المضاد. فهو من يسترد مدينة إيديس في عام 45١١»ء‏ بما يشكل 
الفصل الأو ل للاسترداد الإسلامي؛ وهو يشتخدم إيديولوجية الجهاد لإضفاء 
الشرعية على هذا الفتح وللاحتفال به. إلا أنه لا يمكن القول بأن الحرب ضد 


(<) ترجمة عن الفرنسية. جزنيًا. - م. 


الإفرنج كانت أولوية كبرىئ لأمير الموصل ولا بأنه كان يلجأ إلى الجهاد بصورة 
منتظمة. والحال أن ابنه» نور الدين» بالأحرى؛: هو الذي يعتنق ويطور هذه 
الإيديولوجية» جامعا بين «الجهاد الأكبر» (جهاد النفس) و«الجهاد الأصغر» 
(النضال ضد العدو الخارجي). ويحيا نور الدين حياة متقشفة» ويلغي الضرائب 
التي لم ينص القرآن عليها ويحيط نفسه برجال الدين ويخوض الحرب ضد الإفرنج 
- وضد أي مسلم لا يؤمن بجهاده المزدوج (خاصة الطائفة الشيعية في حلب). 
وهو إذ يقدم نفسه على أنه مجاهد فريد» وعلى أنه الأمير الوحيد القادر على توحيد 
المسلمين ضد الإفرنج» فإنه ينجح في توحيد سوريا. وهو ينجح في فرض سلطته 
على دمشقء» بخوض حرب دعائية ضد أمرائها الخائفين» الذين يتذبذبون بين الهُدن 
والحروب مع الإقرنج» كما بقواته العسكرية. والحال أن الأوساط الورعة في 
دمشق والرأي العام كانت منحازة إلى نور الدين و» في عام 2١١54‏ تستولي قواته 
على المدينة من دون خوض معركة. 

وعندما يتوفى نور الدين في عام ١ه‏ يعلن خلفه صلاح الدين عن عزمه 
مواصلة عمله؛ مستخدمًا الدعوة إلى الوحدة وإلى الجهاد لفرض سلطته على 
منافسين مسلمين في سوريا. ويبقى أن صلاح الدين؛ بين عامي 14١او1185»‏ 
إنمأ يخوض الحرب أساسًا ضد مسامين آخرين في سوريا الشمالية وفي العراق» 
سعيًا منه» كما قال؛ إلى توحيد إخوته في الدين قبل استرداد الأراضي الواقعة تحت 
السيطرة الإفرنجية. وعندما قام رينو دو شاتيون» في عام 11417ء بمهاجمة قافلة 
مسلمة وخرق بذلك الهدنة بين مملكة أورشليم وصلاح الدين؛ رأى هذا الأخير أن 
الوقت قد حان لمهاجمة المملكة. فاعقب ذلك انتصار حطين الحاسم والاستيلاء على 
القدس. ومنذئذ» لم يعد بوسع أحد منازعة صلاح الدين في لقبه كمجاهد ؛ وكانت 
الإشادات والتهنئات القادمة من كل العالم الإسلامي إجماعية. وتتزايد أهمية القدس 
في الإسلام» ويقال إن الكعبة مسرورة لخلاص أخيها الأقصى. وقد جرى تطهير 
المدينة المقدسة من رجس «أكلي لحم الخنزير»» من «المشركين»: والحال أن 
عماد الدين» كاتب سيرة صلاح الدين» إنما يصف كيف أن تقي الدين؛ ابن أخ 
السلطان» قد أمر بتطهير كل حرم قبة الصخرة بالماء النقيء ثم بماء الورد 
ل«تطهير هذه البقعة المباركة» إلى أن يكون تطهيرها أكيذا(")»1". 





(*) ترجمة عن الفرنسية. - م. 


لكن الوحدة التي أقامها صلاح الدين بهذه الدرجة من الصعوبة قد منيت 
بالفشل ؛ فلدى موته: في عام »١157‏ تنازع أخوه وأبناؤه وأبناء إخوته على 
ميراثه. ومن المؤكد أنه كان بوسعهم الاتحاد» في حالات الأزمة: فعندما استولت 
قوات الحملة الصليبية الخامسة على دمياط في دلتا النيل» في عام 2١7١19‏ هب 
المعظمء سلطان دمشقء والأشرفء؛ سلطان الجزيرة؛ لنجدة أخيهما الأكبر» الكامل؛ 
ونجحوا في إلحاق هزيمة أليمة بالجيش الإفرنجي. إلا أنه بعد ذلك ببضع سنوات؛ 
عقد الكامل تحالقا مع الإمبراطور فريديريك ضد أخيه المعظم؛ واعذا الإمبراطور 
بالقدس. وعندما جاء الإمبراطور إلى الأرض المقدسة في عام 1574.» كان المُعَظُمْ 
في عداد الأموت بالفعل ؛ لكن فريديريك والكامل تفاوضا على معاهدة يافا التي 
منحت الإمبراطور كل المدينة المقدسة ماعدا ساحة المساجد. وفي عام 2١779‏ بعد 
عام من موت الكامل» استرد الناصر داوودء ابن أخيه؛ المدينة. لكنه سرعان ما 
رأى أن من الحكمة التحالف مع الإفرنج: ففي عام ١١4٠‏ أو عام ١74١‏ منحهم 
حق شراء الأسلحة من دمشق نفسهاء الأمر الذي أثار سخط العلماء'"). ثم» في 
عام 7547١ء‏ إذ رأى أن من المناسب التحالف مع الإفرنج ضد الخوارزميين» أعاد 
لهم القدس» حتى من دون أن يطالب بالسيطرة على مساجد الساحة» التي كانت قد 
حولت إلى كنائس - وهو ما كان الكامل قد حرص على تجنبه في عام 91779". 
وبالنسبة للأيوبيين» السلالة الحاكمة التي أسسها صلاح الدين على الأساس 
الإيديولوجي للجهاد من أجل استرداد القدس» أصبحت المدينة المقدسة رصيذا 
يجري الحفاظ عليه أو التنازل عنه للإفرنج عن طيب خاطر للمصول على 
والحال أن المماليك؛ الذين أطاحوا بالأيوبيين خلال حملة لويس التاسع 
الصليبية على مصر في عام ١75٠١‏ كانوا مشربين منذ البداية بإيديولوجية الجهاد؛ 
الذي خاضوه ضد الإفرنج في الشرق وضد المغولء الذين كانوا قد استولوا على 
جزء لا بأس به من العالم الإسلامي ودمروا بغداد خاصة في عام .١1768‏ وقد 
سحق المماليك جيشا مغوليًا في عين جالوت في سوريا في سبتمبر/ أيلول ١7١‏ 
وسارعوا إلى التخطيط لطرد الإفرنج من الشرق. واعتبارًا من عام 1577ء قاموا 
بالفتح البطىئ والمنهجي للمدن والحصون الإفرنجية في سوريا ؛ وقد دق الاستيلاء 
على عكا في مايو/ أيّار ١73١‏ ناقوس نهاية الشرق اللاتيني. 


56 


من الاسترداد الإسباني إلى فتح الإمبراطوريات: 
الإيبيريون في مواجهة المار 
في القرنين الخامس عشر والسادس عشر 

في القرنين الرابع عشر والخامس عشرهء بينما تفشل المحاولات الرامية إلى 
إعادة إطلاق الحملات الصليبية وبينما يغزو العثمانيون شرقي أوروباء يجري 
التفكير في الممالك الإيبيرية في فتوحات جديدة على حساب مسلمي غرناطة 
والمغرب. والحال أن عدة كتاب في القرن الخامس عشر قد أبدوا عدم تتسامح 
متزايذا حيال وجود سلطة مسلمة في شبه الجزيرة(””. ويدعو كاليكست الثالث إلى 
حملة صليبية جديدة ضد غرناطة في عام 2١4517‏ وهذا مشروع يقابل بالحماسة 
من جانب المساجل الفرنسيسكاني ألونسو دي إسبينا (ضمن آخرين). ففي كتابه 
17101 :#001 يستأنف آلونسو السجال المعادي للإسلام وتقاليد الكتابة 
التاريخية لإخباريي القرن الثالت عشر لكي يؤكد على لا مشروعية السلطة 
الإسلامية. واعتبارًا من عام 447١؛‏ تضطلع إيسابيللا» ملكة كاستيل؛ وزوجها 
فرناندو» ملك أراجونء بفتح إمارة غرناطة. وفي ١‏ يناير/ كانون الثاني 2١595‏ 
يدخل الزوجان ظافرين إلى المدينة ويضمان الإمارة إلى كاستيل. 

وكان البرتغاليون قد نقلوا الحرب ضد «المار» إلى ما وراء مضيق جبل 
طارق بالفعل. ففي 55 يوليو/ تموز »١ 41١5‏ يغادر الملك خواو الأول لشبونه على 
رأس أسطول من 7١47‏ سفينة ؛ ويرافقه أولاده الأربعة. وفي ١؟"‏ أغسطس/ آب» 
تهبط القوات البرتغالية إلى الساحل المغربي؛ وتلحق الهزيمة بالجيش المريني 
وتستولي على مدينة سبتة. وفي يوم الأحد 74 أغسطس/ آب»: يجري «تطهير» 
المسجد: فيتم تحويله إلى كنيسة ويتم تعليق أجراس في المئذنة ؛ ولدى الخروج من 
القداس: يدرع الملك أولاده الأربعة بالسلاح. وفي ” سبتمبر/ أيلول» يرجع الملك 
إلى البرتغال» تاركا خلفه 7٠٠١‏ رجل. ومنذ ذلك الحين تصبح سبتة موقعا أماميا 
تجاريًا وعسكريًا للبرتغال. والحال أن خواوء وهو ابن غير شرعي للملك يدرو 
)١757-161(‏ ومؤسس لسلالة حاكمة جديدة (الآبيين)» كان بحاجة من دون 
شك إلى القيام بعمل باهر لإثبات شرعية حكمه. وهكذا يتواصل مع الحرب المقدسة 
ضد الكفار. وهو إذ يفعل ذلك إنما يدفع بالبرتغال في مشروع جديد: استكشاف 
وفتح واستعمار أراض خارج شبه الجزيرة الإيبيرية. 


5 


وأحد أبناءء خواو الأربعة الحاضرين عند الاستيلاء على سبتة هو إنريكو الذي 
عرفه التاريخ باسم هنري الملاع(؟") .)١55٠0- ١545(‏ وهذا الأمير يستقر في 
ساجرس؛ على رأس سان - قنسان؛ الطرف الجنوبي- الغربي للبرتغال 
(ولأوروبا)» حيث يخامره هاجس مزدوج: فتح أراض على حساب المار والعشور 
على طرق تجارية جديدة للوصول مباشرة إلى الذهب الأفريقي والتوابل الآأسيوية. 
وفي ساجرسء يوظف موارده الملحوظة (عدة إقطاعيات يستمد منها مكاسب) لكي 
يجمع حوله واضعي خرائط وملاحين. وبين عامي ١415‏ و21477 يكتشف بحارة 
برتغاليون جزر يورتو سانتو وماديرا والآكور غير المأهولة» التي سوف ينظم 
هنري استيطانها: فيجري هناك تطوير الزراعة؛ خاصة حول إنتاج النبيذ وززاعة 
القمح وقصب السكر. واعتبارًا من ثلاثينات القرن الخامس عشرء تتجه السفن 
الشراعية البرتغالية بشكل متزايد باطراد إلى جنوبي الساحل الأفريقي؛ فتصل إلى 
رأس بوخادور في عام :١575‏ ورأس برانكو في عام ١‏ »؛ وسييرا ليون في 
عام ١56١‏ وأخين! إلى رأس الرجاء الصالح في عام 2١144817‏ ما يفتح الطريق إلسى 
الهندء التي يصل إليها فاسكو دا جاما في عام .١59/4‏ 

وهؤلاء الملاحون يقومون بالتجارة وصيد الأسماك ؛ كما أنهم يمارسون أسر 
العبيد. ويصف الإخباري جوميز إيانيز دي ثورارا الغارات العديدة؛ سنة بعد 
سنة”"). إذ تصل سفينة شراعية إلى جزيرة أو إلى ساحل مأهول. وفي الليل» في 
الأغلب؛ يهبط الطاقم إلى الأرض. ومن دون ضوضاءء يحاصر البرتغاليون قرية. 
ثم يقومون؛ وهم يهتفون «البرتغال! سانتياجو!ا سان جورج!»»؛ بالهجومء فيقتلون 
الرجال الذين يقاومون ويأسرون الآخرين. والحال أن المعارك؛ عندما تكون هناك 
معارك؛ سرعان ما يكسبها البرتغاليون» الأفضل تسليخا والذين يتمتعون بميزة 
المفاجأة. وغالبًا ما يدفعون الرجال إلى الهرب ثم يصطادون النساء والأطفال 
ويقيدونهم ويقودونهم إلى السفينة. وبعد بضع «استيلاءات ثمينة»: يمكن لسفينة 
شراعية أن ترجع فخورة بشحنة قوامها نحو مائة من العبيد. ويصف ثورارا 
المشروع باعتزاز ؛ فهو يدل على أن الرب مع المسيحيين وضد المار. ويتعاطف 
ثورارا من أن لآخر مع هؤلاء العبيد» خاصة حين يصف كيف يجريء لدى 
الوصول إلى البرتغال» تقسيم جماعة إلى حصص. لتسهيل البيع» ما يؤدي إلى 


1 


فصل أزواج عن زوجاتهم وأبناء عن آبائهم. وهو يستحضر صرخات ودموع 
هؤلاء وأولئك والاضطراب الذي يحدث حين يركض الأطفال للارتماء في أحضان 
أمهاتهم؛ قبل انتزاعهم من أحضانهن من جديد. لكن هذا على أي حال من أجل 
الأفضلء فيما يزعم: فغالبية الأسرى أصبحوا:مسيحيين (غالبًا مسيحيين أفضل من 
البرتغاليين الأصليين» فيما يؤكد). ولا شك أن الرب قد خصص ثوابًا عظيمًا لمن 
قادوا كل هذه النفوس إلى الخلاص الأبدي. : 

وفي الأرض المسيحية كما في الأرض الإسلامية» غالبا ما جرى استخدام 
إيديولوجية الحرب المقدسة لتبرير الفتح على حساب «الكفار». وهذا لا يحول 
البتة؛ كما رأيناء دون عقد تحالفات سياسية وعسكرية مع أمراء العقيدة المنافسة. 
كما أنه لا يحول دون منح مكان واسع للأقليات الدينية في داخل المجتمعات 
المسلمة والمسيحية. 


الفصل الثالث 
الدونية الاجتماعية للأقليات الدينية: 
حالة الذميين والموديخاريين 


تحتفي النصوص الخاصة بالحرب المقدسة بالمعارك ضد الكفار وتقلل من 

1 المعارك التي خيضت ضد الإخوة في الديانة - إلا في الحالات التي يجري 

فيها تصوير هؤلاء الأخيرين على أنهم هراطقة أو زنادقة. إل أنه ما أن يخاض 

الفتح حتى يتعين دمج الرعايا الجدد في النظام السياسي والاجتماعي. والحال أن 

هذه «الأقليات» الدينية» التي غالبا ما كانت أغلبيات عشية الفتح؛ غالبًا ما مُنحعت 

مكانة محمية لكنها تابعة في المجتمع. ويبرر اللاهوتيون والحقوقيون إخضاعها 

ويحددون دورها بالإحالة إلى النصوص التأسيسية (القرآنء الأحاديثء الكتاب 

المقدس» القانون الروماني). ومن برشلونه إلى بغدادء عاشت أقليات مهمة في داخل 

مجتمعات مسلمة ومسيحية. ومن المؤكد أنها كانت أحيانا ضحية أعمال اضطهاد 

وعنف وطرد. لكنها استفادت عمومًا من وضعية لم تحل فيها الدونية النظرية (على 

المستويين الديني والحقوقي) دون إحراز بعض أفرادها نجاخا اقتصاديًا واجتماعيا 
أكيدًا. 

محميون وأدنى درجة: 
الذميون في المجتمعات الإسلامية في أوروبا 
(الأندلس وصقلية) 

لننظر أولاً كيف يعرف القانون الإسلامي وضعية الذمي أو المحمي7". إذا 

كان القرآن لا يحدد بوضوح الإطار الحقوقي لغير المسلمين في داخل دار الإسلام» 

فإنه يؤكد أن المسلم لا يجب عليه السعي إلى إكراه «أهل الكتاب» (أي اليهود 

والمسيحيين) على اعتناق الإسلام ؛ وبالمقابل» فإن يوسعه إلزامهم بالاعتراف 

58 


بتفوق وسيادة السلطة المسلمة ودفع الجزية «عن يد وهم صاغرون» [القرآن 4 
4. وخلال الفتوحات الكبرى: يقدم الغالبون فليو سنمقات اللشعوت 
المغلوبة؛ مأنحين إياها استقلالية ذاتية حقوقية كبيرة وحرية العبادة. ويبحسب بعضص 
الإخباريين» أمكن لقيود أن تكون جزءً! من شروط الخضوع المفروضة على 
المسيحيين المغلوبين. ونحن نرى ذلك في ميثاق عمر الذي من المفترض أن 
الخليفة الثاني» عمر بن الخطاب (4#:5 ع 4 »؛ قد فرضه على مسيحيي سوريا. 
وقد بين أنطون فتال أن هذه القيود قد فرضت على الذميين شيئًا فشيئا على امتداد 
القرن الهجري الأول» وعممت في ظل عمر الثاني (7١/ا‏ - 7١‏ 7(). وأول 
كاتب يعطينا النص الكامل لهذا الاتفاق هو المحدّث الأندلسي الطرطوشي (مات في 
عام »)١١57‏ في كتابه سراج الملوك. ففي هذا النص» يوجه مسيحيو سوريا رسالة 
إلى الخليفة عمر لتذكيره بالتعهدات التي من المفترض أنهم أخذوها خلال 
استسلامهم. وهم يقدمون قائمة طويلة بالممنوعات التي يتعهدون باحترامها: بناء 
كنائس وأديرة جديدة» تدريس القرآن؛ ارتداء ثياب وعمامات «إسلامية»» حمل 
السلاح؛ إلخ. ويهدف عدد من هذه التدابير إلى الحد من أو منع التعبير العلني عن 
المسيحية. وهكذا يتعهد المسيحيون بعدم وضع صلبان على كنائسهم وعدم عرض 
كتبهم المقدسة علنا وعدم القيام بمواكب علنية معينة وعدم الصلاة بشكل صاخب أو 
استعراضي وعدم دق أجراسهم بشكل زاعق27. 

وإذا كان التراث ينسب هذا الميثاق إلى عمرء قائد الفتوحات العظيم والخليفة 
الثاني فمما لا مراء فيه أن هذا لأجل إضفاء مرجعية على وضعية ترتسم ببطء 
خلال القرون الإسلامية الأولى. والحال أنه خلال القرنين ن الشامن والتاسع 
الميلاديين» يقوم الخلفاء والحقوقيون الأمويون شم العباسيون بتعريف وتحديد 
وضعية الذميين «المحميين». فالذمي» إذ يؤدي الجزية» إنما يُبدي خضوعه للسلطة 
الإسلامية ويستفيد في الوقت نفسه من حماية هذه السلطة له. وإذا كان يملك أرضناء 
فإنه يدفع أيضنا الخراج» وهو ضريبة عقارية أعلى من الضريبة العقارية التي يجب 
على المسلم دفعها. ويقبل الذمي في الوقت نفسه دونية اجتماعية. ولم تكن القيود 
النظرية مرعية بشكل واحدء فما أكثر بُعدها عن ذلك: فكنائس ومعابد يهودية عديدة 
قد بنيت في البلدان الإسلامية ؛ والممنوعات الثيابية كانت مرعية بشكل متفاوت 


0 


وقد شغل عدد من المسيحيين واليهود مناصب سلطة في حاشية الأمراء. ومن 
المؤكد أنه كانت هناك لحظات توترء بل واضطهاد: وأشهر مثال على ذلك هو 
التدابير التي اتخذها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر اله (495 .)٠١7١-‏ الذي 
فرض ارتداء ثياب مميزة على اليهود وعلى المسيحيين وحرم عليهم الخمر ومنسع 
مواكيهم وأعيادهم العلنية وأمر بهدم العديد من الكنائس والمعابد اليهودي7). لكن 
هذه السياسة كانت انحرافا عن النهج العام؛ وسرعان ما سمح للمسيحيين واليهود 
بإعادة بناء أماكن عبادتهم وممارسة شعائر ديانتيهم كما في السابق. على أنه كان 
من الوارد أن تكون الأعباء الضريبية فادحة» خاصة على الناس الأكثر حرمانا. 
وهكذا ففي مصر الفاطمية كان يتعين على حرفي قاهري لكي يؤدي جزية حجمها 
نحو دينار وثلثي دينار أن يسلم ما يعادل أجر أسبوعين (؟١‏ يومًا)ء وهو مبلغ 
مقبول تماماء أَمّا العامل (البائع الجائل» مثلً)» بالمقابل» فإن المبلغ [الذي كان يجب 
عليه دفعه] كان يعادل أجر 77 أسبوعًا ١717(‏ يوما)» وهو مبلغ جد كبير). 


وفي أوروباء فإن مسيحيي ويهود صقلية وشبه الجزيرة الإيبيرية هم بالأخص 
الذين وجدوا أنفسهم؛ اعتبار! من القرن الثامن» تحت منيطرة إسلامية. والمصادر 
التي تصف فتح إسبانيا متأخرة كلهاء إلا أنه تبقى لدينا وثيقة فريدة» ميثاق خضوع؛ 
مؤرخ في عام 2971١7‏ بين ثيودومير (تُدمير بالعربية)؛ السيد القوطي الغربني 
لأراض مهمة في جنوبي- شرق شبه الجزيرة (في إقليم مدينة مورسيا الحالية) 
وعبد العزيزء حاكم الأندلس وابن الفاتح موسى بن نصير. فتدمير يسلم مدن الإقليم 
لعبد العزيز ويعد بدفع جزية على شكل مواد غذائية لعبد العزيز ورعاياه. ومن 
جانبه» يعترف الحاكم بسيادة تُدمير» ويضمن أمنه وأمن رعاياه والتمتع بممتلكاتهم 
وبحريتهم في ممارسة عبادتهم المسيحية0". 

ويسمى المؤرخون مسيحيي الأندلس بال 70065م702؛ وهي كلمة قد تكون 
مشتقة من الكلمة العربية مُستعرب0". وعلى امتداد القرئين التاسع عشر والعشرين» 
تساءل مؤرخون طويلاً بشأنهم: كم كان عددهم في المراحل المختلفة في تاريخ 
الأندلس؟ كم الذين تحولوا منهم إلى اعتناق الإسلام (ومتى)؟ أين وإلى أي وقت 
استمرت جماعاتهم؟ وإذا كان الجدل قد تميز أحيانا بالحيوية؛ فإن السبب في ذلك 


الا 


هو أنه ينطوي على بُعد إيديولوجي: فبالنسبة لبعض المؤرخين الإسبان في القرن 
التاسع عشر ومستهل القرن العشرينء مَل المستعربون الإسبان «الحقيقيين» الذين 
جرى إخضاعهم بالقوة ل«الأجنبي» المسلم ؛ وقد سمح وجود المستعربين بتبرير 
حرب الاسترداد التي خاضها المسيحيون الشماليون ل«تحرير» إخوتهم في الدين 
من النير الإسلامي. ويرى مؤرخون آخرون أن الاختفاء شبه الكامل للمستعربين 
قبل القرن الثامن يدل على عمق تعريب وأسلمة شبه الجزيرة ؛ وقد لا يكون غزو 
الشماليين استرداذاء بل فتخا لا أكثر. والحال أن غياب الوثائق قد أسهم كثيرًا في 
حدة الجدل لأن المؤرخ يجد نفسه مضطر! إلى اللجوء إلى التخمينات. 
والأمر المؤكد هو أن المستعربين يمثلون شبه إجمالي السكان خلال الغزوات 
الإسلامية في القرن الثامن» وأنهم يظلون أغلبية خلال بقية القرن الثامن على الأقل 
وأنهم» بالمقابل» شبه غير موجودين في منتصف القرن الثالث عشر. ولو صددقنا 
ميكيل دي إيبالثاء فإن أفولهم كان سريعاء ليس بسبب التحول الفردي والمتعمد إلى 
اعتناق الإسلام» بقدر ما هو بسبب نقص البنى الكنسية. ففي غياب أساقفة وكهنة» 
كان سكان المناطق الريفية في شبه الجزيرة محرومين من الأسرار الدينية 
الأساسية للمسيحية؛ خاصة العماد: وفي غضون بضعة أجيال» لم يعد بوسعهم 
اعتبار أنفسهم مسيحيين وكانوا يعتبرون منذ ذلك الحين مسلمين7). وكان الوضع 
مختلفا في المدن الكبيرة كطليطلة ومريدة وإشبيلية وخاصة قرطبة: وهناء احتففلت 
السلطة الأموية بعلاقات مميّزة مع الأساقفة وأحبار آخرين؛ كانوا غالبا شخصيات 
مهمة في بلاط الأمراء (ثم الخلفاء). والحال أن وجود هؤلاء الأحبار في البلاط قد 
رمز من جانب المسيحيين إلى قبول السلطة المسلمة وعبْر عن السلطة الشاملة 
لخلفاء قرطبة (على غرار أسلافهم في دمشق). وكان العبء الضريبي فادحًا على 
الذميين ؛ وقد ذهبت التقديرات إلى أنه في منتصف القرن الثشامن» كان دافسع 
الضريبة يدفع نحو ثلائة أضعاف ونصف ضعف ما كان على المسلم دفعه 
للدولةا). وهذا العبء يساعد على تفسير ردود فعل المسيحيين العديدين الذين 
تحولوا إلى اعتناق الإسلام أو هاجروا إلى الممالك المسيحية في الشمال؛ أو قاموا 
أيضنا بالانضمام إلى التمردات ضد السلطة الأموية في داخل المجتمع الأندلسي. 


لا 


ولم يكن الاختلاف الديني إلا أحد عوامل التمايز ضمن عوامل أخرى في 
مجتمع شطرته انقسامات إثنية بين عرب الجنوب والشمال والبربر والمولدين (أهل 
البلد الذين تحولوا إلى اعتناق الإسلام) كما شطرته انقسامات إقليمية. وقد سعى 
الأمراء إلى مواجهة التمردات التي استثارتها هذه الانقسامات في الوقت نفسه الذي ” 
حاولوا فيه استخدامها للحيلولة دون قيام معارضة موحدة ضد سلطتهم. ولذا فقد 
قاموا بتنمية علاقات خاصة مع:كل جماعة؛ بمن في ذلك الجماعة المسيحية. 
وخلال زمن طويل؛ تجاور مسلمون ومسيحيون» حتى في أماكن عبادتهم 
الرئيسية: فقد تقاسموا كاتدرائية قرطبة حتى اللحظة التي قام فيها عبد الرحمن 
الأول (5هلا - 788): وقد رأى أن المكان ضيق جذاء بشراء المبنى من 
المسيحيين والسماح لهم ببناء كنائس في الأحياء الجديدة في العاصمة7"). والحال 
أن هذا الأمير وخلفاؤه إنما يعينون «كونتا» مسيحيًا (وه7م0 باللاتينية ؛ كميز]؟] 
بالعربية)» كوسيط بين المسيحيين والأمير» وول عن الضرائب والقضاء في 
داخل الجماعة المسيحية. 

. وكان أعيان مسيحيون موجودين في بلاط الخليفة عبد الرحمن الثالث في 
القرن العاشر: فالخليفة هو الذي يصدق على تعيين الأساقفة ؛ ويخدم مسيحيون في 
الإدارة الأموية» حيث يلعبون دور! مهما كسفراء وكمترجمين في المفاوضات 
المفتوحة بين قرطبة والأمراء المسيحيين جهة البرائس ووراءها. ومما لا شك فيه 
أن المثال الأشهر هو مثال رتشيموندوس أو ربيع بن زيد: ويبين اسماه كيف أن 
هذا الرجل» شأنه في ذلك شأن عدد من المستعربين في القرن العاشرء.قد عاش بين 
العالم اللاتيني والعالم العربي. وعبد الرحمن الثالث يرسله كسفير لدى إمبراطور 
بيزنطة ثم لدى الإمبراطور الجرماني. ولما فيه تعبه»؛ يحصل المبعوث من الخليفة 
على أسقفية ألبيرة. ويبدو أنه هو أيضنا الذي يصنف تقويم قرطبة في نسخة ثنائية 
اللغة» لاتينية وعربية» والتي يهديها في عام 11١‏ إلى الخليفة الجديد الحكم الثاني. 
لكن مستعربي عصر الخلافة بوجه عام لم يتركوا سوى القليل من الأشار في 
الوثائق وفي كتابات الإخباريين 

وبالنسبة لحقية الطوائف :.)٠١1١-57١1(‏ فإن المعلومات بشأن 
المستغربين تنه أكثر ندرة بكثير. فالمسيحيون الباقون يجري تعريبهم بشكل متزايدد 


7 


باطراد: إذ تَتَرَجَمْ إلى العربية النتصوص المسيحية الرئيسية لأجل القراء الذين ما 
عادوا يقرءون اللاتينية. ومن يلعبون دورا مهما في الدييلوماسية أو في السياسة 
تتضاغل أعدادهم بشكل متزايد باطراد ؛ ويبدو أنه؛ مع اختفاء الخلافة» لا يستشعر 
أي أمير الحاجة إلى إحاطة نفسه بممثلين للجماعة المسيحية - وهي جماعة تعد 
أهميتها السياسية ضئيلة. وبالمقابل» يبدو بوجه عام أن وجود مسيحيين في داخل 
الطوائف لا يثير أي انزعاج ؛ فلا أحد يخشى من إمكانية تحالفهم مع حربيي 
الشمال الذين يبدون عدوانيين بشكل متزايد باطراد. وهذا غريب لاسيما إذا عرفنا 
أن يهود بعض الطوائف قد اتهموا أحيانا بالعمل على زعزعة استقرار السلطة؛ كما 
هي الحال في غرناطة» حيث كانوا ضحايا لمذبحة حقيقية في عام .١٠١55‏ 

وفي ظل المرابطين .)١١57-- ٠١3٠0(‏ يتدهور وضمع ذميي شبه الجزيرة. 
فيوسف بن تاشفين وأنصاره يرون أن أحد عيوب ملوك الطوائف القاتلة قد تمثل 
تحديذا في انعدام حزمهم في العلاقات مع المسيحيين الذميين والحربيين. ومع 
هؤلاء الأخيرين؛ لم يعد من الوارد من الآن فصاعذا عقد الصلح معهم؛ ناهيك عن 
دفع ال 5مم [الإتاوات] لهم. وبالنسبة للأوائل [الذميين]» من المناسب الحد من 
دورهم في المجتمع الأندلسي وتقييده وتقليل اتصالاتهم مع المسلمين» مع احترام 
الحقوق التي تمنحها الشريعة لهم والحال أن كتاب الحسبة لابن عبدون إنما يعبر 
عن هذا المعطى الجديد: فهو ينص على أنه قد لا يتعين على أي مسلم أداء مهام 
«وضيعةا"» لصالح يهودي أو مسيحيي - رعاية مواشيه؛ التخلص من نفاياته؛ 
تنظيف مرحاضه. إلخ. والذمي بالأحرى هو الذي يجب أن يؤدي هذه الأعمال التي 
تتماشى مع وضعيته الأدنى. وقد يكون المسيحيون أدنى على الممستوى الأخلاقي 
أيضًا: فابن عبدون ينصح أيضنًا بمنع المسيحيات من دخول الكنائس في الأيام التي 
لا يُقام فيها القداس؛ لأن من المعروفه فيما يقول» أنهن يذهبن إلى هناك لممارسة 
الفسق مع الكهنة!''). 

وفي عام ,.٠١49‏ يأمر يوسف بن تاشفين؛ بناء على نصيحة علمائه؛ بهدم 
الكنيسة الرئيسية في غرناطة. وبعد ذلك بمدة» يستغيث مسيحيو المدينة بألفون سو 
الأول؛ ملك آراجونء الذي يضطلع بحملة غزو في الأندلس في عامي -1١78‏ 


(»*) ترجمة عن الفرنسية. - م. 
7و 


5 ويأخذ معه إلى أراجون عدذا لا بأس به من المستعربين. والحال أن الدور 
الذي لعبه مسيحيو غرناطة في هذه المسألة إنما يعود على عدد لا بأس بهمن 
المستعربين بالترحيل إلى المغرب الأقصىء حيث يصعب عليهم التأمر هناك مع 
إخوتهم الشماليين في الدين وحيث يمكنكم؛ في هذا الظرفه أداء دور جباة 
الضرائب التي لم ينص القرآن عليها. والحال أن مسيحيين ويهوذا آخرين لا 
ينتظرون هذا الطرد لكي يرحلوا عن الأندلس: فبعضهم يرحل إلى بلاد مسلمة 
أخرى أكثر تسامخا: وعلى سبيل المثال؛ يستقر الفيلسوف اليمودي موسى بن 
ميمون في القاهرة. ويهرب آخرون إلى إسبانيا المسيحية؛» ما يؤدي إلى تعزيز 
الجماعة السكانية اليهودية والمستعربة في المدن الحدودية كتوليدو [طليطلة]. 
ويؤدي قمع الموحدين لغير المسلمين إلى موجات رحيل جماعي جديدة من جانب 
مسيحيين ويهود. وعند الاستيلاء على المدن الأندلسية الرئيسية من جانب الملوك 
المسيحيين في القرن الثالث عشر لا يكاد يكون هناك ذميون تقريبًا. فسكان إمارة 
غرناطة النصرية مسلمون بشكل شبه حصري. 

وفي صقلية» يظل نحو نصف السكان مسيحيًا حتى نهاية الحقبة الإسلامية. 
وتظل بعض الجماعات المسيحية في الجزيرة مستقلة حتى القرن العاشرء بينما 
تؤدي جماعات أخرى الجزية لا أكثر لسادة الجزيرة المسلمين؛» في حين تخضع 
جماعات ثالثة للسلطة الإسلامية بوصفها جماعات من الذميين. وهؤلاء الأخيرون 
لهم الوضعية نفسها تقريبًا الموجودة في أماكن أخرى من العالم الإسلامي؛ بما ذلك 
الأندلس. إلا أنه في حين أن المملكة القوطية الغربية في إسبانيا كانت قد انهارت 
تماماء فإن الصقليين المسيحيين قد احتفظوا بعلاقات (دينية وثقافية وأحيانا سياسية) 
مع القسطنطينية. والحال أن المتمردين على السلطة المسلمة قد علقوا أمالاً على 
الإمبراطورية البيزنطية كما حاول أباطرة مختلفون استرداد الجزيرة؛ من دون 
طائل9". 


وتعالج نصوص حقوقية عديدة الاتصالات اليومية بين المسلمين والذميين: 
خاصة الفتاوى وكتب الحسبة. ولننظر في بعض الأمثلة الملموسة للمشكلات التي 
طرحها العيش المشترك بين المسلمين والذميين: الجنس والزواج؛ الغذاء (خاصة 
اللحم والنبيذ) والهيراركيات الاجتماعية. 


1١6 


منذ بدايات الإسلام والقوانين المنظمة للزواج واضحة نسبيّا: يمكن للمسلم أن 
يتزوج يهودية أو مسيحية: حتى وإن كان بعض الحقوقيين يؤكدون أن الزواج مسن 
مسلمة أفضل. وفي جميع الأحوال» فإن أبناء أب مسلم مسلمون. كما يمكن للمسلم 
أن تكون له علاقات جنسية مع إماقة: مسوام كن مسلمات أم غير مسلمات. 
ل لت م غير الوارد وضع 
مؤمنة في وضع دوني مع ذمي!” 

ما لا نر مدر مت كدح اأخري فالإسلام يفرض سلسلة بأكملها من 
الشعائر بشأن ذبح البهائم: إذ يجب قطع القصبة الهوائية والحلقوم ووريدي الرقبة 
بترديد التسمية (بسم الله الرحمن الرحيم). إل أنه في الوقت نفسههء رأت الغالبية 
العظمى من الحقوقيين أن من المشروع أن يشتري المسلم ويأكل لحم ذبيحة يذبحها 
الذميون. ومن المؤكد أن اليهود كانت لديهم شعائر ذبح جد قريبة من شعائر 
المسلمين. وبالمقابل» لا وجود لشيء من هذا القبيل لدى المسيحيين. ويتسبب لحم 
المسيحيين أحيانا في انزعاجات: فبعض الحقوقيين يحرّمون على المسلمين أكله إذا 
كانوا يعرفون أن تضرعًا إلى يسوع قد قيل عند الذبح9'). ويعترف ابن عبد 
الرؤوفء؛ الحقوقي المرابطيء بأن شراء اللحم الذي أعده الذميون حلال» لكنه ينهى 
عنه بقوة» ذاهيًا إلى حد إعلان أن من يشتريه «مسلم سيئ»7). وهو يتساءل: من 
الذي يعرف ما إذا كانت الذبيحة قد ضحي بها «لكنائسهم أو باسم المسيا أو باسم 
الصليب أو أيضنا بدافع من النوع نفسه9)»؟ وهو ينتهي إلى أن من الأفضل 
الامتناع عن أكل لحمهالة). 

وقد تكون الخمر موضوعا يثير الغضب. وإذا كان المسلمون يشربوئها عن 
طيب خاطر في بعض العصور وفي بعض أجزاء دار الإسلامل © فإن هذا غالبا 
ما يستثير غضب الحقوقيين. ويعلن أحد رجال الفتوى في قرظبة في النصف الأول 
من القرن الثامن أنه يجب حرق بيت كل تاجر خمر("". وفي القرن الثاني عشرء 
يشكو ابن عبدون من أن مسلمين قرطبيين يعبرون الجوادالكبير ليل في قارب لكي 
يذهبوا إلى الحي المسيحي لشرب الخمر هناك ؛ أمّا ابن عبد الرؤوف؛ فهو يوصي 





)»0 ترجمة عن. الفرنسية. - م. 
ك7 


بعقوبات قاسية للمسلم شارب الخمر وللمسيحي الذي يبيعها له؛ وإن كان أيضنا 
للمسلم الذي يحاول؛ لفرط حماسته [الدينية] منع المسيحي من شربهاة". 

ويجتهد الحقوقيون في العمل على مراعاة الهيراركيات الاجتماعية التي تحيل 
الذميين إلى مكانة أدنى؛ والعمل على عدم التشجيع على بعض أنواع العلاقات بين 
المسلمين والذميين. مثال ذلك هذا المفتي القرطبي من القرن العاشر والذي ينستفض 
ضد المسلمين الذين يشاركون في احتفالات الكريسماس ويتبادلون الهدايا مع 
المسيحيين أو ينضمون إلى المسيحيين للاحتفال برأس السنة الميلادية أو بابتداء 
الشتاء أو الصيف9"). ويمكننا أن نتصور أن انتفاضاته كانت جهذا راح سُدئى وأن 
الممارسات التي شجبها كانت منتشرة. ويحظر مفت أخر من العصر نفسه على 
المسلمين تدريس القرآن لأطفال مسيحيين7”'). ويؤكد مفت قرطبي من أواخر القرن 
التاسع أن الذمي الذي اغتصب مسلمة يجب أن يكابد عقوبة الموت: إلا أنه إذا 
اعتنق الإسلام (اوزرررمءرريرم 7 يجوز العفو عنه إذا ما دفع للمرأة المغتصبة مهرا 
يتناسب مع وضعيتها الاجتماعية ؛ أمّا إذا كان إسلامه؛ بالمقابل» غير نزيه؛ فسوف 
يتم صلبه”", 

وفي صقلية؛ نجد جماعات سكانية مسيحية مهمة حتى أواخر العصر 
الإسلامي. وفي إسبانياء بالمقابل» كما في المغرب القريب جدّاء تميل المسيحية إلى 
الاختفاء» عبر التحول إلى اعتناق الإسلام أو عبر النزوح؛ في ظل سلالة 
المرابطين وسلالة الموحدين. وبشكل موازء فإن مسلمين أوروبيين يجدون أنفسهم 
بشكل متزايد باطراد تحت نير أمراء مسيحيين. 


الأقليات المسلمة في الدول المسيحية: 
القانون والممارسة 
في القرنين الحادي عشر والثاني عشر يقع عدد كبير من المسلمين تحت 
السيطرة المسيحية» خلال الفتح النورماني لصقلية )٠١11- 7١177(‏ والحملة 
الصليبية الأولى في الشرق )٠١14- ٠١448(‏ وفتوحات الأمراء المسيحيين في 
شبه الجزيرة الإيبيرية - الفتح الكاستيلي- الليوني لطليطلة )٠١85(‏ والفتح 


(*) في اللحظة الأخيرة: باللاتينية في الأصل. - م. 
لاا 


الآراجوني لوشقه [هويسكا] )٠١95(‏ ولسرقسطة [ساراجوس] .)١١1١8(‏ ثم تنتقفل 
جماعات سكانية مهمة لتقع تحت السلطة المسيحية على أثر فتوحات كبرى في شبه 
الجزيرة في القرن الثالث عشر عندما يستولي جاك الأول الآراجوني على ميورقة 
[مايوركا] »)١١174(‏ وبلنسية [بالنسيا] )١774(‏ وعندما يستولي فرناندوالثالث 
الكاستيلي على قرطبة )١١7(‏ وإشبيلية .)١744(‏ وإذا كان كل فتح يقود إلى 
وضع مختلفء فإن الأمراء المسيحيين يقومون في الأغلب بمنح المغلوبين وضعية 
مماثئلة لوضعية الذميين في أرض الإسلام» مع الضمانات الحقوقية والدينية نفسها 
والقيود الضريبية والاجتماعية نفسها"). 

ويوجد في صقلية؛ لحظة الفتح النورماني» نحو 75٠ ٠٠٠‏ مسلم؛ يشكلون 
أكثر قليلا من نصف السكان» حيث تتألف البقية أسادنا من مسيحيين ناطقين 
باليونانية ويهودا”"). وخلال الفتح والأعوام التي تليه؛ يغادر مسلمون عديدون 
الجزيرة للإقامة في دار الإسلام. ومن يتسنى لهم السماح لأنفسهم بالنزوح هم 
الأغنياء والتجار بالأخص: فالفلاحون الذين كائت ثرواتهم؛ المحدودة؛» ثروات 
عقارية بالأخص؛ يصعب عليهم ترك أراضيهم. والحال أن أرستوقراطية عسكرية 
نورمانية إنما تفرض نظاما إقطاعيًا على جماعة فلاحية مسلمة في غالبيتها. وقد 
قام الكونت روجر الأول بتفسيم الجزيرة إلى إقطاعيات وذّعت (بمن فيها من ال 
067 الفلاحين المسلمين التابعين) على أتباعه النورمان والإيطاليين. وتحتفظ 
جماعات مسلمة أخرى بحقوق أكثر على أراضيها ولا تدفع سوى ضريبة سنوية 
للسلطة الملكية؛» لكن وضعيتها شبه المستقلة تتدهور على امتداد القرن الثاني عشر 
كله. ولا يهتم الملوك النورمان بأن يتحول مسلمو الجزيرة إلى اعتناق المسيحية. 
ويكتفون بإعادة إنتاج نظام الذميين مع قلب الأدوار: فالآن نجد أن العرب واليهود 
هم الذين يتعين عليهم دفع الجزية (تحتفظ الإدارة النورمانية بالكلمة العربية). ويقوم 
الفلاحون المسلمون بفلاحة الأرض لسادتهم الجدد ويدفعون إتاوة نصف سنوية. 
ويستفيد مسلمون آأخرون من وضعية أفضل؛ خاصة سكان باليرمو ومدن أخرى 
خضعوا مبكر! نسبيًا للسلطة النورمانية ومن ثم أمكنهم التفاوض على بعسض 
الحقوق: كالإعفاء من أداء الجزية» وهي حقوق يتم مع ذلك الحد منها تدريجيًا. 

وفي حين أن السادة الإقطاعيين النورمان لهم مصلحة في حماية فلاحيهم 
المسلمين» فإن بعض المهاجرين كانوا أقل تحبيذا لهم. لذا يجري توطين فلاحين 


م 


نورمان في شرقي الجزيرة» وهو منطقة كتافتها السكانية ضعيفة وتحتاج إلى اليد 
العاملة ؛ والحال أن هؤلاء المهاجرين النورمان هم الذين يذبحون الفلاحين 
المسلمين في القرى المجاورة في عامي 219 مضطرين الناجين إلى 
اللجوء إلى الأجزاء الغربية في الجزيرة. وفي مجمل الجزيرة؛ تتراجع زراعة 
المسلمين التقليدية» وهي زراعة كثيفة لمحاصيل متعددة؛ وتخلي المكان شيئًا فشينًا 
لزراعة محصول واحد من الحبوبء لأن مما لا شك فيه أن بيع القمح أسهل في 
الأسواق الإيطالية والإفريقية [التونسية]» وإن كان أيضنا بسبب تلاشي ونزوح 
الجماعة الفلاحية المسلمة. وفي المدن» نجد أن الحرفيين والتجار المسلمين» 
المهمين للنشاط الاقتصادي؛ تتم مزاحمتهم من جانب المهاجرين - اللومبارديين 
لامتيازاتهم. وفي هذا المجتمع ذي الانقسامات العديدة» حيث التحالفات بين مختلف 
الأطراف عديدة ومتغيرة» لا يفسر الاختلاف الديني كل شيء.؛ لكنه يبقى مهمًا. ولا 
يعود تدهور وضعية المسلم الصقلي إلى صعود انعدام للتسامح الديني بقدر ما يعود 
إلى رهانات معقدة تؤدي إلى أن يكون المسلم هو الخاسر بشكل متزايد باطراد. 
وإحدى الشهادات الأهم فيما يتعلق بمسلمي صقلية النورمانية هي شهادة ابن 
جبيرء الرحالة الأندلسي الذي تعرض للغرق قبالة الجزيرة في ديسمبر/ كانون 
الأول ١١84‏ وبقي فيها حتى مارس/ آذار 37١8©‏ ". ففي كتابه رحلة ابن جبيرء 
يرسم صورة جد ملتبسة لوضع الإسلام الصقلي: فهو في أن واحد؛ معجب ببقاء 
وورع المسلمين الذين يلتقيهم في الجزيرة وينزعج من المصاعب التي تواجههم. 
ومن الناحية النظرية؛ بحسب الشريعة» لا يجب للمسلم أن يحيا تحت سلطة أولاية] 
كافرء بل ينبغي عليه؛ ما أن يتسنى له ذلك؛ الذهاب إلى بلد مسلم. على أن بعض 
الحقوقيين قد اعترفوا بظروف تخفف من ذلك: : فالمفتي المازري (مات في عام 
:١‏ 4يعرض أسبائًا مغظفة يمكن أن تجيز للمسلم اليش في صقنية 
النورمانية7 '). ويسهب ابن جبير في هذا الاتجاه ويمضي إلى حد القول بأن 
خصيان قصر الملك وليم الثاني: المضطرين إلى إخفاء ديانتهم» همفي جهاد 
مستمرء لأنهم يعملون لما فيه صالح دينهم وخير إخوتهم المسلمين. وهو فرح 
بالمكانة المهمة التي يمنحها الملك لمستشاريه المسلمين. لكنه يستشعر خطرا أيضنا 
7 


هناك: : أليس من شأن لطف مسيحيي باليرمو وجمال المسيحيات أن يكونا مسصدر 
فتنة؟ إن ابن جبير» الذي فَتَنَهُ قداس الكريسماس الذي أنشد في كنيسة مارتورانا 
وانتشى نتشى بجمال الضوء الذي يتسلل عبر الزجاج الملون» إنما يعترف بأن هذه 
الأشياء كلها «تحدث في النفوس فتنة نعوذ بالله منها». والأبناء يهددون آباءهم 
بالتحول إلى اعتناق المسيحية والآباء الذين يحسبون للأمور حسابها يزوجون بناتهم 
لرحالة مسلمين حتى يتسنى لهن العيش في بلد مسلم. 

والمسلمون بسبيلهم فعليًا إلى فقدان وضعيتهم في عامي 21١86-1١١84‏ 
بحكم عوامل عديدة: الدسائس في البلاد والتي تعبر عن الصراع بين القادة 
المسلمين والكونتات المسيحيين؛ هبات الفلاحين اللومبارديين ضد مسلمي شرقي 
الجزيرة. وهناك أيضنا الظرف الجيوسياسي: فطالما كان النورمان يقومون بفتح 
الساحل الأفريقي (مثلما كانت تلك هي الحال فعليًا خلال النصف الأول من القرن 
الثاني عشر)؛ لا يشكل المسلمون الصقليون تهديذا. إلا أنه عندما ينخرط الموحدون 
في الاسترداد» وخاصة بعد الاستيلاء على المهدية في عام © يبدأ الشك في 
ولاء الرعايا المسلمين: فيجري نزع سلاحهم في باليرمو؛ ما يعرضهم أكثر لأعمال 
العنف. 

لكن الضربة القاضية سوف تََدْدْ إلى الجماعة المسلمة الصقلية من جانب 
أمير غالبًا ما نور أعداؤه على أنه محب للمسلمين: فريديريك الثاني 
هوهشتاوفن» ملك صقلية والإمبراطور الجرماني. وفي الصراعات التي ميزت 
وراثته الخلافية للمُلك؛ تحالف جزء لا بأس به من سكان الجزيرة المسلمين مع 
المتمردين الألمان ؛ ويسدق فريديريك هذه التمردات» ليس من دون صعوباتء؛ بين 
عامي 0 17749 ثم يقرر التخلص من صقلية المسلمة: فهو يأمر بنقل نحو 
١5 ٠‏ متمرد إلى لوسيرا في اليويل» حيث أقام مستوطنة مسلمة بالكامل. وتبقى 
بضع جماعات مسلمة في الجزيرة؛ لكنها جماعات ضعيفة وعددها محدود ولا 
تتركُ بعد تقريبًا آثارًا في الوثائق ؛ ولا يشار إلا إلى سفارة أرسلها الكامل» سلطان 
مصر» تطلب إلى فريديريك ترك المسلمين الصقليين في سلام؛ أو؛ على الأقل؛ 
تركهم يرحلون إلى مصر. ويساعد إنشاء مستوطنة لوسيرا على تحقيق هدف 
مزدوج: فالمسلمون؛ بإبعادهم عن أراضيهم وعن إخوتهم في الدينء لا يعود 

6 


بوسعهم التمرد ؛ إنهم يعتمدون على حسن نوايا الإمبراطور. ثم إن فريديريك؛» 
بتوطينهم في إيطالياء يمكنه استخدامهم لتأكيد سلطته في مواجهة البارونات 
الإيطاليين. وفي الأعوام التالية» يسمح فريديريك للمبشرين الدومينيكان بالتبشير في 
صفوف مسلمي المدينة الذين يقال إنهم يتحدثون الإيطالية بطلاقة. وققط عنسدما 
يبحث البابا جريجوار التاسع والبابا إينوسنت الرابع عن حجج سجالية ضد 
فريديريك (وضد ابنه مانفريد)» يجري تصوير لوسيرا على أنها دليلك على وهن 
إيمان الإمبراطور وعلى ميله إلى ثقافة السراسنة ونسائهم بل وديانتهم. وعندما 
يقوم شارل الأول الآنجوي؛ بتحريض من الباباء بقتال مانفريد ويستولي على تاج 
صقلية» يعد بتصفية لوسيراء والحال أن ابنه شارل الثاني هو الذي يتكفل بذلك في 
عام :17٠١‏ فالمسلمون الذين لا يقبلون التعميد [التحول إلى اعتناة ق المسسيحية] 
يباعون كعبيدلا ا 

وفي الشرقء على أثر الحملة الصليبية الأولى»؛ فرض الأوروبيون سيادتهم 
على رعاياهم الشرقيين: المسيحيين الملكانيين أو السريان أو اليعاقبة واليهود 
والمسلمين7"". والمعطيات قليلة للسماح بتقدير نسبة الجماعات المختلفة:؛ إلا أنه 
يبدو أنه حول القدس عاش بالأخص مسيحيون شرقيون بينما عاشت غالبية مسلمة 
في المناطق الأخرى الريفية في المملكة ؛ ولابد أن الأوروبيين لم يمثلوا أكثر مسن 
ربع السكان. وقد احتفظت القرى ببنى الحكم فيها: فأعيان القرية (المسماة /مكمه 
[قضاء] في الوثائق) كانوا مسؤولين عنهاء تحت قيادة رئيس القرية؛ المسؤول عن 
الفصل في المنازعات. وغالبا ما كان يُمنح ال /3عمه لعضو من النبلاء الفرانك» 
أو» إذا ما اقتضى , الأمر ذلك؛ لمؤسسة كنسية ؛ وفي الشرق كما في صقلية؛ يركب 
النظام الإقطاعي على البنى القروية الأهلية. ويدفع الفلاح الشرقي (سواء كان 
مسيحيًا أو مسلمًا) بوجه عام نسبة مئوية من محصوله؛ تعادل تقريبا الخراج الذي 
كان يتعين على الفلاح الذمي دفعه في ظل السلطة المسلمة. وغالبا ما كانت 
وضعيته مساوية لوضعية حلس [/:6؟] في الغرب؛ مع بعض الاختلافات الطفيفة: 
فهو لا يعرف تقريبًا السخرة: لأن الأراضي التي يملكها سيد إقطاعي بمفرده تكاد 
تكون غير موجودة. والحال أن ابن جبير» الذي يمر بمنطقة عكاء يرى أن الفلاحين 
المسلمين تحت سلطة الفرانك هم في الواقع مستغلون بدرجة أقل من إخوتهم في 


م١‎ 


بلاد الإسلام ؛ ولا مراء في أن هذا ليس ثمرة «تسامح» من جانب سادتهم؛ بل هو 
مؤشر على أن هؤلاء بحاجة إلى الاحتفاظ بيد عاملة"). 


وفي إسبانياء يستثير كل فتح نزوحا مهما صوب الأراضي التي لا تزال تحت 
السيطرة الإسلامية؛ خاصة صوب قرطبة والمغرب» بما يتماشى مع وصايا 
الشريعة التي تنهي المسلم عن العيش تحت النير الكافر. لكن عدذا لا بأس به من 
المسلمين يبقون ويبذل الملوك أفضل ما في وسعهم لتشجيعهم على ذلكء حيث 
يصل الأمر بهم أحيانا إلى حد توطين مستوطنين مسلمين جدد في الأراضي ذات 
الكثافة السكانية الضعيفة (كجزيرة مينوركا [منورقة]). وقد يكون من الصعب مع 
ذلك استخلاص استنتاجات عامة حول أهمية جماعات المورديخاريين هذه والتي 
تتباين من منطقة إلى أخرى. وفي قشتالة وليون في القرئين الحادي عشر والثاني 
عشرء غالبا ما جرى طرد السكان المسلمين من المدن المفتوحة”). وتشكل 
طليطلة استثناء: فمن المفترض أن ألفونسو السادس قد سمح للمسلمين الراغبين في 
البقاء بالبقاء فيها بعد فتح عام ©8١٠؛‏ لكن غالبيتهم العظمسى هاجرت”'). وفي 
وادي نهر أبرة» بالمقابل؛ بقي عدد لا بأس به من الفلاحين المسلمين بعد فتح 
المنطقة (والذي رمز إليه فتح ساراجوس [سرقسطة] التي يستولي عليها ألفونسو 
الأول الآراجوني في عام .)١١١‏ وقد شارك هؤلاء المسلمون بنشاط في الاقتصاد 
المحلي؛ حيث باعوا واشتروا أراضي وخيرات أخرى ؛ وقد اكتفى سادتهم 
الآراجونيون الجدد في الأغلب بالعيش من دخولهم كسادة إقضاعيين. ومن هنا 
التعبير الأراجوني الذي يقول : «مره 1بهذ] 0« 0'مالط 1101 :107 0:16» («من 
ليس عنده واحد من المار ليس عنده ذهمب”'"»). وخلال الفتوحات الكاستيلية 
الكبرى في القرن الثالث عشرء كان مسلمو المدن الذين أبدوا مقاومة قوية قد 
طردوا بوجه عام؛ بينما مُنح من تفاوضوا على استسلامهم ضمانات سمحت لهم 
بالبقاء في هذه المدن. والحال أن بعض الأمراء المسلمين الذين قبلوا سيادة ملك 
كاستيل [قشتالة] قد حصلوا على تأكيد لألقابهم وسلطاتهه"”. 

وفي كاتالونيا [قطالونية]» بقي قليل من المسلمين بعد الفتح المسيحيء ماعدا 
في مدينة ليريدا [لاردة]» حيث كانت هناك جماعة مسلمة مهمة حتى القرن السادس 


م 


عشر. وقد أضافت الحملات الكبرى التي قام بها الملك جاك الأول الآراجوني عدذا 
كبيرًا من الرعايا المسلمين إلى التاج. وخلال فتح مايوركا [ميورقة] (779١)؛‏ نجد 
أن جانبا لا بأس به من السكان المسلمين» خاصة من النخبة الاجتماعية 
والاقتصادية» يغادر الجزيرة ؛ ولم يبق سوى جماعة فلاحية مسلمة «بلا رأس» 
[من الأجلاف]. أمّا مسلمو جزيرة مينوركا [منورقة] المجاورة فقد أبدوا مقاومة 
شديدة الشراسة بحيث إن الملك» عندما يستولي على الجزيرة أخيرا في عام 
7,», يختزل السكان كلهم إلى العبودية. وفي مملكة بالنسيا إبلنسية] بالأخص 
تبقى جماعة سكانية مسلمة لا بأس بحجمها ؛ وفي معاهدات الخضوع العديدة» 
يضمن جاك الاستقلالية الذاتية الحقوقية والحرية الدينية ال دمبمهنزه (الجماعات 
المسلمة) التي اعترفت بسيادته””. | 

وقد بقي دومًا خطر أن يشكل هؤلاء المسلمون حلفاء لغزاة محتملين ؛ وهكذا 
فإن الموديخاريين (كما كان المسلمون المقيمون في إسبانيا المسيحية يسمون) كانوا 
حلفاء لأمراء مسلمين مختلفين في قرطبة وفي المغرب وقد ثاروا ضد السلطة 
المسيحية ؛ وتلك كانت بالأخص الحالة خلال انتفاضة أدارها تابعان مسلمان 
لألفونسو العاشرء ملك كاستيل وليون: ابن الأحمرء أمير غرناطة» وابن هود؛ أمير 
مُرسية؛ في عامي ١555‏ و65١١‏ (بتأييد أيضًا من تابعين مسيحيين متمردين). 
وقد انتفضت الجماعات السكانية المسلمة في عدة مدن أندلسية» معلنة ولاءها لابسن 
الأحمر ؛ وساعدتها قوة قوامها ٠.٠‏ “ محارب مغربي. وينجح ألفونسو العاشرء 
ليس من دون مصاعبء في إعادة تأكيد سلطته» ثم في طرد السكان المسلمين من 
بعض المراكز المتمردة؛ خاصة شريش وقادس. وفي إقليم دانية» الذي كان الآن 
جزءًا من مملكة بالنسيا [بلنسية]» قاد الأزرق تمرذا مهما ضد جاك الأول في عامي 
017 و125218١.‏ ويتوصل جاك إلى السيطرة على التمرد وطرد العديد من 
المسلمين. وفي عام 2١75‏ انتفض موديخاريون عديدون في بلنسيةء بحيث إن 
الملك قرر طرد عدد لا بأس به منهم. على أن ابنه ألفونسو الثاني لا يطبق هذا 
القرار. 


م 


اعتبارًا من القرن الثاني عشرء وخاصة من القرن الثالث عشرء يحدد عدد 
كبير من النصوص الحقوقية الوضعية القانونية للمسلم في الأرض المسيحية: 
معاهدات استسلامء 5,605 [مواثيق] بلدية أو ملكية» مجامع كنسية. وتبين لنا هذه 
الوثائق أن مسلمي الممالك المسيحية كان من الوارد أن يكونوا عبيذا أو فلاحين 
أحرار أو حرفيين أو مرتزقة في الجيوش الملكية. وحق المسلمين في ممارسة 
عبادتهم مكفول بوجه عام. ويجب للتحولات عن العقيدة أن تكون عن طيب خاطر 
وإلى المسيحية وحدها بالطبع. وقد سعت القوانين إلى الحفاظ على قدر من الفصل: 
فالعلاقات الجنسية والزيجات المختلطة محظورة والحمامات العامة لا يجب أن 
تستقبل المسلمين والمسيحيين في الوقت الواحدء إلخ. ومن الناحية النظرية» يجسب 
للموديخار أن يكون أدنى من المسيحي من الناحية الاجتماعية:؛ تمانا مثلما أن 
الذمي في بلاد الإسلام أدنى من المسلم. والحال أن القوانين المتعلقة بالمسلمين في 
الأرض المسيحية كانت موضع دراسات عديدة). وسوف نكتفي أيضنا بإيراد 
بعض الأمثلة» على سبيل المقارنة» للترتيبات القانونية المتخذة لتعريف وتقييد مكانة 
المسلمين في المجتمعات المسيحية. 

فأولاً وقبل كل شيء» جرى منح المسلمين؛ وكذلك اليهود؛ الحق في ممارسة 
ديانتهم والاحتفاظ بأماكن للعبادة. ويؤكد ألفونسو العاشرء مثلاء أن بوسع المار 
العيش «مراعين شريعتهم من دون إهانة شريعتنا». ومساجدهم ملكيةً ملكية ؟كةومن 
ثم يمكن للملك أن يتصرف فيها كيفما شاء: وضمنيّاء ينطوي هذا الترتيب على 
إمكانية تحويلها إلى كنائس أو تخصيص بعضها لمواصلة استخدامها كمسساجدا”". 
على أن هذا التسامح يميل إلى التآكل على مر الأجيال. وأحد الأمثلة الجيدة على 
ذلك هو حق الأذان؛ النداء الداعي إلى الصلاة والذي يؤديه المؤذن» وهو حق 
غالبًا ما يشكل جزءا من التنازلات الممنوحة. ففي عام 211١1١‏ يحظر مجمع قيينا 
الأذان في كل الأرض المسيحية. لكن هذا الحظر لن يراعى إلا بشكل متفاوت: ففي 
بالنسياء يقدم بعض الملوك والسادة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر 
استثناءات من هذا الحظر أو يرفضون العمل على مراعاته؛ ما كان يجر عليهم 
أحيانا صواعق الكنسيين9”. 

والرعية المسلم محاط بمؤسسات حقوقية خاصة. ففي مملكة أورشليم 
اللاتينية؛ يتبع الرعايا الشرقيون كلهم (المسيحيون واليهود والمسلمون) محكمة 


م 


الاعتراضء المؤلفة من قاضيين إفرنجيين وأربعة مسيحيين شرقيين - من دون أي 
عضو مسلم أو يهودي7"”. وشؤون العدالة في داخل الطائفة المسلمة تترك عادة 
لقاض مسلم (02/ه/ه بالكاستيلية» 0/6106 بالبرتغالية). ويكفل بعض الملوك 
المسيحيين لرعاياهم المسلمين حق انتخاب قاضيهم: ويفضل بعضهم الآخر تعيينهم 
بأنفسهم؛ إلا أن بوسعنا أن نتصور أن خيار الملك؛ في هذه الحالة الافتراضية 
الأخيرة» إنما يتم بالتفاوض مع رعاياه المسلمين7". 

وعندما يتعلق الأمر بقضايا تخص مسلمين ومسيحيين في الوقت نفسه؛» فمن 
المفهوم أن الصدارة تكون لقضاء المسيحيين - البلديء الملكيء» إلخ. وأحيانا ما يتم 
طلب شاهد مسلم يقسم على القرآن مثلما يقسم الشاهد اليهودي على التوراة والشاهد 
المسيحي على الإنجيل. والحال أن ال :مم ء/نزى [البنود السبعة] تحدد طقسا 
تفصيليًا ومحدذا. فالقسم يجب أن يؤدى على باب المسجد ؛ ويجب على الشاهد 
المسلم أن يقسم باسم محمد وشريعته وأن يؤكد أنه إذا لم تكن شهادته صادقة؛ فإنه 
يقبل حرمانه من كل الخيرات المنتمية إلى محمد وإلى الأنبياء؛ وأن يكابد كل 
العقوبات التي وعد بها القرآن الكفار". وتصديق الشهود المسيحيين أكثر من 
تصديق الشهود المسلمين أو اليهود ؛ ولا يجوز لمسلم الشهادة ضد مسيحي إل في 
حالة الخيانة( '). وغالبًا ما تعبر العقوبات والغرامات عن وضعية المسلم الأدنى. 
وتنص ال وإنوعع /46 عدج إقوانين التمييز] المحررة في كاستيل في القرن الر اببع 
عشرء على أن الغرامة عن قتل أحد المور يجب أن تتماشى مع العرف المحلي إلا 
أنها يجب أن تكون أقل من الغرامة المحصلة عن قتل مسيحي7”*). 

والتشريع المتعلق بالأقليات المسلمة مستمد من قوانين تقليدية تَحْدٌ من مكانة 
اليهود في المجتمع المسيحي: فبحسب القانون الكنسي؛ لا يجب أن تكون لليهود 
أدنى سلطة على المسيحيين. وبشكل خاصء لا يمكنهم امتلاك عبيد مسيحيين ولا 
تولي وظائف عامة. والتشريع اللاحق يسحب هذه المبادئ أيضنا على المسلمين. 
ويحظر مجمع لا تران الثالث )١١79(‏ على اليهود والسراسنة امتلاك عبيد 
مسيحين - وهو حظر غاليًا ما يتكرر في التشريع الملكي (على سبيل المثال» في 
البنود السبعة [عمك:»رمم م/ع:5] التي أصدرها ألفو نسو العاشرء ملك كاستيل) 0 
وتحظر مواثيق [:ه,/] مختلفة في مدن إيبيرية تولي اليهود والمسلمين الفصل في 
قضايا تتعلق بالمسيحيين7”/). 


هم 


وهذه الدونية القانونية لا تترجم دوما إلى دونية اجتماعية حقيقية. فنحن نجد 
مسلمين ويهوذا على كل مستويات المجتمع. وتلعب وحدات من موديخاريي بالنسيا 
دورا مهما في جيش ملوك أراجون: فخلال الغزو الفرنسي لكاتالونيا في عام 
6 مثلأء يشارك 5٠0١‏ موديخاري بالنسيء: خاصة من رماة السهام؛ في الدفاع 
عن جيرونا. كما قد يكون بوسعنا الاستشهاد بحالة عديدين من الأطباء اليهود 
والمسلمين الذين كانوا في خدمة الأمراء والبورجوازيين!". ومن المؤكد أنهم 
يستثيرون أحياتا الحسد والريبة: فوليم الصوري يشكو من أن نساء الأمراء الإفرنج 
يفضلن الأطباء اليهود أو السراسنة ؛ ويضيف مترجمه أن هؤلاء الأطباء ييسممون 
كبار المملكةة؛؛). 

وتهدف قوانين عديدة إلى حظر أي علاقة جنسية بين المسيحيين والمسلمين. 
ومن البديهي أن الزواج محظورء إلآ في حالة تحول إمرأة (مسلمة أو يهودية) عن 
دينها [إلى المسيحية]: متزوجة بالفعل لدى تحولها إلى اعتناق المسيحية» حيث يكفل 
لها القانون الحق في أن تظل متزوجة من زوجها غير المسيحي؛ بحسب مرسوم 
جراسيان؛ وهو حق أكده البابا جريجوار التاسع في عام 377754 ). وفي إسبانياء 
بوجه عام؛ فإن المسيحية والمسلم اللذين توجد بينهما علاقة جنسية» إنما يتعرضان 
لمخاطر عظيمة ؛ وليست تلك هي الحال بالنسبة للمسلمة وعشيقها المسيحي. 
وينص ولء:!::مءه5 296 7:60 [ميثاق سييولبيدا] على أن المسلم الذي يضاجع 
مسيحية سيجري رميه من أعلى جرف صخري بينما سيجري حرق عشيقته ؛ أما 
في «وزن8 ع0 5:60 إميثاق بيخار]ء فإن الاثنين يحرقان. لكن ال 5مل؛,مم ءاءاى 
[البنود السبعة] أكثر رحمة بالمسيحية: فالعاشق المسلم أو اليهودي لابد من رجمه؛ 
في حين أن شريكته تفقد نصف ممتلكاتها ؛ وإذا كانت متزوجة:؛ فإنها تتعصرض 
لخطر الإعدام ؛ أمّا إذا كانت مومساء فإن العاشق والعشيقة يتم جلدهما مغا على 
الملا في المدينة. وفي جميع الحالات» فإن العقوبات للمجرمين تزداد حدةل). 
وبالمقايل» لا يُشار بالمرة إلى العلاقات الجنسية بين رجل مسيحي وامرأة مسلمة أو 
يهودية» إذ يبدو أنها علاقات مقبولة ضمنيًا. وعندما ننظر في الأحكاه البلدية؛ 
خاصة ال دم,ه,/ [المواثيق] الممنوحة للمدن الإيبيرية من جانب الملوك 


(*) كان اسمهم بالعربية آنذاك ««الٍرجاسية», - م. 
كم 


المسيحيين» نعاين أن العلاقات الجنسية بين الرجال المسيحيين والإماء المسلمات 
علاقات عادية. وفي تاج أراجون في القرن الرابع عشرء كانت المومس المسيحية 
عرضة للحرق حية إذا ما ضاجعت يهوديًا أو مسلماء في حين أن السلطات المسلمة 
غالبًا ما طالبت بعقوبة الموت للمسلمة التي ضاجعت مسيحيًا أو يهودنًا. على أن 
هذه المرأة كان بوسعها أن تنجو من ذلك إِمّا بتحولها إلى اعتناق المسيحية أو بأن 
تصبح أمّة - غالبا أَمَةَ لعشيقها المسيحي””“). وفي القوانين كما في الأدب» فإن 
الفتح الجنسي يصبح مجازا للفتح. والجميلة المسلمة ليست فقط 5ممم؛ [موضوعا] 
أدبيًا: فهي موجودة في فراش فرسان مسيحيين كثيرين. ومن المؤكد أن بعسض 
الكتاب قد انتقدوا أو نهوا عن هذه الممارسات: إن الب وم/بهء نومك م دمو (ادم0) 
لآ[ وتأءجبه5 :مك مره" ء[ “لمم كوله :به أدنا وباط هوم [مؤاخذات ووثئائق للحياأة 
الخيرة من طرف الملك دون سانشو الرابع] تحاول إقناع الملك القادم فرناندو الرابع 
الكاستيلي بأن ممارسة علاقات جنسية مع امرأة من المار تعادل مضاجعة كلبة» 
لأنها تتبع شريعة محمد الخارجة على العقل” '). ونشتبه بأن أثر مثل هذا الكلام 
على الممارسات الجنسية للأمير وحاشيته كان ضئيلاً. ْ 
وغالبا ما يُنظر إلى الاتصال بالخصم الديني على أنه عنصر فساد أو تلوث 
يجب تجنبه. وبعض المواثيق [7:/6,05/] تحظر على غير المسيحيين الذهاب إلى 
الحمامات العامة في الأيام نفسها التي يذهب فيها إليها المسيحيون7'). ويُحظرٌ على 
المرضعات المسيحيات إرضاع الأطفال اليهود أو المسلمين ويُحظَرٌ على 
المسيحيين استخدام مرضعات مسلمات أو يهوديات لأطفالهم7””). وسعيًا أيضا إلى 
التمكن على نحو أفضل من العمل على مراعاة المحظورات الجنسية يجري فرض 
(أو محاولة فرض) قيود ثيابية. وفي عام ١١٠١‏ بالفعلء أتبع مجمع نابلس 
محظوراته الجنسية العديدة بحظر مفروض على المسلمين يمنعهم من الليس 
ك«الإفرنج»7””). وكان من المفترض أن تساعد هذه القيود الثيابية المسيحيين على 
تحديد المسلمين وتجنب أي اتصال غير مفيد بهم. وفي الروح نفسهاء يأمر مجمع 
لاتران الرابع في عام ١1١١©‏ أن يرتدي السراسنة واليهود ملابس مميّزة بهدف منع 
العلاقات الجنسية» أو بالأحرى بهدف منع المسيحيين من التذرع بجهلهم لتبرير 
اتصالاتهم مع غير المسيحيين. وكان من المفترض فرض هذه التدابير على سائر 


ام 


الجماعة المسيحية» لكن مراعاتها كانت جد متفاوتة. والواقع أننا نجد قوانين ترفية 
تفرض علامات مميزة على المسلمين أو تحظر عليهم ارتداء ثياب «مسيحية» في 
مناسبات مختلفة: في محاكم سيبيل [إشبيلية] في عام ١1057‏ ؤفي محاكم بيٌادوليد في 
عام ١768‏ وفي محاكم سيبيل من جديد في عام ١0ممايشكل‏ برهانا على أن 
الإجراء الذي اتخذ في مجمع عام ١7١6‏ قلما روعي؟”. 

وما يُخْشّى ليس هو الفساد الجنسي وحده؛ وإنما أيضنا الفساد الروحي. 
فإينوسنت الثالث ومجمع لاتران الرابع يجتهدان في حماية المسيحيين من 
استهزاءات وتجديفات «الكفار». وسعيًا إلى حماية طقوس الأسبوع المقدس من مثل 
هذه العدوىء لا يتردد المجمع في منع المسلمين واليهود من الظهور في الأماكن 
العامة خلال تلك الفترة؛ كما سوف يفعل ذلك فيما بعد التشريع في إسبانيا(”). 
ويجري الجمع بين المسلمين واليهود في عداوتهم المفترزضة للمسيحيين. فهؤلاء 
وأولئك «مجدفون»»: بحسب المجمع؛ الذي يؤكد أن أعضاء هاتين الجماعتين 
يستعرضون أنفسهم خلال الأسبوع المقدس في ثياب استعراضية زاهية؛ ساخرين 
من المسيحيين الذين يعبرون في طقوسهم عن ألمهم إذ يتذكرون الام المسيح. 
ويجري التذرع بهذه العداوة على نحو خاص لتبرير منعهم من ممارسة وظيفة 
عامة: فمن غير الوارد منح «مجدف» أدنى سلطة على مسيحي. وتتغذى قرارات 
مجمع لاتران الرابع على رؤية سجالية للإسلام: فالمجمع لا يُعَدَدْ ولا يميز 
«تجديفات» المسلمين أو اليهود المختلفة» بل يزعم أنها تكفي لتبرير استبعادهم مسن 
أي موقّع سلطة. 

ويكرس ألفونسو العاشر أحد حقوق [:0/::/] ال +209 [البند] السابع لمن 
يزدرون «الرب ومريم والقديسين الآخرين»9). والفصل الأخير من الفصول 
ألستة لهذا الحق يتعلق باليهود والمار الذين تصدر عنهم ازدراءات كهذه. وهو 
يذكّر بأن اليهود والمارمسموح لهم بالعيش في «بلدنا» حتى مع أنهم لا يتقاسمون 
«ديانتنا»» لكن هذا السماح لا يمنح لهم إلا إذا امتنعوا تمامئا عن ازدراء المسيح 
وأمه والقديسين الآخرين. وبالإضافة إلى الازدراءات اللفظية» فمن المحظور أيضنا 
البصق على الصلبان أو المذابح أو صور القديسين أو ضرب شيء مقدس باليد أو 
بالقدم أو بأي شيء آخرء أو إلقاء الحجارة على الكنائس!”". 


م/م 


وغالبًا ما تعاود مشكلة التحول عن العقيدة الظهور في الوثائق. وألفونسو 
الحكيم يجعلها الموضوع الرئيسي للحق [ماةم] / : ©” من ال ملواأى عمط 
5م70 105 ءك 5مل1)رمم [البنود السبعة الخاصة بالمار]: إن ستة من قوانينه العشرة 
مكرسة لها. وتتعلق خمسة قوانين بالعقوبات التي يجب إنزالها بالمسيحي الذي 
يتحول إلى اعتناق الإسلام. فالمرتد يجب حرمانه من جميع ممتلكاته» بحيث تصبح 
هذه الممتلكات ملكية ورثته الذين ظلوا مسيحيين ؛ ومن الوارد اتهامه بهذه الجريمة 
حتى خمس سنوات بعد موته. وإذا عاد إلى المسيحية؛ يفقد مع ذلك الحق في أن 
يكون مسؤولاً تمامًا أو شاهذاء كما يفقد الحق في عقد عقود شراء أو بيع. وفي 
السياق السياسي والعسكري في القرن الثالث عشر في كاستيل؛ كان الخوف سائذا 
من التحولات إلى اعتناق الإسلام؛ وهي خطر واقعي بالفعل؛ غالبا ما ترافق إما مع 
أسر في دار الإسلام أو مع خيانة سياسية'). أما تحول المسلم إلى اعتناق 
السكية فهوء بالمقابل» مرغوبء؛ بحسب الينود السبعة [1925مم ماءاد د5ه.ط]» إلا 
: أنه يجب دوما أن يكون عن طيب خاطر: فالمسيحيون يجب عليهم السعي إلى إقناع 
المسلمين بالعقل والقدوة» لا بالعنف أو الإكراه. ولا أحد يملك الحق في منع مسسلم 
من التحول إلى اعتناق المسيحية ولا في تسمية المتحول بال م:ن4ه::,ه؛ (المرتد 
أو الخائن)؛ ولا في إهانته. وبحسب ألفونسوء فقد يكون ما يمنع المسلمين من 
التحول إلى اعتناق المسيحية هو الخوف من التعرض لإهانات كهذه وقوةٌ العادة. 
وقد أصدر الملكان جاك الأول وبدرو الآراجوني قوانين مماثلة لحماية المتحولين 
من الإهانة ومن فقدان ميرائهم. 

وغالبًا ما تكمن خلف التحول إلى اعتناق الديانة السائدة دوافع اجتماعية. وتلك 
بالأخص حالة العبيد: فالتعميد يستتبع التحريرء كما تنص على ذلك؛ مثلاء البنود 
السبعة أو مواثيق بالنسيا. لكن أصحاب العبيد من المفهوم تماما أنهم معادون لهذا 
المبدأ وقد سعوا إلى الحيلولة دون تحولهم إلى اعتناق المسيحية: إن جاك دو 
قيتري» أسقف عكا في القرن الثالث عشرء يشكو من أن مسيحيي الأرض المقدسة 
لا يدعونه يدعو عبيدهم إلى اعتناق المسيحية. وينتهي البابا جريجوار التاسع إلسى 
الرسم بأن تحول عبد إلى اعتناق المسيحية لا يستتبع تحريره؛ آمل بذلك أن السادة 
أصحاب العبيد سوف يتركونهم يتحولون إلى اعتناق المسيحية متسى رغبوا في 
ذلك( ), 

4 


الأسرى والعبيد 

تشكل العبودية جزءًا لا يتجزأ من المجتمعات المتوسطية في العصر الوسيط: 
سواء كانت مجتمعات مسلمة أم مسيحية. وغالبًا ما كان العبيد أسرى أخذوا خلال 
حصار أو بحارة ومسافرين على سفينة تعرضت للتفتيش أو فلاحين مسن مناطق 
ساحلية اجتاحها قراصنة. وقد يتعرض الأسير لثلاثة مصائر. فإذا كان ذا أقارب 
أغنياء أو ذوي نفوذء تَُطلْبْ فديةٌ لإخلاء سبيله: وتلك هي العملية الأكثر ربحية؛» من 
وجهة نظر آسريه. كما يمكن استخدامه في مقايضة للتوصل إلى إخلاء سبيل 
أسري يحتجزهم الخصم. وإلا فإن آسره يختزله إلى العبودية» إِمّا بالاستفادة على 
نحو مباشر من خدماته أو لبيعه من جديد في سوق دولية للعبيد جد نامية. 

وفي الحروب بين جيوش الخلافة والجيوش البيزنطية؛ نجد أن الأسرى 
العديدين» على هذا الجانب أو ذاك» لهم بالدرجة الأولى قيمة دعائية: إذ يجري 
اقتيادهم واستعراضهمء لأنهم يجسدون الانتصار على العدو الكافر. وهكذاء فنحو 
عام :4٠٠١‏ يقيم إمبراطور القسطنطينية مأدبة (من دون لحم الخنزير) لأسراه 
المسلمين في عيد الفصح ؛ وهو يأمر ببناء مسجد للأسرى وللدييلوماسيين المسلمين 
الزائزين7”). وسوف يتم تبادل هؤلاء الأسرى مقابل بيزنطيين أسرى لدى 
المسلمين. وقد استشرف القرآن مصير أسرى الحرب الذين يأخذهم المسلمون: 
«فامًا مث بعد وإمًا فداء حتى تضع الحرب أوزارها» - وسوف يستخدم مصطلح 
الفداء [الفدية] فيما بعد للإشارة في آن واحد إلى الفدية والمبادلة9”). ثم إن افتداء 
الأسرى المسلمين يعتبر فريضة ؛ وهو أحد الاستخدامات التي تجيزها الزكأة؛ وهي 
صدقة أصبحت فريضة واجبة على كل مسلم. والواقع أن مبادلات عديدة للأسرى 
تتم بين الأباطرة البيزنطيين والخلفاء العباسيين بين عامي 759 و07459". 

وفي الأرض المقدسة في زمن الحملات الصليبية» كان الأسرى عديدين على 
كل من الجانبين. ويؤكد عماد الدين» الإخباري في حاشية صلاح الدين؛ أن هذا 
الأخير قام على ما يفترض بافتداء ٠١ ٠٠٠‏ مسلم من أسرهم لدى الإفرنج ؛ ومما 
لا مراء فيه أن هذا رقم مُبَالْعْ فيه لكن مصادر أخرى من الجانبين تؤكد حدوث 
إخلاءات سبيل واسعة. وفي عام 1757.ء من المفترض ان السلطان المملوكي 


96 


بيبرس قد عرض على إفرنج عكا مبادلة مهمة للأسرى ؛ وقد رفضت ذلك 
الأخويات العسكرية؛ لأن عبيدها المسلمين كانوا حرفيين موهوبين من المفقرض 
أنه كان من المستحيل الاستعاضة عنهم7”"). وعندما يختزل شارل الثاني الأنجوي 
مسلمي لوسيرا إلى مرتبة العبودية في عام ١٠١٠؛‏ سيجري بيع نحو ٠١٠.٠٠١‏ 
أسير في أسواق نايولي وباري ومدن أخرى في المملكة. 

ويبدو أن تاجرة عطور قد نجحت في أن تشتري في إسبانيا 6٠٠‏ عبدء على 
أثر الفتح الإسلامي» وأنها قد أخذتهم إلى سورياء إذا ما صددقنا حولية كتبت»ء 
بالتأكيد» بعد ذلك بثلاثة قرون ؟ ويتحدث هذا النص نفسه عن عبد قوطي غريي 
يبدو أنه قد اشّرى في المدينة المنورة مقابل حفنة من الفلفل7”). وغالا ما جلبت 
الغارات الصيفية للقوات الأموية في شمالي إسبانياء في القرنين التاسع والغاشرء 
كميات مهمة من العبيد(”). وأحيانا ما كان ملوك الشمال يردون على ذلك؛ كما في 
صيف عام 417: عندما قام أوردونيو الثاني ملك ليون؛ بمهاجمة آالنتيخو وأسر 
٠‏ امرأة وطفل7'"). ويؤكد إخباريون من الموحدين (بمبالغة من دون شك) أن 
الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور أخذ نحو ٠٠٠١‏ 55 أسير خلال اتتصاره في 
ألاركوس في عام 1١15©‏ ؛ وتتحدث مصادر أخرى عن 5.6١0‏ أسير من 
المفترض أنه جرت مبادلتهم ب 20٠٠‏ أسير مسلم7). وخلال الفتوحات الكبرى 
للملوك المسيحيين الإسبان (كالاستيلاء على ميورقة في عام 571١,؛‏ والاستيلاء 
على منورقة في عام 21١7©‏ أو الاستيلاء على غرناطة في عام :)١41917‏ يتوافر 
الأسرى بكثرة في أسواق المدن الإيبيرية والإيطالية. 

والأكثر تكرار! وتواترا هو الاستيلاءات خلال أفعال ذات نطاق أضيق بكثير: 
الغارات المحدودة في المناطق الحدودية حيث يتم الاستيلاء بسرعة على أشياء 
ثمينة وماشية ونساء وأطفال ؛ بل وأعمال القرصنة» حيث يجري تفتيش مركب أو 
القيام بهبوط سريع إلى منطقة ساحلية. وعندما يقوم مسلمو إسبانيا بفتح كريت في 
القرن التاسع» يستخدمونها أساسا كقاعدة لشن غارات ضد الإمبراطورية البيزنطية؛ 
محققين ثراءً من السلب والنهب وفدية الأسرى وبيعهم في أسواق العبيد. ويقوم 
القراصنة اليونانيون من جهتهم بالشيء نفسه على سواحل سوريا وفلسطين 


ضر 9). 


14١ 


ومن المفهوم تمامًا أن بعض هذه الأعمال كان غير مشروع؛ ما يؤدي من 
الناحية النظرية إلى حظر بيع الأسلاب (بمن في ذلك العبيد). وفي حالات 
استيلاءات تحدث خلال حرب: كان المشتري واثقا من أن الأسرى من «حرب 
مشروعة» وأن شراءه لهم ليس معرضنا من ثم للإلغاء. وفي حالات أخرى؛ كانت 
شرعية البيع مضمونة بدرجة أقل. وعلى سبيل المثال؛ فلو أن من اشتري كعبده 
في كاتالونيا في القرن الرابع عشرء تَبَيْنَ أنه تابعٌ موديخاري [مسلم] لأمير مسيحي 
سُلبت حريته من دون وجه حقء؛ بل لو أنه تابع حليف مسلم لملك آراجون أخذ 
خلال غارة .غير مشروعة؛ فمن الوارد إجبار المشتري على إخلاء سبيل عبده؛ من 
دون تعويض مالي غالبا('"). ولعله لهذا السبب جزئيًا يفضلون في جنوة الصبايا 
التتريات أو اليونانيات على المغربيات ؛ وقد سيطر الجنويون على هذه التجارة؛ 
من دون أن يتأثروا كثيرا بواقع أن اليونانيات كن مسيحيات. وبمرور الوقت» فإن 
إنزال مسيحيين إلى مرتبة العبودية يستثير اعتراضات أقل فاقلء وذلك بشرط 
إمكان اعتبارهم هراطقة أو منشقين بل أو مجرد متمردين: إن اثنين من الباباوات . 
يهددان (في عام ١714‏ ثم في عام )١10©‏ بإنزال خصومهم السياسيين الإيطاليين 
إلى مرتبة العبودية!2©. 

وتمثل الغارات إذلالاً لمن يجري اختزالهم إلى العبودية ولعائلاتهم ومواطنيهم 
وإخوتهم في الدين. لذا نشهد العديد من المبادرات الرامية إلئ تحرير الأسرىء عبر 
دفع الفدية في الأغلب. وفي مستهل القرن العاشرء يرسل بطريرك القسطنطينية 
رطلاً من الذهب إلى الأمالفيين الذين لهم علاقات تجارية وسياسية مع أغالبة 
إفريقية [تونس] لافتداء أسرى مسيحيين7'"). وفي كاتالونيا في أواخر القرن العاشرء 
نجد تركات (في وثائق الوصايا غالبًا) لافتداء أسرى أخذهم المنصور في عام 
6 ""). وفي القرن الثاني عشرء تنص بعض المواثيق [5ه##ت/] على أن 
المسيحيين لهم الحق في أن يشترواء بسعر السوق؛ عبيذا مسلمين لاستخدامهم كفدية 
لإخلاء سبيل أسرى مسيحيين لدى مسلمين7"). وفي عام 21١47‏ يستولي ألفون سو 
الثامن؛ ملك كاسيتل؛ على حصن سانتافيلا ويأسر 7٠١‏ رجل ؛ ويفتديهم مسلمو 
إشبيلية ب 77٠١‏ دينار ذهبي7". وأحيانا ما يظهر الافتداء في وثائقنا بوصفه 
ممارسة تجارية ضمن ممارسات أخرىء وهي ممارسة مثمرة بالنسبة للتاجر الذي 


1 


ينخرط فيها. ففي مصرء في القرن الحادي عشرء تتراوح فدية الأسير بين 4 
و١٠٠‏ دينار ذهبيء بحسب الظروف: ويبدو أن الثمن «المعياري»7"" تقريبًا لثلاثة 
أشخاص هو ٠٠١‏ دينار ؛ فهذاء مثلاء هو الثمن الذي يطلبه قراصنة يونانيون 
يعيدون بيع أسرى مسلمين في الموانئ الفلسطينية في القرن العاشر”'". وهذ 
التجارة تعود بالفائدة على الخاطفين؛ وإن كان أيضنا على من يقومون بإعادة البيع: 
كالأمالفيين الذين يشترون مخطوفين يهوذا مصريين من خاطفيهم الروم 
(البيزنطيين أو الإيطاليين). ويأخذونهم إلى مصرء شم يعرضون على الطائفة 
اليهودية في الإسكندرية افتداءهم(”". والأمثلة عديدة؛ كهذا العقد الذي وقع في جنوة 
في عام 554١ء‏ والذي بموجبه يقر مخطوفان» هما أحمد معزوز ومحمد زماعي؛: 
بأنهما بيد شخص اسمه جيوقاني رايبالدي «اشترانا من أيدي أعدائنا» ؛ وهما 
يتعهدان بأن يسلما شقيق هذا الأخير» في مدينة تونسء 151,5 دبلون ذهبي 
ونصف ثوب قماش!" في غضون عشرين يوما من عودتهما إلى إفريقيا الشمالية. 
وبالمثل؛ يفتدي تجار إيطاليون أو كاتالونيون أو مارسيليون مخطوفين مسيحيين في 
أفريقيا الشمالية في مقابل وعد بدفع المقابل بعد عودتهم إلى أوروبالاً “. والحال أن 
افتداء المخطوفين إنما يصبح مهنة: فالفكاك» والذي تحور اسمه في الإسبانية 
ليصبح 6 2071 د يجمع الأمو آل ويجوب البحر المتوسط ويفتدي مخطوفين 
مسلمين أو مسيحيين؛ ويعيدهم إلى ديارهم. واعتبار! من القرن الثامن؛ يقوم ملوك 
مسيحيون إسبان مختلفون بتعيين فكاكين يتصرفون باسم الدولة!"". 

المبادرات العائلية» السعي وراء الأرباح الاقتصادية» مصلحة الدولة 
واهتمامهاء الدوافع الدينية: كل هذا يمتزج في مرويات إخلاء سبيل المخطوفين9". 
ويروي أسامة بن منقذ مهماته لافتداء مخطوفين مسلمين بأيدي الإفرنج2". و 
جبير يتأثر لمشهد الأسرى المسلمين المقيدين في شوارع عكا. وهو يروي أن 
الأمراء ومسلمين آخرين في المنطقة يقدمون تبرعات وفيرة لأجل إخلاء 
سبيلهم7”"). ولا ينصب الاهتمام على مجرد افتداء الإخوة في الدين: فابن تيمية 
يزعم أنه قد دفع فدية للمغول ليس فقط لأجل إخلاء سبيل أسرى مسلمين؛ وإنما 
أيضنا لأجل إخلاء سبيل ذميين «في ذمة» المسلمين7"). وفي إسبانياء فإن التبرعات 


(*) الدبلون» عملة ذهبية إسبانية. ونصف ثوب القماش هو نصف الثوب الخارج من الفابريقة. -م. 
1 


النقمة من أجل إخلاء سبيل مسيعيين مخطوفين في أرض مسلبة كانت نتم أحيانا 
من خلال الفكاكين؛ لكنها صارت تتم على نحو متزايد باطراد عبر مؤسسات دينية: 
الأخويات العسكرية (على غرار أخوية سانتياجو) أو أخويات جديدة أنشئت 
خصيصنا لأجل العمل على تحرير المخطوفين كأخوية التثليثيين (التي تأسست في 
عام )١148‏ وأخوية الرحماء7”) (1778). وقد جمع الإخوة أموالاً من المؤمنين 
وقاموا برخلات إلى الأمراء المسلمين في إسبانيا وفي أفريقيا الشمالية من أجل 
افتداء الأسرى المسيحيين الذين كانوا يعيدونهم إلى أوروبا. 

ويظل العبيد عديدين في غالبية المجتمعات المتوسطية في العصر الوسيط ؛ 
وعلاوة على ضحايا الهجمات الخاطفة وغارات السلب والنهب؛ تتغذى العبودية 
عبر تجارة دولية أو تجارة عبيد تمتد من الإمبراطورية المغولية إلى أفريقيا 
الغربية(”"). وكان العبيد موجودين في كل مكان في الإمبراطورية البيزنطية: في 
الورشات في القسطنطينية» وعند أصحاب الضياع الريفية الكبيرة؛ وفي المناجمء 
وفي القصر الإمبراطوري7'"). وفي الأرض المسلمة؛ جرى جلب العديد من العبيد 
من دار الحرب: عبيد (من الوثنيين أو المسيحيين) من أوروبا الشمالية» مماليك 
(أتراك غالبا ما كانوا وثنيين) من سهوب آسياء سود من أفريقيا الشرقية أو 
الغربية. ويحتل هؤلاء العبيد مكانة ليست تافهة في المجتمعات المسلمة. فالنساء 
والصبايا مصيرهن أداء المهام المنزلية وأن يصبحن أحيانا جواري في فراش 
سادتهن. ويشكل الرجال وحدات عسكرية مهمة في داخل جيوش الخلافة أو 
السلطنة: فمن العراق إلى الأندلس» بنى أمراء مختلفون سلطتهم على القوة 
العسكرية لوحداتهم من العبيدء السود أو المماليك» مستخدمينهم كثقل مقابل للقوات 
العربية أو القوات المؤلفة من البربر. وهكذا لعب العبيد الصقالبة (السلاف) دورا 
مهما في جيوش خلافة قرطبة في القرن العاشر وفي إدارة البلاطا**). على أن هذه 
كانت استراتيجية خطرة تؤدي أحيانا إلى تمردات مسلحة من جانب العبيد وإلى 
اغتيالات (كان ضحيتها عدد من القادة القرطبيين في الثلث الأول من القرن الحادي 
عشر)ء بل إلى انقلابات كالانقلاب الذي يطيح بأيوبيي مصر لصالح المماليك في 
عام .156٠‏ 

ويكابد رجال آخرون الإخصاء ليصبحوا خصيانا ؛ ويُعهد إليهم بحراسة 
الحريم الأميري وبمهمات ذات طبيعة إدارية. ويستخدم ملاك الضياع الكبيرة 

94 


(1/1/:41) في بعض أجزاء أوروبا عبيدا مسلمين بأعداد كبيرة. وفي قبرص 
وفي صقلية؛ على سبيل المثال» يجري استخدامهم في زراعة قصب السكر ؛ 
وسوف يؤدي إدخال قصب السكر في مملكة بالنسياء ثم في البرتغال» إلى تشجيع 
نمو العبودية الزراعية الراسخة بالفعل: وسوف تمتد هذه الممارسات فيما بعد إلى 
الجزر البرتغالية في المحيط الأطلسي في القرن الخامس عشرء وإلى المستعمرات 
الإيبيرية في أميركا في القرن السادس عشر”"). كما أن زراعات كثيفة أخرى: 
كزراعة أشجار التوت (لتغذية دود القز) تعتمد هي أيضنا على العبودية» خاصة في 
منطقة جنوة(”). لكن غالبية العبيد في أوروبا القروسطية تخدم في المنازل 
الأرستوقراطية والبورجوازية؛ فهي مكلفة بالطبخ وترتيب وتنظيف المنزل ورعاية 
الأطفال. وقد خدمت بعض النساء كمرضعات: والشابة القادرة على الإرضاع أغلى 
بكثير في الأسواق. وفي جنوة أو في البندقية» يجري شراء صبايا منعدرات من 
المغرب أو في الأغلب (اعتبارًا من القرن الثالث عشر) منحدرات من أراض 
متاخمة للبحر الأسود. ونجد عبيدًا حتى في الأوساط المتواضعة نسبياء لدى 
الحرفيين مثلاً في المدن الإيطالية أو البرتغالية؛ كان من الوارد أن يكون الصبي 
[في الحرفة] أو الخادمة الحرة أكثر كلفة بكثير بالنسبة لهما*). وفي عقود زواج 
العائلات الأرستوقراطية الإيطالية؛ غالبا ما كانت العبدة جزءًا من الدوطة التي 
يقدمها والدا المتزوجة. ومن الصعب تقدير حجم جماعة العبيد: ومن المفترض أنه 
كان هناك 17170٠١‏ من الصقالبة» العبيد والمعتفسين» في قرطبة في القرن 
العاشر (8*) ؛ ويشار إلى وجود ١775‏ عبذا في برشلونة في عام .147١‏ وفي 
جنوة» في منتصف القرن الخامس عشرء ربما كان هناك 0٠‏ عبد (بينهم غالبية 
عظمى من النساء والصبايا)؛ ما قد يمثل نحو 07؟ من سكان المدينة؛ وإن كان 
يمتل 969١‏ من النساء دون الثلاثين من العمر(""), 

وإذا كانت المصادر السردية قليلة فيما يخص هؤلاء العبيد» فإن النصوص 
المعيارية غزيرة بالمقابل: من الكتاب المقدس أو القرآن إلى صكوك القوانين البلدية 
أو إلى عقود البيع أو أيضنا إلى مراسيم الإعتاق. وبالنسبة للقانون الروماني 
والبيزنطي فإن العبد هو كل ابن لامرأة عبدة أو كل أسير خلال حرب ؛ كما يجري 
الاعتراف من. الناحية النظرية بالعبودية العقابية» والتي يبدو أنها تُمَارَسْ أقل فافل 
في العصر الوسيط. والسيد الذي يود الزواج من عبدته يتعين عليه أولاً إعتاقها. 

ه15 


ويحظر القانون الإسلامي اختزال المسلم أو الذمي إلى العبودية ؛ وهذه التحريمات 
تُراعي بوجه عام, إلا في الحالات؛ النادرة» التي تعلق بالزنادقة الذين يرى 
أحيانا أنهم غير جديرين بالاحتفاظ بحريتهم”'). والطفل المولود لأمّ أمّة يعتبر عبذا 
لسيد والدته؛ إل إذا كان الأب هو السيد نفسه؛ ففي هذه الحالة يكون الطفل حرا 
وشرعيًا ؛ وعندئذ تصبح أمة الأمَةَ أم الولد: : فتبقى على وضعها كأْمَةه لكن السيد 
لا يعود له الحق في إعادة بيعهاء وهي تعتّق لدى موت هذا الأخير. والابن المولود 
من ارتباط كهذا له حقوق الإرث نفسها التي لأبناء النساء المتزوجات ؛ وليس من 
عبن تلوف أك يصيل ابن أحذ إلى قب قمة السلطة'"). فأم خليفة قرطبة العظيم عبد 
الرحمن الثالث كانت مخطوفة إفرنجية» وجدته لأبيه كانت جاسكوئية”". 
وقد لجأ يهود ومسيحيون ومسلمون إلى العبودية في العصر الوسيط ؛ وكان 
ذلك ممارسة مقبولة بشكل واسع؛ حتى من جانب رجال الدين والمؤسسات الدينية؛ 
على غرار الأديرة أو الأخويات العسكرية التي امتلكت عدذا مهما من العبيد. وفي 
بيزنطة, يحتفظ الرهبان والراهبات المنحدرين والمنحدرات من أصل أرستوقراطي 
بعبيدهم الشخصيينٍ الذين يخدمونهم في الدير؛") . وأحياناء تدفع الميول إلى التمسك 
بأهداب الدين السادة إلى معاملة عبيدهم بتساهل؛ بل إلى إعتاقهم. وبحسب 
الأحاديث النبوية» من المفترض أن محمد قد ذَكرَ الكفار بأن الش؛ الذي منحهم 
السلطة على عبيدهم» قادر أيضنا على قلب الأدوار. لذايجب إيداء اللطضف 
والإنصاف تجاه العبيد. وبحسب عدة كاب مسيحيين» قد تكون العبودية عقابًا على 
الزلل البشري» وهو عقاب يجب تحمله بخضوع وصبر ؛ ثم إن الكتابات التمجيدية 
غالبا ما تصور أسر المسيحيين البيزنطيين الذين خطفهم قراصنة مسلمون على أنه 
امتحان يسمح للقديس بإظهار فضائله - وأحيانا بإنجاز معجزات تقود إلى تحريره. 
أو إلى تحول خاطفيه إلى اعتناق المسيحيةل*. وبالنسبة ليهود ومسيحيين ومسلمين 
عديدين» فإن إعتاق المرء لعبيده عمل من أعمال التقوى والورع. وقد رأينا أن 
القرآن يشجع المسلم على إعتاق من يأسرهم في الحرب» سواء كان ذلك في مقابسل 
م هذه المبادرة الأخيرة: في نظلر 
قيين كثيرين» وسيلة طيبة لنيل الغفران عن السيئات وللتقرب إلى النها؟؟". 
00 أحد الأحاديث النبوية أن من يعتق عبده المسلم سيتم عتقه من عذاب جهنم ؛ 
45 


ويقول حديث آخر إن المسلم الذي يعلم أُمَةَ ويعتقهاء ثم يتزوجها عزيزة مكرمة؛ له 
ثواب مضاعف في الجنة7'"). وتتحدث الكتابات التمجيدية البيزنطية عن حالات 
مختلفة لقديسين من المفترض أنهم أعتقوا عبيدهم ليتفرغوا بعد ذلك لحياة تقية 
ورعة ؛ وهنا فإن مؤسسة العبودية ليست هي العقبة في وجه الحياة القدسية بقدر ما 
إن العقبة هي حيازة ممتلكات (بشرية أو غير بشرية) 9'). وفي القسطنطينية وفي 
مدن إيطالية كجنوة أو البندقية» نجد العديد من قرارات الإعتاق» إِمَا لتمكين عبدة 
خدمت سيدها خدمة طيبة من عقد زواج من رجل حرهء أولتحرير العبيد لدى موت 
السيد (حتى وإن كانت الوصية التي تتضمن القرار تنص غالبا على أن عبذا أو 
اثنين يجب أن يبقيا في خدمة أرملته). وقرارات الإعتاق تذكر عن طيب خاطر 
أسبابًا ذات طابع ديني: حب الرب أو قديسيه؛ العفو عن الخطاياء الرغبة في 
الخلاص الأبدئي. ويمكننا أن نلاحظ بالمناسبة أننا نجد إعتاقات 5زسمم مت +1 [في 
اللحظة الأخيرة] مماثلة للغاية قام بها تجار يهود في القاهرة9'). وفي المدن 
الإيطالية والإيبيرية الكبرى نشأت مؤسسات دينية خصيصنا للاهتمام بهؤلاء العبيد 
المعتقين!:”). 

وسوف يُمنح الإعتاق أحيانا على سبيل المكافأة عن خدمات؛ ماضية أو قادمة؛ 
مؤداة للسيد. وينتهي الأمر بعدد من الأسرى المسلمين في القسطنطينية إلى التحول 
إلى اعتناق المسيحية والزواج من مسيحية والاستقرار في الإمبراطورية. وغالبًا ما 
يخدمون في الجيش ؛ وإذا ما صدقنا الجغرافي المسعودي في القرن العاشرء فسوف 
يكون لدى الإمبراطورية وحدة قوامها ١١ ٠٠١‏ فارس عربي تحولوا إلى اعتناق 
المسيحية. كما نجد أسرى بيزنطيين أو إفرنج؛ تحولوا إلى اعتناق الإسلام أو لم 
يتحولواء عاملين في جيوش أمراء مسلمين9!'". 


تسعى تشريعات المدن الإيطالية والإيبيرية إلى تنظيم الحياة الجنسية للعبيد 

(خاصة الإناث). وإذا كان الأمر يتعلق في الضياع الكبيرة [1611:0:0] بزيجات 

بين عبيد بالأخصء يتقاسم أطفالهم حالة العبودية» فإن الأمر يتعلق غالبا في المدن 

بعلاقات [جنسية] بين عبدات ورجال أحرار. وفي جنئوة؛ فإن من يعترف بأنه 

المسؤول عن حمل عبدة رجل آخر يجب أن يدفع غرامة للضرر الذي وقع على 
4 


السيد ؛ والأطفال المولودون من اتصالات جنسية كهذه هم في الأغلب أحرار» يتم 
تسليمهم إلى دور رعاية الأيتام أو يتبناهم آباؤهم. وفي إسبانياء بالمقابل؛ يظفل 
الطفل بوجه عام ملكا لسيد والدته. وميثاق [م»:/] ترويل ١١77(‏ أو )١١717‏ يوقع 
غرامة قدرها عشرون قطعة ذهبية على من يغتصب أمة من المار لا تخصه ؛ 
وبالمقابل» ليست هناك أي عقوبة لمن يغتصب أمته. وإذا ما ولدت أنه ولتم يفن 
الأب هو السيدء فسوف يكون الطفل عبذا لهذا الأخير إلى أن يشتريه أيوه. ووحدهم 
الأبناء الذين يتم شراؤهم ثم تحريرهم هم الذين يمكنهم وراثة أبيهم. والترتييات 
مماثلة في مواثيق [5م///] أخرى7'""). 

ويحاول العبد أو المخطوف أحيانا الهرب. وهذا ليس مشكلة كبرى في المدن 
الإيطالية» حيث العبيد بعيدون عن أراضيهم الأصلية ولا يمكنهم الاعتماد على 
عون من السكان المحليين. وفي بيزنطة» قد يلجأ العبيد الفارون إلى الأديرة 
ويصبهون رهباتا: وتقدم لنا الكتابات التمجيدية أمثلة مختلفة لقديسين ربما أبدوا 
اهتمامًا خاصنًا بالتحرير الإعجازي لمخطوفين مسيحيين بيد الكفار» كالقديسة فوا 
دي كونكيز أو سانتو دومينجو دي سيلوس7”'". لكن قديسين آخرين؛ خاصة 
تيودور التيروني ويوحنا الجندي» يساعدون بالأحرى السادة المسيحيين على 
استرداد عبيدهم الهاربين9')! وفي إسبانياء قرب الحدودء سعى حقوقيون مالكيون 
إلى إيجاد إجراءات تسمح بالقبض على الهاربين وإعادتهم إلى سادتهم 
المسلميد (* ''). وفي الممالك المسيحية» يمكن للعبيد المسلمين الهاربين أن يحصلوا 
على مساعدة أو إخفاء لهم من جانب الموديخاريين الأحرار. ويبدو في الواقع أنه 
كانت هناك في بعض مناطق إسبانيا شبكة سرية حقيقية ساعدت العبيد الفارين على 
الهرب إلى أرض إسلامية. . والحال أن ال وبرماءء:ه8 06 وعواهولا [أعر اف 
برشلونة]» في منتصف القرن الثاني عشرء تقرر مكافآت لإعادة العبيد الهاربين إلى 
سادتهه”''). وفي القرن الخامس عشرء ينشئ ملك آراجون نوعغا من صندوق 
تأمين إلزامي لملاك العبيد؛ الذين يدفعون قسط تأمين سنوي عن كل عبد ويحصلون 
على تعويضات عن كل هارب. والمال المتحصل لا يخدم فقط في دفع التعويضات؛ 
بل يخدم أيضنا في إعاشة شرطة خاصة وفي دفع المكافات المستحقة لمن يساعدون 
في استرداد العبيد. وبمجرد القبض عليهم؛ يتم بيعهم بالمزاد ؛ ويعود مال البيع إلى 
الصندوق 0 ا 


184 


إن التعايش الديني في أوروبا ليس ناشئا عن الهجرات في القرن العشرين: 
فهو موجود في المجتمعات المسيحية والمسلمة في أوروبا على امتداد العصر 
الوسيط. والأقليات الدينية - اليهودية والمسيحية والمسلمة- تلعب دور! رئيسيّاء في 
العصر الوسيط كما الآن, في تقل المعارف والثقافات وكذلك في تجارة السلع. 


44 


الفصل الر ابع 
بحذا عن الذهب المصري: 
التجار في عالم البحر المتوسط 


نايع 


تاريخ العلاقات الديبلوماسية والعسكرية والثقافية في البحر المتوسط مرتبط 
دومًا بتاريخ التجارة. والبلدان الإسلامية واقعة على المحاور الكبرى للتجارة 
العالمية التي تربطها بالهند والصين وبيزنطة وأفريقيا والعالم اللاتيني. . وفي القفرن 
العاشرء ليست أوروبا سوى شريك أصغر في هذه التبادلات؛ إلا أنه في القرون 
التالية تتطور العلاقات التجارية وتسهم في و الاقتصادي للحضارتين» ما 
يجعل من منطقة البحر المتوسط وحدة اقتصادية.. 


المدن والأرياف 
بين أوروبا والعالم الإسلامي 
لدى وفاة محمد (عام 17)» نَعَدُ القسطنطينيةٌ المدينة الكبرى الوحيدة في 
أوروبا(». وبوصفها المركز الثقافي والسياسي والاققصادي لإمبراطورية من 
المؤكد أنهاٍ أصابها الضعف جرّاء الحروب الأخيرة مع فارس وغزوات السلاف 
والأقارء إلا أنها تبقى مع ذلك المترويول الكبيرء رئة التجارة مع بقية 
الإمبراطورية: مع المدن الواقعة حول بحر إيجه (ثيسالونيك؛ إفسسء؛ سميرن 
[إزميرء فيما بعد ميليت)؛ ومع مدن الغرب (روماء راثيناء قرطاج) أو مع 
المدينتين الكبريين الأخريين في الإمبراطورية؛ الإسكندرية وأنطاكية. وفي القرن 
السابع» يجري الاستيلاء على هاتين المدينتين الأخيرتين من جانئب الجيوش المسلمة 
التي تحاصر القسطنطينية مرتين (515 - 5178 قم 717 -18): من دون أن 
تنجح. وتظل المدينة الأكبر في أوروبا بيزنطية حتى فتحها من جانب البنادقة 
والصليبيين خلال الحملة الصليبية الرابعة» في عام .77١4‏ 
١‏ 


وقد استولى المسلمون على المدن الأعلى كثافةً سكانية والأوفر ثراءً في 
الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية في القرن السابع؛ ماعدا القسطنطينية. ومن 
إصفهان إلى لشبونة: تواصل نخب من السكان الأصليين (الذين أصبحوا ذميين) 
إدارة مدن وأرياف ما أصبح الإمبراطورية الإسلامية. والحال أن المدن؛ وهي 
مواقع اختلاط الشعوب والتقاليد المختلفة» إنما تشهد ميلاد ثقافة وحضارة مسلمتين. 
والخلفاء الأمويون )١0١ - 58٠0(‏ هم أول من يبدون رغبة في إدراج الإسلام 
وسلطة الخلافة في الروح الحضرية. ونحن نرى ذلك في المدن الفلسطينية 
والسورية؛ خاصة القدس (حيث يُبنى مسجد قبة الصخرة في عام 547 والمسجد 
الأقصى بعد ذلك بعشرين سنة) وفي دمشقء التي جرى تحويلها إلى عاصمة كبرى 
على مستوى الطموحات الخليفية (مسجد كبير» مجمع قصور). وسوف يجري سلب 
ونهب القصر الدمشقي خلال الانقلاب العياسي في عام سوفن ثزال أسؤازن 
المدينة ؛ أمْا بغداد» عاصمة السلالة الحاكمة الجديدة»؛ فسوف تستلهم في أن واحد 
مثال دمشق وء بدرجة أقل» مثال كتيسيفون: العاصمة الفارسية القديمة القريبة 
تمامًا. والحال أن شبكة حضرية بأكملهاء تمزج مدنا رومانية وفارسية» ومدنا جديدة 
ناشئة عن فسطاطات عسكرية عربية ومنشآت جديدة أخرى: إنما تترس*". 
ويتشكل نموذج للمدينة المسلمة القروسطية: المسجد الكبير بمأذنه التي تطل على 
المدينة ؛ قصر الأمير (الخليفة» الأميرء السلطان) المتاخم غالبا للمسجد ؛ 
الحمامات؛ الأسواق» المساجد الصغيرة في الأحياء ؛ ثم الأسوار؛ التي تحيط كل 
شيء» والتي من. الواضح أن الهدف من علوها ورسوخها هو الدفاع العسكري وإن 
كانا يعبران أيضنا عن سلطة وثراء المدينة وأميرها. ويصرح أندريه ميكيل بأن 
«أجمل مصدر للبهجة في العصر الوسيط الإسلامي هو مدنه»7". والواقع أنه في 
عصر تتألف فيه أوروبا من مجتمعات ريفية أساساء يصبح الإسلام الحضارة . 
الحضرية بامتياز: فمواقع السلطة في أوروبا اللاتينية هي بالأخص القلاع ؛ أمّا في 
عالم الإسلام فهي المدن. ومواقع التعليم والإنتاج المكتوب في أوروبا (قبل القرن 
الثاني عشر) هي الأديرة بالدرجة الأولى: أمّا في عالم الإسلام فهي المساجد 
والمدارس في المدن الكبرى. وفي التقسيم الثلاشي الشهير للمجتميع الإقطاعي 
الأوروبي كما تصوره الرهبان نحو عام ٠٠٠١‏ (من يصلون ومن يحاربون ومن 


١ 


يفلحون الأرض)؛ يهيمن العالم الريفي؛ بينما يميل الحقوقيون المسلمون على العكس 
من ذلك إلى رؤية المجتمع في صورة المدينة» مميزين بين التجار الأغنياء أو 
الممولين» من جهة؛ والعمال والحرفيين» من الجهة الأخرى. بينما الفلاحون» شأنهم 
في ذلك شأن البدو تماماء ينظر إليهم على أنهم خارج المجتمع المتحضر ؛ وهكذا 
فإن المؤرخ المغربي العظيم ابن خلدون يضع هاتين المجموعتين في سلة واحدة9"). 

ومن ثم فليس من الغريب أنه اعتبارًا من القرن التاسع أن نجد في أوروبا 
المسلمة؛ أي في إمارة ثم خلافة قرطبة؛ المدن الأوروبية المهمة الوحيدة بخلاف 
القسطنطينية. قرطبة أولاء مقر السلالة الحاكمة الأموية في الغرب» حيث يجري 
إحياء ذكرى دمشق الزائلة وحيث تجري المنافسة مع بغداد العباسنية. وإذا ما 
صدقنا ابن حوقل (القرن العاشر), فإن هذه العاصمة «ليس بجميع المغرب عندي 
لها شبيه ولا بالجزيرة والشام ومصر ما يدانيها في كثرة أهل وسعة رقعة وفسحة 
أسواق ونظافة محال وعمارة مساجد وكثرة حمامات وفنادق»! "©. وغلاوة على 
قرطبة» تحيا مدن أندلسية عديدة على الحرف والتجارة. وألمرية هي الميناء الأهم: 
«مفتاح» الأندلس بحسب الجغرافي أحمد الرازي في القرن الثاني عشر: فهناك 
ينتجون الحرير ويبنون السفن ؛ وتشير عدة عقود في وثائق جنيزا القاهرة إلى 
المدينة. ويصف الرازي هذا نفسه 7 3 على ساحل اليحر المتوسط 
(خاصة بالنسيا ودنيه وملقة)؛ ثم يصور إشبيلية على أنها أفضل موائئ الأندلس: 
حتى وإن كان الوصول إليها عن طريق البحر المتوسط يتطلب عبور مضيق جيل 
طارق؛ ثم صعود الجوادالكيير على امتداد ٠١‏ كيلومترا. وقبل العام ,٠٠٠١‏ تربط 
طرق التجارة الأندلس أولاً بالمغرب؛ ثم بمصر وسوريا ؛ والتبادلاات مع أوروبا 
شمال اليرانس أقل تواتر!(". 

وفي بحر متوسط تسيطر عليه المواجهة والمنافسة بين البيزنطيين والأمويين 
والعباسيين» تلعب بقية أورويا دور! طفيفا ؟ ففي القرن الثامن: نجد أن المفاطق 
الإيطالية واليروقنسانية الساحلية ضحية لغارات السلب والنهب بأكثر مما هي قوى 
فاعلة اقتصادية؛ ما دفع المؤرخ البلجيكي هنري بيرين» في كتابه محمد وشارلمان» 
إلى التأكيد على أن السيطرة الإسلامية على البحر المتوسط هي التي دقت ناقوس 
موت العالم الروماني القديم وأرغمت أوروبا على إعادة محورة نفسها على 


1١ 


الشمال. ومن المفترض أنه في القرن الحادي عشر فقطء؛ عندما تكسب الدول 
المسيدية الميزة العسكرية في البحر المتوسطء أمكنها الوأصول من جديد إلى 
التجارة الكبرى. ويرى موريس لومبارء على العكس من ذلك؛ أن الاتصال بعالم 
إسلامي أكثر تطور! من الناحية الاقتصادية هو تحديذا ما يسمح لأوروبا بأن تصبح 
ثرية وبأن تشارك في التجارة التي تنتهي إلى السيطرة عليها. وإذا كانت المصادر 
تظل ضئيلة؛ فإن الآركيولوجيا وعلم المسكوكات قد سمحا بتدقيق مثل هذه 
التأكيدات7"). لقد احتفظت أوروبا بدور في اقتصاد عالم البحر المتوسط؛ كما تشهد 
على ذلك النقود العربية» خاصة الأندلسية» التي عثر عليها في بلاد الغال وفي 
إنجلترا أو في سكانديناقيا والتي ترجع إلى ما بين القرنين الثامن والعاشر. ومن 
المؤكد أن هذه النقود لا تنتقل بفضل التجارة وحدها: فمن الوارد أيضنا أن تكون 
متأتية من هدايا أو أسلاب. لكنها توحي مع ذلك بوجود تبادلات وتشير أحيانا إلى 
تلاقيات غريبة: مثال ذلك قطعة نقود عثر عليها في بولونيا تحمل؛ على أحد 
وجهيهاء نقشا عربيًا باسم الخليفة القرطبي هشام الثاني (9175 )٠٠١5-‏ وء على 
الوجه الآخرء نقشا لاتينيًا باسم الإمبراطور الجرماني هنري الثاني -5٠١7(‏ 
,»,٠*64‏ وإذا كان يصعب إدراك من الذي قد يكون سك عملة كهذه ولأية 
أسباب؛ فإنها تشهد بوضوح على وجود علاقات بين العاهلين - في أن واحدء من 
دون شكء على المستوى الدييلوماسي وعلى المستوى الاقتصادي. 
ويشدَدُ المؤرخون على الدور المهم الذي لعبته بالفعل تبادلات الهدايا في 
التأكيد الملموس للأواصر السياسية والاجتماعية في أوروبا في أوائل العصر 
الوسيط؛ سواء كان ذلك بين زوج وزوجة أو بين تابع وسيدء أو بين ملكين 
متحالفين. ومن هذه الزاوية» فإن قوائم الأشياء المتبادلة خلال السفارات بين قرطبة 
والقسطنطينية» أو بين إكس - لا- شايل وبغداد؛ نَعَدُ لافتة. وهكذاء فخلال 
المفاوضات على تحالف معاد للأمويين بين الملك الإفرنجي ببيان القصير والخليفة 
العباسي المنصور في ستينيات القرن الثامن» كان السفراء من الجانبين «متقلين 
بالهدايا»7”'). وعندما تصلء في عام 28١7‏ سفارة جديدة إلى بلاط شارلمان في 
إكس - لا- شايل» تحمل معها منسوجات من الكتان والحريرء وعطورا وتوابل» 
وساعة جداريةٌ برونزية وشمعدانا من البرونز وحيوانات غرائبية:» بينها فيل؛ 


6 


مسمّى بأبي العباسء يثير إعجاب البلاط وَيْعَاينْ اختفاؤه بعد ذلك بثمائية أعوام 
بمشاعر الحزن7”'). وليس من المعروف بالضبط ماهية الهدايا التي أرسلها 
شارلمان إلى بغدادء إلا أن مما لا ريب فيه أنه قد يكون وجد صعوبة في أن يثير 
في بغداد شعور الإثارة نفسه. وبالمقابل» يتبارى الحلفاء العباسيون والأباطرة 
البيزنطيون» عند إرسال سفارات بين العاصمتين» في الإسراف في الهدايا: ومن 
المفترض أن الخليفة المأمون؛ بعد تلقيه هدايا باذخة من جانب الإمبراطور ثيوفيل 
(859 -847). قد أُمَنَ بأن: «أرسلوا إليه هدية أغلى مائة مرة من هديته؛ حتى 
يعرف قوة الإسلام والنعم التي م الله بها علينا»(؟)07. 

وعلى مستوى عادي أكثرء مَثْلت أوروبا بالنسبة للاقتصاد المتوسطي مصدرا! 
مهمًا للمواد الخام: الخشب والحديد خاصة ؛ الجلود والفراء أيضئا. لكن مما لاا شك 
فيه أن نتاجها التصديري الأهم والأكثر ربحية» بين القرنين الثامن والعاشرء هو 
العبيد» كما سوف نرى. 


من «بحيرة مسلمة» 
إلى السيطرة الإيطالية بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر 

غداة العام .»٠٠٠١‏ بينما كانت خلافة قرطبة تنهار؛ كانت مصر الفاطمية قد 
أصبحت المحور الحقيقي للتجارة العالمية» وهذا لثلاثة أسباب. فأولء كانت واقعة 
على تقاطع المحاور الكبرى للتجارة العالمية» بحكم موقعها بين البحر المتوسط 
والبحر الأحمر. ثم إنها كانت واحدة من أكثر مناطق العالم الإسلامي ازدماراء 
بالنيل الذي يرويها ويخصبهاء والذي وفر لها شريان مواصلات لا مثيل له. ويجب 
أن نضيف إلى ذلك حقيقة أن حكام البلدء الخلفاء الفاطميين (459 )١١7١-‏ ثم 
السلاطين الأيوبيين )١116٠-11171(‏ قد أدركوا الأهمية التي مثلتها التجارة 
بالنسبة لبلدهم ولم يفرضوا عليها بوجه عام أعباء ضريبية مسرفة في فداحتها ولا 
قيوذا على حركة الأشخاص ؛ بل إن المؤرخ شلومو جويتين يصف البحر المتوسط 
آنذاك بأنه «مجتمع تبادل حر 005 


(*) ترجمة عن الفرنسية. - م. 


والحال أن رسائل التجار اليهود التي عُثر عليها في الجنيزا الملحقة بكنيس 
الفسطاط (القاهرة العتيقة) إنما تشير بالفعل إلى اتساع نشاط التجار المصريين» 
الموجودين من سواحل المحيط الأطلسي في المغرب والبرتغال إلى موانئ الهند. 
والواقع أنه من الهند كان يجري شراء التوابل (الفلفل والقرفة والزنجبيلء إلخ) 
لجلبها إلى ميناء على البحر الأحمر: إمّا ميناء اقلم (السويس الحالية)؛ والذي 
كانت السلع تنقل منه بالقافلة إلى القاهرة ؛ أو ميناء عيذاب» في صعيد مصرء الذي 
يجري اجتياز الصحراء من عنده إلى أسوان لهبوط النيل بعد ذلك. وغالبًا ما كانت 
القافلة السنوية العائدة من الحج إلى مكة فرصة لجلب سلع شرقية إلى العاصمة. 
ومن القاهرة؛ كان يتم نقل السلع بالمراكب إلى أحد الموائئ المتوسطية»؛ رشيد أو 
دمياط أوء بالأخصء الإسكندرية. ومن هذه الموانئ» كانت تصَدُرٌ إلى فلسطين 
وقبرص وبيزنطة والمغرب وأورويا التوابل القادمة من الشرق وكذلك المنتجات 
المصرية والتي كان الكتان أهمها ؛ سواء كان الكتان الخام (الذي كان يصدر إلى 
المغرب أو إلى صقلية؛ حيث كان يُنِسَمٌ) أو القماش المنسوج بالفعمل. والحال أن 
صناعة المنسوجات؛ في مصر كما في أماكن أخرى في عالم البحر المتوسطء 
كانت أحد أهم النشاطات الاقتصادية ؛ وبحسب شلومو جويتين» فقد انخرط فيهاء 
بشكل أو بآخرء معظم السكان العاملين في القاهرة. والواقع أن المنسوجات - على 
شكل ثياب ومفروشات ووسائد وسجادء إلخ - قد مثلت جزءًا مهما من ثراء كل 
منزل7' '). لكن صناعة المنسوجات لم تستوعب الجميع: إذ تذكر وثائق الجنيزا 
5 مهنة يدوية» من البائع الجوال إلى الصباغ مرور! إلى ثاقب الدر أو صانع 
مراود الكحل7”'). وقد صنع عدد من هؤلاء الحرفيين سلعًا تصديرية» خاصة 
الزجاج والمصوغات الذهبية والفضية. كما جرى إنتاج سلع غذائية» في صدارتها 
السكر: فقد استثمر تجار مصريون كثيرون في معامل التكرير. وكانت هناك أيضناء 
خاصة في الموانئ كالإسكندرية؛ كل أنواع النشاطات المنتجة لمواد الإعاشة فسي 
الرحلات البحرية: الخبز المجفف؛ مملحات أسماكء؛ إلخ. 

والحال أن رسائل الجنيزاء وأغلبها مكتوب من جانب تجار تونسيين وصقليين 
ومصريينء إنما تشير إلى أن الاتصالات كانت متواترة وإلى أن هؤلاء التجار 
كانوا يجوبون البحر بين فلسطين وقبرص والقسطنطينئية وإسبانيا وصقلية 

06 


والمغرب. والتجار لا يتخصصونء عموماء في منتج تج خاص» بل يشترون ويبيعون 
سلعًا متنوعة عديدة. وقد يكون بوسعنا الاستشهاد ؛ بين أمثلة عديدة» بمثال نهراي 
بن نسيمء الذي يطوف بالبحر المتوسط على مدار خمسين سنة ))١٠١15-53٠١5©(‏ 
فيشتري الكتان من مصر ليعيد بيعه في تونس أو في صقلية ؛ ويستورد إلى 
مصر الحرير الإسباني واللبدة المغربية والقطن البيزنطي ؛ ويشتري زيت 
الزيتون والصابون والشمع من تونس أو من فلسطين ؛ ويُصدَرٌ السكر المصري ؛ 
ويشتري الياميش من سوريا ؛ ويشتري ويبيع الأحذية والجلود والمجوهرات 
والكتب والورق ومنتجات عديدة للصباغة والصيدلة ومساحيق التجميل 
والعطور"). وفي وثائق الجنيزاء نجد ذكرا ل ٠١‏ مُنتج؛ كان أربعون منها 
موضع تجارة منتظمة وكثيفة("'). ويشارك جزء مهم من المجتمع في التبادلات: 
فأكثر من مسافرء سواء كان حاجًا أم سفيراء سواء كان حاخاما أو منتميًا إلى ففة 
العلماء؛ يستفيد من انتقالاته لكي يقوم بالتجارة. ومن لا يسافرون يلعبون غالا دور 
ممولين أو منتجين ؛ وفي الأندلس أو صقلية» يمكن استثمار مبالغ» صغيرة أو 
كبيرة: فى تجارة الحرير» مثلما يجري الاستثمار في البؤرصة اليوم إلى حَدّ ما: 
وبالمقابل؛: فإن التجار المصريين الذين كانوا يجوبون البحر المتوسط من 
قبرص إلى إشبيلية» لم يكونوا يذهبون إلى إيطاليا ولا إلى يروقانس. فالإيطاليون 
هم الذين كانوا يذهبونء بأعداد ضئيلة بالتأكيد في القرن العاشرء وإن كان بشكل 
متزايد باطراد في القرون التالية» حتى مصرء خاصة الإسكندرية. وأحيانا ما 
يجري تسميتهم ب«الروم» ببساطة» وهو مصطلح يستخدم عادة للإشارة إلى 
البيزنطيين؛ إلا أنه بشكل متواتر على نحو متزايد باطراد يجري تميبزهم بتسسميتهم 
بالفرنج أو الإفرنج”'). وكان وصول تجار إفرنج إلى ميناء عربي حدثا مهسا 
بالنسبة للتجار المسلمين. وبمجرد رصد سفنهمء أو حتى بمجرد انتشار شائعة عن 
وصولهم» ترتفع أسعار بعض السلع؛ ما يعود بالسرور على البائعين وبفقدان الأمل 
على المشترين المحتملين. وفي القرن الحادي عشرء يفرح تجار عديدون لوجود 
الأوروبيين؛ الذين يدفعون أسعارا مرتفعة» حتى لمنتجات نوعيتها رديئة. ويبيع 
الأوروبيون الخشب والجبن والنبيذ (الذي لم يكن شربه محرا في العصر 
الفاطمي” )) ؛ وكانوا يجلبون أيضنا الفضة؛ وهي سلعة نادرة في الشرق الإسلامي 


١ ا‎ 


قبل القرن الحادي عشرء حيث كانوا يستخدمون بالأخص العملات الذهبية. وكان 
[التجار الأوروبيون] يأتون بعبيد. 

وحتى القرن العاشرء كما رأيناء كانت منطقتان أوربيتان منخرطتين بشكل 
خاص في شبكات التبادلات الدولية هذه: إمبراطورية القسطنطينية وخلافه قرطبة. 
وانطلاقًا من هذين القطبين» تستفيد بقية أوروبا بعض الشيء من من هذه التجارة: 
ونجد تجار من الإفرنج في مدن الأندلس وتجار! إيطاليين» بنادقة خاصة؛ في 
القسطنطينية. إلا أنه شيئًا فشيئاء اعتبارا من القرن العاشر: ببدأ تجار إيطاليون في 
الذهاب إلى الشرق» خاصة إلى مصرء لكي يتوجهوا مباشرة إلى السوق'). 

والحال أن أمالفي؛ من القرن التاسع إلى فتحها من جانب النورمان في عام 
*7١٠ء‏ كانت المدينة الإيطالية الرئيسية التي تقوم بالتجارة مع أفريقيا الشمالية!'). 
وهذا الميناء الواقع في جنوب نايولي ينسج علاقات سلمية مع أغالبة إفريقية [تونس 
الحالية] منذ القرن التاسع؛ ما يسمح له بتفادي استهدافه من جانب الغارات البحرية 
التي يشنها هؤلاء الأخيرون ضد الساحل الإيطالي؛ وبالحفاظ على استقلاله في 
مواجهة أمراء بينيقينتو اللومبارديين. ومن المؤكد أن المدينة تعترف بالسيادة 
الإسمية للقسطنطينية؛ التي تحتفظ معها باتصالات دييلوماسية واققصادية مثمرة. 
لكن هذا لا يمنعها من التمتع باستقلال فعلي وبالمشاركة خاصة في التبادلات مع 
إفريقية وصقلية المسلمتين. وهي تقيم علاقات طيبة مع الفاطميين بُعيد إنشاء 
الخلافة الشيعية في عام 404. ويشارك الأمالفيون بشكل غير مباشر في الفتح 
الفاطمي لمصر في عام 8 بتزويد الفاتحين بمواد غذائية وأخشاب. ويبدي سادة 
مصر الجدد امتنانهم بمنح الأمالفيين امتيازات ضريبية رئيسية. ووجودهم في 
مصر تؤكده حادثة وقعت في عام 115: ففي القاهرة» راجت شائعات عن غزو 
بيزنطي ؛ فجرى ذبح تجار أمالفيين» مشتبه بتواطؤهم مع الروم: وإذا ماصذننا 
كتب الحوليات؛ فإن مائة قد ماتوا وكانت الخسائر نحو 44 رطلا من الذهب. 
وتبين هذه الحادثة المخاطر التي تتهدد التجار الأجانب» في مصر كما في أماكن 
أخرى: إلا أنه لا يبدو أنها قد ثبطت همم الأمالفيين لوقت طويل: فالخليفة يؤكد 
امتيازاتهم ويعوضهم عن خسائرهم المادية. وهفؤلاء التجار يصذرون القمح 
والخشب والمفروشات الكتانية والنبيذ وفواكه إيطاليا إلى الشمال الأفريقي ؛ وفي 


١١4 


إفريقية [تونس] يحصلون على زيت الزيتون والشمع والذهب ؛ ويحصلون» في 
مصرء على التوابل والذهب. وتعتمد أمالفي وساليرنو ونابولي المجاورتين لها 
الطري, العملة الذهبية الفاطمية» كعملة رئيسية» ما يشير بالفعل إلى أهمية هذه 
الصلات في اقتصاد المنطقة. ويغذي الذهب التبادلات الأمالفية مع بيزنطة 
وإيطالياء وبفضلها يحصل الأمراء الإيطاليون والياباوات على سلع ترفية. وتعاني 
التجارة الأمالفية من نتائج الفتح النورماني في عام ٠١17”‏ (فالملوك النورمان 
يحبذون باليرمو ونايولي)؛ ثم من سقوط الفاطميين في عام ١/ا١١.‏ 

ًا البندقية» المبنية على أرخبيل على رأس البحر الأدرياتي» فقد كانت» هي 
أيضناء متجهة بحزم إلى البحر"). وكانت ثرواتها الأولى هي الملح وصيد 
السمك ؛ وهي تخدم فيما بعد» خاصة بعد انحطاط رافيناء كميناء بيزنطي رئيسي 
في إيطاليا الشمالية. وشأنها في ذلك شأن أمالفي؛ تستفيد البندقية من علاقتها 
المميّزة بالقسطنطينية في الوقت نفسه الذي تتمتع فيه بدرجة كبيرة من الاستقلال 
الذاتي. وبما أنها محمية بيزنطية؛ فإنها تصبح من جانبها حليفا بحريًا ضد السلاف 
في البحر الأدرياتي» ثم ضد النورمان في إيطاليا الجنوبية. لذا يحصل البنادقة على 
سلسلة من الامتيازات في العاصمة الإمبراطورية؛ خاصة في عام 447 وفي عام 
٠‏ تسمح لهم بالوصول إلى سوق القسطنطينية مع رسوم جمركية ضئيلة. 
وفي البداية» يشتري البنادقة في القسطنطينية نفسها بالأخصء لكنهم يستقرون على 
نحو نحو مباشر بشكل متزايد باطراد في موائئ شرق البحر المتوسط ؛ وهم 
يجلبون» علاوة على الملح والأسماك؛ أخشابًا وحديذا وعبيذا. وبحسب أسطورة 
تمجيدية» من المفترض أن تجارا بنادقة في الإسكندرية قد سرقوا في الخفاء رفات 
القديس مرقس الرسول في عام 878؛ مخفينه في برميل للحم الخنزير لإحباط يقظة 
رجال الجمارك المسلمين. إلا أنه اعتبارا من القرن الثاني عشر بالأخصء نراهم 
وقد استقروا بصورة مقيمة في الشرق: في صور بعد فتح المديئة من جانب 
الصليبيين في عام ١١754‏ وفي الإسكندرية. ثم إن البندقية تصبح شريكا مميزا 
لأيوبيي مصر. وكان هدف الحملة الصليبية الرابعة في عام 54١17١؛‏ التي مؤّلها 
البنادقة إلى حد بعيدء هو الانخراط في فتح مصر ؛ إلا أنه جرى تحويلها وقادت 
إلى سلب ونهب القسطنطينية7”). وقد استمدت حاضرة الدوجات ربخا ملحوظا من 

8 


هذا الفتح ؛ فهي قد لعبت دور! مهما في حكم الإمبراطورية اللاتينية الشرقية 
وأنشأت مستوطنات ووكالات تجارية في بحر إيجه وفي البحر الأسود. وهي لم 
تنس مع ذلك مصر: فبين عامي ١7١6‏ و1717١؛‏ جرى عقد سلسلة مسن ست 
معاهدات سلام وتجارة بين البندقية والأيوبيين: وتتحدث المعاهدة الأولى عن وفد 
من كبار الوجهاء البنادقة الذين جاءوا إلى مصر للتفاوض على الاتفاق ؛ وسعيًا 
إلى إبراز التحالف الجديدء أطلق السلطان العادل سراح الأسرى البنادقة وأرسل 
البلسم إلى دوج البندقية. ومح البنادقة حق مزاولة التجارة في كل مكان في مصرء 
ونقل النبيذ» والاحتفاظ في الإسكندرية بفندق (وهو نوع من استراحة مسافرين 
ومستودع: كما سنرى) ؛ وتعهد الطرفان بأن لا يهاجم أيهما أراضي أو سفن 
شريكه"). 

وخلافا للتقدم البطئ الذي تحرزه البندقية وأمالفي» يبدو أن بيزا وجنوة 
تخرجان من العدم في القرن الحادي عشر لكي تصبحاء في غضون جيل»؛ سيدتين 
للحوض الغربي للبحر المتوسط. وقد رأينا أن الساحل الإيطالي غالبا ما كان» مسن 
القرن الثامن إلى القرن العاشرء ضحية لغارات الإفريقيين [التونسيين] ؛ وتتعارض 
جنوة للسب والنهب من جانب حملة فاطمية في عام 97*). وفي القرن الحادي 
عشرء نجد أن اختفاء خلافة قرطبة» القوة البحرية الوحيدة في غربي البحر 
المتوسط؛ يُخَلفْ فراغا سرعان ما يسده القراصنة والمغامرون. وتصبح الحرب 
البحرية والقرصنة هي القاعدة» وبعض الجزرء ككورسيكا وسردينيا وجزر الباليار 
أو أيضا جربه؛ هي ملاذات القراصنة المسلمين. وينخرط البيزاويون والجنويون 
بدورهم في القرصنة» حيث يشئون غارات على الجزر وعلى موائئ الساحل 
الأفريقي» وضحايا هذه الغارات بالتعاقب هي: سرردينيا في عامي -5٠١١6‏ 
075, بون في عام .٠١74‏ باليرمو في عام .٠١54‏ المهدية في عام 2٠١807‏ 
تورتوزا (في إسبانيا) في عام 2٠١97‏ جزر الباليار في أعوام 11١١5‏ --1116. 

ويتنازع البيزاويون والجنويون على السيادة على كورسيكا وسردينيا ويعقدون 
اتفاقات صلح وتبادل مع المدن الإسلامية التي سبق لهم سلبها ونهبها. وبحسب أبو 
شامه؛ الإخباري من القرن الثائن» فإن هؤلاء القراصنة والنهابين الشرسين 
يصبحون تجار ويبيعون الآن للمسلمين الأسلحة التي كانوا يهددونهم بهافي 

١0١ 


السابق. وسعيًا إلى تفادي خطر الغارات وإلى اجتذاب التجارة؛ يمنح الأمراء 
المسلمون امتيازات للمدينتين» مجيدين غالبا اللعب على التنافس القائم بينهما. وهكذا 
جرى توقيع معاهدات صلح عديدة؛ في القرنين الثاني عشر والثالث عشرء بين 
المدن الإيطالية والأمراء المسلمين؛ يتعهد فيها الطرفان بعدم الانخراط في أعمال 
نهب أو قرصنة وفي الوقت نفسه يحصل تجار المدينة الإيطالية على حق الوصول 
إلى سوق أرض الأمير المسلم برسوم جمركية تفضيلية"). ْ 

وغاليًا ما تسهم بيزا وجنوة في فتوحات الأمراء المسيحيين في إسبانيا وفي 
صقلية وفي دول الصليبيين» إذ تقدمان مساعدتهما في مقابل الأسلاب وفي مقابل 
امتيازات ضريبية في المدن المفتوحة. وفي القرن الثاني عشرء تتنافس المدينتان 
على السيطرة على الحوض الغربيء؛ من دون أن ينازعهما في ذلك منازع آخر: 
فالمرابطون لا يطوّرون أسطولا مهما. ومن المؤكد أن الموحدين يتوصلون إلى 
تكوين سلاح بحري يشارك في فتوحاتهم ويسيطرء خلال ببضع سنوات؛ على 
مضيق جبل طارق ؛ وتظهر أهمية هذا الأسطول بوضوح عندما يطلب صلاح 
الدين عونا بحريًا من الخليفة المنصور لإغاثة عكاء المحاصرة من جانب فيليب 
أوجوست وريتشارد قلب الأسد. لكن هؤلاء الموحدين أنفسهم يقدمون امتيازات 
ضريبة مهمة للبيزاويين؛ معترفين بالهيمنة التجارية للمدن البحرية الإيطالية. 

وفي القرن الثالث عشرء نجد أن الموانئ الكاتالونية؛ مدعومة من ملوك 
آراجون» تصبح قوى فاعلة مهمة» اقتصاديًا وعسكريّاء في البحر المتوسط. وإذا 
كان.كونتات برشلونة وملوك آراجون يواصلونء في القرن الشاني عشرء طلب 
العون من الأساطيل البيزاوية أو الجنوية لمساعدتهم؛ مثلاء في الاضطلاع بعمليات 
بحرية ضد الأمراء المسلمين الذين يحكمون الباليار أو الأندلس» فإن الكاتالونيين 
يصبحونء اعتبارً! من القرن الثالث عشرء قوة بحرية حقيقية. فانطلاقا من 
برشلونة؛ ينخرط جاك الأول في فتح الباليار )١11756-1779(‏ ؛ ويلعب 
الأسطول الكاتالوني بالمثل دور! مهما في فتح بالنسيا [بلنسية] (4؟١).‏ واعتبارًا 
من منتصف القرن» نجد تجار الموانئ الكبرى الثلاثة» برشلونة ومايوركا [ميورقة] 
وبالنسياء في كل أنحاء عالم البحر المتوسط تقريبًا: وهم يحصلون على امتيازات 
في مدينة تونس وبوجي والإسكندرية وأماكن أخرى. وبفضل التحالف المستند إلى 


1١١١ 


المصاهرة مع آل هوهنشتاوفن واستغلال ذكيّ لمذبحة [الفرنسيين] في صقلية في 
عام ١787‏ يضع بيت أراجون يده على صقلية» ثم يضيف فتح كورسيكا وفتح 
سردينيا في القرن الرابع عشرء وأخيرا مملكة نابولي في القرن الخامس عشر. 
وهكذا تصبح أراجون القوة الكبرى التي لا نظير لها في غربي البحر المتوسط 
والتي تقترن في أواخر القرن الخامس عشر بكاستيل؛ القوة البحرية الصاعدة في 
الأطلسي9). 


كانت المنافسة فظة بين هذه المدن التجارية ؛ فقد اتخذت شكل أعمال قرصنة 
وأعمال عنف ضد ممتلكات أو أشخاص المدينة المنافسة» واتخذت» أحياناء» شكل 
حرب مفتوحة: وهكذا نشبت أربع حروب بين جنوة والبندقية بين عامي ١785‏ 
و١158.‏ وقد عرف أمراء مسلمون كثيرون كيف يستفيدون من المنافسة فيما بين 
هذه المدن عارضين على الحليف المحتمل وصولاً مميُرا إلى أسواقهم. وقفي 
القرنين الثالث عشر والرابع عشرء إذا كان يستمر التردد على مصر المملوكية: 
فإن المنافسة فيما بين الجنويين والبنادقة والكاتالونيين تحتدم بشكل متزايد باطراد 
في بحر إيجه وفي البحر الأسود. وفي القرم؛ منفذ طريق الحرير الذي يجتاز 
الأراضي المغولية» ينشئ الجنويون وكالة تجارية في كافا بينما ينشئ البنادقة وكالة 
تجارية في تانا. ومن هذين المرفأين» يجري بالتأكيد استيراد الحرير إلى أوروباء 
وإن كان يجري أيضنا استيراد العبيد المأخوذين إلى أوروبا وإلى مصر المملوكية. 
ومن كافا تحديذاء ينقل الجنويون الطاعون الأسود الذي يجتاح أوروبا والعالم 
العربي في عامي 1747 -1748. ويؤدي الطاعون إلى تسريع انحدار 
ديموغرافي واقتصادي كان قد بدأ في أوروبا منذ مستهل القرن الخامس عشر. 
وهذا الاتجاه؛ المجتمع مع نهوض العثمانيين» سوف يؤذي التجارة الأوروبية في 
الشرق ؛ وقد تميز القرنان الخامس عشر والسادس عشر بسلسلة من الانتكاسات 
تفقد المدن الأوروبية بمناسبتها واحدة بعد الأخرى وكالاتها التجارية ومستوطناتها 
في البحر الأسود وفي بحر إيجه. والحال أن البحر المتوسط: الذي كان بحيرة 
إسلامية في القرن التاسع؛ ثم أصبح بشكل متزايد باطراد بحرا إيطاليًا اعتبارا من 
القرن الثاني عشرء إنما يصبح بشكل متزايد باطراد بحرا (هو البحر الذي وص فه 
برودل) تحت سيطرة قوتين عَظميين: العثمانيين في الشرق والإسبان في الغرب. 


١1 


أنماط التبادلات: 
العقود. التقانات» المؤسسات المرفأية 

على امتداد العصر الوسيط» تتبدل وتتباين أنماط التبادلات والعقود والتقائمات 
والمؤسسات. على أن هناك تماسكا في هذا التطور البطئ ؛ فبوجه ل أن 
التجار الإيطاليين يستخدمون من القرن الثاني عشر إلى القرن الخامس عشر 
الإجراءات والمؤسسات نفسها التي يستخدمها أمثالهم ومن سبقوهم من اليهود 
والمسلمين؛ وقد اعتمدت اللغات الأوروبية في حوض البحر المتوسط عدة 
مصطلحات عربية تشير إلى هذه الممارسات وهذه المؤسسات. 

والحال أن تجهيز سفينة وتحميلها بالسلع وجعلها تبحر في البحر المتوسط قد 
انطوى على تكاليف ومخاطر ملحوظة. فعلاوة على العواصف والغرق؛ هناك 
مخاطر الحرب والقرصنة. ثم إن الحدود بين الحرب والقرصنة وبين القرصنة 
والتجارة؛ كانت غاليًا حدوذا جد غائمة. وقد أتيحت لنا الفرصة بالفعل للتحدث عن 
تواتر الغارات البرية أو القرصنات البحرية؛ بهدف الانتقام من الإهانات وجني 
الأسلاب. ومن المؤكد أنه قد جرى تنظيم حملات بأمر ملك في إطار حرب معلنة؛ 
لكن الأمر كان يتعلق في الأغلب بعمليات تحقيق للثراء ليست المواجهة الدينية أو 
السياسية فيها سوى ذريعة. ومن بين الأمثلة العديدة» لنأخذ مثال جبّارة: أمير برقة 
(في ليبيا الحالية) في القرن الحادي عشر. فبوصفه نصير! لفاطميي القاهرة في 
الزمن الذي كانت فيه إفريقية [تونس] قد تخلصت من الخلافة الشيعية؛ يخوض 
الجهاد في آن واحد ضد البيزنطيين وسئنة الغرب. وهكذا يهاجم السفن التي تقوم 
بالتجارة بين إفريقية ومصر والتي تمر قبالة برقة. وللأمير وكلاء في الإسكندرية 
وفي القاهرة يمكن للتجار الذين جرى ؛ الاستيلاء على سلعهم أو ل أن 
يدفعوا لهم فدية. ويقدم جيّارة مثالا للتتويع الاتتصادي ؛ فهو يبيع في مصر العبيد 
المأخوذين من تفتيش السفن البيزنطية ويحصل على مقابل مرتفع ل «الحماية» 
التي يوفرها لاد يرجون المرور قبالة برقة من دون أن يتعرضوا للهجوم. كما أنه 
يقدم مثالا للمرونة أيضنا: ففي عام 2,٠٠١861١‏ يصبح جبّارة تابغا للسني الإفريقي 
[التونسي] معز بن باديس ويقود من الساعة فصاعذا غاراته ضد مصر 
الفاطمية”'). وفي كل لحظة في البحر المتوسط» هناك دزينات من أمثال جثارة 


١1 


(من المؤكد أن أغلبيتهم كانت قدرتها على الإزعاج أقل): إن مغامرين صغاراء 
متذرعين بالدفاع عن الدين الحق (المسيحية اليونانية أو اللاتينية» الإسلام السني أو 
الشيعي) أو عن أمير شرعيء إنما يهاجمون السفن المارة. ولإحباط عزيمتهم» يتم 
التجمع في قوافل. وتلك هي الحال في الإسكندرية في القرن الحادي عشرء خاصة 
في وقت الحرب: فالسفن المتجهة إلى المغرب تغادر الميناء معاء ترافقها سفينة 
مسلّحة تتبع الخليفةل". وتلك هي الحال أيضنا بالنسبة للمدن الإيطالية» خاصة 
بالنسبة للبندقية التي تنظّم سلسلة من القوافل (المسماة بال 0 السنوية 
لوجهات مختلفة. 

والحال أن سلسلة بأكملها من التعاقدات والتشاركات تنشأ في العصر الوسيط 
لتقاسم التكاليف والمخاطر والأربا-7. وأبسطهاء الشركة أو الخلطة بالعربية؛ 
تتألف من شراكة يستثمر فيها كل واحد جزغ! من أمواله ويستمد منها نسبة منوية 
تتناسب مع المكاسب أو الخسائر. ويتمثل نمط آخر للتعاقد في القراض [الإقراض] 
بين ممول» يقدم رأس المال» و«ساع»» ينقل ويبيع السلع ؛ وهذا النوع من التعاقد 
يعتمده التجار الإيطاليون في القرن الحادي عشر - يسمونه 00111771600 -» يتم 
في الأغلب توزيع أرباحه بالشكل التالي: 961 للممولء 9676 للساعي. وهناك 
نوع آخر أيضنا: ال 5016/46: وفيه يقدم الساعي جزْءًا من رأس المالء تلشه 
غالباء ويقدم الممول الثلثين الباقيين. وهما يتقاسمان الأرباح. وقد يكون الممول 
جمعية أشخاص: فنحن نجد نساءً ورجالاً جنويين: مثلأء يستثمرون أحيانا مبالغ 
ضئيلة في المشروعات البحرية. 

ولتسهيل الدفع» يطور تجار عالم البحر المتوسط أدوات مصرفية. ويجري 
السعي إلى الالتفاف على مشكلتين: نقل التقود وتحريم الشرائع الإسلامية والمسيحية 
للربا - وهو تحريم يفش غالاء على أنه تحريم أي قرض بفائدة. وغالبٍا ما 
يستخدم التجار الإيطاليون خطاب تبادل: فعلى سبيل المثال» يقوم تاجر أو مصرفي 
بتسليم التقود إلى متعهد بالعملة المحلية في بيزا ؛ وهذا الأخير يتعهد برد المبلغ 
لوكلاء المصرفي في مكان آخرء وليكن الإسكندرية مثلأء بالعملة المحلية؛» في 
موعد لاحق. وهذا يكفل للتاجر رأس مال لشراء السلع التي سينقلها وتفادي 
مشكلات نقل وتغيير العملات. وهذه العملية تشكل قرضنا بفائدة مستترة» لأن سعر 


111 


التغيير يحدّذ دائمًا بشكل يعود بربح على المقرض. وفي البلدان الإسلامية» يجري 
استخدام الصك؛ وهي كلمة جرت فرنستها لتصبح الشيكء والذي يسمح بدفع على 
حساب('2, 1 ْ 

والسفن التي تجوب البحر المتوسط في العصر الوسيط جد متنوعة ؛ ويجد 
هذا التنوع انعكاسا له في معجم ثري من المصطلحات العربية واللاتينية والإيطالية 
والكاتالونية. فالمراكب تبدأ من الزورق الصغير الذي يتسع لشخص أو شخصين 
وصولاً إلى السفن الشراعية الكبيرة التي يتألف طاقمها من ٠٠١‏ أو 7٠٠‏ بحار. 
والسفن الغربية تبنى في معظمها وفق نموذج السفن البيزنطية والإسلامية: شراع 
لاتيني [مثلث الزوايا] يحدد توجهه لأجل الاستفادة من اتجاه الريح» ودفة جائبية 
مزدوجة (وهذا حتى النصف الثاني من القرن الثالث عشرء حيث تظهر سفن 
المحيط الأطلسيء ذات الدفة البسيطة في مؤخرة السفينة وخليط من الأشضرعة 
المثلثة والمربّعة). وعلى أثر فتوحات القرنين الحادي عشر والثاني عشرء نجد أن 
البلدان الإسلامية المطلة على البحر المتوسط بها القليل من الغابات التي قد يمكنها 
أن توفرء بكمية معقولة» الخشب الضروري للترسانات البحرية. وبالمقابل» كانت 
سردينيا وكورسيكا تدبران الخشب اللازم للترسانات الجئوية؛ إلى جانب رجال 
لبناء السفن وتشغيلها ؛ وقد استفادت برشلونة من الغابات الكاتالونية. ويسهم هذا 
الوضع في السيطرة المتزايدة للقوى البحرية اللاتينية؛ لاسيما أن بيع السفن 
للمسلمين محظور بالكثير من قرارات المجامع الكنسية في القرنين الثاني عشر 
والثالث عشرء ما لا يمنع الجنويين - وآخرين- من ممارسته. 

وللإبحارء يستخدم القباطنة العرب الأسطرلاب الذي يسمح لهم بقياس خط 
العرض ؛ ومنذ أواخر القرن العاشرء يتسنى لهم تحديد اتجاههم بمساعدة إبسرة 
ممغنطة؛ هي سلف البوصلة (التي تظهرء فيما يتعلق بهاء خلال النصف الثاني 
القرن الثالث عشر). والأرجح أن لديهم أيضنًا خرائط بحرية؛ تشكل أسلافا للخرائط 
البحرية التي تحدّد الموانئ والتي استخدمها البحارة الإيطاليون في القرن الرابع 
عشر. وتتحول السفينة التجارية بسهولة إلى سفينة حربية: فبمجرد مصادفة سفينة 
معادية» يمكن للقبطانء بالاتفاق مع الطاقم والتجار غالباء أن يقرر الانتقال إلى 
الهجوم على أمل الاستيلاء على السفينة المنافسة وعلى سلعها وأسر طاقمها. وإذا 


116 


نجح؛ فإنه يتقاسم الأسلاب مع التجار والطاقم. وتعبر رسائل عديدة مسن مسافرين 
عن خوفهم من التورط في أعمال كهذه. وهذا هو السبب في أن الركاب غالبا ما 
كانوا موزعين بين الرغبة في الإبحار على مرأى من الشاطئ (حتى يتسسنى لهم 
الاستدلال على المسار على نحو أفضل وحتى يتسنى لهم الوصول إلى البر في 
حالة وقوع مشكلة) والرغبة في الابتعاد عن الشاطئ؛ حتى لا يعود بالإمكان 
رصدهم من جانب قراصنة محتملين ؛ وتتحدث رسائل تجار مصريين وتونسيين 
عن شعور الارتياح الذي يخامر الجميع عندما لا يعود بالإمكان رؤية الشاطئ7"”. 

وعلاوة على التجار والطاقم؛ الذي قد يشتمل أيضا على جنود ومجذفين» 
كانت السفن تنقل غالبًا ركابًا: صليبيين ومرتزقة ومهاجرين وحجاجا متجهين إلى 
القدس أو إلى مكة. ولدينا قوائم وتعاقدات. سفرء لكن وصف الحياة على متن السفن 
ضئيل. ويسافر ابن جبير على متن سفينة جنوية: ويهبط في موانئ مسيحية 
ويصف احتفالات عيد جميع القديسين» حين تضاء السفينة بشموع المسيحيين الذين 
ينصتون إلى مواعظ قسسهم(""). على أنه يعطي الانطباع بأن التواصلات على متن 
السفينة محدودة بوجه عام. فكل واحد يمكث مع ذويه ويتحدث بلغته ويأكل الطعام 
الذي جاء به ويتضرع إلى الله بحسب ديانته عند هبوب عاصفة. . 

وعندما يهبط مسافر في ميناء» فإن من المتعارف عليه أن من واجبه تقديم 
نفسه إلى موظفي ديوان الميناء (والكلمة العربية هي التي أعطتنا الكلمة الفرنسية 
46 االجمرك)]) الذي يجب أن يدفع له رسوما (تسمى بالعشر) عن قيمة السلع 
التي يحملها معه: وبحسب القانون الإسلامي» فإن الحاج المتجه إلى مكة كان معفيا 
من أدائها ؛ وكان على كل مسلم آخر أن يدفع 967,5 وكان على الذمي أن يدفع 
وكان على الحربي (ساكن دار الحرب غير المسلم) أن يدفع .96٠١‏ والواقع 
أن هذه الجبايات كانت تتباين كثيرا. ففي مصر الفاطمية والأيوبية» يبدو أن التجار 
اليهود لم يكونوا يدفعون أكثر مما كان المسلمون يدفعونه ؛ وكل ما كانوا مل زمين 
به هو أن يكونوا حاملين لشهادة دفع الجزية لا أكثر. وقد حاول صلاح الدين بالفعل 
فرض نسبة أعلى على التجار غير المسلمين؛ لكنه عَدل عن ذلنك فيما بعد"”. 
وَيْصدَمْ ابن جبير» لدى وصوله إلى الإسكندرية» من إلزام الحجاج بدفع العُشرء إلى 
جانب ضرائب لا ينص عليها القرآن. وهو يعيبر عن أسفه حيال الإذلال الذي 


1١1 


يتعرض له المسافرون من جانب موظفي الجمارك7”". وتتفاوض المدن الإيطالية 
على مبلغ عشرها: ففي عام »1١١5١‏ يمنح الموحدون الجنويين نسبة قدرها 908 (ما 
يعود عليهم بميزة في مواجهة البيزاويين الذين يجب عليهم دوما دفع نسبة قدرها 
؛ وفي أماكن أخرىء كان التجار المسيحيون يدفعون نسبة أعلى؛ تصل 
أحيانا إلى 9075 أو .907١‏ وتعتمد الموانئئ الإيطالية قوانين مماثلة: فبوجه عام؛ 
استفاد التاجر المحلي من نسبة مميّزة» بينما كان التاجر من مدينة أجنبية يدفع نسبة 
أعلى تبعًا لجنسيته. وفي الموانئ وعلى الطرق وعلى ضفاف الأنهار والممسرات 
المائية» غالبا ما سعت السلطات المحلية إلى الاستفادة من مرور التجار لتحصيل 
هذا إلى نزاعات ومفاوضات بين السلطات المحلية والسلطات المركزية والتجار. 

وبمجرد مغادرة الجمرك؛ يستقر التاجر في فندق (يسمى أحيانا بالخان)؛ وهو 
نوع من استراحة للتجار والمسافرين7". وكانت هذه المؤسسات عديدة: فإذا صدقنا 
جغرافيي القرن الثالث عشرء كان منها 1٠٠١‏ في مديئة قرطبة (قد تنطبيق هذه 
الأرقام بالأحرى على حقبة الخلافة) ؛ ولابد أن غالبيتها كانت منشآت متواضعة. 
وغالبًا ما جرى منح المدن الإيطالية فنادق في المدن المرنأية في البلدان الإسلامية 
أو الشرق اللاتيني: وأحيانا ما تشكل هذه المراكز مجتمعات صغيرة شبه مستقلة 
ذاتيًا وتحميها أسوارء ويرأسها غالبا قنصل يتمتع بسلطات إدارية وقضائية. وههي 
تحوز آبار ماء ومستودعات وأثرانا وحمامات وحانات وكنائس صغيرة ؛ وكانتث 
هذه المراكز جد ناشطة في الصيفء إلا أنه لا يبقى فيها في الشتاء غير جماعة 
سكانية صغيرة من المغتربين. وتقدم المدن الإيطالية بدورها فنادق للتجار الأجانب» 
كال معده160 معمك::5/ (فندق الألمان) في البندقية. 3 

وتسعى السلطات المحلية إلى السيطرة على بيع المنتجات المستوردة لتستمد 
ربخا من ذلك وتحتفظ أحيانا باحتكار لتجارة بعض المنتجات. وفي الإسكندرية؛ 
فإن سلطات الميناء هي التي تنظم بيعا بالمزاد العلني في الميناء نفسه ؛ ونحن 
نلتقي تجار! إيطاليين في داخل مصرء كالأمالفيين في القرن العاشر والبيزاويين في 
القرن الثاني عشرء لكن هذا يظل استثناء. وفي إسبانياء بالمقابل: يتغلغل التجار 
الأجانب في الأسواق الحضرية: والحال أن مواثيق [1©:05/] تصدر لصالح المسدن 


١١ا/‎ 


المسيحية إنما تضمن وتنظم دخول التجار المسلمين؛ بينما في الغرب المسلم؛ تفعل 
معاهدات الحسبة (التنظيم الحضري) الشيء نفسه بالنسبة للتجار المسيحيين في 
المدن الإسلامية. وفي الحالتين» فإن التاجرء لكي يدخل المدينة أو لكي يبيع في 
السوق؛ يدفع رسوما قد تتباين تباينا كثيرا. ْ 

وعلى الرغم من الإتاوات والعواصف والقراصنة والسرقات والنصابين؛ 
كانت التجارة مربحة بشكل مرتفع. ففي منتصف القرن الحادي عشرء كان الفلفل 
أغلى مرتين في مدينة تونس مما في القاهرة: ومن اشتراه في مصر لكي يعيد بيعه 
في المغرب أمكنهٌ الأمل؛ إن سار كل شيء على ما يرام؛ في الحصول على ربح 
نسبته .)'0908٠‏ ولكي نرى كيف تعمل هذه التجارة؛ دعونا نتابعء مع المسؤرخ 
شلومو جويتين» حزمة «أرجوان» (ثياب مصبوغة بالأحمر)؛ وزنها 514 رطلاء 
تنتقل من القاهرة إلى صفاقس (تونس) عبر رشيد والإسكندرية؛ نحو عام .١٠١٠١‏ 
إن الحزمة التي تتكلف 55 دينارً! في القاهرة سوف تباع ب 14 دينارا في 
صفاقس. ويدفع التاجر " دينارات كرسوم جمركية في مصرء ودينارًا واحذا للنقل 
من القاهرة إلى الإسكندرية و5 دنانير للنقل في سفينة إلى صفاقس. ما يسمح له 
بأن يستمد من هذه التجارة ربخا قدره 7١‏ دينازاء أي نحو ثلث ما استتثمردة”. 
ومن المؤكد أن من الوارد أيضنا الخسارة؛ لاسيما أن «الأسعار بيد الله»» بحسب 
قول عربي مأثور ينسب إلى محمد ونجده غالبا مكتوبًا في رسائل تجار مصريين» 
يهود أو مسلمين 77 


أثر التبادلات 
على الاقتصادات والذهنيات 
تؤدي التبادلات إلى تعديل أنماط حياة سكان أوروبا والبلدان الإسلامية. وهي 
تؤثر على العادات الغذائية وعادات اللبس: وهكذا تكتشف أوروبا البرتقال والموز 
والأرز والسكر والفلفل والعديد من التوابل: وكذلك الحرير والحناء. وتأخذ البلدان 
الإسلامية من أوروبا منتجات خام بالأخص (الحديد» الخشب).» لكنها تأخذ أيضا 
ثيابا من الصوف. ومن المؤكد أنه قد لا يتعين المبالغة في تقدير حجم مشل هذه 
التبادلات: ففي العصر الوسيطء نجد أن جزءًا صغير! تمامًا من السكان الأوروبيين 


١١م7‎ 


هو وحده الذي كان يمكنه أكل السكر أو تناول أصناف طعام متبْلة ولبس الحرير. 
لكن هذا التحول المحدود للعادات الغذائية وعادات اللبس في النالم اللاتيني 
والعربي لن يكون من شأنه سوى الترسخ في القرون التالية. وغالبا ما كانت سلع 
العالم «الإسلامي» هذه تنتجها أقليات مسلمة أو يهودية في إسبانيا أو في صقلية. 
وكان الملوك المسيحيون يشجعون الحفاظ على المزارعين المسلمين المتخصصين 
في زراعة البساتين الكثيفة وإنتاج الحرير. والحال أن الفتح والتجارة تمثلان؛ 
بالنسبة للتجار وملوكهم» وسيلتين للاستيلاء على الثروات المنشودة. 

كيف نميز بين تجارة السلع واحتياز الأفكار والتقانات وأنماط التفكير التي 
ترافقها؟ إن الوسطاء أشخاصء عبيد أو مهاجرون» ذميون أو موديخاريون» يقدمون 
خدماتهم ومعارفهم؛ سواء كان ذلك في الملاحة البحرية أو التعدين أو العمارة. 
ويقدم الطب مثالا جيدا: فنشر وترجمة بحوث الصيدلة يحتمان تجارة المنتجات 
الصيدلانية ؛ ومن دون المكونات» ليس من شأن الوصفات الدوائية أن تساعد على 
أي شيء» والعكس صحيح. ولكن دعونا ننظر بشكل تفصيلي أكثر في الأثر الذي 
كان لتجارة بعض المنتجات ذات الأهمية الأولى: العبيد والأسلحة والورق والذهب 
والفضة والمنسوجات. 

كان العبيد واحذا من أهم منتجات أوروبا التصديرية» بين القرئين السابع 
والثاني عشر” '). وقد رأينا كيف أن القراصنة - العرب واليونانيين والإيطاليين 
والكاتالونيين وغيرهم- ينكبون على غارات سلب ونهب ويشرون على حساب 
المخطوفين الذين إما أنهم إيتم إخلاء سبيلهم] لقاء فدية أو يباعون في أسواق 
النخاسة. وكانت هناك أيضنا تجارة ملحوظة في عبيد منحدرين من شمالي وشرقي 
أوروباء خطفتهم الجيوش الأوتونية أو البيزنطية أو السلافية؛ أو باعهم آباؤهم. وقد 
تحدثنا عن الدور المهم الذي لعبه الصقالبة (السلاف) في البلدان العربية؛» خاصة 
في داخل الجيوش الأموية في إسبانيا. والحال أنهم كانوا جد عديدين في أوروبا 
بحيث إنه لم يعد يقال 5,:درمى» الكلمة الكلاسيكية للإشارة إلى الخادم غير الحرء بل 
بالأحرى 65 (صقالبي/ عبد). ويعرف البابا زاكاري (١5ظ609-4)‏ أن 
البنادقة يشترون عبيذا من سوق روما لإعادة بيعهم للمسلمين ؛ وإذ ينتابه النغضب» 
يغلق السوق ويفتدي عبيذا عديدين يحررهم”'). ومما لا مراء فيه أن هذا لم يكن 
سوى عقبة موضعية ومؤقتة في طريق هذه التجارة المربحة. وتسعى القاسطنطينية 

1168 


إلى تنظيم. هذه التجارة لصالحهاء بحظرها تصدير بعض أنواع العبيد (على سبيل 
المثال» من يعملون في ورش نسج الحرير) وبالسعي إلى منع الإيطاليين من بيع 
عبيد للمسلمين (وهو حظر قام البابا هادريان الأول بإبلاغ شارلمان به في عام 
5). وتهدف هذه التدابير في آن واحد إلى تأمين إحتياطيّ من اليد العاملة 
ومحاصرة قوى المنافسين المسلمين. لكن هذه التجارة جد المربحة تحتال على 
العقبة البيزنطية وتتفاداها: فالبنادقة يشاركون فيها بشكل واسع؛ ويلتف البائعون 
على الإمبراطورية من الغرب (عبر جرمانيا وبلاد الغال) ومن الشرق (القوقاز) 
لكي يصلوا إلى الأسواق الإسلاميةا””. 

وتشير شهادات عديدة إلى انخراط تجار أوروبيين في تجارة العبيد. ففي عام 
1, يعد أهل نايولي الأمير اللومباردي سيكارد بالكف عن بيع مخطوفين 
لومبارديين للتجار العرب - وهو وعد يبدو أنه لم يُحترم أيضنال”). وفي عام 
© يأخذ مجمع ميو علمًا بتتجار مسيحيين ويهود منحدرين من مملكة فرانسيا 
. الغربية» ينقلون عبيدًا وثنيين .(سلافًا [صقالبة] من دون شك) عبر المملكة لإعادة 
بيعهم ل «أعداء الدين» (مسلمي إسبانيا). مصدر إزعاج مزدوج بالنسبة للمجمع: 
فالعبيد لا يملكون متسعًا من الوقت للاعتراف بالدين المسيحيء وقوة العدو تتزايد 
جراء ذلك ؛ ومن ثم يجري إعلان أن على التجار بيع سلعتهم البشرية في داخل 
المملكة الإفرنجية» لا تصديرها. وهذا الإجراء قلما يتم احترامه أو أنه لا يتم 
احترامه بالمرة ؛ ومما لا مراء فيه أن «أعداء الدين» كانوا يعرضون أسعارًا 
أهم9*). ولن يكون من شأن هذه التجارة سوى التزايد في القرن التاليء إذ تغذيها 
فتوحات الأباطرة الأوتونيين في الأرض السلاقية”/). ولا تظهر فردان بوص فها 
مجرد وصلة مهمة في هذه التجارة» وإنما هي تتخصص أيضنا في إخصاء العبيدء 
لأن الخصم ثمنه أكثر أربع مرات من ثمن غير الخصي في الأسواق البيزنطية أو 
الإسلامية» لاسيما أن القانون البيزنطي يحظر إخصاء العبيد (لكنه لا يحظر 
استيراد الخصيان) (49). ا 

ومن ثم فقبل العام ,٠٠٠١‏ يُعْدُ العبد سلعة تصديرية بالنسبة لأوروبا: فتجار 
أوروبيون يعيدون بيع العبيد في أسواق الأندلس أو أفريقيا الشمالية. وتشهد 
محفوظات الجنيزا بالقاهرة على شراء عبيد أوروبيين”). وفي القرن الحادي 

1 


عشرء يبدأ هذا في التغير. فأولاء كما رأيناء تؤدي فتوحات الأمراء المسيحيين» من 
البرتغال إلى الأرض المقدسة مرور! بصقلية» إلى وضع عدد كبير من الأسرى 
المسلمين في أيدي مسيحيين أوروبيين يمكنهم إطلاق سراحهم مقابل فدية أو إعادة 
بيعهم. واعتبارًا من القرن الحادي عشر وخاصة في الفرن الثاني عشرء تشير 
المواثيق [6705/:/] الإيبيرية إلى ضرائب خاصة على نقل أو بيع ال ومرم: 
[المار] (العبيد المسلمين) 7“). ومنذ القرن الثاني عشرء يبيع الكاتالونيون في 
كاتالونيا وفي جنوة مخطوفين اختطفوهم في غارات سلب ونهب أو اشستروهم. 
وأسواق العبيد» في العراء أو في قاعات» موجودة في طرفي البحر المتوسط: 
فيجري بيع العبيد في مزادات علنية في ريالتو في البندقية» وفي أسواق المدن 
الأندلسية وفي الشرق. 1 

واعتبارًا من القرن الثالث عشرء يتنافس الجنويون والبنادقة في هذه التجارة؛ 
والتي يُعَدُ البحر الأسود أهم مصادرها. فيجري خطف أو شراء عبيد وثنيين أو 
مسيحيين. ويْصدرْ الجنويون العبيد الذكور إلى مصر المملوكية (حيث سيلتحقون 
بالجيش) والصبايا إلى إيطالياء حيث سيخدمن كخادمات”7 '). وتجارة العبيد؛ بالنسبة 
للتجار الإيطاليين أو الكاتالونيين الذين يشاركون فيهاء هي نشاط ضمن نشاطات 
أخرى: فالمخطوفون أو العبيد (نادرًا ما يزيدون عن عشرين أو أربعين في الرحلة 
الواحدة) يرحلون في سفن محملة بسلع استيرادية متنوعة. ومن المفترض أن نحو 
٠١٠٠‏ عبد كانوا يباعون في البندقية في كل عام في القرن الخامس عشرا:". 
وكان يتعين أحيانا الالتفات إلى ديانة العبد وديانة المشتري: ففي الأرض المسيحية» 
كان من المحظور بيع مسيحي لكافرء كما في دار الإسلام تمامًاء حيث لم يكن 
بالإمكان بيع مسلم لذمي. وهو ما يقود أحيانا إلى ممارسات غريبة: ففي القرن 
الثالث عشرء يبيع بعض التجار الأوروبيين في .مدينة تونس عبيذا مسيحيين 
لمسلمين ؛ وفيها يبيع تجار آخرون مسلمين على أنهم مسيحيون. وهذه الممارسات» 
والتي جرى إبلاغ البابا بها من جانب الفرنسيسكان والدومينيكان المقيمين في مدينة 
تونس» تستثير إدانة قوية لا يترتب عليها بالضرورة أي أثر على هذه التجارةء كما 
هو واض-(”. 

ولئن كانت الحرب خطر! كليْ الحضور في البحر المتوسط في العصر 
الوسيط» فإنها تتيح أيضنا فرصنا تجارية مهمة. فبيع الأسلحة والعتاد الحربي ومواد 

١7١ 


الإعاشة للجيوش جد مربح في العصر الوسيطء مثلما هو كذلك اليوم. وفي سياق 
حرب مقدسة:؛ يجري السعي أحيانا إلى حظر التجارة مع العدو «الكافر» ؛ لكان 
قرارات الحظر هذه إنما تشهد على انتشار هذه التبادلات7””). ويروي الإخباري 
المقريزي؛ مثل» كيف أن وزيرا مملوكيًا قد أدين لبيعه أسلحة للإفرنج. وقد سعى 
ملوك أورشليم المسيحيون والباباوات إلى منع التجار الأوروبيين مسن بيع سلع 
استراتيجية (الأسلحة» الخشبء الحديد) لأعداء الصليبيين. وفي عام 2١١54‏ في 
معاهدة معقودة مع البيزاويين» يحتفظ الفاطميون بالحق في شراء كل الحديد أو 
القطران أو الخشب الذي ينقله البيزاويون إلى مصر ؛ وبعد ذلك بعامين» نجد أن 
الملك بودوان الثالث؛ عند منحه امتيازات اقتصادية للبيزاويين» يحظر عليهم نقل 
الحديد أو الخشب إلى مصر. ومما لا مراء فيه أن هذه التحريمات قلّما كانت محل 
مراعاة. وفي عام 2١١79‏ يندد مجمع لاتران الثالث بالمسيحيين الذين يبيعون 
الأسلحة أو الحديد أو الخشب للسراسنة أو الذين يخدمون كقباطنة على سفنهم ؛ 
وهؤلاء الأشخاص يجري إخراجهم من المة ومصادرة ممتلكاتهم: وبجري 
اختزالهم هم أنفسهم إلى العبودية في حالة الإمساك بهم. وهنا أيضناء فإن هذه 
العقوبات القاسية يبدو أنها ظلت حبرا على ورق. وخلال مجمع لاتران الرابع في 
عام 1715؛ عند التحضير لحملة صليبية جديدة على مصرء يُعَاذْ التأكيد على هذه 
المحظورات؛ مع إضافة الحظر على تقديم أي عون أو نصيحة إلى أعداء 
الصليبيين ؛ إلا أنه يجري الآن إدخال تمييز بين المساعدة المقدّمة للأعداء المعلنين 
(الأيوبيين)» وهي محظورة رسميّاء والتجارة مع أمراء مسلمين آخرين» والتي تظل 
مباحة. وخلال العصر الوسيط كله وبعده بوقت طويلء يندد الياياوات وسلطات 
كنسية أخرى بلا جدوى بمن يتاجرون مع العدو. 

وأحد المنتوجات التي تتغلغل في أوروبا عن طريق العالم الإسلامي وتقلب 
المجتمع الأوروبي هو الورقء المنتج في الصين منذ العصر القديم والسشائع في 
العالم الإسلامي منذ القرن الحادي عشر. وتصبح إسبانيا أحد كبار منتجيه ؛ ويتم 
استيراد الورق الأندلسي في مصر في القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وأحد 
المراكز الرئيسية للإنتاج في الغرب الإسلامي هو خاتيبا (في جنوبي بلنسية)» التي 
استولى عليها في عام ١745‏ جاك الأول ملك آراجونء الذي يستولي على فابريقة 


1 


الورق ويجعل منها احتكان! للدولة. والحال أن ورق خاتيباء الأقل تكلفة بكثير مسن 
الرق [الجلد الرقيق المصقول]»؛ إنما يصل (ببطءء والحق يقال) إلى أوروبا الشمالية 
ويشجع تقليده. وليس من قبيل الصدفة أن عهد جاك الأول موثق توثيقا جيذا بشكل 
خاص: فورق خاتيبا يسمح له بتطوير ديوانه. ومن دون الورق؛ وهو اختراع 
صينيء انتقل إلى البلدان الإسلامية» واحتازته أراجون» كيف يمكن تطوير دولة 
بيروقراطية؟(”). 

إلا أن تجارة الأقمشة الصوفية قد تكون هي التي نَبَيّنْ على أفضل نحو الأثرء 
العميق والمتبادل؛ للتجارة بين العالم اللاتيني والبلدان الإسلامية. وإليكم كيف تعمل 
هذه الصناعة نحو أواخر القرن الثالث عشر: إن الصوف يتم إنتاجه في كل مكان 
في أوروبا والمغرب تقرياء إلا أنه يتم إنتاجه بشكل متزايد باطراد في قشتالة وفي 
إنجلترا وفي سكوتلنده. ويتم نقل الصوف إلى إيطاليا أو بالأخص إلى الفلاندر حيث 
يتم شغله وصبغه (بصبغات مستوردة غاليًا من العالم الإسلامي» مع متّتء هو 
الشبّة» يأتون به في البداية من مصر أسامناء ثم من فوسيه في آسيا الصغرى): ثم 
نسجه. وبعد إنجاز إنتاج القماش» يباع بعد ذلك لتجار إيطاليين يعيدون بيعه في 
إيطاليا وفي أماكن أخرى من أوروبا وفي البلدان الإسلامية. وتغذي صناعة 
الأقمشة التجارة وبالعكس. وهي تغير عادات اللبس في البلدان الإسلامية كما تغير 
الاقتصاد في البلدان التي تنتج الصوف: ففي ذلك العصر تظهر ال )7:5 
الكاستيلية [القشتالية] (جمعية مربي الأغنام) لتنظيم ارتياد الكلأً وضمان مكاسب 
هذه التبادلات جد المربحة ؛ ويعض نبلاء انجلترا الشمالية أو سكوتلنده يحولون 
أراضيهم إلى مراع للخرفان» عائدها أعلى بالنسبة لهم من عائد العمل الزراعي 
الذي يؤديه الفلاحون. وفي العصر نفسه» تتهاوئ صناعة النسيج المصرية في 
مواجهة المنافسة الأوروبية. 

وتؤدي التجارة إلى تطور النظام النقدي للحضارتين. وفي السابق» كانت 
العملات في أوروبا من الفضة بالأخص, وكانت مخلوطة غاليًا بالنحاس. وبنفضل 
التبادلات مع المغرب؛ تصل أوروبا إلى الذهب الأفريقي في اللحظة التي يحتاج 
إليه فيها تجارها لعقد صفقاتهم المهمة: فيجري استخدام عملات ذهبية إسلامية» 
وسك عملات ممائلة في صقلية وفي إسبانياء وفي نهاية المطاف؛ يسك 


1 


الفلورنسيون والجنويون عملات ذهبية اعتبارا من عام .١767‏ والحال أن فضة 
المناجم الأوروبية» خاصة مناجم أوروبا الوسطى؛ إنما تموّل منتجات التجار 
الإيطاليين إذ يعيدون استخدامها في دفع ثمن مشترياتهم في الشرق. وتحولها مصر 
إلى عملات تغذي التجارة الصغيرة. وبما أن الذهب له قيمة أعلى نسبيًا في أوروبا 
بينما الفضة لها قيمة أعلى في المغربء فإن المغاربة يدفعون غالبا بالذهب لكي 
يشتروا المنتجات الأوروبية ويدفع الأوروييون بالفضة في الأسواق المغربية. وفي 
المغربء. كما في الشرق» يجري البدء نحو أواخر القرن الثاني عشر في سك 
عملات بالفضة الأوروبية ؛ وهي عبارة عن دراهم مُرَبّعة لا تحتوي إلا على 
نقوش إسلامية: «الش أكبر»», «محمد رسوله». وهذه الدراهم التي يسميها 
الأوروبيون بال 7:///©5 تحقق نجاحات عظيمة بحيث إنه يجري في أوروبا سك 
5 مماثلة» يتم استخدامها في التبادلات مع المغرب» وهمي تشتمل على 
النقوش الإسلامية نفسهاء ما يصدم البابا كليمون الرابع والملك الفرنسي لويس 
التاسع. 1 

وقد يكون من الصعب أن نعَدٌّدَ الآثار العديدة للتجارة على المجتمعات 
الأوروبية والمسلمة في العصر الوسيط: وقد ينظر إلى هذه الآثار على أنها آثار 
سلبية: فعندما يتسكع الآثمون اليهود السكندريون في حانات عكا ويحتسون الجعة 
مع المسيحيين» فإنهم يستثيرون الاحتقار من جانب بعض إخوتهم في الدين!'”. 
وفي إيطاليا اعتبارا من القرن الحادي عشرء ثم في بقية أوروبا اعتبارا من القرن 
الثاني عشرء نشهد نموا للمدن ساعد عليه النمو الديموغرافي ونمو التجارة. وهذه 
الأخيرة تساعدء في كل المدن المتوسطية المشاركة فيهاء على توسع النشاط 
الحرفي الموجّه إلى التصدير. ويتمثل أحد آثار التجارة في انبثاق طبقات حضرية 
من حرفيين وتجار. وفي عدد كبير من المدن الأوروبية» خاصة في إيطالياء سوف 
ينتهي التجار إلى أخذ (بل شراء) السلطةء بينما تظل السلطة؛ في البلدان الإسلامية؛ 
بأيدي النخبة السياسية - العسكرية!”). 

وفي البلدان الإسلامية» يجيد أمراء مسلمون مختلفون استخدام الامتيازات التي 
يمنحونها للتجار الأجانب؛ خاصة الأوروبيين. ولا أحد يفعل ذلك أفضل من 
الفاطميين؛ والأيوبيين الذين خلفوهم: فمصرء في القرنين الحادي عشر والثائي 


ل 


عشرء توطد موقعها بوصفها البلد الأغنى في عالم البحر المتوسط وفي العالم 
الإسلامي؛ فهي ملتقى طرق التجارة العالمية. وإذا كانت صدارة مصر هذه تتلاشى 
في العصر المملوكي ١76٠6(‏ -517١)؛‏ فإن السبب في ذلك هو أن الفتوحات 
المغولية في القرن الثالث عشر قد فتحت طريقا جديذا للتجارة البرية» هو طريق 
الحريرء الذي ينافس الطريق البحري الذي يسيطر عليه المصريون. 

واعتبارا من القرن الخامس عشرء يتنافس البرتغاليون والكاستيليون» عن 
طريق المحيط الأطلسيء للالتفاف على سيطرة منافسيهم - المماليك والإيطاليين 
والكاتالونيين- وللحصول من دون وسيط على ثمار التجارة: العبيد؛ الذهب» 
السكرء التوابل. العبيد الذين يخطفهم البرتغاليون» كما رأيناء على الساحل الأفريقي. 
الذهب الذي يحصلون عليه من الأمراء الأفارقة. السكر الذي ينتجونه ويكررونه 
في ماديرا وفي جزر الأزور في القرن الخامس عشرء كما سوف يتم عمل ذلك في 
البرازيل وفي جزر البحر الكاريبي في القرن التالي. التوابل التي سيبحث عنها 
كريستوفر كولومبوس من دون طائل في الكاريبي والتي سيشتريها فاسكو دا جاما 
عندما يصل أخير! إلى الهند في عام .١5948‏ 


١ 


الفصل الخامس 
في مدرسة العرب: تبادلات معارف 


من غير الوارد تصور التبادلات الاقتصادية بشكل منفصل عن العلاقات 
السياسية والدييلوماسية والعسكرية. واختلاط الأشخاص والسلع التي تجوب البحر 
المتوسط يترافق مع اختلاط للأفكار والتقانات والنصوصء للثقافات عموما. وقد 
رأيناء فيما يتعلق بالتقانات والمؤسسات والأدوات التي يستخدمها التجار 
والملاحون؛: سواء كانت الأدوات المصرفية أو العقود أو الفنادق أو البوصلة أو 
خرن انط المؤاتى» أن كل واد ويتكر وتعدل ككس حاجاته الخافيتة وتكيين 
ثقافته ويقوم بالتجويد عند الاقتضاء. 

ومن المفهوم تمامًا أن تبادلات الأفكار والتقانات في حوض البحر المتوسط لا 
تقتصر على الحقول التجارية والبحرية» بل تحدث في جميع المجالات: التقانات 
الزراعية والمائية والمعمارية والعسكرية ؛ معرفة الطب والصيدلة وممارس تهما ؛ 
الذائقات والمعارف الفنية والموسيقية والأدبية ؛ التمكن المعرفي في العلوم 
والفلسفة. ومن الواضح أنه قد يكون من المستحيل أن نسجل هنا بيانا وافِيْا بهذه 
النشاطات ؛ ولن يكون بوسعنا سوى أن نعرض بسرعة الخطوط العريضة وأن 
نشدّد على بعض الأمثلة. 


العلم والفلسفة اليونانيان - العربيان في أوروبا اللاتينية 
رصدنا بالفعل لدى الجغرافيين اللاتين والعرب فروقا مهمة في تكوينهم 
المعرفي وفي علمهم. وهذا التباين أكثر وضوحا في المجالات العلمية والفلسفية» 
الأكثر تطور! بكثير في العالم العربي مما في أورويا اللاتيني(). والحال أن 
الصهر الثقافي والفكري لعناصر يونانية وفارسية وعربية؛ والذي بدأ بالقعمل في 
ظل أمويي دمشق »)١9١- 548٠0(‏ إنما يتواصل في ظل العباسيين. قم إن العلم 
يفن 


«اليوناني» كان. بالفعل نتاج حضارة هجينة؛ هلينستية» ثم رومانية» متأثرة بالعلوم 
البابلية والمصرية والفارسية وسواها. وتلك هي الحالة في القرن الثاني؛ مثلأء فيما 
يخص طب جالينوس أو فلك بطليموس7). وينشئ الخليفة المأمون 4١5(‏ -859) 
بيت الحكمة لحفز ترجمة أعمال علمية فارسية وسريانية وسنسكريتية وبالأخص 
الأعمال اليونانية. وبحسب الكاتب البغدادي ابن النديم في القرن العاشرء فإن 
أرسطو نفسه هو الذي ظهر في المنام للخليفة وألهم مشروعه. ويروى ابن النديم 
أن هذا الأخير طلب وحصل من الإمبراطور البيزنطي على مخطوطات يونانية. 
ومما لا مراء فيه أن الخليفة قد تمكن من الحصول على غالبية الننصوص وعلى 
مترجمين من داخل الخلافة نفسها. وهكذا فقد ترجمء لكي لا نشير إلا إلى أشهر 
العلماء» إقليدس وأرشميدس في الهندسة» وبطليموس في الفلك؛ وجالينوس وإيُقراط 
في الطب وأفلاطون وأرسطو بالتأكيد. وعلاوة على ذلك ترجمت أيضنا مؤلقات 
الرياضيات وعلم الفلك الهندية. ومنذ القرن الثامن» يدرس كتاب عرب عديدون 
ويشرحون هذه المجموعة الثرية من النتصوصء؛ مضيفين إليها إسهاماتهم الخاصة 
في المجالات العلمية وفي الفلسفة وفي الإلهيات. 

وغالبا ما قيل إنه في العصر الذي كان الخلفاء العباسيون يجعلون فيه من 
بغداد عاصمة عالمية جديدة للعلم» كان شارلمان وخلفاؤه يتعلمون بمشقة كتابة 
أسمائهم. وفي بيزنطة» جرت مواصلة دراسة كلاسيكيات العصر القديم؛ أنا في 
أوروبا اللاتينية» في العصر الكارولينجي وحتى القرن الثاني عشر أو الثالث عشرء 
فلم يكن أحد تقريبًا يقرأ اليونائية ولم يكن متوافراء باللاتينية»؛ سوى محاورة واحدة 
من محاورات أفلاطون. ولم يكن متوافرا في ترجمة لاتينية أي نص لأرسطو ولا 
أي مؤلف لإقليدس أو لإبّقراط أو لجالينوس أو لبطليموس. ومن المؤكد أنه كانت 
هناك مؤلفات تبسيطية باللاتينية ترجع إلى أواخر العصر القديم ومستهل العصر 
الوسيط: ماكروبء بويسء إيزيدور. لكنها لم تكن سوى مخلفات بائسة للفكار 
اليوناني. وبين القرنين الثامن والحادي عشرء نجد بعض آثار لتأثير العلم العربي 
في أوروبا اللاتينية ؛ ثم» اعتبارًا من القرن الحادي عشر وخاصة القرن الثاني 
عشرء ينكب أوروبيون عديدون على تعلم العربية» خاصة في إسبانياء بهدف دراسة 
العلم والفلسفة وء عند الاقتضاءء ترجمة نصوص إلى اللاتينية. وفي القرئين الثاني 


للا 


عشر والثالث عشرء سوف يترتب على هذه الترجمات أثر عميق على الحياة 
الفكرية في أوروبا. ولننظر؛ على سبيل المثال؛ إلى مجال الطب. 

في الطب كما في الكثير من الفروع المعرفية الأخرى؛ يتأسس العلم العربي 
على قاعدة نظرية يونانية تضاف إليها عناصر فارسية وهندية مهمة. ويقدم كتاب 
عرب عديدون إلى هذه الأسس إضافاتء سواء كان ذلك في النظرية الطبية أم في 
الممارسة العلاجية أم في الأقرباذين [دستور الأدوية]. وهكذاء ففي عام 2447 
عندما يؤلف ابن النديم كتابه الفهرست؛ وهو نوع من كتالوج مدروس لمؤلفات 
مكتوبة باللغة العربية» يُعَدَدُ "؟ نصنًا طبيّاء منها ١74‏ نصنًا مترجمًا عن لغات 
أخرى (عن اليونانية أساسنا). وبالنسبة لمجمل العصر اباي ارود أنه 
كان هناك ألف نص عربي في الطب30). 

وحنين بن إسحق واحد من كبار الشخصيات في حركة استيعاب الطب 
اليوناني. والحال أن حنين» الذي ولد في أسرة مسيحية في وادي الفرات وهو ابن 
صيدليء قد نزح إلى بغداد حيث ارتبط بعمل بيت الحكمة. وقد تعلم اليونانية وقام 
بترجمات عديدة» منتجا ترجمات سريانية وعربية لنصوص في علم الفلك والفلسفة 
والرياضيات والعلوم التكهنية وفي الطب بالأخص. وفي رسالة مكتوبة في عام 
يشير إلى ١59‏ بحثا لجالينوس ألم بها وقام هو أو المتعاونون معه بترجمة 
جائب لا بأس به منها”). وبفضل هذا العملء احتاز العالم العربي التراث الطبي 
اليوناني. وقد نجح معاصر لحنين» هو علي بن ربّان الطبريء في إنجاز موسوعة 
ضخمة في المعرفة الطبية» في عام هي فردوس الحكمة:؛ والتي نرى فيها 
مزجا للتقاليد المعرفية اليونانية والفارسية والهندية(). وإذا كان الفكر اليوناني عند 
الطبريء كما عند كتاب لاحقين» يهيمن على الطب العربي ويصوغ بنيته؛ فإن 
المساهمات الشرقية تظل مهمة. وتصف موسوعة فردوس الحكمة بالتفصيل 
الممارسات الطبية الهندية» استناذا إلى نصوص سنسكريتية ترجمست في ظخلل 
خلافة هارون الرشيد (45 - )68١9‏ ؛ وفي فصولها عن الأقرباذين يسود معجمّ 
أصله فارسي. وهكذا نرى في منتصف القرن التاسع ظهور طب عربي حقيقي» 
متنوعة. 


١8 


تلك هي الأسس التي يعمل عليها الأطباء العرب في العصر الوسيط. وهم 
يكيفون أو يحسسنون الافتراضات القديمة عن أصول الأمراض والتي تستئد عموئا 
إلى نظرية توازن أو اختلال توازن العناصر الأربعة (التراب والماء والهواء 
والنار) والأخلاط الربعة (الخلط الأسودء البلغم؛ الدم؛ الخلط الأصفر) وصفات كل 
منها (ساخن/ بارد وجاف/ رطب). وعندما لا يكون كبار المفكرين اليونانيين 
منسجمين» كما عندما تتعارض نظريات جالينوس الطبية مع مفاهيم أرسطو 
الفيزيائية» يقدم الكتاب العرب محاجات للاختيار بين الاثنين أو لإجراء توليف 

وإذا كانت البنية النظرية للعصر القديم تهيمن» فإن الممارسة تواصل التطورء 
ولا يحدث تردد في تصحيح أخطاء جالينوس» كما يوضح ذلك بشكل خاص الإنتاجٌ 
الغزير ابي بكر محمد الرازي (المتوفي في عام 175 أو في عام ©*1): والذي 
يُحْدُ 7١‏ مؤلفًا من مؤلفاته ال 184 المعروفة مكرًا للطب"". فهذا الطبييب 
الفارسي» واسع العلم بالنصوص الطبية القديمة: يؤكد أنه قد تفوق على القدماء 
لأنهء بعد أن تمثل معارفهم, المكتسبة على مدار آلاف السنين» قام باكتشاقفاته 
الخاصة وأسهم في تطور العلم. وهو يقول إن الحديث الذي يجتهد يرى بالضرورة 
أبعد من القدماء. ومؤلفاته الطبية تعبر عن هذا الاعتقاد: فهو يُعَدَّدُ بعناية أعراض 
مرض ما ووصفات علاجه عند من سبقوه (من اليونانيين والسريان والفرس 
والهنود والعرب)؛ ؛ ثم يقدم أفكاره هوء وهي ثمار خبرة عيادية مهمة» من شأنها 
تأكيد أو نفي أطروحات القدماء. وعندما تبين تجربته ضعف محاجة من محاجات 
جالينوس 5 التئام جروح الشرايين» مثلأء أو بشأن علاج القرحات)؛ فإنه 
يعرض بوضوح تفنيدها. وإذا كان الرازي يقدم المثال الأروع على هذه الروح 
النقدية تجاه القدماء؛ فإنه ليس المثال الوحيد في ذلك. وقد يكون بوسعنا الاستشهاد 
بمثال عبد اللطيف البغدادي الذي يبين نحو عام 237٠١‏ على أثر ملاحظة هياكل 
عظمية» أن الوصف الذي يقدمه جالينوس لبنية الفك الأسفل وصف خاطئ ؛ وهو 
يسخر من التقدير المبالغ فيه الذي أبداه العلماءً المحدثون للطبيب اليوناني(). 

وعلى مستوى النظرية الطبية؛ فإن أحد أروع ارده [النظرية] هو كتاب 
القانون لابن سينا 30 »)٠١7-‏ الموعود بنجاح لا مثيل له: لأنه يصبح 


1 


المرجع الأكثر استخدامًا في مدارس الطب من الهند إلى أوكسفورد» وهذا على 
مدار عدة قرون7). ولا شيء يشير إلى أن [ابن سينا] قد مارس الطب بالمرة ؛ 
فخلافا للرازيء كانت معارفه كتبية بشكل حصري تقريبا. لكن مزايا القانون تتمثل 
في ترتيبه الواضح وعزمه على جعل الطب علما عقلانيًا حقيقيًا. ويسعى ابن سينا 
إلى أن يُطْبّق فيه مبادئ المنطق لكي يبين التماشيات بين المرض وأعراضه 
وعلاجاته. 

وتظل أوروبا اللاتينية؛ حتى القرن الحادي عشرء بعيدة عن هذا العلم الطمبي: 
فهي لا تعرف لا النصوص اليونانية ولا النتصوص العربية. ومن المؤكد أننا نجد 
بعض المؤشرات المتفرقة على تجارة منتجات صيدلانية. وفي تسعينيات القرن 
الثامن» في رينانيا الكارولينجية» نجد وصفات علاجية تشير بشكل واضح إلى 
الوقوف على علاجات عربية وإلى تجارة منتجات علاجية قادمة من الشرق» 
كالكافور7”'"). لكن الهوة مع العالم العربي» في النظرية الطبية كما في الممارسة»؛ 
تظل مهمة. والحال أن أسامة بن منقذء الكاتب السوري في القرن الثاني عشرء إنما 
يصف بازدراء واحتقار العلاجات الإفرنجية التي يصورها على أنها غبية 
ومشعوذة ومتغطرسة!!أ. 

وفي القرن الحادي عشر تبدأ في إيطاليا حركة ترجمات لاتينية لنصوص 
طبية عربية» ترتبط بقسطنطين الأفريقي. وسيرة هذا الرجلء المنقولة عبر أساطير 
محتملة إلى هذا الحد أو داكء لا تزال مشو ُشوشة7”". إلا أنه يبدو أنه كان منحدرًا من 
إفريقية [تونس] وأنه استقر في إيطاليا الجنوبية حيث توفي في عام .٠١47‏ ومن 
المفترض أن قسطنطين ترجم دزينة من المؤلفات الطبية من العربية إلى اللاتينية ؛ 
وكما هي الحال غالبًا في العصر الوسيطء فإننا بإزاء تكييفات [إعادات تحرير] 
بأكثر مما بإزاء ترجمات دقيقة. وهي تكشف عن جهل بمؤلفات أفضل كمؤلفات 
الرازي؛ مثلاً ؛ وقياسنا إلى ما كان متاخا في اللاتينية من قبل فإنها تمثل مع ذلك 
تقدما مهما في النظرية الطبية. وفي ساليرنو بالأخص. في القرن الحادي عشرء 
استخدمت هذه الترجمات في تدريس وممارسة الطب. 

أمّا الترجمات الأهم والأطول عمر! فسوف تتمثل في الترجمات التي أجريت 
في توليدو [طليطلة] بإشراف جيرار الكريموني بين عامي ١١52©‏ و11417. وإذا ما 
صدقنا القائمة التي أعدها زملاؤه؛ فمن المفترض أن جيرار قد ترجم ,ا عملا 


١١ 


بمساعدة زملائه من دون شك”7”"). وهذه القائمة» المدرّجة في المقدمة المكتوبة 
لترجمة لعمل من أعمال جالينوسء إنما تبين أن عمل جيدرار يتميز ليس فقط 
بكميته: وَإنماً أيضنًا بنوعيته وتنوعه. ويصف النص كيف أن جيرار» المنحدر من 
كريمون في إيطالياء يصل بسرعة إلى المعارف العلمية المتوفرة باللاتينية في 
القرن الثاني عشر. وبما أن عمل سابقيه قد أثار فضوله» فإنه يذهب إلى توليدو 
مدفوعًا «بحب المجسطي» لبطليموسء وهو النص الرئيسي في علم الفلك. وبمجرد 
وصوله إلى هناك» يعاين وفرة النصوص العلمية المتاحة بالعربية - وهي وفرة 
يقارنها بالضآلة اللاتينية. فيتعلم العربية» ثم يضطلع بترجمة أعمال اختيرت سلفا 
لتقفديم «تاج» من أجمل زهور الحكمة العربية. وتظهر جودة الأعمال التي اختيرت 
بشكل واضح: ففي الطبء مثلأء يترجم عشرة نصوص لجالينوس ونصنًا لإبقراط» 
مقدّمًا بذلك للعالم اللاتيني كل الأساس النظري للعلم القديم. وهو يضيف إلى ذلك 
عشرة مؤلفات لكتاب عرب كتبوا في الطب» »؛ خاصة ثلافة نصوص للرازي 
والقانون لابن سينا. 

على أن عدذا قليلاً فقط من النتصوص الطبية هو الذي ترجم من العربية إلى 
اللاتينية في العصر الوسيط - نحو أربعين من النصوص الألف المتاحة. ومن 
المؤكد أنه قد جرت مواصلة ترجمة نصوص طبية في القرنين الثالث عشر والرابع 
عشرء حتى وإن كانت هذه النصوص لم تنجح في منافسة جالينوس أو ابن سينا. 
والحاصل أن شارل الأول الآنجوي؛ ملك صتقلية» وقد سمع عن كتاب الحاوي؛ 
العمل الموسوعي للرازي» قد أرسل سفارة إلى أمير تونس الذي أرسل إليه نسخة 
من النص العربي أمر الملكُ بترجمتها في عام 1774. وفي القرن الرابع عشرء 
تأثرت مدرسة الطب في مونيلييه بعمل أرنو دو قيلنوف؛: وهو طبيب ممارس 
وأستاذ ومترجم لنصضوص طبية عن العربية. وهو ينتقد بقوة معاصريه لاعتمادهم 
المفرط على ابن سينا وابن رشد ؛ فالفيلسوفان كاناء في رأيه؛ أقل أهلاً للتفة في 
الطب من الأستاذين الحقيقيين» جالينوس والرازي الذي يصفه ب «جالينوس 
الثاني»7؟"). ٍ 
وقد يكون بوسعنا أن نتتبع بالشكل نفسه تاريخ العلوم المختلفة في العالم 
الناطق بالعربية وتاريخ الترجمات والتكييفات التي أدت إليها في أوروبا. وعلسى 
سبيل المثال؛ فإن مساهمة العلم العربيء عبر الترجمات التي تم معظمها في 

ضن 


القرنين الثاني عشر والثالث عشرء كانت جوهرية بالنسبة لتطور علم الفلك في 
أوروبال”'). وعلم الفلك العربي» شأنه في ذلك شأن الطب تماماء إنما يولد في بيئة 
بغداد الثرية في القرن التاسع ؟ واستناذا إلى بنية نظرية بطليموسية أساساء يجري 
تقديم معارف وأفكار أصولها فارسية وسنسكريتية ثم عربية. وفي الوقت نفسهء 
يكتفي العالم اللاتيني ببعض المؤلفات التبسيطية لعلم الفلك؛ اليوناني (ماكروب» 
مارتيانوس كابيلا)؛ قبل أن يقوم عدد معين من علماء الفلك (ييير ألفونس؛ آديلار 
دو باث؛ ريمون دو مارسي)؛ في مستهل القرن الثاني عشرء بتشجيع دراسة علم 
الفلك العربي وتدشين حركة ترجمة؛ تتسع في منتصف القرن1". 

وبفضل عمل جيرار ومترجمين آخرين؛ يصل الفكر اليوناني- العربي في 
القرن الثالث عشر إلى المراكز الفكرية الكبرى في أوروبا ويُحدث فيها ثورة كاملة 
في الدراسات والتفكير. فأرسطوء «الفيلسوف» إبألف ولام التعريف] كما يسمى في 
الأغلب» يدخل إلى أوروبا مرتديًا عمامة: فالترجمات اللاتينية لمؤلفاته إنما تتم؛ في 
غالبيتهاء عن العربية وغالبًا ما تكون مصحوبة بشروح أو تعليقات باللغة العربية؛ 
كشروح وتعليقات موسى بن ميمون وابن رشدء وهي قريبة العهد. وسوف يكون 
لها عميق الأثر على الحياة الفكرية في أوروبا اللاتينية» وهو أثر نلحظه أولاً في 
رد الفعل القوي الذي استثارته في الجامعات الناشئة. وفي عام ©١17١؛‏ عندما يقوم 
النائب الباياوي روبير دو كورسون بإصدار أحكام جامعة باريس» يحدد أنه لا 
يجب تدريس مؤلفات أرسطو الميتافيزيقية أو العلمية في كلية الآداب. وهكذا يبدو 
أن الإجماع لم يكن متوافرا على حب الثمار الجديدة التي جاء بها المترجمون. على 
أنه قد لا يجب المبالغة في أهمية هذه التحريمات: إن مؤلفات أخرى لأرسطوء 
خاصة في علم المنطق» كانت تَدَرُسُ ولم تكن التحريمات إلا تحريمات موضعية: 
ففي عام 5؟2١»؛‏ حين تود جامعة تولوز الجديدة اجتذاب طلابء تتفاخر بحقيقة أن 
بالإمكان عندها دراسة مؤلفات أرسطو الممنوعة في باريس. وتهدف قرارات منع 
أخرى؛ في أعوام ١77١‏ و1745 و1777 و7710 و1777ء إلى تحريم تدريس 
بعض المذاهب المفترض أنها تنال من الدين. المسيحي؛ تبرز بينها أفكار أرسطو 
وابن رشد وتوما الأكويني. لكن المؤلفات الأرسطؤطاليسية الممنوعة في عام . 
5 تششكل الأن جزءا! لا يتجزأ من المقرر الدراسي الجامعي. 


١ ورد‎ 


ويبحث لاهوتيون مختلفون عن طريق وسط بين التحمس الذي لا حدود له 
لدى البعضء لهذه الفلسفة الجديدة ورفض البعض الآخر المطلق لها. والأصحاب 
الرئيسيون لهذا الحل الوسط هما ألبير الأكبر )١1180٠-1١97(‏ وتلميذه تومأ 
الأكويني (1775 - )1١775‏ اللذان يؤكدان أنه لا يجب السعي إلى استخدام حقائق 
الفلسفة أو العلم لإثبات حقائق الدين؛ إلا أن بالإمكان بيان أن هذه الحقائق لا 
تتعارض فيما بينها. ويصوغ ألبيرء في مؤلفاته العلمية واللاهوتية» تركينا مهيبا 
لمعارف عربية ويونانية وتوراتية وإنجيلية وكنسية» محاولاً إزالة أو التقليك من 
شأن الخلاف فيما بين هذه المصادر المختلفة واستبعاد الأفكار المنظور إليها على 
أنها زنديقية (مثال ذلك؛ القول بأن العالم أزلي وغير مخلوقء كما يؤكد ذلك 
أرسطو وابن رشد). والحال أنه على هذا الأساس يبني توماس نسقا فكريًا مهيناء 
غالبا ما يشبهه المؤرخون بكاتدرائية قوطية» مستندة بشكل راسخ إلى سفر التكوين 
وأرسطو وأوغسطين وابن رشد وموسى بن ميمون. ومن المؤكد أن المجادلات 
تستمر ويجري اتهام بعض العلماء الباريسيين بأنهم «رشديون» [نسبة إلى ابن 
رشد]ء وبأنهم يُدَرسُونء بين مذاهب أخرى خاطتة؛ المذهب القائل بوجود حقيقتين 
مستقلتين» إحداهما قائمة على الوحي والأخرى قائمة على الفلسفة. وهذا مذهب لم 
يصغه ابن رشد البتةء لكن الاتهام ب«الرشدية» وسيلة سهلة لتلطيخ سمعة الأعداء 
الفكريين. على أن اعتبار توما الأكويني قديسا في عام ١777‏ إنما يرمز إلى 
انتصار التركيب الذي قام به للفلسفة اليونانية - العربية واللاهوت المسيحي؛: وهو 
تركيب سوف يهيمن على التعليم الديني خلال قرون"". 


التبادلات الفنية والثقافية 
على المستوى الفني أيضاء كانت الاتصالات والمؤثرات عديدة وعميقة. 
ونحن نرصدء في العمارة؛ في العصر الأمويء استمرارية مع التقاليد الفارسية 
والبيزنطية» لكننا نرصد أيضنا تجديدات» خاصة فيما يتعلق بالقصور والمنشأت 
الدينية. فلأجل بناء قبة الصخرة في القدس (عام 137).؛ الأثر الأعظم الأول 
للإسلام» يلجأ الخليفة عبد الملك إلى معماريين ومصممي فسيفساء يونانيين: والقبة 
المغطاة بالذهب؛ والفسيفساء واستخدام الرخام الملون تستحضر بالفعل الكنائس 


١5 


البيزنطية. لكن شكلها ثماني الزوايا فريد والفسيفساء لا تصوّر قديسين (كما فسي 
الكنائس البيزنطية)؛ بل تصور موتيفات نباتية مؤداة بشكل مجرد. على أن جدتها 
الكبرى تظل متمثلة في استخدام نقوش قرأنية» بالعربية»؛ خطها فخيم؛ ما يجعل من 
كلام القرآن القدسي موضوعًا تزيينيًا إلى جانب كونه موضوعا تربويًا9'). ونجد 
هذا المزيج من التراث البيزنطي والتجديد متكررا! في آثار أخرى من آثار ذلك 
العصرء كما في المساجد الكبرى في المدينة المنورة )72١5 - ٠١(‏ وفي دمشق 
)7١5- 70(‏ أو المسجد الأقصى في القدس (نحو عام .)7١©‏ 

وفي القرون التالية» يصبح عالم البحر المتوسط الشرقي ”رمم جنا 
ثفافية قوية بحيث إنه قد يكون من الصعب تمييز «المؤثرات» الفنية. فجماعات 
إثنية ودينية مختلفة تتقاسم 0 وعندما نفخحكص قدحا من 
الخزف من القرن الثاني عشر أو قطعة مجوهرات فضية من القرن الثالث عشرء 
فقد يكون من الصعب تحديد ما إذا كان من صنعها أو استخدمها من اليهود أم مسن 
المسيحيين أم من المسلمين؛ أو ما إذا كان من العرب أو من الأرمن أو مسن 
الإفرئج؟"). 

وفي أوروباء نلحظ استخدام عناصر رمزية أصلها عربي في الأراضي 
المفتوحة على حساب المسلمين؛ في إسبانيا وفي صقلية» بادئ ذي بدء. وملوك 
صقلية النورمان؛ مثلاء يسكون نقوذا تحمل مأثورات يونانية ولاتينية وعربية. 
ويسك روجر الثاني تارينات ذهبية تشير في ظهرها إلى صليب مركزي مع قول 
مأثور باليونانية: 71114 ©< ©1: «يسوع المسيح ينتصر» ؛ أمّا وجهها فيحمل نقشا 
بالعربية» مع مكان السك (ياليرمو) ولقب الملك بالعربية: المعتز بالله. ونجد المزيج 
5ن دالوه وروم ل ا ا 
مارتوراناء تشير فسيفساء إلى روجر الثاني والمسيح يتوّجه. ما يشكل استعادة 
لنموذج ذائع في العالم البيزنطي ؛ وفي سقف الكنيسة الموجودة في القصرء نجد أن 
صورة راود لكك الدع دور على جك رطان عربي متسلط» جالس 
القرفصاء؛ وبيده قدحء وتحيط به خادمات تحركن المراوح اليدوية من حوله. وقد 
أمر هذا ل ا عليه؛ على كل جانب مسن 


)ع بوتقة. بالإنجليزية في الأصل. دم 


جانبي شجرة نخيل؛ أسذا (هو رمز للسلطة الملكية) يطرح جملا أرضنا ؛ والنقش 
العربي المحيط به يحتفي بفضائل الملك7'). 

وفي أوروباء تتمتع العمارة البيزنطية والعربية بنفوذ وهيبة مؤكدتين. ففي 
إيطالياء تصل التحف الفنية والحرفيون من العالم الإسلامي عبر طرق التجارة. 
والحال أن الراهب والإخباري إيميه دو مونكاسان يوضح أنه عندما أراد رئيس 
ديره» في الربع الأخير من القرن الحادي عشره زخرفة أبنية الدير يفسيفساء 
جديدة» استقدم من القسطنطينية والإسكندرية حرفيين يونانيين وعريال'). ومما لا 
مراء فيه أن التجار الأمالفيين» رعاة الديرء هم الذين نظّموا وصول هؤلاء 
الحرفيين. وفي بيزا في القرن الثاني عشرء كانوا مفتونين بالخزفيات الواردة مسن 
الأندلس والمغرب ؛ بل إنه كان يجري دمجها في واجهات كنائس المدينة كعنصر 
زخرفي"". وفي الكنائس الرومانية [الكاثوليكية] في جنوبي فرنسا في القرنين 
الحادي عشر والثاني عشرء تظهر أشكال العمارة الإسلامية (الأقواس متعددة 
القويسات أو على شكل حدوات) وكذلك تقاناتها (الأحجار متعددة الألوان؛ 
الخزفيات). بل إن النص القرآني المرئي في المساجد يصبح مصدر إلهام: فعلى 
حجر الكنائس يجري نقش «نقوش» بالخط الكوفي» بما يشكل محاكاة تقريبية 
للحروف العربية لأجل تشكيل عناصر تزيينية خالصة. على أننا نلتقي أحيانا 
بنقوش عربية حقيقية» تشهد من دون شك على وجود حرفيين عرب قادمين من 
إسبانيا: فعلى أبواب كاتدرائية بوي نقرأ ماشاء اللهل"". 

ويستولي ملوك إسبانيا المسيحيون على قصور الأمراء المسلمين الذين 
انتصروا عليهم؛ من قصر ألخافيريا في سرقسطة؛ وهو قصر بُني في القرن 
الحادي عشر يصبح واحذا من مقار الإقامة المفضلة لملوك أراجون منذ فتح 
المدينة على يد ألفونسو الأول في عام 21١14‏ إلى قصر الحمراء في غرناطة الذي 

تستولي عليه إيسابيلاً وفرناندو خلال فتح غرناطة في عام .١417‏ وعندما يينسون 
قصورهم الخاصة:؛ فإنهم غالبًا ما يستلهمون النماذج العربية المحيطة بهم: وأجمل 
الأمتلة هو قصر كاستيلء الذي أمر ببناقه يدرو الأول الكاستيلي -1١60(‏ 
4 في آلكاثار بإشبيلية» والذي اشتغل في بنائه» إلى جانب حرفيين محليين؛ 
عمال أرسلهم محمد الخامس» : أمير غرناطة. وزخرفة هذا القفصر مستمدة مسن 
التراث العربي بصورة خالصة: جدران مغطاة بال 20/05 2 أو بألواح المرمر 


١7 


المنحوتة؛ وأسقف مزخرفة:؛ بل ونقوش عربية تعلن» بين أشياء أخرىء أن «لاا 
غالب إلا الل». 

وقصر يدرو الأول هو تحفة ما يسمى بالفن الموديخاري» وهو أسلوب كل 
الحضور أيضنا في العمارة الدينية في القرنين الثالث عشر والرابع عشرء خاصة 
في آراجون وتوليدو [طليطلة]. فكنيسة سانتياجو ديل آرابال التوليدوية (القرن 
الثالث عشر) تبدو وليدة اتحاد بين كنيسة رومانية ومسجد مغربي: فالمخطط وشكل 
الواجهات رومانيان» لكن المادة (القرميد) وشكل الأقواس يذكران بالعمارة العربية. 
وكنيسة سان رومان المجاورة:؛ والتي ترجع إلى العصر نفسه؛ أسلوبها موديخاري 
ممائل» إذ يمزج بين أشكال عربية وأوروبية. والأكثر إثارة بكثير هو التزيين . 
الداخلي: فنحن نجد جنبًا إلى جنب رسوما جدارية مجردة مستمدة من التراث 
العربي بشكل خالص وصورا! لقديسين معرّفين بنقوش مزدوجة؛ عربية ولاتيئية. 
وحول الأقواس» نجد تناوبًا أيضنا لنقوش باللغتين. ْ 

وفي الأدب أيضناء نجد أن التأثير العربي واضح تماما في إيطاليا وإسبانيا 
المسيحية وفي بروقانس. والحال أن الثراء الثقافي في الأندلس في عصر الطوائف 
يتجلى» ضمن أمور أخرى؛» في إنتاج شعري مهم بالعربية والعبرية. وهو شعر 
هجين وتجديديء كما نرى ذلك في شكلين جديدين: الزجل؛ وهو قصيدة بالعربية 
العامية مع دمج كلمات مستعارة من اللغة العامية الرومانية الإسبانية؛ والموشحةء 
وهي قصيدة بالعربية الفصحى مع لازمة بالرومانية. وقد أصبحت هذه الأغاني جد 
شعبية عبر العالم العربي ومازالت جد شعبية حتى الآن. وقد أشرت أيضنا على 
تطور شعر الغزل المكتوب بالأوكسيتانية» حتى وإن كانت قنوات ودرجة هذا 
التأثير مازالت تثير نقاشات قوية فيما بين المتخصصين. ويعدد الإخباري إيبن 
حيان؛ من بين الأسلاب الهائلة التي وقعت في أيدي فرسان يروقانس عند الاستيلاء 
على بارباسترو في عام :٠١54‏ عدذا كبيرا من المغنيات اللاتي لم يتخلفن عن فتنة 
خاطفيهن. ومن المعروف أن أحد المشاركين في هذه الحملة هو الدوق جيوم الثامن 
الآكيتيني وأن ابنه» جيوم التاسع؛ كان أول أعظم الشعراء التروبادور. فهل يُفترَضْ 
أن الرجل والموشحات التي استمع إليها جيوم على شفاه إماء أبيه قد ألهممت هذا 
الشاعر البروقانسي الأول؟!؛") ْ 


1١ 


وقد لقي الأدب العربي في العصر الوسيط النجاح أيضًا لدى كتاب وقراء 
أوروبيين. إن حكايات مختلفة من ألف ليلة وليلة ومن كليلة ودمنة ومن نصوص 
أخرى قد نقلت؛ شفاهة أو عبر الترجمة المكتوبة» ثم عُدّلت من جانب كتاب 
أوروبيين. ففي القرن الثاني عشرء يؤلف ييير الفونس الكزامءسءك وسااداموذط: 
وهي عبارة عن أنطولوجيا أقوال مأثورة مصحوبة بحكايات قصيرة أصلها عربي. 
وقد تمتع هذا العمل بشعبية كبرىئ في العصر الوسيط: فمروياته قد جرت استعادتها 
من جانب كتاب عديدين؛ من وعاظ القرن الثالث عشر إلى بوكاتشيو ثم تشوسر في 
القرن الرابع عشر. والحال أن كتابا مسيحيين أخرين من شبه الجزيرة؛ كانوا 
يكتبون باللاتينية أو الكاستيلية أو الكاتالونية أو البرتغالية» إنما يستعيدون حكايات 
عربية لكي يجعلوا منها ترجمات أو لكي يستلهمونها. ومن بين أشهر الأمثلة على 
ذلك؛ يمكننا أن نذكر 1/210[ 0706© من تأليف خوان مانويل و 8:7 06 «طاءآ 
",4:0 من تأليف خوان رويث في القرن الرابع عشرء و15/1:8) من تأليف 
فرنادو دي روخاس في القرن الخامس عشرهء أو دون كيخوته لسربانتس في 
مستهل القرن السابع عشرء وكلها أعمال متأثرة بالتراث السردي العربي. 

.ومما لا مراء فيه أن أحد الملوك الأوروبيين الذي أبدى عظيم الشغف بالثقافة 
والعلم العربيين هو ألفونسو العاشر الحكيم؛ ملك كاستيل؛ الذي يحيط نفسه بعلمساء 
يهود ومسلمين ويوجه إنتاج مكتبة واسعة؛ بالكاستيلية» للمعرفة الشرقية والغربية. 
وبعض الرسوم المصغرة الفخيمة لهذه المؤلفات تصور بشكل مثير ملك الديانات 
الثلاث: فهو يلعب الشطرنج مع أحد الرعايا المسلمين ؛ وينصت إلى العازفين 
المسيحيين أو المسلمين: أو يقود فريقه من العلماء المسيحيين واليهود والمسلمين 
وفي يده كتاب. والواقع أن الملك قد أمر بترجمة عدة مؤلفات علمية وعملية مسن 
العربية: بحوث في علم الفلك والتنجيم والتكهن والصيد والشطرنج ؛ وسوف تظفل 
جداول ه] الألفونسية المرجع لعلماء الفلك الأوروبيين على مدار قرون”'). كما 
أُمْرَ بترجمة أعمال أدبية (خاصة كليلة ودمنة) ودينية: نسخة من المعراج. أو 
رحلة محمد السماوية» والقرآن (وهي ترجمة تَعَدُ الآن مفقودة). والحال أن 
ألفونسو إنما يُعَدُ بشكل ما صنوا للخليفة العباسي المأمون الذي أمرء في القرن 
التاسع» ولنتذكر ذلك؛ بترجمة مؤلفات يونانية وفارسية جرى تعريبها وأسلمتها: 


1١178 


فترتبت على ذلك مكتبة ضخمة شكلت أساس الثقافة والعلم العربيين فيما بعد. وإذا 
كان مشروع الملك الكاستيلي أقل اتساعاء فإن طموحه مماتل: تأسيس مكتبة ثرية 
بالمؤلفات العلمية والأدبية في لغته» الكاستيلية. ويسعى ألفونسو إلى أس بنة الثقافة 
العربية» مثلما عرب المأمون ومترجموه المعرفة اليونانية والفارسية. 


المنازعات والتلاقيات الدينية 

على المستوى الديني؛ تؤدي الاختلافات المذهبية إلى تنازعات ومناظرات بين 
اليهود والمسيحيين والمسلمين. وكما أن المذهب المسيحي قد تشكل. في القرون 
الأولى لعصرنا [البادئ بميلاد المسيح]؛ في تنافس وحوار مع اليهودية ومع الوثنتية 
القديمة» فإن المعتقدات والممارسات المميزة للإسلام الوليد كانت متأثرة بالديانات 
التوحيدية المنافسة وبالفلسفة والعلم القديمين. وفي دمشق' وبغداد» دفعت المجادلات 
مع العلماء اليهود والمسيحيين المسلمين إلى تحديد عقيدتهم والدفاع عن ممارساتهم 
ونصوصهم المقدسة. وينجم عن ذلك تغايرٌ للمواقف حيال اليهودية والمسيحية؛ 
وهو تغايرٌ حاضر بالفعل؛ بالتأكيد» في القرآن. فالقرآن يؤكد في واقع الأمر أن 
الأنبياء العظماء الثلاثة (موسى وعيسى ومحمد) كشفوا كلام الله (التوراة والإنجيل 
والقرآن) لأقوامهم. وهوء في الوقت نفسه؛ يوجه انتقادات قوية لبعض الممارسات 
والمذاهب اليهودية وخاصة المسيحية: فالمسيحيون يعبدون إنساناء هو المسيح؛ 
بوصفه إلهًا ؛ وهم يسيئون إلى التوحيد بمذهب الأقانيم الثلاثة. والعلماء المسلمون 
في بغداد يتهمون اليهود والمسيحيين بأنهم عبثشواء عمذا أم من دون عمدهء 
بالنصوص المقدسة التي كشفها لهم نبيوهم. ومن شأن هذا التحريف الإساءة إلى 
محاجات اليهود والمسيحيين وبيان انحطاط دينهدل"". 

والحال أن واحذا من النصوص السجالية في الوسط البغدادي كان مآله أن 
يكون معروفا جيذا في أوروبا بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر: رسالة 
الكندي؛ التي تظهر على شكل تبادل رسائل بين عسضوين بارزين في البلاط 
العباسي. فأحد المسلمين يقدم الإسلام إلى صديق مسيحيّ ويدعوه إلى اعتناقه ؛ 
وردًا عليه» يبسط المسيحي رذًا طويلاً وتفصيليًا على الإسلام مصحوبا بدفاع عن 
المسيحية» ثم يدعو بدوره صديقه المسلم إلى اعتناق المسيحية. والواقع أن 


118 


الرسالتين هما على الأرجح عمل كاتب مسيحي واحد. ورسالة الكندي هي في أن 
واحد سجالية وتبريرية: فهي تهاجم المذهب الإسلامي وتقدم دفاغعا عن العقائد 
المسيحية الأساسية بشكل جارح بشكل خاص لمشاعر المسلمين. فهي تذهب إلى أن 
محمد نبي زائف شهواني ادعى الوحي ليفرش سلطته على العرب وليشبع رغباته 
الجنسية. كما تذهب إلى أن محمد هو الذي ألف القرآن بنفسه مستعينا برامب 
مسيحي هرطوقي ويهوديين. أمَّا فيما يتعلق بالشعائر الإسلامية» فإن الكاتب 
المسيحي يرى أنها عديمة المعنى. الوضوءات الطقسية؟ يؤكد الكاتب «ما معنى 
غسل اليدين والرجلين [...] (بينما قلوبكم ملوثة ومدنسة بالخطيئةا")»؛ شأن أولنك 
المنافقين الذين شجبهم المسيح في إنجيل متى. و» لأسباب ممائلة؛ يهاجم صوم 
رمضان والختان والشرائع الإسلامية المتصلة بالزواج والطلاق وبحظر أكل لحم 
الخنزير. ثم ينخرط في طعن لاذع في شعائر الحج إلى مكة؛ والتي يقارنها بشعائر 
وثنيي الهند. وهو يضيف إلى ذلك وابلاً من الهجوم التفصيلي على الجهادء مقرّرًا 
أنه يتنافى مع الوصايا القرآنية التي تنص على عدم الإكراه في الدين. وهو يقول 
إن من يموتون في الحرب لن يذهبوا إلى الجنة بوصفهم شهداءء فالشهداء 
الحقيقيون الوحيدون هم من وهبوا حياتهم لله في سلام وعن طيسب خاطر. ومن 
المؤكد أن هذا الهجوم؛ الذي من المفترض أن مسيحيًا يوجهه إلى صديق مسلم؛ 
إنما يُعْدُ موجّهًا في حقيقة الأمر إلى القراء المسيحيين الذميين» لنهيهم عن التحول 
إلى اعتناق الإسلام. وسوف يلقى هذا الهجوم نجاخا أكيذا في أوروبا: أولاً في 
الأوساط المسيحية الناطقة بالعربية في شبه الجزيرة الإيبيرية» ثم» بمجرد ترجمته 
إلى اللاتينية نحو عام 57١١ء‏ في بقية أوروبا. 

1 ويتم. في الشرق تداول وفرة من النصوص التبريرية والسجالية التي كتبها 
كتاب مسيحيون ومسلمون ويهود ؛ أمّا في الغرب: بالمقابل» فما نجده من أعمال 
سجانية قليل قبل القرن الحادي عشر. وكل شيء يتغير في ذلك العصصرء حين 
يستتبع سقوط الخلافة مواجهة إيديولوجية وكذلك عسكرية» بين مسلمي الطوائف 
ومسيحيي الممالك الشمالية. وأحد أشهر الأمثلة هو مثال ابن حزم القرطبي (1515 
- 54١٠).؛‏ الذي ينجزء في خمسينيات القرن الحادي عشر على الأرجح: عمله 


(«) ترجمة عن الفرنسية. - م. 
ل 


الفصل!/؛ وهو موسوعة سجالية حقيقية ضد اليهودية والمسيحية وتيارات مارقة 
عن الإسلام. والحال أن بعض الكتاب المسلمين في القرون الأولى للهجرة قد أخذوا 
على المسيحيين واليهود توقفهم عن مراعاة مبادئ دينهم وتحريفهم لكتيهم المقدسة. 
وابن حزم هو أول من يدرس التوراة والإنجيل دراسة تفصيلية لكي يبني هذه 
الاتهامات على قراءة نقدية للكتاب المقدس. 
وبالتشديد على التناقضات الكامنة في الكتاب المقدس وعلى الفقرات التي يبدو 
' أنها غير منطقية أو 52000000 ابن حزم أنه أثبت أن اليهود والمسيحيين حرفوا 
الوحي الذي تلقوه من الله. ونجد أحياناء في سفر التكوين» أو في الأناجيل؛ مثلأء 
روايتين عن واقعة واحدة تقدمان تباينات طفيفة في البيانات الجغرافية والتاريخية 
والسلالية» إلخ. ويعتمد ابن حزم على هذه الفقرات ويسجل علاوة على ذلك 
الفقرات التي يجري فيها تصوير الرب وكأنه إنسان يمشي ويأكل ويغتاظ. ثم إن 
التوراة تنسب إلى قادة الشعب المختار أسوأ التصرفات: فإبراهيم يتزوج أخته غير 
الشقيقة ويعقوب ينام مع زوجة ة أخيه» وسليمان تجره نساؤه العديدات إلى ممارسة 
الوثنية» إلخ. وكل هذا يدل ليس فقط على أن الكتب قد حرفت» بل يدل أيضئا على 
أن من يقبلونهاء من اليهود أو المسيحيين؛ عديمو الأخلاق والحس النقدي والرشد. 
وكان والد ابن حزم موظفا في بلاط المنصور في قرطبة ؛ وربما جاز 
اقتراض أن الابن كان موعوذاء هو أيضناء بلعب دور سياسي مهم. إلا أنه بعد 
سقوط الخلافة» ينسحب ابن حزم من الحياة السياسية لكي يتفرغ للعلم. وهو أحد 
أبرز كتاب الأندلس وأغزرهم إنتاجاء فهو كاتب قصائد وحوليات وبحوث حقوقية 
وفلسفية وعلمية وبحوث في الإلهيات. ومما لا مراء فيه أن عمله المقروء 
والمعروف أكثر من سواه هو كتابه عن الحبء؛ طوق الحمامة. وتنبثق من كتابه 
الفصل صورة مثقف مقتنع بأن ثقافته وعلمه الإسلاميين يضعانه فوق المسيحيين 
البؤساء (واليهود) الذميين» ناهيك عن الحربيين» هممج شمالي شبه الجزيرة 
الإيبيرية. لكننا نرصد أيضنا انعدامًا متزايذا للأمن: فالخلافة تنهار ويتعين على 
المسلم الأندلسي من الآن فصاعذا أن يدافع عن نفسه؛ عسكريًا وإيديولوجيّاء ضد 
الكافر. 





(*) الفصل في الملل والأهواء والنحل. - م. 
١:١‏ 


والحال أنه ضمن سياق الاسترداد الإسباني؛ سياق تغير التوازن بين المسلمين 
والمسيحبين في شبه الجزيرة الإيبيرية» نعاين تجديذا لنصوص معادية للإسلام 
باللغة العربية كتبها كتاب مسيحيون؛ كان بعضهم مسلمون تحولوا مؤخرًا عن 
دينهم. ويحاول كتاب هذه النصوص الدفاع عن المسيحية ضد الاعتراضات التي 
يوجهها المسلمون إليها: فهم يؤكدون على سلامة الأناجيل في مواجهة الاتهامات 
بالتحريف ؛ ويدافعون عن الأقانيم الثلاثة ضد الاتهام بالشرك ويحاولون إتبات 
وجودها بمحاجات قائمة على العقل ؛ وهم يدافعون عن التجسيد بالشكل نفسه. كما 
أنهم يقدمون محاجات هجومية ضد محمد والقرآن ؛ وقد سعوا إلى البرهنة على أن 
محمد ليس نبيًا حقيقيًا وعلى أن شريعته؛ إذ تمجد متع الجسد» إنما تبدو لا عقلانية 
وعلى أن الشعائر الإسلامية» كشعائر الحج في مكة؛ تدَنسئها مخلفات الوثنية. 

وهذا التقليد التبريري والسجالي ينتشر في أوروبا في القرن الثاني عشر عبر 
طريقين: نشر كتاب محاورات ضد اليهود لبيير ألفونس (١؟١1١١1٠)‏ ونشر القرآن 
ونصوص عربية أخرى (بما في ذلك رسالة الكندي) ترجمت إلى اللاتينية بمبادرة 
من ببير الموقرء رئيس دير كليني (1157 )١١45-‏ والحال أن بيير ألفونسء. 
وهو يهودي تحول إلى اعتناق المسيحية» إنما يكرس فصلا من نصه المعادي 
لليهودية للردٌ على الإسلام ؛ وهو يستعيد بإيجاز . محاجات رسالة الكنديء التي 
عرفها من دون شك بالعربية. ويلقى مؤلف بيير ألفونس نجاحا قويًا: وتجري قراءة 
وإعادة نسخ الفصل المعادي للإسلام في المحاورات. والحال أن أومبير دو 
رومانسء كاهن الدومينيكان العام »)١577- ١784(‏ إنما ينصح؛ في كتابه بحث 
حول الدعوة في الحملة الصليبية؛ بأن يقرأ الوعاظ نصين حتى يتسنى لهم معرفة 
الخصم المسلم: القرآن والفصل المعادي للإسلام والذي كتبه بيير ألفونس. 

وقد صاغ بيير دو كلينيء خلال رحلة إلى إسبانيا في عامي ١١547‏ و55١2»1‏ 
مشروع ترجمة القرآن» مصحوبًا بنصوص عربية أخرى بشأن الإسلام (بمسافي 
ذلك رسالة الكندي).؛ إلى اللاتينية. ولكي يفعل ذلك؛ استمال روبير دو كيتون» وهو 
مترجم مؤلفات في علم الفلك: وزوده بفريق بأكمله من العلماء. وهدف هذا 
المشروع هو معرفة الخصم جيدا للتمكن على نحو أفضل من محاربته. والحال أن 
ييير دو كليني» بفضل المعلومات المستمدة من هذه الترجمات ومن محاورات ييير 


1١ 


ألفونس: يتمكن الآن من التوجه إلى التصدي لمذهب محمدء الذي اعتبره أسوأ 
زعماء الهراطقة. وهو يسعى إلى التوصل إلى رد عليم على«هرطقة السراسنة 
الشيطانية»؛ مثلما فعل ذلك آباء الكنيسة ضد الآريوسية وهرطقات أخرى. وهو 
يستخدم القرآن لكي يبين أنه كان يتوجب على المسلمين قبول الإنجيل ثم يلجأ إلى 
الإنجيل لمهاجمة محمد والمذاهب الإسلامية. والحال أن مساجلات بيير دو كليني 
ضد الإسلام لا تلقى سوى أصداء قليلة في العصر الوسيط؛ لكن الترجمات التي 
طلبهاء وبالأخص ترجمة القرآن» كان يعاد نسخها وقراءتها - وقد طبعت في نهاية 
المطاف في بال في القرن السادس عشر. 

على أن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين واليهود لا تختزل في نزاعات 
ومساجلات. فالديانات الثلاث ذات جذور مشتركة: وغالا ما كانت المذاهب 
والشعائر وأماكن التوقير متشابهة. وهكذا نجد العديد من الشهادات على تعيدات 
مشتركة واحتفالات دينية متقاسمة وأماكن موقرة مشتركة. ومن المؤكد أن هذه 
التلاقيات» والتي تشهد على التقارب بين ممارسي ديانات مختلفة؛ غالبا ما تستثير 
عدم الاستحسان في المصادر التي بأيدينا. وإذا عرففاء مثلاًء أن مسلمين في 
إسبانياء في القرن التاسع؛ كانوا يحتفلون بالكريسماس وبرأس السنة وبعيد أول أيام 
الصيف جنا إلى جنب المسيحيين فهذا لأن عدذا من المفتين قد انتقدوا هذا 
الاختلاط وسعوا إلى تحريمه7'"). ومما لا مراء فيه أن تحريماتهم لم تلق تجاوبا 
يُذكرء فهم قد اضطروا إلى التأكيد عليها مرارً! وتكرارا. 

ثم إن أماكن عديدة؛ ترتبط بشخصيات توراتية وإنجيلية وقرآنية:؛ كانت 
مزارات يتردد عليها مسيحيون ومسلمون ويهود. وتلك حالة الخليل» حيث يزورون 
مقابر الأنبياء إيراهيم وإسحق ويعقوب. وفي مكانين مقدسين مكرسين لمريم . 
العذراء» يظهر بشكل خاص ورع مشترك لدى المسيحيين والمسلمين: ويتعلق 
الأمر بالمطرية؛ قرب القاهرة في مصرء وصيدنايا» قرب دمشق. ففي المطرية؛ 
نجد نبعًا وسط حديقة بَلسان ؛ وتذهب المرويات إلى أن العائلة المقدسة:؛ خلال 
هربها إلى مصرء أقامت في هذه الناحية وأن العذراء غسلت مراقد يسوع في النبع» 
فمنحته خصائص علاجية. ويتحدث عن ذلك كتاب مختلفون في العصر الوسيط»: 
أقباط وكاثوليك أوروبيون ومسلمون. ويؤكد بورشار الستراسبورجيء الذي يزور 


151 


الموقع نحو عام 21١7©‏ أن مسيحيين ومسلمين يأتون إلى هناك ويغتسلون. وهو 
يضيف أن هناك نخلة على مشارف القاهرة ربما تكون قد مالت لتعطي ثمارها 

للعذراء وأنها بالمثل موضع إجلال من جانب مسيحيين و«سراسنة»9". 

والحال أن عدة كتاب: “من بيتهم بورشان الستراسبورجي هذا نفسه» يصفون 
صيدنايا» حيث يوجد دير مكرّس للعذراء. وهنا نجد أن الشيء موضع الإجلال هو 
أيقونة قد تكون «مجمندة» وقد ينز منها زيت له رائحة البلسم. ويذهب بورشار إلى 
أنه؛ بفضل هذا الزيت المُعجزء حصل أشخاص عديدون؛ مسيحيون ومسلمون 
ويهود» على شفاء من أمراض مختلفة ؛ ومن المؤكد أن عذراء بورشار لا تقوم 
بتمييزات لاهوتية بين المؤمنين بها: والواقع أن سراسنة الناحية يشاركون في عيد 
ميلاد المسيح وفي عيد أنتقال السيدة العذراء ويؤدون «احتفالاتهم بورع عظيم». 

وأحيانا ما يبدي كل طرف إعجابًا صريخا بورع خصمه الديني. فأسامة ببن 
منقد يثني على ورع الرهبان المسيحيين ؛ وريكولدو دي مونتيكروتشه؛ الدومينيكي 
الفلورنسي» يبدي إعجابه بحماسة مسلمي بغداد الدينية: مراعاتهم للشعائر وحمية 
دعواتهم وحبهم وعطفهم على الأقربين إليهم. والحال أن أسامة وريكولدو؛-:شأنهما 
في ذلك شأن كتاب آخرين كثيرين» يمكنهما الثناء على الحماسة الدينية للخصم 
الديني مع تأكيدهما في الوقت نفسه على أنه يتبع مذاهب خاطئة. ثم إن إيداءات 
الإعجاب هذه غالبا ما تكون ذات هدف تأديبي: فكما يقول ريكولدو: «لم نورد ما 
أسلفنا ذكره للثناء على السراسنة بقدر ما إنه لتوبيخ بعض المسيحيين الذين 
يمتنعون عن أن يفعلوا لأجل شريعة حياة ما يفعله ملعونون لأجل شريعة 
موت»9". 

لكن نصوصنا أخرى؛ من المؤكد أنها قليلة» تشير إلى انفتاح أعظم؛ بل إلى 
نزعة نسبية مثيرة. فالحاج بورشار دو مون زيون يكتب في عام ١187‏ كتابًا تحت 
عنوان وصف الأرض المقدسة. وبينما يتحدث عن كنيسة مكرّسة ليوحنا المعمدان» 
يوضح أن السراسنة يجلون يوحنا بوصفه قديسنا نبيًا. وهو يستطرد فيقول إنهم 
أيضنًا يؤمنون بأن يسوعء ابن مريم العذراء؛ هو كلمة اللهء لكنهم لا يعترفون.به 
على أنه اللهء «وهم يقولون إن محمد رسول لله وأنه لم يرسله إل لهم ؛ وقد قرأت 
ذلك في القرآن؛ الذي هو كتابهم7"». وينصبٌ التشديد هنا على التوافق الأساسي 


1١.5 


بين العقيدتين المسيحية والإسلامية. وينطلق بورشار من الفكرة التي تذهب إلى أن 
محمد فد أرسل تحديذا للعرب (وهي فكرة موجودة بالفعل في القرآن”'") لكي 
يستخلص منها أن الإسلام؛ بحسب السراسنة» ليس عالميًا: وهو يوحي بأن 
السراسنة لهم ديانة أوحي بها تخصهم؛ وأنهم لا يزعمون تفوقها. ويعزز بورشار 
هذا الشعور بفقرة أخرى في كتابه وصف الأراضي المقدسة» حيث يقدم مختلف أمم 
الأرض المقدسة. والسراسنة يشكلون جاح سن جحت احتردن بير 
كاللاتين واليونانيين والسوريين والأرمنء إلخ» فلا 8 أفضل ولا هم أسوأمن 
الآخرين ؛ والواقع» بحسب بورشارء أن الأسوأ هم اللاتين"". 
وهذه النزعة النسبية تجد تعبيرا أدبيًا عنها في استلرراة الخواتم الثلاثة» والتي 
جلت كتابة لأول مرة بالإيطالية في القرن الثالث عشر والتي سوف تستعاد مرات 
كثيرة - خاصة من جانب بوكاتشيو وحتى جوتهولد إفراييم لسنج في القرن الشامن 
عشرء في عمله وكزهد “هك «رو/091). وفي مروية بوكاتشيوء فإن صلاح الدين» 
رغبة منه في الاستيلاء على ثروات سمسار يهودي اسمه ملخيسيديخ؛ ينصب له 
فخا سائلاً إياه أي الديانات الثلاث أفضل: فإذا أجاب بأنها اليهودية؛ يمكن للسلطان 
أن يعلن أنه أهين فيستولي على ممتلكات ملخيسيديخ ؛ وإذا أجاب هذا الأخير بأن 
الإسلام هو الأفضلء فبوسعه إرغامه على التحول إلى اعتناق الإسلام. لكن 
اليهودي يرد بحكاية: كان لدى أحد الملوك ثلاثة أبناء يحبهم كثيرا. وبما أنه لا 
يعرف كيف يختار بينهم» فقد أمر بعمل خاتمين متطابقين تمامًا مع خاتمه الذهبي؛ 
رمز سلطته. وبينما الملك على عتبة الموت»؛ استدعى أبناءه واحذا بعد الأخر 
وأعطى كل واحد خاتماء زاعما أنه قد اختاره وريثًا له. وبعد موته؛ ادرعى كل 
واحد من الإخوة الثلاثة» مستعرضنا خاتمه؛ حقه في وراثة الأب. ويستنتج 
ملخيسيديخ أننا كالأبناء الثلاثة: فنحن اليهود والمسيحيين والمسلمين نستحضر كلنا 
تراث أبيناء اللهء بوصفه إرثنا ؛ لكن الله وحده هو الذي يعلم أيْنا اختار. وعندئذء 
فإن صلاح الدين» وقد أنبه ضميره؛ يغدق على ملخيسيديخ بالهدايا ويصبح الاثنان 
صديقين مدى الحياة. وقد عمل بوكاتشيو على التعبير عن هذه النزعة النسبية على 
لسان الشخصية اليهودية. والحال أن مينوكتشيو؛ وهو طحان فريولي من القرن 
السادس عشرء إنما يقرأ مروية بوكاتشيو ويستلهمها لكي يعلن على المكشوف أن 


١. 


اليهود والمسيحيين والترك يمكنهم كلهم الوصول إلى المسرات الأبدية كل عن 
طريق دينه؛ إذا ما راعى مبادئه. والحال أن هذا التأكيد الذي اعتبر هرطوقيّا من 
جانب محاكم التفتيش؛ قد عاد عليهء ضمن أسباب أخرى: بالموت2”. 

وفي القرن الثالث عشر نشهدء في أوروبا المسيحية» ظهور حركة تبشيرية 
تقودها بالأخص أخويتان جديدتان: أخوية الفرنسيسكان وأخوية الدومينيكان. وقبل 
هذا التاريخ بالفعل» من المؤكد أن بغداد والقسطنطينية وروما تتنافس» عبر مبشرين 
ودعاة متداخلين» على التوصل إلى تحويل الشعوب السلاقية والتركية على محيط 
البحر الأسود كل إلى ديانتها. لكن أخويات السائلين [الشحاذين] تحديذا في القرن 
الثالثن عشر هي التي تؤسسء لأول مرة» سياسة حقيقية حقيقية للتبشير بين المسلمين. 
والحال أن مؤسس أخوية الإخوة الصغارء فرانسوا الأسيزي (87١85-51؟77١)2‏ 
إنما يذهب إلى مصر في عام ١5١4‏ بينما كانت قوات الحملة الصليبية الخامسسة 
تحاصر دمياط؛ ويتجه إلى لقاء السلطان الكامل” ). وفرانسواء الذي سعى إلى أن 
يحيا حياة رسولية» كان يتمنى أن يفعل ذلك حتى النهاية: فشأن الرسل تماماء أراد 
دعوة الكفار إلى الإيمان» و» إذا لم يتمكن من تحويلهم إلى اعتناق المسيحية؛ فيهلك 
كشهيد مجيد. إل أن من الواضح أن السلطان الكامل لم تكن لديه أي رغبة في أن 
يجعل منه شهيذا ؛ فقد أنصت إليه في صبر وأعاده سالمًا سليمًا إلى معسكر 
الصليبيين. وعلى أثر هذه المهمة؛ تصبح الشهادة في الواقع الغاية المنشودة مسن 
جانب عدة فرنسيسكان في القرن الثالث عشر. والحال أن الفرنسيسكان؛ بما أنهم قد 
تمنوا عيش حياة فقر وزهد كالرسل والدعوة على غرارهم؛ من الواضح أنهم كانوا 
يأملون في الموت كهؤلاء الأخيرين. 

وأول هؤلاء الشهداء )١١١(‏ خمسة فرنسيسكان يذهبون إلى إشبيلية (التي 
كانت لا تزال مسلمة)؛ ثم إلى مراكش: وفي هاتين يعاودون الدخول إلى المساجد 
ويدعون ويسبون محمد والدين الإسلامي - وهي مبادرات كثيرة تعود نظريًا على 
أصحابها بعقوبة الموت بحسب الشريعة. لكن السلطات الإسلامية ترد على ذلك 
بالحبس والنفي ؛ وفقط بعد عدة تجاوزات بمنحهم السلطان الموخد ما سعوا إليه 
بحمية: الموت. وينتشر نبأ استشهادهم ؛ فيغمر الفرحٌ فرانسوا ويدفع النبأ أنطوان 
من بادوا إلى ارتداء ثوب الراهب الفرنسيسكاني. وفي عام 2177١‏ نجد أن ال 


1١55 


20 7101 انوع 1 أحكام. الأخوية الفرنسيسكانية؛ تشجع على التبشير بين 
الكفار. وهكذا ينخرط عدة فرنسيسكان في السعي إلى الشهادة: فيلقى اثنان المسوت 
في سبتة في عام ١777‏ ويلقاه خمسة في مراكش في عام 1777. كما يموت هناك 
أيضاء في عام 2١747‏ أنيلوس» أسقف فاس ؛ ثم يلقى ستة من الفرنسيسكان 
الشهادة في الشرق بين عامي ١756‏ و559١‏ ؛ وسبعة آخرون في طرابلس في 
عام 1784. ومن المؤكد أن فرنسيسكان آخرين يقيمون بشكل أكثشر تواريْا عن 
الأنظار في البلدان الإسلامية لخدمة الجماعات المسيحية اللاتينية (من التجار 
والمرتزقة والمخطوفين والعبيد). إلا أنه بالنسبة لكثيرين منهم؛ فإن بلدان الإسلام 
مسرح لإعادة تمثيل المواجهة بين الرسل و«الوثنيين» ويعاد فيه إنتاج مجد الأولين 
وضياع الأخيرين. 

وقد سعى مبشرون فرنسيسكان أخرون إلى تحويل المغول إلى اعتناق 
المسيحية: فجان دو بلان كاربان يذهب إلى قره قورام بين عامي ١755‏ و207517 
ويذهب أسلان إلى تبريز (1747 -747١1).؛‏ ثم يذهب جيوم دو روبروك إلى قره 
قورام(") (؟7176 - .)١155‏ وهؤلاء الإخوة لا يسعون إلى الشهادة» بل كانوا 
يسعون إلى استخدام محاجات منطقية» تستلهم التراثات التبريرية والسجالية النصية» 
لجر القادة المغول إلى المسيحية. ويحاول جيوم دو روبروك؛: خاصةء تحويل ملوك 
مغول مختلفين إلى اعتناق المسيحية» ليس بإهانة تقاليدهم الدينية؛ بل بتدشين نقاش 
مع أتباع الديانات المنافسة. وهكذا يشارك في مناقشة» أمام الخان مونجكه شخصياء 
بين ممثلين للمسيحية والإسلام والبوذية والوثنية الويجورية"). ويصف جيوم؛ ليس 
من دون فخرء دوره في المناقشة: فبما أنه قد أعلن أن لا وجود هناك إلا لرب 
واحدء فقد سأل البوذي عن اعتقاده ؛ وهذا الآخير أجابه بأن الآلهة عديدون: إله 
أسمى في السماء وكثير من الآألهة الأدنى. وعندئذ سأله جيوم ما إذا كان أحد هذه 
الآلهة كلي القدرة ؛ فلبث البوذي جالساء في صمتء بعض الوقت؛ إلى أن أمسره 
كتبة الخان بالإجابة. فاعترف عندئذ بأنه ما من إله منهم كلي القدرة: «عندئذ انفجر 
جميع السراسنة ضاحكين ضحكا عظيما». لقد سجل جيوم نقطة لصالح التوحيد 
ضد البوذية. ومن المؤكد أن المسلمين» منظور! إليهم من قره قورام؛ كانوا حلفاء ٠‏ 
[المسيحيين] بأكثر مما كانوا خصوما. 


وكانت للدومينيكان استراتيجيتهم التبشيرية الخاصة؛ كان المحفز الأكبر لها 
هو رامون دي بنيافور» الكاهن العام للأخوية :.)١5410- ١748(‏ والذي أصبح 
فيما بعد مستشار! لجاك الأول» ملك آراجون7). وقد أسس مدرسة للغات حتى 
يتعلم الإخوة المبشرون العربية والعبرية وتتسنى لهم قراءة النصوص المقدسة 
الإسلامية واليهودية. ولتمسكهم بالنقد النصي للكتب المقدسة المنافسة» بحشوا عن 
محاجات من شأنها أن تساعد في أن واحد على تكذيب ديانة خصومهم وتأكيد 
حقيقة المسيحية. والحال أن رامون مارتي؛ وهو أخ ذ ضمن المحيطين برامون دي 
بنيافور» قد أنتج مُصنفا من قسمين من أجل التبشير بين المسلمين: 56/4 1/06 
اع المؤلف قبل عم لاه ؟ ١‏ وورهرماوادومه أأمطتسأى ماه :مامح 
المكتوب في عام 31761). والنص الأول مكرّسٌ بالكامل تقريبا لحياة وأعمال 
محمد الذي يجعل منه كبش ذداء: فهو يهاجم النبي وشريعته التي يعتبرها زائفة» لا 
حكمة المسلمين التالين. وهو يمنفى إلى كينب الفلاسفة الصرب إلسي المع سكر 
المسيحي برد محاجاتهم الفلسفية ضد محمد: :فيو يستشهد مثلاً باين “رشد لكي يثيت 
أن النبي الحقبقي لابد له من إتيان معجزات. وهكذا يصبح محمد الخصم ليطا 
وإن كان الرهيبء لمارتي. وهو يجتهد في بيان أن العقل والحق الطبيعي والفلسفة» 
بل وجانبًا لا بأس به من المذهب الإسلامي» في صف المسيحيين. ويسعى مارتي 
في نصه «ررماماوممه :اوط:وزى و1[إو:رواتةظ إلى بيان حقيقة المسيحية بعرض 
المذاهب المسيحية الرئيسية ئيسية وبتقديم شروح وتبريرات لهاء مع السعي في الوقت 
نفسه إلى الردٌ على الاعتراضات الإسلامية على هذه المذاهب. ولا نعرف إلى أي 
درجة جرى بالفعل استخدام محاجات واحد كمارتي من جانب الميشرين 
الدومينيكان لدى جمهور مسلم. وكانت قوانين صدرت في عهد جاك الأول قد 
ألزمت اليهود والمسلمين بالاستماع في معابدهم ومساجدهم إلى مواعظ الإخوة 
المبشرين. والحال أن رامون مارتي؛ بحسب بعض معاصريه؛ قد يكون ذهب إلى 
مدينة تونس وعرض نصه ««درم/ماعوحه أاوطد:زى وذان:ده/وزدط على السلطان. 

ويذهب ريكولدو دي مونتيكروتشه؛ وهو أخ فلورنسيء إلى بغداد نحسو عام 
لكي يتعلم العربية ولكي يحاول تحويل مسلمين إلى اعتناق المسيحية!"'). 
وهو يصف العجب الذي أثارته في نفسه مدينة بغداد (والتي» مع ذلك؛ لم تكن 


١8 


آنذاك ما كانت عليه قبل الاجتياح المغولي لها في عام :)١504‏ بهاء بيوتهاء جمال 
حدائقها» ورع وكرم سكانهاء علم العلماء. ويدرس ريكولدو القرآن بالعربية؛ ما 
يجرفه إلى حيرة عظيمة. فهو يرى أن هذا النص ملئ ب «أكاذزيب»: كالمزاعم 
التي تذهب إلى أن يسوع ليس الله أو أن يسوع ورسله مسلمون. وأكثر ما يزعج 
ريكولدو هو أن يسمح الرب ب «تجديفات» القرآن. ولذا يوجه شكوى مباشرة إلى 
يسوع: «بقلب محروقء وفي ألم يتعذر تحمله؛ بينما أقرأ القرآن» غالناء وأنت 
تعرف ذلك؛ كنت أضع الكتاب نفسه؛ مفتوخاء على مذبحك؛ أمام صورتك وصورة 
والدتك جد المقدّسة» وكنت أقول: «اقرأء اقرأ ما يقوله محمد!» وكان الانطباع 
يخامرني بأنك لا تريد أن تقرأ»9*). والحال أن الرب؛ بعيذا عن أن يعاقب 
«السراسنة» على «تجديفات»همء أنما يبدو أنه منحاز لهم؛ إذ يمنحهم انتصارًا 
تلو انتصار على المسيحيين» خاصة عند الاستيلاء على عكاء من جانب الأشرف 
خليل» سلطان مصر المملوكي. 

ويرجع ريكولدو إلى إيطاليا نحو عام ١٠٠٠١‏ ويكتب هناك مصنفه ضد شريعة 
السراسنة؛ وهو ردٌّ على القرآن. والأخ يعرف جيذا النص القرآني» الذي يعتبره 
اخثلافا قازبه محمد الذي رشجبه ما يعتيرة لأعذاح: صانسكه وكفره ولا عتلاتينم: - 
ويزعم ريكولدو أن محمد يفصح.ء في القرآن» عن الحقيقة المسيحية من دون أن 
يفهمها. ويستعيد ريكولدو محاجات المساجلين السابقين ليثبت وجود الثالوث؛ بصيغ 
الجمع ؛ كما يستشهد بفقرات تثبت»؛ إذا ما صدقناه؛ وجود الروح القدس والمسيح؛ 
كلمة الرب. وإذ يلاحظ أن القرآن يثني على التوراة والإنجيل؛ فإنه يتساءعل عن 
السبب؛ والحال كذلك؛: في أن المسلمين لا يدرسونهما. إنهم لو فعلوا ذلك لكان مسن 
شأنهم عندئذ اكتشاف خطأهم فورا: لكنهم» لتفادي مواجهة الحقيقة» يحظرون دراسة 
الكتاب المقدس» مثلما يحظرون الاطلاع على الفلسفة. ويؤكد ريكولدو أن السراسنة 
لديهم؛ في الحقيقة؛ أربع حيل للحيلولة دون افتضاح خطأهم ؛ فهم يقتلوز كل من 
يهاجم القرآن ويحرمون كل نزاع ديني ويحذرون السراسنة داعينهم إلى عدم 
تصديق ما يقوله من ليسوا سراسنة» وهم يعلنون «لكم دينكم ولي دين»7''). ويبقى 
غريبًا مع ذلك؛ في نظره؛ أن يفضل السراسنة القرآن على الإنجيل ؛ ومرة أخرى: 
لابد أن هذا يرجع إلى لا عقلائيتهم؛ التي ليس لها غير علاج واحد: «ترتيبَا على 

168 


ذلك؛ عندما تظهر بعض الشكوك في القرآن وبعض الأسئلة التي ليس من شأن 
السراسنة التمكن من الرد عليهاء فإنه يجب ليس فقط دعوتهم إلى المشاركة في 
مأدبة الحقيقة [أي اعتناق المسيحية]ء بل إرغامهم على ذلك06). وييدو أن 
ريكولدو يقول إنه عندما لا تنجح محاجاتنا العقلانية في إقناعهم» فإنه يجب إرغامهم 
على الانضمام إلى الكنيسة. فهو يوصى باستخدام القوة عندما يفشل الحوار. 
وسوف يصبح كتابه واحذا من أكثر البحوث المعادية للإسلام فوزًا بالمطالعة من 
القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر ؛ وسوف يترجمه مارتن لوثر إلى 
الألمانية. والحال أن تصويره للسراسنة على أنهم متعصبون عنيفون ولا عقلانيين 
وبينهم وبين العقل حجابء ويتعذر مواجهتهم إلا بالقوة» هو تصوير قدَرٌ له أن 


النزعة الإنسانية ورفض الثقافة العربية 

على المستوى الفكريء نجد أن العلاقات بين الثقافة العربية والثقافة الأوروبية 
تضعف في القرئين الرابع عشر والخامس عشر. وقد انقضى عصر الترجمات 
العظيم» حتى وإن كان يجري الاستمرار في ترجمة بعض النصوصء كما سبق لنا 
أن رأينا فيما يتعلق بالطب. والحال أن حركة جديدة إنسانية النزعة؛ قائمة على 
إجلال للعصر القديم وتتطور في جانب كبير منها في بلاط كبار أمراء إيطالياء إنما 
تضع نفسها في موضع التعارض مع الثقافة الإكليريكية في الجامعات. وضمن 
الشغف بثقافة العصر القديم ورفض الثقافة الجامعية؛ يُبدي بعض الإنسانيين 
احتقارهم لكل ما يسمونه بازدراء بأنه «قوطي» أو «قروسطي»؛ خاصة كل ما قد 
يكون لملمة جرمانية أو عربية مضافة إلى الثقافة القديمة. 

والحال أن يترارك :)١575-1١05(‏ الصديق الفلورنسي لبوكاتشيوء 
والنصير المتحمس للحملة الصليبية» إنما يثور على سيطرة الكتاب العرب علسى 
فكر معاصريه. ويؤكد بترارك في نصه رسائل الشيخوخة أن الإغريق أرسوا 
أسس الطب وأن العربء وهم أطباء تافهون» قد يتعين «منعهم» من مزاولته. وهو 
يعلن «إنني احتقر جنس» العرب «برمته». وهو الذي لا مراء في أنه لم يتمكن قط 
من قراءة قصيدة عربية واحدة يعتبرهم شعراء سيئين. وهو يتهم الأطباء 


1١6٠ 


الأوروبيين بإجلال ابن رشد كما لو كان نصف إله؛ وبأنهم يفضلونه على المسيح 
نفسه. وهو يصفه بأنه «كلب مسعور ينبح ضد المسيح» ؛ وهو يرى أن ابن رشد 
يؤذي ب«سمه» المعجبين المسيحيين به. أما فيما يتعلق بمحمد» فهوء في رأيهء 
دجال» مختلق حكايات باطلة وموضع عبادة مقززة عند قبره في مكة (القبر موجود 
في الواقع في المدينة المنورة). أمّا دانتي فقد قام؛ في الكوميديا الإلهية» بإدراج ابن 
رشد وأبن سينا في دائرة «الوثنيين الطييبين»؛ إلى جانب المعلمين الكبيرين 
أفلاطون وأرسطو ؛ ويبدي بوكاتشيو مرات كثيرة تعاطفه وإعجابه بشخصيات 
عربية» خاصة صلاح الدين» ويعبر عن نزعة نسبية دينية معينة في حكاية الخواتم 
الثلائة. ولا شيء من هذا القبييل عند بتراركء؛ الذي يكره العرب ويريد 
«نفي»هه!!؛). 

وهو ليس الوحيد في ذلك. فمارينو سيكولوء في أواخر القرن الخامس عشرء 
يرى أن السبب في قلة الإقبال على دراسة العربية هو أنها لغة همجية. وفي حقل 
الطبء يستعر جدل في القرنين الخامس عشر والسادس عشر: هل يجب استبعاد 
العرب ومحاولة العودة إلى «نقاء» الطب اليوناني» وفق جالينوس وإيقراط؟ إن 
سيمفوريان شانبييه »)١518- ١51/1(‏ الذي يقوم بتدريس الطب في مونيلييه؛ إنما 
يعترف بقيمة عمل ابن سينا لكنه يحذر قراءه من التأثير السيئ الذي قد يكون 
ل«الفلسفة الجوفاء والهمجية» لهذا «المرتد الكافر» على الطب المسيحي. وهو 
يلعن أطباء المدارس الطبية الأوروبية الذين يقبلون أن يكون برنامجهم الجامعي 
تحت سيطرة «العرب والفرس والهنود والمحمديين». أمّا ليونار فوك» في نصه 
ثلاثة كتب في مفارقات الطب (1575١)؛‏ فهو يؤكد أن العرب لم يبتكروا شيئًا وإن 
كانواء شأنهم في ذلك شأن الخطاطيف الخرافية» قد نهبوا الإغريق ولوثوا كل ما 
لمسته أيديهم. 

لكن كتابًا آخرين دافعوا عن ابن سينا وبشكل أعم عن إسهام الكتاب العرب 
في العلم. ويظل كتاب القانون مرجعا أساسيًا في تدريس الطب في أوروبا حتى 
القرن الثامن عشر7” “). والحال أن صديقين» من كبار رموز النزعة الإنسانية في 
القرن الخامس عشرء هما مارسيليو فيتشيني وييكو ديللة ميراندولاء إنما يعبران 
عن إعجابهما بكبار المفكرين العرب كالفارابي وابن سينا وابن رشد. وقد قرأ بيكو 


١١ 


القرأن باللاتينية وهو يحاول تعلم العربية لكي يتمكن من قراءة الأصل. وهو 
يستنتج من قراءته أن كل ديانة من الديانات الكبرى تتضمن جزءا من الحقيقة. وفي 
مناجاته حول كرامة الإنسان» يستشهد في استحسان بحديث لمحمد يذهب إلى أن 
الإنسان الذي يبتعد عن الشريعة الإلهية يسقط في البهيمية0*). إلا أنه في عصر 
يقوم فيه العثمانيون بفتوحات مهمة في وسط أوروبا وفي عالم البحر المتوسط؛ فإن 
قليلين من الإنسانيين يبدون روح الانفتاح التي أبداها فيتشينو وبيكو. 

وفي بعض المجالات» يتأثر مستوى المعرفة بذلك. ففي علم الخرائط؛» يبدي 
القرن الخامس عشر شغفا ببطليموسء الذي يعتبرونه المرجع القديم الأعظم في هذا 
العلم. والنتيجة أن علم الخرائط يتقهقرء خاصة في البحر المتوسط؛ حيث الخرائط 
المستندة إلى بطليموس أقل دقة من خرائط الموائئ المعذة انطلاقا من المعارف 
الملموسة لملآحي البحر المتوسط7'“). ومن ثم فإن رفض التركي وعبادة العصر 
الإغريقي - الروماني القديم إنما يقودان إلى إعادة صوغ للمخيال التاريخي 
والثفافي الأوروبي. فيجري نفي التراث المشترك الشري لحضارة متوسطية 
مشتركة. ويجري البدء في تصور «الإسلام» بوصفه حضارة غريبة ومعادية 
لأوروبا. 

لكن شهادة مثيرة للفضول تشهد على الأهمية التي كانوا لا يزالون يولونها 
للْغة والحضارة العربيتين على عتبة العصر الحديث. فعندما ينطلق كريستوفر 
كولومبوس من قادس خلال رحلته الأولى عبر المحيط الأطلسي في عام 2١1517‏ 
يأخذ معه لويس دي تورسء وهو يهودي تحوّل مؤخرً! إلى اعتناق المسيحية حتى 
يتجنب الطرد من إسبانيا. وقد تحسب كولومبوس لوصوله إلى بلاط خان الصين 
الأكبر وكان يعرف أنه قد لا يكون هناك من يتكلم باللاتينية» ناهيك عن الكاستيلية. 
ومن هنا ضرورة أن يكون بصحبته ترجمان يتكلم باللغة الدولية للتجارة وللعلم: 
العربية. والحاصل أن سكان جزيرة سان سلقادور الذين انتابهم الذهول لدى رؤيتهم 
السفن الشراعية الإسبانية الثلاث في أكتوبر/ تشرين الأول ١517‏ كان لهم الحق 
في الاستماع إلى خطبة بالعربية» من لويس دي تورّس. فأول كلام نطق به 
أوروبي أمام أميركيين كان بلغة القرآن. 


16١ 


بيبليوجرافيا مختارة 


نصو صن 
ذا عل عدوغطامالطأ8 » ,لصددذااد0 بعقتدط ,عوطعج كتويصوض/! ,(لضا) علبنوط ارو 
.1995 ,« 61306 

-عنال ةا اء ختملاءنالمطكمذ عمه؛ ها عق تامع ::0© ,لةسسقطسكة مستعذ له نطخ ,لموسوتا م15 
عنقا 1 عننمم علقعرم ةأقدعاها «ولكسأسورم ,طاتمويرع8 اعزللا .0 اء ستعصص]! .11 .ل عل دمأ 
.1964 ,عدم لداعيك كعل رمن 

.1999 ,الو أكقمدكدا"! ,كاية2 ,اامفاعم0'| عل ونام دعمغت) عبن معط صا ,موي10 

.98 ركاومء]8 ,اناه تأتاتدا!' ,علمكام عا«بفامرجتاء هآ ع كعرااما ,بصاثلا عل كعنوهح3 

تيوط ,أعسوتلة 3 عل ممتاعنلدن ,كفكامت عسه عممل بعتررد معدم عرنا ردالأوحسلة صطأ مصمقد 

86 ,اردع 


در اسات 


01ل نت 6#كلزعن عل 01717111101416 10216 ١‏ 5(7125[ 7710710116 كأمم] كعك عفوزمن ها لم رععومظ ,ععلامسم 
.1993 ,أعطعنقة متطلة بكضوط وعم 

2006 ,ععر ها عل كعم ته 1أكئع درن وعومعع2 ركأموط ,انع 0 نك كترناصا كما ,أعطعتقظ ,امسولفع 

.5 ,نذآم لمهدسصة ,حفيوط رعوق «عرماط به جعكندممام0 ,(كلة) «عتاعع بط ستولة أء اعداءزا؟ ,لبداده 

نملا ,عتطماعلدائطط ,40-1560 | أ ,71ه0:ء د كلها :أ اجة ج04 ع١[‏ براللقمع2 ,كقدده12 ,رمقدصصي8 
.2007 ,كسمر2 وأمه ا ركممع" آ0 بزالودع 

وإماعمى هأ عراأه : ا«تهاك © #اتتصناكت هما « أنقاصص » أعل و«منيهعطفا ها ,(.60) هتاذ رعدمالموت 
,2000 ,ممدعتاة/! ماعيء5 واللاعق ,مقعتئة ,121:00710ثثاس وتدأمعد ع هوام رءأأها : مقزاع أذ » 

,77806 بعالل عفما : فاعمثلا تتدعننهجء 1/12 عجن جا «عع :ه517 عد عاتأعانو8 ,عتصعه وتان ,عاطم كوم 
لاأكعاتونا ععلفطدمهة ,عولتطاسمد ركعهية ء1ل0ةاا! عذا فتنه رلأارهةااد4ق عاها 1 أونحه1 8 

5, 000, 

1160ل وتأمعةا أمءدعارد:0) 1116 : زتهو5 اساأعمساط 1١1‏ لم10 فده 15046 ,عنمعظا مترخ01 ,علطماكومه 
.94 ,وعم لإأأسعطزونا عولتصسطحصة© ,عولضصتط سد ,900-1500 ,عاباكستدعط سوامعطة 6[ ]0 

,الأله© لتمككة ,تفط عع بعنزواا بده «سمائن نك مرعاج0 ل دنعتفصي رمتدلة بععاأععسح 

.2008 ,0أتهزاسما؟ ,كضصدط ,ا1الملعد ,عفدت طاعدهة ,18006 

*4ا(تأناكلة1!! 0115 |1105 كفك 116و أ |0 أصممم 0(1أله ان مععنتدأنا .وجنات | دعل :11 هأ ك 7هأر اا ,طتوعل ,ضما 
. .07 ,اندهعك ,حتيوط بعامضالة 6ارعذاة م هأ دمل كه 

7م لبرارة | تنقاه] 1110 ان (ورمكترصال أده زاابااامهت) : كماتعاد تممساعط “6 أزنلمم 2116 لصولا رممصرلم تم 
2 ,الققظا ,معلاعا ,؛«عتمئمع ةل إه 

عط ,كتيةظ ركع هوا 3 ,كماعؤاء “حدما : أونطاقففه تم ««أبكيسم علصولة ,.أه أء ملندلع-ممع1 ,مأعيونت 
1995-00 ,ععووصظ عل دع أها لدع لهن ومو 


١ ؟ه‎ 


أفحث 71041 411 اتأسكناه 710:0 باك كعنمان ع0 نجع ]ثه71 كعلالا :ه02 ,مه اه علسها-صسدءة ,وتعدن 
.2000 ,عصرمظ عل عكنمجمد] عامعظ بعسصومع. 

اندأاكا 1 كنم نعع 1١11‏ : وليه لم0 لضع رولك عتودم© ,(.كل6) أعمطاا8 تعسهط اء اعمطاعناا جعجحعهة 
أ الوا اتلانا ,اهمده ,دعام ا رادعت) واندرعع] تايراع وذ «انطعاظ ,كلت«صة عنجمادا د عمتجن ددم 
,1990 ,سمعدرم وارصوره؟ 

كه قفارملا طمعمة ء:[! إن كع أاةانانام اه وأكتمول :11 ١‏ واعاعمك «جمءددم مع األءا1 4 ,مصعاطذ ,معخته6 
عده ]اله أت تتح تمن ,وعلعطع8 .لهب 6 ,ممتوع6) وعته عط إن داتع ع0 عدا وأ لعتزمماجمم 
1966-8 روقمم2 كت 

تع تون سماعع ماو ,«ماأععصتاظ ,ا7عأعديدع[ عنتصماوا برأممط : نواوط عط ]ه عجرهطد 11:6 رعء01 ,عقطدد0ن 
6 ركععم2 الو 

1 اكم إن 1201010011 1112 ,(.كلة) مقدده1 لتنوط اء ومكعموسرك علندكة ,ماعب مسممقصومع ,نمعوم0ن 
.2006 ,الأحظ ,معلاعنآ ,أدرمأكا جأسمع طاته ولثمم اكرات 

ركو غانهاأناكونند عبوموكة'أ عك عرأواكاط ع ,711-1492 : كنداع لم4 -لمق ,عصعزه ,لممطعنن©6 
١‏ 200 ,عااء اعد 

.991 ,لندع؟ ,كتمجط ءيق تعدرماط به كدوم ,(عل) وتعلة ,دغطن] 

-كالط امام ,« اطونمط؟ أمعتمماكأة؟ ععموككتفمعظ وذ تردأك1 أه كممتمسظ » ,اأمتدصيداا رعمعمولة 
2008 ,نومع2 براأورع بصنا لموصحد1آ1 ,(,كجما/1) عولتفقطصسقك ,158 ,ععتفلساد لمعتما 

إن 5ءأ لأ سجن «الأكساطا انه «زاأ7مطايدة كبامتئناعظ : هادا إه كد«ملمي2 ,.ة صصطامك! نما انل 
.2008 ,كوع:2 ننج لطع ادنلا متطمد لم0 ,عأرولا بع 1ط ,لثممك لممعالعاة عاصهآ 

بلول 4 رعاعةاى كنا ياه وكيز 01ه1«الأناكا: 0:10 ع| 0015 16تله تدب[ مأ تأ مج000 مآ ,عغتلصة ,اعيجنتقة 
.1967-1988 ,وممان14 ,عنزد11 مآ ,جذروم 

ركعهم ١1 ١:00‏ دا دءأا مسالط إه جم ةالععووط ,ععدءأه ةلا إن كئأاء سمه ,لتحوط©ط ,بومعطدع لح 
.1996 ,ممعوط برازومع زولا رماععصقط. رمماءععموم 

7 ,اننع ,كامج8 ركع0) 3 , كعطهته كمع نعاعى كعل مجامكة1ة .اه نه تلطومع ,لماممط 

1996 ,العلمع7 اناق ,كأمة2 ,كعلمعام0 كعك عدائةق ,ممطتمصم ,طاتمك مانم 

عمجن أألثاة هأ ن عنوتاده علانه عطقف !ا ها عل : ععونماعي'! اء كعنسماعئط دعا ,لويملا اتقترامه 
.2004 ,كعصااعآ وعااع8 ععآ ,عفدو ,ععاعةتى /لاءانا رعلت 16016 

سوأمأل كددمتاماعم كعل عقناة ا © 1001لا طاراتام» : :7تهأول'] ك انءأع71أأوجهء علددمك8 عة ,عممتاتط8 ,عمدفدك 
.2006 ,تتهااتهة كنا ,ختتوط ,كعاعةأى زربا موق «عجوال عط عأ أاتوللمم كعبدوأاات 

عقه عطمرت علنر0ةج عأ اء عترللها عممنتانا .عءتععو عنقي نيع اك اأألانق عت كعسنااايت© رصطاول رمهاه]؟ 
.209 ,كعصوع18 ع0 كعمتهاأكعلالمنا ومووعرط ,وع مومع ير م 

العلط .اتنمأكة] عل اء مكتكع ةل كتهجاتهم] عل + «التزمع:ع7 هأ : تتهاأيدك أ عع انأعد عم ,مطول ,هداه 
07 ,اأنداء5 ,كخيوظ ,عمو أله اف ءار 'ل كع 1د 

بتمأطاسة ,عتعوه رمعم بعرزواا ننه انعفد مسننه 7#تهنعمرجنا'| عامل بعاد : كت«فكهم 50 كمة ,بصطول ,مداه 
6 ,« ك7 هط » ,لممتتمصتود1 رمصوط رعطاعمم و«مكلل»ة : 2003 ,+ عبوضماوتط ممناءء1!اه00 ٠»‏ 

,2000 ,لتدء5 ,ختفدط رععق وعنهماا ينه ععمنره؟! اء مادا ,فهيه!]! ,تتديه]؟ 

بتقتاسة ,كتهو ,مأك تك 15م أاععلامه اه كعوفلاهتأطاط : عددوععهد ه ع:أم: فآ ين 


الجز 2 الثاني 


أوروبا والتركي الأكبر 


5 
جيل قاينشتاين 


الاستمرارية والتغير الجيوسياسيان 


لا يفتقر مؤرخو العوالم خارج الأوروبية وخاصة العالم الإسلامي إلى 
المحاجات حين ينتقدون التطبيق الخالص والسهل للتحقيب التقليدي للتاريخ 
الأوروبي على الموضوعات التي يدرسونها. والحال أن رقعة «الحقبِة الحديئة» 
بالأخص هي التي تثير مشكلة. ولنتذكر أنها تنطبق على عصور تمتد من 
الرينسانس إلى الثورة الفرنسية؛ ومن ثم فهي تبدأء بحسب البلدان» في القرن 
الخامس عشر أو القرن السادس عشرء لكي تنتهي في أواخر القرن الثامن عشر. 
ومن ثم فهي تتميز في أن واحد عن العصر الوسيط وعن الحقبة المسماة 
بالمعاصرة:؛ والتي تتطابق مع القرئين التاسع عشر والعشرين. فما المعنى الذي قد 
يكون لهذه الرقعة خارج التاريخ الأوروبي؟ وما المعادل؛ في العالم الإسلامي في 
القرنين الخامس عشر والسادس عشرء مثلاء للتغيرات الفكرية والفنية والسياسية 
والدينية التي فرضت في الكتابة التاريخية في الغرب مفاهيم الرينسانس والإصلاح 
[الديني]؟ في هذا العصر نفسه؛ في العالم الإسلامي؛ نجد أن الاستمرارية تتفوق 
على القطيعة؛ من نواح كثيرة. وعندما اقترح» في وقت ماء أخذ العام ١469‏ 
بوصفه تاريخا فاصلاً بين العصر الوسيط والرينسانسء لم يكن الدافع إلى ذلك هو 
ذلك الانتصار الذي أحرزه الإسلام والمتمثل في فتح القسطنطينية على يد السلطان 
العثماني محمد الثاني؛ بقدر ما كان الدافع إليه هو تدفق علماء ومخطوطات قديمة 
من بيزئطة إلى إيطالياء وهو تدفق استثارته ندر هذا الحدث أو الحدث نفسه؛» الذي 
اعتبر واحذا من مصادر العودة إلى العصر القديم التي أعلنها الإنسانيون. أمّا فيما 
يتعلق بالعام ١497‏ الذي جرى تفضيله في نهاية المطاف كنقطة انطلاق للحقبة 
الحديثة؛ فهي يدين بهذا التفضيل بالتأكيد لحملة كريستوفر كولومبوس الأولي في 
أميركا بأكثر مما يدين به لسقوط غرناطة» آخر كيان مسلم موجود في إسبانيا. 

ومع ذلك: فإذا كان القرن السادس عشر لا يمثشل في الواقع في العالم 
الإسلامي قطيعة ثقافية من النوع نفسه الذي أَرِيد التشديد عليه بالنسبة للغرب» فإن 
هناك مجالا يُعَدُ فيه هذا القرن» بالنسبة للعالم الإسلاميء مرادفا لقطيعة: قطيعة 
الجيوسياسة. فعندئذ تظهر بنئ سياسية جديدة في داخل العالم الإسلامي» مثلما ينشأ 
تقسيم ترابي جديد بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي. 

١ اه‎ 


الإمبراطوريات العظمى في العصر الحديث 
في القرن السادس عشر تحديذا تفرض ثلاث إمبراطوريات عظمى نفسها 
و المشهد السياسي للعالم الإسلامي وسوف تواصل التأثير عليه: بمصائر 
متباينة» في القرون التالية. ففي عام 1577» ينطلق التركي - المغولي بابور- 
المنحدر في أن واحد من جنكيز خان وتيمور لنك - من مملكته الأفغانية الصغيرة؛ 
فيستولي على الينجاب ولاهورء نقطة انطلاق إمبراطورية مغول الهند الكبار هذه 
التي سوف يعطيها حفيده أكبر )١١١6© - ١555(‏ أعظم بهاء لهاء والتي ستشهد 
أقصى توسع ترابي لهاء في ظل أورانجزيبء في النصف الثاني من القرن السابع 
عشر. 
وقبل ذلك بعقدين» في عام »١ 5٠١‏ نجد أن شاه إسماعيل ,)١514- ١581‏ 
الوريث الشاب للقادة الروحيين التركمان للأخوية الصفؤية المارقة التي ترجع 
أصولها إلى إردبيل في أذيربيجان» قد استولى على تبريز وأعلن نفسه شاهاء معطيًا 
بذلك بداية لتكوين الإمبراطورية الصفوية التي توحد إيران وتصبغها بطابع الشيعية 
الإثنى عشرية. والحال أنه في ظل شاه عباس الأكبر (ا4ه١‏ --1579). الذي 
يجعل من إصفهان عاصمة له في عام :١6314‏ سوف تنجز هذه الإمبراطورية 
طابعها الإيراني وسوف تشهد أوج عظمتها. 
أما فيما يتعلق بثالثة إمبراطوريات الحقبة «الحديثة»؛ الإمبراطورية العثمانية؛ 
فهي قد ولدت قبل ذلك بقرئين - ومن ثم في العصر الوسيط -» إلا أنه في القرن 
السادس عشر أيضناء في عهد سليمان القانوني :)١1555-01670(‏ تصل إلى 
أوجها وتبلغ تقريبًا أقصى توسع لها ؛ وإذا كانت ستستفيد في القرن التالي من 
بعض الإضاقات الترابية» فإن هذه الإضافات سوف تظل ضصسئيلة نسبيًا. كما أن 
الإميراطورية العثمانية سوف تكون الأطول عمر1 بين الإمبراطوريات الثلاث لأنها 
لن تنتهي إِلأّ في عام 117. وهي بالأخصء؛ كما سوف تتاح لنا الفرصة لبيان 
ذلك باستفاضة: الأهم؛ بكثيرء في العلاقات من كل نوع بين أوروبا والعالم 
الإسلامي في الحقبة التي نحن بصددها. ولا يكفي أن نقول إنهاء من بين الثلاث؛ 
الأقرب إلى أوروباء لأنها في أوروبا نفسهاء ولأنها تحتل ثلث أو ربع هذه القارة 
ولأن عاصمتهاء إدرنه ثم اسطنبول» موجودة فيهاء منذ القرن الخامس عشر. 


١ ذه‎ 


ومن المؤكد أن هذه الإمبراطوريات الثلاث لا تمثل بحد ذاتها كل العالم 
الإسلامي. فقد نجحت دول أخرى في البقاء مستقلة عنهاء بفضل بُعدها الجغرافي 
عنها أو باللعب على التنافسات القائمة فيما بينها (الخانيات الأوزبكية في أسيا 
الوسطى» مثلاء أو مملكة المغرب الشريفية ؛ ناهيك عن سلطنات أفريقيا السوداء 
أو سلطنات إندونيسيا). لكن التبسيط السياسي الذي أحدثته للعالم الإسلامي باختزاله 
بالكامل تقريبا في هذه الكيانات العظمى المعدودة والتوحيد النسبي الذي تمثله» 
حتى وإن كانت تفصل بينها تناحرات سياسية - دينية حادة (كما بين 
الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية)؛ إنما يظلان مثيرينء بالمقارنة مبع التمزق 
الذي شهدته الحقب بعد العباسية أو بعد المغولية. والحال أن هذه الإمبراطوريات 
القوية؛ طالما حافظت على رسوخهاء كانت حاجزًا في وجه أي محاولة محتملة 
للتغلغل الأوروبي. 


نحو تقسيم إسلامي - مسيحي 

الواقع أن خاصية أخرى لهذه الحقبة «الحديثة»: وهي خاصية وثيقة الارتباط 
بالخاصية السابقة»؛ سوف تتمثل في إعادة التقسيم الترابي بين الإسلام والمسيحية. 

إن بواكير العصر الوسيط قد شهدتء في غمرة حركة الفتح الكبرى المواكبة 
لبدايات الإسلام؛ تغلغلاً مهما لهذا الأخير في أوروبا: في إسبانيا وفي البرتغال وفي 
جزر البحر المتوسط (صقلية» كريتء مالطة» قبرصء جزر الباليار) وفي جنوبي 
فرنساء لكن هذا الحضور كان في كل مكان عابرا إلى هذا الحد أو ذاك» إلآافى فِئي 
إسبانياء فبالنظر إلى أن سيرورة الاسترداد [860::15/4] كانت أكشر تدردٍ يجية 
نجد أن وجوذا إسلاميًا يبقى على مدار قرون» حتى عتبة العصر الحديث. والحق 
إننا نجد في شرقي أوروبا أن أقاليم جنوبي روسياء المندرجة في ذلك الجزء من 
الإمبراطورية المغولية الذي يأخذ اسم العشيرة الذهبية» قد عرفت ظهور! للإسلام 
أكثر تأخر! من الناحية الزمنية» يرجع هذه المرة إلى أسلمة هذه العشيرة نفسها في 
القرن الرابع عشر. وإذ تفعل هذه الأقاليم ذلك» فإنها كانت تمضي في اتجاه معاكس 
للسيرورة العامة الخاصة بنضوب الإسلام في أوروبا. 


١-8 


ومن جهة أخرىء كان الأمراء والفرسان الأوروبيون قد قطعوا شسوطا أبعد 
بكثير في مراجعة مواقع الطرفين» بمحاولة الهجوم على المواقع التي اكتسبها 
الإسلام؛ منذ بداياته» في الشرق الأدنىء على حساب المسيحية البيزنطية. ذلك كان 
هدف الحملات الصليبية التي أدت في الواقع» في مرحلة أولى؛ إلى استعادة كنيسة 
القيامة من الكفارء بين عامي ٠١59‏ و87١1‏ كما أدت إلى تكوين مملكتي 
أورشليم وقبرص وكونتية طرابلس وإمارة إيديس (كما إلى تكوين إمبراطورية 
القسطنطينية اللاتينية). لكن المراجعة باءت بالفشل أمام رد الفعل الإسلامي و» في 
عام ١1793هء‏ لم يبق بعد شيء من الدول اللاتينية فيما وراء البحار. ومنذ ذلك 
الحين» أصبحت الأمور واضحة. نأي ديانة من الديانتين التوحيديتين الكبريين 
المتميزتين بميلهما إلى الانتشار العالمي» وهما ديانتان متنافستان بحكم طبيعتهماء لم 
تتوصل إلى إزالة الديانة الأخرى. وقد بدا أن الاتجاه يمضي إلى تقسيم ترابي: 
فللمسيحية؛ أوروبا التي من شأنها أن تتماهي لذلك مع ال كم/:«م:1/© [عالم, 
الجماعة المسيحية] ؛ وللإسلام» ما وراء البحارء أي الشرق الأوسط وكذلك 
المغرب. وهناء قد تتأبد آثار الموجة الأولى للتوسع الإسلامي. ومن المؤكد أن 
الجماعات المسيحية من شأنها أن تستمر في هذه البلدان التي كانت قد شهدت ميلاد 
المسيحية: إل أن من شأنها أن تظل موضوعة تحت سيطرة الهلال» وقد لا يكون 
من شأن الهوة مع الجماعة المسيحية الغربية» مع روماء إلا أن تزداد عمقا. فبأي 
قدر يتأكد هذا النمط في الحقبة الحديثة أو بأية أشكال تؤدي هذه الحقبة؛ على 
العكس من ذلك؛ إلى نفيه؟ ١‏ 


المماليك والبرتغاليون 
لنأخذ أولاً حالة المشرق» أي حالة مصر وبلاد الشام. في القرون الثلائة 
الأخيرة من العصر الوسيطء كان هذا الجزء الرئيسي من العالم الإسلامي قد صانه 
النظام المملوكي من خطر الصليبيين والمغول في آن واحد. والحال أن هذا النظام» 
المُعزّز بثرائه وقوته؛ كان لهذا السبب نفسه السيد الحامي والراعي للأماكن المقدسة 
في مكة والمدينة والمنورة وللحج السنوي الكبير. إلا أنه في أواخر القرن الخامس 
عشر وأوائل القرن السادس عشر يصطدم المماليك بأطماع قوى جديدة صاعدة في 


15 


د اخل العالم الإسلامي (أعني العثمانيين والأكويونلو)» مثلما يصطدمون بخطر 
كافر من نوع جديد: ففتح البرتغاليين لطريق بحري إلى الهند بالالتفاف حول 
أفريقيا يوجه ضربة مميتة للماليات المملوكية بتحويل تجارة التوابل عن شرقي' 
البحر المتوسط. وقد ذهبت التقديرات إلى أنه بين عامي ١595‏ و5١15»‏ انهارت 
الواردات القادمة من الإسكندرية بنسبة الثلثين بينما انهارت الواردات القادمة من 
بيروت بنسبة خمسة أسداس (تجارة البندقية في التوابل من شرق البحر المتوسط 
سوف يتم استتنافها من جهة أخرىء كما سوف نرىء في فترة لاحقة في القرن 
السادس عشر”")). لكن هذا ليس كل شيء: فوجود الأسطول البرتغالي» تلك القوة 
الكافرة» في المحيط الهندي وعلى مداخل البحر الأحمرء إنما يُنظر إليه بوصفه 
تهديذا للأماكن المقدسة. وفي عام »15٠©‏ كان البرتغاليون قد ظهروا أمام جدة. 
وبمساعدة من العثمانيين (الذين تعاونوا مع المماليك قبل إزاحتهم) ومن البنادقة. 
(الذين يُعَدُ الابتكار البرتغالي بالنسبة لهم ذا عواقب ليست أقل كارثية)؛ أرسل 
المماليك أسطولاً إلى المحيط الهنديء ألحق الهزيمة بالبرتغاليين في شاول في 
مارس/ آذار ١6٠١‏ وطردهم من ساحل جوجيرات. لكن النجاح المملوكي سرعان 
ما سوف تمحوه انتكاسة مميتة: ففي عام »١6١4‏ يجري سحق الأسطول المسصري 
في ديو من جانب البرتغاليين الذين حصلوا علاوة على ذلك على تأييد من 
الجوجيراتيين. وهكذا جرت إزالة المماليك من المحيط الهندي. 


العثمانيون والبرتغاليون 

أدت هذه التطورات إلى إظهار الانحدار المملوكي» وبهذا نفسه أظهرت 
الهشاشة التي أصابت قدرة المقاومة الإسلامية في هذه المنطقة الرئيسية؛ لكن 
العثمانيين لم يتأخروا كثيرً! في سد الثغرة بالحلول محل المماليك. ففي العقود 
السايقة» كان صعود قوة العثمانيين قد أدى بالفعل إلى احتكاكات بالمماليك وخاصة 
إلى تنافسات ترابية في شرقي آسيا الصغرى ؛ على أن السلطان بايزيد الثاني 
وخليفته سليم الأول نفسه؛ في مستهل عهده؛ دعما المماليك في تصديهم للبرتغاليين. 
وهما إذ فعلا ذلك» كانا متجاوبين مع ضرورات التضامن الإسلاميء أَيْا كانت 
حساباتهما المحتملة. والحال أن سليم الأول؛ الذي كان قد ألحق الهزيمة في عام 


فجن 


4 بملك فارس المارق؛ شاه إسماعيل الشيعيء قد بثل آنذاك خصمه محولاً 
سلاحه ضد السلطان المملوكي قنصوه الغوريء الذي كان حتى ذلك الحين حليفه. 
ثم إن المبرر الوحيد الذي أمكن لسليم تقديمه لانقلابه ولهذا العدوان» غير المشروع 
من حيث المبدأء ضد أخ في الديانة السنية» ولا يمكن مؤاخذته دينيّاء كان التذرع 
بوجود تحالف سرزي بين المماليك والمارقين الفرس ضده. وخلال حملة ظافرة» 
تتميز بانتصار مرج دابق (4؟ أغسطس/ آب »)١515‏ ألذي يمنحه سورياء ثم 
انتصار الريدانية (” يناير/ كانون الثاني »)١65١1‏ قرب القاهرة» والذي يجعل منه 
سيد مصرء يحل العثماني نفسه محل السلاطين المماليك. ويبدو أنه هو نفسه قد 
استغرب من السهولة النسبية لنجاحاته» الراجعة في جانب كبير منها إلى تفوق 
مدفعيته وأسلحته النارية التي أصابت الفرسان المماليك بالعجز. ثم إن سليم سوف 
يفوز يمبايعة شريف مكة. والحال أن هذا الأخير لم يكن يملك في واقع الأمر خيارًا 
آخز حيال عدوانية البرتغاليين المتواصلة. فبعد بضعة أيام من الانتصار العثماني 
في الريدانية؛ غادر البرتغالي لويو سوارس جوا بأسطول وصلء في منتسصف 
أبريل/ نيسان؛ إلى مقربة من جدة ومن ثم إلى بوابات الأماكن المقدسة('). وعندئذ 
لم يكن بوسع الشريف إلا أن يضفي طابعًا رسميًا على محادثات كانت؛ بحسب كل 
أرجحية» جارية سرًا منذ عدة شهؤرء مرسلاً ابنه في سفارة إلى القاهرة:؛ للقاء 
سليم. وبحسب شروط الترتيب الذي تم الاتفاق عليه أصبح سايم الأول بدوره 
«خادم الحرمين الشريفين»؛ أي حامي أماكن الإسلام المقدسة والحج. وسوف نرى 
إلى أي مدى أخذ خلفاؤه هذا اللقب مأخذ الجدء سواء كان ذلك فيما يتعلق بالواجبات 
التي فرضها عليهم أم فيما يتعلق بالمبررات التي كان قابلاً لأن يوفرها لأعمالهم. 
ومن جهة أخرىء ليست ملحمة سليم غير الفصل الأول في سيطرة العثمانيين علسى 
العالم العربي. فابنه» سليمان القانوني» النشيط بشكل رئيسي على الجبهة الغربية» 
أي في أوروباء لن يكون أقل مواصلة لعمله؛ على هذه الجهة بالمثل. فسليمان» في 
حملته الكبرى بين عامي 4 و675١‏ ضد خصمه الصفوي شاه طهمسب؛ إنما 
يستولي على تبريز وبلاد الرافدين بما فيها بغداد» العاصمة القديمة للخلافة. وسوف 
تظل بغداد وأذربيجان موضع نزاع فيما بعد بين العثمانيين والصفويين. على أن 
العراقيل التي وضعها في وجه العثمانيين منافسوهم الكبار في هذه المناطق لن تمنع 


1١5 


الأولين من إبعاد الكفار البرتغاليين بشكل جد سهل؛ وأفضل مما كان بوسع 
المماليك عمله من قبلهم؛ عن البحر الأحمر وعن الخليج الفارسي. وهم يتوصلون 
إلى ذلك عبر خوض حملات بحرية تبقى نتائجها غير مؤكدة» كما يحدث عمومًا 
في المغامرات البحرية: ففي عام 1678 نجد أن والي مصر العثمانيء؛ الخصي 
سليمان باشاء والذي حلم منذ سنوات بمحاربة الأسطول البرتغالي؛ إنما ينطلق 
أخير! في البحر الأحمر بأربع وسبعين سفينة. وهو يتوصل إلى الاستيلاء على 
عدن وإلى توطيد الوجود العثماني في اليمن؛ لكنه يفشل في تحقيق هدفه الأصلي 
الذي كان يتمثل في الاستيلاء على القلعة التي كان البرتغاليون قد تمكنوا للتو من 
بنائها في ديو في عاميت575١‏ و15759. ويحاول البرتغاليون» من جهتهم؛ إبادة هذا 
التهديد البحري بشنهم في عام ١54١‏ حملة في شمالي البحر الأحمرء قادها ابن 
فاسكو دا جاماء دوم إستيبياوء كان المراد بها تدمير الأسطول العثماني الذي يتخذ 
من السويس قاعدة له؛ لكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف. وفي عام 21667 
يضطلع العثمانيون من جديد بحملة بحرية ضد البرتغاليين» عُهد بها هذه المرة إلى 
بحار واسع التجربة؛ هو بيري رئيسء الذي ظل شهيرا بسبب الأطلس الذي يحمل 
اسمه. والحال أن هذا الرجل إنما يحصل لهذه المناسبة على لقب «قبطان الهند»2. 
وهو يغادر السويس مع خمس وعشرين سفينة وأربع سفن شراعية كبيرة تقل 
ثمانمائة وخمسين جنديّاء والهدف هو الاستيلاء على هرمزء بوابة الخليج التي 
يحتلها البرتغاليون منذ عام ©1١15؛‏ وء إن أمكنء الاستيلاء على البحرين. وخلال 
تقدمه؛ ينهب مسقط لدى مروره بها ويفرض الحصار أمام هرمز. ولا يتوصل 
بيري رئيس إلى الاستيلاء على الجزيرة: بل إنه يفشل في إعادة سفنه» ما يشكل 
انتكاسة مزدوجة عادت عليه بالإعدام. وفي عام 1554.» يغادر سيدي علي رئيس 
البصرة. فيهبط الخليج الفارسي من دون عائقء محاذيًا ساحل شبه الجزيرة العربية 
عن طريق البحرء ثم يصطدم في مناسبتين بسفن برتغالية لدى خروجه إلى بحر 
عُمان. وفي المواجهة الثانية في مسقط؛ خسر عدة سفن من سفنه: غير المناسبة 
لظروف الملاحة المحيطية» والمختلفة تمامًا عن ظروف البحر الأحمر. وبعد هذاء 
يكابد عاصفة رهيبة قبالة ساحل مكران. وقد وجد أخيرا ملاذا في سورات على 
ساحل جوجيرات حيث تبعثرت بقايا أسطوله. 


1١57 


ومن جهة أخرىء؛ لا يكتفي العثمانيون بمواجهة البرتغاليين عبر عمليات 
بحرية» محفوفة دومًا بالمخاطر. فهم يتجهون في الوقت نفسه إلى توسعات ترابية 
على طول السواحل. وهم لا يقتصرون في ذلك (كما يفعل البرتغاليون من جهتهم) 
على التزود بنقاط دعم ذات غايات تجارية واستراتيجية:» كدهلك وعدن ومصوع 
وسواكن وبيلول أو مسقط. واعتماذا على تواصل تراب من الواضح تمامًا أن 
خصومهم البرتغاليين لا يتمتعون به؛ يتغلغلون أكثر فأكثر في ال 9اكدمرمابه/:::/ 
لكي يشكلوا ولايات حقيقية أو بيليربيليك اليمن (الذي تشكل في عام )١54٠‏ 
وبيليربيليك الحبش (الحبشة)؛ الذي تشكل في عام ١5505‏ ؛ وبالنسبة للخليج 
الفارسيء بيليربيليك البصرة؛ الذي تشكل في عام ١547‏ على أثر الفتح الذي قام 
به أياس باشاء بيليريك بغداد ؛ وبيليربيليك الأحساءء الذي تأسس في عام ١650‏ 
على الساحل الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة العربية. والحال أن الدوافع وراء هذه 
الفتوحات تظل دومًا غير مؤكدة جزئيًا ومن المؤكد أن المصالح الاقتصادية 
والضريبية لم تكن غائبة عنها. وكذلك المصالح الدينية» إذا ما أخذنا في اعتبارنا 
التهديد الذي يضغط به زيديو اليمن» وهم مارقون في نظر العثمانيين» على الأماكن 
المقدسة القريبة. ومن جهة أخرىء فإن مؤشرات كثيرة تشير إلى أن هذه المشاريع؛ 
بعيذا عن أن تكون عائدة فقط إلى خطة متعمّدة وتجري مواصلتها بتماسك 
واستمرارية من جانب السلطة المركزية» غالبًا ما كانت نتيجة ميادرات محلية. 
ويجب أن نضيف إلى هذا أنه يبقى أن العثمانيين في نزاعهم مع البرتغاليين قد رأوا 
في الفتح الترابي بديلأء أكثر متانة في نهاية المطافء من المواجهة البحرية. ومع 
ذلك؛ لا يسمح الجمع بين هذين النوعين من الفعل لسليمان وخلفائه باستئصال 
الوجود. البرتغالي من بحر عُمان ومن شمالي غرب الهند. وهم يفشلون في وضع 
حد نهائي لمنافستهم التجارية؛ كما يفشلون أيضًا في ضمان حرية وأمن الاتصالات 
البحرية بين الهند المسلمة والأماكن المقدسة في الحجاز. والحال أن سليمان 
القانوني» وقد عاين بواقعية عجزه النسبي» قد حاول في مناسبتين عقد نوع من 
التسوية» في أعوام ١544 - ١54١‏ مع الملك جان الثالث؛ ثم» في عام 21554 
مع الملك سيباستيان. على أن هذا المفاوضات لم تسفر عن شيء. وحتى إذا كان 


(*) الأراضي الداخلية» بالإنجليزية في الأصل. - م. 
55 


الأمر لا يتعلق إلا بنصف نجاح: فإن العثمانيين قد نجحوا على الأقل في احتواء 
الخطر البرتغالي. ومن جهة أخرىء نرصد منذ عقدي الثلاثينيات والأربعينيات في 
القرن السادس عشر استئناف تدفق معين للتوابل القادمة من الشرق الأقصى» عبر 
البحر الأحمر ثم دمشق»؛ أو عبر الخليج الفارسي ثم بغداد؛ لكن هذه التجارة تفل 
أيضا محدودة» فهي لا تلبي سوى حاجات الاستهلاك في الشرق الأوسط» من دون 
أن تغذي من جديد الصادرات إلى الغرب. وهذه الأخيرة سوف تستأنف بدورها في 
أعوام ١645‏ - 1567. 


الجماعة المسيحية والإسلام في المغرب 

في المغربء ذلك الجزء الآخر من العالم الإسلامي الأولي على نحو ما 
رسمه الفتح العربي - وهو جزء يواجه أوروبا الجنوبية مباشرة ومن شم يعتبر 
عرضة لنزعتها التوسعية بشكل خاص - سوف ينجح الإسلام مع ذلك في صون 
مواقعه» في هذه البداية للعصر الحديث. ويلعب الوجود العثماني من جديد دورًا في 
هذا التأكيد الجيوسياسيء لكن هذا الدورء هناء ليس حصريًا وهو يتخذ من جهمة 
أخرى أشكالاً خاصة بالفعل. 

في القرن الخامس عشرء كان المغرب مقِسمًا بين سلالات حاكمة محلية كانت 
قد عرفت ساعة مجدها لكنها كانت قد أصيبت بالضعف فيما بعد: حفصيو إفريقية 
(تونس) وآل عبد الوليد في تلمسان والمريئيين ثم الوطسيين في المغرب الأقصى. 
وكانت لدى البرتغاليين والإسبان تطلعات جد ملحة إلى الاستيلاء على هذه المنطقة 
التي أصابها الضغف. ونحن؛ إجمالاًء بإزاء امتداد طبيعي للاسترداد. وكان 
البرتغاليون قد استولوا على سبتة في عام ١51١©‏ وعلى أصيلة وطنجة في عام 
٠١١‏ . واستولى الإسبان على مليلية في عام .١597‏ وبموجب معاهدة 
تودرسيّاسء كانت إسبانيا والبرتغال قد قسّمتا المغرب إلى ثلاث مناطق: المغرب 
الأقصى للبرتغال ؛ مدينة الجزائر وتونس لكاستيل. وقد استولى الإسبان على 
طرابلس الغرب في عام .١15٠١‏ وفي عام :15*٠‏ عهد شارل الخامس بقلعتها إلى 
فرسان مالطة. على أن هذه الحركة المهددة للسيطرة الإسلامية في المغرب سوف 
يتم وقفها بسرعة. ففي مواجهة التهديد الإسباني: يطلب سكان مدينة الجزائر الغوث 


١" 


من اثنين من قادة القراصنة؛ الأخوين بارباروساء عروج وخير الدين. وقد أعلن 
الأول نفسه سلطانا وفتح عدة أماكن من الجزائر بينها تلمسان. وهو يقضي نحبه 
في هذه المدينة في عام 2350١14‏ وقد حاصره جيش إسباني. وعندئذ يخلفه أخوه 
خير الدين الذي يدرك أن خلاصه يتوقف على حماية الدولة العثمانية:؛ القوة 
الإسلامية العظمى التي تتمدد آنذاك في الشرق. وهو يعلن ولاء ولاياته للسلطان 
سليم الأول الذي يصبح نوعا من تابع له. وهو يتوسع في الجزائرء فيستولي على 
بون وقسنطينه وشرشال ويكسب في عام ١579‏ استسلام بينيون» القلعة التي كانت 
تحت سيطرة الإسبان في جزيرة قريبة من مدينة الجزائر. ويتعاظم الاندماج في 
الدولة العثمانية عندما يصبح بارباروسا في عام 1577 الأميرال الأكبر [قابودان 
باشا] لأسطول سليمان القانوني. وفي الوقت نفسه؛ فإن ذئب البحر واحد من البناة 
الرئيسيين للتقارب الفرنسي - العثماني - وهو ركن مكمل من أركان سياسته 
المعادية للإسبان. وتصبح الجزائر الآن ولاية عثمانية» جزائر بيليربيليهيء: لكن 
هذه الولاية سرعان ما سوف تأخذ شكلاً خاصًا - مشتركا من جهة أخرئى مع 
الولايات العثمانية الأخرى في المغرب- وهو شكل يميز هذه الولايات عن بقية 
الإمبراطورية. فسلطة الوالي» البيليربك ثم الباشاء ممتل الدولة المركزية العثمانية؛» 
لن تتخلف عن الإمحاء في وجه سلطة قوة الإنكشارية المحليين (والذين يستمر من 
جهة أخرى تجنيد عناصرهم من الولايات المركزية في الإمبراطورية) ورئيسهاء 
الأغا. والحال أن قوة أخرى تشارك في قيادة هذا النوع من الإمارة (يتحدث 
الأوروبيون عن «ايالات البربر»): طائفة قبطانات القراصنة (طائفة الرؤساء). 
واعتبارًا من عام 21517١‏ تفرض نفسها سلطة أعلى» هي سلطة الدايء والتي 
سوف تستمر حتى الفتح الفرنسي في عام 1470. على أن صلة الولاء مع 
اسطنبول لم تنقطع قط. ولذا فإن السلطان العثماني سوف يعتبر هذا الفتح الفرنسي 
عدوانا. 

والحال أن بارباروساء في مواصلته فرض سيطرته على المغرب في اتجاه 
الشرق؛ كان قد استولى على مدينة تونس في عام 15*5. إلا أنه في العام التالي: 
يستعيد شارل الخامس مدينة تونس» في حملة مهيبة؛ شارك فيها بشخصه وشاء أن 
يمنحها أعظم صدئ. وقد صور هذا النجاح على أنه انتصارء تعبير عن المشيئة 


1١175 


الإلهية؛ واستشراف لانتصارات حاسمة على العثمانيين. لكنه اكتفى الآن بإعادة 
الحفصيين إلى الحكم؛ تحت حمايته» على أن تكون قلعة لاجوليت تحت السيطرة 
الإسبانية. وسوف يتعين انتظار شتاء 1517٠-201١5514‏ لكي يزحف علوج علي 
باشاء والي الجزائر العثماني؛ عن طريق البر إلى مدينة تونس ويستولى على 
المدينة ويضع فيها حامية» حيث وجد الأمير الحفصي ملاذا في لاجوليت. وعندئذ 
هرع دون خوان النمساوي بأسطول من صقلية لاستعادة السلطة الإسبانية في 
أكتوبر/ تشرين الأول 1577؛ إلا أنه في يوليو/ تموز من العام التالي» عاد علوج 
علي باشا إلى الظهور أمام مدينة تونس؛ ومعه؛ هذه المرة؛ أسطول عظيمء و» بعد 
حصار قصيرء استولى على المدينة كما استولى على فلعة لاجوليث. وبهذا الحسدث 
الجديد» أصبحت السيطرة العثمانية الآن راسخة بشكل مقيم. وفي هذا الوقت 
المتأخر نسبيّاء نجد أن الصراع من أجل السيطرة على المغرب بين العثمائيين 
وإسبانياء و» وراء ذلك؛ بين الإسلام والجماعة المسيحية؛: إنما ينتهني لصالح 
العثمانيين. وتطور هذه الولاية التونسية جد مشابه لتطور الجزائر. فحتى مع أن 
صلة الولاء لم تنقطع قط» تكتسب تونس استقلالية ذاتية متزايدة عن اسطنبول» 
لصالح الإنكشارية والقراصنة:؛ الذين يعرف نشاطهم عصر! ذهبيا في النصف 
الأول من القرن السابع عشر. إلا أنه» كما في الجزائر» نجد أن سلطة علياء هي 
نوع من الإمارة» تفرض نفسها بعد بعض الوقت: هذا ما سيكونه نظام الدايات 
اعتبارًا من أواخر القرن السادس عشر. وفيما بعد؛ اعتبارا من منتصف القرن 
السابع عشرء فإن مرادء وهو عبد سابق منحدر من كورسيكاء يدشن حكم سلالة 
المراديين التي سوف تستمر حتى عام .١7١7‏ وعندئذ؛ فإن بايا جديذاء هو حسين 
بن علي» سوف يؤسس سلالة حاكمة جديدة» هي سلالة الحسينيين» الذين سينتقلون 
تحت الحماية الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر. ْ 

وفي طرابلس الغرب كذلك؛ لن تصمد السلطة المسيحية؛ الممثلة في فرسان 
مالطة. ففي عام ١1551؛‏ جعلت الحملة التي قادها خوجه سنان باشا مسن طرابلس 
الغرب ولاية عثمانية جديدة تطورت على غرار جاراتها المغربيات. وسوف تشهد 
في القرن السابع عشر فورانات نشاطات القراصنة؛ والتي استتبعت رد فعل من 
جانب الفرنسيين والانجليز الذين سيقصفون المدينة في عامي 1505 و15.6. 


1١1 


وفي عام 217١١‏ فرضت سلالة الكرمنلي الحاكمة نفسها بموافقة من اسطبنبول. 
وسوف تدوم حتى عام ©1837 

وهكذا فإن السيطرة الأوروبية - والدول المعنية أسامًا هنا هي الدول 
الإيبيرية- قد منيت بالفشل في المغرب في القرن السادس عشر. ولن يحتفظ 
الإسبان إلا ببعض المراكز الحصينة؛ المنفصلة عن الداخل. ومن جهة أخرى فإنه 
لا العالم الإسلامي ولا العالم المسيحي قد تصدى أحدهما للآخر في جبهة موحدة. 
فشارل الخامس هو حليف الحفصيين ضد بارباروسا. والمغرب الأقصى يدافع عن 
نفسه ضد التقدم العثماني في الشرق كما ضد تعديات المسيحيين القادمين من 
الشمال. وعندما تقوم سلالة حاكمة جديدة منحدرة من سوسة:؛ وتحمل لقب الشرفاء» 
أي أحفاد النبي» هي سلالة السعديين؛ باستئناف حمل مشعل الجهادء فإنها لن 
تستنكف عون مغامرين أوروبيين ومرتدين وسوف تقف في أن واحد ضد وطسيي 
فاس والبرتغاليين الذين تسترد منهم سلسلة من الحصون. وفي «معركة الملوك ' 
الثلاثة» الشهيرة؛ في قصر الكبيرء في عام 4,: والتي ترمز في أن واحد إلى 
إزالة البرتغاليين من المغرب الأقصى وانتصار الشرفاء؛ فإن السعدي أحمد 
المنصور قد غلب في أن واحد سيباستيان» ملك البرتغال» وملك فاس. 

وفي هذه الظروف؛ فإنه في أوروبا نفسها تقدّم الحقبة الحديثة أعظم التغيرات 
في إعادة التقسيم الترابي بين العالم الإسلامي والجماعة المسيحية. على أن الحالة 
ليست كذلك في غربي القارة. فهناء على العكس» تتواصل بشكل لا مفر منه إعادة 
التنصير التي كانت قد دشنت بالفعل في أواخر العصر الوسيط. ويعد استسلام 
نصريي غرناطة» آخر ملوك إسبانيا المسلمين» بين أيدي «الملكين الكاثوليكيين», 
إيسابيلاً الكاستيلية وفرناندو الآراجوني؛ في الأول من يناير/ كانون الثاني 1497 
سيأتي» بعد أكثر من قرن من ذلك؛ بعد وقائع تمييز واضطهاد عديدة؛ طرد 
«المورسكيين»: عندئذ سيجري طرد 70٠ ٠.٠‏ مسلم إلى المغرب. 

في الشمال الشرقي: الروس والتتار 

بعيذا جدًا عن هناء في شمالي شرق القارة تمضي نجاحات أمير موسكو 

الأكبر في الاتجاه نفسه: لقد أزاح وصاية سيده المسلم؛ خان العشيرة الذهبيية 


1١5 


المغولي؛ وسوف تنقلب علاقة القوى بين الطرفين. والواقع أن العشيرة؛ وقد 
أصابها الضعف ودخلت في تفكك؛ إنما تفضي إلى نشوء عدة خانيات صغيرة 
مستقلة» في النصف الأول من القرن السادس عشر ؛ والحال أن اثنتين من هذه 
الخانيات سوف يفتحهماء الواحدة بعد الأخرىء إيقان الرهيب: خانية قازان» على 
نهر الثولجا الأوسط؛ في عام 2١557‏ وخانية أستراخان: عند مصب النهر العظيم؛ 
في عام 1557. والحق إن خانية ثالثة» جنوبية أكثرء هي خانية القرم» تتمكن من 
مقاومة موسكو. وهي تدين بذلك لقواها الخاصة غير التافهة؛ وإن كانت تدين به 
أيضنا للدولة الكبرى التي دخلت في فلكها منذ عام ١١57©‏ وألتي ليست؛ هذه المرة 
أيضمّاء سوى الدولة العثمانية. 


الموجة الإسلامية الجديدة في أوروبا 

لكن الأمور لا تجري كلها في أوروبا في الاتجاه نفسه. إن جزءً! آخر من 
القارةء هو الجنوب الشرقيء إنما يشهدء على العكس من ذلك؛ تطورًا في الاتجاه 
المضاد تماماء منذ عدة قرون. فالواقع أن الفتح العثماني هنا قد فرض سيطرة 
الإسلام السياسية. ومماهاة أوروبا بالعالم المسيحيء والتي بدا أن مجمل التطور 
القروسطي لابد أن يقود إليهاء إنما تجد هنا التكذيب الأقسى. ولنرجع إلى أصول 
وأنماط سيرورة تاريخية يظهر طابعها المفارق من ثم بشكل بالغ الوضوح: الفتح 
العثماني لأوروبا. والحقائق الواقعية لهذا الفتح يجب التذكير بها في شيء من 
التفصيل فهنا يتداخل تاريخ العالم الإسلامي وتاريخ جزء من أوروبا تداخلا تامًا. 


1 


الفصل الأول 


الفتح العثماني في أورويا 


الترك والمسلمون في أوروبا قبل العثمانيين 

خلال أوائل العصر الوسيط؛ لم يكن التوسع الإسلامي قد مْسْ شرقي أوروبا. 
ومن المؤكد أن هذا الجزء من القارة والذي يشكل امتداذا للسهب الأوروآسيوي لم 
يكن قد ظل خاليًا من كل وجود لشعوب تركية (السلف المباشر أو غير المباشر 
للعثمانيين) أو من كل وجود إسلامي. وكانت الإمبراطورية البيزنطية تتعامل» في 
أجزائها الأوروبية؛ مع عدد من غزاة السهب هؤلاء: كاليتشينيج والكومان والأوزء 
الذين شبههم كلهم المثقفون البيزنطيون بسكيثيي العصر القديم. وقد واجهتهم 
بيزنطة أو استخدمتهم ضد شعوب «همجية» أخرى. وفي المقام الأخيرء في 
النصف الثاني من القرن الثالث عشرء نجد أن شعوبًا تركية هاربة من الزحف 
المغولي في أسيا الصغرىء وعلى رأسها السلطان السلجوقي الأناضولي عز الدين 
قيقاؤوس» قد استقرت في جنوبي حوصس الدانئوب» في دوبروجاء التي كانت آنذاك 
ولإية بيزنطية. ما المرشد الروحي لهذه الشعوبء واسمه ساري سلتوكء؛ فهو لا 
يزال موضع تقديس في التدين الشعبي لمسلمي أوروبا الشرقية. ومن جهة أخرى؛ 
نجد أن عناصر تركية مندمجة في السكان؛ وأساسا في الجيش؛ كانت موجودة منذ 
وقت طويل في الأرض البيزنطية» في القسطنطينية وفي حصون أوروبية أخرى. 
والواقع أن بيزنطة؛ شأنها في ذلك شأن الخلافة العباسية» كانت قد استعانت» منذ 
القرن الثامن» بمرتزقة من أصول تركية صعد بعضيم إلى أعلى الرتبء كهذا 
المساعد للإمبراطور أليكسيس كومنين (8-01801١١١)؛:‏ واسمعه تاتيكيوس» 
والذي تقول عنه أن كومنين أنه «كان آمرا للترك الذين يسكنون إقليم آكريدا وكان 
رجلا بالغ الشجاعة والجسارة في القتال». وقد منحه الإمبراطور لقب اليريميكيريو 
الأكبر» في حين أن تركيًا آخرء إسمه آخوشء سوف يلقبه جان كومنين ب«الخادم 


حل 


الأكبر للشرق والغرب»7". ثم إن العاصمة؛ القسطنطينية؛ كان بها عناصر من 
مختلف أنواع الأتراك الذين اعتنقوا الإسلام والذين سوف يتزايد عددهم, اعتبار! 
من القرن الحادي عشر: وهم جنودء لكنهم أيضنا تجار ومتسولون ودراويش» سوف 
يُضاف إليهم سفراء السلاطين السلاجقة الأناضوليين وأمراء سلاجقة منفيون إلى 
جانب زائرين آخرين. وفي القرن الثالث عشرء يعبر البطريرك آثاناس في رسائله 
عن حزنه من أن مسلمي القسطنطينية هؤلاء يملكون كل الحرية لدعوة الممسؤمنين 
إلى الصلاة» في قلب المدينة نفسه. والحال أن مصادر مسلمة أو مسيحية أخرىء 
وهذه المصادر الأخيرة تتسم غالبًا بالسخط نفسه؛ إنما تؤكد هذا الوجود الإسلامي 
في القرنين التاليين. وقد أشير إلى حي مسلم في القسطنطينية» يصفه مصدر عربي 
بأنه تحيط به أسوار. وفي أواخر القرن الرابع عشرء نجد أن السلطان العثماني 
بايزيد الأول» سيد القوة المجاورة؛ يجيز لنفسه تدخلاء بإرساله قاضيًا إلى هذه 
الطائفة. فبحسب الإخباري دوكاسء من المفترض أن السلطان قال: «ليس من 
العدل أن يَمثْل المسلمون المشتغلون بالتجارة والمترددون على القسطنطينية أمام 
'محكمة يديرها الكفارء للنظر في المنازعات والخلافات»7"). وسوف يعود إلى 
العثمائيين إقامة وجود لهم في هذه المناطق ذي طبيعة مختلفة عن ظواهر الهجرة 
التي أشرنا إليها للتوّ؛ فهذا الوجود سوف يتمثل في فتح سيمتد على مدار ثلاثة 
قرون؛ مفضيًا إلى احتلال أطول بكثير. 


أصول العثمانيين 

البدايات العثمانية من أكثر البدايات تواضعًا. فعثمان» مؤسس السلالة الحاكمة 
التي يعطيها اسمه (العثمانيون هم العثمانلي, «ذرية عثمان»)؛ شم ابنه وخليفته 
أورخان؛ يتزعمان عدة إمارات صغيرة (بيليك) تركمينية كانت قد تشكلت في 
المحيط الإيجي والمتوسطي واليونتي لسلطنة قونية السلجوقية» التي أصابها 
الضعف وانتقلت منذ عام ١747‏ تحت حماية الإلخانات المغول الذين يُحكمون 
فارس. 

والحال أن البيليك العثماني؛ الواقع في جنوبي غرب الأناضول؛: في منطقة 
غنية» في شمال فريجيا القديمة» على حدود بيتينيا البيزنطية» إنما يبدأ بالاتساع 
على حساب الممتلكات البيزنطية الأخيرة في غربي أسيا الصغرىء المتاخمة له 


1١ 


وعلى حساب بيليكات تركمينية إيجية أخرىء متنافسة معه. والحال أن اشتباكا ألا 
مع قوة بيزنطية؛ هو معركة بافيوس» على الساحل الجنوبي لبحر مرمرة: إنما 
يُرصَدْ في عام .170١‏ وقد مني البيزنطيون بالهزيمة. ويستولى أورخان على 
بورصا في عام 777١؛‏ فتصبح عاصمة دولة عثمانية ناشئة. وفي عام 217717 في 
بيليكانوم» في غربي نيكوميديا (إزميت): يصطدم رماة أورخان بقوات البازيليوس 
أندرونيك الثالث الذي يصاب بجراح. وفي عام 2177١‏ تستسلم نيقيه (إزنيك) 
لأورخان» بعد حصار دام عدة أعوام. وفي عام 137737, يأتي الدور على نيكوميديا 
(إزميت) فتسقط. وفي عام ©14» نجد أن أورخان» مستفيدا من أزمة في صفوف 
السلالة الحاكمة» يضع يده على بيليك كاراسي ويصل بذلك إلى ساحل الدردنيل. 
وهذا الانغراس في منطقة المضائق؛ في مواجهة بيزنطة وأوروباء حاسم بالنسبة 
لمستقبل الدولة العثمانية. 

وهذه السلالة الحاكمة التي تبدأ في شد الانتباه أصولها غامضة (سوف تجتهد 
فيما بعد في إضفاء بهاء زائد عليها بابتداع أصول مهيبة). وإسلامها قريب العهد 
وممتزج على نحو قوي بمعتقدات وممارسات وسط آسيوية سابقة؛ ما يجعله إسلاما 
أقل انسجامًا مع العقيدة الإسلامية القويمة. ومن المؤكد» من جهة أخرىء أن هؤلاء 
العثمانيين الأوائل يدينون بالكثير في نجاحاتهم إلى التعاون الذي أبدته عناصر 
مسيحية محلية. ويبقى مع ذلك أن الدولة الناشئة؛ شأنها في ذلك شأن البيليهات 
المجاورة الأخرىء دولة إسلامية: فالبك يتخذ لنفسه؛» على نطاقه الذي لا يزال 
متواضغاء كل خصائص ملك مسلم من ذلك الزمان. فهو يسك النقود ويأمر بذكر 
اسمه في خطبة صلاة الجمعة الكبرى ؛ وهو ينشئ الأوقاف ويعين قضاة في المدن 
المفتوحة وينشئ فيها مدارس إسلامية ومساجد. وهذه الأخيرة تتأتى من تحويل 
كنائس قديمة أو أنها منشأت حديثة البناء. وإللى عامي 1774-17 يرجع 
المسجد العثماني الأقدم؛ وهو مسجد حاجي أوزبك في إزنيك. 

وفي الوقت نفسهء فإن هذه الإمارة؛ بحكم موقعها الجغرافي» شأنها في ذلك 
شأن البيليكات القريبة الأخرى؛ منخرطة في سياسة إقليمية معقدة: تتداخل فيها 
كيانات مسيحية ومسلمة. وأورخان مدعو بشكل خاص إلى التدخل في لعبة 
الفصائل البيزنطية المتنافسة. وخلال انتقالات العثمانيين الأولى إلى أوروباء سوف 
يقدم البيزنطيون الذريعة وسيقدم الجنويون السفن لعبور البوسفور. 


1 


الانتقال إلى أوروبا 

بما أن الإمبراطور البيزنطيء جان كانتاكوزين )١55050-1+54١(‏ قد 
اغتصب عرش جان الخامس الياليولوجي الذي كان وزيره؛ فقد كان ييبحث عن 
مؤازرات بين صفوف البكوات التركمان. وقد التمس العون في مرحلة أولى من 
أحد بكوات إقليم سميرن (إزمير)؛ هو عمر باشا الآيديني؛ لكن هذا الأخير كان 
منشغلاً في قتال انتلاف مسيحي» ومن ثم أصبح غير متاح؛ ما اضطر كانتاكوزين 
إلى الاعتماد على أورخانء فاستقدمه إلى أوروبا و» في عام 21547 زوّجه ابنته 
تيودورا. وتتطور أواصر جد وثيقة بين الرجلين» في الوقت الذي يجري فيه 
استهلال علاقات تجارية مع الجنويين وهي علاقات تفضي إلى معاهدة عثمانية - 
جنوية أولى في عام .١1707‏ ويعهد أورخان إلى ابنه وخليفته المحتمل؛ سليمان 
باشاء بمسؤولية عمليات في أوروباء تلك «الحدود الجديدة». وهذا الأخير يذهبء 
في عام 1707.ء إلى أندرينويل» في تراقياء لكي يساعد كانتاكوزين ضد الصرب 
والبلغار. وهو إذ يستفيد عندئذ من تأييد جماعة من «الترك»؛: كانت بيزنطة قد 
قامت بتوطينهم؛ وكانوا يحرسون حصنا على خليج غاليبولي قرب بولايير» في 
شمالي شرق جيليبولو» هو حصن تزيمبء الذي لم يعد له وجود اليوم؛ إنما ينسشئ 
لنفسه مرتكز! أولا في أوروبا. ثم إنه» وعلى الرغم من إلحاح كانتاكوزين» يرفض 
الجلاء عنه؛ معززًا على العكس من ذلك رأس الجسر هذا بمساعدة قوات وصلت 
حديثًا من الأناضول. وبعد ذلك بوقت قصيرء في ليلة ١‏ - 7 مارس/ آذار 215864 
يستولي سليمان باشا على غالييولي (كالييوليس؛ جيليبولو)؛ بفضل زلزال ألحق 
أضرار! بأسوار القلعة. وهو يقيم هناك حامية. ويتم استشعار جسامة الحدث في 
الغرب. فالباباء أوربان الخامس (الموجود لا يزال في آفينيون أنذاك)؛ يرد على 
ذلك بإطلاق أول حملة صليبية معادية للعثمانيين. وكان الهدف الرسمي هو الحرب 
المقدسة أيضناء لكن الاهتمام كان ينصب في الواقع بالأخص على التهديد الذي 
يضغط بشكل مباشر على دول اليونان اللاتينية وعلى القسطنطينية. والواقع أن فتح 
الأراضي البيزنطية الأخيرة في أوروبا الشرقية قد بدأ. لكن عمل سايمان باشا 
سرعان ما يوقفه الموت المفاجئ لهذا الأخيرء في عام .١1701‏ ولدى موت والده؛ 
الذي يقال إنه كان مكروبا لا يزال؛ في عام 1557» كان العثمانيون يحتلون جزءًا 


17 


لا بأس به من تراقيا الجنوبية يشمل ديديموتيكو (ديميتوكا) التي تصبح؛ بعد 
بورصاء المقر الجديد للبك؛ ما يُبرز انتقال مركز جاذبية الإمارة إلى الشمال. 


الموجة الأولى للفتوحات في أوروبا الشرقية 

يخلف ابن آخر لأورخان والده؛ تحت اسم مراد الأول. والحال أن الزحف في 
أوروبا كما في أماكن أخرى: في الوقت نفسه؛ في أسيا الصغرى؛ إنما يتواصل 
خلال العهد الطويل لهذا الأخير .)١1584- 1١5٠(‏ وإلى جانب القدرات العسكرية 
والدهاء الدييلوماسي للعثمانيين الأوائل» فإننا يجب أن نبحث عن أحد أسباب 
نجاحاتهم في التمزق والضعف السياسي الذي أصاب أوروبا الشرقية في ذلك 
العصر. إن دولاً قوية كانت قد ظهرت هناك في أزمنة قريبة العهد إلى هذا الحد أو 
ذاك وكانت قد طرحت نفسها بوصفها مرشحة لأن تخلف الإمبراطورية البيزنطية 
الآخذة في الانحطاط منذ وقت طويل والتي كان فتح القسطنطيئية على أيدي لاتين 
الحملة الصليبية الرابعة في عام ١٠٠١4‏ قد وجه لها ضربة قاتلة. ثم إن الانقسامات 
بين أعضاء السلالة الحاكمة» الباليولوجيين» قد أتاحت لخصومهم إمكانيات واسعة 
للُعب عليها. وكانت القيصرية البلغارية قد عرفت أقصى توسع لها في البلقان وأوج 
قوتها في عهد القيصر جان - أآسن الثاني 1١714(‏ -1741)؛ لكنها تففكت لدى 
موت هذا الأخير. وقد حلت محلها مملكة صربياء في أواخر النصف الأول من 
القرن الرابع عشرء بدفع من ملك عظيمء هو إيتيان دوشان. فهو قد استتثمر 
الدخول المنجمية الثرية في تكوين إمبراطورية لنفسه على حساب بيزنطة. وفي 
عام ١5545‏ جرى إعلانه في سكويلياء في مقدونياء قيصرا لليونانيين والصرب 
والبلغار. وهو يحاول الاستيلاء على القسطنطينية التي يرى أنه الأقدر على 
حمايتها من الترك؛ لكنه يموت بعد ذلك بوقت قصيرء في عام 555١غ»‏ العام نفسه 
الذي استولى فيه سليمان باشا على غالييولي. وسرعان ما تتفكك إمبراطوريته؛ 
فتنتقل أقسامها إلى أيدي أمراء مستقلين بعضهم عن البعض الآخر ومتنقسمين. 

ومن بين السيطرات العديدة التي تتقاسم هذا الجزء من أوروبا الممزق سياسيًا 
إلى حد بعيد - والتي قد يتعين أن نضيف إليها جمهورية البندقية ومختلف السيادات 
«الإفرنجية»: ذات الأصول الإيطالية أو الكاتالونية» الموجودة في اليونان- فإن 


١ 


مملكة المجر وحدها هي التي ستكون قادرة على احتواء التقدم التركي بصورة 
مقيمة: إن «متراس الجماعة المسيحية» هذاء كما تسمي نفسهاء لن ينهار إل على 
عتبة الحقبة الحديثة. 

وفي مرحلة أولى؛ ليس بمقدور مراد الأول التدخل في أوروبا. وبما أنه 
منشغل في الأناضول بمصاعب وراثة للحكم لا تزال غامضة وبسياسة نشيطة 
تهدف إلى الاستيلاء على إمارات تركية أخرى مجاورة؛ وهي سياسة سوف 
يواصلها أيضنا على مدار عهده؛ فلم يعد بمقدوره الذهاب إلى أوروبا حيث خسر 
مرتكز عبوره الضروري. والواقع أنه مع أن دعوة البابا أوربان الخامس إلى حملة 
صليبية ضد الترك بعد سقوط غاليبولي لم تلق تجاوبًا كبيا فإنها قد نجحت على 
الأقل في تحريك الكونت أميدييه الخامس» كونت ساقواء ابن عم البازيليوس جان 
الخامس. فهو قد توصل إلى استرداد غالييولي في أغسطس/ آب 1557. وفي 
مايو/ آيار التالي» استرد أيضنا من الأتراك إينياكوسيًا (كيتشيك تشيكميدجي). ولن 
يتمكن مراد من وضع قدمه من جديد في أوروبا إلا اعتبارًا من 195- 191097 
عندما يَرّدُ إليه رأس جسره البازيليوس أندرونيك الرابع؛ أحد أبناء جان الخامس» 
في مقابل مساعدته في حرب أهلية بينه وأبيه وإخوته. إلا أنه» في تلك الأثناء» كان 
بكوات أتراك يتصرفون بشكل مستقل قد واصلوا الققال وإحراز نجاحات في 
أوروبا الشرقية» سوف يكون مراد المستفيد منها في نهاية المطاف. ومن المستحيل 
من جهة أخرى أن نتتبع اليوم كل هذه الأحداث بوضوح كامل. وهكذا فإن تاريخ 
الاستيلاء على آندرينوبل (إدرنة) موضع خلاف. ويتعين على الأرجح رصده في 
عام 2377755. والحال أن 'احتلال هذا الحصن الذي يسيطر على وادي ماريتزا 
ووادي توندزا إنما يفتح السبيل أمام كثير من الفتوحات الأخرى في بلغاريا وتراقيا 
الغربية ومقدونياء حيث كان هذان الإقليمان الأخيران ساحة قتال لواحد من أشهر 
هؤلاء الزعماء الترك المستقلين؛ هو إقرينوس بك. وفي مواجهة الخطظرء نجد أن 
المستبّدين الصربيين المسيطرين على مقدونياء فلاكاشين؛ حاكم أوهريد ويريليب»: 
وأخيه أوجليشاء حاكم سيراي (سيرّس)» يتحالفان من أجل وقف الزحف التركي 
على ماريتزا. وفي 7١5‏ سبتمبر/ أيلول »١7١‏ تدور معركة دموية اسمها معركة 
تشيرمين أو ماريتزاء يهلك فيها الأميران الصربيان. وعندئذ» تتعاقب الفتوحات في 


شيل 


مقدونيا وفي صربيا. وكما سوف تشير إلى ذلك إحدى الحوليات البيزنطية:؛ فإنه 
«اعتبارا من تلك اللحظة؛ يدأ المسلمون يغزون إمبراطوريات المسيحيين»27. إذ 
يجري الاستيلاء على سيّرس في عام 17487 وعلى نيش في عام 1١7875‏ وعلى 
ثيسالونيك (سالونيك) في عام 1487 (وإن كان لن يستم احتلالها إلآ في عام 
895). 

وفي تلك الأثناء» كانت بلغاريا قد بدأت في التحول إلى بلد تابع: كان لدى 
القيصر ألكسندر؛ عند وفاته في عام 21517 خليفتان؛ هما ولداه شيسمان 
وستراتسيمير. والحال أن الثاني أمير فيدين» على نهر الدانوب» قد قبل السيادة 
المجرية عليه ؛ أمّا فيما يتعلق بالأول» أمير تارنوقو؛ فقد كان مضطرا إلى قبول 
سيادة مراد الذي أرغمه على تزويجه اخته. لكن شيسمان قام في الأعوام التالية 
بنزع هذه الوصاية» رافضنا إرسال قوات إلى جيش مراد. وقد انضم إليه في 
معارضته إيقانكو؛ ابن دوبروتيتشء سيد جزء آخر من بلغارياء هو دوبروجا. وقد 
أمر مراد في عام ١74‏ بحملة ضد هؤلاء المنشقين» واضطر شيسمان إلى تجديد 
خضوعه؛ ليس من دون إجباره على التنازل عن حصن سيليستر على نهر 
الدانوب. 


كوسوفًا: المعركة والأسطورة 

في هذه اللحظة نفسهاء كان مراد قد اصطدم بمقاومة أبداها ملك آخر في 
المنطقة» هو ملك البوسئة» تقرتكوء الذي كانت قواته التي يقودها قلاتكو قوكوقيتش؛, 
أحد جنرالاته» قد هزمت ضابطا عثمائيّاء هو لالا شاهين؛ في بيليتشاء في صربياء 
في شمالي شرق دوبروقنيك. وقد تكون هذه الهزيمة هي السبب في معركة 
كوسوقا الشهيرة. وقد يكون مراد قد انخرط في حملة ضد الملك الصربيء الكنيز 
لازار؛ للانتقام مما حدث في بيليتشا والذي من المفترض أنه قد اشتبه بضلوعه 
فيه(”), وقد دارت المعركة في 5 يونيو/ حزيران 68 في سيل كوسوقا 
(كوسوقا يوليا)» على بُعد مسافة قصيرة من شمال غرب مدينة بريشتيناء لدى التقاء 
نهري لاب وسيتنيكا. والحال أن الأسطورة القومية الصربية قد جعلت من المعركة 
كارثة من المفترض أنها أنهت لعدة قرون وحدة واستقلال صربيا التي غرقت من 

ْ ١ا//‎ 


ساعتها في «الليل العثماني». والواقع أنه علاوة على أن صربيا كانت ممزقة 
بالفعل قبل عام ١84‏ فإننا لا نعرف شيئًا تقريبًا عن هذه المعركة ولا عن سيرها 
ولا حتى عن نتيجتها المحثدة. وكان الجانب الصربي ممثلاً بثلاثة عناصر على 
الأقل: قوات الكنيز لازار خريبليانوقيتش الذي كان يسيطر آنذاك على صربيا 
الوسطى وعلى جزء من كوسوقا الشرقية والذي كان جيشه يضم عناصر مجرية 
وألبانية ؛ قوات قوك برانكوقيتش الذي كان يسيطر على الجزء الأكبر ممن 
كوسوقا ؛ وأخيراء كما في بيليتشاء نجد أن قوات تثرتكو البوسنوية كانت تحت 
قيادة فلاتكو فوكوقيتش. أمَا مراد فقد كان قد ضم إلى قواته الخاصة وحدات من 
أتباعه اليونانيين والبلغار والألبان. ويبدو أنه لدى ختام المعارك التي كانت شرسة 
ودموية» ظل الترك سادة للساحة لكن انتصارهم لم يمض بالضرورة إلى ما هو 
أبعد من ذلك. وأيّا كان الأمرء فإن حدثين من شأنهما إشارة الخواطر قد ميزا 
المواجهة: فالسلطان مراد قد اغتيل على يد شخص أسمه ميلوش كوبيليتش؛ مازلنا 
نجهل من يكون تحديذاء كما يهلك الكنيز لازار هو الآخرء حيث جرى إعدامه . 
بحسب العُرف» على أثر أسره: ومن هنا هالة القديس الشهيد التي سوف تبقى له 
في التاريخ الصربي. وأمًا الآثار المباشرة للمعركة فهي جد محدودة على أي حال: 
إن خليفة مرادء بايزيدء الذي كان قد استدعي إلى الأناضول جرّاء تمرد من جانب 
بكوات مجاورين؛ قد سارع إلى مغادرة الموقع. أمّا فيما يتعلق بستيفان» ابن لازار 
الصغيرء فهو يخلف أباه الراحل ولن يصبح إلا في عام 1737؛ بناغ على نصائح 
أمه؛ الملكة الأم ميليكاء تابع السلطان الذي يتزوج شقيقته» أوليقيرا. وينتتظفر فوك 
برانكوقيتش هو أيضنا عام ١47‏ لكي يقبل سيادة السلطان عليه. ولابد من جهة 
أخرى أنه قد فعل ذلك بسوء نية بحيث إن من الأرجح أنه قد قضى أيامه الأخيرة 
في سجن بايزيد. وبما أن ابنيه» جريجوري وجورج قد سمح لهما بوراثة ممتلكات 
أبيهماء فقد اعترفا بسيادة السلطان عليهما. 


بايزيد الأول» «الصاعقة» 


يواصل بايزيد الأول الفتح العثماني؛ سواء كان ذلك في الأناضول أم في 
أوروباء بسرعة في التنفيذ وإصرار ووحشية عادت عليه بلقفب «الصاعقة» 


١/1 


(يلديريم). وفي أوروباء يرد على تطاولات ميرسياء قويقود قالاكياء الذي كان قد 
ارتكز على ضفة الدانوب الجنوبية؛ في سيليستر» مستنذا إلى الحماية المجرية وإلى 
تحالفه مع خصم أناضولي للسلطان» هو بك قسطموني. ففي عام ؟59١ء‏ يخترق 
بايزيد البلقان ويتخذ لنفسه موقعًا في مواجهة ميرسيا. وهو يؤمن ساحته الخاصة 
بضم جزء من دوبروجاء منتزع من سيد محليء هو المستبد إيقانكو؛ ابن 
دوبروتيتش. وفي ١7‏ يوليو/ تموز من العام نفسه» وسعيًا إلى وقف الغارات 
القادمة من شمال الدانوب؛ يقوم بضم تارنوقوء منهيًا وجود دويلة شيسمان البلغارية 
التابعة. وفي الشتاء التالي؛ إذ يطرح نفسه كسيد للبلقان» يجمع في سيرس كل 
تابعيه المسيحيين لإبراز تفوقه ولتنظيم الصراع ضد الباليولوجيين. فالواقع أن أفراد 
العائلة الحاكمة البيزنطية كانوا قد برهنوا على استقلالهم ساعين إلى الحصول على 
دعم من البندقية. وفي عام 5115١ء‏ يعيد احتلال سالونيك التي كان البيزنطيون قد 
استردوها في السابق ويشن غارات فرسان (آكينجي) في البيلويونيز. ولكي يكف 
الضغطء فإن الأمر يصل به إلى حد محاولة فرض الحصار على القسطنطينية. ثم؛ 
إذ يستأنف الصراع في الشمال» ضد قالاكيا والمجر: يعبر لأول مرة نهر الدانوب. 
وهو يقود بشخصه حملة تَدَمّرَ جنوبي المجرء ثم يتغلغل في قالاكيا حيث يحرز 
انتصار! عظيما على الجيش القالاكي في كورتيا دي آجريش. ولدى عودته؛: يعيد 
اجتياز الدانوب عند نيكويوليس ويلقي القبض على شيسمان, ملك تارنوقو المسايق» 
ويعدمه. 

والحال أن هذه التوسعات في أوروباء خاصة في منطقة الدانوب الأسفل؛ 
تزعج ملك المجرء سيجسموند اللوكسمبورجيء؛ وهو رجل له مارب في هذه 
المنطقة نفسها. وهو يضغط على الباباوين» بينوا الثامن في أقينيون وبونيفاس 
التاسع في روماء لكي يحصل منهما على إعلان جديد للحرب الصليبية. والحال أن 
البندقية التي كانت تحتفظ مع الترك بعلاقات ضرورية لتجارتها قد اضصطرت مع 
ذلك إلى تقديم عونها. كما سوف يقدم البازيليوس مانويل الثاني وأخوية أوسييتاليي 
[إسبتارية] رودس مساهمتهما. ثم إنه» إلى جانب هؤلاء الفرقاء المعنيين بشكل 
مباشرء سوف ينضم آخرون بحكم الولاء للمثل الأعلى القروسطي الخاص بالحرب 
الصليبية: فرسان بورجونيون يقودهم ابن الدوق فيليب الجسورء كونت نيقرء والذي 


1733 


سيحمل فيما بعد اسم جان الذي لا يعرف الخوف ؛ فرسان إنجليز وفرنسيون 
(كونت إيوء القائد الأعلى للجيوش الملكية الفرنسية» الأميرال جان دو قيين أو 
الماريشال بوكيكو)؛ حَرّرهم تمديد الهدنة بين فرنسا وانجلتراء وكذلك ألمان 
: وإيطاليون. وتنتشر موجة من الحماسة عبر أوروباء يدعمها وعاظ أشهرهم قنسان 
فيرييه الذي يعيد الحياة إلى حركة «جالدي أنفسهم». وإذ ينطلق هذا الجيش من 
ديجون:؛ فإنه يصل إلى بوداء ثم يهبط جميع الصليبيين إلى جنوب الدانوب» 
ويستولون في مسيرتهم على قيدين التي كان يدافع عنها تابع بايزيد» ستراتسيميرء 
كما يستولون على مدينة أخرى»؛ هي راهوقاء التي يذبحون سكانها. وفي تلك 
الأثناء» كان أسطول البندقية يحمي الدردنيل. وفي مستهل سبتمبر/ أيلول 2155 


يفرض الصليبيون الحصار على نيكوبوليس (نيكوبول في بلغارياء نيغيولو). . 


وعندئذ يتخلى بايزيد عن' حصار القسطنطينية الذي كان قد فرضه للوقوف في وجه 
المحإصرين» وقد انضم إليه في مساره ستيفان لازاريقيتشء تابعه وشقيق زوجته 
الصربي. وقد وقع الصدام في 5" سبتمبر/ أيلول .١1555‏ ومع أن الخسائر كانت 
جسيمة على الجانبين» إل أنها أثرت بالأخص على سلاح الفرسان المسيحي؛ عديم 
المرونة والمتسم بالرعونة وانعدام الانضباط. وقد ذبح أسرى الحرب الصليبيون 
بدم بارد. ولم ينج من ذلك إل من كان من المتوقع الحصول على فدية لإخلاء 
سبيلهم؛ مثل كونت نيثر ؛ وقد عادوا إلى بلادهم فبي عام 1797. وعبر هذا 
الانتصار الذي لا سبيل إلى نسيائه» يؤكد بايزيد سيطرته على البلقان ويزيد من 
الهيبة العثمائية في العالم الإسلامي. وتتمثل نتيجة مباشرة لهذا الانتصار في ضم 
الدولة البلغارية الأخيرة» دولة قيدين» التي حل محلها سنجقا فيدين ونيغبولو. 


معركة أنقرة (؟٠4١)‏ والفترة الطويلة ما بين عهدين 
إذ تؤدي نجاحات بايزيد إلى تشجيعه؛ فإنه ينقل الحرب إلى الجبهة 
الأناضولية؛ حيث يقضي على إمارة كرمان وإمارات تركمينية أخرى كانت لا 
تزال قائمة؛ ثمء في اندفاعه أكثر جهة الشرق؛ يجر على نفسه عداوة المماليك 
بتعديه على أراضيهم ويستثير سخط تيمور لنك بتغلغله في مجال نفوذ الفاتح 
الآسيوي الرهيب. وهذا التحدي الأخير سوف يكون قاتلا له لأن تيمور يقرر 


1١م‎ 


المجيء إلى الأناضول لتسوية الحساب معه؛ مستفيذا في هذا المسعى من مساندة 
بكوات أناضوليين كان العثماني قد جردهم من ممتلكاتهم على نحو بشع. وقد دارت 
المعركة قرب أنقرة» في 78 يوليو/ تموز .١4507‏ والحال أن قوات بايزيد؛: الأقل 
عدذا بكثيرء على الرغم من المساعدة المخلصة التي قدمتها وحدات تابعيه 
المسيحيين» خاصة الصربء قد تم سحقها. وقد ظل السلطان وأحد أبنائه؛ وهو 
موسىء أسيرين لدى المنتصر. 

والحاصل أن هذه الكارثة قد أوقفت الفتح العثماني وهددت بقاء الدولة نفسه. 
والواقع أن فترة ما بين عهدين قوامها عشر سنوات إنما تتلو هذه الكارثة؛ وهي 
فترة تجتمع فيها الحرب الأهلية والخطر الخارجي وصولا إلى الانهدام الاجتماعي 
والديني. وكان ثلاثة من أبناء بايزيدء هم سليمان وعيسى ومحمد؛ قد نجوا من 
الأسر. وأمًّا أكبرهم؛ وهو سليمان» والذي طرح نفسه بوصفه الوريث الشرعيء فقد 
لجأ إلى أوروبا واستقر في إدرنة» يصحبه الصدر الأعظم لأبيه؛ جندرلي علي 
باشاء وآخرون من وجهاء الدولة البارزين. وللحيلولة دون تحول أكثذر خطورة: 
يضطر» بموجب شروط معاهدة عقدت في جيلييولو في عام ”٠1١؛‏ إلى تقديم 
تنازلات لتابعيه الأوروبيين. وعندئذ ينتهز الإمبراطور البيزنطيء مانويل الثاني؛ 
الفرصة لكي يسترد سالونيك والساحل الجنوبي الغربي للبحر الأسود. وبما أنه 
يزداد شجاعة» فقد وصل به الأمر إلى حد طرد التجار العثمانيين من القسطنطينية 
والأمر بهدم المسجد الذي كان قد أنشئ لأجلهم في عاصمته. وبالمثل؛: حصل 
البنادقة والجنويون على امتيازات تجارية في أراضي سايمان. وقد أعيدت 
الإمبراطورية إلى الحدود التي كانت عليها في أواخر عهد مراد الأول ؛ ومئحيت 
فتوحات بايزيد. 

وتدور رحى الحرب الأهلية بين الإخوة الثلاثة المتنافسين. فأمّا عيسى» الذي 
يتخذ من بورصا قاعدة له؛ فسرعان ما تتم إزالته. وعندئذ» يدور الصراع بين 
محمدء المتحصن في إقليم آماسياء وسليمان. ويبدو الثاني على وشك الانتصار بينما 
يجد محمد رصيذا جديذا في عودة ظهور أخيه الأصغرء موسى. والحال أن هذا 
الأخير» الذي أطلق تيمور لنك سراحه في عام 5٠7”‏ ١ء‏ كان في البداية رهينة لدى 
أمير جرميان إلى أن قرر هذا الأخير في عام ١409‏ إعادته إلى محمد. وهذا 
الأخير يرسله إلى روميليا [الروملي] حيث يتحالف مع ميرسياء فويقفود فالاكياء 


1/8 


الذي يتزوج ابنته» ومع الصربي ستيفان لازاريقيتش. والحال أن هذين الحليفين 
المسيحيين قد قدّما له قوات. وتضطر نجاحات موسى في روميليا سليمان إلى 
العودة بسرعة إلى الأناضول وإعادة عبور البوسفور؛ وهو ما يفعله بمساعدة 
مانويل الثاني؛ المهتم باستمرار الصراع فيما بين الإخوة. وبعد عدة انتكاسات؛: 
يتوصل موسى إلى إزالة سليمان باغتياله. وعندئذ يصبح سيد ممتلكات هذا الأخير 
في الأناضول وفي روميليا يا. وهو يحكم لمدة عامين في هذه الأراضيء منتهجا 
سياسة رهيبة حيال النخب القديمة وهجومية حيال جيرانه. وبما أن أورخان؛ ابن 
سليمان؛ كان قد لجأ لدى البازيليوس مانويل الثانئي؛ فإنه يحاول محاصرة 
القسطنطينية في عام ١؛‏ ولكن من دون أن يحقق نجاحًا. وقد وقعت مواجهة 
أولى بين قوات محمد وقوات موسى في تراقيا قرب جالتاجا. وينجح موسى الذي 
يجبر محمد على العودة إلى الأناضول. لكن وضع موسى يصبح أكثر صحعوبة. 
فحلفاؤه السابقون في الأناضول وفي أوروبا يتخلون عنه لكي ينحازوا إلى محمد 
الذي يبدو لهم؛ في مرحلة أولى على الأقل؛ أقل إزعاجًا في نهاية المطاف. والحال 
أن ستيفان لازاريفيتش إنما يدعو هذا الأخير إلى العودة إلى القتال في روميليا 
ويضع قواته تحت تحت تصرفه. ويكفل مانويل الثاني» مرة ة أخرى» عبوره البوسفور 
موفرنا له السفن الضرورية كما يزوده بقوات. وتحدث المواجهة بين الأخوين في 
جامورلوء في الجبال الواقعة في جنوبي صوفيا. وعند انتهاء المعركة؛ يضطر 
موسى إلى الهرب. لكن أحد ضباط محمد سوف يدركه ويقتله. ومن ثم يبقى هذا 
الأخير ويصبح بمقدوره أن يعيد للإمبراطورية وحدتها القديمة تحت سيادة 


واحدة. 


الإحياء في ظل محمد الأول 
على أنه لن يفعل ذلك إلا بعد إزاحة عقبتين: أورخان؛ ابن أخيه؛ الذي سعى 
مانويل الثاني إلى استخدامه ضده لكئه يتوصل في نهاية الأمر إلى إفقاده البصر 
بالطريقة البيزنطية ؛وأخيراء شخص اسمه مصطفى؛ مازال يسمى بدوزمه مصطفى 
(مصطفى المزعوم) زعم - محقا أم غير مُحق- أنه ابن لبايزيد أسر في معركة 
أنقره.ثم أفرج عنه فيما بعد شاه روح؛ خليفة تيمور لنك (مات في عام .)١50©‏ 


والحال أن مصطفى هذاء والذي هزم في مرحلة أولى» لن يعيد لعب دور إلافي 


1١ 


عهد مراد الثاني؛ خليفة محمد. كما كان على محمد أن يواجه حركة اجتماعية 
ودينية قوية» كانت تعبيرًا عن الصدمات التي كابدها السكان على أثر معركة أنقرة 
والحروب الأهلية. وكانت هذه الحركة تحت قيادة الشيخ بدر الدين» وهو واحد مسن 
العلماء البارزين؛ ولد لأم يونانية ولأب مسلم في سيماقنا (كيبرينوس)؛ في جنوبي 
غرب إدرنة. وكان موسى قد جعل منه قاضي عسكرء أي قاضيا أكير. كماكان. 
متضيو فا مُشرنا بمذهب «وحدة الوجود» وقد استمد منه استنتاجات تقويضية تنزع 
إلى إلغاء الفوارق الاجتماعية التي تفصل بين الأغنياء والفقراء مثلما تفصل 
الحواجز بين الديانات التوحيدية المختلفة. وهكذا فقد انتقل إلى عقيدة ثورة اجتماعية 
وتوفيق بين الديانات المختلفة. والحال أن الحركة التي ولدت في روميليا سوف 
تكون لها امتدادات في الأناضول الغربية. على أن هذا القائد الكاريزمي سوف يتم 
في نهاية المطاف أسره وشنقه في سيرّس في عام .١415‏ 

ولدى موت محمد الأول المبكرء تظل استعادة الدولة هشة وسوف تظل بدايات 
خليفته» مراد الثاني» غير مؤكدة. وعليه أن يقضي بشكل نهائي على «مصطفى 
المزعوم» الذي حاول البيزنطيون مرة أخرى استخدامه ضد ابن أخيه؛ السلطان 
الجديد» على أمل استرداد غاليبولي. وللثآر من هذه الدسيسة الأحدث؛: يحاول فرض 
حصار جديد على القسطنطينية (؟ يونيو/ حزيران - " سبتمبر/ أيلول 7؟57١).‏ 
وسوف يرفع الحصار لكي يتجه إلى إخماد تمرد من جانب أمراء أناضوليين كان 
والده قد أخضعهم. كما أن هؤلاء المتمردين قد حفزوا منافمنا آخرء هو الأخ 
الأصغر له؛ واسمه مصطفى هو الآخرء وقد قاموا بتنصيبه سلطانا في إزنيك. على 
أن هذه الإمارات الأناضولية المستعدة دومًا لانتهاز الفرص للتحرر من السيطرة 
العثمانية؛ إنما تتعرض للإزالة» وذلك فيما عدا إمارتي جندر وكرمانء اللتين 
واصلتا البقاء جرّاء الحماية التي وفرها لهما شاه روح؛ خليفة تيمور لنك. 


مراد الثاني والائتلاف المسيحي 
إن مراد الذي جعل من إدرنة؛ في تراقيا» عاصمته؛ هو الآن مطلق اليدين 
لاستئناف الصراع في أوروبا ضد بيزنطة والدول المسيحية الأخرى التي استفادت 
من الإمحاء العثماني. والحال أن بيزنطة التي استردت سالونيك في عام ١4.7”‏ 


1١1 


إنما تتنازل عنها للبندقية» الأقدر على صونهاء في عام .١57‏ ويرد مراد بإعلان 
الحرب على البندقية» ليس من دون مشقة إذ يزعجه قصور أسطوله. وهو ينتهي 
باستعادة سالونيك في عام .١ 47٠‏ 

وكانت المجر قد استفادت هي أيضنًا من حقبة ما بين العهدين العثمانية لكي 
تؤكد سيطرتها على التابعتين السابقتين للعثمانيين قالاكيا ومستبدية صربياء التي 
يملك زمامها جورج برانكوقيتش. وبموجب معاهدة تاتا (عام 575١)؛‏ يحعصل 
سيجسموند اللوكسمبروجيء ملك المجرء على تنازل من برانكوقيتش عن حصن 
بلجرادء بوابة السهل المجري. 

ومن باب الحكمة؛ يُرجِئ مراد الهجوم على المجر حتى عام 18477 عام 
موت سيجسموندء إمبراطور وملك المجر. وفي عام 2١5:57‏ يقف بشخصه على 
رأس جيشه الذي اجتاز به نهر الدانوب للزحف حتى ترانسلقانيا. وقد فتح في 
طريقه مستبدية صربيا التي كان قد فرض عليها التبعية له منذ عام 21478 
ويتزوج ماراء ابنة برانكوقيتش. وهو يجعل من المستبدية ولاية عثمانية. وفي العام 
التالي» يحاول الاستيلاء على بلجراد؛ لكنه يفشل» والغارات التي يشنها على 
تراتسلقانيا في عامي ١54١‏ و447١‏ تفشل بالمثل: جراء المقاومة التي يحركها 
خصم رهيب» هو فويقود ترانلسلقانياء يان هونياد (هونياد يانوش ؛ إيانكو دو 
هونيدوارا)؛ الذي عهد إليه ملك يولنده؛ لاديسلاس الثالث» والذي اختير حديثا ملقا 
للمجرء بالصراع ضد الترك. والضحايا الترك بالآلاف. وتستعيد المجر والجماعة 
المسيحية كلها الأمل حيال انتكاسات السلطان هذه والتي يُضاف إليها في الفترة 
نفسها نشوب تمرد عظيم في ألبانياء يقوده سيد محلي؛ كان قد انحاز في السابق إلى 
العثمانيين» هو سكندر بك (جورج كاستريوتا). والحال أن هذا التمرد الذي سوف 
يستمر لمدة ثلاثة وعشرين عاما لن يتم إخماده إل في عهد محمد الثاني. وفي عام 
447 ١؛‏ يستولي جيش مسيحي كبير يقوده هونياد على نيش وصوفياء ثم» إذ يعبر 
البلقان» يهدد إدرنة. على أن مراد يتوصل إلى وقف تقدم هذا الجيشء؛ الذي أضعفه 
البرد» في معركة إزلادي (زلاتيكا)ء في 4” نوقمبر/ تشرين الثاني .١447‏ والحال 
أن السلطان الذي كان مضطر! إلى أن يدخل في جيوشه التقانات العسكرية الجديدة 
التي ابتكرها العدوء كالمدفعية والأسلحة النارية» إنما ينخرط؛ من باب الحكمة» في 


185 


درب المصالحة: فهو يعقد معاهدة صلح مع المجر ومع جورج برانكوقيتش الذي 
يعده بإعادة مستبديته الصربية. أما خصم مراد الأناضولي القديم؛ بك كرمان؛» 
إبراهيم بك؛ والذي كان قد استفاد من الظروف لكي يهاجمه؛ فإن مراد يعقد معه 
هو أيضنا الصلح متنازلاً له عن إمارة حميد. وبعد إنجاز مبادرات المصالحة هذه 
يتنازل مراد عن العرش في عام ١444‏ لصالح ابنه محمد الشاني الذي لا يزيد 
عمره ساعتها عن ١١‏ عامًا ويبدأ بذلك عهذا جديذا. والحال أن هذا التنازل عن 
العرش؛ غير المسبوق آنذاك في السلالة الحاكمة العثمانية» قد أثار دهشة عامسة. 
وقد جرى وضع الصدر الأعظم جندرلي خليل باشا إلى جانب السلطان الشاب 
لتوجيهه. والحاصل أن خصوم العثمانيين» ملك المجر لاديسلاس (وهو أيضنا ملك 
بولنده)» وقويقود ترانسلقانيا يان هونياد» المكلف بالجرب ضد الترك» والبابا نفمسه. 
إنما يرون أن اللحظة مناسبة لشن حرب صليبية حاسمة ضد الترك حتى وإن 
تطلب ذلك انتهاك هدنة السنوات العشر التي تعهد بالالتزام بها قبل ذلك بوقت 
قصير لاديسلاس وهونياد. وفي مستهل عام 21577 كان قرار باباوي صادر عن 
البابا يوجين الخامس قد فرض على جميع الأساقفة ورؤساء الأديرة دفع غغشر 
دخولهم لتمويل الحرب الصليبية. على أن النداء لم يلق غير تجاوب ضعيف في 
الغرب حيث كان اهتمام الأمراء؛ الفرنسيين والانجليز خاصة؛ منصبًا على ما بينهم 
هم من نزاعات. ويعبر جيش مجري - قالاكي الدانوب بينما يجري إرسال أسطول 
صليبي تحت قيادة بنادقة إلى الدردنيل لمنع السلطان السابق»ء مراد الثاني» من 
اجتياز الأناضول إلى أوروبا. على أن جورج برانكوفيتش؛ الذي كان السلطان قد 
وعده باستعادة دولته» إنما يظل خارج الائتلاف. بل إن من المفترض أنه قد منع 
المتمرد الألباني» سكندر بك؛ من الانضمام إلى الحلفاء. وحيال جسامة الخطرء فإن 
مراد الثاني؛ الذي استدعي على وجه السرعة من معتزئه الأناضولي في مانيساء 
إنما يتوصل إلى عبور البوسفور بمساعدة سفن مزودة بمدفعية قوية» أستأجرها من 
الجنويين. أما البنادقة الذين كانوا مكلفين» كما رأيناء بمراقبة الدردنيل» فلعلهم لعبوا 
لعبة مزدوجة. ويتولى مراد قيادة جيش عثماني أعلى عدذا بكثير من جيش 
الصليبيين. والحال أن هؤلاء الأخيرين» تحت قيادة هونياد وجيوايانو سيزاريني» 
مندوب الباباء كانوا قد اجتازوا الدانوب متفادين الممرات الخطرة لطريق إدرنة؛ ثم 


1١م6‎ 


توجهوا إلى البحر الأسودء ناهبين كل شيء في طريقهم. وكانوا قد مروا بقيدين 
ونيكويوليس حيث انضم إليهم قلاد الثالث دراكولء فويقود قالاكيا. وقد وقع الصدام 
غير بعيد عن قارناء على البحر الأسودء في 4 نوقمبر/ تشرين الثاني .١5454‏ 
ولقي الملك لاديسلاس والكاردينال سيزاريني حتفهما في المعركة. وبإحراز مراد 
للنصر الساطعء ليس من دون خسائرء يدق ناقوس موت المحاولات المسيحية لطرد 
الترك من أوروبا. والحال أن مراد؛ مدعوًا من الإنكشارية الذين كان محمد قد 
أغضبهم بتلاعباته النقدية» سوف يرتقي العرش من جديد في مايو/ أيار 2١555‏ 
منهيًا هذا العهد الأول» السابق لأوانه والقصيرء لابنه الصغيرء الذي لم يستسلم 
لتنحيته إلا على مضض. وسوف يتعين على مراد أن يتصدى من جديد لهونياد 
الذي سعى إلى التأر لنفسه» على رأس جيش مجري - قالاكي» في معركة جديدة 
في كوسوثا يولياء في يومي ١8‏ و1١‏ أكتوبر/ تشرين الأول .١1544‏ والحال أن 
الجيش العثماني» الأدنى من حيث الأسلحة النارية» ما عاد عليه بخسائر جسيمة» 
والأكثر تفوقا من حيث أعداد رجاله (لاسيما أن القوة الثالاكية قد انسحبت من 
ساحة القتال)» قد أجبر هونياد في النهاية على الفرار. وبعد ذلك بأعوام قليلة؛ 
يموت مراد الثاني» في ١١‏ فبراير/ شباط .١5©١‏ 


الاستيلاء على القسطنطينية 

إن محمد الثاني» الذي عاد إلى ارتقاء العرش بعد عهد أول كارثي انتهى» كما 
رأينا للتوٌه بتنحية مهينة؛ والذي صار الآن في الحادية والعشرين من العمرء إنما 
يحتاج إلى فرض نفسه في داخل دولته أولا. فالإنكشارية كانوا قد رفضوه بعنف 
وهو يحاولء منذ البداية» استمالتهم: ففي بورصاء لدى العودة من حملة أناضولية 
أولى ضد إبراهيم بك؛ بك كرمان» يمنحهم عطية الارتقاء السعيد للعرش. ويتعين 
عليه أيضنا توطيد موقعه في مواجهة الصدر الأعظم جندرلي خليل باشا الذي كان؛ 
بحكم مشيئة أبيه» وصيًا عليه خلال عهده الأول وكان معارضنا لمستشاريه؛ مؤجّجا 
من طرف خفيّ معارضة الإنكشارية له. وكان عليه أخيرا أن يفرض نفسه على 
الخصوم التقليديين للإمبراطورية الذين لم يبدوا أي اعتبار له. والحال أن بيزنطة؛ 
خاصة, قد طالبته بأقصى غطرسة:؛ بزيادة معاش أورخانء ابن سليمان» الذي وافق 


11 





الإمبراطور على إبقائه عنده. والحال أن مأثرة عسكرية كبرى؛ فتخا مهيناء قد 
يكون العلاج المناسب لما قد نسميه اليوم ب «العجز في المصداقية» الذي يشكو 
منه. ثم إن فكرته الكبرى؛ فتح القسطنطينية» والتي لم تكن فكرة جديدة لدى 
العثمانيين والتي كانت بالفعل» كما رأيناء موضع عدة مخاولات عملية من جائنب 
أسلاف محمد منذ عهد بايزيد الأول» كانت ثلبي ضرورة استراتيجية. وعلى الرغم 
من التواضع الذي يميز الآن بقايا الإمبراطورية البيزنطية؛ المخترزلة في مدينة 
القسطنطينية نفسهاء قليلة السكان والخربة إلى حد بعيد: وجزء من اليونان» فإن 
السيطرة العثمانية على جنوبي شرق أوروبا قد ظلت غير مكتملة. ثم إن العاصمة 
البيزنطية قد سيطرت على نقطة رئيسية في منطقة المضائق وظاتء كما دلت على 
ذلك تحديدا حالة الأمير أورخان:» بؤرة قوية للدسائس المعادية للعثمانيين» وههي 
دسائس قائمة بالأخص على «الاستخدام الذرائعي» لأعضاء من السلالة الحاكمة» 
من الوارد دومًا وضعهم في مواجهة السلطان الحاكم. ثم إن «روما الجديدة»» وهي 
عاصمة إمبراطورية ألفية وكانت لزمن طويل جدًا المدينة بامتياز» قد ظلت؛ على 
الرغم من كل ما أصابها من انحدارء رمزا لا مثيل لهء سواء كان ذلك في أعين 
المسلمين أم في أعين المسسيحيين. وبالنسبة للمسلمين» فإن الاستيلاء على 
القسطنطينية؛ والذي كان هدف عدة محاولات فاشلة؛ في الأزمنة الأكثر قداسة 
للإسلام؛ خلال الفتوحات العربية الأولى» في القرئين السابع والثامنء من شأنه أن. 
يعود بمجد استثنائي على من يقوم به والذي تنبأ الحديث [النبوي] ونبوءات أخرى 
بمأثرته. وقد تحدث ماسينيونء بهذا المعنى» عن «اشتهاء» المسلمين «التاريخي 
المطلق للقسطنطينية»7). ومن شأن فاتح القسطنطينية أن يفرض نفسه بوصفه بطل 
«المقاتلين في سبيل الإيمان»» غازي الغزاة. وبالنسبة للمسيحيين؛ على العكس مسن 
ذلك؛: من شأن فتح «المدينة» على يد الكافر أن يكون كارثة ذات أبعاد أخروية:» 
حيث يجري تشبيه الفاتح في بعض الخطابات بالمسيح الدجال. ومن المفكقرض 
بالطبع أن على الجماعة المسيحية أن تهب لنجدة المديئنة - الرمزء لكنها تضع 
شروطا لذلك. فقد طالبت روما باتحاد الكنائس؛ أي بإنهاء الانشقاق العظيم وء 
عمليّاء بخضوع الكنيسة الشرقية للباباوية. والحال أن الإمبراطور جان الثامن؛ 
تحت ضغط الخطر الملح؛ إنما ينتهي به الأمر إلى الإذزعان لذلك وء بعد عام 


١ لالم‎ 


ونصف عام من المناقشات المتقطعة؛ أعلن مجمع فلورنسا- فيرار الاتحاد فسي 
يوليو/ تموز .١559‏ على أن آثار هذا القرار ظلت غير مؤكدة:؛ لأنه استثار 
الاعتراض الأشد حمية من جانب رجال الدين الأرثوذكس ومن جائب جزء كبير 
من السكان البيزنطيين. وسوف تنشب تمردات في شوارع القسطنطينية. كما أن 
بطاركة الإسكندرية والقدس وأنطاكية قد تبرأوا من الاتحاد. وفيما بعدء وقد 
أصبحت المدينة محاصرة: فإن الإمبراطور الأخيرء قسطنطين. الحادي عشرء في 
مسعى أخير للحصول على غوثء سوف يتنازل عن موقع نيسبور على الساحل 
الشمالي الغربي للبحر الأسود ليان هونياد وعن جزيرة ليمنوس لملك نايولي؛ 
ألفونسو الآراجوني؛ لكن المجر ونايولي لن تتدخلا. وفي هذه الظروف» جاء 
الغوث الخارجي الوحيد من جنوة التي أرسلت قوات تحت قيادة جيوقاني 
جيوستينياني لونجو. ثم إن الإمبراطور قد جعل من هذا القائد المحنك قائذا عامًّا 
للدفاع عن المدينة. 1 

وكل وجوه الضعف هذه لم تكن كافية لأن تجعل من الاسستيلاء على 
القسطنطينية عملية سهلة. وقد أعد محمد الثاني له ببنائه» في مدة قصيرة» من ١5‏ 
أبريل/ نيسان إلى ”١‏ أغسطس/ أب ١١5457”‏ حصن الروميلي حصار المنيع؛ على 
الضفة الأوروبية للبوسفور. وكان يواجه حصن الأناضول (أناضولو حصار) 
الصغير الذي كان بايزيد الأول قد بناه في السابق. وكان الموقع الذي وقع عليه 
الاختيار هو المؤقع الذي كان قد سبق لداريوس أن مد عنده جسرا على البوسفور 
في الأزمنة الغابرة. وهكذا تم تأمين السيطرة على المضيق. وفي الخريف؛ أرسل 
توراخان باشا لخوض حملة وقائية في المورة ؛ وكان المراد هو منع أخوي 
الإمبراطورء المستبدين توماس وديميتريوسء من أن يها إلى نجدة العاصمة. 

وكان عدد المحاصرين نحو ١5١ ٠٠٠‏ رجل» إذا ما صدقنا شهادة مصدر 
بندقي» في حين أن المحاصصرين ومساعديهم اللاتين لم يصل عددهم الكلي إلا إلى 
بضعة آلاف. ولاجتياح الأسوار التي تحدت العصورء حرص محمد أيطضنا على 
تزويد نفسه بمدفعية قوية بينها مدفع رهيب قام بسبكه مرتد مجري. كما أمر ببناء 
برج حصار هائل؛ أعلى بكثير من هذه الأسوار. وعبر حيلة جسورة؛ أمر أيضنا 
بتغلغل سفنه في القرن الذهبي الذي كان مغلقا بسلسلة؛ وذلك برفعها شم إعادة 
إنزالها من وادي دولما باجتشي. 


1١84 


والحال أن الحصارء الذي بدأ في 5 أبريل/ نيسان؛ لن ينتهي إل بعد ذلك 
بأربعة وخمسين يوماء في 79 مايو/ أيْار 2١467‏ عبر شن هجوم نهائيء في ثلاث 
موجات متعاقبة. وبعد الاستيلاء على المدينة بالقوة» فإن السلب» بحسب الشريعة 
الإسلامية» كان من المفترض أن يستمر لمدة ثلاثة أيام. لكن الفاتح قيده بيوم واحد 
فقط؛ وأعلن على الفور أن هدفه ليس هو زوال الحاضرة الكافرة؛ بل» على العكس 
من ذلك؛ تحويلها إلى مدينة عظمىء عبر ممارسة سياسة إسكان وإعمار منهجية. 
فهل ارتأى على الفور جعلها عاصمة له وهل استوعب فورا كل ما سوف يترتب 
على قرار كهذا؟ إن بعض الاصطدامات والانتكاسات في الأعوام الأولى للاحتلال 
إنما تدعنا نفترض أن الأمور كانت تدريجية أكثر في تفكيره؛ أو أن السلطان لم يلق 
القناع إل تدريجيّاء على الأقل. ويتعين» في الواقع» انتظار شتاء ١451-١568‏ 
حتى يتمكن محمد الثاني من أن يجعل من اسطنبول عاصمته بشكل واضح متخلا 
عن إدرنة. وسوف يكتب الإخباري أنوري في هذا الصدد: «جاء السلطان إلى 
اسطنبول لأنه جعلها عاصمته»7). ومنذ ذلك الحين» يستعيد بشكل كامل لحسابه 
الفكرة البيزنطية التي ذهبت إلى أن سيد المدينة هو السيد الشرعي للإمبراطورية 
وهو يطرح نفسه بوصفه وريث الإمبراطورية الرومانية. كما يتبعه في هذا 
التصور عدة أمراء إيطاليين يأملون بذلك في نيل عطفه؛ إذ يقترب أكثر فأكثر منن 
شبه الجزيرة [الإيطالية]. بينما يُنَظْرٌ آخرون لهذا الموقف مفسرينه بأنه انتهازية أو 
ماكيافيلية وإن كانوا يضعون شرطا لاعتراقهم بهذا ال فلءصمز مناواعدهما 
[الانتقال للإمبراطورية]: تحول السلطان إلى اعتناق المسيحية. وتلك أطروحة 
جورج التريبيزوندي؛ الأستاذ بالجامعة الباباوية والنصير الدائم للعثماني (ما سوف 
يعود عليه بمضايقات)» وهي بالأخص أطروحة البايا بيوس الثاني في رسالته إلى 
السلطان محمد الثاني - وهي نص يظل مربكا وربما كان في الواقع بمثابة شكل 
من أشكال الاستفزاز الموجه إلى الجماعة المسيحية نفسها. 


فتوحات محمد الثاني الأخرى 


إن المأثرة الرائعة التي جرى بها تدشين عهد محمد الثاني قد تبعتها سلسلة 
من الفتوحات الأخرىء سواء كان ذلك في آسيا حيث تسقط المملكة اليونانية 


1١8 


الصغيرة التي كانت لا تزال تسمي نفسها بإمبراطورية تريبيزوند وحيث سيتم؛» من 
دون مشقة: قهر المنافس الكبير في الشرق» سيد أخوية الأكويونلو التركمينية؛ 
أوزون حسنء أم؛ من الجهة الأخرى» في أوروبا. وهناء في عامي ١554‏ 
و1155١»‏ يخوض الفاتح حملتين ضد إمارة صربيا لتوطيد سيطرته على هذه 
الإمارة التي كان مراد الثاني قد اضطر إلى منحها استقلالها عاقذا الصلح معها في 
عام :١444‏ ولمواجهة النفوذ المجري. وهو إذ يفعل ذلك؛ يستولي على مركز 
نوقو بردو المنجمي الثري. ثم» في عام 455١؛‏ يفرض الحصار أمام بلجراد» لكن 
جيش نجدة» بقيادة يان هونياد» يتمكن من فك حصار الموقع. والحال أن الحمية 
الدينية للقوات المسيحية كانت قد زادت من حدتها المواعظ اللهوب الصادرة عن 
الراهب جان دو كابسترانو. ويستثير انسحاب السلطان أملا عظيمًا في صفوف 
الجماعة المسيحية. لكن هونياد الشهيرء بطل الجماعة المسيحية؛ يموت بالطاعون 
بعد ذلك بوقت قصير. أما ابنه» ماتياس كورقين» فهو يصبح ملكا للمجر. أمّا فيما 
بتعلق بمستبد صربيا العجوز جورج برانكوقيتش فقد أسلم الروح في عام 21555 
تاركا فراغا في الإمارة حيث يتصارع حزب مجري وحزب عثماني. وعلى رأس 
هذا الحزب الأخير ميشيل آنجيلوقيتش؛ أخ محمود باشاء الصدر الأعظم لمحمد 
الثاني. وبعد حملتين جديدتين» في عامي ١558‏ و551١,‏ واستسلام حصن 
سميديريثو الدانوبي» ينهي محمد استقلال صربيا التي تصبح ولاية عثمانية. 

ويهتم السلطان في الوقت نفسه بالبيلويونيز أو بالمورة حيث يتنافس مع 
البندقية. وهناك يبقى في الحكم أميران من عائلة الياليولوجيين» هما أخوا 
الإمبراطور الراحل قسطنطين الحسادي عشرء ديميتريوس وتوماس. وهما 
متعارضان غارقان في صراع لا يمكن اغتفاره» فيعتمد الأول على الترك بينما 
يعتمد الثاني على البندقية. وبعد حملتين» في عامي ١558‏ و550١؛:‏ يحتل محمد 
الثاني المورة. على أن البندقية تحتفظ هناك بنقاط ارتكاز مهمة: نويلي؛ مودون؛ 
كورون حيث ستبنى الجمهورية الأبهى حصونا ساحلية مثيرة؛ قابلة للحصول على 
الإمدادات عن طريق البحر. وعلاوة على ذلك؛ في عام 2١15©‏ تمكنت غارة قام 
بها.وال حدوديء هو عمر بك ابن توراخان؛ من انتزاع أثينا مسن سيطرة نبلاء 
لاتين صغارء ينتمون إلى عائلة أتشياجولي الفلورنسية. 


ل 


ولم تقتصر المنافسة مع البندقية على البيلويونيز. والخطر يتهدد الجمهورية؛ 
في البحر الأدرياتي هذه المرة» جُراء استيلاء آخر للسلطان الذي استكمل للقوّ 
. سيطرته على البلقان: البوسنة. والحال أن ملك البوسنة؛ ستيفان توماشيقيتش؛: الذي 
كان إلى ذلك الحين تابعًا للسلطان والذي أبدى سوء نيته تجاه أداء الخراج الذي 
كان مجبرًا على أدائه؛ قد حصل في نهاية المطاف على هدنة من السلطان لمدة 
خمسة عشر عامًا. وعلى الرغم من هذه الهدنة» فإن الصدر الأعظم محمود باشا 
الذي كان قد نجحء في العام السابق» في إلحاق الهزيمة بقويقود قالاكيا المتمردء 
فلاد المخوزق؛ لكي يحل محله تابعًا أكثر إذعاناء هو رادول؛ إنما يشن في عام 
١١‏ حملة تؤدي إلى فتح البوسنة (سيتم إعدام ستيفان على الرغم من التطمينات 
التي كانت قد قدمت إليه). وفي العام التالي» 515١؛‏ يستولي الصدر الأعظم على 
الهرسك. 

ويما أن هذه التعديات العثمانية الجديدة يمكن أن تكون ضارة بالمجر (التي 
كانت ذات أطماع في البوسنة كما في فالاكيا) مثلما يمكن أن تكون ضارة بالبندقية» 
فإن هذه الأخيرة تعتمد على عون الملك ماتياس كورقين» ولا تتردد في شن هجوم 
كبيرء في يوليو/ تموز 557 ١؛‏ ضد العثمانيين. فهي تسيطر على خليج كورنتة . 
وتتوصل إلى إعادة وضع جزء كبير من البيلويونيز تحت سيطرتهاء بيئما يغزو 
ماتياس البوسنة. والحال أن هذه الحرب بين العثمانيين والبندقية سوف تستمرء 
بشكل متقطعء حتى عام .١54174‏ وفي ختام هذا النزاع الطويلء القاسي بالنسبة 
للطرفين» سوف تطلب البندقية الصلح. وسوف يجري الاعتراف للسلطان بملكية 
سكوتاري وكرويا (كرويوه) وجزيرتي ليمنوس وأوبيه. وستبكي البندقية ضياع هذه 
الأخيرة بوصفه ضياعًا لواحدة من لآلئ إمبراطوريتها الاستعمارية. 

وفي تلك الأثناءء أدى النزاع بين العثمانيين والبنادقة إلى إعادة إطلاق التمرد 
الألباني. ففي عام ١١454‏ لدى موت حامي سكندر بكء ألفونسو الآراجوني: ملك 
نايولي: كان الأول قد عاد إلى وضع نفسه تحت السيادة العثمانية في خطوة متعقلة؛ 
لكنه» وقد انحاز إلى البندقية فيما بعد» استأنف طريق التمرد. وعندئذ يقرر محمد 
التخلص منه. فيُطلق حملة كبرى أولى في عام ١455‏ ويأمر بأن يتم في صيف : 
هذا العام نفسه؛ في خمسة وعشرين يوماء بناء حصن إلباسان المنيع» في السهل 

134١ 


الساحلي الألباني» على مسار القيّا آيجناسيا القديم. ثم يفرض العثمانيون الحصار 
قبالة كرويوه؛ الملاذ الأخير للمقاومة. وفي عام 4717 ١؛‏ يتوصل سكندر بك إلى 
قيادة جيش ضد محاصري كرويوه. وهذا الهجوم يستثير حملة السلطان الألبانية 
الثانية التي تقود إلى فتح الجزء الأكبر من البلده حيث لا يحتفظ البنادقة إلآ ببسضع 
نقاط ارتكاز على البحر الأدرياتي. وفي عام ١574‏ يموت سكندر بك الذي كان قد 
لجأ إلى أرض البندقية. ومن جهة أخرىء فإن السيطرة العثمانية على جبال «بلد 
العُقبان» سوف تظل - سوف نرجع إلى ذلك - سيطرة غير مباشرة وخفيفة نسبيًا. 

والحال أن محمد الثاني في رغبته إتمام سيطرته على بحر .إيجه و؛ من جهة 
أخرىء الاستفادة من سيطرته على 'المضائق؛ لكي يمد سيطرته إلى البحر الأسودء 
قد اصطدم بخصم آخرء هو جنوه. وسوف يستوعب ممتككاتها الكولونيالية الأخيرة: 
ففي عام ١450‏ يستولي على فوكيه القديمة والجديدة» مركز إنتاج الشيّة, كما 
يستولي على إنوس (إنيز)» في تراقيا» عند مصب نهر ماريتزا في بحر إيجه. وفي 
عام ١454‏ يجري إخضاع جزيرتي ليسبوس وشيو الجنويتين لدفع خراج (شأنهما 
في ذلك شأن جزيرة ناكسوس التابعة للبندقية). وفي العام التالي»ء يصل السلطان 
عن طريق البر إلى ميناء آماستريس (آماسرا) اليونتي ويستولي عليه. 

والحاصل أن تطوير الأسطول العثماني» المترتب على إنشاء محمد الثاني 
لترسانة بحرية على القرن الذهبي والتي تلت ترسانة جيليبولو العثمانية الأولى؛ قد 
أعطى أهمية كبرى للحرب البحرية في الفتوحات التالية: ففي البحر الأسود» نجد 
أنه على أثر الحملة البحرية التي قادها الصدر الأعظم جيديك أحمد باشا في عام 
١‏ يتمكن العثمانيون من وضع يدهم على كافا والموانئ الأخرى فسي جنوبي 
القرم والتي كانت تشكل في مجملها «الغزاريا الجنوية»» كما وضعوا يدهم على 
أزاك (آزوف» التانا)» على حوض نهر الدون؛ غير بعيد عن المسصب في بحر 
آزوفء الذي سوف تضاف إليه نقاط ارتكاز أخرى في شمال شرق البحر الأسود: 
كوبا (كوبا) عند منفذ بحر آزوفء وأناياء على الساحل في شرقي القرم. ثم إنه في 
عام ١,‏ بما أن الحزب الموالي للعثمانيين قد انتصر في الصراعات بين أبناء . 
حاجي جيراي على وراثة خانية القرم؛ يصبح منجلي جيراي الخان وتصبح الخانية 
دولة تابعة للإمبراطورية العثمانية؛ وهو ما سوف تظل عليه بهذه الدرجة أو تلك 
من الإذعان» حتى عام 17174. 

14١ 


وفي البحر المتوسطء كان قد جرى إطلاق حملة في صيف عام ١4,0‏ ضد 
جزيرة رودس المملوكة لأخوية القديس يوحنا الأورشليمي للفرسان الأوسبيتالبيه 
[الإسيتارية]. والحال أن الفرسان؛ الذين مثلوا القوة اللاتينية الأخيرة في شرقي 
البحر المتوسطء كانوا يهددون سواحل الأناضول الجنوبية وقد شكلوا عقبة على 
الطريق البحري إلى مصر. وقد قام مسيح باشاء وهو مرتد بيزنطيء بقيادة 
الأسطول العثماني. وطال أمد حصار رودسء حيث قاومت الأسوارٌ الهجمات 
المتعاقبة. والحال أن وصول قوات غوث أرسلها ملك نايولي» كانت استشرافا 
لتعبئة محتملة للجماعة المسيحية»؛ قد دفع مسيح باشا إلى الانسحاب. وفي الوقت 
نفسه؛ نجد أن أسطولاً آخر» يقوده من جديد جيديك أحمد باشاء قد نجح في تحقيق 
إنزال في أوترانت. فما الذي كان يعنيه هذا الاختراق العثماني في جنوبي إيطاليا: 
رغبة في توجيه ضربة إلى ملك نايولي» الخصم القديم للعثمانيين» أم مخططا من 
جانب السلطان» بعد استيلائه على «روما الجديدة»؛: للذحف على القديممة 
والاستيلاء على مقر الياياوية؟ أَيّا ما يمكن أن كانت عليه الدوافع العميقة لمغامرة 
أوترانت فقد كانت هذه المغامرة مزعجة يما يكفي لأن يفكر البايا في الهمرب إلى 
فرنسا. على أن موت محمد الثاني المفاجئ» في عام ١58١ء‏ قد أدئ إلى تفادي 
الخطر: ففي " مايو/ أَيّار من ذلك العام؛ كان السلطانء البالغ من العمر 545 عاماء 
قد تمكن للتو من عبور البوسفور للاضطلاع بحملة جديدة لم يكنء كعادته؛ قد أعلن 
عن هدفها وإن كان من المفترض أنها كانت موجّهة ضد مصرء حين أسلم الروح؛ 
بشكل مفاجئ: وكما لا مفر من ذلك» فقد جرى الاشتباه بأنه مات مسموماء لكن هذا 
يظل تخمينا: إذ لا يجب البتة استبعاد تعقيدات حالته الصحية» جد المتدهورة منذ 
وقت طويل. 


بايزيد الثاني و«قضية جم» 
لا تتواصل الفتوحات في ظل خليفته؛ بايزيد الثاني؛ بالإيقاع نفسه. فهذا 
السلطان يعرقله في عمله أولاً الصراع على الخلافة؛ والذي يضعه في مواجهة 
أخيه الأصغر جم سلطان. ثم عندما سيطلب جم اللجوء لدى رودس في عام 
ثم يجد نفسه نتيجة لذلك في فرنسا ثم في إيطالياء فإن وجود هذا المنافس 


14 


الذي يمكن استخدامه ضده في أيدي خصوم محتملين سوف يكون بمثابة سيف 
ديموقليس فوق رأس السلطان. وبحسب كلمات سياندوجينو كانتكاسان؛ فإن بايزيدء 
طالما ظل أخوه حيًا «لم يكن قط مطمئنا في إمبراطوريته»7). ولم يكن بالإمكان 
التفكير في أي مشروع عسكري واسع النطاق. والحق» من جهة أخرىء أن الوضع 
الحرج المترتب على احتجاز جم في الخارج إنما يجبر العثمانيين على معرفة 
جيرانهم الغربيين معرفة أفضل وعلى تطوير علاقاتهم الدييلوماسية معهم. والحال 
أن العلاقات الفرنسية - العثمانية» مثلا» والموعودة بمستقبل جد عظيم؛ إنما تجد 
هنا فصلها الأول. وأيًا كان الأمرء فسوف يتعين على بايزيد انتظار موت جم في 
عام 2١556‏ بل ولمزيد من الاطمئنان؛ استرداد جثمانه؛ الذي يبرهن على موته 
بالفعل - وهو ما لن يفعله؛ بعد كثير من المساوماتء إلا في عام :-١4919‏ لكي 
يجد شيئًا من الاطمئنان - من هذه الناحية على الأقلء لأن الأطماع المتنافسسة 
لأبناته العديدين لن تتخلف عن إرهاقه بشواغل أخرى. 

والحال أن مصاعب وراثة الحكم والتي تؤثر بهذا الشكل على هذا العهد لن 
تحول بالكامل؛ بأكثر من سواهاء دون مواصلة الأعمال العدائية في أوروباء سواء 
كان ذلك على شكل غارات تدميرية في المجر وفي كرواتيا وحتى على الأراضي 
النمساوية (كارئيول وستيريا وكارينثيا)» بمبادرة من بكوات على الحدود. ثم إن 
بايزيد لن يترددء في عام 584 1١؛‏ بينما كان أخوه لا يزال محتجزا في أوروباء في 
أن يقود بشخصه حملة. ضد قويقود مولداقياء إيتيان الأكبر. ففي ١١‏ يوليو/ تموز 
١5‏ ينتزع منه مديئة كيلي عند مصب نهر الدانوب ثم مدينة أكيرمان» عند 
مصب نهر الدنيسترء في 8 أغسطس/ آبء بمساعدة من فرسان خان القرم؛ منجلي 
جيراي. وعندئذ سيعتمد إيتيان على مساندة من جانب كازيمير الرابع؛ ملك يولنده: 
الذي يعترف بسيادته عليه» على أنه لم يتمكن مع ذلك من استرداد مدينتيه اللتين 
تتميزان بأهمية تجارية كبرى وأهمية استراتيجية كبرى بالمثل؛» فقد كانتا محطتين 
على الطرق التجارية الكبرى التي تربط البحر المتوسط بشمالي شرق أوروبا. وفي 
عام 07 ١ه‏ يتخذ قرار! بأن يرسل إتاوة من جديد إلى السلطان. أمّا فيما يتعلق 
بيولنده» فهي تعقد في عام 8 ١‏ هدنة مع الترك سوف يتم تمديدها في عامي 
١‏ و55١.‏ لكن الحرب سوف تنشب من جديد بعد ذلك بوقت قصير مع 


54 


يولنده الرافضة لإغلاق البحر الأسود في وجهها عبر إقامة وجود عثماني بين 
القرم ودلتا الدانوب. ولن يتم تجديد الهدنة في نهاية المطاف إلا في عام 1449. 
وبايزيد بحاجة آنذاك إلى التفرغ لاستئئناف الصراع مع البندقية والذي تركه 
السلطان السابق من دون حسمء حيث بقيت نقاط نزاع عديدة بين الدولتين» سواء 
كان ذلك في المورة أم على السواحل الدالماتية والألبانية للبحر الأدرياتي. وسوف 
تستمر الحرب حتى عام 7١٠6١؛‏ حيث استفادت البندقية من التحالف مع الفرنسي 
لويس الثاني عشر ومن التحالف مع المجر. والحال أن ليبانت؛ في خليج كورنثه؛ 
وقد حاصرها السلطان شخصيّاء إنما تستسلم في 9؟ أغسطس/ آب .١544‏ وسوف 
يستولي الترك على مودون وناقارين في أغسطس/ آب .16٠١‏ وفي أكتوبر/ 
تشرين الأول 2١160١‏ سوف يشن الأسطولان الفرنسي والبندقي هجومًا مشتركا 
ضد ميتيلين سينتهي إلى الفشل7). والحال أن غارات فرسان عثمانيين يقودهم 
ميخايلوجلو إسكندر باشاء سوف يصلون إلى الفريول وإلى أرض البندقية نفسهاء 
حتى فيسينشي. وفي نهاية المطاف؛» وبموجب معاهدة ١5‏ ديسمبر/ كانون الأول 
(جرى التصديق عليها في أغسطس/ آب :.)١1١١7”‏ تتخلى البندقية عن 
لييانت وكورون وناقارين ودوراتسو ؛ وتجلو عن جزيرة سانت مور وسوف 
تواصل أداء إتاوة مقابل امتلاكها لجزيرة زانت. وفي المقابل» يتم إقرار امتلاكها 
لجزيرة سيفالونياء و» من جهة أخرىء؛ تسترد امتيازاتها التجارية السابقة في الدولة 
العثمانية. وهكذا تم اجتياز مرحلة جديدة في الاستيعاب التدريجي لإمبراطورية 

وكان بايزيد مضطرً! إلى التنازل لابنه» سليم» المنتصر النهائي في التنافس 
فيما بين الإخوة» الورثة المحتملين للسلطان. وهذا التنازل عن العرش يسبق موته 


سليم الأول والمنعطف شرق الأوسطي 
كان عهِذد سليم الأول القصير منعطفا في التاريخ العثماني» بسبب فتوحاته 
المثيرة في الشرق الأوسط. فبعد أن انتصر في البداية على ملك فارس الشيعي» 
شاه إسماعيلء؛ الذي كان بينهما تناحر سياسي وديني في آن واحند؛ء في معركة 


6 


تشالديران» قرب تبريز؛ في 7 أغسطس/ آب 5١15؛:‏ يهجم بعد ذلك على 
المماليك. والحال أن النزاع الكامن بين دولة العثمانيين الصاعدة وجيرانهم المماليك 
المحترمين؛ والذي تمحور على مسألة قيليقيا وحدود طوروس؛ كان قد انفجر 
بالفعل في مناسبتين» في زمن محمد الثاني وبايزيد الثاني. وبعد أن نجح سليم في 
أذربيجان» يقرر حسم النزاع. وكان هذا هدف حملة عامين» في 151١5‏ و1519, 
تؤدي إلى فتح بلاد الشام» على أثر معركة مرج دابق؛ قرب حلب ومصرع 
السلطان قنصوه الغوري» في 74 أغسطس/ آب 1515كء في ساحة المعركة ؛ ثم 
فتح مصر. والحال أن السلطان المملوكي الجديد؛ طومان بايء ابن أخ السابق» قد 
جرى إلحاق الهزيمة النهائية به في معركة الريدانية؛ في "73 يناير/ كانون الثاني 
7 . وعند أسره في نهاية المطاف» جرى إعدامه في القاهرة» بأمر من سليمء 
في ١‏ أبريل/ ئيسان التالي. وبهذا انتهى النظام المملوكي الذي حل العثمانيون 
محله. وأصبحت مصر وبلاد الشام ولايتين عثمانيتين» عهد بهما من جهة أخرى؛ 
في مرحلة أولىء إلى ولاة من أصل مملوكي. وبالمقابل» فإن سليم؛ الذي توفي 
مبكرا في ٠١‏ سبتمبر/ أيلول ١157١؛‏ لم يكن لديه الوقت الكافي للاهتمام بالجبهة 
الأوروبية. إلا أنه يبدو أنه قد أجرى استعدادات لذلك؛ في أعوامه الأخيرة؛ حيث 
صمدت في وجه جده؛ محمد الثاني على الرغم من أنه؛ بحسب مصادر أخرى؛ 
اعتبر هذا المشروع مشروعًا غير واقعي!"". 


النجاحات الأولى لسليمان القانوني: 
بلجراد ورودس 

إن ابنه وخليفته» سليمان» الملقّب ب «العظيم» من جانب الغربيين وب 
«القانوني» في التراث العثماني» سوف يكون أبرز السلاطين العثمانيين وسوف 
يترك عهده الطويل )١1555-17١(‏ ذكرى «عصر ذهبي» لإمبراطورية في 
أوج قوتها وثرائها و» من حيث الجوهرء اتساعها الترابي. على أن النقاط السوداء 
لن تكون غائبة» خاصة في الجزء الثاني من العهدء اعتبارًا من أعوام -1١64٠‏ 
٠‏ ه6١‏ 


155 


والحال أن سليمان؛ المشرع وراعي الفنون» إنما يتميز أيضنا بفتوحاته» سواء 
كان ذلك على الجبهة الشرقية حيث سيقود شخصيًا ثلاث حملات»؛ بينها حملة عام 
7 التي ستعود عليه بفتح بغداد ومجمل العراق؛ أم؛ من جهة أخرىء: في 
أوروبا حيث سيقود ما لا يقل عن عشر حملات. وهذا الجانب الأخير بالأخص هو 
ما سوف ننظر فيه هنا. وبما أنه يدع جاننا في مرحلة أولى الصراع ضد إيران 
الصفوية والذي برز فيه والده» فإنه يسعى في الغرب إلى نجاحات أولى؛ 
استراتيجية ورمزية في أن واحد. ومتذرعًا بالمعاملة السيئة الني تعرض لها 
مبعوثه بهرام تشاووشء المكلف رسميًا بإبلاغ ملك المجر باعتلائه العرشء وإن 
كان مكلفا أيضنا على ما يبدو بتوجيه عروض بشكل شبه رسمي إلى هذا الأخير 
بالسير في الفلك العثماني» وهي عروض هدفها تحويله عن التحالف مع آل 
هابسبورج؛ فإنه يشن الحملة الأولى على المجرء ويستولي على ساباكز وسملين؛ 
ويجتاح البلاد الواقعة بين نهري الساف والدرافء: وينجح بالأخص في ما أخفق فيه 
محمد الثاني؛ باستيلائه على بلجراد في ١9‏ أغسطس/ أب .167١‏ ّْ 

والهدف التالي يتماشى أيضنا مع فشل لجده الثاني [محمد الثاني]؛ وهو هدف 
كانت أهميته الاستراتيجية بالنسبة للعثمانيين قد تزايدت أكثر منذ فتح مصر: جزيرة 
رودس التي تسيطر عليها أخوية فرسان القديس يوحنا والتي كانت قاعدة لقرصنة 
نشيطة في شرقي البحر المتوسط. وقد قام سليمان بتسليح أسطول ربما يكون حجمه 
قد وصل إلى 7١6‏ وحدة وعيّأً نحو 7٠١ ٠٠٠‏ رجل. والحال أن الحصار قد امتد 
حتى الشتاء؛ حيث احتمى الأسطول في نواحي مرمريس. وقد استسلم الفرسان بعد 
خمسة أشهر» في ”١‏ ديسمبر/ كانون الأول 7؟157. 


موهاكس: سحق سلاح الفرسان المجري 
بما أنه كان قد جرى إرسال مبعوث ثان إلى لويس» ملك المجرء في عام 
14: من دون أن يكون أكثر توفيقاء فقد جرى شن حملة جديدة في أبريل/ 
نيسان .١575‏ والحال أن جيش لويس الثاني قد اندفع من دون حكمة إلى مواجهة 
قوات السلطان» الأعلى عدذا بكثير. وقد دارت المعركة في 94> أغسطس/ آب في 
سهل موهاكسء على ضفة الدانوب. ومزقت المدفعية العشانية سلاح الفرسان 


1١5 


المجري الثقيل. وكان انتصار السلطان كاملا لاسيما أن لويس الثاني الشاب هلك 
غرقا لدى انسحابه» من دون أن يترك وريثا. على أن سليمان؛ بعد أن احتل بوداء 
العاصمة المجرية»؛ لمدة عشرة أيام» سارع إلى العودة» وقد انزعج من الأخبار التي 
وصلته عن وقوع تمردات تركمينية جسيمة في الأناضول. وفي هذه الظروف»؛ فإن 
النتيجة الوحيدة لهذا النجاح؛ إذا نحينا جانبًا الأسلاب الثرية التي تم جمعها في بوداء 
قد تمثل في ضم كونتيتي سيريم وقالكو في جنوب الدانوب. وبفضل الانسحاب 
العثماني؛ جرى انتخاب مرشحين بالتعاقب ملكين للمجر من جانب دايتين مختلفين: 
فالحال أن يان زابولياء القطب الأقوى في البلد» وقويقود ترانسلقانياء قد جرى 
انتخابه في سكيسنيهيرقار: في ١‏ نوثمبر/ تشرين الثاني 575١؛:‏ في حين أن 
شقيق شارل الخامسء فردينان الهابسبورجيء أرشيدوق النمسا والذي سرعان ما 
جرى انتخابه ملكا لبوهيمياء قد جرى تتويجه بدوره؛ من جانب جمعية محدودة 
أكثرء في براتسلاقاء في 17 ديسمبر/ كانون الأول .١1577‏ وطبيعي تماما أن 
السلطان قد آثر الأضعفء ومن ثم الأسهل في التعامل معه بين الاثنسين؛ أل وهو 
زابولياء الذي سيجعله تابغا له في فبراير/ شباط .١1578‏ 


حصار قيينا الأول: فشل جرى التستر عليه 

إلا أنه يما أن فردينان لم يتخل عن أطماعه وبما أن قواته قد استولت على 
بوداء فقد كان على سليمان مغادرة اسطنبول» في ٠١‏ مايو/ أيَار 9؟15؛ لكي 
ينخرط في حملة مجرية ثالثة» على الرغم من مصاعب مشروعات كهذه: البرد 
والمطرء حتى خلال الصيف ؛ الممرات المائية العريضة التي يتعين اجتيازها ؛ 
مشكلات الإمدادات والمشكلات اللوجستية الراجعة إلى بُعد المسافات عن مركز 
الدولة العثمانية. وفي هذه المرة» يعيد احتلال بودا من دون مشقة»؛ ثم يسلك الطريق 
إلى قيينا التي لن يصل إليها إلا في 77 سبتمبر/ أيلول» وقد أخرته منذ البداية 
عقبات من كل نوع. وعندئذ يبدأ الحصار التركي الأول لثيينا. والحال أن سليمان؛ 
الذي لم يتمكن من الاستيلاء على المدينة على الرغم من أربع محاولات متعاقبة 
للهجوم؛ إنما يرفع الحصار في 4 ١‏ أكتوبر/ تشرين الأول» وقد وجد نفسه مواجَِهما 
بالقدوم المبكر للشتاء. والارتياح عظيم في المدينة وفي كل الجماعة المسيحية. اما 


1١38 


سليمان فهو يقلل من شأن فشله. ففي منشور الانتصار الذي يوجهه (باليونانية) إلى 
دوج البندقية» ينفي أنه قد رمى قط إلى الاستيلاء على قيينا ؛ فهو لم يفعل سوى 
الاتجاه إلى مطاردة خصم» هو فرديئان الهابسبورجي» الذي توارى عن 
الأنظار 9 ). 


سليمان وشارل الخامس: الرهان الإمبراطوري 

عندئذ يصل التنافس بين العثمانيين وآل هابسبورج إلى ذروته: فوراء 
السيطرة على المجرء ينصب التنافس على الإرث الإمبراطوري ومن ثم على 
التطلع إلى السيطرة العالمية. والسلطان التنافس لا يعترف بتتويج شارل الخامس 
إمبراطور! وبتتويج أخيه ملكا على الرومان؛ فهو يعتبر نفسه المرشح الشرعي . 
الوحيد للسيادة العليا. وفي هذه الظروفء فإنه تحديذا ضد شارل الخامسء؛ الذي 
كان قد طرح نفسه بوصفه بطل «الحرب ضد الترك» في الدايت في راتيسبون في 
أبريل/ نيسان 2١577‏ سوف توج حملة سليمان الرابعة في أوروباء والمسماة في 
التراث العثماني ب«حملة ألمانيا ضد ملك إسبانيا». والحال أن حملة صيف عام 
7 هذهء المتواضعة في نتائجهاء قد تميزت أساسنا بحصار محكم لحصن جانز 
(كزج) وبغارات تدميرية في ستيريا وسلاقونيا. على أن آل هابسبورج كانوا 
منزعجين بما يكفي لأن يطلبوا فدنة منحها.لهم السلطان عن طيب خاطرء في 
يونيو/ حزيران 1577ء لاسيما أن نجاح أسطول العدوء الذي استولى في عام 
على كورون وياتراس على ساحل الييلوبونيزء كان فيه ما يزعجه. ثم إن 
اهتمامه قد تحول الآن إلى إيران. وبموجب شروط الاتفاق» جرى التأكيد على 
استمرار الوضع القائم» أي تقسيم المجر بين فردينان وزايولياء حيث أصبح الاثنان 
تابعين للسلطان. 

ومع حملة بغداد في ١574‏ -1575كء والتي أعقبها إعدام إيراهيم باشاء 
الصدر الأعظم الذي كان نفوذه حتى ذلك الحين سائذاء تنتهي مرحلة فتوحات 
السلطان الشاب الأكثر إثارة؛ على أن النشاط العسكري لهذا الأخير لا يتوقف مع 
ذلك؛ سواء كان ذلك على المستوى البري أم على المستوى البحري. 


1١1 


أمير البحر بارباروسًا والتحالف الفرنسي - العثماني 

على هذا المستوى الثاني؛ كان من الأمور الحاسمة تعيين القرصان؛ سيد 
مدينة الجزائرء خير الدين بارباروساء على رأس الأسطول الإمبراطوري الكبيير» 
في عام .١1577‏ والنشاط الديبلوماسي يتواصل في الوقت نفسه. حيث كان عام 
4 عام إرسال أول سفارة فرنسية مستديمة إلى اسطنبول» عهد بها إلى جان دو 
لا فوريه» ومن ثم إضفاء طابع رسمي على التحالف الفرنسي - العثماني ضد آل 
هابسبورج. وتتمثل الثمرة الأولى للتعاون العسكري بين البلدين» وهو تعاون اشتمل 
على حملات برية منسقة وإن كانت منفصلة كما اشتمل على حملات بحرية 
مشتركة؛ في عملية مشتركة ضد نايولي التي كانت تابعة لإسبانيا ومن ثم لشارل 
الخامس» جرت في صيف عام 15727. والحال أن لا شيء أو لا شيء تقرينا قد 
حدث بالشكل الذي كان متوقعا: فأسطول فرانسوا الأول لم ينضم إلى أسطول 
السلطان؛ في آفلونيا (قلوريو)؛ إلا متأخرً! جدًا. وسليمان» من جهته؛ قد تخلى عن 
فكرة مهاجمة نايولي» لكي يتحول إلى جزيرة كورفوء إحدى ممتلكات البندقية التي 
كانت علاقاته معها قد تدهورت في تلك الأثناء. وإذا كان حصار كورفو قد مُني 
بالفشل؛ فإن بارباروساء في مواصلته للصراع ضد البندقية؛ قد توصل إلى 
الاستيلاء على غالبية الجزر الإيجية التي كانت لا تزال في أيدي عائلات من 
أشراف البنادقة. ثم إنه أحرزء في 78 سبتمبر/ أيلول ١1557‏ نجاخا بحريًا كبيرا 
في بريقيزاء في خليج آرتاء إذ نجح في إجبار أسطولي البندقية وإسبانيا المشتركين 
على الهربء وكانا تحت قيادة آندريا دورياء الأميرال الجنوي الشهير. والحال أن 
البندقية» الحريصة دوما على صون مصالحها التجارية في الشرق؛ قد قبلت 
التفاوض. وبموجب معاهدة ١‏ أكتوبر/ تشرين الأول ١54٠‏ التي منحها سليمان 
للدوج بيترو لاندوء وافقت البندقية على تضحيات ترابية جديدة في المناطق 
المتنازع عليها بين الدولتين: نوبليا ومونيمقاسيا في البيلويونيز وقرانا ونادين على 
حدود البوسنة؛ إلى جانب سلسلة من الجزر الإيجية بينها ناكسوس وياروس 


وسانتورين وأندروس. 


حملة مولداقيا 

في صيف عام هذا نفسهء قاد سليمان بشخصه حملة من أجل تأديب 
تابع متمردء هو فويقود مولداقياء بيترو راريش. وكان مشتبّهًا بالتواطؤ مع البندقية 
وبتعريض العلاقات الطيبة بين السلطان وبولندة للخطر. والواقع أنه كان يتطلع إلى 
الاستيلاء على مقاطعة تدعي هذه الأخيرة ملكيتها» هي مقاطعة يوكوسيا. والحمال 
أن السلطان: بعد أن احتل سوسياقا بين ١5‏ و77 سبتمبر/ أيلول 15177؛ قد عين 
قويقوذا جديذا ثم انسحب من مولداقياء ليس من دون أن ينتزع من هذا البلد جزءه 
الجنوبي الغربي»: بضمه المنطقة الواقعة بين نهري البروت والدئيسترء وهي منطقة 
بوجاك» مع حصن بندر (تيغينا). وهكذا استكمل سليمان مواقعه في شمال البحر 
الأسود وأَمِّنَ اتصالاته البرية - البحرية مع تابع آخرء هو خان القرم. 


التقسيم الثلاثي لمملكة المجر 

في الأعوام التالية» استمرت المتاعب في المجرء بحكم الضغط الذي لم يتوقف 
فردينان الهابسبورجي عن ممارسته على منافسه؛ يان زايوليا. ففي عام 2055/8 
فرَض على هذا الأخير معاهدة اراد (أوراديا) السرية؛ التي تعهد زايوليا بموجبها 
بأن ينقل حقوقه في التاج المجري بعد موته إلى فردينان. إلا أنه بعد ذلك بوقت 
قصيرهء بما أن زايوليا قد تزوج متأخرا إيزابيل» ابنة سيجيسموند. ملك يولنده؛ 
أنجبت له هذه الزوجة ابناء قبل بضعة أيام من موته؛ في يوليو/ تموز .154٠‏ 
والحال أن المستشار الرئيسي للأرملة» أسقف قارادء جورج مارتينوتزي - 
أوتايشينوفيتش؛ قد عمل في بودا على انتخاب هذا الطفل؛ الذي لم يزد عمره أنذاك 
عن خمسة عشر يوماء ملكا للمجرء كما حصل على اعتراف السلطان به. على أن 
فردينان؛ الذي حشد إلى صف قضيته غالبية السادة المجريين» قد فرّضُْ الحصار 
على بوداء اعتبارا من مايو/ أيّار .١154١‏ وهذا الوضع يفرض على السلطان 
التدخل مرة آخرى. وإذ يسارع إلى التحرك مع جيشه:؛ فإنه يعيد احتلال بودافي 
أواخر يوليو/ تموز. والتحسسات التالية تشهد على تردداته حيال المصير الذي 
يريده للمجر. وفي نهاية المطاف؛: يضم وسط المملكة الذي يصبح ولاية عثمانية» 
هي بيليربيليك بودون. ومن جهة أخرىء يعترف لابن زايوليا الصغير الذي سيكون 

١ 


أسقف قاراد مربيًا له ب«بلاد ترانسلقانيا»» أي ليس فقط فويقودية ترانسلقانيا 
تحديذاء وإنما كل شرقي المملكة؛ بما في ذلك بانيّة تيميسقار. على أن السلطان قد 
اعترف أيضنًا بالسلطة الخاصة على البانيّة لصربي ينتمي إلى آل زايولياء هو بيير 
يتروقيتش. والحال أن مارتينوتزي» في دوره كوصي على العرش» سوف يناور 
بحذر بين الطرفين اللين سيتهمانه الأول والآخر بالازدواجية. وسوف ينتهمي 
باغتياله» بأمر من فردينان؛ في ديسمبر/ كانون الأول .١55١‏ وقد بقيت بقية 
المجر؛ أي غربي وشمالي المملكة القديمة» في حوزة فردينان. وسوف يمنحون اسم 
«المجر الملكية» لهذا الجزء. 


مواصلة الزحف في المجر 

على أثر ذلك» سوف يجتهد سليمان وخلفاؤه في توسيع ولايتهم وتعزيز 
موقعها الاستراتيجي؛ على حساب المجر الملكية. وفي عام 21547 يجري شن 
حملة كبرى من جديد» وهي موضع استعدادات غير مسبوقة من حيث الشؤون 
اللوجستية وشؤون الإمدادات. وهي تؤدي إلى الاستيلاء على سلسلة بأكملها من 
الحصون المهمة (قاليو وسيكلوس وبيكس وبالأخص إسترجوم وسيكيسفيهرقار» 
. الجبانة الملكية القديمة)؛ إلا أنه على الرغم من ذلك لا يتم طرد فردينان بصورة 
نهائية من المجر. وخلال شتاء ١545 - ١5454‏ يجري التحضير لحملة أخرى 
واسعة النطاق. وسيتم إلغاؤها في نهاية المطاف لصالح تسوية ستؤدي؛ يعد عدة 
هُدنء إلى معاهدة عقدت في يونيو/ حزيران 15417: يسود السلام لمدة خمسس 
سنوات ؛ ويتم الإبقاء على الوضع الترابي القائم ؛ وسوف يدفع فردينان للباب 
العالي إتاوة سنوية قدرها 7١ .٠٠‏ دوقية. وهكذا سيصبح سليمان مطلق اليدين 
لكي يقود في ١553-- ١55/‏ حملة ضد طهمسبء شاه فارس. 

وفي عام ١565٠١ء‏ يجري استثناف القتال في الغرب؛» حيث إن فرديئان قد 
أرسل ضد الترك؛ في ترانسلثانيا وفي المجرء جيشا بقيادة جان باتيست كاستالدو. 
وفي عام ”150١؛‏ على أثر حملة يقودها الوزير الثاني» أحمد باشاء يضم العثمانيون 
بانية تيميسقار (تيميشوار!ا) التي كان قد تم انتزاع عدة حصون من حصونها. 


5” 


تثبيت الحدود العثمانية 

نرى بوضوحء على أي حالء في خمسينيات القرن السأدس عشر» أن توسع 
الإمبراطورية يبلغ حدوده وأن حدود الإمبراطورية تستقر. وهذا صحيح سواء كان 
ذلك على الجبهة الشرقية حيث حدّد صلح آماسياء في مايو/ أيار 6 »: مناطق 
النفوذ التي تخص العثمائيين وتلك التي تخص الصفويين؛ أم على الجبهة الغربية؛ 
في وسط أوروبا وفي البحر المتوسط. وفي هذه المنطقة الأخيرة» سيشهد سليمان 
نجاحه البحري الأخير في عام 0٠5١ء‏ حين يطرد بيالي باشاء أميراله البحصري 
الكبير: قوات ملك إسبانياء فيليب الثاني» من جزيرة جربة. كما سيستولي هذا 
الأمير نفسه؛ في عام 2١557‏ على جزيرة شيوء آخر ممتلكات جنوه في الأرخبيل. 
وبالمقابل» فإن الحصار الهائل لجزيرة مالطة؛ حيث كان فرسان رودس قد وجدوا 
ملاذا لهم؛ سوف ينتهي إلى فشل أليم؛ في العام السابق: عام .١552©‏ 


سيجيتقار: الحملة الأخيرة 
وفي العام التالي نجد أن السلطان الذي كان قد أصبح عجوز! مريضنا وسريع 
الغضب وشديد التقوى الزاهدة» يخوض حملة:» وهو ما لم يكن قد فعله منذ عشرة 
أعوام. وإذ يشق طريقه من جديد إلى المجرء يُسلم روحه في ليلة 5 - لا سبتمبر/ 
أيلول 2١577‏ تحت أسوار سيجيتقارء الحصن الذي حاصره منذ 4 أغسطس/ أب 
والذي سيسقط غداة موته. وقد تم الحفاظ رسميًا على سر الموت على طريق عودة 
الجيشء خلال ثمانية وأربعين يوماء حتى مشارف بلجرادء حيث سارع خليفته» ابنه 
سليم الثاني» إلى الحضور لقيادة القوات وربما لمواصلة الحملة. لكنه عَدّل عن ذلك 
بسبب المواقف السيئة للجيش الذي حجب عنه؛ في تصرف عديم الحكمة؛ منحة 
صعوده إلى العرش. 
الفتوحات الأخيرة في أوروبا 
(أواخر القرن السادس عشر - القرن السابع عشر) ٠‏ 
قيرص: 
كان الجزء الأخير من عهد سليمان قد أظهر بالفعل تباطوا للفتوحات» حيث 
إن عمليات زحف أكثر إجهاذا قد أفضت إلى مكتسبات أكثر تواضعا وأقل رسوخا. 


7 


وهذا الاتجاه سوف يتأكد» في ظل خلفاءِ سليمان؛ حتى أواخر القرن السادس عشر. 
على أن فتح جزيرة قبرص كان أيضنًا إسهاما ثمينا لعهد ابنه سليم الثاني واختزالاً 
محسوسنا ل«رومانيا» البندقية التي كانت الجزيرة تشكل جزءا منها منذ عسام 
4 . والحال أن الصدر الأعظم سوكوللو محمد باشاء وهو رجل حكيم؛ لم يكن 
نصيرا لاستفزاز الجماعة المسيحية بمشروع كهذاء لكنه اصطدم ب«حزب 
حرب»» بما يكشف تماما عن صراعات الفصائل في داخل السلطة العثمانية آنذاك. 
وضمن ذرائع أخرىء قام هؤلاء «الصقور» بتصوير قبسرص على أنها ملجأ 
للقراصنة الذين يعرقلون حركة التجار والحجاج الذاهبين إلى مكة. وفي مارس/ 
آذار ١٠617٠ء‏ وقد ذعغي مجلس شيوخ البندقية إلى التنازل عن الجزيرة:. يرد 
المجلس بالتصويت السلبي» واثقا من المساعدات الخارجية. وفي مسبتمبر/ أيلول» 
يستولي الجيش على نيقوسيا وقد نزل إلى الجزيرة. 
معركة لييانت: 

رذًا على ذلك؛ يجري تكوين حلفء بتحريض من اليايا بيوس الخامس» بين 
إسبانيا والباباوية والبندقية. وفي سبتمبر/ أيلول .151١‏ يتحرك من ميسينا أسطول 
الحلفاء؛ تحت قيادة دون خوان النمساوي؛ الابن. الطبيعي لشارل الخامس ومن ثم 
الأخ غير الشقيق للملك فيليب الثاني. وفي تلك الأثناء» في الأول من أغسطس/ 
آب؛ كانت فاماجوستاء وهي الحصن الثاني للجزيرة» قد سقطت بعد حصار دام أحد 
عشرة شهرا. وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول» سوف يلتقي أسطول دون خوان 
أسطول السلطانء قبالة لييانت» في مياه خليج باتراس» عند مصب خليج كورنثه؛ 
وقد هلكت غالبية السفن العثمانية, إغراقا أو حرقاء بسبب تفوق مدفعية الحلفاء 
خاصة. ويقال إن البحر قد صار أحمر من دماء الضحايا الذين لا سبيل إلى تقدير 
عددهم الكبير. وقد ترت تبت على هذه الهزيمة التركية الجسيمة أصداء واسعة في 
الجماعة المسيحية» ؛ إذ أصبحت أحد رموز انتصار الصليب على الهلال. على أن 
نتائجها كانت شبه معدومة؛ وذلك؛ في آن واحد بسبب انقسام الحلفاء الذين لم 
يتابعوا ما كسبوه من ميزة وقوة ردة فعل العثمانيين الذين تمكنواء بحث من الصدر 
الأعظم؛ من إعادة بناء أسطولهم خلال الشتاء التالي. وقد اضطرت البندقية» مرة 
أخرى, إلى التفاوض: فقد وافقت على التنازل عن قبرص إلى جانب دفع تعويض 
عن خسائر الحرب قدره "٠٠ ٠٠٠١‏ دوقية. 

>30 


المجر مرة أخرى ... : 

وفي العقود التالية» بالمثل؛ يتواصل «قضم» المجر الملكية بلا هوادة. ففي 
منعطف القرن؛ خلال «الحرب الطويلة» بين آل هابسبورج والعثمانيين -01691١(‏ 
7ت )٠‏ يتم الاستيلاء على مواقع جديدة: بيهاكس )١1599(‏ وجيور ,)١1594(‏ 
وفي عام 21595 نجد أن محمد الثالث» وقد أعاد التواصل مع تراث السلاطين 
المحاربين الذي خلفه سابقاه» يقف بشخصه على رأس جيوشه؛ وإن كان النجاح 
الذي يحرزه نجاحا محدوذا. ففي اللحظة الأكثر حرجا لمعركة كيريزتيس» يرتدي 
عباءة النبي ايجد فيها البركة الضرورية. وسوف يكون فتح إيجير (إيرلاو) هو 
النتيجة الوحيدة لمساعيه وعنوان مجده الوحيد. وسوف يتم الاستيلاء» أخيراء على 
كانيزاء في عام ٠٠٠١‏ وعلى قارارد؛ بعد ذلك بوقت أطول بكثيرء في عام 
6 وأخيراء على أثر حرب 1155-1755 النمساوية - العثمانية:؛ والتسي 
حاقت فيها بالعثمانيين هزيمة جسيمة في معركة سان جوتهارد (سنتجوتهارد)؛ على 
نهر الراب: يحضلون مع ذلك» بموجب هدنة قاسقار» على شروط ملائمة من 
الإمبراطور ليويولد» المتحرق لعقد الصلح ونتيجة لذلك» يتراجع الدفاع الحدودي 
المجري درجة أخرىء ما يسمح بتكوين ولاية عثمانية جديدة وأخيرة في المجر» 
هي إيالة أويقار (أويقارء نوقيزامكي). وهكذا اضطر النمساويون إلى الرد بإقامة 
خط حدودي جديد في عام والحال أن مركزه المهيمن» المبني وفق أحدث 
مبادئ العمارة العسكرية؛ سوف يحمل أسم ليوبولد بشكله المجري: ليبوتفار”). 

وبوجه عام كشفت العقود الأولى للقرن السابع عشر عن تباطؤ سافر في 
نشاط الإمبراطورية -العثمانية الخارجي: إن «الحرب الطويلة» ة في المجر والتي 
امتدت إلى ثلاثة ثّةَ عشر عامًا عند منعطف القرن لم تسفر إلا عن شبه نجاء: فقد 
احتفظ الأتراك بممتلكاتهم في بانية تيميسقار وفي المجر بل أضافوا إليها إلى حدٌ 
ما. كما جرى تأكيد سيادتهم على مولدافيا وقالاكيا وترانسلثانيا. على أن معاهدة 
زيتقا- توروك التي أنهت النزاع في عام ١٠١7‏ قد دلت على ضعف نسبي 
لمواقعهم: فلاضطرارهم مرة أخرى إلى أن يكونوا طليقي الأيدي لكي يتجهوا إلى 
قتال فارسء؛ كان عليهم التفاوض على قدم المساواة مع خصومهم», في ساحة 
المعركة؛ ة في المجر نفسها. ثم إن السلطان قد وافق - في النسخة المجرية للمعاهدة 
اود على منح لقب القيصر للهابسبورجيء متخليًا بذلك عن التمسك لنفسه 

م" 


حصريًا بالمكانة الإمبراطورية. كما تخلى عن المطالبة بإتاوة من العاهفل 
الجرمائي7”". 

وعلى أثر ذلك: بمجرد انتهاء حرب أخرى - طويلة: هي أيضنا- مع 
الصفويين (7507 »)١15113-‏ غرقت الحكومة العثمانية في مشكلات داخلية مسن 
كل نوع. ومن حسن حظها أن أوروبا المسيحية لا يمكنها الاستفادة من ذلك فهي 
غارقة من جهتها في حرب الأعوام الثلاثين. 
كريت: 1 

يظهر استئناف معين للتوسع الترابي العثماني في أوروياء اعتبارًا من 
خمسينيات القرن السابع عشرء بفضل استعادة للقوة قام بهاء بنشاط فريد؛ الصدران 
الأعظمان الأولان من سلالة آل كوبريلي: محمد باشا (15717-1557).؛ ثم أبنه 
فاضل أحمد باشا (1551 --1595). وهما يستفيدان» في مشروعهماء من الضعف 
الذي أصاب دولتين أوروبيتين: البندقية ويولنده. 

وبالنسبة للأولى» فإن ضياع «مملكة كريت»» جوهرتها الأخيرة»: على أثر 
حرب لم تكن من جهة أخرى سهلة بالنسبة للفاتحين» بل كانت: على العكس من 
ذلك. طويلة ومجهدة (15156 - 6 إنمايعلن موت إمبراطوريتها 
الاستعمارية. وهو ختام نزاع تاريخي طويل» غير متكافئ دوماء للسيطرة على 
شرقي البحر المتوسط. 
جنوبي يولنده والمشكلة القوزاقية: 

الجبهة الأوروبية الأخرى التي يتطور الوضع عليها في القرن السابع عسشرء 
هي جبهة سهوب شمال البحر الأسودء التخوم الجنوبية ليولنده - ليتوانيا 
وموسكوقيا. وهناء على تخوم هاتين الدولتين» تظهر قوة جديدة تجتهد الدولتان في 
السيطرة عليها واستغلالها: القوزاق. فبين عامي 1587 و58؟2.15 يصبح هؤلاء 
الأخيرون قوة عسكرية وبحرية كبرى تستفز الدولة العثمانية على نحو مباشر 
بشكل متزايد باطراد: فنحو عام ٠٠‏ »؛ تصبح عدة موانئ مسن موانئها البونتية 
هدقا لتعديات من جانب أساطيل قوزاقية. وفي عام ©157: سوف يتغلغل القوزاق 

وبسبب هذا الخطر الجديد المضاف إلى التنافس المستمر بين يولنده 
والعثمانيين من أجل السيطرة على مولداثياء نجد أن السلطان عثمان الثانيء الشاب 


6؟” 


والعنيد تمامًاء قد قرر الاضطلاع بخملة ضد يولنده في عام .١517١‏ وقد قام» على 
رأس جيشه؛ على غرار أسلافه؛ بعبور الدانوب عند مخاضة إيساكساء ثم قام» في 
أغسطس/ آب؛ بفرض الحصار على شوجيم (هوتين) على نهر الدئيستر. ويعد 
خمس هجمات غير مثمرة؛» وحيال مجيء الشتاء وندرة مواد الإعاشة؛» أضطر إلى 
التحول عنهاء ليس من دون أن يترك في صفوف جيشه سخطا قويًا مسيقوده بعد 
ذلك بوقت قصير إلى هلاكه. وقد عُقد الصلح مع بولنده في أكتوبر/ تشرين الأول 
5 

وبعد ذلك ببضعة عقودء نجد أن فاضل أحمد باشاء الثاني من آل كوبريلي» 
يضطلع بتكوين عازل ضد التقدمات البولندية والروسية صوب سواحل البحر 
الأسود. وهو يود في أن واحد الاستفادة من ضعف الملك الحاكم آنذاك ليولنده؛ 
ميخائيل تشنيوفسكي (15175-15379) ومن دعم الزعيم القوزاقي بيتر 
دوروشينكو. والواقع أن هذا الأخير كان قد اتجه إلى الترك؛: لاستيائه من تقسيم 
أوكرانيا الذي كانت يولنده وروسيا قد اتجهتا إليه باتفاق مشترك؛ بموجب معاهدة 
آندروسوقو (9ك5تا). وكان نهر الدنيبر هو الحدود الفاصلة بين القسمين الخاصين 
بالدولتين الموقعتين. : 

وفي أغسطس/ آب 21777 نجد أن الجيوش العثمانتية التي قادها بشكل 
استثنائي السلطان محمد الرابع» تستولي على حصن كامينيتش - يودولسكي. 
وتصبح الكاتدرائية القوطية في المدينة مسجذا يشارك فيه السلطان في صلاة 
الجمعة الكبرى. وفي ١8‏ أكتوبر/ تشرين الأول التالي. تكرس هدنة بوكزاكز مع 
بولنده ربط ولاية يودوليا بالإمبراطورية العثمائية. وتجري تحية محمد الرابع 
بوصفه ذأبا النصر»» «هادم بنيان الكفر والضلال»9). على أن هذا الانتصار 
الأخير سيكون عابرًا: فسوف تسترد يولنده يودوليا بموجب معاهدة كارلوقيتز 
(1599). 


التقهقرات العثمانية الأولى في أوروبا 
(أواخر القرن السابع عشر - 0 الثامن عشر) 
سيكون التقهقر بطيئًا وغير متواصل. وهو يظل محدوذاء؛ في الحدود الزمانية 
للحقبة «الحديثة». ولن يُزال بالفعل البنيان الذي بُني في أوروباء على أيدي 


ون 


سلاطين القرون الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر أسامناء إلأ خلال 
القرن التاسع عشر وفي الأعوام الأولى من القرن العشرين. 
حرب العصبة المقدسة ومعاهدة كارلوقيتز: 

على أنه يتم تسجيل تقهقر أول مهم؛ ة في النهاية القصوى للقرن السابع عشرء 
على أثر حرب العصبة المقدسة (17585--519١)؛‏ التي تحالفت فيها إمبراطورية 
آل هابسبورج وبولنده وروسيا والبندقية ضد الترك ووجهت إليهم ضربات جد 
قاسية إلى درجة دفع إمبراطوريتهم إلى حافة الهاوية. وتبدأ الحرب بالفشل العثماني 
الثاني أمام قيينا: فلم يكن هناك من مفر من رفع الحصار بعد مضي شهرين؛ حيال 
وصول جيوش غوث» ألمانية ويولندية» أحرزت انتصارا عظيماء تحت قيادة ملك 
يولنده» جان سوبيسكي» في كاهلنبرج» في ؟١‏ سبتمبر/ أيلول 585.. وفي ختام 
النزاع الذي امتد حتى عام 6848؛ نصت معاهدة كارلوقيتز (سرمسكي 
كارلوقيتشي) على زوال المجر العثمانية وأطرافها الجنوبية» بسين نهسري الساف 
والدراف. وقد انتقلت هذه المناطق كلها تحت سلطة آل هابسبورج. ووحدها بانية 
تيميسثار» أي الأراضي الواقعة بين الدانوب والتيزا والماروس؛ هي التي بقيت في 
أيدي العثمانيين. كما انتهت السيادة العثمانية على ترانسلقانيا والتي كانت قد 
فرضتء كما رأيناء في عهد سليمان القانوني. والواقع أن ترانسلقانيا كانت قد 
تمكنت من انتهاج سياسة مستقلة» على الجانب البروتستانتي؛ ضمن إطار حرب 
الأعوام الثلاثين: في ظل القويقودين جابرييل بيتلن (؟١5‏ ١-9؟15١)وجورج‏ 
الأول راكوزيي (1548-15*0) إلا أنه فيما بعدء في ظل الصدارة العظمى لآل 
كويريلي؛ أعاد الباب العالي تأكيد سلطته على البلد التابع له بفرض ثويقودات من 
اختياره. ومن جهة أخرىء فإن تعيين ميخائيل الأول أبافيء وهو التعيين الذي 
رفضه ليويوك؛ هو الذي كان “از/زوم تائف في الحرب النمساوية - العثمانية في 
567 -1554. وبالمقابل؛ فإن البند الأول في معاهدة كارلوقيتز قد اعترف 
بانتماء ترانسلقانيا للإمبراطور الهابسبورجي. ومع ذلكء فبما يتماشىي مع 
الامتيازات التي منحها ليويولد الأو ل للبلد خلال الحرب (««الامصمء! ه«رمادرزم 
بتاريخ ؛ ديسمبر/ كانون الأول :)١59١‏ ظلت ترانسلقائيا كيانا متمايزا عن 7 





(*) ذريعة الحرب, باللاتينية في الأصل. - م. 
4ه ؟ 


المجرء له مؤسساته الخاصة - بما يتماشى مع التفسيم الذي أجراه سليمان القانوني» 
في عام .154١‏ ومن جهة أخرى: في الأعوام التالية: فإن المعارضة الترانملقائية 
لسياسة النظام الهابسبورجي الموالية للكاثوليك سوف تجد ملاذا لها لسدى البباب 
العالي العثماني: 

وبموجب شروط معاهدات ١594‏ هذه نفسهاء استردت يولتده يادوليا بينما 
حصلت البندقية؛ عبر عمل ثأري متأخره على البيلويونيز؛ التي كانت لها فيها في 
السابق نقاط ارتكاز مهمة. وخلال الحرب؛ كانت الجزيرة قد تم فتحها مسن جاندب 
فرانشيسكو موروزيني؛ وهو الرجل نفسه الذي لم ينجح في الحفاظ على كريت 
لصالح الجمهورية. كما احتلت هذه الأخيرة جزءًا كبيرًا من ن دالماتيا 

والحال أن الحركة الأولى للتقهفر الاق كردت مامكا 1 68 لا تتوقف 
هنا. فالدينامية التي جرى إطلاقها سوف تتواصل في النصف الأول من القرن 
الثامن عشرء عبر مواجهات يظل فيها آل هابسبورج والبندقية حاضرين وإن كانت 
روسيا بطرس الأكبر تلعب فيها دور! متزايذا. 
ظهور الخطر الروسي: 

ما أدى إلى إدخال قيصر روسيا في اللعبة هو أطماع روسيا ة في الجنوب وفي 
المياه «الدافئة» للبحر الأسود. . وفي ختام حرب روسية - عثمانية أولى؛ في عامي 
»١15959 65‏ ومعاهدة القسطنطينية التي تلتهاء في ١١‏ يونيو/ حزيران 237٠١‏ 
اضطر العثمانيون إلى التخلي عن سيادتهم على شمال بحر أزوف. وقد فقدوا 

حصن أزاك وأراضيه التي كانوا يسيطرون عليها منذ عصر محمد الثاني. وقد قام 

الروس عندئدذ ببناء حصن تاجائروج هناك. وبعد ذلك بإحدى عشر سنة؛ وجد 
الترك فرصة لم يحلموا بها للثآر حين جرى تطويق جيش روسيء في يوليو/ تموز 
0١‏ كان حاضر! فيه بطرس الأكبر وزوجته كاترين؛ على نهر اليروت؛: من 
جانب الجيش العثماني؛ المدعوم بتعزيزات تترية وقوزاقية» تحت قيادة الصدر 
الأعظم بلطجي محمد باشا. وبما أن القيصر قد وجد نفسه عاجز! بالكامل؛ فقد كان 
على وشك الهلاك؛ لكنه أفلت منه بشروط مؤاتية نسبيًا. ومن المفترض أن كاترين 
قد رشت الصدر الأعظم الذي سيعود عليه مسلكه جد المتساهل بالحبس بعد ذلك. 
والواقع أن بطرسء بموجب معاهدة بروتء قد استرد حريته؛ ولم يتخل إل عن 
أزاك وتاجانروج. 


>53 


معاهدة باساروقيتز: 

في البيلويونيز أيضاء تمكن العثمانيون من الثشأر لأنفسهم لأن البنادقة لسم 
يتمكنوا من الحفاظ على فتحهم؛ حيث إن تجاوزات الهيراركية الكاثوليكية ضد 
رجال الدين الأرثوذكس المحليين قد أضعفت موقفهم. وفي عام »١17١06‏ استرد 
الصدر الأعظم داماد على ياشا المقاطعة: وهو ما سوف تؤكده معاهدة باساروقيتز. 

على أن النمساويين» على العكس من ذلكء» قد واصلوا تقدمهم؛ تحت قيادة 
الأمير يوجين: إِنْ انتصارهم الساحق؛ في © أغسطس/ أب 20171١5‏ في معركة 
بيترقاردين (بيتروثارادين)؛ والتي لقي فيها الصدر الأعظم سلحدار علي باشا حتفه» 
قد فتح لهم الطريق إلى بلجراد التي سيتم فتحها في الصيف التالي. وفي تلك 
الأثناء» في ١7‏ أكتوبر/ تشرين الأول 117١5‏ استسلمت تيميسقار. والحال أن 
معاهدة باساروقيتزء في ١‏ يوليو/ تموز »؛ قد كرست هذه الفتوحات: 
فضمت النمسا بلجراد وشمالي صربياء وكذلك بانية تيميسفار وقالاكيا الغربية أو 
أولتينيا. واستفادة من مركز القوة هذاء حصلت البندقية كذلك من الباب العالي في 
عام ١7١4‏ على معاهدة تمنح تجارها حرية التجارة البرية والبحرية في ولايات 
السلطان. 
صلح بلجراد: 

يستأنف الروس والنمساويون الحرب بعد ذلك بخمسة عشر عاماء وإن كان 
بنجاحات أقل. وقد أبدى العثمانيون هذه المرة مقاومة أفضل وسوف يستفيدون؛ في 
لحظة التفاوضء من الوساطة الفعالة لسفير فرنسا في القسطنطينية» المركيز دو 
فيلنوف. وفي هذه الظروفء في صلح بلجراد؛ في عام 2١775‏ تخسر النمسا 
بلجراد ومكتسباتها في صربياء ولا تحتفظ روسيا إلا بآزاك من فتوحاتها في شمال 
البحر الاسود. 
معاهدة كوتشوك - كأيناردجا: 

سيبدأ التهديد الروسي لوحدة أراضي الدولة العثمانية في الظهور بكل 
خطورته: بمناسبة الحرب الروسية - العثمانية في .١ 794 ١754‏ والحال أن 
تفكك الدولة العثمانية والضعف الذي أصاب قوتها العسكرية» البرية كما البحرية: 
قد ظهرا هنا بكل الوضوح. فقد جرى تدمير الأسطول في معركة تشيشمه؛» حيث 
فاجأته السفن الروسية التي كانت قد دخلت إلى البحر المتوسط بعد طواف بحري 

5١١ 


مثير عبر البلطيق والمحيط الأطلسي ومضيق جبل طارق. وقد ثار يونانيو المورة 
انتصارا للروس. أمّا معاهدة كوتشوك - كايناردجا )1١775(‏ التي أنهت الحرب. 
فقد نصت على تعويض هائل عن خسائر الحرب قدره 26٠ ٠.٠‏ 5 روبلء 
وتضمنت عدة بنود ذات آثار كبرى بالنسبة للمستقبل: فقد أصبحت القرم مستقلة» 
أي أن علاقة تبعيتها مع العثمانيين قد أنهيت- وهذا انفصال لم يكن بوسعه إلا أن 
يكون في صالح ضم لها من جانب روسيا وهو ضمٌّ تحقق بالفعل في عام 11785. 
ولم يحتفظ السلطان إلا بعلاقة ذات طبيعة دينية مع التتر - وهو وضع قاد 
الدييلوماسيين إلى توضيح وتكريس مفهوم الخلافة العثمانية. وعلى المستوى 
الترابي؛ استردت روسيا أزاك وأراضيها التي من المفترض أن تنتمي «إلى الأبد 
إلى إمبراطورية روسيا». وقد أضيف إلى ذلك الحصول على حصن عند مسصب 
الدنيبره هو حصن كينبورن (كيلبورون) «مع منطقة كافية على الضفة اليسرى 
للنهر»؛ إلى جانب منطقة بين نهر الدنيبر ونهر البوج. 

وعلاوة على ذلك؛ جرى الاعتراف للروس بحق التجارة والملاحة في البحر 

ع 

الأسود وفي المضائق ؛ وأنشئت قنصليات روسية في العاصمتين الرومانيتين» في 
بوخارست وفي إياشي (ياسى). وتم التأكيد على التزامات الباب العالي حيال 
المسيحيين وحيال كنائسهم؛ بشكل يسمح بتأسيس حق حماية يتمتع به القيصر (أو 
القيصرة) على رعايا السلطان الأرثوذكسي. وقد ظهرت كاترين الثانية بوص فها 
نصيرة استرداد أرثوذكسيّ في شرقي أوروباء وظهرت روسيا بوص فها عدو 


"ك١‎ 


الفصل الثاني 
أورويا العثمانية 


انقسام قديم 

في العصر الحديث؛ يخضع جزء كبير من أوروبا - ربع أو ثلت القارة- 
للسيطرة السياسية الإسلامية. ثم إن الانقسام في داخل القارة ليس جديذا. فإلى حد 
بعيدء لا تفعل أوروبا العثمانية سوى استعادة ال (“ئز/مبهبه وروم للقارة» مجال 
نفوذ القسطنطينية الديني والثقافي» في مواجهة مجال نفوذ روما. وهكذا فإن الفتح 
العثماني يتراصف في نهاية المطاف مع انقسام أقدم بكثيرء حتى وإن كان يتعداه؛ 
في المجر أساساء خلال نحو مائة وخمسين سنة؛ بين عام ١541‏ والنهاية القصوى 
للقرن السابع عشر. 

على أن أوروبا العثمانية هذه كانت بعيدة عن أن تكون متجانسة ولم تكن 
سلطة السلطان فيها ذات طبيعة واحدة وذات قوة واحدة. وفي المجريات الواقعية: 
إن لم يكن في خطاب السلطان» يجب التمييز بين ثلاث دوائر. وهي لا تتطابق 
دائمًا مع التقسيمات القومية الحالية. . 


الدوائر الثلاث للسيطرة العثمانية في أوروبا 
المجرء البلاد الرؤمانية: 
الدائرة الأكثر خارجية والأبعد عن العاصمة والأصعب على السيطرة عليها 
تشمل البلدان الواقعة في شمال نهري الدانوب والساف. 
وليست مولداقيا وقالاكيا إلا بلدين يدفعان خراجا للسلطان (7موزههه/8). 
وهما تحتفظان بتنظيمهما الاجتماعي؛ الذي تسيطر عليه أرستوقراطية البويار» كما 


(*) الجزء الشرقيء باللاتينية في الأصل. - م. 
"١‏ 


تحتفظان بمؤسساتهما الخاصة:؛ بدءًا بأمرائهما وقويقوداتهما وهيراركيتهما الدينية. 
وأرض كل منهما - بعد استقطاعات متعاقبة قام بها الترك لأهداف استراتيجية- 
موصدة في وجه كل وجود رسمي عثماني (سواء كان وجود مندوبين مدنيين» 
خاصة وجود جباة ؛ أم وجود حاميات أو ممثلين للعبادة الإسلامية). على أن النفوذ 
العثماني موجود هناك: فهذان البلدان يدفعان للسلطان خراجًا سنويًا يتزايد حجمه 
بمرور الوقت ويتزايد عبئه بمدفوعات إضافية على شكل «هدايا» (بقشيش). ثم إن 
البلدين مدعوان بصورة منتظمة إلى تقديم قوات مساعدة للحملات العثمانية وكميات 
معينة من تلك السلع والمواد الأولية التي تمثل ثرواتهما الأساسية (الملح والماشية 
والقمح). ولا يحكم الثويثودات إلا بموافقة السلطان سواء كان ذلك بشكل قبلي أم 
بشكل بعديء وللأمد الذي يريده هو. ويتم اختيارهم من بين أبناء العائلات الكبيرة 
في البلد. والحال أن هؤلاء قد قضوا صباهم أو حصلوا على تكوينهم في عاصمة 
السلطان حيث كانوا محتجزين كرهائن. وهكذا فإنهم «معثمنون» إلى هذه الدرجة 
أو تلك قبل أن يتولوا الحكم. وهذه العثمنة من فوق ستزداد قوة في القرن الثشامن 
عشر لدى توقف العثمانيين» بعد خروج أمير مولداثياء ديمتري كانتيمير؛ عليهم؛ 
عن تعيين فويقودات منبثقين من الأرستوقراطية الرومانية والاستعاضة عنهم 
بعناصر منبثقة من الفناريين» أي من العائلات اليونانية أو المهلينة الكبيرة في حي 
الفنار باسطنبول. 

وتراتسلقانيا هي أيضناء اعتبارًا من عام »154١‏ دولة تدفع الخراج: لكن 
خراجها أقل؛ ووضعها جد أصيل: فعلاوة على اعترافها بالسيادة العثمانية» تعقرف 
. بسيادة آل هابسبورج؛ منذ صلح ساتمار (ساتو مار) وصلح سبير (١517١)؛‏ اللذين 
وقعهما القويقود يان - سيجيسموند زايوليا. وبالمناورة بين هاتين التبعيتين؛ يمكن 
للفويثودات البحث عن الاستقلالية الذاتية» كما خلال حرب الأعوام الثلاثين. 
والجماعة السكانية منظمة في أمم: ويجري «الاعتراف» بثلاث أمم (المجريين 
والساكسون والسيكيلي - أو السيكلر» وهم ناطقون بالمجرية متميزون عن 
المجريين). وعلى الرغم من أهمية الرومانيين العددية» فإنه لا يجري الاعتراف 
بهم كأمة. وهناك تكريس رسمي لتعدد الطوائف الدينية؛ فهناك «قبول» لأربع 
ديانات مختلفة: فالمجريون كاثوليك أو كالقنيون ؛ والساكسون لوثريون ؛ 


515 


والسيكيليء اعتبارًا من إنشاء هذه الكنيسة الجديدة على يد أسقف كولوزفار 
(كلوي)؛ فرنسيس ديقيد؛ اتحاديون. وهناك تسامح مع وجود الأرثوذكسية؛ لكنها 
ليست «مقيولة». 

ومن حيث المبدأء كانت المجْر الوسطىء وكذلك بانية تيميسقار وسلاقونيا 
(البلدان الواقعة بين نهري الساف والدراف) وبعض أجزاء كرواتياء مندمجة في 
الدولة العثمانية. وهي ولايات عثمانية بها مديرون وعسكريون يمثلون السلطة 
المركزية كما أنها مزوّدة بمؤسسات مميزة للدولة العثمانية. على أن هذه المنطقة 
تقدم خصائص مميزة قوية» ترجع إلى بعدها عن المركز وإلى دمجها المتأخر 
نسبيًا (والذي سيكون؛ كما رأيناء محدوذا من الناحية الزمنية) وإلى وضعها الثابت 
كمنطقة حدودية (سرحد). والعنصر المسلم فيها مختزل في فئة ضئيلة من المديرين 
والجنود والتجار والحرفيين؛ المقيمين في بضعة مراكز (بوداء يست» 
سيكيسفيهرقار» سيجيد). ثم إن الأمر يتعلق في الأغلب ليس بأتراك وإنما 
ببوسنويين أسلموا. أمّا فيما يتعلق. بالأرياف وبجزء لا بأس به من المدن» فإنها تظل 
بكاملها مسيدية ومستقلة ذاتيًا إلى حدٌ بعيد. وتتصل إحدى فرادات الوضع بنظام 
الضريبة المزدوجة؛ المفروض ليس فقط على الحدود بين المجر الملكية والمجر 
العثمانية» وإنما أيضنا في أماكن في داخل هذه الأخيرة: نظام ضريبي عثماني 
ونظام ضريبي للسادة الإقطاعيين» الموجودين منذ ذلك في الجزء الهابسيورجي» 
والذين يواصلون جباية ضرائب من رعاياهم؛ بل وممارسة حقوق قضائية عليهم. 
اليونان» صربياء الجبل الأسودء 
البوسنة والهرسكء ألبائيا: 

من هذه الدائرة الخارجية التي حددناها للتو ننتقل إلى منطقة بينية؛ يحدها 
شمالاً مجرى نهر الدانوب ومجرى نهر الساف وتحدها شرقا بلغاريا الشمالية 
ووادي القاردار. وهذه الأراضيء العثمائية؛ تظل أيضنا جد بعيدة عن مركز الدولة 
العثمانية ولها حدود مشتركة مع أراض تملكها البندقية وآل هابسبورج. والسكان 
المسلمون هناك ليسوا موجودين إلا في بعض المدن والبنادرء الواقعة على المحاور 
القديمة للتغلغل التركي أو على جبهات حدودية قديمة. ثم إن نسبة من تحولوا إلى 
اعتناق الإسلام فيها أعلى من نسبة المستوطنين الترك. وتدخل في المنطقة التي 

نت ل 


عرفناها بهذا الشكل اليونان القارية والإيجية وصربيا والجبل الأسود والبانيا 
والبوسنة والهرسك وهذا الملحق الصغيرء المستقل ذاتيًا بالكامل وإن كان يتبع 
السلطان ويتواصل مع العالم المسيحي: جمهورية دوبروقنيك (راجوس). ومن جهة 
أخرى» فإن هذه المنطقة البينية تشتمل على جيوب أخرى كثيرة» كانت مستقلة ذاتيًا 
إلى حد بعيد بحكم موقعها وظروفها الطبيعية التي جعلت منها مناطق يصعب 
الوصول إليها وإيراداتها تافهة في أن واحد. ومن ثم فمن غير الوارد فرض نظام 
التيمار") هناك. وتواصل العمل هناك النظم القبلية القديمة. وتلك هي حالة الجبل 
الأسود حيث كانت الأطر التقليدية خاضعة لسلطة القلاديكاء الأسقف الأرثوذكاسي 
المقيم في سيتينياء وهي أيضنا حالة جبال شمالي ألبانيا. والحال أن السلطان يستمد 
من هذه المناطق - وبشكل متزايد باطراد اعتبارا من القرن السادس عشر- 
وحدات من المحاربين أسامنا. 

وتشتمل اليونان هي الأخرى على مراكز جبلية» منفصلة عن السلطة والنفوذ 
التركيين» كشبه جزيرة ماني في جنوب البيلويونيزء ومركز سولي في إيبير أو 
مركز أجرافا في جبال البند. ويوجد في الجزر الإيجية أيضنا متسع كبير لأنماط 
مختلفة من الإدارة الذاتية. وتلك هي أيضنا حالة تلك الجمهورية الديرية المتمثلة في 
جبل آثوسء في شبه جزيرة كالسيديك. 

كما يمكننا أن نربط بهذه الدائرة الثانية ولايتي شمال البحر الأسود» المجاورة 
لخانية القرم والسهوب التترية؛ سنجقي ثم إيالتي كيفي وأكرمان؛ وذلك بسبب 
بعدهما عن المركز وغياب توزيع للدخول على شكل تيمار. والحال أن سليمان 
القانوني قد لخص الوضع جيدا عندما خاطب خان القرم؛ في يونيو/ حزيران 
, بهذه الكلمات: «عندما سيجري إرسال القوات المشمولة بالنصر إلى هذه 
الأماكن» سوف تواجه عقبات جنسيمة؛ فهناك أنهار كبيرة يتعين اجتيازها 
وعبورها». وقد استطرد فقال: «بالنظر إلى المسافاتء» فعندما يجري إرسال القوات 
إلى هناك: سوف تظهر مصاعب من شتى الأنواع»7". 

وأخيراء تتحدد خصائص دائرة أولى للممتلكات العثمانية في أوروبا. وهلي 
تشمل بلغاريا وتراقيا وثيسالي ومقدونيا ودوبروجا. والحال أن سلالات البكوات 


(*) منح أراض في مقابل الخدمة العسكرية. - م. 
1" 


الأكينجية؛ الذين كان أسلافهم الفاتحين الحقيقيين لهذه المناطق عندما جاء العثمانيون 
في البداية للعيش هناء قد احتفظلت بهيبة محلية قوية» كما احتفظت بركيزة عقارية 
مهمة عن طريق الأوقاف القديمة. وهذه السلالات هي سلالات الإؤرينوس 
أوجوللاري في مقدونيا والميفال أوجوللاري في شمالي - شرق بلغاريا 
والتوراخان أوجوللاري في ثيسالي» أحفاد إسحاق بك في سكوبليا. لكن ورثة هذه 
السلالات الحاكمة قد أصبحوا خدمًا مخلصين للسلطان؛ على غرار ولاته الآخرين. 

وتشتمل هذه الدائرة على الولايات التي جرى فتحها في البداية والأقرب من 
العاصمتين اللتين تعاقبتاء إدرنة واسطنبول. وهذه كانت روميليا [الروملي] بالمعنى 
الدقيق: ذلك الجزء من أوروبا الأرسخ تجذر! في الكيان العثماني؛ والذي لا تجمعه 
ببلدان أوروبية أخرى حدود مشتركة. وهنا فقطء كانت الجماعة السكانية المسلمة» 
سواء كانت تتألف من متحولين إلى اعتناق الإسلام كيوماك بلغاريا.واليونان أم من 
مستوطنين أتراك منحدرين من الأناضول» ذات وزن مهم؛ على الأقل في بعض 
المدن كسكوبليا أو نيجبولو أو كستنديل (كيوستنديل) أو تريكالا. 


أوروبا متعددة الطوائف 

الواقع أن من السمات الرئيسية لأوروبا العثمانية هذه أن الإسلام سيظل فيها 
أقلويًا من الناحية العددية؛ بما في ذلك في أجزائها الأوثق خضوعا للسيطرة 
العثمانية. فالتوقعات المتشائمة التي عَيْرت عنهاء بين نصوص أخرىء الرسالة 
المهيبة الموجهة في ١7‏ سبتمبر/ أيلول ١44/4‏ من جانب يان هونياد إلى البابا 
نيكولا الخامس - وهي رسالة مهيبة كتبها الإنساني المجري يانوش فيتيتس» لم 
تتحقق. فقد أعلن بطل الصراع المعادي للعثمانئيين في هذه الرسالة: «إذا لم تخني 
ذاكرتي» فإن أسلحة الترك الشريرة تحوم حول أوروبا منذ مائة عام مسضت. لقد 
فتحوا اليونان ومقدونيا وبلغاريا وألبانيا في تعاقب سريع [...] ونزلوا بها إلى درك 
العبودية وحرموها من ديانتها وفرضوا عليها مظهرًا غرينا وعادات غريبة 
وشرائع غريبة ولغة الكفار. وهم لا يُبدون أي رحمة؛ لا حيال حقوق الناس ولا 
حيال حقوق الرب»7". 


11 


على أن الإذابة الدينية والثقافية المنهجية التي جرى الحديث عنها في هذه 
السطور وذلك؛ كما هو واضحء بهدف تحريض من أرسلت الرسالة إليه على اتخاذ 
إجراء قويء لم تتحقق بالمرة. وبعبارة أخرىء فإنه لم يحدث في البلقان في القرنين 
الرابع عشر والخامس عشر ما حدث في أسيا الصغرى بين أواخر القرن الحادي 
عشر والقرن الثالث عشر. ففي أسيا الصغرىء؛ حتى وإن كانت عناصر مسيحية 
(أرثوذكسية أو جريجورية أو نسطورية) ويهودية قد بقيت؛ فإن غالبية السكان قد 
مرت بالفعل بتحول ديني وثقافي سريع - بأسلمة وبتتريك في أن واحد. وكانست 
الأرض البيزنطية القديمة قد أصيحت بالفعل «تركيا»» حتى وإن كانت طبقات 
تحتية غير متجانسة قد استمرت» على مستوى تحتيء في البقاء تحت تحت هذا التوحيد 
الظاهري. 
0 غير الوارد التقليل من شأن التغيرات الهائلة التي أحدثها الفتح العثماني 
طق المعني بها من أوروبا. وهذا ينطبق على البلدان التي جرى ضمها إلى 
00 العثمانية» لكنه ينطبق أيضناء بدرجة أقل؛ على البلدان التي لم يجر تحويلها 
إل إلى بلدان تابعة. فمحل النظام القديم» جرى إحلال مؤسسات جديدة. وتشكيل 
سياسي واجتماعي جديد. وطرأ تعديل على الخارطة الإثنية على أثر الحروب 
وانتقالات السكان التلقائية أو القسرية. وإن كان أيضا على أثر دمج هذه الأقاليم في 
مجمل اقتصادي أوسع بكثير. كما يجب أن نعطي مكانا للإسهامات الثقافية الشرقية 
في مجالات كالعمارة والأثاث والثياب وأصناف الطعام؛ وكذلك المفردات لأن 
الحقائق الواقعية الجديدة تدخل بالمصطلحات التي تسميها. 
على أن هذه التغيرات تسير يذا بيد مع استمراريات إثنية ودينية قوية تحول 
دون أن ننسب إلى الفتح العثماني قطيعة جذرية. فإلى جائب الإسلام؛ هذا القادم 
الجديد في حقائب الفاتح» تبقى الملل السابقة» بمعتقداتها وشعائرها وكهنة كل منها. 
وإذا كان الاحتلال العثماني يدشن نظاما سياسيًا إسلاميًا ويؤكد متعاليًا تفوق الإسلام 
على الديانات الأخرى؛ وهو ما سوف يتجلىء مثلأ» في تحويل بعض الكنائس إلى 
مساجدء فإنه ينظم في الوقت نفسه التعددية الدينية. ومن ثم فإن التباين بين القسمين 
الأوروبيين لا يُختزل البتة في تعارض تبسيطي بين أوروبا مسيحية وأوروبا 
مسلمة. فمن جهة؛ هناك أوروبا متعددة طائفيًا يسود فيها الإسلام على المستوى 


518 


المؤسسي (وإن لم يكن على المستوى الديموغرافي)؛ وأوروبا ذات اتجاه طائفي 
واحدء تمكن الإصلاح [الديني] للتوء على نحو مثير» من تمزيق وحدتها وتجسد فيها 
اليهودية أخرية لم يتم قط قبولها. 

ومن جهة أخرىء لا يمكن الزعم أنه في تعايش الديانات هذا الذي دشنه 
الإطار العثماني» تظل كل ديانة منكفئة بالكامل على نفسها. إذ نرئ بالفعل؛: على 
العكس من ذلك؛ أن هذا الوضع يناسب»؛ بدرجة معينة» التأثيرات المتبادلة والعدوى 
في الممارسات والمعتقدات الشعبية. ويمكن لقديسين وأماكن عي أن تكون 

مشتركة بين عدة ديانات. على أن ظواهر الامتزاج هذه لا تتر - ورجال الدين 
الممثلون لكل ديانة يسهرون على ذلك- دع عضري فكل واحد 
يعرفء مادام لم يخط على الأقل خطوة التحول إلى التخلي عن ديانته لصالح ديانة 
أخرى» إلى أي طائفة ينتمي. 

ولنقدم بعض الإيضاحاتء بقدر ما تسمح المصادر بذلك؛ حول الطابع 
الأغلبوي المقيم للمسيحية في أوروبا العثمانية. لقد بينت دراسات أو. ل. باركان؛» 
المستندة إلى سيقت التعداد العثمانية في القرن السادس عشرء أنه في أعوام 
-15”6ء كان في بيليربيليك روميليا إجمالي 7١07‏ 857 أسرة مسيحية - 
أرثوذكسية في غالبيتها- في مقابل 1548 ١14‏ أسرة مسلمة!). وهكذا فإن هذه 
الأخيرة لم تمثل سوى 9618 من إجمالي السكان'(). وبعد ذلك بقرنين» في مستهل 
الحقبة المعاصرة: إذا ما استندنا في ذلك إلى التعداد الذي أجري في عام ١87١‏ 
على أسس أحدث؛ فإن هذه النسبة قد زادت زيادة ملحوظة:؛ بالتأكيد. ويبقى مسن 
اللافت على أي حال أنه على الرغم من انحسار أوروبا العثمانية في ذلك العصرء 
وهجرة عناصر مسلمة هاربة من الولايات الضائعة إلى هذه الأرضء أن المسلمين 
كانوا لا يزالون أقلية: ففي ذلك العصرء من إجمالي ١ 574 54١‏ ذكر! بالغاء كان 
المسيحيون 394 855 بينما كان المسلمون 591 .0.٠‏ ومن ثم فقد شل هؤلاء 
الأخيرون 90717,6 من السكان7). 

وبعد الفتح العثماني كما قبله؛ تظل أوروبا الواقعة تحت السيطرة ة التركية 
أرثوذكسية في غالبيتها. وإذا كانت تضم مع ذلك جماعات من الروم الكاثوليك؛ 


الما المقصود بالأسرةء هناء هو الأسرة المعيشية (معله)). ساقي 
احلا 


المسمين ب«اللاتين» أ ب«الإفرنج»» فإن هذه الجماعات كانت تقيم في مناطق 
حدودية؛ في المجر وفي كرواتيا وفي ألبانياء أو في العالم الإيجي حيث كانت من 
مخلفات الاستيطان اللاتيني القروسطي. ويضاف إلى ذلك المبشرون المنتمون إلى 
أخويات غربية» وعددهم يتزايد بشكل واسع باطراد اعتبارا من القرن السابع عشر 
(وخاصة اعتبارا من إنشاء الأخوية الرومانية للدعوة الدينية في عام ١177١)؛‏ كما 
يُضافء. من جهة أخرىء التجارٌ الغربيون المقيمون في المراكز التجارية الكبرى 
للدولة العثمانية» وهم أيضنا في تزايد عددي باستمرارء ويتمتعون بوضعية 
المُستأمّن وبحماية قناصل كل منهم. 

وإلى جانب المسيحيين والمسلمين؛ لم يشكل اليهود غير أقليات ضئيلة؛ فيما 
عدا الاستثناء الشهير المتمثل في سالونيك؛ «مدينة اليهود»؛ وهي في الواقع مديئة 
ذات غالبية يهودية بين مستهل القرن السادس عشر ونهاية الدولة العثمانية. على 
أن أحد آثار الاحتلال العثماني للبلقان قد تمثل في تزايد الجماعات اليهودية في هذه 
المنطقة؛ على أنها جماعات جد متمايزة داخليًا من حيث أصولها ولغاتها وطقوسها. 
والواقع أن اليهود الناطقين باليونانية» والمسمين بال 603810©5؛ والموروثين من 
الحقبة البيزنطية» والذين كان قد جرى من جهة أخرى ترحيلهم في غالبيتهم إلى 
اسطنبول من جانب محمد الثاني» حرصا منه على زيادة عدد سكان عاصمته 
الجديدة» قد انضمت إليهم فيمأ بعدء بقدر موجات الاضطهاد وتدابير الطرد التي 
تعاقبت في غالبية الدول الأوروبية» عناصر يهودية إيطالية وأشكينازية وسيفاردية. 
وكانت موجة الهجرة الأخيرة هذه نتيجة لمراسيم الطرد الكبرى الصادرة عن 
الملوك الإيبيريين» في أواخر القرن الخامس عشرء كما كانت نتيجة لسياسة بايزيد 
الثاني وخلفائه المرحبة نسبيًا [ياستقبال المهاجرين] على العكس من ذلك. وهؤلاء 
اليهود السيفارديون وال '")ىمىصبمع الذين ساروا في أثرهم على امتداد القرن 
السادس عشر استقروا خاصة في عدة مدن؛ كبيرة وصغيرة في الجنوب الشرقي 
الأوروبي (سالونيك: وإن كان أيضًا آقلونيا وياتراس وتريكالا ونيجبولو وصوفيا 
وسكويليا وسيرس وقوله وكاستوريا وثولوس ولاريسا وساراييقو وروستشوك 
وبرايلا؛ إلخ). 


() المتحولون عن ديانتهم. - م. 
”0 


ويبدو أن بالإمكان تقديم سبيين للأسلمة الضعيفة نسبيًا لأوروبا العثمانية. 


حدود الاستيطان التركي في أوروبا 

بوجه عام؛ ليس فتح أوروبا الشرقية مصحوبًا بهجرة قوية لعناصر أناضولية. 
والحال أن حركة استيطان حقيقية؛ منبثقة في أن واحد من الهجرة التلقائية ومن 
ترحيلات منطية يشكل انيجي »لم توجد إل في بدايات الفتح» حتى حوالي منتصف 
القرن الخامس عشر. وفي هذه المرحلة»: كان قد جرى بشكل متعمد توطين فلاحين 
من غربي الأناضول ورْخُل (اليوروك) في المناطق الاستراتيجية الرئيسية: محور 
التغلغل الشرقي - الغربي الذي يقود إلى البحر الأدرياتي عبر تراقها ومقدونياء 
وكذلك على امتداد واديي الماريتزا والتوندزاء في اتجاه الدانوب. ومن جهة أخرى؛ 
كان قد جرى توطين جماعات من الرّخل في الأجزاء الجبلية من شبه الجزيرة 
البلقانية. وهكذا جرى خلق قرى تركية» متمايزة عن القرى المسيحية. وقد تسم 
التشديد على الدور الرئيسي الذي لعبته في هذه القرى الناشئة جماعات دينية مسن 
الدراويش: إن جماعات الزواياء المصحوبة باستثمارات زراعية تخصهاء قد شكلت 
في الأغلب النواة الأولية لهذه القرى الجديدة. 

كما كان قد جرى توطين أتراك في المدن المحصنة المفتوحة التي احتفففت 
بقيمة استراتيجية بالنسبة للدولة الجديدة. وعندما كانت هذه المواقع تبدي في البداية 
مقاومة للفاتح؛ فقد كان يجري تفريغها من جانب كيير من سكانها المسيحيين 
السابقين لكي تصبح مسلمة في غالبيتها السكانية. أمّا المسيحيون الذين ظلوا 
موجودين فيها فقد جرى إسكانهم أحياء منفصلة. وتستجيب لهذا المخطط التصوري 
مدن كنيجبولو (نيكويول) أو كستنديل (كيوستنديل) أو قيدين أو سيليستر في بلغاريا 
؛ وتيرهالا (تريكالا) في شمالي اليونان» في ثيسالي أو سكويليا (أوسكوب) في 
مقدونيا. والحال أن هذه المدينة الأخيرة» التي فتحت في عام ١174؛‏ قد ضمت بعد 
ذلك بخمسة وستين عاماء في عام ©2140 اثنين وعشرين حيّا (محلة) مسلمًا في 
مقابل ثمانية أحياء مسيحية. والواقع أن مدنا أخرى تفاوضت على استسلامها قد 
بقيت على العكس من ذلك مسيحية في غالبية سكانها. 

وبعد منتصف القرن الخامس عشرء بالمقابل» نجد أن الأراضي المفتوحة 
حديثاء وراء سلاسل رودوب والبلقان» إنما تفسح المجال لاستيطان أقل بكثير. 

5395 


فالهجرة تقتصر منذ ذلك الحين على ترحيلات تقررها الدولة في اتجاه بعصض 


المراكز العسكرية على الحدود الجديدة. 

وقد جرى ربط هذا التباطؤ في الانتقالات من آسيا الصغرى إلى أوروبا 
بنضوب للاحتياطي الإثني التركي في الأناضول؛ وهو نضوب يرجع هو نفسه؛ في 
النهاية» إلى عرقلة الاتصالات بين آسيا الصغرى والأناضول عبر إيران» وهي 
عرقلة ترتبط بالوضع السياسي. 

وتقدم سجلات اليوروك: التي درسها م. ت. جوكبلجين7). بعض الأفكار 
المتعلقة بالأعداد؛ بشكل تقريبي على الأقل؛ فيما يتعلق بانتقالات الرحل وشيه 
الرحل الترك (اليوروك) من الأناضول إلى أوروباء وكان هؤلاء مندرجين في 
تنظيم شبه عسكري. ففي عام 2١5547‏ 0 عددهم ب ١١١05‏ وحدة (أوجاق)؛ ما 


يساوي نحو ١٠١ ٠٠٠‏ شخص. والحق إن الأرقام التي يقدمها باحث آخر بالنسبة. 


للقرن السابع عشر تعتبر أعلى (من ١5١ ..٠‏ إلى 7٠١ ٠٠٠‏ فرد)ء إلا أنه يجب 
مراعاة حقيقة أنه في ذلك' العصر كان تنظيم اليوروك يُكَمَلَ أعداده غير الكافية 
بتجنيد عناصر من أصول مختلفة (تترية» بلقانية تحولت إلى اعتناق الإسلام» 
غجرية؛ إلخ). والحال أن لائحة يوروك كوجاجيك مثلاء تذكر عبيذا من اليوروك 
محررين» عناصر متاحة» غير مرتبطة بتيمارء قادمة من مناطق أخرى أو من 
الأناضول. 

وليس مستبعذا على أي حال أن حركات هجرة مهمة إلى حدٌّ معين» مسن 
الأناضول إلى البلقان» قد حدثت بعد منتتصف القرن الخامس عشر. وهناك 
معلومات؛ على سبيل المثال» عن تيار من عناصر الكيزيلياش؛ أي من تركمان 
الأناضول المعتبرين زنادقة؛ والذين جرى ترحيلهم إلى البيلويونيره في مستهل 
القرن السادس عشر. ومن الوارد أن تكون عمليات أخرى قد حدثت في عصور 
لاحقة متأخرة؛ على الرغم من أن هذه القصة لا تزال غامضة. وقد قيل» مثلاء إنه 
في ختام الحروب النمساوية - التركية في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن 
الثامن عشرء ثم مرة أخرىء بعد تحرير صربيا واليونان» قد تكون السلطات 
العثمانية سعتء في تلك الأجزاء من البلقان التي بقيت تحت سيطرتهاء إلى تقليل 
التفاوت العددي الكبير بين المسيحيين والمسلمين» بتوطين أتراك من الأناضول 

5 


(إلى جانب ألبان من جهة أخرى) في الجزء الشرقي من مقدونياء وذلك على طول 
الضفة اليسرى لنهر الفاردار أساسا0. 


الذميون. «الكفار المحميون» 

السبب الرئيسي الثاني لديمومة الهويات الدينية - النسبية على الأقل- في 
أوروبا الشرقية؛ بعد الفتح العثماني؛ يتصل بسياسة النظام في مسألة الدين. فخلاقا 
لخطابات المعاصرين: والتي تقدم رسالة يان هونياد إلى الباباء والتي أسلفنا 
الاستشهاد بهاء تصويرا رمزيًا لهاء وخلافا لفكرة لا تزال جد منتشرة؛ لا ينتهج 
الفاتدون ننياشة أسلمة منيجية كما نهم لآ ينتيجون تشنكل أعمسياتية اتحتيناب 
ثقافي» إذا ما استخدمنا صيغة معاصرة. ؛ 

وهكذا يجري الإبقاء على الكنيسة الأرثوذكسية نفسهاء بمؤسساتها وكهنتها 
وهيراركيتها. والحال أن المرسوم المحدّد الذي أصدره محمد الثاني في 5 يناير/ 
كانون الثاني 2١554‏ أي بعد أشهر قليلة من فتح القسطنطينية» قد تمثل في إعادة 
تنصيب بطريرك المدينة» في شخص جورج سكولاريوسء؛ المسمّى جين اديوس» 
وهو راهب كان قد اشتهر بسبب معارضته الحادة للاتحاد مع روما. وعبر إعادة 
التنصيب هذه؛ أكد السلطان طابع دولته متعدد الطوائف. وعلاوة على ذلك؛: فإن 
الكنيسة اليونانية لم يجر فقط الإبقاء عليهاء بل إن سلطتها قد جرى توسيعها بمعنى 
ما عبر إلغاء الكنائس المستقلة القديمة» الصربية والبلغارية؛ والتي كانت قد ظهرت 
في العصر الوسيط. ذلك أن بايزيد الأول قد ألغى البطريركية البلغارية في عام 
: في حين أن بطريركية بيتش الصربية» والتي كانت قد أنشئت بدفع من 
إيتيان دوشان؛ قد ألغيت في عام 8 .١‏ والحال أن مؤسستين اثنتين فط يو 
تخففان من هذه السيطرة اليونانية على مجمل أرثوذكس البلقان: فأس قفية أوهريدء 
الأثر الأخير لاستقلال الكنيسة البلغارية» تحتفظ باستقلال ذاتي نسبي. ومن جهة 
أخرىء؛ نجد أن سوكوللو محمد باشاء حتى قبل أن يصبح الصدر الأعظم الأخير في 
عهد سليمان القانوني» كان قد عمل على إعادة بطريركية بيتش الصربية» التي عهد . 
بها إلى واحد من أقاربه جد المباشرين (بل قد يكون شقيقه). ولن تمارس التدابير 
التي اتخذها العثمانيون كل أثارها في الواقع إلا تدريجيًا. وسوف يتعين انتظار 


5 


النصف الثاني للقرن الثامن عشر حتى يتسنى لإزالة أو لإخضاع البطريركيات 
المستقلة القديمة أن يسمحا لبطريركية اسطنبول؛ تحت سيطرة السلطان العثماني؛ 
بأن تصبح فعليًا قائدة مجمل الكنيسة الأرثوذكسية. 

والحال أن الجماعات الدينية الكبيرة الأخرى غير المسلمة في الدولة العثمانية 
سوف تشهد تطورات مماثلة إلى هذا الحد أو ذاك؛ حتى وإن كان يجب تصحيح 
التاريخ الذي أعلنته بعض الأساطير التاريخية والتي تميل إلى إرجاع كل شيء إلى 
فتح القسطنطينية على يد محمد الثاني. 

وهكذا فقد تبين أنه ليس في ظل هذا السلطان أصبح رئيس أرمن القسطنطينية 
بطريركاء بل إنه لن يحصل في الواقع على لقب البطريق هذاء إلى جانب مجموعة 

من الحقوق الخاصة» إلا في النصف الأول من القرن السادس عشر. 

ومحمد الثاني بالفعل هو الذي اعترف برئيس يهود القسطنطينية» موسى 
كايسالي؛ كحاخام باشي. ولكن ما الذي كان يعنيه بالضبط هذا اللقب؟ لقد ذهب 
البعض إلى أنه كان خاصنًا بيهود القسطنطينية» ولم يكن خاصنا بحاخام أكبر من 
المفترض أن تمتد سلطته على كل [يهود] الدولة العثمانية. والواقع أنه بحسب رأي 
مسجل بخط الحاخام باشي الذي خلفه؛ إيليّا مزراحي (454١-1515)؛‏ كانت 
سلطة كايسالي مقتصرة على اسطنبول ونواحيها. ولننظر مع ذلك في الطابع 
النظري إلى حد بعيد للمسألة لأنه في عصر كابساليء كما قلناء كان محمد الثاني قد 
جمع غالبية يهود إمبراطوريته في العاصمة. والحال أن انتشارهم في أرجاء 
أوروبا العثمانية سوف يكونء على العكس من ذلك؛ نتيجة للهجرة الكبرى التي قام 
بها السيفارديون» والتي أسلفنا الإشارة إليهاء بعد طردهم [من إسبانيا] في عسام 
. على أن منصب الحاخام باشي سوف يختفي في عام ١575‏ ولن يعاود 
الظهور؛ في سياق آخر تماماء إل في عام 1850. على أن عزوف اليهود هذا عن 
أي تمركز لم يمنع السلطات العثمانية من الاعتراف بأطرهم الجماعاتية» الدينية أو 
غير الدينية» كما اعترفت بمثل هذه الأطر لجميع ديانات الإمبراطورية. 

وبشكل أساسيء اعتمد العثمانيون في هذه المسألة على الشريعة» خاصة في 
تفسيرها الحنفي الذي تبنوه. وكانوا ورثة مبدأ الذمة» الذي طبقته غالبية الأنظمة 
الإسلامية قبلهم» فيما عدا أكثرهم تشدّذا. وهم إذ فعلوا ذلك؛ اقتداء بكثيرين ممن 

535 


سبقوهمء برهنوا على براجماتيتهم» في الوقت نفسه الذي اندرجوا فيه في الشرعية 
الإسلامية: فقد كان عليهم أن يأخذوا في حسبانهم أنهم؛ في أوروبا خاصة» يحكمون 
أقاليم كان المسلمون فيها أقلية ضئيلة. 

وبحكم عهد الذمة الذي ربط السلطان بالرعايا غير المسلمين الذين أبدوا 
خضوعهم له؛ وهم الذميون؛ فقد تمتع هؤلاء الأخيرون بالحرية الدينية في الوقست 
نفسه الذي نزلت بهم - وهذا هو الجانب الأقل إيجابية- بعض الالتزامات 
والتمييزات الخاصة. وهكذا فقد كانوا مجبرين على دفع ضريبة خاصة» ترمز إلى 
خضوعهم: ضريبة رأس تسمى بكلمة الجزية أو بكلمة الخراج (أو باش خراج؛ 
لتمييزها عن خراج البلدان التابعة). وقد أضاف العثمانيون إلى ذلك بعض الإتاوات 
الخاصة بالذميين» كما فرضوا عليهم نسبًا خاصة في حالة بعض الضرائب التي 
تقاسموا دفعها مع الرعايا المسلمين. وفي هذه الظروف؛ فإن تحول ذمي إلى 
الإسلام - على الرغم من استحقاقه للمديح من حيث المبدأ في نظر السلطات- قد 
مثل خسارة في المكسب الضريبي» تستحق الأسف بصفتها هذه. 

وقد تعرض الذميون من جهة أخرى لعدد معين من المحظورات: فلم يكن من 
حقهم حمل السلاح ولا امتلاك عبيد ولا ركوب الخيل في المدينة. وكان من 
المحظور عليهم ارتداء بعض الثياب واستخدام بعسض الألوان» كما كان من 
المحظور عليهم إبداء أي علامة من علامات الترف الاستعراضية. وقد تعين 
بالضرورة من جهة أخرى مواءمة قائمة المحظورات هذه مع تحولات الشمائل 
والموضات. ولم يكن مسموحًا إلا بالثياب الأكثر تقشفاء بل المشينة والمهينة» 
المناسبة لوضعية ذليلة أساسا. وكان لابد من محو إمكانية أي خلط بين المؤمنين 
الحقيقيين والكفار. على أن التكرار الملح للمحظورات في هذا الصدد إِنمايعَدُ 
شهادة على صعوبة العمل على تطبيقهاء » خاصة عندما توصلت نخبة من هؤلاءم 
الذميبن إلى الفوز بالثراء. ثم إن المبادرة بالدعوات إلى الالتزام بالمحظورات قد 
جاءت بشكل عام من القاعدة المسلمة المحلية» التي لم يكن سخطها الديني خاليًا 
على الأرجح من الحسد والنقمة. وخيال الشكنات التي كانت تصل إلدى التسلطة 
المركزية؛ لم يكن بوسع هذه الأخيرة إلا أن تعلن أنها ضامنة الشريعة 

والحال أن التمييزات والمضايقات لم تمنع وضعية الذمي من أن تنطوي على 
هذه الميزة الرئيسية: حق الذمي في أن يؤكد أنه تابع لأي ديانة أو ملة أَيْا كانت 


"7 


(مادام خارج الإسلام) وأداء شعائرها وممارسة طقوس العبادة الخاصة بها. وهذا 
هو ما شكل الفارق بين أوروبا المسيحية وأوروبا العثمانية وحول الثانية إلى ملاذ 
لكل من حرمتهم الأولى. على أن هذه الخاصية لها حدودها: فالنظام العام لا يجب 
تكديره وطقوس الذميين يجب أن تؤذى مستترة» حيث إن كل علامات الاستعراض 
محظورة: فمن غير الوارد بالنسبة للمسيحيين» مثلأء دق الأجراس ولا القيام 
بمواكب. ولم يكن بالإمكان لدور عباداتهم أن تتجاوز في أي حالة ارتفاع دور 
عبادة المسلمين. وكانت الترميمات تتطلب تصريحات رسمية ولم يكن بالإمكان أن 
تهدف إلا إلى إعادة البناية موضع الترميم؛ بل وموضع إعادة البناء» إلى شكلها 
وحجمها الأصليين. ومن حيث المبدأ» كان من المستبعد إنشاء دور عبادة جديدة. 

على أننا نرى بالفعل أنه فيما يتعلق بهذه المسألة أيضناء كان يتم العثور على . 
سبل للالتفاف على القانون» خاصة بترتيب صفقات مع القضاة المحليين. وقد بينست 
بحوث ماكايل كايل» خاصة:؛ أن كنائس وأديرة - حتى وإن كانت متواضعة نسبيًا- 
ليس فقط قد جرى ترميمهاء بل جرى خلقها (ائن؛ءم,هكم// ه بأعداد كبيرةفي 
العصر العثمانيء في بلغاريا كما في اليونان القارية والجزر اليونانية7!". 

والحق أنه بعيذا عن الإبقاء على حياة دينية أرثوذكسية منتعشة في أوروبا 
العثمانية» فإن مراكز الثقافة الرفيعة الكنسية إنما تنحصر في كيانات محدودة: 
الأكاديمية البطريركية في القسطنطينية وأديرة جبل آثوس. وفي هذه الظروف؛ فإن 
البؤر الأقوى الباقية لهذه الثقافة إنما تقع خارج الدولة العثمانية: في كريت قبل 
الفتح العثماني للجزيرة» وفي إيطاليا - في البندقية بالأخص- حيث تتكاثر طبعات 
النصوص الدينية» خاصة الطقوسء باللغة اليونانية» كما تتكاثر مسن جهة أخرى 
طبعات شذرات من الأدب اليوناني التبسيطي. 

كما انطوت وضعية الذمي على استقلالية ذاتية طائفية معينة؛. خاصة في 
الشأن القضائي؛ لأن مسائل الأحوال الشخصية على الأقل (الزواج؛ الطلاق؛ 
الميراث» الوصاية) كانت عائدة للحقوق الدينية التي تخص كل طائفة. كما أن 
ممثلي الإكليروسات المختلفة كانوا يقودون بشكل طبيعي تمامًا جماعات المؤمنين 
المنتمين إلى كل طائفة وكانوا وسطاء لدى السلطات العثمانية»؛ خاصة في الشأن 


(*) من الأساسء باللاتينية في الأصل, - م. 
53> 


الضريبي» حتى وإن كانت النخب العلمانية قد نازعتهم تدريجيًا في هذه الأدوار. 
على أن عناصر الاستقلال الذاتي وال 1::7عدمع/إء هذه لا تسمح لنا بأن 
نرجع إلى زمن بعيدء مثلما يتم عمل ذلك كثيراء «نظام الملل»: فهذا الأسلوب في 
إدارة طوائف الإمبراطورية؛» وهو أسلوب أكثر مركزية وتهيكلاً مما كان موجوذا 
في الحقب السابقة» لن يصبح واقغا إلا في القرن التاسع عشرء في عصر 
الإصلاحات. 


مسألة التحولات إلى اعتناق الإسلام 

إن التأكيد» كما فعلنا للتوء على أن الفتح العثماني لم ينطو البتة على سياسة 
منهجية لإكراه السكان الخاضعين على التحول عن دياناتهم» وإن كان قد انطوى 
بكل تأكيد على اختزالهم إلى وضعية الذميين» لا يعني استبعاد حدوث مثل هذه 
الظواهر استبعاذا تامّا في بعض اللحظات العنيفة والمضطربة بشكل خاص في هذا 
التاريخ. والمرويات التي تشهد على ذلك (على سبيل المثالء بالنسبة لفتح تارنوقو 
في عام 734١ء‏ حيث من المفترض أنه لم يفلت من المذبحة سوى النبلاء الذين 
وافقوا على التحول إلى اعتناق الإسلام) لا يمكن اختزالها بالضرورة دومًا إلى 
مزاعم تافهة معادية للمسلمين. ثم أنه ليس في مثل هذه الوقائع أي شيء غير 
معقول في سياق غزوات الأرض العثمانية» خلال حروب أواخر القرن السابع 
عشر وأوائل القرن الثامن عشر: فالرعية المسيحيء المشتبه دومًا بتعاونه مع 
الغازي؛ قد وجه نفسه؛ بعد انسحاب هذا الأخير؛ في وضع من أكشر الأوضاع 
حرجا. ولذا فمن المفهوم أنه؛ في عام 1844١؛‏ قزر بطريرك بيتشء آرسينييه 
كرنويقيتش» الذي كان قد دعا في البداية إلى الانتفاضة ضد السادة التركء أن 
يهرب بدوره؛ بعد رحيل النمساويين» إلى شمال الدانوب» حيث سار في أثره فريق 
من رعيته - نحو "٠ ٠٠٠‏ أسرة. وفي وضع مماتثل؛ فإن الأسلوب الوحيد للبرهنة 
على الولاء للسلطان كان يتمثل بالفعل في التحول إلى اعتناق الإسلام. 

ومن جهة أخرىء كانت هناك حالة لم يكن فيها الإكراه على التحول إلى 
اعتناق الإسلام «من باب الصدفة» لا أكثرء بل كان بالفعل في أساس مؤسسة 
رئيسية من مؤسسات الدولة: الديقشرمه. فعبر هذا الإجراء الذي تألف من انتزاع 


(»*) الحكم الناتي, بالإنجليزية في الأصل. - م. 
اا" 


صبيان مسيحيين من قرى الأناضول وخاصة من الروملي وتحويلهم إلى اعتناق 
الإسلام وتختينهم قسراء جند السلطان جانبًا كبيرًا من جيشه الدائم» خاصة 
الإنكشارية» وشكل نخبته الحاكمة» السياسية والعسكرية» حتى أواخر القرن السابع 
عشر على الأقل. والحال أن هذا الإجراء قد مثّل انتهاكا سافرً! للشريعة الإسلامية. 
ومماحكات بعض الفقهاء الرامية إلى محاولة تبريره؛ قلما تخفي أن منطق الدولة 
هو الذي سادء في هذه المسألة. وعلى الرغم من ذلكء فيا كانت الصدمة العاطفية 
المترتبة على ممارسة تألّفت من انتزاع أطفال من آبائهم - رتّدت الآداب الشعبية 
لهذا الجزء من أوروبا صدئٌ هائلاً لهذا- واتجاه الكتابات التاريخية البلقانية إلى 
ا العامل من عوامل نزخ المسيحية و«نزع الهوية القومية»»2 فقد 
يتعين أن نقيّم بشكل أدق الأثر الديموغرافي الحقيقي للديقشرمه خلال الحقبة القي 
كانت سارية فيها. وإذا ما صدتنا إخباريًا عثمانيًا من أواخر القرن السادس عشرء 
هو سعود الدين» فإن هذه السياسة كانت مسؤولة آنذاك عن تحول ٠١٠٠٠٠١‏ إلى 
اعتناق الإسلاء(). 

على أن التقليل من شأن حصة التحولات المفروضة بالقوة لا يعني زعم أنه 
لم تكن هناك من جهة أخرى تحولات ذات طبيعة أخرى. فبعيذا عن العشف 
والابتزازء كان بإمكان دوافع أخرىء معقدة عندما يتطلب الأمر ذلك؛ لدفع البعض 
إلى اختيار الإسلام - ")ىمعامد 5هاه. وهذه التصرفات تندرج تحت اسم 
الانتهازية السياسية العام. وسوف يتعلق الأمر بالإفلات من الضرائب المفروضة 
على الذميين» بل بالإفلات من عقوبة قضائية (كما في الحالة الرمزية ل «المسيا 
اليهودي»؛ شابّاتاي تسيقيء الذي يفلت من الإعدام بانتقاله إلى اعتناق الإسلام في 
عام 3 ؛ أو بالصعود في المجتمع وخاصة الصعود إلى المناصب العامة ؛ أو 
بمواصلة المرء حياته بعد طرده من جانب طائفته الأصلية أو باختزال الاضطهاد 
الذي يتعرض المرء له ؛ وسوف يتعلق الأمرء أخيراء بالحصول على مكانأة» بل 
وظيفة أو معاش. ثم إن من شأن ضغوط بسيطة على كائنات هشة» كالعبيد أو حتى 
زوجات ويتامى: أن تجعل التحول إلى اعتناق الإسلام حتميًا. وعلى الرغم من كل 
شيء فإنه يبدو أن عدد هذه التصرفات الفردية كان ضئيلا. فعلى أساس سجلات 


(*«) كرها أو طوعاء باللاتينية في الأصل. 3ظ 
4 


الجزية» تم حساب أنه في الروملي في القرن السادس عشر لم تتجاوز هذه 
التحولات إلى اعتناق الإسلام بضع مئات كل سنة. 

وعلى أي حال» فإن من الصحيح أن أوضاع الحرب التي أسلفنا الإشارة إليها 
وتطور طبيعة السلطة العثمانية نفسه ربما لم تكن عديمة الآثار على حجم التحولات 
إلى اعتناق الإسلام: فبقدر تماهي هذه السلطة بشكل أوثق مع الإسلام» كانت أسلمة 
الأوساط الحاكمة أكثر تقدمًا وإلحاحًا. وتلك كانت الحالة بشكل خاص في النصف 
الثاني للقرن السابع عشرء في ظل حكم السلطان محمد الرابع والصدارة العظمى 
لفاضل أحمد باشا كوبريلي؛ حيث كان الاثنان نصيرين لجذرية إسلامية من النمط 
«السلفي». ّْ 

ومن جهة أخرىء في بعض أجزاء أوروبا العثمانية؛ اتخذت التحولات إلى 
اعتناق الإسلام طابعا أكثر جماهيرية: في ألبانياء وفي البوسنة وفي كريت ؛ أو في 
أقاليم من بلغاريا ومقدونيا يسكنها اليوماك. فإلى أي أسباب يمكن إرجاع هذه 
الظواهر؟ من دون الدخول في مساجلات غالبا ما تكون شديدة السخونة» نقتصرٌ 
على ملاحظتين: هذه الأسباب لم تكن بالتأكيد واحدة في كل مكان وفي كل وقست. 
ومن ثم يجب البحث في الديناميات الفاعلة في السياقات الخاصة بكل حالة. ومن 
جهة أخرىء فإن الأسلمة يبدو أنها كانت أقل سرعة مما جرى تصورها فيما بعد. 
وفي حالة البوسنة» نجد أن التعدادات العثمانية قد أظهرت في عام 215444 أي بعد 
ستة وعشرين عامًا من الفتح؛ وجوذ ١5 ٠٠٠‏ أسرة مسيحية ومجرد 0٠0٠‏ 5 أسرة 
مسلمة. وقد بدأت حركة التحول إلى اعتناق الإسلام من جانب النخبة:؛ الطبقة 
الإقطاعية البوسنوية. وفي أواخر القرن الثامن عشرء ستكون الصورة جد مختلفة: 
إذ سيجري عندئذ عَدُ ٠.٠‏ 755 مسلم و ٠.00١‏ 707 أرثوذكسي و6600٠‏ ٠6٠8م‏ 


كاثوليكي 0 


تحت سيطرة الهلال 
إجمالاًء لتن كانت أسلمة أوروبا العثمائية تظل محدودة؛ فإن هذا الاحتلال 
الذي دام قرونا قد أنتج مع ذلك «إسلاما بلقانيًا» لا يزال تراثه حيًّا إلى اليوم» حتى 
وإن كانت خارطته قد تبدلت تبدلا محسوسا جراء حروب التحرر الوطني 
والحروب البلقانية في القرئين التاسع عشر والعشرين. 
و 


إن الإسلام الذي كان معتنقوه أقلية من الناحية العددية في أوروبا العثمانية» قد 
ظل الديانة المسيطرة هناك بقدر ما أنه ديانة السادة: ديانة السلطان والممثلين 
المدنيين والعسكريين لسلطته. وبحكم هذا الدين الحق الوحيدء فإنهم يحكمون على 
«الديانتين الكتابيتين» السابقتين: إنهما ديانتان صحيحتان جزئيًّاء لكنهما غير 
ناجزتين» وبما أن تعاليم الأنبياء القدماء قد نسيت» فإنهما ديانتان خاطئتان في عدة 
نقاط. ولتمادي أتباعهما في الخطأء فليس بالإمكان إلا أن يبعشوا على قدر من 
الاحتقار. والتحول إلى اعتناق الإسلام هو أفضل ما يمكن أن يحدث لهم؛ وإذا كان 
من غير الوارد إكراههم على أن يخطوا هذه الخطوة؛ فليس من الوارد سوى الثناء 
عليهم إن قاموا بها. والدولة لا تتماهى إل مع الإسلام وحده ؛ وموارد الخزانة 
تذهب إلى منشآته وأعماله الخيرية من خلال أوقاف السلطان وعائلته وأعيانه. ومع 
أن كهنة جميع العبادات يمكن؛ بمعنى من المعاني؛ اعتبارهم تروسًا من تروس 
الدولة (البطريرك ومطارنته وأساتفته مثلا)؛ فإن الصدارة للعلماء المسلمين وهم 
وحدهم الذين يمكنهم الاستفادة من سخاء الدولة والتحدث باسمها. 


موقع غير المسلمين 

المخطط التصوريء المسَلْمٌ به تقليديّاء والذي يرى أن الإدارة ومهنة السلاح 
تعودان إلى المسلمين» بينما ينحصر نشاط المسيحيين واليهود في الوظائف 
الاقتصادية (الزراعة والحرف والتجارة)؛ ليس بلا أساس في أوروبا العثمانية: إلا 
أنه يجب على أي حال إدخال بعض التدقيقات عليه. فعلاوة على أن هناك» بأكثر 
مما قيل وجرى تكراره؛ مسلمين ليسوا فقط فلاحين وحرفيين» إلى جانب تجار 
أيضناء بل وكبار تجار من الوزن الهائل؛ نجد أن الدولة»؛ من باب البراجماتية؛ 
ليست محرومة دوما بشكل منهجي من خدمات الذميين العسكرية. فعلى أثر 
فتوحات القرنين الرابع عشر والخامس عشرء أمكن لوجهاء محليين مسيحيين 
الحصول على تيمارات من دون الاضطرار إلى تغيير ديانتهم. وهكذا نجد في 
ألبانياء في عام :١471‏ أي بعد عشرين عامًا من الفتوحات العثمانية الأولىء أن 
تيماريًا من إجمالي 5 كانوا مسيحيين (بل إن الإقليم كان به أنذاك تيماري 
يهودي). وفي مركز تيرهالا في ثيسالي في عام :١1555‏ كان التيماريون 


٠ 


المسيحيون 75 من إجمالي .١1487‏ وفي الوقت نفسه» أي بعد ستين عامًا من الفتح؛ 
كانت النسبة 707 من إجمالي >»؛ حول بريشتينا ناء في كوسوقا. وبالمثل؛: نجد» في 
مركز برانيشيقو الميربى» ني واذي التتفوكة فى خا 1١4‏ مسيحيًا بين 
التيماريين ال 3775"). وإذا كان قد حدث أيضا منحٌ تيمارات لمسيحيين في عهد 
بأيزيد الثاني» فمن الصحيح على أي حال أن الظاهرة تصبح نادرة في القرن 
السادس عشرء وذلك لانتقال ذرية التيماريين المسيحيين عموما إلى اعتناق الإسلام. 

وبالمقابل» فإن ما كان أكثر دوامًا هو استمرار وجود المنظمات العسكرية 
البلقانية القديمة في ظل النظام العثماني . وعند الاقتضاء: كان السادة الجدد يدخلون 
تعديلات على طابعها ودورها الأولين بهدف اختزالها إلى وضعية تشكيلات شبه 
عسكرية أو قوات مساعدة؛ غير أنهم قد حافظوا عليها مع ذلك بهيراركياتها القديمة 
وتكويئها المسيحي بشكل كامل أو بشكل جزئي. وتلك حالة القوينوك الذين» تحت 
اسم القوينيكي شكلوا نبالة صغيرة في إمبراطورية إيتيان دوشان والذين تحولوا في 
الجيوش العثمانية إلى فصيل متخصص في تربية ورعاية الخيول. كما أن دور 
حراس الحدود قد عاد إلى «قالاك» صربيا في حين خدم ال عمزم#ره” (الدركيون) 
كمساعدين في حاميات القلاع أو الشرطة المحلية. 

وختاماء فمن المؤكد أن العثمانيين قد غيروا بقوة مصائر الشعوب البلقانية؛ 

وإن كانواء بامتناعهم» بحكم المبدأ وبحكم الضرورة» عن أي سياسة إذابة حقيقية» 

قد أبقوا على الكثير من الأوضاع التي سوف تستند. إليهاء في الوقت المناسب» 
النهضات القومية في هذا الجزء من أوروبا. ومن جهة أخرى؛ فإن وجود هؤلاء 
المسيحيين؛ الواقعين بشكل مقيم تحت «النير التركي»: سوف يشكل عاملاً مهما في 
العلاقات بين أوروبا الأخرىء أوروبا المسيحية؛ وخصومها الكفار. فعلى جهة؛ 
سنجد بالطبع في هؤلاء الإخوة في الدين «الأسرى» حلفاء محتملين ومحميين 
سوف يقدم مصيرهم ذرائع للتدخل» » بينما على الجهة الأخرى؛ سننتهي من ذلك إلى 
اعتبار الذمي خائنا محتملاً» وء عند الاقتضاء» رهينة. 


529 


الفصل الثالث 
تمثيلات التناحر 


كان الإسلام» منذ ظهوره وعلى امتداد العصر الوسيط» مرفوضنا من جانب 
المسيحيين؛ الشرقيين أولاً ثم الغربيين الذين رفضوا منذ البداية مجرد الاعتراف 
بوضعيته كديانة» إذ لم يروا فيه غير هرطقة أو شكلاً من أشكال الوثنية والصنمية. 
وعندما لم يعد هناك مفر من اعتباره ديانة؛ لم يكن من الوارد سوى شجب هذه 
الديانة بوصفها ديانة زائفة لأن المسيحية وحدها هي التي كانت الدين الحق في 
نظرهم. وبما أنهم نظروا إلى الإسلام على أنه ديانة زائفة» فقد اعتبروه أيضنا ديانة 
خطيرة خطرًا! قاتلأء فهوء بوصفه ديانة عالمية» قد أعلن أنه أرقى من المسيحية 
ورمى إلى الحلول محلها. ومن ثم فقد تعينت مواجهته ومكافحته بشتى السيل. 
فالأمر كان يتعلق ببقاء المسيحية نفسه ومن ثم بخلاص الإنسانية وفق تصورهم. 
وقد اجتمعت العداوة الشرسة والجهل في العصر الوسيط لإنجاب وترويج الصورة 
الأكثر سلبية والأكثر إساءة لهذا الدين ولشخص نبيه. 


الأعباء الإيديولوجية 
يهيمن النفور نفسه والتحيزات نفسها على العقول المسيحية في العصر 
الحديث أيضنًا. فاللاهوتيون أنفسهم ليسوا بوجه عام أفضل دراية ولا أكثر رهافة 
في انتقاداتهم ولا أكثر براعة في حجاجهم من سابقيهم القروسطيين. ومن جهة 
أخرىء فليس هناك حرمان من طبع الرسائل السجالية القديمة كرسالة الدومينيكي 
المنتمي إلى أواخر القرن الثالث عشرء ريكولدو دي مونتيكروتشه؛ والمعنونة ب 
لكارررو زيعورريررزه «رماءودى ن:0©» المطبوعة لأو ل مرة في فرنسا في عام 48 


(<) ضد الملة المحمدية» باللاتينية في الأصل. - م. 
ضف 


وتشهد على ذلك مؤلفات ككتاب جان جيرمان البورجونيوني (مات في عام )١556‏ 
والذي يحمل عنوان مجادلة المسيحي والساراساني أو الرسالة التي كتبها 
الإنسانوي جاك لوفيقر ديتايل ضد ديانة «أعداء اسم المسيح». وفي عام ؟؟2»15 
نشرت لأول مرة رسالة على شكل حوار من تأليف الراهب الكرتوزي دوني دو 
ريكل» تحت عنوان ضد القرآن. وقد ظهرت روح هذه المطبؤعة بشكل واضح في 
إهدائها إلى فردينان الهابسبورجيء الذي كان انذاك في صراع مع العثمانيين. ومن 
بين مشروعات النشر الكبرى أنذاك؛ المعادية للإسلام» لابد أيضنًا من الإشارة إلى 
مشروع لاهوتي من زيورخ:؛ هو تيودور بوخمان؛ المعروف تحت الاسم المستعار 
بيباياندر. فهو قد نشر في بال» في دار نشر أويورينوس الشهيرة؛ مجموعة 
نصوص متصلة بالإسلام» وذلك تحت عنوان: حياة محمد؛ أمير السراسنة ومجمل 
المذهب المسمى بشريعة بني إسماعيل والقرآن. والواقع أن المؤلف قد استعاد 
الترجمة اللاتينية القديمة للقرآن والتي قام بها روبير دو كيتون في العصر الوسيط 
؛ إلى جانب دفاع من جانب بيبلياندر نفسه وتنبيه بقلم لوثر؛ بالإضافة إلى نصوص 
قديمة لريكولدو دي مونتيكروتشه ونيكولا دو كيس. وبمعنئ ماء أظهر هذا 
المشروع اليروتستانتي حرصنا توثيقيًا جديدا في مبدأ جمع النصوص التبريرية نفسه 
(قام جيوم يوستل من جهة أخرى بالاستفادة من ذلك استفادة جد شخصية؛ كما 
سوف نرى فيما بعد)» لكن روح المشروع ظلت بالفعل روح رفض غير مشروط 
ومكافحة بله 00 

كما يجب أن نشير إلى مثال من أمثلة الأدبيات المعادية» أصله كاثوليكي هذه 
المرة» وهو الكتاب الذي ظهر في عام 21544 في سياق حروب الدين؛ بقلم الأب 
السيليستيني بيير كرسبيه» تحت عنوان تعاليم الدين المسيحي ضد تدجيلات القرآن 
المحمدي لسيد تركيا الأكبر. والحال أن هذا التعليق المصحوب بالترجمة الفرنسية 
لرسالة بيوس الثاني إلى محمد الثاني؛ والمكتوب بقلم نصير لهوب للعصبة 
المقدسة؛ هو دفاع تبريري عن الدين المسيحي ومحاولة حرائقية للرد على القران» 
الذي يجري تشبيهه» بحسب التقليد الموروث؛ بمجموعة من الخرافات 
والتدجيلات7). وما أن كان الأمر يتعلق بالبرهنة على بطلان هذا الدين وعلى 
صدق المسيحية؛ فإن محاجات اللاهوت القروسطي السجالية ضد الإسلام قد عادت 


2323 


إلى الظهور حتى في كتاب باسكال أفكار. ثم إن كل الثرثرات المتكررة القديمة 
حول شخص محمد وحياته سوف تظهر أيضنا في عام ١1414‏ في كتاب حياة 
الدجال محمد لرجل دين إنجليزي اسمه هامفري بريدو. 


إضفاء القداسة على المعركة 

من المؤكدء كما سوف تتاح لنا الفرصة لأن نرى ذلك؛ أن نظرات أخرى؛ جد 
مختلفة» سوف تلقى إلى الإسلام خلال الحقبة» لكن الخظاب القروسطي سوف 
يستمر مع ذلك في تشكيل الخلفية. 

إن مصطلح «الساراساني»؛ الموجود لا يزال عند فرواسارء مثلاء والتسميات 
القروسطية الأخرىء تتراجع؛ ثم نجد أن مصطلح التركي هو الذي يستخدم الآن 
عمومًا للإشارة إلى المسلمء وهذا في اللغات الأوروبية المختلفة. فعبارة «صار 
تركيّا»: مثلًء إنما تصبح الصيغة العادية للحديث عن التحول إلى اعتناق الإسلام. 

تبدأ الحقبة الحديثة بالفكرة التي تذهب إلى أن الخطر أعظم مما في أي وقت 
سبق لأن أوروبا التي كانت قد أصبحت ملاذ المسيحية» جراء فشل الحملات 
الصليبية ونجاح الاسترداد في أن واحدء قد أصبحت بدورها مهددة في قلبها نفسه 
بالزحف العثماني. وإذا كان الإسلام بحد ذاته مرفوضناء فإن الإسلام في أوروبا 
مرفوض مرتين حتى وإن كانت انقسامات ومساومات أمراء مسيحيين؛ كما تسنى 
لنا معاينة ذلك في مراحل عديدة» قد ساعدت كثيرا على وجوده في أوروبا. والحال 
أننا نجد من جديد تعبيرات بليغة بشكل خاص عن غرابة الوضع الذي جرى 
الانتهاء إليه في كتابات عديدة لواحد من العقول الأكثر صفاءً في منتصف القرن 
الخامس عشرء أعني آينيا سيقيو بيكولوميني» الذي سيصبح يايا في عام 2١558‏ 
تحت اسم بيوس الثاني. فهو يعلن؛ مثلاً: «في الماضيء طالنا الجرحٌ في أسيا وفي 
أفريقياء أي في بلدان أجنبية. لكننا الآن نتعرض للضرب في أوروباء في وطئناء 
في دارنا»7). وسوف يعلن هذا الرجل نفسه في عام 2١477‏ بعد عشرة أعوام مسن 
الاستيلاء على القسطنطينية: «إن الحرب الضرورية ضد الترك وشيكة وإذا لم 
نحمل السلاح ونسارع إلى التصدي للعدو فستكون تلك نهاية ديانتنا»7. 


ا 


والحال أن رد الفعل على الزحف التركي إنما يتخذ بشكل طبيعي تمامًا شكل 
حملة صليبية: كتلك المؤسسة التي جرى تجهيزها في العصر الوسيط: ليس أي 
حملة أيّا كانت» بل حرب يصدر بشنها مرسومٌ من اليايا وتفقترض قَسمًا من 
المشاركين وتبرر جباية عشور مفروضة على ممتلكات رجال الدين؛ إلخ. ووحده 
الهدف هو الذي استدعى تعديلاً معينا: فتحرير الأرض المقدسة قد ظل في جدول 
الأعمال؛ لكن الأولوية أصبحت للدفاع عن القسطنطينية وأوروبا الشرقية. وقد رأينا 
أنه؛ في الأزمنة الأولى للفتح العثماني؛ كان قد جرى تجهيز ثلاث حملات صليبية 
جديدة من هذا النوع واحدة بعد الأخرىء بهذه الدرجة أو تلك من النجاح في تعبئة 
الفرسان المسيحيين: حملة غالييولي في عام ١755‏ وحملة نيكويوليس في عام 
5 وحملة قارنا في عام .١444‏ وعلاوة على صعوبة تعبئة الأمراء 
المسيحيين» فإن الحملتين الأخيرتين قد فشلتا فشلً مدويًا تماما وظهر التفوق 
العسكري التركي على جيوش الصليبيين المغامرين ظهورا شديد الوضوح بحيث 
إنه لن يجري بعذ القيام بمشروعات مماثلة بعد ذلك. 

وترجع عقبة أخرى في طريق تنظيم حملات صليبية تنظيمًا جيذا ومناسبا إلى 
الانقسام الذي استمر في تفرقة صفوف المسيحيين. والحال أن الخطر التركي قد 
وضع الياياوية في مركز قوة لكي تحقق لصالحها وحدة الجماعة المسيحية» ليس 
من دون ابتزاز للأرثوذكس. 

وجرّاء اليأسء فإن البازيليوس جان الثامن» الذي كان قد انتقل إلى إيطالياء قد 
وافق في يوليو/ تموز ١454‏ على توقيع الوثيقة التي كانت خاتمة للنقاشات الطويلة 
في مجمعي فيرار وفلورنسا. فجرى تكريس الاتحاد: كما جرى في الوقست نفسه 
تأكيد سيادة [كنيسة] روما. على أن ردٌ الفعل المعادي بشكل عنيف من جانب 
الجزء الأعظم من الكهنة ومن السكان في القسطنطينية قد قضى على أهمية هذا 
الإجراء؛ بحيث إن المسألة قد ظلت معلقة. وفي تلك الأثناء؛ أقام محمد الثاني على 
البوسفور حصن روملي حصار وأجرى استعداداته للحسصار. وعندئذ حاول 
البازيليوس توجيه ضربة أخيرة ضد تحفظات روما على تنظيم نجدة بإعلانه على 
نحو مهيب انتهاء الانقسام [عن كنيسة روما]» في كنيسة القديسة صوفيا [آيا 
صوفيا]» في ١7‏ ديسمبر/ كانون الأول .١1557‏ وكان إيزيدور الكييقي» بطريرك 


5 


القسطنطينية اللاتيني» قد جاء من روما ليشهد هذه المناسبة. علي أن المعارضة 
ظلت قوية. ومن المفترض أنه عندئذ قيلت العبارة المنسوبة إلى الميجادوق 
نوتاراس: «عمامة السلطان ولا تاج أسقفية روما». 

وبعد الاستيلاء على المدينة» يقرر البابا نيكولا الخامس الحملة الصليبية 
بالفعل بإصداره؛ في ٠١‏ سبتمبر/ أيلول »١507‏ المرسوم الياياوي مندماءء2 نعل 
/وز«لن. وقد جرى فيه تصوير العاهل العثماني بوصفه استشرافا للمسيح الدجال. 
وقد تعين القيام بجباية العشر في كل العالم المسيحي ؛ ومن قد يلعبون لعبة التسرك 
كانوا مهدّدين بالحرمان الكنسي وبالحظر. والواقع أن عدة أمراء قد أبدوا نية القتال 
الصليبي» كدوق بورجونياء فيليب الطيب. وخلال احتفال للفرسان» جرى في مدينة 
ليل وسمي ب«نذور الفيزان»» أدى بمهابة قِسَمْ حمل الصليب. لكن أحذا لم 
يتحرك؛ في نهاية المطاف؛ وذلك بسبب الخوف من ترك الدرب مفتوخا أمام 
الخصوم أو من التعرض لانتقام الأتراك الذين فضئل البعض التواطؤ معهم. وقد 
تسبب هذا في إدلاء بيكولوميني بهذه المعاينة المريرة: «لكل دولة أميرها ولكل 
أمير مصالحه الخاصة». وبعد أن أصبح ياياء سيبذل محاولة أخيرة لتجهيز حملة 
صليبية» قبل أن يغلبه الموت» في صيف عام .١555‏ 

على أن فكرة الحملة الصليبية» مع غياب تحتقها الفعلي» لن تنطفئ. فقد ظلت 
«الحرب التركية» واجبًا على المسيحيين» و» في التمثيلات التي قدّمت لهاء كانت 
حربًا أكثر قداسة من أي حرب أخرى. وقد عَبْرَ الرب فيها عن نفسه - فإِمًا أنه 
يبدي بركته بمنح النصر للمؤمنين به أو أنه يبدي غضبه بإنزال الهزائم بهم 
للتكفير عن خطاياهم. ومن جهة أخرىء كان هدف طقوس خاصة تسكين هذا 
الشكل الرهيب بشكل خاص من أشكال الغضب الإلهي: الصلوات والمواكاب 
والحج «بشان موضوع الترك» ( واءامع م117 ,دع رماععمعم م1716 
لع استلت/ا لم1 )1 

والحال أن أحد التجليات الساطعة الأولى للإعلاء من قيمة الانتصارات على 
الترك قد رافق فشل حصار محمد الثاني لبلجراد في عام .١1557‏ ولم يشكل الدفاع 
عن هذا الحصن الحدودي مع المجر حملة صليبية ("امومهى مبعنمم,ى؛ على أن اليايا 


(*) بالمعنى الدقيق للمصطلح. باللاتينية قي الأصل. - م. 
ا" 


كاليكست الثالث قد وعد من خلال قاصده الرسولي بغفران تام لجميع من شاركوا 
في المعركة. والحال أن جيوقاني دي كابيسترانو» وهو فرنسيسكاني مشهور بعظاته 
اللهوب ضد التركء قد حفز جسارة المدافعين عن المدينة. وعندما انتهى الأمر 
بالسلطان إلى الانسحابء بعد مذابح رهيبة في المعسكرين؛ كان ذلك مصدر ارتياح 
وسرور عارمين في كل أوروبا. بل إن الشائعات قد راجت في روما وفي مدن 
أخرى بأن القسطنطينية ربما يكون قد جرى استردادها. وفي كل مكان تقريباء 
كانت هناك احتفالات عظيمة ومشاعل فرحة إلى جانب مواكب مصحوية 
باستعراض آثار قديسين وأداءات تعبر عن شكر الرب. وقد وصل الأمر بالبابا إلى 
حد إعلان أن تحرير بلجراد هو أسعد حدث في حياته). 

وفيما بعدء نجد أن الانتكاسات التركية في القرنين السادس عشر والسابع 
عشرء بصرف النظر عن أهميتها العسكرية الفعلية - وهي أهمية ضئيلة على أي 
حال-» قد استثارت ردود فعل مماثلة أو أكثر حماسة أيضنا. وتتمثل حالة شهيرة 
في حالة الانتصار البحري الذي أحرزته العصبة المقدسة» التي تجمع البايا وإسبانيا 
والبندقية» قابلة لييانت؛ في المضيق الذي يفصل خليج كورنثه عن البحر الإيوني» 
في 7 أكتوبر/ تشرين الأول .١1517١‏ وقد كانت آثار هذا الانتصار محدودة لأن 
الترك: كما أسلفنا قول ذلك؛ قد أعادوا بناء أسطولهم في بضعة شهور ولأن البندقية 
قد اضطرت مع ذلك إلى التخلي عن قبرص لسليم الثاني. ولم يَحْل هذا دون حدوث 
صدئ فوري ومستمر للحدث؛ جرى تنظيمه بشكل مناسب في عواصم أعضاء 
العصبة أولاً ثم في أوروبا كلها حيث تكاثرت الاحتفالات المهيبة. والحال أن الفنون 
كلهاء من شعر ورسم ونحت وموسيقى قد قدمت مساهمتها في هذه الاحتفالات!". 
وفي عام 2١517‏ ينشر الموسيقار بيترو فينشي في البندقية تراتيل جماعية بخنمسة 
أصوات حول تيمة: (“أومهروبل:1 +«مذ1ك::/و46 + ومن بين أعمال فن التصوير 
الكبرى التي استثارها هذا الانتصارء دعونا نتذكر جداريات قاساري في السالا 
ريجيا في قصر القاتيكان» ولوحات تيتيان وفيرونيز. وفي السجل الأرقى لعمل هذا 
الرسام الأخير؛ يظهر الانتصار بوصفه منحة من العذراء والقديسين. وتنشر كمية 
كبيرة من المؤلفات والمنحوتات النبأ السعيد» والذي يجري تضخيمه أيضنًا فسي 


س0 حول دمار الترك. باللاتينية في الأصل. امل 
178 


رافدات ما وراء المذبح في الكنائس المتواضعة في أبعد دساكر الجماععة 
المسيحية. 

وكان قد تم القيام بالفعل بمشروع ممائل بمناسبة استرداد مدينة تونس من 
جانب شارل الخامس في عام ©157» التالي لسيطرة بارباروسا على المدينة» في 
السنة السابقة. وعن هذا الانتصار الذي أحرزه الإمبراطور بشخصه؛ والذي كان 
موجوذا هناك بصحبة الطفل دون لويس البرتغالي» يكتب جنتيل قيرجينيو أورسيني 
من دون وهم: «إن سلب [مدينة[ تونس هو حدث يدعو إلى السخرية وأهميته تافهة» 
ومكاسبه جد هزيلة لأن الجميع قد هربوا بأغراضهم»7". ويكتفي شارل الخامس 
بأن يعيد إلى الحكم الأمير الحفصئ الذي كان بارباروسا قد عزله. ومع ذلك فقد 
جرى الاحتفال بالحدث وكأنه رسالة مقدسة. والحال أن شارل الخامسء» طوال 
الحملة كلهاء في البر كما في البحر؛ قد اصطحب معه راية عليها صورة المسيح 
مصلوباء وء بما أن المكان يستحضر ذكرى القديس لويس [لويس التاسع] والحملة 
الصليبية الثامنة» فإن العناية الإلهية تقوده إلى العثور على أسلحة الملك الشهيدا". 
وقد رأواء بالأخصء في هذا النجاح الذي جرى تصويره بحجم لا يتناسب مع 
حجمه الفعلي استشرافا لإنجازات أكثر حسما بكثير. وفي رسالة إلى شارل» يصور 
دون لويس هذا النجاح بوصفه مقدمة للهجوم النهائي العظيم على القسطنطينية» 
والذي جرت تسميته ب«المشروع المقدس» (مكع,ممه محنممه) الذي لن يكف بعده 
عن «التنفس كعاشق»» فهو العلامة الحاسمة الممهدة لإزاحة الترك النهائية. 

والواقع أن هناك فكرة ماثلة دومًا مؤداها أن هذا النجاح المسيحي الأخير هو 
الفصل الأول في انقلاب سوف ينهي هذه الفظاعة: الوجود التركي في أوروبا. 
وسوف تتأبد عادة الاحتفال بكل نجاح ضد الترك؛ حتى وإن كان نجاحا تافهاء عبر 
ال 0" اررربيوم 6 والمواكب والصلوات والتبرعات: وسوف تكون تلك هي الحال» 
مثلأء خلال انتصار الراب؛ وهو حدث من أحداث «الحرب الطويلة»؛ في عام 
اموه 1( 

وفي أواخر القرن السابع عشرء فإن أعوام ١555‏ و1570 و1187 اليوبيلية 
تتطابق مع فترات حرب بين الترك والجماعة المسيحية. والحال أن ياياوات تلك 


(*) عبارة ساخرة بالطبع من أسطورة عثور شارل الخامس على أسلحة لويس التاسع. - م. 
(<<) ال «ورببعء2 ج7 نشيد ثناء على الرب. - م. 
5778 


الفترة» كليمون التاسع وإينوسينت الحادي عشرء قد أعلنا أنهما يمنحان صكوك 
غفران لكل من سوف يصلون من أجل «إحباط مساعي وقوى التركء الأعداء 
المتوحشين واللدودين للاسم المسيحي». ويبدأ يوبيل عام ١1587‏ في سياق درامي 
بشكل خاص إذ صنَدر القرار الخاص به في ١١‏ أغسطس/ أب» في حين أن 
الحصار كان قد فرض أمام قيينا في ١4‏ يوليو/ تموز. ونداء البابا مُعَدْبٌ وداممٌ 
حيال هذا الهجوم الجديد ضد «مدينة ثيبنا القوية والشهيرة في النمساء والتي كان قد 
0 أوقفت 
مسيرتها». والرهان هو «الدفاع عن الاسم المسيحي»»؛ في حين أن التر كي «الذي 
لا ينسى بالمرة ما بوسعه عمله من أجل نشر فظاعة خديعة محمد في كل مكان 
[...] يستخدم كل قواه من أجل قلب كنيسة الرب الحي رأسًا على عقب». 

وعندما يصل نداء أينوسينت الحادي عشرء في ١١‏ يناير/ كانون الثاني 
4 إلى مُرسل إليه بعيد» هو أسقف مانسء لويس دو لاقيسرن - مونتنار دي 
تريسان» الذي لا يتخلف عن نقل صداه إلى رعيته؛ كان الموقف قد تغير لأن 
المحاصرين كانوا قد تعرضوا للهزيمة؛ في ١7‏ سبتمبر/ أيلول؛» في كاطلنبرج» 
وكانوا قد اضطروا إلى الانسحاب. وبعد أن شبه الأب المقدس ب«راشيل 
الطاهرة» التي تبكي ضياع أطفالهاء انفجر الحبر المانسي بالتعبير عن فرحته: «ألم 
نشعر نحن بالفعل بآثار وعود [الرب] الإلهية؛ لأنه في اللحظة التي رفع فيها راعي 
الكنيسة العالمية يديه إلى السماء؛ أجبر هذا العدو المتوحش على الهرب [...] وعاد 
أطفال راشيل الطاهرة إلى الفوز بممتلكاتهم»7"". 

وقد ارتدت الحروب التركية قداسة خاصة. فالائتلافات التي أفرزتها كانت 
«غصيبًا مقدسة» (»:ع1/ 006:) عديدة. وكان ضحايا الحرب شهداء على درب 
القداسة. وعلى سبيل المثال» لدى الاستيلاء على أوترانت من جانب جيديك أحمد 
باشاء في صيف عام ٠,54١ء‏ جرى إعدام 86٠١‏ رجلء من بين الناجين في المدينة. 
وكان ذلك مذبحة ذات طابع عقابي وترمي إلى الترويع. والحال أن هؤلاء الضحايا 
ال 6٠٠١‏ إنما يصبحون شهداء أوترانت ال ٠١‏ الذين سوف يقال إنهم آثروا 
الموت على الإذعان. وقد نظر إليهم على أنهم مباركون (حتى وإن كانت مباركتهم 
الرسمية لن يتم إعلانها إل بعد ذلك بثلاثة قرون) وسوف تعزى إليهم معجزات 


:ع33”قت> 


متعاقبة. وهنا أيطناء نجد أن فن الرسم يكرس ويخلد الحدث: إن لوحات عديدة 
سوف تصور «استشهاد الأبرياء» مشيرة ضمنيًا إلى أوترانت. كما أن ضحايا 
آخرين للترك سوف يصبحون بالمثل موضع عبادة شعبية. فالصدمة التي أحدثها 
النزول التركي يستثير الحمية والهياج في كل إيطاليا. وفي الأعوام التالية؛ ترئد 
الكلام عن ظهور العذراء في عدة مناسبات في شبه الجزيرة؛ خاصة في توس كانيا: 
في عام ١54487‏ في ماريم التوسكانية وفي عام ١5845‏ في يراتو”". 

ويتأبد المثل الأعلى للحرب الصليبية أيضنا في فكرة جزء على الأقل من 
النبلاء الأوروبيين عن الحرب ضد الترك: فقد رأى هذا الجزء أن من الجدارة 
دومًا المشاركة فيهاء بصرف النظر عن الراية التي تخاض تحتهاء فهي فريضة 
سامية؛ تعلو على الانقسامات القومية. . وفي هذه الظفروفء فإنها تقدم مخرججا 
مُشرَفًا - هو المخرج الوحيد أحيانا- 3 الفرسان المتورطين في خلافات مع 
ملوكهم الأصليين. وهؤلاء النبلاء الفرنسيون أو اللورينيون؛ والذين يعتبر الدوق دو 
ميركور رمزا! لهم» والذين» لدى الخروج من حروب الدين أو الفروند؛ ينضمون 
إلى جيوش آل هابسبورج لكي يقاتلوا ضد الترك في المجرء إنما يعتبرون مثالا 
جيذا لذلك» شأنهم في ذلك شأن الذين» وقد التحقوا بأخوية مالطة» يشاركون في ال 
("أووعرزوم, مىرمنء حيث كانوا يطاردون سفن المسلمين في البحر المتوسط. 

وتظل فكرة الحملة الصليبية حية أيضا في هذه الكتابات العديدة الموجهة إلى 
الملوك من جانب كتاب مغمورين أو أكثر شهرة لحثهم على القضاء على العثمانيين 
أو للتنبؤ بالمصائر الشرقية والرسالة الأخروية للسلالة المباركة التي ينحدرون 
منها. والحال أن ملوك فرنسا «المسيحيين جدًا»؛ بوجه خاصء بالنظر إلى ما كان 
عليه دورهم في العصر الوسيطء إنما تتعلق الآمال بهم في أوروبا كما بين رعايا 
السلطان المسيحيين؛ خاصة أرمن سوريا وموارنة لبنان. وعلى سبيل المثال» فإن 
نبوءة لقديس أرمني قديم؛ هو نرسيسء قد أعلنت أن ملك فرنسا قد يكون فسي 
أورشليم في عام .)""27755٠‏ والحقيقة أن فرانسوا الأول» بعد تراسله في مرحلة 
أولى مع البابا ليون العاشر من أجل التخطيط لعمل ضد الترك”)؛ قد اتخذ اتجافا 
معارضنًا لذلك تمامًا بتحالفه على العكس من ذلك مع السلطان ثم إن خلفاءه قد 





ع القترصنة المالطية. دم 


اتبعوا هذا النهج نفسه بهذه الدرجة أو تلك من الحماسة» من دون أن يؤدي ذلك 
البتة في القرون التالية إلى تبديد أوهام المتنبئين أو استراتيجيي الصالونات الذين 
راهنوا بالتعاقب على القالوا ثم على البوربون للعمل على تحقيق الانتصار النهائي 
للمسيحية. ففي مستهل القرن السابع عشرء مثلأء يدعو المدعو و حجان إيميه دو 
شائينييه هنري الرابع إلى مغامرات كبرى ويستعد لحسابه تنبوات قديمة لصالح 
«شارلمان ثان»: وهو ملك «سوف ينحدر من خلاصة وجذع الزئبقة الأمجد» 
وسوف يتمكن من إخضاع شعوب الشرق قبل أن يمضي إلى أورشليم ويموت فيها. 
وفي عام »١1577‏ فإن إيطالياء هو سيلثسترو مانفريدو ثانينوء هو الذي يهدي كراسا 
إلى لويس الثالث عشرء مُذكر! إياه بأن قدْرهُ هو «القضاء على جميع الملل 
المعارضة للكنيسة المقدسة وخاصة ملة التركي الأكبر». 

وسوف يكون لويس الرابع عشر بدوره موضع تنبؤات ونداءات» منذ شبابه 
وعلى مدار عهده: فعلى سبيل المثال» نجد في «الطالع الفلكي الإمبراطوري» 
للويس الرابع عشرء والمنشور في عام 1507؛ تنبوًا بأن الرب قد وهب الأمير 
الشاب لفرنسا «لكي يجدد فرنسا بدساتير جديدة وَيْقَوّمْ الرذائل والإساءات المرتكبة 
فيها ويقضي على الهرطقات ويُخضع الكفار لأجل هذه الغاية أيضا بحيث تصيح 
الديانة المسيحية حرة في العالم بأسره». وسوف يحصل الملك على التكليف 
الإمبراطوري الذي يتضمن خاصة الصراع ضد العثمانيين9'). وفي 15170- 
»: سيجيء الدور على ليبنتز» الفيلسوف الشهير المندرج في حاشية شخصية 
نافذة في السياسة آنذاك؛ أعني أسقف ماينس الأكبر الناخب؛ لكي يوجّه إلى الملك 
الشمس مشروعًا يدعو إلى فتح مصر العثمانية!*". 

ويجب أن نستشهد ببوسويه هنا بالمثل» وهو يتلو مدح القديس بيير دو 
نولاسك؛ في كنيسة آباء الرحمة» الملتزمة بدفع فدية الأسرى الموجودين لدى 
الكفار: «أوه يا يسوع؛ سيد السادة» حكم جميع الإمبراطوريات وأمير ملوك 
الأرضء إلى متى سوف تتحمل عدوك المعلن» الجالس على عرش قسطنطين 
العظيم؛ ويدعم بكل هذه الجيوش تجديفات محمده ويْدكُ صليبك تحت هلاله ويختزل 
الجماعة المسيحية كل يوم بأسلحة على هذه الدرجة من الوفرة؟»7". 


اليروتستانت حيال الترك 

الحق أن خطط ومنظورات الاستردادات من الأتراك قد تسنى لها أن 0 
في لحظة أساء إليها بشكل لا سبيل إلى علاجه انطلاق الإصلاح اليروتستا 
والانقسامات التي يتعذر التكفير ا ل 0 

فالكاثوليك واليروتستانت قد استخدموا التركيء؛ في مهاتراتهم المتبادلة؛: 
كنموذج للعارء مثلما كان الحقوقيون والمسؤولون عن محاكم التفتيش قد قامواء في 
الماضي» باعتبار الهراطقة والمنشقين أسوأ من الكفار. وقد اتهم اليروتستانت البابا 
والمحيطين به بأنهم أكثر خزيًا وفجرا وخطرا من الترك. أما الكاثوليك فلم يكن 
بوسعهم التشهير باليروتستانت إلا بتمييز «تشابهات» بينهم والترك!"). 

وعلاوة على أن وحدة الجماعة المسيحية قد تمزقت مرة أخرى جراء هذا 
الانقسام الجديد الذي أعقب الانقسام العظيم؛» أصبح هناك ما يدعو إلى الخوف» من 
جانب الملوك الكاثوليك؛ من أن يستفيد الترك من هذا الانقسام للعثور على حلفاء 
بين هؤلاء المنشقين. وفي رسالة مؤرخة في ٠١‏ مايو/ أيّار 1507؛ نرى سليمان 
القانوني بالفعل وهو يحث الأمراء البروتستانت؛ حلفاء ملك فرنسا من جهة أخرى؛ 
على خوض الحرب ضد شارل الخامس7. وعلى أي حالء لم تكن هناك حاجة 
إلى تحالف بالشكل الصحيح والواجب لكي يكون الترك والبروتستانت متضامنين 
موضوعيًا في مواجهة الإمبراطور. فهل كانت القوات التي استخدمها هذا الأخير 
في مواجهة القوات العثمانية قد أعوزته بحيث لم يكن بوسعه منع اليروتستانتية مسن 
الانتشار والتعزز في إمبراطوريته؟ إن هذه المعاينة إنما تكمن في أساس أطروحة 
ستيفن فيشر - جالاتي» والتي تذهب إلى أن توطيد اليروتستانتية الألمانية وإضفاء 
الشرعية بشكل نهائي عليها كانا غير قابلين للفصل عن «الخطر التركي» ( 4:6 
«أتروع7111:61). و هذه الأطروحة لا يعوزها الأساسء حتى اعتراف أو جسبورج 
على الأقل في عام .١55©‏ والواقع أنه اعتبارًا من هذا الفعل الذي يرمز إلى 
الاعتراف الرسمي باليروتستانتية (اللوثرية آنذاك بشكل أدق) في الإمبراطورية» لا 
يختفي بالتأكيد كل توتر بين البروتستانت والكاثوليك» لكن الصراع ضد التدرك 
يصبح الضمانة الأفضل لوحدة الإمبراطورية ولشرعية سلطة آل هابسبورج7 1 

وفي البداية: أخذ مفكرو الإصلاح أو القريبون من الإصلاح مسافة موحجنة 
من الحرب التركية. 

55 


وإرازموس يفعل ذلك باسم نزعته المسالمة: ففي كتابه الثناء على الحماقة» 
يجري تصوير أي حرب على أنها حماقة؛ بما في ذلك الحرب ضد الكافر. وفي 
شكاية السلام؛ يذهب إلى أن الأسلوب الأفضل للصراع ضد الترك قد يكون هو أن 
يبدأ الأمراء المسيحيون بعدم خوض الحرب فيما بينهم وهي الحرب التي يلاحظ 
أنها تقود بعضهم إلى التحالف مع الترك ضد إخوتهم في الدين. وهو يضيف أنه 
في المعركة نفسهاء حين لا يتسنى تجنبهاء يجب الحفاظ على روح مسيحية. وأحد 
أقواله المأثورة ينبئنا بالكثير عن فكره: «الحرب حلوة بالنسبة لمن لم يخوضوها». 

وعند آخرين» كلوثر في المقام الأول أو كالقن أو ميلانشتون أو الإنسانوي 
أولريش قون هوتين» تظهر نزعة انهزامية مستسلمة تجاه الترك: إن المسيحيين لا 
يجب عليهم مقاومتهم بل يتعين عليهم البرهنة على الخضوع بقبول العقاب الذي 
أنزله الرب بهم على يد الترك لما ارتكبوه من خطايا. وهذا الموقف الذي نجده 
أيضًا أحيانا عند واحد كجيوم يوستل» يجد تعبيرا جذريًا عنه عند لوثر عندما يعلن 
في عام :15٠١‏ «إن الصراع ضد الترك إنما يعني الاعتراض على مشيئة الرب» 
(ترء ءاعو ببح ععالم2) د || زآ! روك اكقء | ,تع /ج ةمل بح ج111 ذل 1 06). 

وهؤلاء الكتاب أنفسهم» إذ يفكرون ضمن منظور أخروي» يطورون الفكرة 
التسريحية بالمثل والتي تذهب إلى أن انتصارات الترك يجب قبولها بوصفها داخلة 
في مخططات الرب. ف«المحمديون» أو «الإسماعيليون»» كما سماهم بوستيل» قد 
حثتهم العناية الإلهية لأجل تخليص العالم من الوثنيين واليونانيين المنشقين ومن شم 
تمهيد الطريق أمام السيطرة العالمية لكنيسة روما لأن «الجماعة المسيحية»» بحسب 
ما يخلص إليهء «[...] يجب أن تكون الأميرة الوحيدة والشرعية للعالم» سواء كان 
ذلك من الناحية الروحية أم من الناحية الزمنية [الدنيوية]». 

على أن هذه المواقف التي تستلهم اعتبارات فلسفية ولاهوتية لن تدوم طويلاً. 
وقد انحاز أغلب هؤلاء المفكرين فيما بعد - إن لم يكن إلى مبدأ الحرب الصليبية 
بالضبط في مفهومه التقليدي, فعلى الأقل إلى «حرب تركية» من دون حرج-؛: 
خاصة بعد نجاحات سليمان القانوني في بلجراد ورودس وموهاكسء. والتي تلاهما 
زحفه إلى ثيبنا. 

والحال أن إرازموسء في كتابه الذي يحمل عنوان مالء6 عل ونام انندم 
0 07051 والمطبوح في مستهل عام 2١07١‏ إنما يشجب محموما الخطر 

555 


التركيء فقد كتب أنذاك: «إن آسيا الصغرى كلهاء التي تضم ما لاا يقل عن إثنى 
عشرة شعباء وتراقيا كلها بما فيها القسطنطينية [...]؛ وميسيتا أوروبا في اتجاه 
الدانوب؛ وجزء! كبيرًا من داسيا وكل مقدونيا وكل اليونان مع مجمل بحر إيجه 
والمسمى جزء منها بالسبوراد والجزء الآخر بالسيكلاد؛ إنما تكابد كلها عبودية 
قاسية تحت السيطرة التركية». 

وقد أضيفت إلى ذلك أحداث المجر الأخيرة والتي وصلت بانزعاجات 
الفيلسوف إلى ذروتها: «وماذا عن كل هذه الاختراقات المميتة التي جرت في 
المجر؟ وماذا عن مصرع لويس» ملك المجر؟ وء في هذه السنة الجارية [555١]؛‏ 
جرى احتلال هذا البلد بأسره بوحشية وجرى طرد الملك فردينان من عرشه 
ومحاصرة قيينا بأعظم مقت وتدمير النمسا كلهاء خارج هذه المدينة: بضراوة لا 
1 7 

وفي العصر نفسهه ينتقل لوثر بدوره إلى الهجوم”). فهو إذ يتراجع عن 
موقفه السابق» يظهر الآن بوصفه مدافعا متحمسًا عن الحرب ضد التركء في 
مو زلف يرجع إلى عام ١574‏ تحت عنو ان(" 2( “ابرع 1 وذل «رمود ووان1 0 
وفي 3 اسات معاصرة أخرى (ال 9 “/رزءابطزءةضم برو :7): وكذلك في المقدمة التي 
يكتبها في عام ١57١‏ للطبعة الأولى لكتاب بحث حول شمائل وعادات وغدر الترك 
الذي كتبه جورج المجري7”". والتيمة موجودة أيضنا في مراسلاته: ففي رسالة 
بتاريخ 7١‏ أكتوبر/ تشرين الأول 2١1575‏ موجهة من قيتنبرج إلى نيكولاس 
هاوسمان» يكتب هذه الكلمات الجازمة: «سوف أحارب الترك ورب الترك حتى 
مماتي». 

والحال أن ذروة هذا التحول إلى نزعة حربية لهوب إنما يقدمها مؤلفه الذي 
يرجع إلى عام ١6 64١‏ 30 “ررمي لرزة1 ترعل «رع واس عط «1اا2 ج77:/11/ه 1/6171 

وبالمثل» في الجيل إلتالي»ء سوف يكون كالقن أقل لامبالاة حيال الخطر 
التركي مما في السابق. 

على أن ما يواصل المصلحون نقده هو الجوانب المؤسسية التي اتخذتها 
الحملة الصليبية» منذ ياياوية إينوسينت الثالث (9448١1-؟١١1).‏ فالواقع أن 


(*) عن الحرب ضد الترلك. -م. 
(**) الكتيبات التركية. - م. 
(-»«») النصح بالدعاء على الترك, دم 


الحرب ضد الكافر كانت قد أصبحت عندئذ أداة للإدارة العسكرية والمالية 
والقضائية للعالم المسيحي» في يد الكورية [الياياوية] في روما. وقد تمتعت هذه 
الكورية فعلاً بسلاح قوي: فمن: اقبسم بالقتال ثم كن أو تحاشى الوفاء بقسمه كان 
يستحق إنزال الحرمان الكنسي به. والحال أنه لم يكن بوسعه التحرر من قسسمه إلا 
عن تلع عبلغ من الأفال إل حون لجان نجهنة لسر تعتبرها الكنيسة «قضية 
صليبية» (ونهبسن مورن) أو «مهمة صليبية» (وعيبسن ا ثم إن روما قد 
تمتعت الآن برافعة أخرى: فمنذ ياياوية نيكولا الخامس؛: في منتصف القرن 
الخامس عشرء نجد أن من هبوا لنجدة جزر البحر المتوسط التي يهددها المنسلمون 
قد جرئى منحهم صكوك غفران خاصة في الآخرة. وأول إجراء مرصود من هذا 
النوع» في عام ١55١ء‏ كان يتعلق بجزيرة قبرصء التي كانت لا تزال تحت 
سيطرة اللوزينيانيين: وقد طبعت صكوك الغفران الأولى المتوافقة مع مثل هذا 
الإجراء في ماينس في عام 548:4 91). 

والحاصل أن هذه الجوانب المختلفة هي التي استثارت انتقادات المصلحين. 
وهكذا فاعتبارا من عام 2١1517‏ انطلق لوثر لمحاربة ممارسة صكوك الغفران. 
فالجميع يرون الآن أنه إذا كان لا يجب البتة التخلي عن الحرب التركية فإنه يجب» 
في المقابل» «نزع الطابع الياياوي» عنها. وسوف يتم تطوير هذه الفكرة بصرامة 
خاصة من جانب فرانسوا دو لا نويء في عمله مقالات سياسية وعسكرية. وإذ 
يولي الأولوية للبراجماتية» فإن هذا الهوجنوتي الفرنسي - الذي يستفيد من فترة 
أسره على أيديئ الإسبان» بعد أن كان قد هب لدعم كالقنيي الفلاندر المتمردين؛ لكي 
يكتب هذا العمل - لا ينكر أي فائدة لمساهمة اليايا في حملة صليبية قادمة» مثلما لا 
ينكر فائدة مساهمة الإمبراطور. والواقع إنه يقول إن اليايا «بوسعه أن يعمل 
بفعالية»: لأن مكانته السامية لا تزال «موضع إجلال كبير مسن جانب الأمراء 
المسيحيين». أمّا فيما يتعلق بالإمبراطورء «حتى وإن كانت سلطته لا تتماشى الآن 
مع اللقب الذي يحمله»: فإن بوسعه أن يقدم هو أيضًا عونا ثميناء وذلك بسسبب 
«المكانة المقدسة التي يتمتع بها» والتي «يجب أن تكون موضع إجلال عظيم مسن 
جانب كل الملوك المسيحيين»*". 


ال“ أممهن اعمط 3/1111: 
فرسان الأزمنة الحديئة 

إذا كان اليروتستانت قد انحازوا إلى قضية الحرب التركية؛ بل وإلى فكر 
الحرب الصليبية؛ مع إدخال بضعة تصويبات عليها؛ فإن هذه الفكرة نفسها ما كان 
يمكن بعثها لدى الكاثوليك إلا عبر الروح التي انبتقت ت عن مجمع ترانت. والحال أن 
حدثًا سوف يقدم تصويرا لذلك في أعوام 1570-65: مشروع الحرب 
الصليبية الذي طرحه دوق نيقر» شارل دو جع والكايوتشي فرانسوا لوكليرك 
دو تريمبليه» الساعد الأيمن لريشيليوء والأشهر ت تحت أسم الأب جوزيف وتحت أسم 
«العقل المدبر». وفي رأي هذا الأخير: فإن الصراع ضد الترك ليس ضروريا 
لمجرد خلاص الجماعة المسيحية» بل هو يساعد أيضا على تطهير المسيحيين مسن 
حماساتهم الاحترابية ومن ثم العمل على هيمنة السلم فيما بينهم: وسوف يكتب في 
مذكرة إلى لويس الثالث عشر تأييذا لقضيته «إن تأكد واستقرار السلم فيما بين 
المسيحيين من شأنه أن يترتب على ذلك» في حين أن تنوع المعتقدات وتنافس 
الأمراء المجاورين أو المحليين غير المنخرطين في شيء أفضل لا يمكنهما البتة 
7 السلام من أن يسود طويلاً»7). والأمر لم يعد يتعلق» كما في الحملات 

لصليبية في القرنين الرابع عشر والخامس عشرء بمحاولة وقف الجد العثماني 
ا » في زمن تتقطع فيه أنفاس هذا الزحفء بأن يْدْ يْضَمٌ إلى الهدف 
الدائم الخاص بتحرير الأماكن المقدسة» الهدف»؛ الأكثر حاليّة» والخاص بتحرير 
المسيحيين من النير العثماني» وهمء هناء أرثوذكس في غالبيتهم. ويجب توضيح أن 
شارل دو جونزاج» بما أنه كان حفيذا لواحد من الياليولوجيين» قد ادعى لنفسه 
حقوقًا في وراثة بيزنطة واحتفظ من ثم بعلاقات مع وجهاء يونانيين. والحال أن 
أنصار الفكرة قد قاموا - لأجل تحقيق هدفهم؛ وبعد أن قاموا بتحركات دييلوماسية 
عديدة وحصلوا على تصريح من البابا- بتأسيس أخوية عسكرية ودينية جديدة» في 
عام 2.1515 هي الميليشيا المسيحية (ه0715::4) م341/11)» بدعم من فريق مسن 
النبلاء الأوروبيين وعدة ملوك كلويس الثالث عشر وملك يولنده؛ سيجيسموند 
الثاني. وفي فبراير/ شباط 1510ء نجد أن الكاردينال بورغيزء سكرتير الباباء قد 


(<) الميليشيا المسيحية. - م. 


أرسل تعليمات إلى السفراء الياياويين الموجودين في العواصم الأوروبية. وعندئذ 
فإن حادثًا جللأء هو «الرمي من النوافذ في براغ»7؛ في 5 مايو/ يار 1514, 
قد أحبط المشروع برمته باستثارته نشوب حرب الأعوام الثلاثين بين الدول 
الكاثوايكية والبروتستانتية. 
«التركي الرهيب» 

إذا كان رفض الترك يستند إلى دوافع دينية ويبرر نفسه بما ينسب إلى الدين 
الذي يؤمنون به من عيوب ومن زيف صارخ ويسعونء من دون شك: إلى فرض 
سيادته؛ فإنه يتخذ أيضنا ملامخ أخرى ويطرح أسبايًا أخرى. 

فالرافضون للترك يرون أن الأتراك ليسوا فقط كفارًا. فهم لا يعرفون أي 
فكرة عن التمدن والأخلاق: إنهم همج؛ وهو ما يتوافق مع ما يعتقد الرافضون أنهم 
يعرفونه عن أصلهم. 

والواقع أن العلماء والمفكرين المعاصرين للزحف التركي قد تساءلوا عن 
أصول هؤلاء الغزاة”"). والحال أن تحديد الموقع الجغرافي لنقطة انطلاقهم: 
وكذلك التشابه بين مصطلحي 76/7 (اسم الطرواديين في الأدبيات القديمة) 
و,20: قد سمحا في البداية بتصور أن الترك ليسوا غير أحفاد للطرواديين. وكان 
هذا الفرض يتماشى مع شعور الآخرية الذي استثاروه لأن المسيحيين قد تماهوا 
ضمنيّاء في هذه الحالة: مع اليونانيين. لكن هذا الفرض سرعان ما أصبح؛ على أي 
حال» غير متماسك لأنه» بحسب إنيادة فيرجيل؛ فإن الرومان؛ الذين تماهى 
الأوروبيون معهم مثلما تماهوا مع اليونانيين» كانوا منعدرين هم أيضنًا من 
الطرواديين. ثم إنه؛ في أشجار النسب المتملقة التي حرص أنذاك عدة أمراء 
أؤوو ونين على أن كله لهم» عادت أصول هؤلاء الأمراء إلى طروادة أيضاء الأمر 
الذي طرح مشكلة وجود قرابة تجمعهم بالترك (وهي تيمة سوف تظل من جهة 
أخرى حاضرة في العلاقات الدييلوماسية في قرون تالية). والحال أن الفسرض 
الطروادي؛ بما أنه يستتبع بالتأكيد مشكلات كثيرة؛ قد جرى هجره لصالح فرضٍ 
آخر فرض نفسه بصفه أنسب بكثير. وقد ظهر هذا الفرض الآخر في عام ١555‏ 
في بحث كتبه بندقي منحدر من أوبيه» هو نيكولو ساجوندينو» تحت عنوان 


ل <) اجتيا اح القصر الملكي في براغ من جانب البروتستانت ورمي ثلاث شخصيات من نوافذه. 50-5 
”5 


01 "ذاكوع اء 76أع 01 226 ومهدئ إلى أن ينيا سيلقيو بيكولوميني الذي سوف 
يستخدمه لحسابه. ونجد هذا الفرض الآخر من جديد فيما بعد؛ في عام 1574؛ في 
كتاب مرورط :0 0010 ه أجل 1 عل ه005 وااعل و1ره::ه:00): الذي كتبه باولو 
جيوقيو؛ حيث نقرأ: «مما لا شك فيه أن الأمة التركية تستمد أصلها من السكيثيين» 
المسمين اليوم بالتترء الذين يسكنون المناطق المعزولة وراء بحر قزوين»: قرب 
مجرى نهر القولجا»”". 

والحال أن إنسانويي الرينسانسء إذ قاموا (ضد كل حقيقة تاريخية) بربط 
الترك بسكيثيي العصر القديم؛ لم يفعلوا سوى مواصلة العادة البيزنطية التي سمت 
بالسكيثيين كل الشعوب العديدة التي جاءت إلى أوروبا من السهوب الروسية 
الحالية» وهو ما سوف ينطبق أيضنا على المغول والتتر في القرن الثالشدث عشر. 
وفي القرن الثاني عشرء نجد أن أن كومنين تسمى تركمان الجيوش السلجوقية 
ب«سكيثيي الشرق»» لكي تميزهم عن شعوب السهوب الأخرى. ويسميهم جورج 
تورنيك ب«السكيثيين الفرس» (أه(انوادهىعم). ويجب أن نضيف أنه يصفه 
هؤلاء الأخيرين بأنهم «يحيون متفرقين في خيام ويرتحلون عبر الأرض ويحومون 
كالصقور فوق الحقول»7". والعلاقة دياليكتيكية بين دمج الترك بالسكيثيين ورؤفية 
الأوروبيين للترك. ونجاح المماهاة يرجع إلى تناسبها مع الهمجية التي تُنَسَبُْ إليهم» 
في حين أن هذه المماهاة تقود بدورها إلى تطبيق خطابات الكتاب القدماء عن 
الهمج عليهم ومن ثم صوغ الصورة المكونة عنهم. 

والمعلقون يبرزون عدة براهين على همجيتهم: : فمقاتل الإخوة التي يرتكبها 
المطالبون بالعرش للتخلص من منافسيهم أو مقاتل الأبناء التي يرتكبها سلاطين 
منزعجون من أطماع أبنائهم (يجري التفكير في الإعدامات المدوية التي أمر بها 
سليمان ضد ابنيه مصطفى وبايزيد وذريتهما) تشير بالفعل إلى احتقارهم لكل 
نواميس الطبيعة والإنسانية. وهكذا فإن فرانشيسكو سانسوقينو؛ في كراساته عن 
الترك؛ يقدم قائمة بأسماء السلاطين المذنبين باقتراف جرائم كهذه تحت عنوان: 
السلاطين الذين قتلوا دمهم واغتصبوا السلطة7'). أمًا تعدد الحريم ورذائل 
أخرى, كاللواط الذي جرى تصويره على أنه جد منتشرء فهو علامة أخرى على 
حيوانيتهم. ويجري التشديد أخيرًا على جهلهم واحتقارهم للأعمال الفنية وخاصة 

2*2 


احتقارهم للكتب. وفي الرساألة التي وجهها لاورو كيريني؛ وهو بندقي من كريت» 
إلى البابا نيكولا الخامس» بعد وقت قضير من الاستيلاء على القسطنطينية؛ مؤرخة 
في ١5‏ يوليو/ تموز ١457‏ نعلم أنه في هذه المناسبة جرى تدمير أكثر من ٠‏ 
٠‏ مجلدء ما أدى إلى اختزال جهود قرون كثيرة إلى العدم. ومن هنا الاستنتاج 
الذي ذهب إلى أن الترك «شعب همجيء شعب عديم الثقافة؛ يحيا من دون قوانين 
أو أعراف محدّدة؛ بل يحيا في خمول وبداوة وتعسفء مفعما بالغدر والخداع»9 2( 

والتيمة المتناولة في هذه السطور تستعاد من جانب عدد من كتاب الرينسانس. 
ونحن نجدها من جديد عند مونتائي الذي يتحدث عن الشعوب التي ربيت «على 
احترام السلاح واحتقار الآداب». وسوف تتأبد هذه التيمة من دون تغير حتى 
الحقبة المعاصرة: فدين الترك والمسلمين عموماء بحسيهاء ليس مجرد دين زائف» 
بل هو مرادف للجهل والاحتقار المتشدد للعلم والفنون. والحال أن ما لم يكن بوسع 
العصر الوسيط طرحه من دون تحفظ في زمن ثقلت فيه المعارف القديمة» جزئيًا 
على الأقل؛ من جانب العرب إلى الغربيين؛ إنما يجري على العكس من ذلك التأكيد 
عليه من دون عائق» بمجرد ما أن أصبح انتقال المعارف يتم الآن في اتجاه واحد. 
والحاصل أن شاتوبريان» بين آخرين كثيرين» سوف يستعيد هذه التيمة في عام 
7 :؛ لكي يجعل منها واحذا من أسس كتابه رحلة من باريس إلى أورشليم: 
«الإسلام ديانة أحرقت مكتبة الإسكندرية» وتفتخر بدوس البشر وباحتقار الآداب 
والفنون احتقار!ا جسيمًا»”"). 

أما الصلة ببرابرة العصر القديم فيجري تأييدها في وصف الترك في 
المعركة. وقد رأينا أن الفتح العثماني كان؛: في الواقع» تدريجيًا وأنه اشتمل على 
إرجاءات وتمهلات وطوارئ ؛ وأنه قد حَتَمَ لدى القائمين عليه تنظيما وتكييفا تقائيا 
وأنه قد أعلى من شأن حصارات المدن وأنه: أخيراء قد اضطر أحيانا إلى الجمع 
بين قوة السلاح واللجوء إلى سياسة براجماتية قوامها المصالحة مع المغلوبين 
ودمجهم. لكن الرطانة تتستر على هذه الحقائق الواقعية لكي تنصبٌ بالكامل في 
قالب وصف غزوات الماضي الهمجية؛ مع النقل حرفياء عند الاقتضاء» من الكتاب 
القدماء. فنحن لسنا بإزاء شيء سوى قبائل اجتياحية وتحويمات جوارح كاسرة فوق 
الحقول وطوفان لا سبيل إلى مقاومته يجتاح كل شيء في طريقه. ومن المؤكد أن 

36 


متل هذه الأوصاف قد انطبقت بالفعل على الطابع الذي قد تكون ارتدته بعسض 
حوادث الفتح العثماني وخاصة على غارات الفرسان (الأكينجية) الذين تألف دورهم 
من تمهيد الساحة لوصول القوام الرئيسي للجيش» عبر إرهاب السكان. وقد كتب 
عنهم الجنوي يرومونتوريو دي كامييز فقال إنهم: « 2ل “«لهرمء وأ«رصم»م م«رمى 
أمااعتسج واسم مجؤزه علعجر تك أستتصم نط ,مجرمر» "١‏ (5). أمًا الصربي قسطنطين 
ميخايلوفيتش؛ فقد وصفهم على النحو التالي: «إن المغيرين الترك؛ أوائك الذين 
يتدفقون كسيول منهمرة؛ لا يتوقفون» بل يقومون» في كل مكان يوجهون فيه 
كرياكيم: بالحرق والنيب والغل: وتعيوية كل كنيع بالترزائح» بحيك إنه على وسلةأز: 
سنوات لن يعو الديك إلى الصياح في أي مكان مروا به»!*". 

وفي مثل هذه الاستحضارات لا تظهر سوى هذه الصور الصادمة عن 
سيرورة هي في الواقع أكثر تعقيذا. والحال أن نصوصا أخرى؛ كما سوف نرى 
ذلك؛ إنما تبر على العكس من ذلك براعة الجهاز العسكري العثماني في مجمله 
وتخصصات الوحدات المتنوعة المتبارية في تحقيق الكفاءة العامةء وك ذلك هيمنة 
النظام والانضباط. 

لكننا إذا عدنا إلى الصورة السابقة» فسوف نجد أن الهمجي معروف بوحشيته 
في الحربء بقدر ما هو معروف يطابع هجماته المباغت: فهو يُدْبَمْ يعدب بشكل 
مريع ويغتصب النساء والأطفال» ويختزل أسراه إلى الفرودية الأفند: قعيوة.. وهنو 
يبرهن بذلك على أنه ليس فحسب مختلفاء بل على أنه غريب غربة أصيلة عن “ 
الإنسانية. وهكذا فإن التركي الذي رأينا أنه جرى استخدامه كمقياس في مسألة 
الانحراف في المنازعات الدينية» هو بالمثل المعيار على مستوى الشر: فالمسيحي 
لا يمكنه وصم عدوه بالوصمة الكبرى إلا بإعلان أنه سيء كالتركي أو أسوأ منه. 

والحال أن عاقبة مزعجة لاتهام الترك بأنعدام الإنسانية إنما تتمثشل في أنه 
يصبح من المسموح به تعريضهم للمعاملات الشائنة التي يتم اتهامهم بأنهم 
يختصون بها خصومهم. وتطبيق نوع من قانون تاليون7) عليهم لا يضرح أي 
مشكلة أخلاقية. وهكذا فإن شهوذا يتحدثون من دون أن يرف لهم رمش عن 
(*) «إنهم قراصنة يريون, أناس يرتكيون الشر ضد المسيحيين». -م. 


(<) قانون «رالعين بالعين», - م. 
١ه"‏ 


تصرفات الجيش المسيحي في ترانسلقانيا خلال «الحرب الطويلة» المجرية: فلدى 
انتصار الراب في عام :١514‏ جرى رفع رأس الوالي التركي على رمح 
وعرضها على الملا في مكان مكشوف. وبعد استعادة موقع آلب - ريجال» جرى 
إرسال رؤوس عدد معين من القادة الترك المقتولين إلى الأرشيدوق ماتياس «ثم 
جرى عرضها للمبادلة في مقابل بضعة أسرى مسيحيين»7”). وبعد بضعة 
انتصارات أخرى» سيجري جمع «”7 رأسا لأتراك» ثم «14 رأسسنا تركية»97) 
بالأسلوب نفسه. ويمكن للتجاوزات التي تهدف إلى الترويع أن تقطع شوطا أبعد 
بكثير» إذا ما صدقنا رواية ترجع إلى عام 1515: «تعرض التتر والترك هذا العام 
إلى الهزيمة وقام القوزاق والترانسلقانيون ثلاث مرات بإجبار بضع نساء تتريات 
على شوي وأكل أطفالهن؛ وذلك لأجل ترويعهن ودفعهن إلى الهرب من المجر 
وردع الآخرين» بل وذريتهم القادمة» عن المجيء إلى هناء وذلك عبر المرويات 
التي سوف يروونها [ عمًا حذث لهن]» 9". 

على أنه فيما يتعلق بمسألة الحرب» فمن المناسب القيام بتمييز في أوروبا 
المسيحية بين شعوب شمالي وغربي القارة التي لم تر تركيًا أو مسلا قطء أَيّا كان» 
ولن تراه البتة - والتي يظل خطره بالنسبة لهاء مهما كانت رهبته» خطر! نظريًا أو 
خياليًا- والشعوب المعرضة دوماء في وسط أوروبا أو على ضفاف البحر 
المتوسط؛ لتَجَمن ال 7/ب/ء:/:714» ولأن يتخذ شكل غارات تدميرية أو 
احتلالات عسكرية أو هجمات قرصنة. وقد جاء في نشيد شعبي إيطالي قديم: 
«وده 1 مأأه االفاع اناي أأعيه 1[] ,50110 16نهطةتلقت هآ للدحه'أال تدر االى» 
(إلى السلاح! إلى السلاح! الأجراس تدْقء لقد وصل الترك إلى شاطئ البحر). 
وهناء فإن تمثيل الأعمال الوحشية التركية يصبح أكثر تحديذا وأكثر درامية؛ 
مصحوبًا في الوقت نفسه؛ في العالم الجرماني؛ بإحالات توراتية وإنجيلية قوية: هذا 
ظهور يأجوج ومأجوجء هذه بلية من الرب عقابًا للإنسانية وللألمان بالأخص على 
خطاياهم؛ بإيقاعهم تحت «النير الاستبدادي» ((عءمل ء«عئكنمم:ه دمك) وفي «عبودية 
الماشية» (ارزتء5 عرلععزراءان وذه). 

وقد بَيْنَ ف. شولزه كيف أن التركي لم يعد يُكتفى بتصويره؛ في 
الإمبراطورية الجرمانية وفي كل وسط أوروباء على أنه الكافر وعلى أنه الهمجيء 


(*) الرعب التركيء بالألمانية في الاصل, -م. 
ا 


بل جرى تصويره أيطنا على أنه العدو الوراثي [التاريخي] (5,5/2170) وعلى أنه 
خطر على النظام الاجتماعي(”). وهنا فإن بذل كل الجهود لمقاومته لم يعد يعني 
مجرد إنقاذ الديانة المسيحية أو محاولة تحرير أورشليم» بل يعني الدفاع عن الوطن 
(ال #مما!,1ه1) ضد عدو متعطش للفتوحات. لذا يكتب الكاثوليكي جانٍ باتيست 
فيكلرء خلال «الحرب الطويلة»؛ في نهاية القرن السادس عشر: «لو احتل التركي 
المجر أو غلبّهاء فلن تعود إيطاليا ولا ألمانيا آمنتين ولن يكون بوسع نهر الراين 
حماية فرنسا أيضنا»7). وليس الوطن وحده هو المعرّض للتهديد؛ بل كل فرد» في 
داره وأسرته؛ لأن التركي يخطف ويغتصب النساء والأطفال. 0 فإن الأمر 
لم يعد يتعلق بمجرد حرب مقدسة؛ بل بحرب عادلة وضرورية: ب! بل حيوية. 

ومن الواضح أن هذا الخطاب ليس مجانيًا. فهو يهدف كامة إلى إقناح 
المشاركين في الدايتات الإمبراطورية بالتصويت بالموافقة على الاعتمادات التي 
خصصتها ألمانيا لآل هابسبورج للدفاع عن المجر وكرواتيا. 

والحال أن الدعاية الرسمية» سواء كانت صادرة عن السلطات السياسية أم 
عن رجال الدين» كانت مضطرة أيضنا إلى الصراع ضد خطر آخرء خاص بالمشل 
بهذه الأقطار نفسها: «الغواية التركية» (ع71:8670/7:1). والمقصود بذلك هو 
الوهم الموجود في صفوف الطبقات الأفقر والأكثر تعرضنا للاضطهاد بين السكان 
بأن مصيرها قد لا يكون أسوأء بل ربما يكون أفضلء لو أصبح الترك سادتها 
الجدد. وإذا لم يكن هؤلاء المضطهدون كاثوليك؛ فقد كان من الوارد أيضنا أن 
يفضلوا الترك على رجال الدين التابعين لياباوية روما واه و11 عه 
7ع /ئز65. وفي هذا السياق» فإن الترك لم يعودوا مميزين فقط بالكفر المنسسوب 
إليهم؛ بل إن هذا الكفر قد أصبح ثانوي الأهمية نسبيًا. وهنا نجد أن المسار الذي 
سار فيه «المرتدون»؛ على امتداد التاريخ العثماني» بصفة فردية ولدوافع متبايئنة» 
قد أصبح موقفا جماعيّاء يدفع اليس إليه. والواقع أن فيلتقيك» أحد رسل شارل 
الخامس إلى السلطانء إنما يؤكد الوجود الواقعي لمثل هذه المواقف؛ عندما يخبر 
عاهله بما عاينه خلال اجتيازه المجر: «إن فلاحي المجر يمتدحون بإعجاب معاملة 
[الترك لهم]ء ويشون بسادتهم عند الترك»7”“). وقد عاود الظهور صدى للظاهرة 
نفسها في أواخر القرن» في موعظة من الراعي الديني سالومون جيسنر لرعيته؛ 


6 


ألقاها في فيتنبرج في عام :١15417‏ «لقد سُمعت هنا شكايات كثيرة وإعرابات كثيرة 
عن السخط من أنكم لم تدعوا أنفسكم تهجرون هذا الرأي الذي يذهب إلى أنكم قد 
تحيون بقدر أقل من المشقة أو من دون أي مشقة في ظل جنس كلاب المسلمين 
هذاء ولو منحتكم الفرصةً هذا الخيارء فمن الذي يعلم ما الذي قد تقدمون عليه 
وتغامرون بالإقدام عليه؛ تحت تأثير الحماقة وغواية الشيطان اللعينة». 

كما أن الانحياز إلى السلطان لم يكن مستبعذا في بعض الأوساط الإيطالية: 
سواء كان مدفوعا هنا أيضا ب«غواية السراب التركي» أو بشكل ما من أشكال 
الابتزاز. ونحن نرى ذلك لدى أنصار الاستقلالية الجماعاتية القروسطية ضد 
الاتجاهات المركزية لباياوات عصر الرينسانس. وهكذا أعلن نائبّ لمدينة راقينا في 
مستهل القرن السادس عشرء للقاصد الرس ولي الياياويء الكاردينال حول دي 
ميديتشي: «يا صاحب النيافة» لو وصل الترك إلى راقينا فسوف نستسلم لهم». 


طاغية الترك 

بما أن الوهم موجود بالفعل وبما أنه لم يجر تفاديه إطلاقًا 69,مفمم + من باب 
الاعتراضص الدينيء فإن من المهم تبديده بتقديم صورة عن النظام العثمائي تكون 
الصورة الأكثر تتفير! قدر الإمكان: إن رعايا السلطان يحكمهم طاغية مروعٌ 
ودموي يعتبرهم عبيدًا له وله عليهم حق الإيقاء على حياتهم أو إماتتهم. وسوف 
يعلن جورج ميليوس» وهو واعظ آخرء مخاطبًا مستمعين أخرين: «إن جميع 
الرعايا في تركيا عبيد» أحلاس حقيقيون لا يمكنهم الحصول البتة على أبسط قدر 
من الحرية وحقوق البورجوازية»7"). 

أمّا الواعظ جورج شيرير فهو يقوم» بين نقاد آخرينء بتوجيه الخطاب؛: هذه 
المرة» إلى صغار النبلاء الذين قد يجدون إغراءًء هم أيضناء في الانحياز إلى 
الترك؛ مقارنا موقف القيصر والأمراء الألمان الآخرين ذوي السيادة والذي يتميز 
بحسن الالتفات إلى نبلائهم بمسلك السلطان حيال مساعديه: «ليس للتركي من صبر 
طويل عليهم؛ بل إن من شأنه؛ لدى أدنى زلة» أن يأمر بالإطاحة فورًا برؤوسهم 
بالحربة»7”). 


(*) بشكل قبليء باللاتينية في الأصل. - م. 


وهذه الفكرة التي تذهب إلى أن الانفصال بين المسلمين والمسيحيين قد لا 
يكون بالضرورة جذريًا إلى هذا الحد على مستوى الدين والأخلاق» لكنه قد يبقى 
مع ذلك على مستوى المفاهيم السياسية حيث قد تكون الهوة؛ هذه المرة» غير قابلة 
للتغلب عليهاء إنما تجد تعبيرا رائعًا عنها في عمل مجهول المؤلف في العصر 
الذهبي الإسباني» تسئة محل خلافى» عنو انه 1و :1 02 ءزه]17» كتب في /ا66١1‏ - 
لمعه 591 )), 

والحال أن العمل مؤات للإسلام بالقدر الذي يسمح به أدنى قدر من التعقل. 
فأحد الشخصيات يعلن فيما يخص المسلمين: «خلال رحلاتي؛ لم أصادف البتة 
قوما أكثر تمتعًا بالفضائل منهم وأظن أننا قد لا نجد أحذا على شاكلتهم في الهند 
[...]؛ إذا نحينا جانبًا الإيمان بمحمد: إنني أعرف بالفعل أن الترك سيذهبون كلهم 
إلى جهنم؛ لكنني إنما أنظر إلى الأمور هنا من زاوية القانون الطبيعي فقط»29). 

وتقوم شخصية أخرى بإعفاء الترك إعفاء قاطعًا من تهمة الهمجية: «أمؤلاء 
هم الناس الذين نعاملهم على أنهم همج؟ نحن بالأحرى الهمج إذ نحكم عليهم حكمًا 
كهذا»7”*). 

لكن شجب النظام هوء في ألوقت نفسه» شجب نهائي: «تركيا شعب من 
العبيدء خاضع بالكامل لرئيسه؛ التركي الأكبر»7 ): إننا بإزاء تشخيص وحُكم 
حاضرين حضورً كليًا في 6م2ه// البايليين من البندقية إلى القسطنطينية؛ على 
الأقل اعتبارا من أواخر القرن السادس عشر وفي القرن السابع عشر. واعتبارًا من 
عام 21570 يجري دمغ الحكومة العثمانية على نحو حاسم بأنها مءنروصععه()(". 


الجهاد والغزو في أورويا 
مع هذه التمثيلات المسيحية التي تطرح فكرة استحالة التوافق بين المسلمين 
والمسيحيين لأسباب تتجاوزء كما رأينا للتوّء المستوى الديني بشكل محدّدء تتطابق» 
على الجانب المسلم» رؤية ليست أقل تناحرية. فالإسلام؛ على الأقل اعتبارا من 
تفصيلاته الفقهية في القرنين الثامن والتاسع» يقدم صورة ثنائية القطبية للعالم تضع 
(*) تقارير. -م, 
(*) استبدادية. - م. 


مه" 


«دار الإسلام» في مواجهة «دار الحرب». وواجب الملوك وجزء على الأقل مسن 
رعاياهم هو توسيع دار الإسلام على حساب دار الحرب» بخوض حرب مقدسة؛ 
الجهاد» أو الغزو؛ بحسب مصطلح واسع الاستخدام لدى العثمانيين» ضد الكفار 
الذين لم يذعنوا بعد للإسلام. فالواقع أن قر الإسلام» من الناحية الافتراضية على 
الأقل؛ هو الانتشار في العالم كله أوء بشكل أدق» بحسب المفاهيم الكوزموجغرافية 
السارية آنذاك» في «الربع المسكون» من هذا العالم. ذلك هو الأفق المسياني الذي - 
يتجه إليه. ومن ثم فلا مكان هناك» من الناحية النظرية:؛ لتعسايش سلمي بين 
المسلمين والكفار الحربيين» يسمح ببقاء متواصل للعالم المسيحي. . ومن الوارد عقد 
هذن مؤقتة بين المسلمين والمسيحيين» إلا أن من غير الوارد البتّة قيام «سلام 
ذا 

والحال أن العثمانيين» بحكم موقعهم الأصلي في تخوم حدودية مواجهة 
لبيزنطة وبحكم أن دار الحرب الأوروبية قد منحتهم؛ في مرحلة أولى على الأقل؛ 
أفضل الفرص لتوسعهم؛ كان من الطبيعي تمامًا أن يميلوا إلى تشريف واجب 
الجهاد هذا أو؛ إذا ما استخدمنا تعبيرا صاغه المؤرخون المعاصرون بشأنهم؛ 
تشريف «إيديولوجية الغزو» هذه (التي كان أمراء مسلمون آخرون ظروفهم أقل 
مؤاتاة قد قاموا على العكس من ذلك بحجبها). والحال أن منح هذا الاسم لنشاطهم 
في مجال الفتح كان بالنسبة لهؤلاء القادمين من تخوم العالم الإسلامي أفضل وسيلة 
لكسب الشرعية في نظر بقية العالم الإسلامي. ولدى الاستيلاء على القسطنطينية؛ 
في عصر لم يكن المماليك قد فقدوا فيه بعذ هيبتهم وتفوقهم الرمزي» حَدَدٌ محمد 
الثاني الشاب - في منشور انتصار موجه إلى السلطان المملوكي الملك الأشرف 
إينال»؛ حامي أماكن الإسلام المقدسة - مكانه الخاص إلى جانب «ذلك الذي يتحممل 
العبء الموروث عن أبيه وأجداده في إحياء شعيرة الحج إلى مكة من جديد»: بينما 
كان محمدء فيما يخصهء «ذلك الذي يتكفل بتجهيز الرجال العاملين على الغزو 
والجهاد»”'). وفي مكان آخرء سوف يقدم محمد الثاني نفسه بوصفه «سيد الغزاة 
والمجاهدين». أما الإخباريون فهم يسمونه على نحو منتظم ب«غازي الغزاة»», 
نصير الحرب المقدسة» إلخ. 


1" 


والحال أن هذه المفاهيم لن تكف البتة عن الحضور في الخطاب الرسمي 
العثماني. وأعضاء السلالة الحاكمة لا يسمون أنفسهم فيه بملوك شعب أو دولة 
خاصة: فهم ياديشاهات الإسلام» الذين يتصرفون باسم كل المسلمين. وجيوشهم؛ 
بحسب صيغة مكرسة أخرىء؛ هي «العساكر المنصورة الإسلامية» (عساكر إي 
منصوره إي إسلامية). ودولتهم هي «الممالك المحروسة الإسلامية» (ممالك إي 
محروسة إي إسلامية)؛ إلخ. وخصمهم يسمى قبل شيء بالكافر» قبل تحديد .البلد 
الذي ينحدر منه من بين البلدان الكافرة (البندقية؛ المجرء البرتغال...): إذا ما جرى 
تحديده أصلاً (هذا التحديد غير موجود دوماء عند الحديث؛ مثلأء عن الصراعات 
مع البرتغاليين في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي). وبحسب الأعراف نفسهاء 
فإن مصطلح الكافر (الكفار في صيغة الجمع) سوف يكون مصحوبًا دومًا بصفات 
قادحة» بل مهينة» متناغمة سجعيًا مع الموصوف الملصقة بهء بحيث يكون التعبيير 
أكثر قدخا: فالكفار يستحقون الاحتقار (كفار إي حقسار) ؛ وتصرفهم سيئ (كفار 
بدجردار) ؛ وهم مفعمون بالخداع والاحتيال (كفار حيله كار) ؛ وهم يحملون 
علامات المهانة (كفار مذله آثار) ؛ وهم في ضلال (كفار ضلاله شعار)؛ إلخ. 

والحال أن كمية من الوثائق الرسمية العثمانية» وكذلك مرويات الإخباريين» 
إنما تفسح مكانا واسعًا لهذه اللغة التي تَحَدّدْ كهدف ذي أولوية للسلطان خوض 
الحرب ضد الكافر (أو الزنديق) وفتح أرضه وابادته إذا أبدئ مقاومة وإخضاعه 
وإذلاله إذا استسلم. وكلما أدعى النص تمجيد عظمة سلطان» فإنه سوف يلجأ إلى 
المبالغة التدينية والحربوية» بل الدموية» في آن واحد. ونقوش الإهداء على النصب 
التذكارية وألقاب السلطان المستفيضة ومنشورات الانتصار (فتح نامه أو فتحي 
نامه) ورسائل التهديدات (تهديد نامه) وديباجات الأوامر المهيبة؛ هي المواقع 
المميّزة لهذه الكلامولوجيا. ويتبارى الكتاب هنا في الجهبذة الإسلامية والبراعة 
الأسلوبية. وإليكم؛ على سبيل المثال» بأي لغة يخاطب سليم الثاني (كاتبٌ في ديوانه 
بتعبير أدق) أحد ولاته؛ بيليربك مصرء في ديباجة أمر صادر في عام ١618‏ 
يطلب منه دراسة إمكانية حفر قناة في برزح السويسء بهدف تسهيل مرور السفن 
المرسلة ضد البرتغاليين وشيعة اليمن المتمردين. إن البلاغة هنا ملحوظة تماماء 
لاسيما أن السلطان يخاطب هنا «لأجل الاستخدام الداخلي» واحذا مسن مرؤوسيه؛: 


باه ؟ 


حتى وإن كان رفيع المرتبة: «في سالف الزمان» كان أجدادي الأماجد وأسلافي 
الكرام الذين انتموا إلى أسرتنا الحاكمة الطامحة إلى الجهاد وإلى سلالتنا المكتقوب 
لها النصر - أنار الله قبورهم!- قد كَرسوا أيامهم المنذورة للتصرء وكل لحظاتهم: 
سعداء بنتيجته» للجهاد والغزو. وقد فتحوا وأخضعوا عدذا من الأقاليم والأراضيء 
شرقا وغرباء بحربتهم التي تجلب النصرء مُخلّصينها من الشرك والضلال (شرك 
وضلائه) وضموها إلى أراضي العثمانيين المحروسة»9). 

ثم إن المسودة المكتوبة بلغة فارسية والمزدانة بمقتطفات عديدة من القرآن» 
والتي كتبها كاتب من كتاب الديوان أو من جانب جهبذ يعوزه الفوز بالخطوة؛ لكي 
تستخدم في كتابة فتح نامه احتفالا بانتزاع كافا من الجنويين في عام ©21417؛ إنما 
تعد في الذائقة الفارسية؛ قطعة أدبية بارعة أكثر إثارة للدهشة بكثير(:. 

فالحملة يجري تصويرهاء في هذا النصء» بوصفها قد تمت بموجب إشارة 
الآية: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله ت» (القرآن 2 : 4). أما 
قائد الحملة» الصدر الأعظم جيديك أحمد باشاء فقد أصبح «القائد الملهم؛ مدمر 
قاعدة المخربين بثاقب فكره وحدة حربته». ولدى إقلاع الأسطول؛ فإن «دوي 
أصوات سكان السماء [الملائكة]؛ الذين كانوا يتلون الآية: «وقال اركبُوا فيها بسنم 
الله مجْراها ومرساها» (القرآن )4١ : ١‏ انتهى إلى سمع سفن الجهاد وسمع 
سكان مملكة الجهود الشجاعة». وبمجرد الاستيلاء على كافا» فإن مغزى هذا 
الانتصار إنما يجري تحليله بهذا الشكل: «إننا نخنق شريعة الاستيداد ونمسح من 
على وجه المرآة الظلمات بجلاء سيوفنا التي تحتوي مسامها النجدة الإلهية. لقد 
كرسنا أنفسنا لرفع بيارق الشريعة الساطعة لمحمد - عليه أفضل الصلوات وأتم 
السلام- كما للاندفاع نحو تقدم أمة النبي الرائعة». 

وبعد كافاء نجد أن الحصون الأخرى في جنوبي القرم قد سقطت بدورها 
وهكذا فإن كل «الجزاريا الجنوية» القديمة هي التي تنتقل إلى أيدي العثمانيين» وهو 
ما يقترح مشروع المنشور الخاص بالفتح صوغه على النحو التالي: «إن العروس 
الشابة التي هي هذه المملكة كانت منذ يوم البعثة المحمدية وحتى اليوم قد لفت 
قوامها السمهري بالثوب الذي ألبسه الكفار إياها بالقوة إتلميح إلى حقيقة أن 
الجزاريا لم تكن قط مسلمة» منذ الدعوة الإسلامية]. وقد ازدانت بالحرير الجميل 
للدين الظاهر». 

ممه ؟” 


ولن يكون من الوارد الحديث في أي مكان فسي نص كهذا عن دوافع 
استراتيجية واقتصادية محتملة لهذا التقدم العثماني في البحر الأسود: فكل شيء في 
هذا النص إنما يجري تمثيله باللغة الدينية الأكثر مانوية. 

والحال أن الاستيلاء على حصن سيجيتفار» خلال الحملة الأخيرة لسليمان 
القانوني التي يقضي نحبه فيها في عام 1515؛ إنما يلقى التفسير نفسه في منشور 
الانتصار الذي يوجهه ابنه؛ سليم الثاني» إلى طهمسبء شاه إيران» وإن كان قلم 
الكاتب أقل زخرفة: إن سليم يعلن أن أباه «كان قد خرج لخوض غزوة مجيدة ضد 
المسيحيين» بحسب عادته وممارسته القديمة [...]. وقد زف وشن هجومًا على 
الكفار العنيدين الذين كانوا يضايقون المؤمنين متسببين من دون توقف في إلحاق 
الأضرار وأعمال التدمير في بلدان الإسلام»". 

وعندما يقوم بعض السلاطين فيما بعد باستعادة تراث أسلافهم بالوقوف على 
رأس جيوشهم؛ فإن نجاحاتهم؛ حتى أقلها أهمية» سوف يجري تصويرها بالمثشل 
على أنها انتصارات للإسلام على الضلال والكفر. وسوف تكون تلك حالة محمد 
الثالث؛ خلال حملة إيجير في عام 1537. وقد حرص من جهة أخرى؛ في اللحظة 
الأكثر حرجا خلال معركة كيريستيس» على أن يرتدي؛ كتميمة»؛ بُردة النبي» الأكثر 
قدسية ضمن الآثار المحفوظة في قصر طبقابي. وبالمئل فإن فتح كامينيتش - 
بودولسكي من جانب محمد الرابع في عام ١177‏ قد عاد على هذا الأخير بتسميته 
«أبو الفتح» على غرار جده محمد الثاني» وبأنه «هادم بئيان الكفر والضلال» (كفر 
وضلال بونيانينين هادمي). 


البحث عن التفاحة الذهبية 
إذا كان الصراح بين العثمانيين والدول الأوروبية قد ترجم رسميًا بالفعل في 
لغة التناحر الدينيء فإن هذه القراءة ليست مع ذلك حصرية. وكما أن المسيحي» في 
محاربته التركيء لم يكن فقط يهاجم الكافرء بل الهمجي والغازي ببساطة؛ فإن 
الجهاد لم يكن الدافع الإيديولوجي الوحيد (حتى لا نتحدث هنا عن دوافع ملموسة 
أكثرء استراتيجية واجتماعية- اقتصادية» تدخل في الحسبان) الذي دفع قوات 
السلطان صوب الغرب. فبشكل موازء كانت هذه الحركة مدفوعة بأسطورة لم تكسن 
4" 


متناقضة مع الدافع الإسلامي الذي كان من الوارد أن تجتمع معه أحياناء وإن كانت 
مع ذلك متمايزة عنه. 

فجيوش السلطان قد انطلقت بحدًا عن التفاحة الذهبية (أو التفاحة الحمراء). 
وكانت هذه الثمرة الخرافية رمز المدينة التي يتعين فتحها وكانت في نهاية المطاف 
رمز المدينة الأخيرة التي من شأن امتلاكها أن يعني أن هذه الجيوش قد أنجزت 
مهمتها وأن من شأن سلطانها أن يمارس منذ تلك اللحظة فصاعذا السيطرة العالمية 
التي يصبو إليها. وهذه التيمة مبينة بشكل واضح في النص الذي يعد أقدم شاهد 
عليهاء على الجانب العثماني: حياة ساري سلتوك («سلتوك نامة»)؛ البطل شبه 
الأسطوريء ولي الفاتحين الترك الأوائل لأوروبا الشرقية؛ وهو كتاب من تأليف 
أبو الخير الرومي كتبَهُ بطلب من الأمير جم؛ ابن محمد الثاني. ويرجع المؤلف إلى 
عام ١ء‏ لكن أقدم مخطوط محفوظ يرجع إلى .1511-151٠0‏ والواقع أن 
فقرة تتحدث عن حلم للسلطان المجيد مراد الأول )١1584-157(‏ بالشكل 
التالي: «رأي مراد خان الغازي في حلم في إزنيك سيدنا الرسول [محمد] - عليه 
السلام!-, فقال له الرسول: «اذهب إلى مدينة إدرنه» إنها وطنكء؛ موقع الغزاة 
وبوابة النصر ودار الفتح. ومن هناك فأيًا كان المكان الذي قد تتجه إليه» سيكون 
الفتح والنصر لك ؛ ستكون في موقع قوة. من هناك سوف تفتح الشرق والغرب» 
الشمال والجنوبء؛ الأركان الأربعة وكذلك البر والبحر. سوف تغلب كل من 
يسكنون هذه الأرض وسوف تأخذ هذه الأماكن. من هناك»: ستزحف أكثر وسوف 
تستولي ذريتك أيضنًا على التفاحة الحمراء. وسيكون العالم كله خاضعا لك»7").» 

والحال أن نصوصنا لاحقة عديدة إنما تشهد على قوة وشعبية الرمز. وبحسب 
عصور ومراحل الفتح العثماني؛ تتطابق مدن مختلفة تطابقا ملموسًا مع الهدف الذي 
ترمز إليه التفاحة الذهبية. لكن ما يدعو إلى الاستغراب أن المدينة الأقدم إشارة 
إليها والتي سوف تظل» فيما بعده موضع إشارة إليهاء ضمن مدن أخرى؛ هي 
كولونيا. وفي مخطوط سلتوك نامه الذي أسلفنا الإشارة إليه؛ لا تذكر كولونيا 
بالاسم؛ لكن الحديث يدور عن مدينة من الوارد أن تنطبق أوصافها بالفغعمل على 
المدينة الرينانية: «وصلوا إلى أماكن مزدهرة مجاورة للمجر وألمانيا وآيوروسابور 
[أوجسبورج؟] ؛ ووصلوا إلى مدينة عظيمة حيث توجدء داخل حصنء كنيسة كبيرة 


5356 


كان بابها مغلقًا. وفي الأعلى؛ على قبتهاء استندت كرة ذهبية ؛ كانت على هيئة 
تفاحة ذهبية حمراء. عندئذ تكلم الشريف ساري سلتوك فسأل: "ما هذه؟". فأجابوه: 
"إنها تَسَمّى التفاحة الحمراء'». 

وهذه الإشارة إلى كولونياء وهي إشارة غريبة بقدر ما إن هذه المدينة لم تلعب 
دوراء في أي لحظة» في الفتح العثماني» إنما تحيلنا على الأرجح إلى المسألة 
المراوغة والتي كانت مثار جدل لوقت طويل: مسألة أصل الأسطورة. وقد جرى 
البحث عنه ورده إلى بيزنطة. والواقع أن الكرة النحاسية المطلية بالذهب والتي 
تمسك بها اليد اليسرى لتمثال جوستينيان الفروسيء والمنتصب على رابية أمام 
كنيسة آيا صوفياء كان من الوارد أن تكون نموذجا للتفاحة الذهبية؛ لاسيما أن هذه 
الكرة كانت تفسسْرْ على أنها رمز لسيطرة الإمبراطور العالمية. لكن الأكثر أرجحية 
بكثير هو أن نبحث عن هذا الأصلء كما فعل ذلك ستيفان ييراسيموس» في 
أسطورة من أساطير الغرب في العصر الوسيط مسؤولة تمامًا عن الإشارة إلى 
كولونيا. فإلى كولونيا في واقع الأمر أمَر الإمبراطور الجرماني فريديريك 
بارباروسا بنقل أثار الملوك المجوس من ميلانو» في عام .1١514‏ وقد تشكلت حول 
هذه الآثار أسطور َ نجد أقدم ذكر لها قفي 00 كبن تمصبم «مبيعوء< «ميما مك هذا 
كذاه | :وهام الذي كته يوهانس فون هلدسهايم نحو عام ١٠7؟١.‏ ويحسب 
هذه الأسطورة: فإن الإسكندر كان قد صنع كرة ذهبية بصهر الذهب من ضريبة 
إمبراطوريته وإن هذه التفاحة هي التي يقدمها ملشيور للطفل يسوع. وهذا الأخير 
ينفخ فيها ويحولها إلى تراب. على أن آثار المجوس تحتفظ مع ذلك بالقوة الروحية 
التي كانت التفاحة تحتويها في البداية. والحال أن هذه القوة» وقد انتقلت إلى كولونيا 
مع الآثارء إنما تكمن من الآن فصاعدا في هذه المدينة» حيث يمتلكها الأباطرة 
الجرمان الذين يحسنون استخدامها في تنافسهم مع أباطرة الشرق. وهكذا فقد يكون 
أصل تفاحة الترك الحمراء»؛ ليس كرة جوستينيان الذهبية» وإنما ال اترمهكىاء:86 
في كولونيا. ومن جهة أخرى فإن التفاحة؛ الرامزة منذ البدايةء كما رأيناء إلسى 
كولونياء لا ترمز البتة» في المرويات التركية» إلى القسطنطينية0”. إلا أننا يجب 
أن نضيف أن ال /##بره:/:86 لم تصبح كيزيل إلما إل بكثير من التغييسرات 
والتكييفات التي تطرح بدورها أسئلة معقدة عن الأصل. 


>55 


ويجب أن نلاحظ أيضنا أن كولونيا المشار إليها في المرويات العثمانية لا 
تعودُ المدينة الفعلية لنقل الآثارء فهي تصبح مدينة نائية وغامضة (تقول إحدى هذه 
المرويات إنها «في الجزء الهابط من الأرض»)؛ وهو ما يتماشى مع الطابع 
الأخروي للأسطورة. وسوف يرمز الفتح الأخير بالفعل إلى نهاية التاريخ. ولذا 
فمن المناسب الإبقاء على لغز معين أوء على الأقل؛ غموض معين بشأن ماهيته. 
ويتساءل بارانياي ديكسيء الشاعر المجري في أواخر القرن السادس عشر: «ما 
التفاحة الحمراء؟ لا أحد يعلم . .. الربٌ والزمان وحدهما هما اللذان سيجيباننا»؟. 
إلا أنه حين كانت الإجابات تَقَدمْ فقد كانت تتوافق دومًا - إذا ما تركنا كولونيا 
جانبًا- مع مدن كانت أو تظل؛ على امتداد التاريخ العثماني؛ أهدافا للفتح: بوداء 
قيينا» روماء لكنها تتباين بحسب الكتاب» ومن الوارد أن يقدم الكاتب الواحد عدة 
إجابات عن السؤال. ولدى الرحالة العظيم في النصف الثاني من القرن السابع 
عشرء أوليا جلبي - الكاتب العثماني الذي يفسح أوسع مكان لهذه الأسطورة؛ ربما 
ارتباطا ببطء الفتح التركي في عصره-» نجد عدة «تفاحات حمراء». وفي فقرة 
من مرويته جد الضخمة للرحلة؛ يشير إلى اثنتين. والأولى هي «تفاحة ثيينا 
الحمراء» (بيتش كيزيل إلماسي)؛ وهي مدينة يزورها شخصيًا في عام ©2157 في 
معية سفير عثماني؛ وهو يتنبا بأنها سوف تكون موضع حصار إسلامي ثان من 
9 إرغام القييناويين على الصلح. أمّا الثانية فهي «تفاحة روما الحمراء» (إيريم 

يا كيزيل إلماسي) التي تقول النبوءات إن من شأنها أن يفتحها العثمانيون هي 
0 ى (الكتاب السابع). وفي مكان آخر من مو ؤلفه (الكتاب السادس).؛ يتحدث أوليا 
عن ست «تفاحات حمراء»: كان العثمانيون قد استولوا بالفعل على أربع منها: بودا 
وإيجير (إيرلاو) وإيسترجوم وستونيبلجراد (سيكيسفيهيرقار) ؛ أمّا الاثنتان الباقيتان؛ 
قيينا وروماء فهو يقول إنهما سرعان ما سيتم الاستيلاء عليهما”ك”. 

وفى طقوس تنصيب السلاطين العثمانيين الجددء كان أحد الطقوس يشير إلى 
التفاحة الحمراء وكان يُظهرها على ما هي عليه: صياغة إيديولوجية للفتح ذات 
مرجعيات خارج إسلامية. فالسلطان الجديد؛ لدى عودته إلى قصره من حرم أيوب 
حيث كان قد تمنطق بحربة رمزية» أمام قبر حامل بيرق النبي» قد توقفف أمام 
ثكنات الإنكشارية القديمة» في مواجهة مسجد شهزاد. وهناكء نجد أن السلطان 
الذي من المفترض أنه قد أصابه العطش جرّاء الرحلة الطويلة» قد حصل من قائد 


557 


الوحدة الحادية والستين على ما يبل ريقه على شكل كوب من الشراب المثلج. وقد 
رفع الكوب إلى شفتيه ثم أعاده إلى حامل حربته الذي أعاده إلى القاقدء مملوءًا 
بقطع ذهبية. وعندئذ استأذن الياديشاه من الإنكشاردٍ ية قائلاً هذه الكلمات التي تعنسي 
التعهد بقيادتهم إلى فتوحات جديدة: «سنلتقي من جديد عند التفاحة الحمراء» (كيزيل 
إلماعدا جوروشوروز) 0). 

والحال أن الأسطورة التركية عن التفاحة لجرا إذ عرفت في الغرب (الذي 
عادت إليه؛ باختصار) قد لقيت هناك شكلاً معدلا ومشؤها قلَب معناها. والواقع أنها 
تظهر في الكتاب الأشهر والأوسع انتشارًا عن «النبوءات التركية»؛ وهو الكتاب 
الذي نشره في عام ١٠١45‏ الدالماتي بارتولوميوس جورجيئيتش (بارتول 
جورجيفيتش7”""). والحال أن هذا الأخير كان قد وقع في الأسر في موهاكس في 
عام ١575‏ وظل في الأسر عند الترك نحو عشر سنوات. وفي واحدة من الكتابات 
التي كتبت بعد الإفراج عن معاء لها ونع ةا 10ذأء1/10:تا 1017(« ذاهل» يقدم نص 
نبوءة يزعم أنها رائجة لدى الترك؛ وهو يفعل ذلك عبر نقل صوتي للغة التركية» 
الأمر الذي يخلع على النص بصمة صحة أصلهء مرققا إياه بترجمة لاتينية وتفسير 
قصير. وفي ختام هذه النبوءة» نجد أن الباديشاه يستولي بالفغعمل على التفاحة 
الحمراء؛ لكن هذا الامتلاك لها ليس إلا امتلاكا جد محدود في الزمان» فهو سيدوم 
سبع سنوات» إذا ما حدث رد فعل من جانب الكفار. أمّا إذا تأخر ردٌ الفمل هذا 
قليلاً» افسوف يدوم إلى نحو اثنتي عشر سنة. إلا أنه بعد هذا الأجل «سوف تطرد 
الحربةٌ المسيحية التركي». والحاصل أن جورجيفيتش يقول» مقا في تفسيره؛ إن 
التفاحة الحمراء «تشير إلى مدينة ة إمبراطورية ما عظيمة الاتساع والشهرة» وإن 
هناك خلافا بشأن هوية هذه المدينة. وبالمقابل» فإن الفروض التي ينسبها إلى 
أطراف الخلاف لا تتطابق على نحو دقيق مع أسماء المدن الواردة في المرويات 
العثمانية [للاسطورة]. فهو يزعم أن «هناك من يرون أن المقصود بهذا الاسم هو 
مدينة القسطنطيئية (هي» على العكس من ذلك؛ مستبعدة؛ كما رأينا ذلك؛: في 
المرويات العثمانية) ؛ لاسيما أنها تفرأ في كتبهم بشكل مزدوج؛ أي كوسول إلما 
وأورومي باياي ؛ حيث تعني الأولى «التفاحة الحمراء» ؛ وتعنسي الأخرى 
«الكاهن» أو «البطريرك اليوناني» ؛ لاسيما أن اليونان كلها كانت خاضعة سابقًا 
للإمبراطورية الرومانية.». 


1 


ولا تعوزنا المحاجات لاستنتاج أن هذه النبوءة التركية هي في الواقع نبوءة 
مختلقة - حتى وإن كانت تتضمن أسسًا حقيقية. إنها ليست سوى نبوءة مزعومة 
يبدو أنه قد جرى اختلاقها بهدف جلب الطمأنينة من خلال الإعلان عن الانتصار 
النهائي ل«الحربة المسيدية»» وهو أفق يتعارض تماما مع أفق الأسطورة الرائجة 
عند الترك. ومما لا مراء فيه أن ما انطوى عليه نص النبوءة من طمأنة للجماعة 
المسيحية هو السبب في أنه سيلقى نجامًا عظيماء ليس أقل من ثلاث وعشرين 
طبعة مُحصة بالنسبة للفترة الممتدة من عام ١557‏ إلى عام 1٠٠١‏ واثنتين 
وثمانين طبعة بالنسبة للفترة الممتدة من عام ١644‏ إلى عام 201545 


فكرة أوروبا أم فكرة روما؟ 

سواء تعلق الأمر بدمج التفاحة الحمراء ببلدان الإسلام المحروسة أم بقطفها 
هناك: هل كانت أوروبا تحديذا هي التي طْمَحَ العثمانيون إلى فتحها؟ إن طرح 
السؤال إنما يعني التساؤل عن موقع هذه الفكرة الجغرافية في رؤيتهم للعالم. 
والحال أن هذا الموقع جد محدود. وكلمة آوروباء بالتركية؛ لاحقة ومشتقة من 
المصطلح الغربي. ًا المصطلح العربي الأسبق» أوروفاء فهو موجود بالفعل» لكنه 
قليل الاستخدام. والواقع أن العثمانيين» وهم ورثة للجغرافيا اليونانية كعرب العصر 
الوسيط» قد احتفظوا من هذه الجغرافياء على غرار سابقيهم؛ ليس بتقسيم العالم إلى 
قارات؛ بل بالنسق البطلمي الذي يقسمه إلى سبعة «مناخات» (أقاليم» بالعربية)» أي 
إلى رقع مستطيلة ممتدة بين القطب الشمالي وخط الاستواء. وفي هذه الظفروف؛ 
فإن الانتماء أو عدم الانتماء إلى منطقة ما في أوروبا ليس بالنسبة لهم معيارا 
مُقَرٌراء مثلما لم يكن معيارا مَقْرّرًا بالنسبة للإغريق والرومان. وفي المقابل فإن 
فكرة أخرى؛ وهي فكرة جيوساسية» إنما تعد أساسية: فكرة الروم؛ أي 
الإمبراطورية الرومانية. والحال أن هذه الإمبراطورية» المتمحورة على حوض 
البحر المتوسط (71051/7/71 )م كانت حاضرة على ثلاث قارات» من فون أن 
تقتصر على أي واحدة منهاء حتى وإن كانت عاصمتها قد وجدت بالفعل في 
أوروبا. وفي الجغرافيا العربية الكلاسيكية؛ فإن اسم الروم كان قد أعطيْ بشكل 
أخص لجزء من آسيا الصغرى؛ غرب الخط الذي يتحدد بسلسلة جبال طوروس 


5353 


ووادي الفرات الأعلى؛ وذلك لأنه شَكُل الحدود بين بيزنطة والإمبراطورية 
العربية» المدخل إلى البلدان الرومانية. وكان المصطلح قد احتفظ به للإشارة إلى 
السلطنة السلجوقية التي تأسست في هذه المنطقة في القرن الثاني عشر وكانت 
قونية عاصمتها: فقد كان الحديث يدور عن سلطنة روم السلجوقية. والحال أن 
العثمانيين قد طرحوا أنفسهم في البداية كورثة لهؤلاء السلاجقة؛ إلا أنه بقدر ما أن 
أرضهم قد تجاوزت بسرعة أرض سابقيهم؛ فإنهم لم يتخلفوا عن اللعب (وتلك هي 
الحال بالفعل عند بايزيد الأول على الأرجح) على معنى لقب سلطان الروم: فمن 
المؤكد أنه قد انطوى على خلافة سلاطين قونية» لكنه انطوىء بشكل أوسع بكثيرء 
على خلافة الأباطرة الرومان. وإذا كان وسط أسيا الصغرى قد سمي بالفعل بروم 
وإذا كانت المنطقة التي ينطبق عليها هذا الاسم سوف تبقى على امتداد التاريخ 
العثماني إيالة الروم (روم بيليربيئيليجي» إيالة - إي - روم)؛ فإنه يبقى أن انتقفال 
العثمانيين إلى أوروباء منذ عهد أورخانء كما رأينا ذلك؛ كان مرحلة فارقة بالنسبة 
لهم: ليس لأنهم قد انتقلواء جراء ذلك؛ من قارة إلى أخرىء وإنما لأن ذلك الجزء 
من العالم الروماني الذي تغلغلوا فيه في تلك الأثناء كان ذا طبيعة مختلفة: فهو لم 
يعد منطقة كانت رومانية» في ماض بعيد؛ بل منطقة أخرى كانت» هذه المرةء لا 
تزال رومانية وكانت العاصمة الإمبراطورية (القسطنطينية» أي «روما الجديدة») 
لا تزال قائمة فيها. وهذا هو ما تعبر عنه الرسالة التي وجهها سليمان باشا إلى 
أبيه» السلطان أورخان؛ عند تمركزه على برزخ غالييولي: «ما أسعدك! بفضل 
رغباتك نفتح بلاد الروم!» 0. 

وسوف يحتفظ العثمانيون لهذا الفتح الجديد أيضنا باسم الروم» لكنهم سوف 
يميزونه عن وسط أسيا الصغرى بالامتناع عن تسميته؛ كما ف الحالة السابقة؛ 
ب«اإيالة الروم» (إيالة - إي - روم)؛ إذ سوف يسمونه «بلد» الروم (روملي). 

وحتى إن كان هذا الفتح العثماني لأوروبا قد جرى تصوره من الناحية 
النظرية على أن قَدَرَه أن يكون فتحا كاملاء فإنه لم يكن إلا فتخا جزئيا. ومن ثم فقد 
شط أوروبا شطرينء متبعا إلى حدّ بعيد؛ كما أشرنا إلى ذلك بالفعل؛ خط انقسام 
أقدم كان قد قِسّمَ بالفعل الإمبراطورية الرومانية نفسسها ثم الجماعة المسيحية. 
والحال أن العثمانيين قد أعطوا اسم «أرض الإفرنج» (فرنجستان) عموما لذلك 

هه" 


الجزء من أوروبا الذي لم يكن قد تسنى لهم بعد انتزاعه من دار الحرب (والذيء: 
فيما يخصه؛ سوف يعتبر نفسه الآن أوروبا بأسرها). وبحسب السياقات» فإن 
مضمون التعبير يتباين: فهو ينطبق أساسنا على الدول الإيطالية؛ إلا أن من الوارد 
أيضنا أن يشمل فرنساء بل انجلترا وهولنده. وهو يتطابق إجمالا مع بلدان أورويا 
اللاتينية التي يحتفظ العثمانيون معها بعلاقات دييلوماسية وتجارية. إنه تعبير سلمي 
أو» على الأقل؛ محايد. وعلى العكس من ذلك؛ فإن شعوب أوروبا التي يخفوض 
العثمانيون حربًا معها ليست مجرد شعوب «إفرنجية»: فهي شعوب كافرة حربية. 


ا 


الفصل الرابع 
الحدود الإسلامية - المسيحية في أوروبا 


بين أوروبا العثمانية وأوروبا الأخرى تلك التي تطمح إلى أن تكون أوروبا 
الحقيقية الوحيدة والتي تعتبر نفسها أوروبا بالمعنى السصحيح: إذ تتماهى مع 
الجماعة المسيحية؛ يرتسمٌ خط تقسيم يتزحزح هنا وهناك: بقدر التقدم التركيء 
مثلما سيواكب تقهقرات الترك الأولى؛ في أواخر الحقبة الحديئة. ومع وصول 
التوسع العثماني إلى أقصى مدئ لهء فإن هذا الخط (أو بالأحرى هذا الفاصل) إنما 
يخترق القارة الأوروبية بشكل مائلء من بحر قزوين إلى البحر الأدرياتي تقرينا. 
وهو يمرء من الشرق» عبر سهوب شمال البحر الأسود؛ لكي يتجه من شمالي 
شرق هذا البحر إلى أورويا الوسطىء محاذيًا الحواف الجنوبية لليتوانيا ويولنده. قم 
يجتاز شمالي المجر ليعاود الهبوط بعد ذلك في اتجاه الجنوب عبر كرواتيا. وعلند 
مسافة أبعد غرباء على مستوى الحوض الغربي للبحر المتوسط؛ نجد أن هذا البحر 
-«بحر الخوف»؛ بحسب الصيغة الصادمة التي يستخدمها المؤرخ الإيطالي 
بونافيني7)-؛ يشكل الفاصل بين «بلد الإفرئج» ومغرب إيالات البربر. أمّا الحىوض 
الشرقيء» على العكس من ذلك» حيث كان التداخل كبير! بين الممتلكات العثمانية 
وأجزاء متناثرة من رومانيا البندقية» فهو يصبح؛ بقدر إزالة هذه الأجزاء» بعضها 
بعد البعض الآخرء «يحير 3 عثمانية». 

وفي. أوروبا التي تشمل من جهة أخرى الكثير من الانقسامات الأخرى من 
شتى الأنواع» يصبح هذا الانقسام الحدود الرئيسية التي غالبا ما قورنت بالستار 
الحديدي غداة الحرب العالمية الثانية("). فهي حدود سياسية تفصل دولة واحدةء 
دولة «بلدان الإسلام المحروسة» الممتدة أيضما على جزء من أفريقيا وآأسياء عن 
تعدد دول مسيحية متمايزة. لكن هذه الحدود أكثر بكثير من ذلك: إذ ينظر ليها 
على كل من الجانبين على أنها تفصل بين عالمين متعارضين بحكم تمايز ديانتين 


"1 


وبشكل أوسع بحكم تمايز حضارتين مختلفتين اختلافا يتعذر اختزاله. وتلك على 
الأقل هي الرؤية التي تنبثق من الإيديولوجيتين اللتين أسلفنا وصفهما. فعلى الجانب 
المسيحيء كانت الحدود البولندية والمجرية أسوارا أو حصونا عديدة للجماعة 
المسيحية. وعلى الجانب الآخرء ستحصل ثلاثة حصون حدودية على اسم سد - 
إي - إسلام («سد الإسلام»): واحد في الهرسك وواحد في سنجق قيرقاء قرب 
زيمونء وواحد في سنجق فيدين ؛ ثم إن حصنا آخرء أيضا في سنوق ثيدين» 
كلادوقو الحالية» قد سمي فتح - أي - إسلام («فتح الإسلام»). أمّا بلجراد فقد 
زينت بلقب دار الجهاد. 

ويتطور لدى العثمانيين في الوقت نفسه سر حدودي (سرحد)؛ ترعاه طرق 
الدراويش. وهو يحيل إلى الأزمنة الأولى المجيدة للإسلام المقاتل ويؤدي إلى 
انبثاق» في الحياة اليومية الأكثر عادية؛ لأولياء متصلين بالغيب وحائزين لقدرات 
فوق طبيعية. وهكذا سنقرأ في 17/47 أحد سادة الحدود الروحيين» الشيخ مصلح 
الدين من سمرسكا ميدروقيكا: «في عصره؛ من جميع الجهات؛ تصرّف الولاة 
والملوك بدعم منه» وفي المواجهة مع العدو؛ كما في حملات الغزاة» في حضوره 
كما في غيابه؛ اعتمدوا على عون الراحل». وذات يوم؛ نرى هذا الشيخ في صحبة 
رجل له مظهر جندي غير نظامي (لوند)؛ كان يتحدث معه في ألفة. ولدى خروج 
هذا الشخص المجهولء يسأل الشيخ أحد دراويشه: «هل رأيت هذا اللوند؟ إنه مسن 
السبعة». ويقدم كاتب السيرة تفسيره؛ مستنذا إلى المذهب الصوفي لابن عربي: 
«أراذ أن يقول بهذا إن الشيخ كان في مكانة القطب وإنه يعرف الأولياء المحتجبين 
(الرجال) الأعلى منه. والله أعلم!» ©. 

والحال أن الرموز المستخدمة لتمثيل العالمين المقدسين المتعارضين بعد عقد 
معاهدات الصلح؛ عندما كانت لجان مشتركة تسعى إلى أن تحقق على الأرض» 
بشكل ملموسء الخط الذي يفصلهماء إنما تندرج في الباب نفسه: ففي دالماتياء نجد 
صلبانا منقوشة على جذوع الأشجار أو على جدران صخرية تشكل حدود الأرض 
التى تخص البندقية ؛ أمَا الأهلّة القمرية فهي تخص أرض الإسلام('). وبالمثلء 
خلال رسم الحدود البولندية - العثمانية في عام »160٠١‏ بعد أربع سنوات من هدنة 


(*) سيرة: باللاتينية في الأصل, م. 
1 


زوارقنو بين البلدين» أقيمت أكمات حجرية على الجائبين تمييزا لموقع الحدود. 
وعلى قمة التلال» نَصَب البولنديون صلبانا بينما قام العثمانيون بمراكمة قطع مسن 
الخشب على شكل عمائم. ويتحدث جندي حراسة للمندوبين اليوانديين في هذا 
الصدد فيقول: «عندما حان وقت إقامة الأكمات؛ فإن الترك؛ مستخدمين رفوشا 
كانت معلقة في سروجهم؛ أقاموا أكمة من التراب في لمح البصرء بعد أن حفروا 
حول جذع ضخم لشجرة سنديان كانت موجودة في الوسط. وبمجرد إتمام العمل» 
. صعد رؤساءهم إلى قمة الأكمة ونبحوا كالكلاب» ووجوههم متجهة إلى السماءء 
شاكرين الله على فتحهم كل هذا بسيفهم»2. 
والحال أن هذا الاستثمار الرمزي القوي لا يحول دون أن تكون الحدود 
الإسلامية - المسيحية في كثير من النواحيء في واقع الأمرء حدوذا كأي حدود 
أخرىء بها الالتباسات المألوفة المميزة للأحوال على الحدود. فالحدود هي في 
الواقع فاصل وممرء رسمي أو سّريء؛ في آن واحد ؛ ومن الوارد أن تقيم فاصلاً 
مصطنعا بين جماعات سكانية متشابهة إِثنيّاء بل دينيًا (مثال ذلك الصرب 
والكروات» على جانبي الحدود العثمائية - المجرية) ومن حيث أسلوب الحياة على 
أي حال: وهكذا فإنها لا معنى لها بالنسبة للرعاة الباحثين عن الكلاً لماشسيتهم أو 
بالنسبة لصائدي السمك الباحثين عن .مياه غنية بالأسماك. وهي في أن واحدء 
خلافًا ل«المؤخرة»»: ساحة توتر مستديم و«حوادث حدود»» كما أنها في الوقت 
نفسه ساحة اتصالات وتبادلات من كل نوع. 
والحال أن هذه الحدود الإسلامية - المسيحية؛ والتي فرضتها حقائق الأشياء» 
هي من حيث المبدأ فضيحة بالنسبة لكل من طرفيها. فالاثنان يريان فيها وصمة 
وضع يتعذر قبوله: فبالنسبة للمسيحيين؛ هي علامةٌ وجود غير شرعي ببتره جزءًا 
من قارتهم ؛ وهي التجسيد الأليم لشذوذ تاريخي. وبالنسبة للعثمانيين» تعني الحدود 
عدم إنجاز مهمتهم. ومادامت هذه الحدود-قائمة» فإنها تذكرهم بفشلهم ؛ وهي ترتسم 
كملامة. والحقيقة أنهم سوف يحتاجون لانقضاء زمن طويل حتى يعترفوا صراحة 
بواقع حدودهم. ووحدة التعويد الذي لا يكل هو الذي سيحولهم إلى الركون لفكرة 
أنهم لم يسودوا إمبراطوريةٌ افترضوا أنها عالمية» بل سادوا دولة بعينهاء لها 
كغيرها من الدول حدودها. وفي تمهيد لمرسوم خاص بترسيم الحدود (سينورنامه) 
4 


مع يولنده في عام 128٠0‏ مُدرجٍ في سجل تعداد لسكان ولاية بادوليا العثمانية؛ 
نجد حرصا على التذكيرء عبر عبارات تظل جد نمطية؛ بأنه إذا كانت الوثيقة 
التالية تتعلق في الواقع بالحدود؛ فإن هذه الحدود لا يجب أخذها مأخذ الجد الزائد 
عن الحدء لآن الله وحده هو الذي يهب الممالك لملوك هذه الدنيا. وتجري استعادة 
حديث نبوي يعد بأن أراضي الكفار كلها سوف تصبح كلهاء عاجلاً أم أجلأ في 
متناول المقاتلين المسلمين. وقد أشير إلى أن الكفار قد شرعوا بالف في الفسرار 
متخلين عن أسوارهم وحصونهم وقلاعهم”). والواقع أن تحديد الحدود» كما أشارت 
إلى ذلك نصوص أخرى تتعلق بالديبلوماسية» لم يكن بوسعه أن يَؤول إل إلى مبدأ 
المداراة””. وسوف يتعين الانتظار حتى أواخر القرن الثامن عشرء ١777‏ تحديذاء 
حتى يتجاسر ديبلوماسي عثماني» هو أحمد رسمي» مستخلصا دروس النكسات 
الدييلوماسية التي جرى تكبدها حيال روسياء على توجيه لائحة نصائح إلى محسن 
زاده» الصدر الأعظم أنذاك» موصيًا صراحة بالإبقاء على الإمبراطورية [الدولة 
العثمانية] ضمن حدود محثدة وواصما أحلام التوسع بالتطرف©. 


المنظومات الدفاعية 

إن الحدود الإسلامية - المسيحية؛ المرفوضة من حيث المبدأ من الطرفين» 
هي حدود ذات طابع عسكري أوء إذا ما استعدنا التعبير الذي سوف يجري 
استخدامه بخصوص الحدود الهابسبورجية بعد معامدة كارلوقيتز.ء «حدود 
عسكرية» (©2:ء 7و 111/1/7). 

وليست المسألة مسألة سور متصل على كل امتسداد الحدود؛ كدسور 
الصين»؛ بل تظهر على عدة نقاط رئيسية من هذه الحدود منظومات دفاع أكثر 
تعقيذا؛ تجمع؛ على عدة خطوط عمقء بين حصون رئيسية» مبنية بالحجارة وتتبع؛ 
عند اللزوم؛ أحدث مبادئ العمارة العسكرية («التراس الإيطالي»0") ومجموعة 
بأكملها من القلاع ونقاط الحراسة المزودة بمنظومات إشارة؛ أكثر جنينية وأقل 
تكلفة بكثير. وتلك حالة «الحواجز الجذعية» (والمصطلح والشيء الذي يشير إليه 
موجودان على جانبي الحدود المجرية): قلاع محاطة بحائط دفاعي يتألف من 


(<) حصن ذو أبراج ناتنة, - م. 
ا ؟ 


جذوع الأشجارء بها مزاغل ومحاطة بخندق. ومثل هذه الترتيبات موجودة على 
الجانب العثماني كما على الجانب المسيحي (منفصلة عند اللزوم بمسافات جد 
واسعة كما في سهوب البحر الأسود). وفي الحالتين» بحسب الظروف» فإنها تتعب 
دور دفاعيًا كما تلعب دورا هجوميّاء سواء كانت تلعب دور قاعدة انطلاق لغارات 
مطاردة عرضية ضمن إطار الا“لوهنجامزءاة؛ أم تساعد في عمليات أوسع نطاقا 
في عمليات حرب معلنة» ذلك أن الحدود لم تكن خاملة البتة في حقيقة الأمرء ولا 
حتى في مراحل الصلح الرسمي. فبحكم مجرد وجود عسكري دائم» سوف تنشب 
دومًا حوادث محدودة هنا أو هناك. ألم يكتب الإمبراطور ماكسميليان الثاني - في 
عام 15517 العام الذي اتجه فيه مع ذلك إلى الصلح مع الترك - إلى واحد من 
ضباطه؛ قائد حصن كيسكومارون» في جنوب بحيرة بالاتون: «يجب أن تحرص 
على إيقاء جنودك في حالة استعداد وكأن لا وجود هناك لصلح بالمرة ولتلي؟, 


الحرب الهابسبورجية 

تنشأ ضرورةٌ وضع حاجز في وسط أوروباء في وجه الزحف التركيء في 
القرنين الرابع عشر والخامس عشر. والحال أن سيجيسموند الهابسسبورجي؛ ملك 
المجرء إنما يجهز ترتيبًا تشكل بلجراد (ناندورفيهيرفار) - التي تنازل عنها جورج 
برانكوقيتش» مستبد صربيا - العنصر المهيمن فيه. ويقوم أحد خلفائه:؛ الملك 
ماتياس كورثئين »)١51٠ - ١454(‏ بإعادة تنظيم هذه المنظومة الدفاعية القديمة 
بجعلها أكثر تماسكا ووحدة. فيجري عندئذ اند إلى ثلاثة قطاعات: ففي جهة 
الغرب؛ نجد قطاع كرواتيا - دالماتيا وسلاثونياء الموضوعة تحت سلطة قائد واحد 
أو بان ؛ وفي الوسطء نجد قطاعا ثانيا اسمه قطاع الدانوب الأسفل؛ تحت قيادة 
«قائد عام للأجزاء السفلى من مملكة المجر» ؛ وأخيراء في جهة الشرق» نجد وحدة 
دفاعية ثالثة تحت سلطة فويقود ترانسلقانيا. وفي العمق؛ جرى استكمال هذا 
الترتيب بمنظومتين أخريين متوازيتين قوامهما مجموعة من الحصون. 

والحال أن فتح بلجراد على يد سليمان القانوني في عام ١57١‏ إنما يوجه 
ضربة مميتة لهذا الترتيب. وبعد ذلك ببضعة عقود» سوف يستخلص بوس بيك» 


(*) الحرب المحدودة: بالألمانية في الأصل. - 
ا 


سفير فردينان الهابسبورجيء الدرس العسكري لهذا الحدث الذي يعتبره رئيسيًا: 
«من الواضح أن هذا كان بمثابة فتح للباب أمام حشد من المصائب التي اجتاحصت 
المجر وتدكل بها الآن. والحال أن هذا الاجتياح قد أدى إلى موت الملك لويس 
والاستيلاء على بودا والتخلي عن ترانسلقانيا وخراب مملكة مزدمرة وخوف 
الشعوب المجاورة من مكابدة المصيبة نفسها»» وهو يختتم كلامه قائلاً: «إن الملوك 
المسيحيين يجب أن يحترسواء وقد شكل هذا المثال إنذارًا لهم؛ من أن يظنوا البنّة 
أنهم يتمتعون بما يكفي من الحصون والقلاع»7” ). إل أنه غداة 157+ يظهر أن 
مملكة المجرء المهثدة بخصم كهذاء لا تملك إمكانات الدفاع عن نفسها بمفردهاء 
وأن عليهاء بشكل ماء «تدويل» هذا الدفاع. والحال أن الملك الشاب؛ لويس الثاني 
ياجلون» إنما يطلب الغوث ممن هو أقوى منه؛ صهره وحليفه:؛ فرديئان 
الهابسبورجيء الشقيق الأصغر لشارل الخامسء وهو نفسه أرشيدوق النمسا والذي 
سوف يصبح؛ بعد موت لويس الثاني المفاجئ؛ ملكا للمجر وبوهيميا. ولدى حصار 
بلجرادء أرسل فردينان لنجدة المدينة آلافا من المشاة الجرمانء القادمين من 
ممتلكات آل هايسبورج المتوارثة. وبما أن العثمانيين قد كسبوا المعركة؛ فإن بان 
كرواتياء بيتر بيرسلاكيتش (كانت كرواتيا مرتبطة بالمجر برباط شخصي منذ عام 
»؛ قد حصل من الملك لويس الثاني» في عام 2»١1577‏ على تعهد بأن يعهد 
إلى فردينان بالدفاع عن الحدود الكرواتية؛ الأمر الذي جعل من الهابسبورجي سيدا 
فعليًا لكرواتيا. وعلى أثر ذلك؛ في الأول من يناير/ كانون الثاني 15717 جلرّاء 
معركة موهاكس؛ جرى انتخاب فردينان ملكا لكرواتياء في مقابل التعهد بالدفاع عن 
البلد ضد الترك. وهكذا يبدأ انتظام الحدود الهابسبورجية لكرواتيا والتي سوف 
تكون النموذج الأولي لمجمل الحدود الهابسبورجية جد الطويلة. والحال أن مسسار 
هذه الحدود الكرواتية مع الترك سوف يظل ثابتا تقريبا حتى معاهدة برلين في عام 
والتي ستنص على تعديل المسار بوضع البوسنة والهرسك تحت الإدارة 
النمساوية. أمّا فيما يتعلق بالجزء المجري من الحدودء فهو يشهد مسار! أولا مترتبا 
على التقسيم الثلاثي للمملكة في عام »154١‏ والذي أسلفنا الحديث عنه؛ حيث 
يصبح الوسط ولاية عثمانية ويصبح الشرق إمارة ترانسلقانياء التابعة للعثمانيين» 
ويصبح الشمال والغرب؛ أخيراء «مجر! ملكية» في أيدي آل هابسبورج. وفي ذلك 
قف 


الوقت؛ تبدأ الحدود من شرقي واديي الماروس والتيميسء ثم تحاذي الحدّ الشمالي 
للسهل المجري الشاسع لتبلغ وسط وجنوبي غرب الترانسدانوبيا وتصل أخيرًا إلبى 
سلاثونيا. وخلافًا للحدود الكرواتية» فإن هذه الحدود المجرية؛ جراء «القضم» 
التركي الذي أسلفنا وصفه؛ لن تكف عن التبدل في تتمة القرن السادس عشر وفي 
القرن السابع عشر. وفي الوقت نفسه؛ نجد أن الهابسبورجيين كانوا أكثر ميلأ إلى 
التشديد على الطابع «المسيحي»» ومن ثم المجاوز للقوميات» للحدود المترامية التي 
يدافعون عنها على امتداد مئات الكيلومترات من الكارباث إلى البحر الأدرياتي» 
بحيث إن ضرورات تنظيم مركزي إنما تقودهم إلى «تجاوز الطابع القومي» أو 
«تجاوز الطابع الإقليمي» وء من الجهة الأخرى» جرمنة المناطق المعنية. وبالمثل» 
فإن مجهود تمويل هذا الترتيب الواسع إنما يتم تأمينه إلى حد بعيد من خلال 
إعانات ألمانية: يتم الحصول عليهاء ليس من دون مشقة؛ من دايات الرايخ. ومن ثم 
فإن العبء الضريبي لا تتحمله فقط الجماعات السكانية المهثدة تهديذا مباشراء بل 
التي يمسها الخطر التركي فعليّاء وإنما يتحمله آأخرون أيضناء على امتداد كل 
أوروبا الوسطى (دممعبءكء):1/41). وبالنسبة لهؤلاء الأخيرين» فإن الخطر أيعد 
وسوف يميل الحجاج الموجّه إليهم إلى أن يكون حجاجا دينيًا بأكثر مسن أن يكون 
قوميًا. 

والآن تفلت من نفوذ الأقطاب والمؤسسات التقليدية الكرواتية كما المجرية 
ليس فقط خطوط الحصون وإنما أيضنا المناطق الزراعية التي عُهد بها إلى 
مستوطنين في مؤخرة هذه الخطوط. وقد وضعها الهابسبورجيون تحت السلطة 
العسكرية النمساوية التي تأخذ؛ اعتبارا من عام 655٠؛‏ شكل الب موروالاا 
اموه جار80 أو ال وميس 1/اء8 +::0:1/1"©. و إلى هذا «المجلس الحربي»؛ الذي 
أقيم في قييناء تَعهَدُ القيادة المركزية والإدارة العسكرية للحدود التركية؛ وهو 
مسؤول في الوقت نفسه عن العلاقات الدييلوماسية مع اسطنبول. ويساعده مكتب 
خبراء وإدارة سوف تتطور وتتجزأء مع الوقت» في مكاتب متخصصة. والحال أن 
الأمير يوجين: أمير ساقواء نصير الصراع ضند الترك في أواخر القرن السابع 
عشر ومستهل القرن الثامن عشرء والذي سوف ينتصب تمثاله الحربي أمام قصر 
آل هابسبورج على رابية بوداء سوف يكون رئيس هذا المجلس الحربي من عام 


"1 


0 إلى عام 175. واعتبارًا من عام2180١؛‏ كان هناك أيضنا «مجلس حربي 
للنمسا الداخلية» (ام«كوءةجارهلا -ع:اءئزلءزع:جره/ى1:0-0)؛ موجود في جراتز حتى 
عام 217١6‏ له أليد العليا على حدود كرواتيا وسلاقونيا. 

ثم إن القوات المجرية والكرواتية لا تكفي لتغطية الحدود؛ وآل هاب سبورج» 
شأنهم في ذلك شأن السلطات الأخرى المسؤولة عن قطاعات أخرى من الحدود مع 
الترك» وشأنهم في ذلك شأن الترك أنفسهم؛ مضطرون من جهة أخرى إلى 
الاستعانة بأي إمكانات. فهم يلجؤون؛ كما سبق أن فعل ذلك سيجسموند 
اللوكسمبورجي في زمانه» إلى مستوطنين (:ه5046:5) صرب أرثوذكس وء 
كما سوف نرجع إلى ذلكء أنواع مختلفة من المنشقين الدينيين. بل إن المؤتمر 
العسكري الكبير الذي عقد في قيينا في عام ١51/17‏ قد ارتأى إرسال فرسان 
الأخوية التيوتونية إلى المجرء وهو ما اتخذ ملمخا منطقيّا لأن هذه الأخوية التي 
أنشئت في الأرض المقدسة خلال الحروب الصليبية كانت قد استفرت في بروسيا 
اعتبارا من القرن الثالث عشر للصراع ضد السلاف الوتنيين. وبالمقابل» كان 
المرتزقة الألمان متمركزين تماماء إلى جانب عناصر أخرىء في الحصون 
المجرية. وقد استثار هذا الوجود من جهة أخرى أكثر الانتقادات قوة من جانب 
دايتات المجر التي اعتبرت هؤلاء الألمان أكثر همجية بكثير من الترك. والحال أن 
الجرائم والكفريات التي نسبتها الدايتات إليهم قد بلغت الذروة في بشاعتها. والواقع 
أن «تنبيهات» (00:مو) الدايت لعام ١577‏ إنما ترسم من ثم اللوحة التالية 
للمرتزقة الألمان: «لقد ارتكبوا ضد الفلاحين جرائم قتل وتعذيب واغختصاب: بل 
وجرائم قتل بعد الاغتصاب. بحيث إنهم قد مارسوا أعمال عنف أسوأ من أعمال 
العنف التي مارسها الترك. بل إنهم لم يحترموا طابع الكنائس المقدس وصبوا جام 
أهوائهم المذنبة على أطفال وغير بالغين كانوا قد لجأوا إلى هذه الكنائس ؛ بل إن 
الأمر قد وصل بهم إلى حد تمزيق الأطفال إربًا وقاموا برمي أخرين منهم في 
النار9')». وبعيداً عن معاداة الأجانب؛ فإن أعمال العنف لو كانت قد وصلت 
بالفعل إلى هذا الحد ولو كان البعض قد اختاروا الكنائس علاوة على ذلك للانخراط 
في بشاعاتهم؛ فيجب أن نصدق أننا من الوارد أن نتقى في حصون الجماعة 
المسيحية أناسًا يصعب الارتياح إليهم! 


0 


الحدود البحرية 

أنشئت حصون وقلاعء كما أنشئت أيضنًا منظومات إشارة على امسواحل 
والجزر المهدّدة من جائب الأساطيل المعادية والقراصنة من كل شاكلة. والحال أن 
البندقية؛ خاصة:؛ إنما تضطلع في ال 57 م4 0,م)5 التي تخصها بأعمال 
تحصينية مثيرة ضد الترك» على مستوى التقدم التقاني الحادث في هذا المجال. إلا 
أنه لابد من بعض التحفظات على قولنا هذا لأن واحدة من أروع منجزات البندقية؛ 
قلعة نيقوسيا في قبرص؛ قد سقطت في غضون شهرين في أيدي المحاصرين 
الترك؛ في حين أن حصار فاماجوستاء التي لم تتمتع بالتحسينات نفسهاء لا يسدوم 
أقل من أحد عشرة شهرا. 

ومن الواضح أن مفهوم الحدود؛ في المناطق البحرية؛ كان أكثر انعدامًا 
للتحديد وكان الدفاع يفترض قبل كل شيء السيطرة على نقاط استراتيجية. 

وبهذا المعنى» فإن مداخل المضائق المؤدية إلى اسطنبول قد مثلت «حدوذا» 
جوهرية بالنسبة للعثمانيين. والحال أن الحصون الأولى التي أقاموها على 
البوسفور قبل الاستيلاء على القسطنطينية؛» أناضولو حصاريء الذي بناه بايزيد 
الأول في عام ١04‏ وروملي حصاري» الذي بناه محمد الثاني في عام 25 
كان الهدف منها هو تأمين حصار للبوسفور ومن ثم منع أي نجدة بحرية 
للبيزنطيين المحاصرين. وبمجرد الاستيلاء على المديئة» حرص السلطان؛ على 
حمايتها من أي عدوان خارجي. وكان مصدر الخطر هو البحر أسامًا وبشكل 
رئيسي البحر المتوسط الشرقي وبحر إيجه؛ حيث إن البحر الأسود؛ على العكس 
من ذلك كان بسبيله إلى أن يصبح «بحيرة عثمانية». وفي هذه الظروفء فإن 
مدخل الدردنيل بالأخص هو الذي حرص الفاتحٌ على تحصينه ببناء حصون جديدة 
على كل جانب من جانبي المضيق: قلعة - إي - سلطانئية [القلعة السلطانية] في 
الشط الآسيوي؛ قرب أبيدوس القديمة ؛ وقيئيد البحر [قفل البحر]» على الشاطئ 
الأوروبي. كما أمر بتحصين جزيرة تينيدوس (بوزكادا). كما سوف يقوم س ليمان 
القانوني في عام ١505١‏ بترميم القلعتين المطلتين على الدردنيل؛ إلا أنهما سوف 
يتركان للأهمال شيئا فشيئا في أواخر القرن السادس عشر وفي القرن السابع عشرء 


(*) الدولة البحرية. - م. 
ا 


حيث إن انحدار البندقية قلما ترك انزعاجات من هذه الجهة. وبالمقابل» بمناسبة 
حرب كريتء؛ تصبح المنطقة من جديد جد حساسة: فيجري ترميم قلعتي محمد 
الثاني من جديد ويُبنى حصنان جديدان عند المخرج إلى بحر إيجه: سد البحر على 
الضفة الأوروبية وقوم قلعة على الضفة الأسيوية. وخلال الحرب الروسية - 
العثمانية في أعوام 1754 - 1774 حيث دخل الروس إلى البحر المتوسط» 
ظهرت الحاجة إلى حصنين جديدين على ضفتي الدردنيل» سوف يشرف على 
00 


- 


بنائهما «متعاون» فرنسي: هو اليارون توت 

وفي تلك الأثناء» فإن مخرج البوسفور إلى البحر الأسود كان قد أصبح بدوره 
«حدوذا» يجب الدفاع عنها: إذ يبدأ الخطر في الظهور في مستهل القرن السابع 
عشرء بحكم ما قام به من اختراق للمضيق ذلك الخصمٌ الجديد والجسور الذي 
أشرنا بالفعل إلى مغامراته المزعجة: قوزاق أوكرانيا. ولتفادي هذه الضربات» 
يبني السلطان مراد الرابع حصنين جديدين على ضفتي البوسفورهء عند نهايته» قرب 
قلعتي روملي كاواجي وأناضولو كاواجي الحاليتين. وهماء كما يسميهما أوليا جلبي 
«أقفال البحر» (قيليد البحر قلعلير). 

ومع تصاعد التهديد الروسي الذي يمثل الآن الخطر الرئيسي على وحدة 
أراضي الإمبراطورية [الدولة العثمانية] في القرن الثامن عشرء فإن نهاية البوسفور 
هذه تصبح النقطة الأكثر حساسية في الحدود العثمانية. وحتى إذا كان الأسطول 
الروسي يظهر في البحر المتوسط وفي البحر الأسود خلال الحرب الروسية - 
العثمانية في أعوام ١75.‏ - 21771 فإن العثمانيين يتحسسون عندئذ الحاجة إلى 
إعادة تنظيم دفاعات البوسفور ببناء تحصينات جديدة على الضفتين» كما عند 
المخرج إلى البحر الأسود. والحال أن هذه المنظومة الدفاعية الجديدة: المسماة 
ب«القلاع السبع» (قلاع - إي - سبعة) سوف يجري إضفاء المزيد من التطوير 
والتحسين عليها في عهد سليم الثالث (117/89 .)١18.1/-‏ 


حدود التتر 
الإشارة السابقة إلى الاختراقات القوزاقية والتقدم الروسي في البحر الأسود 
تعيدنا إلى قسم آخر من الحدود الإسلامية - المسيحية في أوروباء هو الحدود 


ضف 


الشمالية - الشرقية؛ الأقل ظهور! لأنها أقل محورية بالنسبة لأوروبا مسن الحدود 
الهابسبورجية» لكنها أيضنا مسرح لمواجهات امتدت لقرون باسم الصليب وباسم 
الهلال. وهناء في هذه المنطقة الشاسعة» آلتي تحدها من الشمال أطراف الغابة 
الكبرى ويحدها من الجنوب البحرٌ الأسود ومن الغرب حوض الدانوب ومن الشرق 
نهر القولجاء فإن النزاع بين الإسلام والجماعة المسيحية (الكاثوليكية 
والأرثوذكسية) سابق على العثمانيين: فهو يرجع إلى أسلمة العشيرة الذهبية؛ وهي 
نفسها من آثار الفتح المغولي للمنطقة. وقد رأينا أنه اعتبارا من عام 1415 يصبح 
السلطان محمد الثاني سيد خانية القرم التترية» المنبثفة قبل بضعة عقود من ذلك 
التاريخ من نزع العشيرة الذهبية. ثم إن العثمانيين سوف يتمتعون على نحو مباشر 
بعدد معين من الحصون والأراضيء في جنوب هذه الكتلة» عند مصب الأنهار 
الكبرى على الضفة الشمالية للبحر الأسود. وفي ما وراء السهوب» تقفف في 
مواجهة هذا الكيان الإسلامي مملكة يولنده ودوقية ليتوانيا الكبرى؛ المتحدتان باتحاد 
لوبلن في عام 2١555‏ وإمارة موسكو الكيرى التي ستصبح تدريجيًا إمبراطورية 
القياصرة. وفي هذا الوسط الطبيعي» فإن الدول المسلمة والمسيحية ليست منفصلة 
بحدود مرسومة بشكل خط إلى هذا الحد أو ذاك» بل بفضاءات شاسعة؛ شبه خالية 
من السكان وغير مستغلة: إنها «الأراضي الوحشية» (ديكاويا يوليساء بالروسية: 
دزيكي يولاء بالبولندية) - حدود برية» لكنهاء من نواح كثيرة» أكثر شبهًا بحدود 
بحرية. وهذه الأراضي الشاسعة سوف تنجب أوكرانياء والتي ا اسمها تحديذا 
بأنها كانت حدوذ! (كراي» أوكرايينا). 

وقد أنشأت بولنده وليتوانياء في شمال هذه المنطقة» خطا من الحصون لأجل 
حماية الطرق الجنوبية لأراضيهما. تلك هي مدن بار وكانيف ويراسلاف وفينيتسا 
وفلودزيميرز وكييف»؛ العاصمة القديمة لروسيا الأولى؛ وكامينيتش - يودول سكي 
وشميلنيك. وعلى مسافة أبعد في الشمال - الشرقيء أقام الموسكوقيون هم أيضنا 
خط حصونهم بين بولوف وتامبوقفء لكن هذه الحدود تبدأ في التقدم نحو الجنسوب» 
في القرن السادس عشر. 

وتخضصع هذه التحصينات لسيطرة ة ممثلي كبرى عائلات النبلاء, وهوفي 
الوقت نفسه حُكامٌ عسكريون (ستاروستات) ومُلاكٌ عقاريون كبارٌ جذاء 


يفنا 


ومن بين الأسماء اليولندية - اللتوانية الكبرى نذكر أسماء عائلات سانجوزكو 
وسينافسكي وأزتوروزسكي ويرونسكي وقشئيفسكي. وسوف يصبح بعضهم أبطالاً 
شبه أسطوريين للصراع ضد الترك والتتر: ومن بين الأمثلة على ذلك نبييل مسن 
أصل سيليزي؛ هو برئار برتقيتش» ستاروست بار. وسوف يُعَزَل في عام ١١37‏ 
بطلب معلن من سليمان القانوني الذي سيريحه الملك سيجسموند أغسطس بإبعاده 
مثير الاضطرابات هذا إلى تريمبوقلاء وهي موقع أكثر يُعدا عن الحدود. إلا أنه 
سرعان ما سوف يحل محله أنصار آخرون للصراع المعادي للترك. 

وفي جئوب تلك المنطقة تماماء عند مصب الأنهار الكبرى في البحر الأسود» 
تنتصب قلاع عثمانية: كيلي (كيليا)» على الدانوب الأسفل وآأكرمان (سيتاتيا - آلباء 
بلجورود دنيستروقسكي) على الدنيستر الأسفل؛» وكان بايزيد الثاني قد فتحهما ؛ 
بندر (تيغينا)» في أعالي نهر الدنيسترء وقد ضمها سليمان ؛ جانكرمان (أوزو؛ 
أوجاكوق)؛ على الدانوب الأسفلء والتي بناها خان القرم بين عامي ١5415‏ 
ود44 ١‏ واحتلها العثمانيون في عام 1578. وتضاف إلى ذلك كيفي (كافاء 
فيودوسيا) والقلاع العثمانية الأخرى على الساحل الجنوبي والجنوبي الشرقي للقرم 
؛ كيرش وتامان على البوسفور الكيميرى (المضيق الواقع بين البحر الأسود وبحر 
أزوف) وء في بحر أزوفء آزوف (آزاك) عند مصب نهر الدون» والتيء كما 
رأيناء ستكون موضع نزاع بين العثمانيين والروس» من أواخر القرن السابع عشر 
حتى معاهدة كوتشوك كايناردجا (5لالا١).‏ 

ما فيما يتعلق بخانية القرم؛ فهي بمثابة تنظيم قبلي وعشائري وهي تستند إلى 
اقتصاد النهب والسلب: فالعشائر التترية تجتاح القرى والمدن الحدودية لكي تستولي 
منها على أسلاب؛ خاصة العبيد الذين سيغذون السوق العثمانية. وكاقا هي محور 
هذه التجارة؛ مثلما كانت كذلك في العصر الجنوي. والحال أن تواتر وكثافة 
الغارات كانا دالتين على حالة العلاقات بين الخان» من جهة؛ وملك يولنده وأمير 
موسكوء من الجهة الأخرى. فالواقع أن الخان إنما يتحالف: بحسب الفترات؛ مع 
بولنده أو مع روسيا. وهذه التحالفات مشروطة بدفع إتاوة يراد بهاء بقدر دفعها 
فعليّاء التعويض عن غياب موارد العيش بسبب تقص الغارات. وهكذاء فاعتبارًا من 
عام 151+ تتحالف القرم مع يولنده - ليتوانيا ضد موسكوء في مقابل تعهد الملك 

ف 


البواندي بدفع إتاوة سنوية قدرها 00. ١5‏ فلورين حتى «ترفع اليذ عن 
مملكته»7”)؛ كما كتب ذلك الخان محمد جيراي. على أن الضمان ليس مطلقا البنّة 
لأن الخان بعيد عن السيطرة على كل هذا النشاط الذي يعود؛ إلى حد كبيسر: إلى 
سديم من الفاعلين الذين يتصرفون من تلقاء أنفسهم. وكما كتب الخان منجلي 
جيراي إلى الملك ألكسندر ياجلون في عام 1505 رذًا على شكايات هذا الأخير: 
«إن الجوعىي حين يركبون الخيول مضطرون إلى سد جوعهم في المكان الذي قد 
يجدون فيه طعامًا لهم». ثم إن بعض الجماعات التترية مستقلة بالكامل عن الخان. 
وإذ تمارس الترحال في شمال البحر الأسود؛ فإنها تُسَئي في المصادر بأسماء 
القلاع العثمانية التي تستخدمها [هذه الجماعات]» عند اللزوم؛ كقواعد وملاذات. 

وهذا كله يؤدي إلى أن «سياسة السهوب» لا تنحصر في مواجهة ثنائية 
القطبية إسلامية - مسيحية؛ بل هي نتيجة لعبة معقدة يتصرف أطرافها على 
مستويات مختلفة. فالملوك يمكنهم أن يكونوا في صلحء كما كانت تلك هي الحال 
بين السلطان وملك يولنده خلال الجزء الأكبر من القرن السادس عشرء على أن 
هذا لا يحول البتة دون أن تكون للفاعلين المحليين؛ كبار النبلاء اليولنديين - 
الليتوانيين على الحدود أو الياشاوات العثمانيين أو قادة العشائر التترية» وكلهم على 
مسافات جد بعيدة عن العواصم التي يتيعها كل منهم؛ مصالحهم وأهدافهم الخاصة. 
والواقع أنهم يلعبون لعبتهم الخاصة ضمن إطار “اوم::امزه/» بالغة النشاط» توقفها 
غير مرجح لاسيما أن غارات البعض نما تحدث ردًا على غارات البعض الآخر. 


ملحمة حدودية: القوزاق 
رغبة في صد غارات التتر صدًا فعالأء بمعاملتهم بالمتل» تولد ظاهرة جديدة: 
القوزاقية» أو على الأقل التوظيف الذي سوف يستخدم الدفاع البولندي - الليتواني 
القوزاق فيه. 
وينبع المصسطلح من جهة أخرى من كلمة تركية» كازاك؛ التي تشير إلى 
منشق؛ متمرد» قاطع طريق. وقد استخدمت؛. في المصادر العثمانية:؛ للإشارة 
خاصة إلى جماعات التتر المستقلين عن الخان. ومثلما كان هناك كازاك مسلمون» 


(“) حرب محدودة: بالألمانية في الأصل. - م. 
3 


سيكون هناك أيضًا قوزاق مسيحيون. وفي هذا السياق الأخيرء سوف يستخدم 
المصطلح في البداية للإشارة إلى عناصر في قطيعة مع نظام المجتمع الإقطاعي 
القائم» خاصة إلى الفلاحين الهاربين من الاستغلال والاضطهاد من جانب الأقظطاب 
اليولنديين - الليتوانيين. ويمضي هؤلاء المنشقون إلى الإقامة» بشكل موس مي أو 
بشكل دائم دفعة واحدةء في ال (")مم/ ئ7ه:م 70 التي تفصل التخوم المسيحية عن 
البلدان التترية (ليست الخلافات بين المؤرخين قليلة فيما يتعلق بالأصولء جد 
الغامضة:؛ والحق يقال لهذه الظاهرة وتفسيرات كل منهم لا تخلو عموما من 
الأفكار المسبقة الإيديولوجية والقومية والاجتماعية). وقد لجأ المهاجرون خاصة 
إلى النيزء وادي الدنيبر وراء منحدرات النهر. وهم ينخرطون هناك في نوع من 
المثل الأعلى للحياة» الفظ بالتأكيدء ولكن الحر والقويء مازجين بين الصيد البري 
وصيد الأسماك وجني العسل وغارات قطع الطرق الجامحة. وهم يحيون في 
جماعات صغيرة: إلا أن من الوارد أيضنا أن يتحدوا للقيام بأعمال ذات نطاق أكبر 
تحت سلطة قادة يتمتعون بالكاريزما منبثقين من صفوفهم أوء بما يشكل مفارقة؛ من 
كبار سادة الحدود. والواقع أن العلاقات غامنضة بين نسبلاء الحدود وهؤلاء 
المنشقين: فهم يهددون النظام القائم ويوجهون إليهء عند اللزومء ضربات ؛ لكنهم؛ 
من جهة أخرى, يمثلون كتلة حركية ثمينة يمكن وضعها في مواجهة الغارات 
التترية وهم أنفسهم لا يمكنهم أن يكونوا في قطيعة تامة مع «مؤخرة» يظلون 
معتمدين عليهاء ولو لمجرد الحصول على ما يحتاجون إليه من أسلحة وبارود. ثم 
إنه ما أن يبدأ قادة قوزاقيون في الظهورء لن يتخلف نموذج النبالة اليولندي عن 
ممارسة جاذبيته عليهم. وأفضل تصوير لهذه الازدواجيات تقدمه حالة أثارت 
خلافا كبيرا بين المؤرخين» وهي حالة الأمير الليتواني (أرثوذكاسي الملة)؛ 
ديمتري قشنيقسكيء إذ كان هذا الأخير أيضنا النموذج الأولى لبايداء بطل الحكايات 
الشعبية - الأوكرانية'). فإذ عيُنَهُ ملك بولنده ستاروستا لكانيف وتشيركاسي؛ 
صار في خمسينيات وستينيات القرن السادس عشر واحذا من أبرز خلفاء برنار 
برتثيتش في الصراع ضد التتر. وفي أغسطس/ أب وسبتمبر/ أيلول 1355؛ يهبط 
الدنيير على رأس جيش خاص ويحتل جزيرة مالايا هورتيكا على بُعد ١‏ كيلومترا 


(*) أرض اللاأحد, بالإنجليزية في الأصل, - م. 
34 


من جنوب منحدرات النهر الأخير. وهو يبني هناك قلعة هي العلامة الأولى 
ل«معسكر» (سش) للقوزاق الزايوروجيين» «قوزاق منحدرات:النهر»؛ والذي 
سيقام بعد ذلك بوقت قصير على جزيرة أخرى من جزر نهر الدنيبرء هي جزيرة 
توماكوفكاء على بُعد نحو ٠٠١‏ كيلو مترا في اتجاه أبعد إلى الجنوب. وسوف يصبح 
0 انطلاق للغارات القوزاقية التي ستكون عناصرها الآن 
منظمّة ومهيكلة بشكل أكثر صرامة. ويشمل جيش الزابوروجيين كتائب مقسّمة إلى 
وحدات من مئات وعشرات الرجال. وتنتخب كل كتيبة مندوبين إلى مجلس يختار 
هو نفسه قائدا أعلىء يُسَمّى باسمين متجانسين صوتيًا بشكل جزئي: 761:0 (من 
الكلمة الألمانية «ره«,ام,:ه77) أو أتامان (كلمة تركية قديمة” ). . وليس من شأن 
الاستعارات المعجمية العديدة من الترك - التتر سوى تسصوير محاكاة القوزاق 
العامة لخصومهم. والواقع أنهم يتشابهون ولكن لكي يزدادوا تباينا: يقال إن كل 
رجل يقدم نفسه إلى الهتمان لكي يصبح من القوزاق لن يتم قبوله إلأ بعد أداء 
طقس أهم ما فيه هو علامة الصليب (الأرثوذكسية). 
وبعد الغارة التترية الكيبرى التي خاضها ضد موسكو في عام ١١1١‏ الخان 
دولة جيراي الأول» والتي تعرضت على أثرها العاصمة الروسية لدمار جزئي؛ 
فإن روسياء بل وكذلك يولئده الملك إيتيان باثوري» تستشعران الحاجة إلى تأمين 
سيطرتهما على القوزاق. فيجري تنظيم منظومة دفاعية جديدة تشمل مواقع حراسة 
مزودة بفئة خاصة من «قوزاق»» أكثر انقياذا للدول» هي فئة «القوزاق المسجلين» 
(عنودسرعمع”). والحال أن هؤلاء الأخيرين» الأكفاء نسبيًا بالفتعل في مواجهة 
الغارات التترية» إنما يظلون خانعين إلى هذا الحد أو ذاك ويحتفظون بعلاقات جد 
متغيرة مع القوزاق «الحقيقيين». 
والحاصل أن العقدين الأخيرين من القرن السادس عشر والعقود الأربعة 
الأولى من القرن السابع عشر هي العصر العظيم للقوة العسكرية القوزاقية - فنحن 
بإزاء جيش من دون دولة صا عامل لا يمكن إغفاله في السياسة الإقليمية 
وعمليات القوزاق برية وبحرية في أن واحد. وكانوا دومًا بارعين في الانتقال على 
أنهار السهوب الكبرى: لكنهم؛ نحو عام ١٠15؛‏ يزوّدون أنفسهم بأاسطول حقيقي 
من السفنء الصغيرة ولكن سهلة التحريك والقوية للغاية» والتي يمضون بها إلى 


34١ 


مضاعفة عملياتهم المثيرة التي أسلفنا الإشارة إليها بالفعل. وإذ يقومون بمغامرات 
في البحر الأسودء فإنهم يهاجمون الموانئ العثمانية هناك: فثارناء على الساحل 
البلغاري» يتم نهبها في عام 4 ؛ وتتعرض سينوب؛ في شمالي الأناضول» 
للنهب؛ بدورهاء في عام 5 .١15١‏ وفي الوقت نفسه؛ نجد أن موقعًا مجاورًا آخرء 
هو طرابزون (تريبيزوند) يتم احتلاله احتلالاً مؤتنا وتتعرض بيكوزء على 
البوسفورء على مشارف اسطنبول» للهجوم بدورها: ويبدو القوزاق مستعدين لأن 
يكرروا هجمات القاريج القدماء على أسوار القسطنطينية في أوائل العصر. الوسيط. 
وفي مستهل القرن السابع عشرء فإن الهتمان بيير ساهايدشانيء المنحدر من 
غاليسيا الغربية» والذي هرب من بولنده ليلجأ إلى مضارب القوزاق حيث انتهى به 
الأمر إلى فرض نفسه في موقع الصدارة» سوف يصبح. كثشنيفسكي قبله؛ بطلاً 
أسطوريًا ومصدر إلهام للعديد من النوادر (نراه في إحداها يبادل زوجت ه:؛ بالنظر 
إلى ظروف خاصة:» في مقابل يايب وتبغ). وسوف يدعم يولنده؛ في عام 2151717 
في حربها ضد موسكوء مأ سوف يعود عليه بأن يصبح أيضا قائذا ال«القوزاق 
المسجّلين». وبوصفه فاعلاً لا يكل في الصراع ضد التتر في السهوبء فقد استولى 
على كيفي العثمانية في عام 1١515‏ واغتنم فرصة هذا الاستيلاء لكي يحرر العبيد 
المسيحيين الذين كانوا موجودين هناك. وخلال الحملة العثمانية التي قادها عثمان 
الثاني في هوتين» في عام ١»؛‏ سوف ينحاز من جديد إلى صف يولنده. لكن 
ظهور هذه القوة الجديدة يظل مع ذلك؛ في نهاية المطاف؛: خطر! على يولنده كما 
على العثمانيين الذين احتاجوا إلى بعض الوقت لكي يتعرفوا عليه جيدًا. ولذا فقد 
اتفقت الدولتان على منع القوزاق من أن يصبحوا بدورهم دولة» فهذا من شأنه قلب 
التوازن السياسي في المنطقة. على أن العثمانيين الذين لا يثقون ثفة كبيرة في قدرة 
المقاومة اليولندية؛ لا يرون أنهم في غنئ عن تنظيم منظومة دفاعية جديدة في 
شمال البحر الأسود. لذا يعيدون ترميم بعض حصونهم القديمة ويبنون حصونا 
جديدة. ثم إنهم يضعون قلاع ومدن البوجاك (المنطقة الواقعة بين منبعي الدانوب 
والدنيستر) تحت سلطة قائد من التتر النوجايء هو كانتيمير ميرزا. ومن جهة 
أخرى؛ يقوم مراد الرابع النشيط» رغبة منه في تعزيز سيطرته على خان للقسرم 


لك 


ميّال دومًا إلى نزع الوصاية العثمانية» بعزل الخان محمد جيراي في عام ١51754‏ 
ويعين خلفا له جانييج جيراي» وهو عضو أخر في السلالة الحاكمة؛ كان موجوذا 
في جزيرة رودس كبديل احتياطي. على أن محمد جيراي يرفض الإذعان ويحاول 
البقاء في منصبه. وسعيًا إلى إنجاح هذا المشروع الجسور الخاص بتحدي الباب 
العالي» يقوم هو وأخوه القلغا شاهين جيراي بعقد اتفاق في ديسمبر/ كانون الأول 
54 مع القوزاق الزابوروجيين. ويبدو أن السلطان يتراجع. وهذا الحدث يستحق 
الاهتمام لأن هاتين القوتين العازلتين» التتر والقوزاق؛ وهما متشابهتان بحكم 
الطبيعة ومتناحرتان بحكم المبدأء تتقاربان» لمرة وحيدة» في حين أن الدولتين 
«الراسختين»» اللتين تريان اتباعهما يفلتون منهما تتضامنان لوضع حد لهذه 
التجربة. وضد الخان المتمردء يُخرج العثمانيون ورقتهم الرابحة: كانتيمير ميرزاء 
القائد من التتر النوجايء ويقومون بعزل محمد جيراي مرة أخرى. وقد حاول هذا 
الأخير وأخوه المقاومة مرة أخرى باللجوء إلى يولنده حيث يشكلان جيشا قوامه 
4٠ ..6‏ رجلء يتألف من تترء وإن كان يتألف أيضًا من مغامرين بولنديين 
وقوزاق زابوروجيين. وقد تم إلحاق الهزيمة بالمتمرذين في نهاية المطاف و» مند 
ذلك الحين» سيكون خانات القرم أكثر خضوعًا مما في أي وقت سبق لسلطان 
اسطنبول الذي يعينهم ويعزلهم على هواهء وذلك إلى أن تفرض معاهدة كوتشوك - 
كايناردجا الحكم الذاتي للقرم» والذي يعد مقدمة للسيطرة الروسية. أمّا فيما يتعلق 
بالقوزاق: فإن بولنده ثم روسيا لن تتوقفا عن إخضاعهم لحسابهما. وفي عام 
؛:» سوف تتمكن الجيوش البولندية» المدعومة من «القوزاق المسجلين»» من 
سحق العناصر الأكثر تمرذا بين القوزاق وسوف تزيل مؤسساتهم. وعندئذ سيلج 
عدد كبير من القوزاق الزايوروجيين إلى صفة الدنيبر اليسرى. وسيدخلون هناك 
في اتصال مع قوزاق آخرين» هم قوزاق الدون. وفي نهاية المطاف» سوف 
يخضعون لسيظرة روسياء بموجب معاهدة بيرياسلاف :)١1554(‏ بتحريض من 


هتمانهم؛ بوهدان خميلنيسكي. 


"8 


سكان حدود آخرون: 
من التناحر إلى المحاكاة 

رأينا أن من واجبنا تقديم لمحةء ولو سريعة» عن تاريخ القوزاق لأنه كاف 
إلى حدّ بعيد لعقيدات والتباسات الحدود الإسلامية - المسيحية. ولا مراء في أن 
الصراعات التي لا تغتفر والمزمنة التي هي مسرحها قد خيضت باسم ديانتين 
متناحرتين» لكن مصالح سياسية تمتزج بها امتزاجا لا فكاك منه: فسادة الحدود 
اليولندية - الليتوانية لهم غايات تحريرية توحيدية في سواحل البحر الأسود وهم 
ينتهجون سياستهم الخاصة؛ في ارتباط بآل هابسبورج عند اللزوم - وهي سياسة 
تتعارض رسميًا مع السياسة التي يعلنها التاج اليولندي: المضطر إلى التعقل حيال 
جاره العثماني المزعج. على أن هذا الأخير لا يحرم نفسه من تأييدهم ودعمهمء 
وإن كان من طرف خفيّ بالضرورة. والمصالح الاقتصادية حاضرة بالمشل لأن 
هناك عمليات سلب ونهب يلزم على الجانبين القيام بها وء فيما يتعلق بهذه المسألة. 
فإن القوزاق وشركاءهم المحتملين من النبلاء لا يسكتون بالمرة على تجاوزات 
التتر. 

وفي الوقت نفسه؛ فإن كل معسكر من المعسكرين المتعارضين بهذه الدرجة 
من العنف إنما يُعَدُ بعيذا عن أن يكون مُوَحُدا بالدرجة التي يوحي بها التصور الذي 
يتحدث عن مواجهة مانوية. فعلى الجانب المسيحي؛ هناك توترات ليس فقط بين 
الدولتين الروسية والبولندية» وإنما أيضنا بين الكاثوليك والأرثوذكسء وء على 
المستوى الاجتماعي» بين السادة النبلاء والفلاحين» حيث كانت هذ النزاعات 
الأخيرة في صميم منشأ الحركة القوزاقية» حتى وإن كانت هذه الحركة قد تعرضت 
للاحتواء إلى حدّ ماء فيما بعد. 

والمعسكر المسلم ليس هو أيضنا مُوَحْدا. فإلى التوترات العثمانية - التترية 
تضاف أنواع أخرى بأكملها من التوترات في صفوف التتر أنفسهم: التنافسات بين 
أعضاء العشيرة السائدة والتنافسات فيما بين القبائل والتي تقدم تصوير! لها حادشة 
كانتيمير ميرزاء حليف العثمانيين ضد فرع آل جيراي الحاكم. 

وهذه الانشطارات على الجانبين تفتح السبيل أمام لعبة تحالفات ومعارضات 
معقدة لا ينجح الانقسام الأساسي بين العالم الإسلامي والجماعة المسيحية في 
تجاوزها في كل حين. 

58 


ثم إن القوزاق هم التجسيد الرمزي - التجسيد الذي قد يكون هو الذي 
ترك أعظم الآثار في الذاكرة الجماعية الأوروبية (وإن كان يجب أن لا ننسى 
أيضنا أن كل منطقة في أوروبا لها ذاكرتها الخاصة) - لظاهرة وُجذت» 
(“ائزوررو بجر وزبه :د بأشكال متباينة ولمصائر متنوعة؛ في كل أقسام الحدود 
الإسلامية - المسيحية في أوروبا. 

وإذا عدنا إلى الحدود الهابسبورجية في كرواتيا وسلاقونياء فسوف نجد أنهاء 
هي أيضناء منفصلة عن الخطوط التركية ب(”“أوببهر كمه 76 مشابهة للدزيكي 
يولا اليولندية» وإن كان على نطاق أصغر: تلك هي النيمشيا زمليا («الأراضي 
المقفرة»). وهي ناتجة عن غارات القوات التركية على الحدودء وإن كانت ناتجة 
أيضًا عن سياسة الأرض المحروقة المتبعة على الجانبين. والحال أن لاجنين 
مغادرين للأراضي التي يسيطر عليها الترك إنما يجيئون للإقامة في هذه المناطق 
الحدودية؛ القريبة من الخطوط الهابسبورجية. وهم يسمون بالأوسكوك (من الفعل 
الكرواتي /-:©: والذي يعني «الانتقال بقفزات متعاقبة»). وهم أسانا صرب 
وقالاك (حيث يُسمى هؤلاء الأخيرون:ء الناطقون بالرومانية: بالآأرومان أو 
الكوتسوقالاك). وتمنحهم السلطات حيازات فلاحية في الأراضي غير المزروعة أو 
في البراري. وفي عام 158؛ يمنحهم فردينان الهابسبورجي امتيازات تعفيهم من 
الضرائب لمدة عشرين سنة» في مقابل قيامهم بحراسة الحدودء وحق الحصول على 
ثلث الأسلاب المنتزعة من الترك. والحال أنه كان على كل قائد من الأوسكوك 
الحفاظ بشكل مستديم على قوة مؤلفة من مائتي جندي - مستوطن. 

ومع الوقت؛ تنضم عناصر متباينة إلى هؤلاء الأوسكوك الأوائل» ليس فقط 
من صرب وثالاك البلقان العثمانية؛ وإنما أيضا - وهو ما يُقريّنا من أصول 
القوزاق- من أفراد خارجين على القانون ومن فلاحين هاربين من الاضطهاد الذي 
يمارسه الأقطاب المجريون والكروات لكي يحيوا في ظل تنظيم اجتماعي مختلف. 
والخلية الأساسية هي الزادروجاء وهي جماعة أعضاء تجمع بينها أواصر الدم؛ 
وتستغل بشكل جماعي الأملاك المحازة من دون تقسيم لها ويتقاسمون الدخول. 


(<) بعد إجراء ما يلزم من تحويرات. باللاتينية في الأصل. --م. 
0« أرض اللاأحدء بالإنجليزية في الأصل. -م, 
1 


وتشكل عدة مجموعات قرية تنتخب قادتها المدنيين والعسكريين. والحال أن حقوق 
وواجبات هؤلاء «الحدوديين» (1رم ه07 07©120) سوف يجري إقرارها 
وتفصيلها في الميثاق بالغ الشمول والخاص بالحدود العسكرية لسلاقونيا وكرواتيا 
والذي أصدره في عام ١17٠‏ الإمبراطور فردينان الثاني» وهو الميثاق الذي يحمل 
عنوان «منداءماه١!‏ وإبناماى. ويجري استخدام مصطلح أصله عربيء نقله 
العثمانيون» هو كلمة حرامي» التي تعني الخارج على القانون» قاطع الطريق» 
للإشارة إلى هذه الجماعات التي يحمل قائدها العسكري لقب الثويقودء ذي الأصل 
السلاقي. ويشكل عدة «حرامية» «كابيتانية» يقودها «كابيتان»؛ يتبع «قائد الحدود 
العام». : 

وعلاوة على هؤلاء الأوسكوك البريين على الحدود الكرواتية؛: كان هناك 
أوسكوك بحريون على حافة المنطقة الحدودية الأخرى المتمثلة في البحر 
الأدرياتي» وكانت قاعدتهم قلعة سينج (سيجنا)» التي كانت بمثابة وكر يطل على 
البحر. وهؤلاء الأوسكوك البحريون يأتون أساساء هم أيضاء من أراض عثمانية 
يهربون منهاء لكنهم يأتون أيضًا من أراض يملكها الهابسبورجيون والبندقية. وهمء 
شأنهم في ذلك شأن القوزاق» مدافعون جسورون عن المسيحية وأعداء ألذاء 
للجسلام» إلا أنه يحدث مع ذلك أنهم يهاجمون وينهبون سفن مسيحيين رعايا 
للسلطان أو للبندقية. وهم يبررون أفعالهم هذه بالزعم بأنهم بإزاء مسيحيين فاسدين 
يتعاونون مع الكافر. 

وهم يتيعون الهابسبورجيين من الناحية الرسمية؛ لكن البندقية تسعى إلى 
احتوائهم للحيلولة دون ظهور منازعات مع العثمانيين» من شأنها أن تكون ضارة 
بمصالحها التجارية!"). 

ومن الواضح أن العثمانيين أيضنا لهم قراصنة في البحر الأدرياتي. ومن حيث 
المبدأء تتمثل مهمتهم في الردّ على هجمات الأوسكوكء لكنهم لا يحرمون أنفسهم 
من أخذ المبادرة أيضنا. ثم إن هؤلاء وأولئك لا يتخلفون أحيانا عن مهاجمة سفن 
تتبع معسكرهم. وبالمثل» فعندما يود المعسكران المختصمان إسكات نزاعاتهما 
والدخول في مرحلة سلم؛ يُواصل أعوائهم القراصنة - الذين لا يقيمون وزنا لأي 
اعتبار دييلوماسي - عرقلة التجارة والتسبب في وقوع حوادث. وهكذا يصبحون 


م" 


مزعجين يتضامن الطرفان الآن في الوقوف في وجههم. وسنقرأء على سبيل 
المثال» في محضر جلسة عَقَدَها قاضي (نائب) قلعة نوقاء أن ممثلي البندقية وممثلي 
السلطان قد اتفقا على دفع تعويضات للتجار ولضحايا آخرين للقراصنة التابعين , 
لكل طرف من الطرفين كما اتفقا على دفع تعويضات لضحايا قطاع طرق الجبل 
الأسود (كاراداج إشكيالاري)"). 

وقد أسلفنا الإشارة إلى أن الهابسبورجيين كان عليهم أن يحلوا بقدر كبير مسن 
البراجماتية مسألة القوات اللازم وجودها على الحدود المجرية أيضنا. وقد رأيناهم 
يلجؤون إلى مرتزقة ألمان وهو ما ألحق الضرر بالسكان الذين كان من المفترض 
أن يقوم هؤلاء المرتزقة بحمايتهم فقاموا على العكس من ذلك بإلحاق أسوأ 
الإساءات إليهم. ثم إن الهابسبورجيين؛ شأنهم في ذلك شأن أسلافهم في القرن 
الخامس عشرء قد قاموا بتجئيد رعاة وأحلاس لأجل حاجات الحدود. وبالشكل نفسه 
كما في الحالات التي سبق أن نظرنا فيهاء يجري الإشارة إلى هذه العناصر 
بمصطلح تركي الأصل يعني «قاطع طريق»: وهؤلاء هم الهايدو (الهايدوء 
بالمجرية ؛ الهايدوت: بالتركية). وإنه لصحيح تماما أنهم غالبًا ما يتحولون إلى 
قطاع طرق. وفي عام ١5١4‏ نجد أن إيتيان بوكسكايء أمير ترانسلقانيا فيما بعدء 
يستخدم هذه الكتلة الحركية في تمرده ضصد الهابسيورجيين. وبمجرد ضمان 
أنتصاره» بموجب اتفاق تم عقده مع قيينا في عام 5٠ااء‏ يفي بوعده الذي كان قد 
قدمه للهايدو الذين ساندوه؛ بتوطينهم في السهل الموجود حول ديبركزين حيث 
سيتمتعون باستقلالية واسعة. وفي عام 215508 يعترف الدايت المجرني بامتيازاتهم 
في مقابل أداء الخدمة العسكرية لصالح الملك. وإذ يستقرون على حدود المجر 
العثمانية وترانسلقانيا» فإنهم يحتفظون بحصون بين مجرى نهر التيزا والحدود 
الترانسلقانية. والحال أن هذه العناصر إنما يشرف عليها وعاظ كالقنيون وهي 
ترحب بالفلاحين الهاربين الذين تمتنع عن تسليمهم إلنبلائهم]. ومره حرىء فإن 
الحدود الإسلامية - المسيحية» بحكم ما تستدعيه من حاجات إلى قوات» إنما 
تصبحء بتواطؤ من جانب ضباط الحدود؛ ملاذًا اجتماعيًا للماربين من المؤخرة 
وساحة مجتمع «بديل». ويرتبط حادث شهير آخر في تاريخ هذه الجماعات ذات 
الوضعية الاستثنائيةء والمقيمة على الحدود بين الهابسبورجيين والعثمانيين؛: بموجة 


اا 


الهجرة الصربية في عام 153٠0‏ التي سبق أن أشرنا إليها بالفعل. وقد رأينا كيف 
أنه؛ في عام 2١15/49‏ قام الجيش الإمبراطوري؛» ع استرداده المجرء باختراق 
الدفاعات العثمانية والتغلغل في صربيا وفي البوسنة. وقد انحاز صرب عديدون 
إلى صف الغزاة وخاضوا حرب عصابات ضد سادتهم العثمانيين. والحال أن 
زعيمهم الروحيء بطريرك بيتشء أرسين الثالث كرنويقيتش» بعد تردده في وضع 
نفسه تحت حماية البندقية أو تحت حماية الإمبراطور ليويولد الأول؛ قد انحاز في 
نهاية المطاف إلى الثاني. وفي ١5‏ أبريل/ نيسان 151٠0‏ نشر ليويولد إعلانا أكد 
من خلاله رغبته في أن يرد إلى جميع الشعوب التي كانت خاضعة له بوصفه ملكا 
للمجر_حرياتها الموروثة عن أسلافها. وقد وعد على نحو خاص بضمان حرية 
العقيدة. والحال أن هذا التعهد قد ساعد انتفاضة الأرثوذكس الصرب والألمان» 
رعايا السلطان؛ إذ أدى إلى إخماد تحفظاتهم حيال نظام معروف بكاثوليكيته 
المتشددة. والنتيجة أن الجيوش الإمبراطورية تكبدت انتكاسات تضطرها إلى 
التراجع. والبطريرك الصربي يقرر هو أيضا التراجع؛ جارًا في أثره جزءًا من 
شعبه كان عدده محل جدل: وقد تحدث هو نفسه عن 4٠ ٠٠٠١‏ أسرة. وهم يذهبون 
أولأء في يونيو/ حزيران 1510 إلى بلجراد التي كانت لا تلزال تحت سيطرة 
الأباطرة. لكن العثمانيين سوف يستردون بلجراد في 1 أكتوبر/ تشرين الأول. 
والحال أن الانتصار العثماني إنما يضطر البطريرك ورعيته إلى التفاوض مع 
ليوبولد على إقامتهم في الأرض الهابسبورجية. وفي 7١‏ أغسطس/ أب 2159٠١‏ 
ينشر الإمبراطؤر تصريحا أولاً - سوف تتلوه تصاريح أخرى- يُرسي أسس 
الاستقلالية الذاتية الصربية؛ في الشأن الديني بالأخص» في مملكة مجرية تنتفل 
تحت السيطرة الهابسبورجية. وقد أفلت الجنود - الفلاحون الصرب من الجبايات 
الضريبية التي لا كابح لها والتي كان كبار الملاك النبلاء يفرضونها كما أنهم لم 
يدفعوا العشر لرجال الدين الكاثوليك. وقد خصصوا المبلغ المساوي له للإنفاق على 
كهنتهم هم. ومن جهة أخرىء لم يتخلف الأقطاب والأساقفة المجريون عن 
الاحتجاج على هذه الامتيازات. ثم إن المجلس الحربي في قيينا سوف يقررء في 
الأول من مايو/ أيّار 1544 أن الصرب سوف يحصلون على أراض في 
«كومانيا»» أي بين نهري الدانوب والتيزا. وعلى أثر ذلك: سوف يأتي الصرب 
اا 


فعل للاستيطان في المناطق المهجورة من هذه المنطقة؛ على امتداد الدانوب» من 
التيزا الأسفل إلى الماروس» على الحدود مع العثمائيين. وبما أن هناك أيضا صرب 
على الجانب العثماني من الحدود» فإن الشعب الصربيء هناء كما على الحدود بين 
سلاقونيا وكرواتياء قد وجد نفسه منقسما جرّاء الانقسام العظيم. وفي مرحلة أوليء 
كان البطريرك الصربي مقيمًا هو أيضنا على الحدودء في دير كروشدول (على بُعد 
خمسين كيلومتر! شمال غرب بلجراد)» وسط شعبه» لكنه سيتلقى الأمرء في عام 
١‏ بالاستقرار في سنتندر (على بُعد عشرين كيلومترا شمال بودا)» بعيذا هذه 
المرة عن شعبه. ٍْ 


الحدوديون العثمانيون 

إذا كنا لا نجد على الجانب العثماني من حدود أوروبا الوسطى نظراء تامين 
لأوسكوك كرواتيا أو لهايدو المجرء نقد كانت هناك حاجة؛ على الحدودء بالشكل 
نفسه» إلى استكمال الوحدات النظامية (الإنكشارية المرسلين من العاصمة: 
السباهيين الحائزين لتيمارات محلية) بعناصر يتم تجنيدها من الساحة؛ بأكبر 
قدر من البراجماتية. وهكذا يجري تشكيل قوات من «إنكشارية محليين» 
(ييرلي قول) هم سلاف جنوبيون أسلمواء يتألفون خاصة من عبيد سابقين مُعتقين 
(آزادلو). ويجري أيضنا تجنيد قوة أخرى» موجودة في حاميات الحصون إلآ 
أن بإمكانها أيضًا المشاركة في حملات بحرية» هي قوة العَرب التي يتم تجنيدما 
من صفوف فلاحين صرب محليين أيضًا. وهكذا يمكن لشاهد راجوزي أن يكتب 
إلى الإمبراطور ماكسميليان الأول» في مستهل القرن السادس عشر: 
(ذ 'أروررمززورر © أهء مم1 تمنو تنرهأاكىة[/) 1071 أورمكك4 عكك ايكون ل». 
أما فيما يتعلق بقوة ال 5م/0,ه”؛ الموجودة في حصون عثمانية عديدة على 
الحدود» فهي تظل مؤلفة أسامنا من مسيحيين؛ حتى وإن كانت تضم في صفوفها 
متحولين [إلى اعتناق الإسلام] وحتى إن كان ضباطهاء الأغوات» مسلمين. ثم إنهم 
يبدون تماثلاً آخرّ مع ال ,6,2 على الجانب الآخر: فإذا كان بعضهم 
يحصلون على رواتب» فإن البعض الآخر يتألف من جنود - فلاحين» لحيازاتهم 
وضعيةٌ خاصة تعفيهم من غالبية الضرائب الزراعية. ومن الواردء على هذا 

1 


الجانب أيضاء أن الصرب كانوا منظمين في جماعات عائلية موسشعة» من نوع 
الزادروجا. والواقع أن اللوائح العثمانية تنص على أن إخوتهم وأبناء إخوتهم الذين 
لا يؤدون الخدمة العسكرية ليسوا معفيين من أداء الضرائب الزراعية العاديةك ). 


القراصنة البربر 

أدت مكتسبات سليمان القانوني وسليم الثاني في أفريقيا الشمالية إلى جعل 
سواحل تونس والجزائر وطرابلس الغرب حدوذا عثمانية؛ حيث يشكل البحر 
المتوسط الغربي هذه المرة الفاصل عن الدول المسيحية. وكما على حدود أخرى؛: 
فإن الممثلين المحليين لسلطة مركزية كانوا جد بعيدين عنها قد مالوا إلى انتهاج 
سياسة تخصهم؛ لا تتطابق دومًا مع سياسة المركز. على أن الأمور قطعت هنا 
شوطا أبعد مما في أماكن .أخرى: فالإيالات القديمة قد أصبحت دولاً شبه مستقلة: 
حتى وإن كانت لم تقطع قط الحبل السّري الذي يربطها بالمترويول: فقد احتفقفت 
مع السلطان برابطة ولاء وواصل المجندون الأناضوليون الجدد تغذية قوة 
الإنكشارية الموجودة في المغرب. وكما هي الحال مع المناطق الحدودية الأخرى؛ 
تتمتع هذه «الإيالات» بكتلة متحركة في «الفاصل البيني». وتتألف هذه الكتلة هذه 
المرة من القراصنة البربر. وشأنهم في ذلك شأن «رجال الحدود» الآخرين» فإن 
هؤلاء القراصنة قد يباغتونك بما لا تتوقع (من الوارد أحيانا أن تجعل الظفروف 
منهم قراصنة مبتذلين) ودوافعهم غامضة: إنهم يقاتلون باسم الإسلام وقد أشير إلى 
الدور الذي لعبه سخط المسلمين ثم المورسكيين المطرودين من إسبانيا في اتساع 
القرصنة وتجارة العبيد التي أنجبتهال”". وفي الوقت نفسه؛ فإن القرصنة والأسلاب 
التي حققتها هي أيضنا مصدر دخلهمء وهي تشكل بديلاً عن الثجارة المنتظمة”". 
ومن جهة أخرىء نجد أن القراصنة وقباطنتهم هم أنفسهم؛ شأنهم في ذلك شأن 
ضباط الأوجاقات المغربية» إنما ينبتقون أحيانا من هؤلاء «المرتدين» الذين 
يتجاوب تأسلمهم عمومًا مع دوافع انتهازية وليس مع أي اختبار (على أن الويل 
ل«مسيحيي الله» هؤلاء إذا ما عادوا إلى ديار الجماعة المسيحية ووقعوا في براثئن 
محاكم التفتيش!). ونجد بين المرتدين عبيذا سابقين معتقين» لكننا نجد أيضاء بما أن 
الحدود تشكل هنا أيضنا مهرباء منشقين من كل نوع كانت لهم مصلحة في الهرب 
من ديار الجماعة المسيحية: جنوذا أو بحارة ساخطين» فلاحين مضطهدين مسن 

39 


سادتهم النبلاء» أرباب سوابق وأفراذا آخرين خارجين على القانون» تجارًا باحثين 
عن فرص جيدة؛ أي متخصص راغب في الاسترزاق من معارفه أو من دراياته 
العملية. ولا نقص هناك في البنادقة والجنويين والصقليين والكالابريين والقادمين 
من نابولي والكورسيكيين» بل واليهود أحياناء المستعدين لأن «يصبحوا أتراكا» 
ولأن يجربوا حظهم في تونس أو الجزائر أو طرابلس الغرب. ويحكي ثربانتس في 
الجزء الأول من روايته دون كيخوته (الفصول 74 - ١؛)‏ كيف أن المدعو حسن 
باشاء باي الجزائرء يبدي له آيات الصداقة خلال أسره في ميناء البرير. وكان هذا 
الباي دالماتيًا تحول إلى اعتناق الإسلام. وهناك مثال آخر شهير: فالرجل الذي 
أصبح بايا لتونس في عام 7737١ومؤسسا‏ لأسرة حاكمة» هي أسرة المراديين» التي 
ستحكم الإيالة حتى مستهل القرن الثامن عشرء لم يكن إلا ليجوريا اسمه أوستا 
موراتو. كما أن هناك حالة أخرى شهيرة: وهي حالة بندقي سيحكم مدينة الجزافر 
من عام 48؟١1‏ إلى عام ١114©‏ تحت اسم علي «بيتشنينو». وابريصل الصينع إلى 
الفوز بمثل هذا الحظء ولكن ما أغرب المصائر التي نجدها بين هؤلاء المرتدين 
خذوا أيضنا حالة أورازيو باتيرنو كاستيللو؛ المنحدر من عائلة من عائلات النبلاء 
في كاتانا التي اضطر إلى مغادرتهاء لأنه قتل زوجته بسبب الغيرة. فخلال هربه؛» 
اختطفه قراصنة طرابلس الغرب وتحول إلى اعتناق الإسلام متخذا لنفسه اسم 
أحمد. وسوف يصبح ترجمانا في طرابلس. 

واعتبارًا من عام 156٠‏ فإن المرتدين الذين حصلوا على مناصب رفيعة في 
الإيالات سوف يكونون بالأحرى «بونانتان»» رجال بحر شماليين» انجليز وفلمنك 
بالأخص. والحال أن خطر القرصنة إنما يسمع الملاحة المتوسطية ويطال جميع 
الأمم: وهو يؤثر على السكان الذين لا يضعهم في حالة رؤية ال«الترك» غير 
خروج إلى البحرء ما يعود عليهم عموما بأكبر مصيبة. والأدب والمسرح حافلان 
بهذه الاختطافات على أيدي البربر الذين يقلبون في لمح البصر المصائر التي كان 
قد جرى التخطيط لها على أفضل نحو ويتسببون في جعل الأسوأ ممكنا فجأة؛ حتى 
وإن لم يكن مؤكذا دومًا. وقد عبر موليير عن ذلك في مسرحيته المشدوه (الفصل 
الرابع» المشهد السابع): «من المألوف جدًا في أعمال المغامرة أن نرى أناسئا 
يختطفهم في البحر تركيً قرصانٌ ما». 


ويجري اختزال ضحايا هجمات القراصنة إلى العبودية. وما أكثر المصائر 
التي جرى قلبها بذلك! إنهم سوف يكابدون الشقاء ويتعفنون في السجون وفي 
الأشغال الشاقة على السفن أو في خدمة أفراد. وقد حاولت الدول المسيحية 
افتداءهم؛ كما حاولت ذلك مؤسسات خيرية وأخويات دينية متخصصة في 
المساومات مع السادة الكفار. وأهم هذه الأخويات هي أخوية الثالوث بالغ القداسة:؛ 
أو أخوية التثليثيين» التي أسسها في فرنسا في عام ١١97‏ جان دو ماتا وفيلكس دو 
قالواء و» من جهة أخرىء أخوية نوتر دام الرحمة؛ المسماة أيضنًا بأخوية الرحماء. 
وكانت هذه الأخوية الثانية قد أسست في برشلونة في عام ١٠١‏ من جانب بيدرو 
نولاسكو. لكن من تم تخليصهم؛ بعد فترة أسر طويلة إلى هذا الحد أو ذاك؛ ليسوا ' 
غير أقلية. وبحسب تقدير إيمانويل دارانداء وهو جندي فلمنكي شريف؛ كان هو 
نفسه أسيرا في مدينة الجزائرء فمن الوارد أن 5٠٠ ٠٠٠‏ مسيحي قد ماتوا في 
الأسر في مدينة الجزائر بين عامي ١675‏ و٠954).‏ وفيما يخص التجارة 
المغربية في العبيد في مجملهاء بين عامي ١57٠١‏ و٠154؛‏ فإن تتليتاء هو الأب 
دان» إنما يعلن من جانبه: «قد الا يكون مجاوز! للحقيقة أن نقول إنهم [البربر] قد 
قيدوا بالأغلال أكثر من مليون [من المسيحيين]» 9". 

ومدينة الجزائر هي المركز الرئيسي لتجارة العبيد» لكن كل مدن ساحل 
البربر» بين سال وطرابلس الغربء إنما تشارك في هذه التجارة. ومن عام ١58٠١‏ 
إلى عام ١٠1586١1ء‏ كان في مدينة الجزائرء في المتوسط» نحو ٠٠٠‏ لا” من هصولاء 
العبيد المسيحيين (سيقل عددهم فيما بعد). وفي الوقت نفسه؛ كان في مدينة تونس 
نحو ٠٠٠١‏ مثهم وربما كان في مدينة طرابلس الغرب ٠٠٠١‏ منهم. ومجمل هذه 
التقديرات يتطابق تقريبًا مع الرقم الذي أشار إليه الأب دان من جهته في هذه 
الحصيلة القاتمة: «فيما يتعلق بالعبيد من الجنسين؛ والموجودين اليوم في بلدان 
البربر» هناك عدد بينهم من كل البلدان المسيحية» كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا 
والفلائدر وهولنده واليونان والمجر وبولنده وسكلاثونيا وروسياء كما من بلدان 
أخرى. ويصل عدد هؤلاء المخطوفين البؤساء إلى نحو ستة وثلاثين ألفاء بحسب 
الإحصاء الذي تسنى لي القيام به في المواقع وبحسب المذكرات التي قدمها 
وأرسلها إليّ القناصل المسيحيون المقيمون في مدن القراصنة»؟". 

50 


والحال أن ظاهرة على هذه الدرجة من الجسامة قد وضعت في مهب الريح 
كل الحياة الاقتصادية والاجتماعية لمناطق ساحلية عديدة كمناطق بلنسيه والأندلس 
والباليار وكامبانيا وصقلية ؛ كما أنها سممّت الملاحة البحرية في مجملهاء سواء 
كان ذلك في الحوض الغربي أم في الحوض الشرقي للبحر المتوسط. وعلاوة على 
ذلك؛ فإن جسارة البربرء في أواخر القرن السادس عشر وفي القرن السابع عشرء 
قد قادتهم إلى المحيط الأطلسي وإلى المائش. وعندئذ فقد كان يجري خطف أسرى 
قبالة رأس فينيستير في غاليسياء كما بالقرب من البل إيل أو سان مالوء بل على 
ضفاف التير - نوف7 حيث وجد الصيادون الفرنسيون والبرتغاليون والإنجليز 
أنفسهم مهددين. بل إن آيسلنده نفسها قد تعرضت للهجوم2". ١‏ . 

والحال أن الفرنسيين؛ شأنهم في ذلك شأن كل من يبحرون في البحر 
المتوسط؛ قد تعرضوا للمساس بهم على الرغم من تحالفهم السياسي مع السسيد 
الأكبر [السلطان] وهم يفكرون في معالجة الأذى بالتدخل لدى هذا الأخير. والواقع 
أن التدخلات لدى الباب العالي للشكوى من تعديات القراصنة البربر 0 
متكررة من جانب السفراء في القسطنطينية. إل أنه علاوة على حقيقة 
القراصنة» بحكم طبيعتهم» غير قابلين للسيطرة 00 
والتتر والأوسكوك الآخرين)؛ فإن [هذه التدخلات] إنما تعني تصور أن الإيالات 
مازالت حدوذا عثمانية بالفعل في حين أنها قد أصبحت دولاً شبه مستقلة. . ومن ثم 
فقد يتوجب التعامل معها مباشرة أو محاربتها. وهذا الاستيعاب للموقف يشق طريقه 
تدريجيًا. واعتبارًا من مستهل القرن السابع عشرء تبدأ حرب خفية بين الأسطول 
الفرنسي والبربر. ثم» سعيًا إلى وقف القرصنة» يجري توقيع معاهدات مع الجزائر 
في عامي ١578‏ و٠154؛‏ ومع تونس في عام 1550 ثم مع الجزائر من جديد في 
عام 1557. إلا أنه بما أن الأذى يستمرء فإن فرنسا لويس الرابع عشر تنخرط: 
في ثمانينيات القرن السابع عشرء في «سياسة بوارج» ضد موانئ القراصنة: ففي 
يوليو/ تموز ١158ء‏ يقصف دوكسن مرسى شيو حيث طارذ سفنا طرابلسية. 
ويجري قصف الجزائر في أعوام 5 و1587 و1588 ؛ وطرابلس الغرب في 
عام .١1546‏ وبعد هذه المرحلة القمعية» يتم توقيع سلسلة بأكملها من المعامدات 


(*) نيو فاوند لاند, عم 


الجديدة أيضنًا: ة في عامي 65 و181١‏ مع الجزائر ؛ؤوفي عامي ميلا 
و145١‏ مع طرابلس الغرب. وحالة قراصنة سال حالة خاصة لأنها تحتم مفاوضة 

مع العاهل المغربي. وكان فذاق التقاراض على منافنة أولن جع لكان فر يي هو 
لوفيقر دو لا بارء لكن فرساي رفضت التصديق عليها. وسوف يتعين أن يأتي إلى 
فرنسا سفيرٌ لمولاي إسماعيلء هو تميم» والي تطوان» كي ينتهي الأمر بلسويس 
الرابع عشر إلى توقيع معاهدة في فبراير/ شباط 7 ., وسوف يحمل نصها 
البارون دو سان - أمانس إلى المغرب الأقصى لكي يصدق مولاي إسماعيل عليها 
بدوره. على أن العلاقات الفرنسية - المغربية لن تكف عن التدهور بسرعة. وفي 
عام 1,: سوف تحاول سفارة مغربية جديدة إلى فرنساء هي سفارة القبطان عبد 
أله بن عائشة, التوصل إلى معاهفدة جديدة؛ لفن المفاوضات سوف تمنى 
بالفشل9". وسوف تستمر مشكلة البربر في القرن الثامن عشرء وستحدت أيضنا 
عمليات قصف من حين إلى آخر. 


القرصنة المالطية 

من جهة أخرىء على هذه الحدود كما على الحدود الأخرىء فإن الأثر 
المرآوي فاعل بالكامل» ورد الجماعة المسيحية الآخر على تعديات البربر هو 
معاملة «الترك» بالمثل: فنكون بإزاء القرصنة المالطية؛ وهي القرصنة واسسعة 
النطاق تحت رعاية فرسان مالطة؛ الذين حررهم من الضغط العثماني فشلْ حصار 
الجزيرة في عام .١151©‏ وبالمثل» سوف يستقر فرسان سان - إيتيان في ليفورنو 
اعتبارًا من عام 1517» بتحريض من دوق توس كانيا الأكبر. وسسوف تستمر 
المنظمة حتى مستهل القرن ؛ الثامن عشر تحت تحت الرعاية المزدوجة للدوق الأكبر 
والقديس المسماة باسمه. وينخرط هؤلاء القراصنة المسيحيون في السلب والنهب 
هم أيضنًا. فيستولون على غنائم وخاصة على عبيد سوف يعاد بيعهم في أسواق 
ليفورنو ومالطه وجنوه. والحال أن المختطفين المسلمين كان يجري إرسالهم فسي 
غالبيتهم إلى مختلف السفن الأوروبية حيث كانوا يقومون بالأعمال الشاقة. وفي 
رسالة إلى كولبيرء يشير الماركيز دو نوانتيل» السفير في القسطنطينية: إلى ٠٠٠٠١‏ 
«تركي» يجذفون على السفن الفرنسية في عام 1١517٠١‏ (لم يأت كلهم من جهة 


234 


أخرى من القرصنة المتوسطية). وعندما سيذهب إلى فرنسا في أبهة في عام 
١‏ سفيرٌ للسلطان أحمد الثالث؛ هو يرميزكيز جلبي محمد أفندي: إلى لويس 
الخامس عشر الشاب» فسوف يفتدي لدى توقفه في مالطه قبطانا مخطوفا اسمه 
سليمان. وقد حمل معه أيضنًا قائمة بأسماء المخطوفين الموجودين في مارسيليا لكي 
يطلب من السلطات الفرنسية إخلاء سبيلهم أو على الأقل السماح بافتدائهم. والحال 
أن سوء النية الذي اصطدم به السفير سوف يدفعه إلى اتخاذ موقف قوي قليل 
الدييلوماسية حيال محاوره؛ الوزير ديبوا: «بينما تزعمون أنكم أفضل أصدقاء 
الدولة العلية» تحتف إن بأكثر من ألف من إخوتي في الشريعة عبيذا وفي السجن. 
إنكم تجعلونهم يجذفون على سفنكم ؛ فما الجرائم التي اقترفوها؟ لماذا تبقونهم في 
هذه العبودية؟ [...]. إن الألمان الذين نحن معهم في حرب تارة وفي سلم تارة 
أخرى؛ يخلون سبيل عبيدنا في مقابل فدية. بل وما أكثر أولئك الذين يخلون سبيلهم 
من دون أن يطلبوا شيئا! وقد تلقيت طلبات من أهلنا أرى منها أنكم تحتجزونهم في 
أسر العبودية لمدة ثلاثين وخمس وثلاثين وأربعين سنة. فلماذا لا تخلون 
سبيلهم؟»9"). 

وقد خَيّمَ هذا الحدث على أجواء الاحتفالات والتعبير عن آيات الصداقة. فهو 
قد ذَكرَ على نحو لا لبس فيه بما أريد من وراء كل ما عداه نسيانه؛ انقسام أوروبا 
إلى اثنتين. 7 


الفصل الخامس 
ثغرات في المواجهة 


الإبديولوجيات التي وصفناها متناحرة وغير قابلة للتوفيق فيما بينهاء على 
الجانبين. ولو كان صوت الإيديولوجيا هو الصوت الوحيد المسموع؛ على امتداد 
الحقبة الحديثة» لظل المعسكران وجهًا لوجه» كل منهما على جانبه من الحدود. 
وكان من شأن كل منهما أن ينكفئ على إيديولوجيته وما كانت لتقوم بينهما علاقات 
إلا علاقات المواجهة. ومن جهة أخرىء فعلى هذا النحو أيضنا مازال يجري غالبا 
تصوير العلاقات بين الترك وأوروبا. على أن فحص الحقائق الواقعية يبين أن 
أصوابًا عديدة غير متجانسة قد سُمعت في تلك الحقبة. وهذه الأصواتء بالنسبة 
للطرفين أو بالنسبة لواحد منهماء هي أصوات الواقعية السياسية والبراجماتية 
التجارية وجاذبية الغرائبية والمحاكاة التكنولوجية والمعرفة الاستشراقية والتأمل 
الفلسفي. وكل هذه الأصوات لكل منها طبيعته جد المختلفة ولا يمكن الخلط بينها 
كلها. ولهذه الأصوات آثار متفاوتة في جسامتها بالنسبة للإيديولوجية السائدة. 
وبعضها لا ينال من الإيديولوجية لأنه يكتفي بوضعها مؤقتا بين قوسين من دون أن 
يخفيها البتة. فهي تظل في الخلفية ولا تكون البتة بعيدة جدًا. وهذا هو ما سوف 
يفسرء مثلأء تقلبات الملك جد المسيحي في تحالفه - جد العميق مع ذلك- مع 
التركي وحقيقة أن بإمكانه أن يكون في أن واحد حليفه وأن يسعد سعادة صاخبة 
بمناسبة هزائمه؛ أو أيضنا قوة استياء التاجر المارسيلي من تبجحات مسؤول 
الجمارك في سميرن [إزمير] أو حلب. والحال أن أصواتا أخرى إنما تعد من حيث 
المبدأ ضربات سكين أكثر خطورة: لكن أثرها يظل مع ذلك محدوذا إذ لا يسمعها 


>31 


معضلات الصراع المسلّح 

اتخذت الحرب أشكالاً متنوعة. وقد توصل العثمانيون إلى إدراك وجوه 
تأخر هم وإخفاقاتهم في فتوحاتهم. وقد حدث أيضنا أن خصومهم يأخذون المبادرة. 
ويبقى مع ذلك أن العثمانيين» بصرف النظر عن الدوافع الإيديولوجية والمادية 
لمسلكهم (جاذبية الأسلاب؛ الجوع إلى أراض جديدة لتوزيعها على الوجهاء 
والمقاتلين)؛ كانوا في موقف الهجوم في أوروبا (كما في أماكن أخرى) وأن 
الأوروبيين كانوا في موقف دفاعي. وفي صيف عام /1517: أيضناء نجد أن 
المؤتمر العسكري الكبير المنعقد في قييناء مقر ال رمت ن/اء8 «سزانومم)» عند 
نظره في الاستراتيجية التي يجب اتباعها حيال الترك؛ قد قرر التخلي عن الهجوم 
واختار استراتيجية دفاعية» على أن تكون الأفضل تنظيما قدر الإمكان. بيد أنه 
على الجانب العثماني كان هدفه الفتح الكامل قصير العمر. وتنشأ حدود بين الترك 
والجماعة المسيحية؛ بما يؤدي إلى تقسيم أوروبا إلى اثنتين. ويتعين على السلطان 
التسليم بمبدأ الواقع الذي يدفعه إلى إدراك الحدود الحقيقية لقدراته ويقوده؛ فسي 
الممارسة العملية إن لم يكن على مستوى الإيديولوجياء إلى الاحتفاظ مع نظرائه 
الأوروبيين بعلاقات مختلفة عن العلاقات الحربية وإلى الاندماج في النظام 
الأوروبي بدلا من القضاء عليه. 

والحال أن أسطورة القوة العثمانية التي لا تُقهر والتوسع العثماني الذي لا 
نهاية له إنما تتحطم على عدة صخورء حتى عندما كان تفوق السيد الأكبر 
[السلطان] لا يزال راسخا. ففي إمبراطورية كان الزخم السياسي فيهاء بل؛ إلى حد 
ماء توجيه العمليات العسكرية» مركزين في العاصمة؛ وحيث كانت القوات البرية 
والبحرية الرئيسية متمركزة في منطقة محدودة؛ هي ال إتش إيل («عمق البلد»)؛ 
والتي تعد قلب الإمبراطورية؛ وحيث تحتفظ الحملات؛ جراء ذلك؛ بطابع موسمي 
صارم؛ فإن المسافات إنما تصبح تحديًا رئيسيًا لا مفر من مواجهته في الظفروف 
التقانية لذلك الزمن؛ سواء تعلق الأمر بالنقل أو بالمواصلات. ثم إن هذه النفروف 
قد زادت من تفاقمها المصاعب الراجعة إلى المناخ أو إلى تضاريس الأماكن. 
والواقع أن من المثير أن نلاحظء لدى قراءة المرويات عن حملات المجر؛ إلى أي 





(*) المجلس الحربيء باللاتينية في الأصل. -م. 
5518 


حدّ كان من شأن الأمطار التي لا تتوقف والسيول والبرد وندرة الموارد عرقلة تقدم 
القوات» بصرف النظر عن المآثر المتميزة نسبيًا للوجستيك والإمداد العثمانيين. 
وعلى الجبهة الإيرانية» على العكس من ذلكء فإن الحرّ والجفاف هما اللذان» جنا 
إلى جنب الاجتياز الشاق لجبال تثير الدوارء ينالان من صعود القوات. وهذه 
العوامل تقرر «مدى فعل» القوات العثمانية وتبرز حدوده. وترجع عذة إخفاقات 
إلى هذه العوامل البنيوية؛ بأكثر مما ترجع إلى جهود الخصم الذي؛ على العكسس 
من ذلكء وقد أدرك جيذا «كعب أخيل» الفاتح العثماني هذاء يتوارى بشكل منهجي 
ويمارسء عند الاقتضاءء تاكتيك الأرض المحروقة: حصار قيينا الفاشل في عام 
4 ؛ شبه فشل الاستيلاء على نيس أو فتح كورسيكا مسن جانب الأساطيل 
الفرنسية - العثمانية» تحت قيادة بارباروسنًا وخلفائه المباشرين ؛ فشل حملة 
آستراخان على نهر القولجا في عام ١554‏ (قائمة قد يكون بوسعنا أن نضيف 
إليهاء خارج أوروباء مثلأء الفتح المستحيل للهضبة الإيرانية في عهدي سليم الأول 
وسليمان القانوني). ومن جهة أخرى:؛ فإن هذه العقبة نفسها همي التي تعوق 
السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية للإمبراطورية على أطرافها وترغمها 
على الاكتفاء بحلول وسطهء بما يترك لهذه المناطق الحدودية الشاسعة درجة من 
الاستقلالية الذاتية كبيرة إلى هذا الحد أو ذاك. 

ومع ذلك؛ فإن «الجنرال الشتاء»» أو العقبات الطبيعية عموماء ليست العوائق 
الوحيدة في وجه تقدم الترك؛ إذ من الصحيح تماما أن هؤلاء الأخيرين لا يجدون 
أنفسهم دومًا أمام الفراغ؛ بل إن من الوارد لعدو غير تافه؛» وقادر على المقاومة بل 
وعلى شن هجوم مضاد أن يقف في وجه خططهم وأن يتسبب بالفعمل في خلق 
متاعب لهم. وألاً نرئ أن سليمان القانوني نفسه - في زمن يعتبر زمن أوج 
الإمبراطورية- قد عرف لحظات انزعاج شديد»ء بل وقلق معين» حتى وإن كان 
ذلك خلال حملة جد مثمرة إجمالاً كحملة فتح بانية تيميسقار في ربيع وصيف عام 
0 ؟ وهكذا سوف يعبر عن استيائه في أمر صادر إلى سنجق بك البوسنة» 
محمد باشاء في 74 مايو/ أَثّار ”100: «على مر الزمان؛ اعتاد غزاة ولاية 
البوسنة على الإغارة على بلد الكفار الفجّار وإلحاق الخراب به. وقد أنجزوا 
فتوحات ومآثر كثيرة العدد. وقد شنوا اختراقات وغارات سلب. باختصارء اعتادوا 


4 


إنزال الهزائم من كل نوع بالكفار الحقراء. فما السبب الذي يجيز لهؤلاء الأخيرين 
الآن التحرك وإخضاع بلد الإسلام (ولاية - إي - إسلامية سيجيردوب) 
للاختراقات وإلحاق أضرار وتدميرات من هذا النوع بالرعايا الذين يحيون في 
«بلادي المحروسة» (ممالك - إي محروسم رعايا سينه)؟ ما السبب إذن في عدم 
اتخاذ تدابير لضمان دفاع أفضل؟»0". 

وبعد ذلك بخمسة عشر عاماء في يونيو/ حزيران» يحث السلطان هذا الرجل 
نفسه على «عدم الإهمال وعدم الاستسلام لتلاعبات الكفار الفجار عبر احتيالاتهم 
وشراكهم, بل البرهنة دومًا على الشجاعة واليقظة في حراسة وحماية الحدود»7". 

ولم يكن من شأن هذا التوتر العصبي إل أن يزداد حدة عندما بدأ الموقف 
العسكري في التدهور بشكل أكثر خطورة. وإذا ما تعين علينا تصديق رسالة 
نشرت في باريس في عام 15177 فإن كارثة ليبانت قد تكون أثارت الفزع في 
اسطنبول. ومن المفترض أن سليم الثاني قد أمر بنقل خزانته إلى بورصاء إلى 
جانب «النساء والأطفال الذكور الصغار الموجودين في السراي». وقد يكون هو 
نفسه وإنكشاريته قد لجأوا إلى إدرنه؛ بينما جرى تعزيز دفاعات اسطنبول. ومسن 
المفترض أن السكان المسلمين قد فروا أيضنا من العاصمة؛ حيث لم يبق فيها إلا 
يونائيين و«مسيحيين إفرنجيين»7). وعلى العكس من ذلك؛ تَشَدَدُ المصادر العثمانية 
على إعادة البناء السريعة للأسطول؛ بفضل رباطة جأش وقوة عزيمة الصدر 
الأعظم سوكوللو محمد باشا. 

وليس من اليسير دومًا أن نميزء في فرملات التقدم العثماني؛ بين القرارات 
المتعلقة ب«مدى فعلهم» والذي تفرضه عليهم قيودٌ في لحظة معينة:؛ واشتهاءات 
خصم يستخلص درومنا من التجربة وينظم صفوفه ويُحَدث إمكاناته ويعزز قواته. 
والأرجح أن العثمانيين كانواء في الأغلب» ضحايا إلى حدّ ما للعاملين. وفي جميع 
الأحوال؛ فإن القاعدة التي التزموا بها هي استيعاب الضربات في صمت. فهم لا 
يعترفون علانية البتة بإخفاقاتهم؛ كما أنهم لا يعترفون» من حيث المبدأء بوجود 
حدود لهم. وفي الخطاب الرسميء فإن الياديشاه «منتصرٌ دوما» (مظفر دائمًا) 
ويظل العدو كافرا حقيراء «كتبت عليه المذلة». 


رسالة النيوءات 

إذا ظهر الشك مع ذلكء فإنه يظهر بشكل غير مباشرء بين سطور الخطاب 
الرسمي أو في اللغة الضمنية للقرارات. 1 

وبوسعنا أن نرصد التعبير غير المباشر عن انزعاج وعن شعور بالضعف 
والهشاشة لدى الترك في النبوءات أو «النبوءات المزعومة»؛ كما سماها جان 
دوني؛ والتي تروج بشأنهم'). ومن المؤكد أنها ليست كلها ذات وضعية واحدة كما 
أنها لا تسمح بتفسيرات واحدة. والواقع أن بعضها لا يصدر عن الترك أنفسهم؛ بل 
عن رعاياهم المسيحيين. والحال أن الراهب الكابوتشي ميشيل فاثرء مثلاء يتحدث 
في كتابه الحالة الراهنة لتركياء المنشور في عام :١275‏ عن النبوءات الرائجة في 
صفوف «غالبية المذاهب» (أي الملل المسيحية الموجودة في الدولة العثمانية)؛ 
والتي تذهب إلى أن من شأن ملك فرنسا أن يحرز يوما ما انتصارات على تركيا. 
ويذكر الكاتب نفسه في كتاب آخرء هو كتاب مسرح تركياء الصادر في عام 
: نبوءة لدى الأرمن» منسوبة إلى بطريركهم الذي عاش في القرن الخامس» 
وهو القديس نرسيسء «تعطيهم الأمل في التخلص يوما ما من استبداد الترك». 
وتعبر مثل هذه النبوءات عن آمال السكان الخاضعين؛ وء بقدر ما أن لا شيء يدل 
على أثرها على معنويات السادة» فإنها لا تقو تقول شيئًا عن الترك. والمهم وحده في 
هذا الصدد هو النبوءات التي يؤمنون هم أنفسهم بها. كما أن من المناسب أن نكون 
متعقلين لأن حالة ال ««ربمزاء ”1 1ه“ التي أوردها الأخ بارتولوميوس 
جورجيقيتشء والتي أسلفنا الإشارة إليهاء قد بينت أن نبوءة تتعامل مع أسطورة 
التفاحة الحمراء بمعنئ مضاد لمعناها قد أمكن عزوها إليهم من دون وجه حق. 
ومع ذلك؛ فإن حالات العزو الزائف هذه لا تنطلق من لا شيء. فهي لا تفعل سوى 
توظيف واختطاف تنبوءات - جرت بلورتها استناذا إلى تراثات أخروية ورؤيوية 
بيزنطية أو إسلامية قديمة- تعد موجودة بالفعل لدى العثمانيين وتبقي لديهم على 
الشك والقلق على مستقبلهم الخاص. وفي واحد من تيارات هذه التنبوءات السلبية؛ 
فإن شعبًا يُشار إليه ببني الأصفر أو بني أصفر (حر فيًا: «أبناء الشقر» أو «ذوي 
اللون الأصهب») سوف يغلب العثمانيين ويُنهي سيطرتهم. وفي الأصل؛ في 
النصوص العربية القروسطية؛: كان اسم بني الأصفر قد أعطي لليونانيين 

6١ 


والرومان. وفي سياقات أخرىء كان قد أعطي أيضنا لسكان إسبانيا الأصليين 
وللأوروبيين بوجه عام. وجدهم الذي يحملون اسمه؛ الأصفرء كان قد صوئره عدة 
نسّابة على أنه حفيد عيسو وأب روميل؛ وهو نفسه جد الرومء أي الرومان 
والبيزنطيين. وفي حديث أخروي (يورده مُسند أحمد بن حنبل في القرن التاسع)» 
فإن قطع هدنة مدتها تسعة أشهر بين بني أصفر والمسلمين؛ يتلوه فتح القسطنطينية؛ 
إنما يجري تصويره على أنه علامة من ست علامات سابقة لنهاية النمان. كما 
سيظهر بنو أصفر هؤلاء في عدة مؤلفات من مؤلفات الأدب العثماني» خارج 
السياق النبوئي”). وسوف يعاودون الظهور في حكاية رواها جيوم يوستل عن 
رحلته إلى اسطنبول؛ في معية سفير فرنسا الأول» جان دو لا فوريه؛ في عام 
نه ), ويستحق يوستل هنا أن نستشهد بكلامه كاملاً: «يتمتع الترك بسلطة 
خاصة وتكاد لا تقل عن سلطة قرأنهم؛ وهو كتاب نبوءات جاء فيه بشكل صريح 
أن أميرًا وشعيًا لونهما أصفر لا مفر من أ ن يقضيا على الترك وجميع الإسماعيليين 
. والمحمديين الآخرين؛ المسمين على نحو دراج بالماهوميتان. وبالإمكان تقديم 
شهادة لا شك فيها على ذلك؛ على الرغم من أن الترك يخفون عن الأجانب قدر 
إمكانهم هذه النبوءة. وقد حدث أن المسيو جان دو لا فوريه أوثرنيا قد أرسل إلى 
التركي الأكبر سفيرًا وقد أرسل معه بوستل؛ كاتب هذا المؤلف: وهو شاهد جدير 
بالثقة على ما سوف يكتبه هنا. أقول إنه حدّث عفوًا خلال الاستقبال الأول الممنوح 
للسفير دو لا فوريه» في غياب السيد الأكبر [السلطان] الذي كان في حملة ضد 
صوفي [صفوي] فارسء أنه كان هناك أحد الباشاوات» وهو محافظ القسطنطينيةء 
الذيء بدلاً من أن يلاطف السفير المذكور ويستقبله بروح الصداقة» قال له إنه 
جاسوس وغادر جاء إلى هناك ليس من أجل الخير وإنما كمستكشف للمملكة. ولكي 
يثبت أنه كذلك بالفعل؛ أخرج من صدريته كتاب النبوءات السري المذكور كما لو 
أنه كان على السفير المسيحي أن يؤمن به كإيمانه هو التركي به. وقد بدأ بالقول 
في حضور ياشاوات وولاة آخرين بأن من المؤكد بصورة مطلقة أن ابن صفراء 
أي ابن الصفراءء هو بالفعل ابن زهور الزنبق الصفراء المرسومة على بيرق أو 
شعار فرنسا [...]. وعندئذء فإن السفير المسكين» شبه المحتار والمسستغرب» وقد 
رأى أن إنكار الحقيقة ليس من شأنه أن يفيده بشيء؛ طلب سماع كلام النبوءة 
ا 


المذكورة بشكل أكملء وعندئذ أكد الباشا أن الصفرا لديه أسلحة صفراء اللون. 
وعندئذء فإن السفير» إدراكا منه لمدى جهل الترك بالكوزموجرافيا وبما هو أكثر 
بكثير من العادات الأجنبية» قال لهم: من المؤكد أن نبوءتكم صحيحة» إل أن ملك 
فرنسا ليس هو ابن صفراء بل الشعب الرئيسي التابع للإمبراطور شارل وهو 
الألمان الذين تتميز بيادات جنودهم كلهم بأنها صفراء اللون. وهؤلاء أعداء مَلككم 
مثلما هم أعداء ملكنا [...]. ومن ثم فإن الباشاء دافعًا ثمن جهله؛ ورائيا كيف أن 
السفير ذكر بكل السوء عدوهم الأكبرء قد حلت عليه السكينة ورحُب بنا كأاصدقاء 
للسيد الأكبر [السلطان]». 

والحال أن تحديد بني أصفر - ذوي الشكل المتغير؛ كما توحي بذلك هذه 
الحكاية - سوف يتباين لدى العثمائيين»: تبعا للموقف الذي يمرون به. وسوف 
ينصبُ في نهاية المطاف على الروس؛ حيث جرت تسمية القيصر آنذاك بالملك 
الأصفر. 

ومن المؤكد أن في هذه النبوءة وفي نبوءات مماثلة أخرىء؛ موروثة من 
تيمات جد قديمة؛ درسنا أدبيًا حول الطابع المؤقت للقوة والمجدء كما أن فيها في 
الوقت نفسه تعبيرا عن قلق وجودي وتشاؤم أساسي لدى الإنسان: إلا أنه؛ وراء 
هذا المعنى العام؛ فإن النبوءة» بريطها بالسياق السياسي والعسكري للُحظة» تشكل 
تعبيرًا عن - وعاملاً فاعلا في- قلق وتوتر عصبي وفقدان للثقة في النفس؛ وهي 
مشاعر تجد أعراضنا واضحة لها في وسواس الجاسوس «مستكشف المملكة» وفسي 
انعدام الثفة في الأجانب. وبينما يتصور الناس عموما العثمانيين على أنهم واتقفون 

من أنفسهم ومن تفوقهم وجبروتهم» وأنهم؛ ترتيبًا على ذلك؛ لا يملكون سوى احتقار 
خصومهم الذين «كتبت عليهم المذلة»؛ أي بينما يصدق الناس ما يعانه الخطاب 
الرسميء فإن التشاؤم النبوئي إنما يسمح بسماع موسيقى قصيرة ذات نغمة مختلفة. 


فضاء الدييلوماسية 
في هذه الظروفء نجد أن العلاقات الدييلوماسية مع البلدان المسيحية والتي 
كانت علاقات طبيعية وحيوية» على المستوى الإقليمي» في بدايات الدولة العثمانية؛ 
بينما كانت بيزنطة والبندقية وجنوه لا تزال تلعب دورًا حاسما في تطورها - 


ول 


لنتذكر خاصة نداءات الغوث من جانب الفصائل البيزنطية أو الرهائن العثمانيين 
المحتجزين في بيزنطة-» إنما تتواصل عندما يصبح البياليك إمبراطورية لا مثيل 
لهاء تحكم القسطنطينية. وحتى إن كان الفتح الكامل مستحيلاً؛ في الواقع» وحتى إذا 
كان الخصوم الكفار مزعجين في الواقع» بل وحتى - إن صدقنا النبوءات- إذا كان 
الانتقام الكامل من جانبهم قادماء فإن طريق الديبلوماسية إنما يظل ملجا لا غنى 
عنه. والحال أن هذا الطريق؛ خلاقا لما كتبه المؤرخون غالبًا عن العلاقات الدولية؛ 
لا يتعارض البتة مع الفقه الإسلامي الذي تعتبر الإمبراطورية نفسهاء من جهة 
أخرىء مراعية صارمة له. والأمر يتعلق هنا بالنسخة الحنفية من هذا الفقه وهي 
ليست النسخة الوحيدة الموجودة في الإمبراطورية» لكنها النسخة التي يتبناما 
الحاكمون. 

ومن ثم يجب الرجوع فيما يتعلق بمسألة العلاقات مع الدول الكافرة إلى تعاليم 
الفقهاء المؤسسين لهذه المدرسة في العصر الكلاسيكي؛ وهم أسامنا أبو يوسف 
(القرن الثامن) والشيباني (القرن الثامن) والسرخسيء كما إلى تعاليم فقهاء الحقبة 
العثمانية المندرجين بشكل سافر في نهج الأولين؛ كالملا خسرو (مات في عام 
) وإبراهيم الحلبي (القرن السادس عشر). والحال أن هؤلاء الكتاب» 
وآخرين من بعدهم, إنما يعددون ويحللون مختلف أنوع المعاهدات التي» على سنة 
النبي وصحابته» من المشروع عقدها مع الكفار (وهم هنا من يسكنون أوروبا). 
وبوسعنا أن نحسب في أن واحد إلى أي حدّ يحرص العثمانيون على الإخلاص 
لهذه التعاليم وإلى أي حد أيضنا يكيفونها لمصلحتهم. والنوع الأول من المعاهدات 
هو عقد الذمة؛ الذي تحدثنا عنه بالفعل. وهذا العقد يمنح وضعية الذميين للكفار 
الذين وافقواء بعد ثلاث دعوات؛ على الاعتراف بسيطرة الفاتح المسلم السياسية: 
مع احتفاظهم بديانتهم. وهذه الأنواع من المعاهدات (المسماة أحيانا بعهد الذمة أو 
عقد الذمة) أبدية. ونرصدهء عبر التطبيقات العثمانية (على سبيل المثال» في حالة 
جالاتا في عام ١104‏ أو في حالة رودس في عام )١157١‏ أن مثل هذه المعاهفدات 
يمكن أن تكون موضع مفاوضات وأن تتضمنء؛ علاوة على وضعية الذمي 
الشرعية» بعض الامتيازات والإعفاءات الخاصة الممنوحة لمدينة أو لإقليم خاص. 
وهذا النظام هو نظام أوروبا «العثمانية» وعليناء في المقابل» أن ننظر هنا في 


ءء*” 


. المعاهدات المعقودة مع الدول الأوروبية الباقية في «دار الحرب» والمنشئة مع هذه 
الدول الأخيرة لعلاقات أخرى غير العلاقات الحربية. 

والحال أن صياغة معينة للفقه الإسلامي في اتصاله بالمجريات الواقعية 
التاريخية هي التي تسبق هذه الإمكانية الثانية. ففقهاء العصر الكلاسيكي إذ عايتوا 
أن تعميم دار الإسلام قد اصطدم بعقبات عملية ومن ثم بتأجيلات ؛ وأن هذا التعميم 
يظل بالتأكيد الأفق الممكن الوحيد لكنه لا يشكل هدفا بالإمكان بلوغه فوراء قد 
أجازوا تأجيلات للجهاد ومن ثم عقد هدن مع الخصم الكافر. والحال أن الطابع 
المؤقت بشكل أساسي لهذه الهدن وللتعايش الذي تقيمه كان جوهريا لأنه يحفظ 
الهدف النهائي المتمثل في السيطرة الإسلامية العالمية. ونحن نعصسرف مصطلحات 
مختلفة لتسمية هذا النوع من الهدن: ويبدو أن مصطلح الصلح هو المصطلح الأكثر 
تواترا في العصر العثمانيء إلا أن من الوارد أيضنا استخدام مصطلحات الهدنة 
والموادعة والمعاهدة. والحال أن الشيباني والسرخسي يميزانها بدقة عن اتفاقات 
السلم الحقيقية والتي يخصصان لها تسميتي المسالمة أو المصالحة. ّْ 

وبعد طرح مبدأ المحدودية الزمنية» برهن الكتاب القدماء على رهافة عظيمة 
في تحديد الآماد. فالقلقشندي ١700(‏ -518١)؛‏ الكاتب الشهير في الديوان 
المملوكي؛ والمنتمي إلى المدرسة الشافعية؛ يتحدث عن أمد مدته أربعة شهور 
يمكن مده إلى سنة إذا كان المسلمون في موقع قوة. أمَا إذا كان هؤلاء؛ على 
العكس من ذلك؛ في موقع ضعفء فإن الأمد يمكن مده إلى عشر سنواتء قابلة 
للتجديد عند الاقتضاءء وذلك لتمكينهم؛ بفضل الهدنة» من استعادة قواهم. ومن 
الوارد أن تكون هذه الترتيبات مصحوبة بدفع أموالء يتم تحاشي تسميتها بالخراج 
أو الجزية» بسبب الدلالة الرمزية لهاتين التسميتين. ويجري اللجوء إلى مصطلحات 
ملطفة أكثرء تغطي مفهوم «الفدية» التي تدفع لتفادي التعرض للهجوم (فداء) ؛ 
«هدية» (أن مجان» بقشيشء هدايا) ؛ «تبرع» (ورجيء قسيم) ؛ «عادة». بل إن 
أبو يوسف يسَلْمْ بأن بالإمكان دفع هذه المبالغ» عند الاقتضاء؛ من جانب الطرف 
المسلم. وما يملي ذلك هو «المنفعة» (المصلحة) بالنسبة للجماعة المسلمة (الأمة)» 
ومن هنا ظهور نزعة براجماتية قصوى. 


كان 


وهكذا يمكن تفسير السبب في أن معاهدات الصلح التي عقدها العثمانيون مع 
مسيحيي «دار الحرب» قد عُقدت دوما لأجل محدد. وهم يدللون بذلك على 
إخلاصهم للمبدأ الإسلامي القديم عن الهدنة. وفي الوقت نفسهء لا مفرٌ من معاينة 
أن الآجال الممنوحة إنما تصبح طويلة بشكل متزايد باطراد. وسوف يعود هذاء مع 
الوقت؛ إلى التحول في علاقة القوى والذي سيضع العثمانيين في موقع ضعيف أمام 
شركائهم وسيجعلهم أكثر هشاشة حيال مطالبهم. إلا أنه؛ منذ ما قبل ظهور هذه 
القيود» ظهَرَ اللعبْ على الأجل بوصفه أداة دييلوماسية بأيدي السلاطين؛: أسلوبا 
يستخدمونه لإغراء بعض الدول المسيحية وتحبيذها قياا إلى بعضها الآخر 
والإعلان بذلك (كما بطرق أخرى كما سوف نرى فيما بعد) عن اندراجهم في 
اللعبة الدييلوماسية الأوروبية. 

والحاصل أن المعاهدة التي عقدها بايزيد الثاني في عام ١547‏ مع بيير 
دوبوسونء الأستاذ الأكبر لأخوية فرسان رودس: إنما تَعَدُ استثناغ في الحقبة 
واستشرافا لما سوف يفرض نفسه في القرن التالي؛ لأن الأمر يتعلق بالفعل بمعاهدة 
لمدى الحياة (لن تنتهي إلا بموت أحد المتعاقدين). وكان عدد المعاهدات العثمانية 
مع المجرء حتى انتصار موهاكس )١15178- ١47١(‏ ست عشرة معاهدة وكانت 
فترات صلاحيتهاء بحسب الحالات» أربعة شهورء سنة» سنتين» ثلاث سنوات» 
خمس سنوات» سبع سنوات» عشر سنوات. وبين عامي ١544‏ و1577ء, كانت 
هناك اثنتا عشر معاهدة بين يولنده والدولة العثمانية. وكانت اماد صلاحيتهاء 
بحسب الحالات» سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات أو خمس سنوات. إل أنه بمناسبة 
تمديد المعاهدة في عام 0177١ء‏ قام سليمان القانوني بانقلاب دييلوماسي إذ منح 
شريكه القديم؛ الملك سيجيسموند الأكبرء معاهدة لمدى الحياة. وسوف يتصرف 
بالشكل نفسه؛ بعد ذلك بعشرين سنة» مع ابن هذا الأخيرء سيجيسموند أغسطس: 
الذي ارتقى العرش في عام :. والحال أنه عبر هذا التطبيق جد المتحرر لميدأ 
الصلح أبدى سليمان تمسكه بنوع من محور عثماني - يولندي في مواجهة 
الهابسيورجيين. وسوف تستخدم الدييلوماسية اليولندية» من جهتهاء هذا السياق 
المناسب لكي تَبِدّدَ في عام 1554 الخطر الذي يمثله موت سليمان الذي ظهر أنذاك 
بوصفه وشيكا لا محالة؛» وذلك بالحصول مقَدّمًا على ضمانات من ابنه ووريكه 


ك7 


الوحيد الآن؛ السلطان القادم سليم الثاني: فقد مُنحت بالفعل معاهدة في ١5-1١!‏ 
أكتوبر/ تشرين الأول ١554‏ من جانب من لم يكن بعد غير أمير إمبراطوريء 
مسؤول عن حكم كوتاهية. والمعاهدة محفوظة في ترجمتها اللاتينيةأ". والآن فإن 
كل المعاهدات اليولندية - العثمانية ستكون معاهدات لمدى الحياة. وسيصل عددها 
إلى أربع معاهدات في القرن السادس عشر وإلى عشر معاهدات في القرن السابع 
عشر. 

ومدة وصلاحية المعاهدات مع الهابسبورجيين» الخصوم الرئيسيين للعثمانيين 
حتى القرن الثامن عشرء تعبران عن الوضع الخاص للدولة العثمانية وعن تطور 
علاقات القوى. وقد رصدنا عشر معاهدات خلال القرن السادس عشر. وقد عقدت 
المعاهدة الأولى في عام 16417 على أن تكون سارية المفعول لمدة خمس سنوات. 
وسوف تنص المعاهدات الأخرى على مدة قوامها ثماني سنوات؛ لكنها الن تصل 
عَمُوطًا إن أجلها: النهائن: وتمض معاهدة ريتقا > توروك في عنام 15 نقفة 
تحول»: حول هذه المسألة كما حول مسائل أخرى. في العلاقات بين الدولتين: فهي 
تعقد لمدة عشرين سنة. وسوف تكون المعاهدات التالية للمدة نفسهاء حتى معاهدة 
كارلوقيتز المعقودة في عام ١599‏ لمدة خمس وعشرين سنة ومعاهدة باساروقيتز: 
المعقودة في عام ١7١8‏ لمدة أربع وعشرين سنة. ومعاهدة بلجراد؛. في عام 
64,:» ستكون صلاحية أمدها محدودة أيضناء وإن كانت ستصل إلى سبع 
وعشرين سنة. وبالمقابل» في تلك الأثناء» في عام ١1/5407‏ سوف ترى النور 
معاهدة عثمانية - هابسبورجية جديدة سوف تصاغ. لأول مرة» بوصفها معاهدة 
أبدية. وعندئذ يجري قطع الصلة الأخيرة بالمبدأ الإسلامي عن الصلح. فالتغريب 
الاضطراري للدييلوماسية العثمانية قد قضى في نهاية المطظاف على العلاقات 
الأخيرة للولاء لفقه الأحكام. 

كما أن سلسلة المعاهدات مع روسيا لها دلالتها: فهي تبدأ متأخرة (حتى وإن 
كانت العلاقات العثمانية - الروسية أقدم بكثير) بصلح باختشي - سراي في عام 
١‏ والمعقود لمدة عشرين سنة. أمّا معاهدة كارلوفيتز مع روسياء والتي جرى 
النص فيها في عام ١5345‏ على أن مفعولها يسري لمدة سنتين» فقد جرت 
الاستعاضة عنها في عام ٠7٠٠١‏ بمعاهدة جديدة لمدة ثلاثين سنة. وإذ قطعتها حرب 


لا 


جديدة قام بها بطرس الأكبرء فقد جرت الاستعاضة عنها بمعاهدتي يروت )١71١(‏ 
ثم آندرينويل :)17١7(‏ حيث عقدت هذه الأخيرة لمسدة خمس وعشرين سنة. 
واعتبارا من معاهدة بلجراد في ١8‏ سبتمبر/ أيلول »2١79‏ سوف تصبح 
المعاهدات العثمانية - الروسية أبدية من الناحية الاحتمالية. 

على أن المعاهدات من هذا النوع؛ وهي معامدات شرعية من الزاوية 
الإسلامية مادامت محدودة زمنيّاء لم يكن من شأنها سوى تأجيل الحرب بإقامة 
الصلح مؤقنًا. وبصفتها هذه؛ فإنها لم تكن كافية لتسوية كل أنواع العلاقات التي 
أقامها العثمانيون مع الدول الأوروبية المختلفة. والواقع - خلافا لما تسمح بتصوره 
بعض الدراسات جد المفيدة» وإن كانتء فيما يتعلق بهذه المسألة» تخضع أكثر من 
اللازم لمؤلفات الفقه- أن هذه العلاقات لم تنحصر في مسلسل الحرب والصلح 
المتعاقبين). ففي أوروبا الحديثة دول لم تخضع عمليًا قط للدولة العثمانية ومن ثم 
لا يمكن اعتبارها بشكل جادٌ تابعة لهذه الدولة (بصرف النظر عن مبالغات الرطانة 
العثمانية في هذا الصدد) ؛ وهي دول لم تكن أيضنا في حرب فعلية مع الترك - إِمّا 
أنها لم تعد في حرب معهم في لحظة معينة أو أنها لم تكن قط في حرب معهم 
(حتى وإن كان سيكون بالإمكان دوما اعتبارها في حرب من الناحية الافتراضية» 
بحكم أنها دول كافرة وأنها تشكل جزءًا من دار الحرب) ؛ لكن هذه الدول تحتفظء 
بالمقابل» بعلاقات من نوع آخر مع السلطان: علاقات تحالف» معلنة وعميقة إلى 
هذا الحد أو ذاك. 


التحالف الاثم 
على الرغم من أن هذه العلاقات قد بدت جانحة بل وفاضحة من وجهة نظر 
دينية» فقد اندرجت في المجريات الواقعية الجيوسياسية لأوروباء ما أن ظهر الترك 
في هذه القارة وكانت الدول الأوروبية عديمة الاتحاد إلى حد بعيد بحيث يتعذر 
عليها تشكيل جبهة حقيقية ضد هذا «العدو المشترك». وسوف تكون ككل واحدة 
منها ميالة على العكس من ذلك إلى أن تستخدم ضد منافستها هذه الورقة الرابحة 
الجبارة المتمثلة في الدعم العثماني أو في مجرد التهديد باستخدام هذا الدعم. 
والأمثلة الأولى قديمة قدم الدولة العثمانية نفسها ومن ثم فهي ترجع إلى القرن 
ان 


الرابع عشر. والإطراءات التي سوف ينالها محمد الثاني - الذي فتح القسطنطينية 
للتوٌ والذي ينسبون إليه مخططات بشأن جنوبي إيطاليا - من جانب البندقية ونايولي 
وفلورنسا (ناهيك عن مالاتيستاء سيد ريمينيء الذي لا يطلب سوى «التعاون»)»؛ 
حيث جرى سك ميداليات بالأخص تكريما له ؛ إنما تنبئنا بالكثير عن الدوافع الخفية 
للبعض والبعض الآخر. ومما لا مراء فيه أن الحالة الأكثر رمزية تظل حالة فرنسا 
التي ينخرط ملوكها المتعاقبون؛ اعتبارً! من التقارب بين فرانسوا الأول وسليمان 
القانوني» في تعاون واسع مع الترك ضد عدوهم الرئيسي» الها بسبورجيين (وهو 
تعاون يمضيء كما رأيناء من تنسيق في مشروعات كل من الدولتين إلى خوض 
حملات مشتركة» في المجال البحري على الأقل). والتعليمات التي حررها 
المستشار دييرا في عام ١574‏ والصادرة إلى حجان دو لا فوريه:ء السفير المقيم 
الأول لفرانسوا الأول في القسطنطينية» تنبئنا بالكثير عن درجة التعاون العسكري 
والسياسي المقترح على السلطان. وبالمثل أيضاء سوف يكون هناك في أواخر 
القرن السادس عشر التقاء مصالح بين فرنسا هنري الرابع» وإن كان أيضا بين 
«دول الشمال»» إنجلترا وهولنده» من جهة؛ و الدو لة العثمانية؛ من الجهة الأخضرى؛ 
ضد خصم مشتركء هو «الملك الكاثوليكي»» فيليب الثاني» ملك إسبانيا. وضد هذا 
الخصم, لا يقتصر ملك كهئري الرابع من جهة أخرى على إحياء التحالف القديم 
مع العثمانيين» بل يتعامل في عدة مناسبات مع موريسكيي إسبانيا المتمردين على 
فيليب الثائني؛ ما سوف يعود على أحد عملائه بالتعذيب والإعدام في عام 
.»© ومن جهة أخرىء فإن الأطراف عينها التي كانت الأقوى إدانة لتواطؤ 
بعض المسيحيين؛ كفرنساء مع الكافر» لم تتخلف؛ بمجرد دخولها في حرب مع 
التركي» عن عقد اتصالات مع عدوه الشرقيء شاه فارس. وقد فعلت البندقية ذلك: 
خلال حربها مع بايزيد الثاني »)١5٠١7- ١599(‏ زاعمة:» لتبرير ما أقدمت عليه 
أن الشاه إسماعيل من شأنه: بسبب شيعيته» أن يكون قرينا من المسيحية وأن لا 
يكون مسلما حقًا. والحال أن شارل الخامس الذي مضت دعايته في بعض الأوقات 
إلى حد إشباعة أن فرانسوا الأول نظليف التركي؛ قد أسلمه أن يخرم ناسة» يدوه 

من إرسال رسل إلى الشاه. ويتمثل مثال آخرء منسي أكثرء لهذه التحالفات المنافية 
للطبيعة (من وجهة نظر دينية)» في تحالف الدوقين الكبيرين لتوس كانياء فردينان 


8 


الأول ثم كوزم الثاني: مع الأمير الدرزي اللبناني معن أوغلو فخر الدين المتمرد 
على سيده العثماني. وفي عام 1517.: يذهب الأمير المتمرد إلى توسكانيا ليجد فيها 
مؤيدين”"). وسوف يستمر تمرده حتى عام ١211©‏ وسينتهي بإعدامه. 

ولم يكن من شأن السلطان العثماني» من جهته: إلا أن يستفيد من هذه 
التقاربات مع بعض القطع على رقعة شطرنج أوروبية كان تعقيدها وانقساماتها 
يثير استغرابه دومًا. والحال أن رد الفعل الإيجابي فورًا والحار بشكل ملحوظ مسن 
جانب سليمان على نداء المساعدة الذي وجهه إليه فرانسوا الأول بعد كارثة ياثياء 
في عام »١275‏ إنما ينبئنا بالكثير في هذا الصدد. فالسيد الأكبر [السلطان] كان هو 
أيضنا «فاعلاً» في حلف مؤخرة ضد الهابسبورجيين الذين لم يقلل البتة من شأنهم. 
ثم إن فرنسا قد وقزت :له هذه القواعد البحرية في غربي البدر المتوسظ كقواعيد 
طولون, اللازمة لصراعه ضد إسبانيا ولانغراسه في المغرب. ومن جهة أخرى» 
فإن وضع الحامي الذي وضعه فيه ملك فرنسا دفعة واحدة لم يكن من شأنه إلا أن 
يكون مناسبًا له. وقد أشار إلى هذا الوضع من جهة أخرى باستخدام نبرة أبوية جد 
ملحوظة في مراسلاته مع الملك: فهذا الوضع قد صان مبدأ تفوق الإسلام. 

على أن كل هذه التضامنات الموضوعية والتفاهمات الأكثر سفوراء والتي 
مها الطرفان على نحو ما يجبء لم يكن بالإمكان أن تتخذ طابعًا رسميًا. فالققه 
الذي يجيزء في الظروف التي رأيناهاء عقد صلح مع الكافرء إنما يعترض في 
المقابل على كل فكرة عن التحالف. ثم إن هذا الاحتمال يرفضه أيضنا قانون 
الكنيسة الشرعي. والتحالف مع الكافرء 5:هء2ر 7:زم:7: مدان فيه رسميًا منذ القرن 
التاسع. وهذه المعطيات الحقوقية تفسر السبب في حرص الطرفين على تجنب 
قيامهما عند تسمية العلاقات المنسوجة بينهما باستخدام مصطلحات تحيل تحديدا إلى 
مفهوم التحالفء أوء «الاتحاد المشترك»» أو «العصبة»» إذا ما استعدنا كلمات ذلك 
العصر. وعلى الجانب العثماني؛ فإن المصطلحات الموافققة للاتفاق أو الاتحاد 
سوف تجري تنحيتها جانبً. فالعثمانيون يفضلون التموضع في باب آخرء مجرد 
هذه المرة من أي دلالة حقوقية» وهو باب المشاعر. كما سوف يتحدث ملك فرنسا 
عن الصداقة والتفهم والتفاهم والمحبة المخلصة التي تربطه بالسلطان؛ مبرزًا مسن 
جهة أخرى مصطلحات كان السلطان أول من بادر باستخدامها بإطلاقه تشكيلة 


ل 


بأكملها من الكلمات المعبرة عن التفاهم والمحبة: دوستلوك: مصاقاة, محبة:ء 
مصالحة» معاهدة. وفي الوقت نفسه؛ في هجوم المودّات بل والمحبة هذاء لا يتخلف 
السلطان البتة عن إبراز الفارق في المواقف بينه وبين محاوره المنتمي إلى «ديائنة 
عيسى»؛ ملك فرنساء مثلاً. فهذا الأخير ليس سوى المدين بالفضل للسلطان 
المفروض فيه إبداء مشاعر الإخلاص والولاء التي تعبر عنها مصطلحات 
كالاختصاص والصداقة والاستقامة. والسلطان»ء من جانبه؛ يقدم له العون 
والمساعدة (معاونة» مظاهرة) ويشمله بأفضاله وإحساناته. 


حول الاستخدام الجيد للامتيازات 

في هذا الوضع الذي لا يمكن فيه للتحالفات الواقعية» الإيجابية والدائمة عند 
الاقتضاء؛ أن تحظى بتكريس حقوقيء فإن نوعًا آخر من المعاهدات؛ على الأقل 
في مرحلة طويلة أولى؛ من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشرء يلعب هذا 
الدور؛ بشكل متباعد زمنيًا بعض الشيء. وهذا النوع هو نوع المعاهدات جد 
المعروفة في الاستخدام الغربي باسم الامتيازات. والحال أن الغربيين قد استمدوا 
هذا المصطلح ذي الأصل الاتينسي (,7لة«واسااممه 6 من الدواوين 
القروسطية؛ لكي يسموا به بسبب بنية هذه الاتفاقات المؤلفة من فصول صغيرة 
(11/7ا لحم » وصيغة الجمع +///زممم)؛ ما سماه العثمانيون من جانبهم؛ بشكل 
أوسع بالعهد نامه (حرفيًا: تعهدات السلطان المكتوبة). والحال أن هذه الامتيازات 
كان هدفها الرئيسي هو تعريف وتأكيد الضمانات والحصانات الممنوحة للأجائنب - 
خاصة التجار- المقيمين في الدولة العثمانية. وهكذا فإنها تتيح؛ بتقديمها الضمانات 
الحقوقية الضرورية؛ تجارة غربية في داخل الدولة العثمانية - وهي تجارة منشودة 
أيضنا- وسوف نرجع إلى الحديث عن ذلك - من جانب الطرفين اللذين يجد كل 
طرف منهما مصلحة له فيها. والواقع أنه بهذا المعنى كانت الامتيازات السابقة 
على القرن التاسع عشر ضرورية ل«تجارة شرق البحر المتوسط»؛ وليس لأنهاء 
كما يجري الزعم عموماء قد تكون معاهدات تجارية بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح. 
ومن جهة أخرىء اعتباا من القرن السابع عشرء سوف يحرص ملوك فرنساء فيما 
يخصهم؛ على إدراج فصول تضمن ليس فقط حقوق تجارهم؛ وإنما أيطنا حقوق 


1١ 


رجال الدين الكاثوليك العاملين كمبشرين أو ككهنة رعية في القدس واسطنبولء وء 
بشكل أعمء في كل ممتلكات السلطان. والعثمانيون» إذ يصدرون الامتيازات» لا. 
يفعلون سوى اتباع ممارسات كانت سارية بالفعل لدى السادة القدماء؛ المسيحيين أو 
المسلمين؛ لمناطق كانوا قد استحوذوا عليها (ييزنطة» السلاجقة؛ المماليك» البكقوات 
التركمان). وليست كل مصادرها موجودة بالضرورة ‏ في الشرع الإسلامي -إذما 
أبعدها عن ذلك-؛ لكن هذه الأنواع من المعاهدات تحتفظ على الرغم من كل شيء 
بأساس في الشرع الإسلامي: مبدأ الأمان. 

وهذا البلهوم :بعكم نذا المزنوج: ييل لتقو والإتسدام لتحي أن وات 
والأمان» من جهة أخرى (منح الأمان يعني الإنعام)؛ إنما ينطبق على حالات 
مختلفة: حالة الكافر الذي» لسبب أو لآخرء استحق مؤاخذات من جانب السلطان 
ويقبل هذا الأخير مع ذلك العفو عنه (وهيء مثلأء حالة جنويي جالاتا الذين قدموا 
العون للمحاصرين في القسطنطينية» » على الرغم من تعهدهم المسبق لمحمد الثاني 
بالحياد والذين سوف يمنحهم الفاتح مع ذلك معاهدة هي بمثابة عمد سيطرة - 
حماية - عهد ذمة ؛ وهيء من جهة أخرىء حالة الكافر الحربي المقيم في أرض 
إسلامية؛ وهوء بصفته هذه يجوز قتله أو اختزاله إلى العبودية من جائنب أول 
مسلم يصادفه. فالكافر الحربي يتم قبوله - مؤقنًا على الأقل-: ليس بعد في مجرد 
أرضه التي تركت له ملكيتهاء كما في حالة ظرف الهدنة» وإنماء هذه المرة»؛ على 
الأرض الإسلامية نفسها. والحال أن هذا المبدأ الخاص بالأمان الممنوح للأجنبي 
هو من موروثات الأحكام القبلية في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام (أنذاك كان 
المصطلح المرادفء الذي يظهر في القرآن ( : 5) هو مصطلح الإجارة)7) وقد 
استعاده الإسلام» خاصة لصالح الكفار الحربيين. والحال أن الحربيء بوصفه 
مستفيذا من عهد الأمان (وهو عهد يجوز لكل مسلم؛ من حيث المبدأء منحه له؛ وإن 
كان» في التطبيق؛ من فعل السلطة المحلية والأولى أن يكون من فعل السلطان 
نفسه)ء إنما يصبح مستأمنا. وهوء بهذه الصفةء لا يجوز المساس به خلال مدة 
محددة. والحنفيون يحددون المدة بسنة كحدٌ أقصى ؛ أما الشافعية» الأقل ليبرالية» 





)»0 «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه؛ ذلك بأنهم قوم لا 
يعلمون». -م, 
1 


فيحددونها بأربعة أشهر. والعثمانيون» يدورهم؛ لا ينتهكون هذا العرف: فهم 
يقدمون عهود أمان (تسمى باليول حكمي أو اليول تذكريسي) لمسيحيين أجانسب 
يمرون بأراضيهم (كما يمنحونها من جهة أخرى لأجائب مسلمين ولرعايا مسيحيين 
أو مسلمين ينتقلون في داخل الدولة). وتقدم المصادر العثمانية والغربية شهادات 
عديدة على ذلك؛ لكنها تقدم علاوة على ذلك توسيعا خاصنًا لمبدأ الأمان» إذ تجعله 
المبدأ الحقوقي الذي تستند إليه الامتيازات النمنوحة ليعطن السذول المسيحية إيا 
أنه» بدلا من أن تكون هذه الضمانات موضع امتياز فردي؛ يتم منحه حالة بحالة؛ 
كما في «خطابات الأمان» السابقة» فإنها نتيجة لامتياز عام يمنحه السلطان لأحد 
شركائه المسيحيين. ولا تعود الأمور تتم على المستوى الفردي بل على مستوى 
الدول. والامتياز الذي أقسم السلطان على احترامه يسري على مدى عهده كله في 
. الحكم (وإن كان شريطة عدم حدوث انتهاك لشروط الامتياز من جانب الأمير 
المستفيد منه) وسوف يكون بحاجة إلى أن يُجِتَدَ لدى صعود خليفته إلى السلطة. 
والحال أن «الامتياز الكبير» الذي جرى منحه لفرنساء عبر جهود المركيز دو 
قيلنوف» السفير لدى القسطنطينية في عام ؛ سوف يكون على العقس من 
ذلك أول امتياز ذي صلاحية أبدية. 

وبعد انتهاء القرن السابع عشرء سوف تبدأ الدول المستفيدة من الامتيازات في 
التكاثر: وقبل بلوغ نهاية القرن الثامن عشرء ستكون قد حازتها النمسا والسويد 
وصقلية والدانمرك والمدن الهانسياتية )١751(‏ وبروسيا وإسبانيا وروسيا. ويتعلق 
الأمر الآن أساسنا بمزايا تجارية ممنوحة )10/5 0/5 من جانب دولة عثمانية 
أصابها الضعف. إلا أنه قبل ذلك؛ كانت الامتيازات تمنح؛ بإرادة صريحة من 
السلطان» بمقاصد مختلفة تماماء ولعدد أقل: في موجة أولىء جنوه والبندقية 
وفلورنسا ودوبروقنيك ويولنده ؛ وفي موجة ثانية» فرنسا وإنجلترا وهولنده - حيث 
لكل هذه الدول مصالح مشتركة ليست تجارية فقط» بل وسياسية؛ مع السلطان. 

والواقع أنهاء بعيذا عن أن تكون؛ كما قيل عنها لوقت طويل؛ مجرد معاهدات 
تجارية (رأينا من جهة أخرى أنها لم تكن كذلك بالمعنى الدقيق)؛ كانت مشحونة 
بدلالة سياسية قوية: فهي تضفي على التحالف التكريس الحقوقي الوحيد الذي يمكن 





(*) كرا أو طوغاء باللاتينية في الأصل. - م. 
حرض 


أن يحصل عليه» حتى وإن كان هذا التكريس دي موضوعه مساقة. 
والضمانات التجارية التي يمنحها السلطان إنما تعترف بالتفاهم السياسي وتُشكل 
مكانأة له. وهي التعبير الوحيد المقبول عنه. كما أن ديباجات الصياغات المتعاقض|ة 
للامتيازات تعلن ذلك بوضوح. والتجديد الذي تم في عام 2١74٠‏ ؤهو تجديد جد 
مؤات لفرنساء إنما يأتي بشكل جد مباشر في أثر خدمات كبرى قدمتها هذه الأخيرة 
للباب العالي» خلال الوساطة التي قام بها الماركيز فيلنوف في عقد صلح بلجراد. 
وبالمقابل» فعندما تتدهور العلاقات السياسية» فإن تجديد الامتيازات (الضروري مع 
ذلك مادامت مرتبطة بعهد الحكم القائم) إنما يصبح إشكاليًا. والحال أن سفراء 
فرنسا لدى الباب العالي قد مروا بهذه التجربة خلال جزء لا بأس به من القرن 
السابع عشرء على مدار الفترة الممتدة من عام ١1١١‏ إلى عام .١71397‏ 

وخلافا لمعاهدات التحالف ذات الشكل المناسب والواجب؛: فإن الامتيازات: 
بحكم الأمور التي تتعامل معها وبحكم أنها ليست غير تطوير لميدأً الأمان 
الشرعيء لا تطرح مشكلة مبدئية» لا للطرف المسيحي ولا للطرف المسلم. على 
أن هذا لا يعفي السلطان الذي يصدرها من إخضاع نصها لموافقة شيخ الإسلام. 
وبوسع هذا الأخير دوما أن يقدم اعتراضات على نقاط خاصة. وهذاء إذا ما صثقنا 
المبعوث كلود دي بورج؛ هو ما حدث عندما تفاوض مع الصدر الأعظم سوكوللو 
محمد باشا على الامتيازات الفرنسية الأولى في عام .١519‏ فالمفتي قد وجد خللاً 
في مادة (المادة السابعة عشر) التي تجيز للسلطان» »؛ في حالة قمع القراصنة البريرء 
التحالف مع الكافر الفرئنسي ضد مسلمين آخرين. والحال أن دي بورج يتباهى 
بتمكنه؛ في هذا الظرفء من التغلب «بقدر كبير من المشقة على رأي المفتي/! 0 
وأيا كان الأمرء فيما أن الامتيازنات كانت ممكنة ولم تكن معاهدات التحالف ممكنة: 
فقد كانت للأولى؛ بين وظائف أخرىء وظيفة أن تكون بديلاً رمزِيا للثانية: بما 
يرضي الطرفين. 

وسوف تجيء مع ذلك لحظة لن يكتفي فيها الفاعلون في الحياة الدييلوماسية 
بعد بالبدائل الرمزية؛ لاسيما أنه اعتبارًا من اللحظة التي بدأ فيها السسلاطين» كما 
رأينا ذلك؛ في الإكثار من الامتيازات؛ فقدت هذه الأخيرة الأهمية التي كانت لها في 
البداية» إذ توقفت عن الاقتران بتحالف سياسي. وتلك حالة فريديريك الثاني» ملك 


"1 


يروسياء في ستيئيات القرن الثامن عشرء وهي الحالة التي قام بدراستها س. تائسل 
وك. بيديلي7""). فإذا كان فريديريك جد معزول آنذاك في تناحره مع النمسا 
وروسياء فإنه يسعى إلى كسب مساندة الدولة العثمانية. ومما لا مراء فيه أنه يطالب 
لبروسيا بامتيازات كتلك التي حصلت عليها بلدان أخرى. لكنه لن يكتفي بذلك: فهو 
يريد حلقا دفاعيًا بالشكل المناسب والواجب. والحال أن الحكام العثمانيين» المهتمين 
بعروضهه: يترددون مع ذلك في الانخراط [في حلف كهذا]ء وذلكء بالأخص» 
لخوفهم من استثارة عداء روسيا. لذا يتريثون طالبين رأي كبار علماء [فقهاء] 
الدولة أولاً. وقد اجتمع هؤلاء العلماء في مناسبتين في «مجالس استشارية» 
(مشورة مجلسي) حيث جرى تبادل الآراء الحقوقية المؤيدة أو غير المؤيدة 
للتحالف. وفي حقيقة الأمرء فإن ملك بروسيا لم يطلب شيئا سوى ما كان قد مورس 
بنشاط مع ملك فرنسا منذ اكثر من مائتي عام خلت؛ لكنه إذ أراد إضفاء طايع 
رسمي على التحالف (وهو ما لم يسع ملوك فرنسا قط إلى عمله)؛ »ساعد على 
إظهار المشكلة في ضوء جديد تمامًا. والحال أن اجتماعًا أولأء انصبُ بالأخص 
على المزايا السياسية للتحالف مع يروسيا مُنزلاً الجوانب الحقوقية إلى المستوى 
الثاني» قد انتهى إلى استنتاج إيجابي: «ما من عقبة وما من اعتراض لا من وجهة 
نظر الشرع ولا من وجهة نظر العقل» (شرعا وعقلاً هيتش بير هيجنت 
ومحظور). وبالمقابل» فإن اجتماعا ثانيّاء يرأسه شيخ إسلام جديد؛ يتميز هذه المرة 
بأنه معاد ",م ب للتحالف»: خلافًا لسابقه؛ إنما يسهب أكثر بكثير في الكلام عن 
العقبات الحقوقية. والحال أن وثيقة من وثائق الأرشيف,؛ أوردها ك. بيديلي في 
جانبها الأعظم في كتابهل”"؛ إنما تلخص الآراء المختلفة (جوري) التي أبديت 
آنذاك. وبوسعنا أن نحسب إلى أي حدٌ كان المشاركون [في الاجتماع] منزعجين 
من حقيقة أنهم لم يجدوا في مؤلفات الفقه الكلاسيكية تحليلات كان من شأنهم أن 
يتمكنوا من الاستناد إليهاء بما يوافق تحديذا الحالة التي جرى استطلاع رأيهم 
بشأنها. وقد أعادوا موضعة السؤال فتساعلوا عما إذا كان يجوز عقد السلم مع 
الكافر. وإذ عادوا بذلك إلى مشكلة هي واحدة من أكثر المشكلات كلاسيكية؛ فإنهم 
لم يفعلوا سوى أن يكرروا إجابات فقهاء الحنفية الكبارء على نحو ما سبق لنا نحن 





() بشكل قبلي؛ باللاتينية في الأصل, - م. 
اين 


أنفسنا عرضها. أمّا بعضهم الآخرء حرصنا منهم على الاقتراب أكثر من السوؤال 
المطروح بشكل محذدء فقد بحثوا في سياق مختلف وإن كان الفقتهاء قد عالجوه 
بالفعل» وهو سياق مسلمين موضوعين تحت سيطرة مسيحية ومدفوعين إلى 
النضال مع سيدهم ضد شعب مسيحي آخر (وهو وضع ممكنء مثلأء في 
أندلس«الاسترداد»)؛ وهذا وضع يطرح سوالاً مماثلاً للسؤال الذي طلب إليهم حله: 
هل يمكن للمسلمين الانضمام إلى كفار للقتال ضد كفار أآخرين؟ وكان الاستنتاج 
الذي توصل إليه هذا الاجتماع الثاني سلبيًا. وبالنظر إلى هذا الاعتراض من جانب 
العلماء؛ وهو اعتراض حاسم في نظر السلطان مصطفى الثالثء وحيال تراكم 
مصاعب سياسية أساساء لم يستجب الباب العالي لطلب التحالف الذي تقدم به 
فريديريك الثاني. وقد اكتفى بانتهاج سبل معتادة أكثر بمنحه يروسيا ما منحه لعدد 
متزايد من البلدان منذ قرون: الامتيازات. وكل ما أضيف إلى البنود السبعة لهذه 
المعاهدة هو بند ثامن راعى المستقبل بنصه على أنه قد يكون بالإمكان لاحقا 
إضافة بنود أخرى مفيدة للطرفين. وسوف يتعين الانتظار حتى عام ١75٠‏ حتى 
يتم عقد معاهدة تحالف عثماني - يروسي أولى وحتى يتحقق بذلك ما كان لا يزال 
يبدو مستحيلاً قبل ثلاثين سنة. 

ولئن كان قد تسنى لنا التمييز بين أنواع مختلفة من الاتفاقات المعقودة بين 
الباب العالي والبلدان المسيحية؛ بما يتوافق مع حالات مختلفة؛ فإن بعض الاتفاقات 
كانت مع ذلك هجينة: فإذا كانت المعاهدات مع فرنساء مثلاًء مجرد معاهمدات 
امتيازات؛ فإن هذا البلد لم يكن قط في حالة حرب بشكل رسمي مع الدولة العثمانية 
(لن يكون في حالة كهذه لأول مرة إل في عام 1714 بحكم الحملة الفرئسية على 
مصر). وحالة البندقية أكثر تعقيدًا: فبعض الامتيازات الممنوحة للجمهورية هي 
مجرد امتيازات خالصة ترتب إصدارها على تغير في عهد الحكم؛ في حين أن 
اتفاقات امتيازات أخرى (كاتفاق الامتيازات الصادر في عام )١1١4٠‏ كان مسن 
شأنهاء على العكس من ذلك؛ وضع حدٌّ لنزاع ومن ثم كانت في آن واحد معامدات 
صلح تتضمن تنازلات ترابية وامتيازات تستعيد البنود المختلفة المحددة لوضع 
البنادقة وممثليهم في الدولة العثمانية والمحدّدة في الوقت نفسه لشروط تجارة 
مدعوة إلى استئناف نشاطها بقوة. وينطبق الأمر نفسه على معاهدة عام ١414‏ بين 


لذن 


الدولة العثمانية ويولنده: فمن جهة» شأنها في ذلك شأن المعامدات السابقة بين 
البلدين» جثدت الهدنة؛ لكنها» إذ أدخلت؛ من الجهة الأخرى؛ لأول مرة؛ بضعة 
بنود تخص التجارة والتجار: يمكن أيضنا اعتبارها أول امتياز يولندي7''). وقد 
مثلت المعاهدات مع دوبروقنيك نوعا آخر من الاتفاقات الهجينة: فمن جهة؛ على 
غرار عهد - إي - ذمه [عهد الذمة]» أعطت للجمهورية التجارية وضعية التابع ؛ 
ومن الجهة الأخرى؛ منحت الراجوزيين المتاجرين في الدولة العثمانية سلسلة من 
الضمانات والمزايا. 


بيراء عالم دييلوماسي أصغر 

في هذه الظروفء كان العثمانيون شركاء في اللعبة الديبلوماسية الأوروبية» 
وهي لعبةٌ لم تتوقف البتة عند الحدود الإسلامية - المسيحية؛ وذلك بحكم منطق 
الدولة. فالواقع أن هذه الحدود كانت موضع اجتياز مستمرء في الاتجاهين» 
بالتصاريح المطلوبة» من جانب ديبلوماسيين من كل الأنواع: رسل سريين أو 
سفراء مصحوبين بالطبول والمزاميرء يحملون رسائل أو نصوص معاهدات وء 
عند الاقتضاءء هدايا ثمينة. والحال أن المؤرخين الذين ذهبوا إلى أن العثمانيين 
كانوا ممانعين بشراسة لمفهوم الدييلوماسية نفسه قد طرحوا كمحاجة رئيسية لتأييد 
أطروحتهم حقيقة أن السلطان لم يكن له من سفير في العواصم الأوروبية. على أن 
من المناسب إجراء تمييز هنا: الحق أن العثمائيين لم يكونوا قد تكيفوا مع هذه 
الممارسة الجديدة من ممارسات الدييلوماسية؛ والتي ظهرت في إيطاليا في القرن 
الخامس عشر والتي لا تفرض نفسها إلا تدريجيًا وليس من دون مقاومات في بقية 
أوروبا: السفارات الدائمة في العواصم الأجنبية والتي يُعهد بها إلى سفراء يجب 
عليهم الإقامة فيها لعدة أعوام. ولن ينتقل العثمانيون في نهاية المطاف إلى هذا 
العرف إلا في وقت جد متأخرء لأن تجاربهم الأولى [في هذا الصدد] لن تكون 
سابقة لعام .١747‏ وسوف تتماشى آنذاك بشكل واضح مع رغبة السلطان سليم 
الثالث في انتهاج سبل الغرب. ولا مراء في أن «الميجالومانيا» [جنون العظمة] 
العثماني طويل الأمد إنما يفسر تأخر! زمنيًا كبيرًا كهذاء مثلما تفسره «التحيزات 
الإسلامية». والواقع أنه إذا لم يكن صعود العثمانيين الهائل قد أبعدهم عن 


1 


الديبلوماسية فإنهم قد سعوا مع ذلك إلى توفيق هذه الأخيرة مع حرصهم؛ المتناقض 
بعض الشيء» على أن يؤكدوا دومًا تفوقهم على الشريك: ومن هنا تخليهم عن 
الوثائق الرسمية المكتوبة بلغات أجنبية والتي كانوا قد مارسوا كتابتها حتى مستهل 
القرن السادس عشر ؛ ومن هنا بالأخص الشكل وحيد الطرف لمعاهداتهم. فهذا 
الشكل قد ساعد على إظهار هذه المعاهدات بوصفها صادرة عن إرادة السلطان 
وحدهاء حتى عندما تكون نصوصها قد تم التفاوض عليها سلفا في كل الخطوات 
المؤدية إليهاء وقد استوجبت؛ في ختام العملية» التصديق عليها من جانب الطرفين. 
3 فإن معاهدة عام ١654٠‏ بين الدولة العثمانية والبندقية» وهيء في أن واحدء 
هدة صلح وامتيازات؛ كما قلنًا لوه كانت قد صدرت باسم السلطان وحدهء في 
3 0 الأول .١54٠‏ ويتضمن النص قسَمٌ هذا الأخير الذي يتعهد 
باحترامه. إلا أننا لا يجب أن نخدع أنفسنا بهذا المظهر: فعدة رسل بنادقة كانوا قد 
تعاقبوا في الذهاب إلى القسطنطينية منذ ربيع عام ١574‏ لإجراء محادثات. ومن 
جهة أخرىء؛ فبعد التوصل إلى الاتفاق» نجد أن النص الذي أعده الديوان العثماني 
قد أرسل إلى البندقية» مصحوبًا بترجمة إيطالية» في ١‏ أكتوبر/ تشرين الأول 
ويقدم الدوج بدوره تعهده باحترام هذا النص؛ خلال احتفال أقيم في المدينة 
البحرية» في ٠١‏ أبريل/ نيسان ١54١»؛‏ في حضور ثلاثين من الأشراف البنادقة 
وممثل السلطان» سفيره؛ الترجمان يونس بك. وبعد ذلك؛ جرى إرسال نسخة من 
المعاهدة؛ مختومة بالختم الذهبي للجمهورية. وفي رسالة إلى الدوج في عام 
»؛ سوف يشير السلطان إلى هذا الاحتفال. وسوف يذكرٌ بتعهد الدوج من دون 
أن يعتبره البتة غير مطلوب؛ كما من المفترض أن تود ذلك أحادية طرف 
كاملة!”'). ثم إن هذه المعاهدة نفسها قد تركت بضع مسائل معلقة: فهي قد تحل 
لاحقا من جائب لجان ثنائية 
والحال أن العثمانيين» على الرغم من امتناعهم هم أنفسهم عن إقامة سفارات 
دائمة لهم» قد وافقواء في الوقت نفسه - على الرغم من وسواس الجاسوسية الحاد 
الموجود عندهم-» على وجود عدد معين من السفراء المقيمين في عاصمتهم» 
يمتلون شركاءهم الأوروبيين الرئيسيين. وكان أولهم بايل البندقية» في عام .١404‏ 
وقد ظهر سفير فرنسا في عام 2١57©‏ وسوف يتلوه؛ في أواخر القرن السادس 


"14 


عشر وأوائل القرن السابع عشرء زملاءً إنجليز )١1587(‏ وهولنديون (1517). وقد 
أمكن لهارلي دو سانسيء سفير فرنساء أن يكتب أآنذاك إلى قيلروا: «على الرغم 
من عظمة غرور هذا الباب العالي وعلى الرغم من أنهم يرغبون في مجد أن يروا 
هنا عدة سفراء لملوك عظماء9")...». ّ 

أَمّا فيما يتعلق بسفير روسياء المدعو إلى أن يلعب دور! على هذه الدرجة من 
العظمة على ضفاف البوسفور في القرن التاسع عشرء فإنه لم يظهر إلا في القرن 
الثامن عشرء مع عدة سفراء آخرين كسفيري السويد ويولنده. وبالنسبة لهذا الأخير» 
فقد جرى النص على وجوده في معاهدة عام ١‏ » لكن تطبيق هذا البند كان قد 
جرى تأجيله. 

ومن جهة أخرىء لم تكف العاصمة العثمانية عن استقبال المبعوثين فوق 
العاديين الذين واصلت إرسالهم هذه البلدان نفسها وبلدان أخرى معا. 

وقد أرسل العثمانيون» من جهتهم؛ إن لم يكن سفراء دائلمين» فعلى الأقل 
مبعوثين. وكانت البلدان الحدودية» كالنمسا أو يولنده أو البندقية: معتادة على 
استقبال هؤلاء المبعوثين (“م-رممرونى «مبع (ءع0 ه«رهم #زء المصحوبين بحاشية كبيرة» 
ومثيرة بشكل متزايد باطراد مع مرور الزمن. وقد فعلت كل شيء من أجل 
تكريمهم أفضل تكريم وعدم المجازفة بإثارة سخط سيدهم؛ وهو «جار مزعج 
وخطر» كما وصفه سيجيسموندء ملك يولنده. وإلى البلدان الأبعد كفرنسا أو هولنده 
أو إنجلتراء كانت البعثات العثمانية أكثر ندرة؛ لكن السلطان لم يتردد في تدشينها ما 
أن يحتم الموقف ذلك. والحال أن هؤلاء المبعوثين العثمانيين» الذين كان يتم 
استقبالهم في البداية في الخفاء» سوف يتم استقبالهم فيما بعد: على التكين.فن الك 
بأكبر صخبء عندما أدرك ملوك كهنري الثالث أو لويس الرابع عشر أن 
استعراض كل أبهتهم الاحتفالية أمام أعين سفراء «غراتبيين» هو أفضل وسيلة 
لنشر شائعة قوتهم ومجدهم [كملوك] في أقصى أطراف الأرض. 

واعتبارًا من القرن الثامن عشرء لا يعود السفراء الأوروبيون يقيمون في 
اسطنبول نفسهاء بل يقيمون على الشاطئ الآخر للقرن الذهبي؛ في مدينة جالاتا 
الجنوية السابقة وفي «كرمات بيرا». وشيئا فشيئاء على امتداد «شارع بيرا 


(*) باسم السيد الأكبر [السلطان]. -م. 
لضن 


الكبير»» سوف تنتصب قصور السفارات المختلفة» المسصحوية بأماكن العيادة 
المناسبة لها. والحال أن هذا الحي الكوزمويوليتيء والذي انضم إليه تجار «إفرنج» 
وذميون محظوظونء إنما يصبح واحدة من أهم ساحات الدييلوماسية الأوروبيسة: 
ليس فقط الساحة التي يدافع فيها السفراء عن المصالح السياسية والتجارية لبلدانهم 
أمام وزراء السلطان» بل الساحة التي تدور فيهاء بشكل أعم. لعبة التوازن 
الأوروبي. ويتعلق الأمر أولا بالوقوف في وجه من حاولوا هدم هذا التوازن 
لصالحهمء بتأمين الدعم من جانب التركيء سواء بانتقال هذا الأخير إلى التدخل 
الفعلي أو بأن لا يكون التهديد بهذا التدخل الفعلي إلا تهديذا ضمنيًا. وتلك» بحسب 
العصورء حالة البندقية ضد جنوه وحالة دوبروقنيك ضد البندقية وحالة فرنسا ضد 
الهابسبورجيين» في عهدي فرانسوا الأول وهنري الثاني» كما في عهد هنري 
الرابع أو في عهد لويس الرابع عشرء وهي حالة السويد ضد روسيا وحالة يروسيا 
ضد النمساء إلخ. وفي مرحلة ثانية» حيث صار التركي ضعيفاء سوف يكون شعار 
البعض هو منع منافسيهم من الاستفادة من ذلك للاستيلاء علسى غنائمه. وسوف 
يمارسون عندئذ وساطتهم في المعاهدات غير المؤاتية المفروضة على السلطانء إذ 
اعتاد هذا الأخير على هذا الإجراء الذي أشار إليه بمصطلح التوسط. والحال أن 
إنجلترا والمقاطعات المتحدة قد مارستا وساطتهماء خلال مفاوضات معاهدة 
كارلوقيتز. وبهذا المسلك؛ فإن الدولتين التجاريتين» المتحدتين في ظل ملك واحدء 
هو ويليام أوف أورانج؛ قد سحبتا الأرضية من تحت قدم الديبلوماسية الفرنسية. 
وقبل ذلك بيضمع سنوات» في ذروة الحرب؛ في عام »١14©‏ كان مبعوث للصدر 
الأعظم حسن أفندي قد اتصل بجيلراج؛ سفير فرنساء البلد الصديق تاريخيّاء لمعرفة 
ما إذا كانت فرنسا قد تكون مستعدة لتقديم وساطتها بين الدولة العثمانية وخصومها 
الثلاثة: الإمبراطور ويولنده والبندقية. وسوف يتحقق هذا السيناريو بعد بضعة 
عقود من ذلك عندما سيكون من شأن وساطة سفير لاحق» هو الماركيز قيلنوف» 
السماح فعليًا للسلطان» خلال صاح بلجراد؛ المعقود في عام 11789 مع 
الإمبراطورء باستعادة بلجراد وشمالي صربيا. 

وهكذا فإن بيرا هي عالم أصغر تتحد فيه وتنفصل فيه؛ في الأرض الكافرة» 
أقسام الجماعة المسيحية: فهناك يتجسس كل تسم منها على الآخر ويخترق أسراره 


رض 


بالتوصل عبر الرشاوى إلى نسخ من الأوامر أو من المراسلات السرية. وإذا 
مازادت حدة التوتر الدولي؛ يتدفق دييلوماسيون من جميع البلدان الأوروبية على 
البوسفور. ويرصد السفير جيلراج الوضع في عام ١787‏ لكي يستخلص منه نتائج 
غير مريحة: «إن هذا الحشد من هؤلاء الوزراء [السفراء] المتحرقين إنما يشهد 
على ذعر سوف يستفيد منه الباب العالي كما يشهد على تحرق إلى السلام سيجعله 
صعبا»7”). وبيرا أيضنا فترينة دولية يقيس كل واحد عبرها مكانته بمقياس 
التكريمات التي يمنحها السيد الأكبر [السلطان] لممثليه كما بترتيب الأولويات 
السارية على ضفاف البوسفور. والحال أن سفراء فرنساء الذين استحقوا التوبيخ 
عبر تعليمات صادرة من ملوكهم؛ كانوا متشددين فيما يتعلق بهذه المسألة 
والحكايات لا أول لها ولا آخر في هذا الصدد: إنهم يطالبون بالأولوية على جميع 
ممثلي الجماعة المسيحية» بدءا بممثلي الإمبراطور أو ملك إسبانياء وقد أصروا 
على تسجيل هذا الامتياز في وثائق الامتيازات وبراءات اعتماد قناصل فرنسا. 
وفي الامتيازات الفرنسية لعام 217054 نجد أن .السلطان الحاكم آنذاك: أحمد الأول» 
إذ يستعيد مادة كانت قد ظهرت في امتيازات عام ١158٠ء‏ قد كتب ما يلي: «وبقدر 
ما أن إمبراطور فرنسا هذا هوء من بين جميع الملوك والأمراء المسيحيين» الأكثر 
نبلاً وابن العائلة الأسمى وأكمل صديق كسبه أجدادنا من بين الملوك والأمراء 
المشار إليهم والمنتمين إلى ديانة عيسى [...] فإنناء ترتيبًا على هذاء نود ونأمر بأن 
تكون لسفرائه المقيمين في بابنا العالي السعيد الأولوية على سفير إسبانيا وعلسى 
سفراء الملوك والأمراء الآخرين؛ سواء كان ذلك في ديواننا العام أو في جميع 
الأماكن الأخرى التي قد يلتقون فيها»". وهكذا فسوف يجد السفير جيلراج؛ مثلا» 
في التعليمات الصادرة إليه تذكيرًا بشأن «الأولوية الواجبة عموما لفرنسا على 
التيجان الأخرى ولكن المعترف بها نشكل خاص جدًا لدى الباب العالي بأكثر مما 
في أي مكان آخر». وترجع هذه الخصوصية إلى أن أولوية الإمبراطور المعتادة 
كانت «موضع شك» في القسطنطينية حيث لم يجر الاعقراف بالسفير 
الإمبراطوري إل بوصفه «وزير ملك المجر»9". والحال أن حق حماية رجال 
الدين الكاثوليك خدم الأماكن المقدسة» في اسطنبول وفي بقية الدولة العثمانية» وهو 
الحق الممنوح لسفراء فرنسا انطلاقا من امتيازات عام ١104‏ وعام 275177 هوء 


1 


في أن واحدء نتيجة للعلاقات السياسية الطيبة بين البلدين وطريقة بالنسبة للدعاية 
الملكية للتغلب على آثار الانتقادات العنيفة التي أثارتهاء في الداخل كما في الخارج: 
هذه العلاقات نفسها في بقية عالم الجماعة المسيحية. وكما ذكرت بذلك: في شيء 
من المبالغة؛ التعليمات الملكية المسلمة في عام ١77٠١‏ إلى الماركيز نوانتل؛ قبل 
سفره إلى القسطنطينية؛ فإن: «السيد السفير المذكور يجب أن يعلم أن الدافع 
الرئيسي للتفاهم الجيد الذي شاء الملوك أسلاف صاحب الجلالة إقامته بينهم وبين 
الباب العالي للأباطرة العثمانيين قد تمثل في ورعهم وحماسهم لمزايا الدين 
الكاثوليكي الذي يؤمن به عدد كبير من الأشخاص في الإمبراطورية التركية» كما 
لصون حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لجميع المسيحيين عموما». 

وأخيراء كانت تنازلات السلطان هذه عاملاً من عوامل الهيبة الدولية للملكية 
الفرنسية» وكانت من جهة أخرى رهانا إضانيا من رهانات المنافسة مع 
الهابسبورجيين. والحال أن هذه التنازلات سوف تبين الطريق للروس عندما 
سيطرحون أنفسهم في القرن الثامن عشر كحماة لأرث وذكس الدولة العثمانية. 
وترجع مفارقة الوضع كلها في أن الجماعة المسيحية قد جعلت بذلك من السلطان 
الكافر [في نظرها] محور توازنها والحكمٌ الذي يفصل في تحديد مكانات 
عناصرها. وقد أمكن لبرانتوم أن يكتب» فيما يخص الحاشية الفاخرة للسفير ' 
آأرامون؛ الذي سمح له بمرافقة سليمان إلى فارس في حملة 1١648‏ -1645: 
«يال مجد سفيره ومجد أمته الفرنسية أن تكون لهما مثل هذه المكانة لدى أعظم 
ملك في العالم». 

والحال أن منصب سفير لدى القسطنطينية - والذي يتميز بأهمية متفاوتة 
بالطبع» بحسب الظروف الدولية- قد ظل دومًا واحذا من أرفع المناصب مكانة في 
المسيرة العملية للديبلوماسيين7 ')؛ في فرنسا كما في البلدان الأوروبية الأخرى 
الممثلة [في القسطنطينية]. وبهذه الصفة؛ كان هذا المنصب واحذا من المناصب 
المشتهاة أكثر من سواها من جانب من مارسوا هذه المسيرة العملية من القادةه من 
النبلاء والأحبارء وذلك؛ كما يمكننا معاينة ذلك بهذا القدر أو ذاك من الاستعدادات 
اللازمة لأداء المهمة وبهذا القدر أو ذاك من النجاح. وكانت المهمة واحدة من أكثر 
المهام خطورة أيضنا. وذلك بحكم البْعد ومصاعب الاتصال التي ترتبت عليه 


ضرضن 


وبحكم المخاطر الصحية (أوبئة الطاعون» خاصة) وبحكم اختلاف العادات 
والشمائل. وفي برقية مكتوبة في عام ١5ء‏ يرثي السفير فرانسوا دو نواي لحاله 
فيقول: «إنني هنا وسط همج من دون أي محادثة متمدنة»7'). وقبل عشرين عامًا 
من ذلك» نجد أن جان دو لاقينيه الغضوبء, سفير هنري ي الثاني لدى سليمان»؛ قد 
شكا من اضطراره إلى تحمل الإهانات من جانب ياشاوات. فقد كتب لزميله في 
البندقية» أسقف لوديف: «من العار على الملك ورعاياه تحمل هذه الحقارات من 
هؤلاء الكلاب الهمج»7"). إلا أن هناك ما هو أكثر إزعاجًا من الجراح التي تطال 
حساسية مستثارة لا سيما أن التطاولات قد صدرت عن «همج» و«كفار». ويرجع 
الخطر الرئيسي إلى حقيقة أن العثمانيين» من دون أن يكونوا الوحيدين في ذلك في 
أوروبا» لم يكونوا الأخيرين أيضنا في الاستهانة بوضعية الحصانة الدييلوماسية التي 
توطدت أنذاك» ليس من دون مشقة. فإذا ما دخلوا في حرب مع بلدء سارعوا إلسى 
رمي سفيره (ورعايا هذا البلد بشكل عام) في السجن؛ أوء على الأقلء قاموا 
بوضعه قيد الإقامة الجبرية ت تحت المراقبة. إلا أن أبسط حادث قد يعود على سفير 
بإساءات ومعاملات سيئة» بل قد يعود عليه بأسوأ الاحتمالات» التي تجيد السلطات 
إنزالها به» فيما يتعلق بمصيره النهائي. وألم يزعم فيلتقيكء؛ مبعوث فردينان 
فرانسوا الأول في العاصمة نفسهاء غداة معاهدة كريبي أن لاونوا والتي بموجبها 
خان سيده للتو التركيّ مرة أخرىء أنه كان هناك «في لحظة جد سيئة كهذه» حديث 
تكرر عدة مرات عن خوزقته»7” ّ( . وقد سجن سفير فرنسا هارلي دو سانسي 
لبضعة أيام في عام .١171717‏ وبشكل أكثر تحديذاء حُدّدت إقامته في مقر التشاووش 
باشيء بعد هرب الأمير كورسكي من السجن والذي اشتبه بأنه لعب دورًا في 
تدبيرد!"). والحال أن سفيرا آخر لفرنسا أيضاء وهو جيلراج؛ إنما يخشى» في عام 
7»؛ من «عمل غادر ما» من جانب مضيفيه الترك»: بعد قصف شيو من جانب 
الأسطول الذي قاده ديكسن. فعند حضوره اجتماعًا مع الصدر الأعظم؛ وجد نفسه 
موضع فضول لاهث من طرف الجميع وهو يقول: «هيأت نفسي للرد على أول 
بادرة عنف22). إيأ أن شيئًا من الإيحاءات التهديدية كان في هذه الأزمات ولم 
يجر قط قتل أي سفير مسيحي (لم يكن الأمر كذلك دوما مع السفراء المسلمين أو 
مع سكرتاريي وترجمانات السفارة العاديين). 
١‏ 


حدود الاندماج التركي 

على الرغم من أهمية دور العثمانيين في اللعبة الدييلوماسية الأوروبية:؛ فإن 
هذا الدور لم يجر إضفاء طابع رسمي عليه في عالم الجماعة المسيحية مثلما لم 
يجر إضفاء هذا الطابع على التحالفات مع السلطان» كما سبق لنا أن رأينا ذلك. 
فالاعتراف رسميًا بهذا الدور من شأنه أن يعني قبوله ومن ثم إضفاء الشرعية 

عليه. والحال أنه إذا كان من المستحيل إغفال هذا الحضور العثماني الجسيم في 
أوروبا وإذا كان من المرغوب فيه أصلاً اتتزاع أفضل مكسب ممكسن من فإننه 
يظل مع ذلك شينًا شاذاء مصيبة تجري مكابدتها ولا يمكن السماح بها. ومع أن جد 
شارل العاشر وأباه كانا أفضل حليفين لسليمان القانوني ومع أنه هو نفسه كان 
بوسعه التراسل معه في روح وديّة» فإن هذا لن يمنعه البتة من إبداء فرحته علنا 
لفشل هذا الأخير في حصار مالظة. ففي رسالة منشورة» موجّهة إلى محافظ ليون 
الدوق دو نيمورء يأمره بإعلان النبأ في كل مكان من جانب المنادين وبتنظيم 
موكب من كاتدرائية سان جان إلى كنيسة سان نيزييه» حيث ستجرى طقوس شكرء 
و«سيتم في المساء الاحتفال بإطلاق الشماريخ؛ مثلما جرت العادة على ذلك في مثل 
هذه المناسبات السعيدة»7 '. فالاتفاقات التي جرى الاضطرار إلى عقدها مع الكافر 
نما تقبع في منطقة رمادية؛ بين الحقيقة الواقعية العارية والقانون. ومن غير الوارد 
التنظير لها. ومما له دلالته في هذا الصدد الصيغ المواربة المختلفة التي يشير بها 
ملك فرنسا إلى السلطان في التعليمات الصادرة إلى سفرائه لدى القسطنطينية: السيد 
الأكبرء إمبراطور الترك؛ صاحب السمو الإمبراطور العثماني - وهي أساليب 
عديدة لتشخيصه بالشكل الذي قد يشخص به أي إمبراطور آخرء إذ يتفادى بذلك 
العقبة الدينية التي قد يتوجب عليهاء» من حيث المبدأء حظر أي علاقة. وعندما أعلن 
أرنو.دو يوميون» وزير خارجية لويس الرابع 00 في عام 1507 بشأن 
مشروعات الحرب المقدسة» أنها «توقفت عن أن تكون النمط المقبول منذ القديس 
لويس [الملك لويس التاسع]» ('" فقد انطوى كلامه على قدر كبير من الواقعية ؛ 
وليس بالضرورة على نسبية أو ريبية ما فيما يخص الدين. 

والحال أن بعض الأذهان المعادية للاتباعية هي وحدها التي رفعت التابو. 
لكنها - من باب الحرص أم من باب الحكمة؟- لم تفعل ذلك إلا ببشكل جزئي 
وغالبا ما تراجعت بعد إقدامها عليه. 


والحاصلٍ أن جان باتيست روبينيه» إذ يعرض الأمور بجرأة على نحو مأ هي 
عليه إنما يكتب في عمله؛ المعجم الشامل (778١)؛‏ أن «الأمراء الكاثوايك 
يتحالفون باستمرار مع هؤلاء الهراطقة أنفسهم الذي سبق لهم أن خاضوا حرونا 
صليبية ضدهم ولا تجد الدول المسيحية أي صعوبة في التحالف مع التركي». 
ويطرح إميريك كروتشه بشكل مباشر مسألة دمج الترك في النظام الأوروبي. فهو 
يرتأي في عملهء سينيه الجديد؛ المنشور في عام 17777, جمعية تجتمع في البندقية 
«يكون بها سفراء دائمون لكل الملوك حتى يتسنى فيها تسوية الخلافات التي قد 
تنشأ بينهم». والحال أنه يرتأي مكانا فيها للسلطان أو لممثله» وهو مكان ليس من 
الأماكن الأقل أهمية؛ لأن من شأن السلطان أن يأتيء من حيث الترتيب الهيراركي؛ 
بعد البابا مباشرة؛ وقبل الإمبراطور الجرماني. على أن كروتشه هذا نفسه» سوف 
يتخلى بعد عشرين سنة من ذلك عن مقترحاته الجسورة لكي يدعو إلى المواجهة 
التقليدية. وفي مستهل القرن الثامن عشرء فإن رئيس دير سان بيير سوف يمضي 
في: اتجاه ممائل لاتجاه كروتشه الأول. ففي عمله؛ مشروع لجعل السلام أبديًا في 
أوروباء يطرح بدوره مشروع «جمعية» يتم فيها تمثيل كل ملوك الجماعة المسيحية 
بشكل دائم «لكي يسووا فيهاء من دون حربء بأغلبية ثلاشة أرباع الأصوات» 
خلافاتهم القادمة ولكي يحددوا شروط التجارة». ولا يمضي رئيس الدير إلى حد 
دمج الترك بالكامل في هذه الجمعية. فهو يرى في الواقع أنه «يصعب أن يكون من 
المناسب منحهم صوتا في المؤتمر». وأقصى ما يمكن أن يقدمه هو.الموافقة على 
تقديم تنازل لهم: «لأجل حفظ السلم والتجارة معهم؛ ولتجنب الاضطرار إلى حمل 
السلاح ضدهم؛ بوسع [الاتحاد] عقد معاهدة معهم [...] ومنحهم مقيمًا في مدينة 
السلام». ومن الوارد أيضنا أن تترتب على اتفاق الاتحاد هذاء على الرغم من 
محدوديته؛ فائدة بالنسبة لما يظل الهدف الرئيسي؛ قضية المسسيحية: «فمن شأن 
الكنيسة أن تكسب بذلك؛ بقدر ما أن المحمديين؛ إذ يصبحون أكثر استنارة؛ من 
شأنهم أن يكونوا أقل تشبثا بمعتقداتهم الجامدة وأكثر استعداذا للإحساس بجمال 
وكمال الديانة المسيحية». وهذا الانفتاح» على الرغم من كونه انفتاخا جد حذرء 
سوف يتم التخلي عنه هو أيضنا بعد بضع سنوات من ذلكء عندما يقوم رئيس دير 
سان بيير؛ في خاتمة كتاب جديد مُهدى إلى الوصي على العرشء بالدعوة هذه 


لمرمل 


المرة من دون لف أو دوران إلى «طرد التركي من أوروباء بل ومن آسيا 
وأفريقيا»9". 

ولنتذكر أنه سوف يتعين الانتظار حتى عام ١805‏ حتى يتم الاعتراف 
بالترك؛ بمناسبة مؤتمر باريس؛ كأعضاء كاملين في «التوافق الأوروبي». فهكذا 
جرى الانتقال؛ بعد قرون من المشاركة الفعلية؛ إلى مشاركة قانونية. ولكن أل يدل 
هذا التنازل على التنافس الحاد فيما بين الأوروبيين آنذاك بأكثر ما يدل على تحول 
حقيقي في الأذهان؟ 


تجارة شرق البحر المتوسط 

مجال التجارة مجال آخر يدفع فيه ثقل الحقائق الواقعية المسيحيين والمسلمين 
إلى إنامة إيديولوجية المواجهة وإلى العبور السلمي للحدود البرية والبحرية الفاصلة 
بين العالمين. وفي العصر الوسيط بالفعل» كانت جاذبية السلع القادمة من الشرق 
ومن الشرق الأقصى - الفلفل والتوابل والحرير - والأرباح الهائلة المنتشظرة من 
هذه التجارة (استند ثراء البندقية إلى هذا الأساس إلى حد بعيد) قد تغلبت دومًا على 
مشقة الاضطرار إلى الذهاب لشحن السلع من بيروت أو من الإسكندرية؛ أي من 
أرض الإسلام. والحال أن كون العالم الإسلامي بؤرة التبادلات فيما بين القارات 
الثلاث لم يكن كافيًا البتة لردع العقول المستثمرة عن المشاركة في هذه التجارة. 
والمسلمون من جهتهم لم يدفعوا التفرقة في هذا الشأن إلى ما هو أبعد من تحديد 
رسم جمركي أعلى بالنسبة للحربيين. وقد عقدت الأطراف المعنية معاهدات تجارية 
تَحَدّدْ قواعد اللعبة وتكفل للأجانب الأمن الضروري. وقد ظهرت العلاقات في هذا 
المجال» على الجانئبين» بوصفها علاقات أقل إساءة من الاتفاقات السياسية 
والعسكرية ومن ثم فإنها لم تستدع لدى من مارسوها النوعٌ نفسه من «التستر». 
وقد انصبت المسألة الحساسة الوحيدة على تبادلات السلع الاستراتيجية (الأسلحة 
وإن كان أيضنا المواد الأولية)» وذلك تحديدا لأنها كانت مساوية لهذه الاتفاقات 
المدانة لكونها تشكل انتهاكا للتضامنات الصارمة في داخل كل معسكر من 
المعسكرين. وعلى التبادلات التجارية من هذا النوع انصبت؛ مثلاء تنديدات 
الياباوات والمجامع الكنسية» مع أن نجاح هذه التنديدات كان غير مؤكدء من جهة 
أخرى. 

1 


ويظل الإطار في العصر العثماني هو نفسه بوجه عام. فالعثمانيون؛» وهم 
ورثة للأيوبيين والمماليك وسلاجقة روم والبيزنطيين في شرق البحر المتوسطء؛ 
وشأنهم في ذلك شأن البيليكيين الأناضوليين الآخرين السابقين لهم: قبل أن يتم 
استيعاب الأولين لهؤلاء الأخيرين؛ لن يكون موقفهم مغاير! حيال التجار الإفرنج. 
فهم؛ بدورهمء يمنحونهم امتيازات وقد رأينا أن هذه الأنواع من المعاهدات سوف 
تتكاثر وأنها يتم تمديدها وتطويرهاء على مدار الحقبة الحديثة. وفي الوقت نفسه. 
فإن الصادرات التي تجازف بإضعاف البلد وتعزيز الكفار» في حرب مكشوفة أو 
محتملة مع السلطان» قد شجبها السكان وراقبتها السلطات: إذ يتم حظرها إن لم 
تحصل على ترخيصات خاصة. والقمح في المرتبة الأولى من هذه السلع 
«الحساسة». وفي حالة الندرة» رأى السكان في حظر الصادرات فريضة دينية 
على العاهل. وعندئذ تتلاشى البراجماتية لتفسح المجال أمام عودة إيديولوجية 
المواجهة إلى الصدارة. وهكذا يلاحظ قاضي البندقية في برقية أرسلها في نوقمبر/ 
تشرين الثاني :150١‏ «إن كل هذه السفن التي قامت بالشحن في هذه القناة بحر 
مرمرة] على مرأى من الجميع؛ قد استثارت احتجاجات الشعب الذي صاح محتجًا 
على السماح بشحن القمح أمام عرش الإمبراطور [السلطان] نفسه: وهو الأمر الذي 
لم يسبق حدوثه قط والذي تنهى عنه الشريعة وسنة النبي». ويظل الخطاب نفسه 
حاضر! في مستهل القرن الثامن عشرء كما يشهد على ذلك تقرير فرنسي نقرأ فيه: 
«إن الأتراك.الذين يجدون في القرآن كل ما يريدون البحث عنه. يزعمون أن 
شريعتهم لا تجيز لهم بأي شكل السماح للمسيحيين بقل القمح إلى خارج 
ولاياتهم»). 

والحال أن تصدير الأسلحة والجياد ممنوعٌ بالمثل؛ وكذلك تصدير مختلف 
المواد الأولية المستخدمة في المعدات العسكرية والبحرية: القطن؛ الصوف الخام: 
الجلود؛ وكذلك المعادن: الحديد» الرصاصء الذهبء القفضة. على أن هذه 
المحظورات لم تكن ذات طابع مطلق فقد جرى إصدار ترخيصات تصدير وكان 
بإمكان فساد راسخ الأركان أن يسهل دوما الحصول عليها. شم إن الوجهاء 
العثمانيين الأعلى مقامًا لم يجدوا حرجا في المشاركة في هذه التجارة لحسابهم 
الخاص. ومن جهة أخرىء فإن التهريب البحري كان متدفقا دومًا. وسوف يلعب 


ا 


العثمانيون من جهتهم على انقسامات الجماعة المسيحية لكي يحصلوا من الدول 
الييروتستانتية على تلك السلع الاستراتيجية التي امتنعت الدول الكاثوليكية عسن 
تصديرها إليهم: الرصاصء القصديرء قذائف المدافع؛ البارود. 

وهكذا سوف يشرح سفير هنري الثالث لدى القسطنطينية لسيده نجاح ويليام 
هاربورن في إقامة علاقات ودية بين السلطان والملكة إليزابيت؛ ليس من دون 
سخط عفيف: «إن ما منح الحظوة لهذا الإنجليزي لدى هؤلاء الناس هنا [الحكام 
العثمانيين] إنما يتمثل أكثر ما يتمثل في أنه جلب كمية كبيرة من الصلب وقطعًا 
مكسورة من التماثيل البرونزية والنحاسية لاستخدامها في سبك المدافع. كما أنه 
وعدهم سرءًا بأن يجلب المزيد في المستقبل» ما يُعَدُ تهريبا مقينا ومؤذيًا لكل 
الجماعة المسيحية»!'). 

وإذا كانت التجارة» من حيث المبدأء لا يجب أن تعزز الشريك في اللحظة 
التي صار فيها أو أصبح فيها من جديد خصما - وأن حدوذا راسخة إلى هذا الحد 
أو ذاك قد فرضت لهذا الهدف-» فقد كان الطرفان على إدراك جيدء من جهة 
أخرىء لفوائدها. فقد رأوا فيهاء على الجانب المسيحي - متى كانت وفيرة- عامل 
ثراء عام وخاصء وهو ما سوف تقوم المركانتيلية بالتنظير له. وبحسب صيغة 
لدى قضاة البلدية ومندوبي التجارة في مارسيليا في عام 11174»؛ فإن تجارة شرق 
البحر المتوسط من شأنها أن تكون «مصدر الوفرة العامة وثراء الأفراد»"". لكن 
الجانب العثماني تَمّنَها أيضناء ضمن منظور ضريبي أساساء وذلك للرسوم الجمركية 
والضرائب الأخرى العديدة التي يمكن توقعها منها. ثم إن التجارة قد أدخلت إلى ' 
الدولة العثمانية مواد وسلعا كانت تنقصها وكانت مع ذلك جزءًا لا يتجزأ من ترف 
البلاط السلطاني والبيوت الكبيرة. وعلاوة على ذلك: كما ذكرنا ذلك للقوّء فإن 
بعض الواردات التي استدعت؛ بحكم طبيعتهاء ترتيبات خاصة؛ كانت ضرورية 
لجيوش السلطان. وأخيراء لم يكن من النادر أن يكون يعض الوجهاء «رجال 
أعمال» وأن يستمدوا أرباخا طائلة من المضاربات التجارية. ومن ثم فقد ثمن 
العثمانيون التجارة (ومن هناء مثلاء تلاقيهم؛ في بعض اللروف»؛ مع البنادقة 
للصراع ضد الأوسكوك كما ضد القراصنة المسلمين ؛ أو تلاقيهم مع الفرنسيين 
للسعي إلى تحييد البربر كما إلى تحييد المالطيين). إلا أنه يظل صحيحًا أن السلطة 


1714 


العثمانية لم تتخذ تدابير لدعم وحفز وتنظيم تجارهاء على نحو ما فعلت ذلك الدول 
المركانتيلية المعاصرة لصالح تجارها. 

والواقع أنه سوف يُوجِدْ دومًا عدم تناظر واضح بين التجار الأوروبيين الذين ٠‏ 
جاءوا إلى الدولة العثمانية بأعداد متزايدة وأكثروا فيها من الجاليات و من الجهة 
الأخرىء رعايا السلطان؛ المسلمين أو غير المسلمينء الذين يجيئون للتجارة في 
أوروبا المسيحية. على أن هؤلاء الأخيرين كانوا موجودين» وهو ما من شأنه أن 
يكون كاقيًا لتكذيب الفكرة التي طرحها البعض والتي تذهب إلى أن الإسلام من 
المفترض أنه كان عقبة لا تُقهر في وجه هذه الانتقالات إلى أراضي الكفارء إلا أن 
من الصحيح أن الأماكن التي كانوا يذهبون إليها قد ظلت محدودة. وقد اجتذبتهم 
البندقية وتوابعها بشكل خاص. وترددوا بصورة منتظمة على الموانئ القريبة مسن 
البحر الأدرياتي البندقي: كاتاروء زاراء سيبينيكو (شيبينيك)؛ سيالاتو (سيليت). وقد 
اجتهدت السلطات المحلية - خوفا من التجسس أو من الاختلاط الديني- في عزلهم 
هناك عن بقية السكان: وهكذا صارت مدينة زارا محظورة عليهم تدريجيًا خلال 
القرن السادس عشر. وقد أبعدوا إلى مكان اسمه سان ماركوء جرى ترتيبه لسكناهم 
وممارسة تجاراتهم. وبالمثل» في عام 1777» يأمر كونت سيبينيكو ببناء بناية 
خاصة. (“أنز/ونروى. في ضواحي المدينة؛ لتجميع كل رعايا السلطان الموجودين 
هناك فيها("". وقد استقبلت البندقية نفسها رعايا للسلطان» يهوذا ومسيحيين وكذلك 
مسلمين؛ وكان هؤلاء الأخيرون منحدرين من الأناضول؛ من بورصا بالأخص أوء 
بعد فتح ثغر سبالاتو في عام 215.14 من البوسنة وألبانيا. وخلافا للأولين؛ لم 
يقيموا بشكل مستديم في البندقية وكان تفرقهم في المدينة مصدر قلق للسلطات. 
والواقع أنه قد عزيت لهم كل أنواع المساوئ. أمّا هم فقد اشتكوا من جهة أخرى 
من أنهم ضحايا للتعدي. ومن ثم يجري السعي إلى تجميعهم وعزلهم. وبعد عدة 
محاولات فاشلة» جرى في عام 0١‏ إنشاء الل*” أره:11 أعك معوكو/ء في 
القصر القديم لدوقات فيراريء على القناة الكبرى. وقد أدخلت على البناية تعديلات 
بما يتماشى مع غرضها الجديد. وكانت الأبواب مقتصرة على اثنين» واحد على 


(4>)سراي, دم 
(<) فندق الأتراك. -م. 


احرضن 


القناة الكبرى والآخر على الساحل البري. وقد جرى اختزال النوافذ ووضع أسلاك 
عليها. كما صدر مرسوم ينبئنا بالكثير عن الممنوعات المفروضة على الضيوف 
الترك: إذ كان من المحظور دخول نساء أو غلمان أو أسلحة إلى البناية التي كان 
يجب من جهة أخرى إغلاقها بالكامل عند هبوط الليل. على أن المشكلة لم تسو 
بشكل نهائي مع ذلك وسوف تواصل السلطات شجب تفرق الترك ومخاطره. وفسي 
الوقت نفسه؛ اعترفت عن طيب خاطرء كما فعل ذلك مجلس الشيوخ في عام 
7 بأن «كل السلع ترجع إلى التجار الترك الذين يقومون بالتجارة هنا» وبأنه 
يتعين في الواقع الاجتهاد في اجتذابهم» هم وسلعهم الثمينة!"". 

وتشكل يولنده (خاصة مديئة لقوق الغاليسية) وموسكو الوجهتين المسيحيتين 
الأخريين» المجتمعتين غالبًا من جهة أخرىء لتجار عثمانيين من كل الملل؛» ومن 
بينها الملة الإسلامية. ويتعلق الأمر أساسًا في هذين البلدين بتجارة «استمداد» لأن 
هؤلاء التجار الذين تميز فريق منهم من جهة أخرى بطابع رسمي (هو فريق ال 
خاصة تاجري المرسل من جائب السلطان) كانوا يذهبون إلى هناك للبحث عن تلك 
السلع الترفية الباذخة التي كان القصر' المستهلك الأول لها: الفراء الثمين بالأخص» 
وكذلك سنقوريات [صقور] الصيد وأنياب كركدن البحر والعنيرء إلخ. 


تنافس الأمم 

فيما يتعلق بالتجارة الأوروبية في شرق البحر المتوسط؛ فإنها تندرج؛ كما 
أشرنا إلى ذلك دفعةً واحدة» في استمرارية الحقبة القروسطية ؛على أنها سوف 
تشهد تحولات وتطورات جد ملحوظة في الحقبة الحديثة. وأولاً فيما يتعلق 
بالفاعلين فيها. فقد كانت هذه التجارة دومًا شأنا يخص متوسطيين:؛ بنادقة وجنويين 
أساسًا. ويظل هذا صحيحا في ظل العثمانيين الأوائل. ويحصل الجئويون منهم على 
الامتيازات الأولى في عام ١57‏ (وقد جرى تجديدها في عام 1187) بينما 
يحصل عليها البنادقة بين عامي ١784‏ و1787. لكن جنوه سرعان ما سوف 
تنمحيء إذ ضربتها في منغرساتها الاستعمارية فتوحات محمد الثاني. وفيما يعدء 
في عام 555١؛‏ سوف يوجه ضياع شيو ضربة قاتلة ل«رومانيا الجنوية» هذه. 


. 
مه م ل 


وسوف تصمد البندقية وقتا أطول بكثير (سيتم تجديد امتيازاتها عشرين مرة بين 


0 


عامي ١40*‏ و141١)؛‏ حتى وإن كان العثمانيون سيضعونها في تنافس مع 
فلورنسا وبيزا في النصف الثاني من القرن الخامس عشرء بمنحهم امتيازات 
لتوسكانيا (في أعوام ١45٠١‏ و477١‏ و587١).‏ وفيما بعد سوف يتعين على 
البندقية إفساح المجال بشكل متزايد باطراد لقادمين جدد. وكان المارسيليون أولاً - 
وهم متوسطيون أيضنا- هم الذين بدءوا في تجريب فرصتهم. وفي عام 2١1578‏ قام 
سليمان القانوني؛ لصالحهم ولصالح الكاتالونيين» بناء على طلب من قنصلهم 
المشترك في الإسكندرية» بتجديد الامتياز التجاري الذي كان قد منحه لهم السلطان 
المملوكي قنصوه الغوري؛ في 7١‏ أغسطس/ آب .15٠07‏ وبالمقابل» قد لا يكون 
بوسعنا التأكيد» على نحو ما جرى عمل ذلك كثيراء على أن هؤلاء الفرنسيين 
أنفسهم قد استفادوا من الامتيازات التي تعاقد عليها فرانسوا الأول وسليمان القانوني 
في عام 1575.ء إذ لا مجال للشك في أن هذه الامتيازات لم يتم التصديق عليها قط 
من جانب السلطان ومن ثم فإنها لم تكن سارية المفعول قط. إلا أنه يظل صحيحًا 
أن التجار الفرنسيين قد استفادوا من التحالف الذي نسجه هذا السلطان مع فرنساء إذ 
كان مصحوبًا بالضرورة بحماية خاصة لهم. وهكذا نقرأ في رسالة وجهها سليمان 
القانوني إلى فرانسوا الأول في فبراير/ شباط ©154: «كما أشار المساعد المذكور 
للسفير [جابرييل دارامون» مساعد السفير يولان» الغائب آنذاك عن اسطنبول] إلى 
أنكم تتمنون أن يتمكن تجار ووسطاء بلدكم من مواصلة المجيء والذهاب في 
بلادي المحروسة: مثلما كانوا يفعلون حتى الآن. والحال؛ بما يتماشئى مع المحبة 
والصداقة اللتين وجدتا بيننا في الماضي وإلى الآن: أنه مثلما اعتاد تجاركم الذهاب 
والمجيء في بلادي المحروسة؛ فمن الآن فصاعذا أيضًا لن يكون على أحد 
اضطهادهم ولا المساس بهم بعد. على العكسء فبما يتماشى مع الصداقة» يجب أن 
يكون بوسعهم الذهاب والمجيء وممارسة تجارتهم بكل اطمئنان وأمن. واستجابة 
لأمنياتكم في هذا الصددء فقد جرى تحرير أوامر سامية إلسى بيليربيكسي مصر 
وسورياء كما إلى جميع بكوات وقضاة بلادي المحروسة؛ بحيث لا يتعرض أي 
تاجر من التجار القادمين من بلدكم للاضطهاد أو للمساس به في ذهابه ومجيئه 
بحرا كما ), 

وفي هذه الظروفء لن يحصل الفرنسيون على امتيازاتهم الثابنة الأولى إلا 
في عام 15594؛ على أثر مفاوضات بين كلود دي بورج مبعوث شارل التاسع؛: 

إفرون 


وسوكوللو محمد باشاء الصدر الأعظم لسليم الثاني. ومن ثم فلم يكن ملوك فرنسا 
أول «الأمراء المسيحيين» فصولا على امتيازات من الباب العالي» كما ستزعم 
ذلك الدعايةٌ الملكية[”". فهم لم يكونوا فقط مسبوقين منذ زمن بعيد بالدول - المدن 
الإيطالية» بل كانوا مسبوقين أيضنا بيولنده التي: كما أتيحت لنا الفرصة بالفعل 
للإشارة إلى ذلك؛ حصلت: في الوقت نفسه الذي حصلت فيه على السلم» على 
ضمانات أولى لمقيميها [في الدولة العثمانية] في عام ١445‏ (سوف يتم تجديد 
الامتيازات اليولندية في أعوام ١657‏ ولالاه١‏ و5017١).‏ 

ولا مراء في أن التجارة الفرنسية في شرق البحر المتوسطه. علاوة علسى 
تعزيز أسسها الحقوقية» إنما تستفيد» في الأعوام الممتدة من عام ١57١‏ إلى عام 
7 من مصاعب البندقية» التي كانت في حرب مع السلطان آنذاك. على أن 
الفرنسيين لن يتأخروا هم أيضنا في أن يجدوا أمامهم منافسين سوف يرمز ظهورهم 
إلى دخول أوروبا الشمالية - الغربية مسرح شرق البحر المتوسط. 

والحال أن الوجود الإنجليزي كان في البداية جد متواضع. وتحيل إشارة أولى 
إلى تاجر إنجليزي اسمه جنكنسون في حلب في عام *155. لكن طموحات 
الإنجليزء الذين لم يكونوا ينوون مواصلة الذهاب إلى البندقية للحصول على 1 
الشرقية؛ قد تأكدت في عام :15,٠٠‏ ففي ذلك العام» نجد أن ويليام هاربورن - 
وكيل ورسول تاجرين إنجليزيين» هما إدوارد أوسبورن وريتشارد ستاير-» 0 
كان قد وصل إلى اسطنبول قبل ذلك بعامين؛ قد حصل على امتيازات مماثلة لتللك 
التي حصل عليها الفرنسيونء ما أثار عظيم استياء هؤلاء الأخيرين. على أن حادثة 
بحرية تمثلت في مهاجمة سفينتين يونانيتين من جانب سفينة قرصنة إنجليزية قد 
حالت دون التصديق على هذه الامتيازات. ولدى عودة هاربورن إلى العاصمة 
العثمانية في عام ١5.8‏ بوصفه أول سفير لإنجلتراء قام بإصلاح فشله الأول 
وعصيل: هدة لمق على . لمقياز الخد موتقة0 ) وقد وجدت فرننا عزاءً قدر إمكائها 
في توصلها من الآن فصاعذا إلى تضمين امتيازاتها حق علم د تعيّن بموجيه على 
جميع البلدان الراغبة في الملاحة في المياه العثمانية القيام بذلك تحت العلم 
الفرنسيء وإن كان قد جرى استثناء البندقية وإنجاترا من ذلك بشكل معلن. 
وسرعان ما سوف يصبح حق العلم هذا موضع منافسة شرسة بين فرنسا وإنجلترا. 


7 


وفي عام ١54١‏ ينشئ الإنجليز شركة اسمها '“ابرمومم:ه0© /عاتنالء وينشئون 
في عام ١5,8‏ شركة اسمها ““زهدمم00 عمند/1. وقد جرى توحيد الشركتين 
في عام ١517‏ تحت اسم لود هحتره > ا و وهي شركة ستحصلء بعد 
يضع تقلبات: على ميثاق أبدي من الملك جيمس الأول في عام .١150©‏ وفي تلك 
الأثناء» في عام .150١‏ كان الإنجليز قد حصلوا من الترك على ما لن يحصل 
عليه الفرنسيون إلا في عام 1777: خفض رسومهم الجمركية كحربيين من نسبة 
6 إلى نسبة ؟90. 

والحال أن هولنده» وهي الدولة البحرية الكبرى الأخرى آنذاك» قد جربت 
بدورها فرصتها. ففي عام 215١7‏ أرسلت إلى اسطنبول سفيرًا استتثنائيّاء هو 
كورنيليوس هاجا. وبما أنه ممثل لأمة حاربت» لزمن جد طويل وفي تشدد هائل؛ 
الملكية الكاثوليكية» فقد لقي أفضل استقبال من جانب الباب العالي؛ وعلى الرغم من 
دسائس سفراء البندقية وفرنسا وإنجلتراء المتحالفين ضدهء حصل بدوره على 
امتيازات وجعل من سفارته الاستثنائية سفارة دائمة. وبمثل ما قدمت بيرا تلخيصا 
للتنافسات السياسية فيما بين الدول الأوروبية» أصحت الموائئ العثمانية ساحات 
لتنافساتها التجارية. 

والحاصل أن القادمين الجدد من الشمال قد تفوقوا على البنادقة كما تفوقواء 
بدرجة أقل؛ على الفرنسيين. ففي أواخر ستينيات القرن السابع عشرء نجد أن 
التجارة الإنجليزية التي توصلت إلى خفض عجز صادراتها قياسًا إلى وارداتها 
عبر تطويرها القوي لمبيعاتها من الجوخ في شرق البحر المتوسط؛ قد بلغت أوجها 
إذ زادت عن 15٠٠ ٠٠٠‏ جنيه استرليني. وفي ثمانينيات القرن السابع عشرء سيطر 
الإنجليز والهولنديون على نسبة 9647 و9678؛ بحسب الترتيب؛ من التجارة 
الأوروبية في شرق البحر المتوسطء بينما لم يمثل الفرئسيون فيهما سوى نسبة 
9615 وانحدر البنادقة إلى نسبة *796"). وبوجه عام؛ فإن التجارة الفرنسية في 
شرق البحر المتوسطهء والتي كانت تجارة واعدة في القرن السادس عشرء قد شهدت 





(*) شركة تركيا. - م. 
(“«»“) شركة البندقية, - م, . 
(:*) شركة شرق البحر المتوسط. - م. 
7 


أزمنة صعبة خلال الجزء الأكبر من القرن السابع عشر. وهيء من جهة أخرىء لم 
تكن ضحية لمنافسيها الجدد فقط: إذ تأثرت أيضنا بالقلاقل السياسية التي مرت بها 
المملكة وبالتنظيم السيئ والانشقاقات الداخلية للجاليات الفرنسية في شرق البحر 
المتوسط. وفي عام 555١؛‏ سوف يفسر الوزير إيجيس دو ليون هذا الانكماش 
بطريقته غير المنصفة إلى حدٌّ ماء في التعليمات الصادرة إلى السفير دوني دو لا 
آي - قنتيليه. فهو يأخذ فيها على السلطات الفرنسية السابقة عدم تمكنها من 
الاستفادة بشكل كاف من الفرص التي أتاحها التحالف السياسي على الصعيد 
الاقتصاديء وهو يرى أن السبب في هذا الانكماش هو أن «ملوكنا لم يهتموا أدشى 
اهتمام بالتجارة كما لم يدرك مجلسهم مدى المزايا التي يمكن أن تعود على المملكة 
من صون هذه التجارة التي هي جد عظيمة وجد ملحوظة»9©. 


الصدارة الفرنسية في شرق اليحر المتوسط 

اعتباا من أواخر القرن السابع عشرء استفاد موقف التجارة الفرنسية على 
العكس من ذلك من عدة عوامل مؤاتية: التدابير النشطة: ذات مصدر الإلهام 
المركانتيلي: والتي اتخذها كولبير والتي أكدت تمتع مارسيليا بالاحتكار عبر ميئاق 
الحرية الممنوح لهذه المدينة في عام ١554‏ وكفلت بموجب الأمر الصادر في عام 
0١‏ سيطرة الدولة على المؤسسة القنصلية. وبالمثل؛ فإن أمرا صادرا في عام 
6 سوف يُخضع الإقامة في شرق البحر المتوسط لشهادة تصدرها الغرفة 
التجارية بمرسيليا. ومن جهة أخرى فإن الفرنسيين»ء مستلهمين درس الإنجليز 
ومتفوقين عليهم في ساحتهمء سوف يتمكنون» بفضل دينامية صناعة الصوف في 
لانجدوك؛ المؤطرة على النحو الواجب بتنظيم دقيق» من أن يطرحوا في السوق 
العثمانية منتجات عظيمة الجو دة» خاصة «اللندنيات الثانية» والتي ستحرز نجاخا 
قويًا لدى النخب المحلية. وأخيراء بعد ذلك بقليلء مع «امتيازات عام 175٠‏ 
الكبرى»؛ التي أشرنا إليها بالفعل» سوف يتمتع الفرنسيون بص حقوقي أكمل وأدق 
من كل الامتيازات السابقة؛ سوف يكفل لهم كل الحمايات المنشودة. كما سوف 
يتمتعون برصيد أخر: انسحاب الإنجليز والهولنديين الذين يتطلعون في القرن 
الثامن عشر إلى آفاق جديدة؛ واعدة أكثر في نظرهم: أميركا وآسيا. وسوف يرجع 

نرق 


الإنجليز بقوة من جهة أخرى إلى شرق البحر المتوسط في القرن التاسع عشر. 
وعلى العكس من ذلك؛ يواصل الفرنسيون الرهان بقوة على شرق البحر المتوسطء 
ما لن يمنعهم مع ذلك من الاهتمام بدورهم؛ وإن كان بعد بعض الوقتء بالأسواق 
الجديدة في أميركا وآسيا وأفريقيا. والحال أن حصة شرق البحر المتوسط في 
تجارة مارسيلياء والتي كانت 9694٠‏ في أواخر القرن السابع عشرء لن تكون أكثر 
من 9076 في أواخر القرن الثامن عشر. 

وفي هذه الظروفء اعتبار!ا من عشرينيات القرن الثامن عشر وحتى نهاية 
القرن الثامن عشرء فإن التجارة الأوروبية في شرق البحر المتوسط إنما يسيطر 
عليها الفرنسيون. ونحو منتصف القرن الثامن عشرء تمثل فرنسا أكثر من 9655 
من هذه التجارة: ويمثل الإنجليز 969١©‏ والهولنديون 9607 والبنادقة 299015. 


الاتجاهات الجديدة لتجارة شرق البحر المتوسط 

تمضي هذه الصدارة الفرنسية مع تنويع لهذه التجارة وتغير في طبيعتها قياسًا 
إلى ما كان في العصر الوسيط وخلال جزء من الحقبة الحديثة. فتجارة شرق البحر 
المتوسط كانت إلى ذلك الحين تجارة ترائنزيت؛ حيث كانت موانئ الشرق الأوسط 
كالإسكندرية وبيروت أساكل لسلع قادمة من أماكن أبعد بكثيرء كالهند والشرق 
الأقصى. وقد سبق أن رأينا أن اكتشاف طريق المحيط من جانب البرتغاليين قد 
قضى لفترة على هذه التجارة التي جرت استعادتها جزئيًا فيما بعد في القرن 
السادس عشرء لتختفي أو تكاد في القرن السابع عشر. على أن سلع ترانئزيت 
أخرى قد حلت محل الفلفل والتوابل القديمة: بْن اليمن اعتبارًا من منتصف القرن 
السابع عشر وحرير فارس الذي كانت تنقله إلى سوريا قوافل أرمنية. وتلك كانت 
بوجه عام صورة التجارة الإنجليزية في شرق البحر المتوسط: الحرير الفارسي في 
مقابل الجوخ الإنجليزي؛ وقد نشأ عدم ارتياح الإنجليز إلى شرق البحر المتوسط 
عن تفضيلهم للحرير الهندي والإيطالي. ْ 

وعلى العكس من ذلكء» يشدّد الفرنسيون على المنتجات «المحلية»: كل مأ 
أمكنهم أخذه من الأناضول والروملي نفسيهما. ويترافق هذا التوجه الجديد مع تكاثر 
للانغراسات الفرنسية: فإلى «أساكل» الشرق الأوسط القديمة التي ستتممها 

رقنا 


الإسكندرون وصيدا أضيفت المنافذ الكبيرة والصغيرة لهذه المنتجات المحلية. 
فإزميرء على جانب الأناضول المطل على بحر إيجه؛ والتي تحولت من ميناء 
متواضع في القرن السادس عشر لتصبح تدريجيًا المركز الرئيسي لتجارة شرق 
البحر المتوسط» هي مدينة كوزمويوليتية كبيرة سوف يشعر «الإفرنج» فيها بأنهم 
في دارهم بأكثر مما في أي واحد من الأساكل الأخرى. وسالونيك: من دون أن 
تساويهاء تحتل مكانة مشابهة في أوروبا الشرقية. واسطنبول» وهي مركز استهلاك 
لا نظير له تصبح هي أيضنا موقعا من مواقع التجارة الدولية. ثم إن أماكن أخرى: 
بحرية أو برية» أكثر تواضعاء إنما يتردد عليها بالمثل الفرنسيون و«إفرنج» 
آخرون: لا كانيه» إدرنه» بورصاء أنقره» أنطالياء وكذلك موانئ الموره كياتراس 
وموانئ جزر الأرخبيل. 

ويجيء المارسيليون للبحث عن مواد أولية لصناعاتهم. والحال أن القطنء 
القادم من غربي الأناضول ومن مقدونياء إنما يحتل المكانة الأولى وقد عرف 
«رواجا» خلال القرن الثامن عشرء إذ انتقل من نحو 27١‏ طنا سنويًا في مسستهل 
القرن إلى 545٠٠‏ طن للفترة الممتدة من عام ١75‏ إلى عام 17,84: حيث يتغلب 
القطن الخام من الآن فصاعذا بشكل كاسح على الأقطان «المغزولة». إلا أنه 
يجري البحث أيضا عن شعر ماعز أنقره؛ والذي يتميز بنعومة قصوىء كما يجري 
البحث عن شعر الخيل والجمل والحرير «المحلي» القادم من إقليم بورصا ومن 
البيلوبونيز وقبرص. وتحتل الجلود أيضنا مكانة كبيرة؛ في النصف الأول من القرن 
على الأقل. وإذ يجري استيرادها كجلود خام ومملحة أساساء فإن دبغها يتم في إقليم 
مارسيليا. كما يجري البحث عن مواد أولية نباتية أو معدنية»؛ ضرورية لعمليات 
الدباغة والصباغة: الشبّة السنديانات» العفصات؛ الزعفران؛ القفؤة. أمَا مصانع 
الصابون في مارسيليا فقد كانت تحتاج؛ من جهة أخرىء إلى واردات من الزيت؛: 
كما إلى مسحوق الروكيت ومسحوق النبتة الزجاجية والباريل [مادة قلوية غير نقية] 
والصودا واليوتاس. وقد أصبحت الواردات من الزبيب والفواكه المجففة الأخرى 
خاصية أخرى لهذه التجارة. 

وقد اجتهد التجار المارسيليون في موازنة هذه الواردات بتطويرهم النشيط 
للصادرات التي غذتهاء كما قلناء صناعة الصوف في لانجدوك. فقد أضافوا إليها 

إفرضن 


فئة أخرى من الصادرات كانت بمثابة تجديد آخر في بنية التجارة في شرق البحر 
المتوسط - وهو تجديدٌ مفارق لأنه قلب تيارات التبادل القديمة. فقد جلبوا بالفعمل 
إلى شرق البحر المتوسط ما كان سابقوهم قد جاءوا للبحث عنه فيه: السكرء القادم 
من الآن فصاعذا من جزر الآنتي ومن البرازيل ؛ بن أميركاء وهو بديل أرخص :- 
لبن محا اليمني ؛ نيلة سان دومينجوء التي تصل إلى مارسيليا عن طريق نانت أو 
بوردو ؛ قرمزيات المكسيك التي تلقتها مارسيليا من قادس قبل إعادة تصديرها إلى 
شرق البحر المتوسط؛ حيث حلت محل الصبغات الحمراء الشرقية القديمة. 

وعلى الرغم من هذه الدينامية» فقد تفوقت الواردات الفرنسية من شرق البحر 
المتوسط على الصادرات. على أنه جرى بيان أن هذه التجارة لم تشك من عجز: 
«لقد أصبحت مارسيليا ثرية من الشراء بأكثر مما من البيع». والواقع أن عجز 
الميزان التجاري قد جرى التعويض عنه فعلأً عن طريق عائدات «غير مرئية»»: 
ناجمة عن النقل البحري الساحلي على طول السواحل العثمائية (حيث أصبحت 
«القافلة» احتكارًا فرنسيًا) و«التجارة المصرفية» (المضاربات في العملات 
وتحويلات الكمبيالات7 ')). والحال أن صيغة استخدمها السفير شوازول - جوفييه 
في برقية أرسلها في عام 178 إلى وزيره؛ إنما تعبر تمانا عن المكانة التي 
احتلتها تجارة شرق البحر المتوسط في الاقتصاد الفرنسي: «مع أن الترك ليسوا 
أنسب الحلفاء [...]: فلابد من اعتبارهم أيضْنا واحدة من أغنى مستعمرات 
فرنسا»('). 


صمود الاقتصاد العثماني 
لا يجب مع ذلك أخذ هذه الصيغة الصادمة على علاتها. فمن الواضح أن من 
غير الوارد الحديث. عن مستعمرة (ابوجرءوى ملنن”ى ولا حتى عن اقتصاد «مسود», 
خلافا لأطروحات تيار مهم في الكتابة التاريخية في العقود الأخيرة. والحاصل أن 
محاجة رئيسية استندت إليها هذه الأطروحة الأخيرة إنما تتعلق بما استورده 
الأودوسوف من هود أؤلية وما حبذزوة إلن. الدوكة الكمائية ام منتجاة تصني 
ومن المؤكد أن التجارة الأوروبية كانت لهاء في الحقبة التي ندرسهاء انعكاسات 


(*) بالمعنى الدقيقء باللاتينية في الأصل. - م. 
لخرانا 


متنوعة على الاقتصاد والمجتمع العثمانيين؛ إلا أنه يتعين إدراك الطابع النسبي 
لأهميتها قياسًا إلى قطاعات أخرى للتجارة العثمانية - وهي قطاعات رئيسية 
بالتأكيد على الرغم من قلة الدراية بها: التجارة الداخلية والتجارة مع الشرق. ولابد 
أن حصة التجارة الغربية في التجارة العثمانية قد مثلت؛ في أقصى تقديرء ما بين 
و١٠99‏ من الإجمالي”*). ومن جهة أخرىء فإن التجار الإفرنج إنما يظلون 
موضع تضييق شديد عليهم في نشاطاتهم؛ سواء من جانب السلطات («الترك ليسوا 
أنسب الحلفاء») أو من جانب شركائهم ومنافسيهم المحليين: الوسطاء والتجار 
المحليين» اليونانيين والأرمن واليهود والمسلمين أيضنا. وأخيراء فإن الصناعات 
الأوروبية لم تكن قادرة بعذ على توجيه ضربة قاتلة للحرف المحلية التي تظل 
قوية» حتى وإن كانت قد تأثرت فعلاً بارتفاع أسعار المواد الأولية الناجم عن 
المشتريات الأوروبية. والخلاصة أننا لا يجب أن نتورط في مفارقة زمانية ونسقط 
على الحقبة «الحديثة» انقلابات القرنين التاسع عشر والعشرين. 

ومن جهة أخرىء قد يحلو لنا أن نتخيل أن هذه الأساكل العثمانية كانت موقع 
لقاء» بل وتقارب؛ بين إفرنج مقيمين لفترة طويلة؛ بل يتمكنون أحيانا من الانغراس 
محلياء وبين مسلمين؛ من الجهة الأخرى. لكن الحال كلما كانت كذلك لأن هؤلاء 
الإفرنج (شأنهم في ذلك شأن ترك البندقية الذين أسلفنا الإشارة إليهم) إنما يحيون 
منعزلين عن بقية السكان؛ في أحياء مخصصة لهم أو حتى في بنايات خاصة: 
الفنادق. وهكذا فقد كانوا مفصولين ومحميين بجدران مثلما كانوا مفصولين 
ومحميين؛ من جهة أخرىء ببنود امتيازاتهم التي تنظمهم على شكل جماعات 
مستقلة» تتمتع بمؤسساتها الخاصة؛ تحت سلطة قناصلها وتتمتع بكفالة حريتها 
الدينية بحكم وضعيتها كجماعات مستأمنة. وعندما يتزوج الشبان هناك - وهو ما 
تحظره السلطات على الجانبين (ناهيك عن غضب أبائهم)-» فإنهم لا يتزوجون» 
كما هو واضح. إلا من مسيحيات» يونانيات أو أرمنيات أو من متمشرقات (أي من 
أوروبيات مهاجرات). ثم إن الأعمال التجارية لا تِسَؤى بشكل مباشر البتة تقرينا 
مع المنتجين» بل عبر سماسرة وتجار وسطاء يعدون في الأغلب؛ هم أيضناء من 
«الأقليات». ومن جهة أخرى: فإن هؤلاء المقيمين أنفسهم لا يملكون تصريحًا 
وليست لديهم من جهة أخرى غواية المغامرة خارج الأساكل الكبرى؛ في داخل 


ردن 


البلد. وبعض التجارب الفرنسية في بورصا أو أنقره أو كيركاجاتش؛ مركز إنتاج 
القطن الأناضولي؛ تظل استثناءات عابرة. وقد اجتهد الوسطاء المحليون في الحفاظ 
على ال (امميب رمع الذي يكفل لهم عدم الاستغناء عنهم. 

وهكذا فإن الاتصالات برعايا السيد الأكبر [السلطان] ليست فقط معدومة أو 
محدودة» بل إنها محكومة بالتوترات والمنازعات الناجمة عن مصالح اقتصادية 
متعارضة غالنا. وإذا كانت هناك مؤسسة عثمانية يعرفها التجار جيذاء خارج 
الجمرك؛ فهي محكمة القاضي. والخلاصة أننا لا يجب أن تخامرنا أوهامٌ زائدة عن 
الحد فيما يتعلق بدور أساكل شرق البحر المتوسط في معرفة الآخر وتعلم التسامح 
المتبادل. 


«الرحالة الجدد» 

على أن جدار التناحر والجهل سوف يتم اختراقه جديّاء بأساليب أخرى» خلال 
الحقبة الحديثة. وهذا العمل هو من فعل ثلات فئات من المخترقين:؛ المتمايزين مسن 
حيث الملمح ومن حيث الأهدافء والذين يتبادلون التأثير بتعضهم على البعض 
الآخر مع ذلك. 

ولنبدأ بالرحالة. فمرويات الرحلة تتكاثر وغالبًا ما تلقى؛ عند طبعهاء نجاحات 
عظيمة في التوزيع. والدولة العثمانية أو؛ كما تسمى عادة؛ تركياء ليست الوجهة 
الوحيدة للرحلة (ففارس والهند والصين وكذلك العالم الجديد تفتن أيضنا زائريها) 
لكنهاء في فرنسا على الأقل: تحتل الصدارة: فبين عامي 215١099 ١4.٠‏ طبعت 
كتبّ عن بلدان الإمبراطورية التركية أو عن الحروب ضد الترك أو عن «شمائل" 
وعادات الترك» تزيد مرتين عن الكتب المطبوعة عن القارتين الأميركيتين» العالم 
المكتشف حديثا(””). والحال أن فارس التي ليس لأوروباء وخاصة فرنساء سوى 
علاقات محدودة بها من جهة أخرى؛ سوف تلقى معالجة جيدة بشكل خاص في 
القرن السابع عشرء وذلك بفضل تلك الكتب الأعلى مبيعا والمتمثلة في المرويات 
المرموقة لاثنين من الهوجنوت؛ هما حجان - باتيست تأقرنييه )15199-1١570(‏ 
وجان شاردان (1570-15172). وهذا هوا ما سوف يفسر السبب في أنه في 


(*) الوضع القائمء باللاتينية في الأصل. - م. 
كرس 


أوائل القرن التالي؛ في عام +17١‏ سوف يفضل مونتسكيو الفرس على الترك 
لكي يكونوا بمثابة «عين جديدة» له في عمله ه الشهير رسائل فارسية. 

ومرويات الرحلة» علاوة على أنها تستنسخ بعضها البعض الآخرء تتميز 
بتفاوت بالغ في قيمة كل منها. ويظل هناك؛ في أواخر القرن الخامس عشر بل 
وبعد ذلك» رحالة لن يتمكنوا من أن يروا خلال الرحلة سوى ما يؤكد تحيزاتهم 
الأسبق» وذلك بما يتماشى مع الهجائيات القديمة المناوئة للإسلام. وتلك ستكون» 
مثلأء حالة راهب اسمه نيكول الهيني الذيء ونحن في عام 214417 إذ يروي رحلته 
إلى الأرض المقدسة؛ لا يفعل سوى استعادة التنديدات التي أطلقها ضد الإسلام 
الحاج الألماني برنارد البرايدنباخي وقنسان دو بوقيه. فهو يزعم أن محمد «خنزير 
كريه يسمي نفسه نبيّا» ويزعم أن جميع المسلمين الذين يواصل تسميتهم بالسراسنة 
«أناس بهيميون وشهوانيون وهمجيون»*). والحال أن وفرة من مرويات 
المبشرين» في العصر الكلاسيكي» سوف تكون على هذه الشاكلة نفسهاء على الرغم 
من تقديمها - في أفضل الحالات- بعض المعلومات المفيدة. وتلك هي حالة الأب 
بوشيه - وهو راهب فرنسيسكاني ملتزم- في عام .117١‏ فهو لن يتذكر من دون 
فزع زيارته إلى كنيسة القيامة» «التي دنستها التعديات الرعناء من جانب هؤلاء 
الوحوش الحقراء»؛ وهو يكتب فيقول: «أوه أيها الرب الجليل» عندما أفكقر في 
ذلك؛ وعندما أتذكر ما رأيته هناك: يقف شعر رأسي من جديد ويتصيب جبيني 
بالعرق وتسري البرودة في دمي ويتجمد فؤادي ويحار عقلي ويخرس لساني». 
وتنديده بالنبي لا رجعة فيه» فهو يزعم أن «محمد هو وحش الطبيعة وطاعون 
الأرض ولقيط جهنم وملعون السماء وخراب البشر ورعب الملائكة وبؤرة الرذائل» 
إلخ»ة 3 

إل أنه منذ القرن الخامس عشرء من جهة أخرىء يظهر ويتكائر بعد ذلك 
رحالة من نوع آخرء يرصدون ويتعرفون» حرصنا منهم على أن يقدموا لقرائهم 
صورة أمينة - يجب أن نقول صورة موضوعية» وشفافة للحقائق الواقعية التي 
يكتشفونها. وهم أيضناء على غرار يوستلء يطلبون بدورهم من القارئ أن يكون 
«متجرذا من كل الأهواء»7 ). وهذا لا يستبعد؛ عند الاققضاء؛ توجيه انتفادات 
ومؤاخذات» ولكن من دون التورط في “بوبم و منهجية. فهؤلاء الكتاب كلهمء 


(*) أحكام قبلية» باللاتينية في الأصل. - م. 


سواء كانوا يتحدثون عن الإسلام بوجه عام» عن نبيه ومعتقداته وشعائره؛ أم عن 
مؤسسات وعادات الترك. ينحون جانبا التورط في الإقصاء والتهكمات التقليدية» 
لكي يركزوا على الدقة والتدقيق. وعندئذ يتوصلون إلى هذا الاكتشاف المذهلء» 
الجدير بحسن التأمل: إن كل ما يصدر عن الآخرء عن آخر «من خارج ملتنا»7”*), 
ليس بالضرورة سيئاء بل قد يكون على العكس من ذلك أكثر تماشيًا مع الخير مما 
نجده في الجماعة المسيحية. فالآخرء بعيدًا عن إقصائه عن الإنسانية بحكم آخريته» 
قد يمنحها على العكس من ذلك تجسيذا أكمل. وذلك؛ على سبيل المثال» هو الموقف 
الذي أعرب عنه نيكولا دو نيكولاي في إهداء مؤلفه: فهو يريد التحرر من «هذا 
الزعم المتغطرس الذي اغتصبه الإغريق والرومان والذي جعلهم يعتبرون ويسمون 
إنسانا آخر أو أمة أخرى بأنه وبأنها أكثر همجية منهم أو من أمتهم. ولذا فمن 
الأفضل أن نرى بالشكل الذي رأى به تيرينسيان العجوز الذي قال: بما أنني 
إنسان؛ فإنني لا أرى أن أي شيء بشري غريب عني»7). والحال أن جانيا من 
هذه المؤلفات التي شككت في الآراء السائدة كان قد نشر بسرعة كافية ومن ثم فقد 
أمكنه التأثير على المعاصرين؛ وإن كان على أوساط محدودة منهم. لكن مؤلفات 
عديدة أخرى ظلت على العكس من ذلك في حالة مخطوطات - ومن ثم لم تسصل 
إل إلى عدد أكثر محدودية بكثير من الناس- حتى وقت قريب إلى هذا الحد أو ذاك 
عندما أعاد البحث العلمي اكتشافها. وقلما كان بوسع هذه المؤلفات الأخيرة التأثير 
على معاصريهاء على أنها كانت مع ذلك شواهد على ما عسى كانت عليه حالة 
كتابها الذهنية. 

وبشكل استرجاعيء يبدو أن أول هذه السلالة هو برترناندون دو بروكيير 
والذي نجد أن كتابه رحلة في ما وراء البحارء المنجز في عامي ١5457”‏ و479١‏ 
وإن كان لن ينشر إلا في أواخر القرن التاسع عشرء إنما يشهد على انفتاح ذهني 
ملحوظ. تم يتلوه» بحسب الترتيب الزمني» جنتلمان شاب من دوقية جولييه وجيلدرء, 
هو آرنولد فون هارف» الذي ينجز حجه في سنوات 1١595‏ -4911414). ولن 
تنشر مرويةٌ رحلته؛ هي أيضناء إل في القرن التاسع عشر. والحال أن العديدين جدّا 
الذين جاعوا في أثرهما سوف تكون لهم خلفيات متباينة» وهو مالايْعَدُعديم 
الأهمية فيما يتعلق بطبيعة تساؤلاتهم ومن ثم بالموضوعات التي يعطونها الأولوية. 
لكن أغلبهم يقومون بالرحلة لأسباب مهنية. وهكذا نرصد بينهم مبشرين 

م4١‎ 


ودييلوماسيين وتجار وحرفيين وجنوذا وبحارة وأدباء وأطباء وعلماء نباتء إلخ. 
وبالإمكان أيضا أن تضاف إلى هذه النصوص مرويات ذكريات الوقوع في الأمسر 
بين أيدي الكفار (شيلتسبرجرء أنجيوليللو» ميناثينو» قسطنطين ميخايلوقيتش مسن 
أوستروقيكاء جورج المجري) أو تقارير السسفارات. والحال أن كتانا آخرين؛ 
مستفيدين من الشغف بالموضوع. لم يكونوا رحالة بالمعنى الدقيق للكلمة؛ لكنهم 
يستغلون معلومات الرحالة لكي يكتبوا مؤلفات تاريخية وجغرافية يلقى بعضها 
النجاح أيضنا. والأوفر عدذا من بين كل هؤلاء السبادرين بإطلاع الناس على 
الشرق إنما يجيئون من الدول الإيطالية المختلفة وخاصة من البندقية. والحال أن 
البنادقة الذين كانت علاقاتهم التجارية - وهي علاقات طيبة من ثم- مع الشرق 
حيوية بالنسبة لهم» في السراء والضراءء لم يكن بوسعهم الركون إلى الافقتراءات 
والاختلاقات المصبوغة في “معنه,:7 أوروبا الوسطى. وكانت هناك حاجة إلى 
معرفة دقيقة قدر الإمكان لموقع الأقدام فيما يتعلق بهؤلاء الشركاء الذين لا مفر من 
التعامل معهم. ولذا فليس غريبا أن المؤلفات الراسخة الأولى والتوضيحية حقًا فيما 
يتعلق بأصول الترك وتاريخهم قد رأت النور في البندقية. ومنذ بداية القرن السادس 
عشرء نجد أن دوناتو دا ليزي المنتمي إلى الزن» وهي إحدى عائلات الأشراف 
جد المنخرطة في علاقات مع الترك؛» قد كتب بالإيطالية كتابا تحت عنوان تاريخ 
الترك: يغطي القرنين الرابع عشر والخامس عشر. كما كان الترك حاضرين في 
كتابات مارك أنطونيو سابيلليكو؛ كاتب تاريخ البندقية» أو في بحث جيوقاني باتيستا 
إجنازيوء المكتوب باللاتينية في عام 1515, ت تحت عنوان قياصرة. ثم إن كتساب 
آندريًا كامبيني؛ أصل الترك والإمبراطورية العثمانية» قد طبع عدة طبعات بين 
عامي 8؟65١‏ و1541. وقد ظهرت في عام ١57١‏ تعليقات على الشؤون التركية» 
من تأليف ياولو جيوقيو: سوف توؤثر على عدد من الكتاب الأوروبيين الأخرين. 
وقد تلاها كتاب أشياء تركية لبينيديتو رامبيرتسي وخاصة الكتاب الضخم 
لفرانشيسكو سانسوقينو, تاريخ أصول وإمبراطورية الترك. 

وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشرء يأتي مقدمو المعلومات الجرمان؛ 
من حيث العددء في المركز الثاني. وفي هذا العالم المعرض بشكل مباشر للخطر 


(*) المؤلفات المتعلقة بالترك. - م. 
1" 


التركي؛ نجد أن النظرة الدقيقة إلى الخصم تحتاج إلى وقت أطول. لكي تتر 
ومن بين الكتاب المرموقين المنتمين إلى هذا الأصل الجرماني؛ يجب أن نذكر 9 
أي حالء مثلاء كاتبًا اسمه هانز ديرتشقام ذهب إلى اسطنبول والأناضول في أعوام 
م«هه١‏ - ومه 09" ؛ أو أيضنا كاتبًا اسمه ستيفان جيرلاش سوف تنشر يومياته 
التي تغطي أعوام 1١57-1517‏ في فرانكفورت - على- الماين في عام 
5. وفي هذه الفترة نفسهاء يأتي الفرنسيون في المركز الثالث. أمّا فيما يتعلق 
بالإنجليزء فسوف يصبحون عديدين في أواخر القرن السادس عشرء بعد سفارة 
ويليام هاربورن. ويجب أن نذكرء بين أخريات» مروية رحلات جون ساندرسون 
(داره ١‏ - ماره ل 1598-15917 1599 -1507)» التي لن تنشر إلا في 
عام 377577)؛ ومروية هنري أوستلء التي سيْنشر نصهاء المكتوب في عام 
6 : في لندن في عام .١1535‏ وعندئذ يقع الرحالة المنحدرون من إسبانيا في 
المركز الخامس. 

على أننا يجب أن نستعيد كلمات فريديريك تينجلي الذي يذهب إلى أنه «ليس 
بمقدور الكتلة الملحوظة من المرويات الإيطالية والألمانية حجب نوع من النواة 
المركزية تلتقي عندها اتجاهات متمايزة وتعيد جمع نصوص سبعة رحالة 
فرنسيين»7'). وهو يشير إلى بيير بيلون (1551 )١1543-‏ وجان شينو ١55417(‏ 
)١16١6050 - ١ههال ,٠669-‏ وجاك جاسو (ا554١1 )١1١51-‏ وييير جيل 
(ا64١؟‏ - امهل )١1١5060 - ١557‏ ونيكولا دو نيكولاني (1651- 16695 ). 
وشَوف يصدن مولف .هذا الأخير في عام 1654 مضعويًا بلوخات تيفل أزيساء 
الأمم المختلفة في الدولة العثمانية وأزياء ممثلي الدولة الرئيسيين. وتستمر القائمة 
مع جيوم يوستل (15737-1075: )١1500---1545‏ الذي ينجز رحلتين إلى 
تركيا والذي كان أيضنا عالمئًا مدهشا سنتحدث عنه من جديد فيما بعد ؛ وتستمر 
أخيرًا مع أندريه تيقيه .)15١51-1549(‏ وترجع الطبعة الأولى لكتابه 
كوزموجرافيا شرق البحر المتوسط إلى عام .١15505‏ وما يجمع بين كل هؤلاء 
الكتاب هو أنهم كانوا مرتبطين» بشكل ماء بسفارة جابرييل دارامون إلى 
القسطنطينية )١ 668 - ١5545(‏ - وهي سفارة رائعة يترافق عبرها أوج التقارب 
الفرنسي - العثماني مع بُعد ثقافي ملحوظ. 


8 


والحال أن إحصاء لمرويات الرحلة في النصف الأول من القرن السابع عشر 
إنما يضع إيطاليا من جديد في المرتبة الأولى؛ لكن فرنسا تأتي هذه المرة في 
المرتبة الثانية» بفارق كبير عن ألمانيا أو إنجلترا أو إسبانيا أو بولندهل”). ومن بين 
الشهادات المهمة في القرن السابع عشرء يجب أن نشيرء لذكر بعض الأسماء» إلى 
شهادات الروماني بيترو ديللا قالي الذي يقوم برحلة إلى الدولة العثمانية وفارس 
والهند؛ بين عامي 1575-15١5‏ ؛ أو الإنجليزي توماس روي الذي يصبح 
سفير! لدى القسطنطينية من عام ١77١‏ إلى عام 151708ء بعد أن كان سفيرًا لدى 
المغولي الأكبر ؛ أو أيضنا الفرنسي جان تيقنو الذي يطوف بالدولة العثمانية وكذلك 
بإثيوبيا بين عامي ١550‏ و15048 ويقدم في كتابه مروية رحلة جرت في شرق 
البحر المتوسطء والمنشور في عام 2١1574‏ وصفا دقيقا بشكل رائع ونزيها 
بشكل ناجز لشعائر الإسلام السني. وفي أواخر القرن السابع عشرء فإن كتاب 
(كأى زور ورك[ 0 إن 16ماى بوك2 ١7176‏ ليول ريكوء والذي سوف يترجم 
إلى الفرنسية» سوف يمارس تأثيرًا خاصنًا. 

وسيعرف قرن التنوير بدوره عدذا من الرحالة ثاقبي الفكر والنظرء بوسعنا 
أن نذكر من بينهم» من دون أن يكون هذا رصذا لهم كلهم بالمرة؛ جيمس بروسء 
كارستن نيبور هنري موندرل؛ ريتشارد يوكوك؛ جان دو لا روك؛ كلود - إيتيان 
ساقاري» توماس شو. أمّا الليدي ماري مونتاجو فهي حالة جد خاصة لأنها» وهي 
زوجة سفير إنجلترا إلى القسطنطينية في مستهل القرن؛ تدخلنا عبر رسائلها إلى 
أصدقائها إلى عام غريب ومسكون بالأساطير والخيالات: عالم المرأة الشرقية. 
وليس من دون ميل إلى المفارقة» ترسم هذا العالم موسوما بالبساطة والإنسانية 
والحرية. 


الآخر نموذجا 
من بين التوضيحات من كل الأنواع والتي قدمها هؤلاء الرحالة؛ نجد أن 
التوضيحات التي تؤول إلى الاعتراف للترك بفضائلء بل بتفوق أخلاقي معين إنمسا 
تتميزء من الناحية الفكرية» بالأهمية الأعظمء وذلك لأنها تشكك في اليقينيات الأكثر 


(*) الحالة الحاضرة للإمبراطورية العثمانية. -م. 
45 


رسوخا (ليس أيضنا فيما يتعلق بكمال المسيحيين بقدر ما فيما يتعلق بانحطاط الكفار 
الأخلاقي الصارخ والعام الذي لا مفر منه). 

وقد جرى الاعتراف - وهذا أقل ما يمكن فعله بالفعل- بالمزايا العسكرية 
للترك؛ لكنها لا يجري إرجاعها في هذه الحالة إلى قوتهم المادية أو تقانتهم بقدر ما 
يجري إرجاعها إلى فضائل يشير الكتاب عن طريقها إلى افتقار الخصوم ‏ 
المسيحيين للترك إليها افتقاا جسيماء في حين أنها لم تكن عديمة الوزن في 
النجاحات العسكرية العثمانية: النظام» الانضباط؛ الرزانة» التواضع» الصمت. وقد 
لاحظ أوجييه جيلان دو بيسبيك» سفير فردينان الهابسبورجي أنه «هكذا يقاتل الترك 
في أصعب الظروف متحلين بالصبر والرزانة وعلى الرغم من الحرمانات»7©. 
وبالمثل» فإن الزيارة التي أتيحت له الفرصة للقيام بها إلى معسكر تركي إنما 
تغمره بالإعجاب: «لقد عاينت بادئ ذي بدء أن جنود كل قوة كانوا موزّعين في 
مقارهم وفق نظام ممتازء كما عاينت؛ وهذا مما يصعب تصوره بالنسبة لمن عرف 
عادات جيوش بلدانناء صمتا مطلقًا سائذا في كل مكان؛ وهدوء! تامًا: لم يكن هناك 
أي شجار ولا أي عنف من أي نوع. وبالمثل» فإنني لم أسمع أي كلام ولا أي 
زياط راجع إلى التهتك أو المكر. وإلى هذا أضيفت النظافة الأعظم [...] وبالمثل» 
لم يكن من الوارد أيضنا رؤية حالة واحدة من حالات السكر أو العربدة أو أي نوع 
من لعب القمارء وهو الفضيحة الكبرى لجيشنا»7””). وسوف نجد هذا الإعجاب 
نفسه وهذه المقارنة نفسها في غير صالح الجيوش المسيحية عند عدد من الرحالة 
الآخرين. إذ يكتب لوي ديشيه» بارون كورمينان» في عام :157١‏ «ما من مدينة 
أفضل تنظيما من هذا المعسكر». وفي هذا الزمن المضطرب مع ذلكء يحتفظ هذا 
الرجل نفسه باحترام سابقيه لانضباط الإنكشارية: «هناك نظام يستحق الإعجاب 
بينهم» وهو نظام أتمنى أن نتمكن من فرضه في صفوف مشاتنا»9”). ومن جهة 
أخرى» فإن النظام الذي امتدحه ديشيه لا يمتد إلى الجيش وحده: فهو عام في هذه 
الإمبراطورية. والواقع أن الرجل يعلن أنه «ما من مملكة هناك يعد النظام فيها 
أعظح أو تعد الأمور كلها فيها منظمة تنظيمًا أفضل مما عندهم7”». وبما يشكل 
نتيجة سعيدة للانضباط العسكريء فإن الجنودء كما يرصد ذلك عدة رحالة؛ يسلكون 
مسلكا «سليما» حيال المدنيين. وقد وافق على ذلك جاسو الذي رافق جيش سليمان 


5 


في فارس في عام :١54/8‏ «لا يسعني إغفال إبلاغكم بالطاعة الأعظم التي يكنونها 
اللسيد الأكبر [السلطان] بعدم إقدامهم على السرقة من القرى أو أخذ شيء من دون 
دفع ثمنه» وهم أنفسهم على وعي عظيم بأهمية ذلك»(0, 

والحال أن تصويرا آخر للانضباط العسكري العثماني غاليا ما جرى 
استحضاره إنما يقدمه مشهد القوات: خلال استقبال سفراء أجانب في قصر طبقابي: 
فلدى استقبال الصدر الأعظم لهم: جرى السماح لهم بعد ذلك بتقبيل يد السلطان. 
وقد انتشى بيسبيك «لدى مشهد الاحتفاظ بالصمت والتواضع نفسه بين كل هذا العدد 
من الجنود وأناس الحرب». وسوف يحدث الشيء نفسه لجنتلمان شاب يروقائنسي 
(وبروتستانتي) ممح باستقباله ضمن معية السفير فرانسوا دو نواي» أسقف داكس: 
«[نظرنا] بعظيم السرور وبأعظم الإعجاب إلى هذا العدد الرهيب من الإنكشارية 
والجنود الآخرين وهم واقفون على طول سور هذا الفناء؛ وقد ضمٌّ كل واحد منهم 
يديه إلى صدره مثلما يفعل الرهبان» في صمت بالغ تمامًا بحيث خيل إلينا أننا لا 
ترى بشرا بل تماثيل. وقد ظلوا بلا حراك بهذا الشكل لأكثر من سبع ساعات» من 
دون أن يند عن أحدهم البتة كلام أو حركة. ومن المؤكد أن من المستحيل تقرينا 
تخيل هذا الانضباط وهذه الطاعة إن لم تقع أعيننا عليهما»9. 

أمّا التناء على النظام القضائي فهو تيمة أخرى متكررة لدى الرحالة الذين 
يتطلعون إلى الصدقء؛ لاسيما أن هذا من السهولة بمكان بقدر ما أنهم يهملون 
الحديث عن الصلة بين هذا القضاء وشريعة الإسلام. وحماستهم تنبئنا بالكثير عن 
عيوب بلدانهم الأصلية في هذا الشأن بالمقابل. وتتمثل الفضيلة الأولى لهذا القضاء 
في أنه سريع (حتى وإن كان البعض سوف يعترفون بأن هذه السرعة قد تكون لها 
أيضنا عيوبها). وكما يلاحظ ذلك ستوشوفء بين آخرين كثيرين» في منتصف القرن 
السابع عشر: «ثم إنه لا يوجد في العالم قضاء جنائي أو مدني يُمَارَسْ بكل هذه 
السرعة؛ لأن أكبر المحاكمات لا تدوم سوى ثلاثة أو أربعة أيام»7'). وهذه 
السرعة تجعل القضاء أقل تكلفة» بحسب رحالة معاصر آخرء هو دي لوار؛ الذي 
لا يخفي سخريته: «أودُ» فيما يخصنيء لو أن من يرفعون دعاوى في فرنسا لدى 
القضاء كان لهم الحق في التفويض بعقد محاكماتهم في هذه الغرفة. فالأفضل لهم 
هو أن يقوموا برحلة إلى القسطنطينية بدلا من الذهابات والإيابات المتكررة مسن 


8 


وإلى قصر [العدل]؛ وسوف يتم هناك إنهاء قضاياهم بسرعة وبتكاليف أقل»7". 
كما يشدّدُ هذا الكاتب نفسه على مساواة الجميع وبشكل خاص مساواة جميع 
الطوائف أمام القاضي: «هناك يجري الاستماع إلى المسيحي واليهودي كما إلى 
التركي من دون تمييز في أبسط موضوع للشكوىء من دون أن تكون هناك حاجة 
إلى بلاغة محام للدفاع عن الحقيقة»0"9. 

والحال أن عمادًا آخر من أعمدة النظام العثماني؛ وهو الجدارة على خلاف 
نبالة المولد» إنما يمتدحه أيضنا عدة كتاب في القرنين الخامس عشر والسادس 
عشرء مثل سياندوجينو أو بيسبيك أو يوستل أو بيلون دي مانس. وهكذا يكتب هذا 
الأخير: «إن النبالة في بلد التركي ليست شبيهة بنبالة بلدان المسيحيين الأخرى 
والتي تورث من الأب للابن. فالتركي الذي سوف يحتل المقام الأول بعد السيد 
الأكبر [السلطان] هو من لا يعرف من أين جاء ولا من هو أبوه ولا من هي أمهء 
وأي إنسان يحصل على راتب من التركي يعتبر نفسه جنتلمانا شأنه في ذلك شأن 
التركي الأكبر [السلطان] نفسه»9"). 

والحاصل أن بيلون دي مانسء إذ يحدد بهذا الشكل نسبية المفاهيم» إنما «يقوم 
بتفكيك» الخطاب التقليدي عن العبودية عند الترك. والواقع أنه يضيف: «إن أعظم 
شرف وخير قد يحوزه رجل في تركيا هو أن يعترف بأنه عبد للتركي [السلطان]؛ 
مثلما نقول في بلدنا أننا خدمٌ لأمير ما»7). ثم إن كاتبًا آخرء هو ييترمول؛ والحق 
أنه جد وحيد في التفسير الذي م سوف يقترح. بالمشلء «إعادة قراءة» 
ل«الجشع» الذي يُعزى عادة إلى الترك: «إنهم لا يقيمون الهدايا من زاوية 
حاجتهم إليهاء أو من زاوية ضخامة الهدية؛ بقدر ما يقيمونها من حيث كونها علامة 
على الصداقة» بحيث إنهم يسعدون بالدرجة نفسهاء أو بدرجة أكبر» عندما يعطون 
أو يقدمون الهداياء كما عندما يحصلون عليها»*". 

ولا يقوم الرحالة بمجرد الإقدام أحيانا على تصحيح إساءات الفهم المرتكبة 
عن الترك؛ بل يتخذون الموقف المعاكس تمامًا لعدة مزاعم عادية بشأنهم - وهي 
مزاعمٌ سبق أن عرضنا لهاء في الفصل السابق» بوصفها جزءا لا يتجزأ من ثقافة 
التناحر. ويدعو الرحالة موجهي الاتهامات إلى أ ن يراجعوا ضميرهم هم. إذ يقال 
إن الترك همج وأنهم يتسمون بالفظاظة:؛ بينما يشدّد عدة رحالة خلافا لذلك على 


5 


النظافة التي يعملون على أن تسود في شوارعهم وعلى أجسامهم وعلى ثيابهم؛ 
والتي من المفترض الاستفادة بالاقتداء بها في الجماعة المسيحية؛ بما في ذلك بين 
كبار النبلاء» وهي نظافة تجعل من الترك الورثة الحقيقيين للإغريق والرومان. 
ويعبر بوستل عن هذا بطريقته: «إنني أرغب في أن تتاح فرصة ممائلة لتوافر 
حمامات لكبار الشخصيات وللمدن الكبرى للجماعة المسيحية؛ على أساس أن هذا 
شيء صحي للغاية يمثل فرصة تحث هنا على ما أردت الكتابة عنه باستفاضة» 
وذلك لما له من فائدة عظيمة؛ وقد أمكن للقدماء تفادي الجانب الأعظم من 
أمراسنيئ ادر اكيم لهذاي!01. 

والنظافة مقترنة بحشمة في المليس» وهي حشمة يبدو أنها تبعد ألف فرسخ 
عن الخلاعة والفجور اللذين يشكلان؛ كما قلنا ذلك بالفعل؛ سمة أخرى تنسب عادة 
إلى الترك؛ وهذه المرة أيضناء فإن العيب والدرس الذي يجب تعلمه ليسا علسى 
الجانب الذي نظن. وفي تركيا تحديذا سيتم تحديد ما قد يكون صادما (وقلما يكون 
مصدر إطراء أيضنا) في بعض أنواع الثياب التي تبدو طبيعية في الغرب. ويرصد 
بيسبيك ذلك: «إن موضة ملابسنا قد بدت لهم غريبة بمثل ما أن موضة ملابسهم قد 
بدت لنا غير عادية. فكلهم يرتدون ثيابَا طويلة تصل إلى كعوبهم؛ ما بدا أكثر 
حشمة» ومقاساتها أليق بهم بكثير. أمّا نحن» على العكس من ذلكء فإننا نرتدي ثيابًا 
جد قصيرة بحيث إن من السهلء بما يتعارض مع اللياقة» رؤية شكل وصورة 
الأجزاء التي تود الطبيعة حجبهاء كما أنها ثياب تجعل الرجال يبدون صغار!»7"). 
وقد لاحظ جيفروا بالفعل عدم استحسان الترك ل«فتحة السراويل التي ساءعتهم 
كثيرًا وبدت لهم جد شائئة»9). 

ومثلما يشير عدة رحالة إلى الطابع الاستثنائي لتعدد الزوجات والجواريء 
المقصور على السلطان والمحظوظين أكثر من سواهمء والذي يستثير الخيال 
الغربي استثارة جد قوية؛ فإنهم يشككون في هذا الوهم الآخر: شهوانية النسساء. 
فيوستلء مثلأء يلخص الأمور في هذا الصدد ساخرا: «ومن المؤكد أن الحديث 
عن النقاء والبساطة والحشمة التي تظهر لدى هاتيك السيدات هناك من شأنه أن 
يكون سماعه: فيما يبدو لي» أمسرا لا يروق بالمرة لكثيرات من السيدات 
المسيحيات»37"). 


وقد قيل بوجه عام إن الترك عاجزون عن النزاهة؛ بمعنئْ أوسع للمصطلح: 
لكن عدة رحالة يندرجون في منازعة مشروعية هذا الاتهام الذي يرجع؛ بحسب 
يوستل؛ إلى مجرد شهادة أناس تعرضوا للإيذاء من جانب بعضهم؛ وإن كان غيسر 
مشروع بوجه عام لو شتناء في نظرنا إلى المسألة» «التجرد من كل هوئ كما يفعل 
قاض عادل»7”". وذلك أيضنا هو الاستنتاج الذي يتوصل إليه دي لوار الذي لا 
يتردد في قلب ميزان القيم العادي» واضعا نزاهة الترك فوق نزامة هؤلاء 
المسيحيين الآخرين (الانشقاقيين والحق يقال) والمتمثلين في اليونانيين [الروم 
الأرثوذكس]: «إنهم بالطبع طيبون؛ ولا يجب القول بأن المناخ يجعلهم كذلكء لآن 
اليونانيين يولدون في البلد نفسه؛ بميول جد مختلفة؛ بحيث إنهم لم يأخذوا عن 
أسلافهم سوى الخصال السيئة ؛ أي الاحتيال والخبث والغرور. أمّا الترك؛ على 
العكس من ذلك؛ فهم يبدون النزاهة والتواضع بشكل خاصء إذا ما اس تثنيتم منهم 
رجال البلاط وهم كلهم وفي كل مكان عبيد للطمع والجشع:؛ فالبساطة وسلامة النية 
سائدتان عند الترك بحرية لا مثيل لها»'". 

والأكثر مدعاة للدهشة هو أن نزاهتهم لا يبقصرونها على تعاملاتهم مسع 
إخوتهم في الدين وحدهم. لذا يستغرب جان شينو فيقول: «مما يستحق التذكر أن 
الترك يبدون مثل هذه النزاهة حيال المسيحيين» وهو ما لا يفعله المسيحيون فيما 
بينهم هم أنفسهم»(”"). 

وتبين هذه الأمثلة القليلة إلى أي درجة كان بوسع الرحالة» على ضوء تجربة 
يعلنون على الملا صدقهاء إبداء رؤية جديدة وإسماع خطاب يتعارض مع أوهام 
دلت عصنووا: وين النوك أنهم لا يحون إلى حد لتاء على الإستلام» لكستهم 
قادرون: على الأقل: على الثناء على المسلمين وأعمالهم. وبهذا يفتحون ثغرة 
ممكنة في ثقافة المواجهة. 

أوليا جلبي عند الإفرنج 

قد لا نجد شيئا ممائلا على الجانب الآخر. وعدم التمائل الذي رصدناه فيما 

سبق بشأن التجار إنما يُعَدْ أكثر وضوحا بكثير فيما يتعلق بالرحالة وهو يؤول إلى 


51 


الأسباب العميقة نفسهاء أَيّا كانت الطريقة التي نحلل بها هذه الأسباب (وهو ليس 
موضوعنا هنا). والحال أنه لم يجر الاحتفاظ إلا بعدد جد مح دود مسن مرويات 
الرحالة المسلمين في بلدان الإفرنج خلال الحقبة التي ندرسهاء وهي لا تقدم لقرائها 
أو لجمهورها المحتمل سوى معلومات جد هزيلة عن الحقائق الواقعية لهذه البلدان. 
ويظل هذا صحيحا بالنسبة لأشهر مرويات الرحلات العثمانية: وهي المروية التي 
يكتبها أوليا جلبي في النصف الثاني من القرن السابع عشر. ويقوم أوليا بالرحلة 
بالأخص إلى حدود الدولة العثمانية وعندما يتمكن من اجتيازها أو ادعاء اجتيازهاء 
لأن من المشكوك فيه أنه قد ذهب شخصيًا إلى كل البلدان الأجنبية التي يتحدث 
عنهاء فإن إشاراته جد غائمة وجد خيالية بحيث يصعب تحديد ما يشير إليه. وتتظفل 
عدة أماكن يتحدث عنها ألغازًا يصعب على الشارح الحديث حلها. فعلى سبيل 
المثال» ماذا تكون مديئة كاريش تلك التي يقدمها على أنها واحدة من أهم مدن 
هولنده؟ ومن الغريب أنه لا يقدم أفكارا أدق وأكيدة أكثر بشأن بلد كهولنده. لاسيما 
أنه لم تكن تعوزه الفرص لمقابلة رعايا لهذا البلد في عدة مدن عثمانية”". ولكن؛» 
تحديذاء هل يتمثل هدف مرويته في تقديم معلومات» أم يتمثل بالأحرى في خلب لب 
القارئ وتسليته؟ وحالة وصفه لقيينا حالة خاصة. فمن المعروف اليوم أنه؛ على 
الأرجح؛ خلافا لما كان متصوراء قد ذهب بالفعل إلى هذه المدينة في عام 21516 
في معية قره محمدء السفير العثماني2). وبعض الإشارات التي يقدمها دقيقة 
وتشهد على دراية عميقة بالمدينة وسكانها. وحديثه عن كاتدرائية سان - إيتيان» 
مثلأء صحيح فيما يتعلق بعدة نقاط؛ حتى وإن كان خياليًا تماماء فيما يتعلق بنقاط 
أخرى. ومما يدل على اعتراف بتفوق الكافر في بعض الأمور هو الأسلوب الذي 
يشيد به بالعناية الممنوحة للحفظ الجيد للمؤلفات في مكتبة الكاتدرائية وحيث يشير 
بالمناسبة إلى وجود الأطلس الصغير لمركاتور وهونديوس والجغرافيا لأورتيليوس. 
وهو يشجب بالمقابل الإهمال الكارثي الذي تتعرض له أرقى المكتبات في دار 
الإسلام. وهذا يعني أن الثناء على الآخرء عنده؛ كما غالبًا عند نظرائه الغربيين: 
هو نقد سافر إلى هذا الحد أو ذاك للجماعة التي ينتمي إليهاء وحض لها علسى 
إصلاح حالهال”". 


00 


نشأة الاستشراق 

إذا ما عدنا إلى الأوروبيين؛ سنجد أن فئة أخرى من المارين بالعالم الإسلامي 
تتمايز عن الرحالة» الذين أسلفنا الإفاضة بعض الشيء في الحديث عنهم؛ من حيث 
الهدف؛ في جانب من الجوائب؛ ومن حيث المقاربة بالأخص. فالمنتمون إلى هذه 
الفئة يهتمون قبل كل شيء بأسس ثقافة الإسلام بوجه عام وباللغة العربية وبمصادر 
الإسلام المقدسة؛ بدء! بالقرآن. وقد يكون بعضهم رحالة أيضناء لكن كثيرين مسنهم 
رجال مكتب أباحثون] لم يذهبوا قط إلى البلدان التي تأتي منها المخطوطات التي 
ينكبون على دراستها. وهؤلاء هم المستشرقون الأوائل الذين يبدءون في الظهور 
في القرنين الخامس عشر والسادس عشرء حيث لم يظهر المصطلح الذي يسشير 
إليهم إلا في أواخر الحقبة؛ بالإنجليزية نحو عام 21799 وبالفرنسية في عام 
4,. وبالمثل» فإن كلمة «الاستشراق» لن تدخل في معجم الأكاديمية الفرنسية 
إلآ في عام 37188). ولم تكن مقاصدهم الأولى مقاصد حب للإسلام ولا مقاصد 
نزيهة. إذ كانوا يترسمون» في البداية على الأقلء أهدافا تبريرية أو تبشيرية. 
وضمن استمرارية عمل بيير الموقر وفريقه من مترجمي القرآن في القرن الشاني 
عشرء فإنهم يودون معرفة الإسلام معرفة أفضل لمحاربته محاربة أفضل أو 
لاختزاله اختزالاً أفضل بما يفيد تنصير “أتباعه. وهم يريدون معرفة اللغة العربيية: 
مثلما يريدون معرفة العبرية أو الآرامية أو السريانية» لأهداف التفسير الإنجيلي. 
ولابد لهم أيضنا أن يكونوا قادرين على ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية ليقرأه 
المسلمون وليقرأه أولا المسيحيون الشرقيون الذين تعتبر حالة جهلهم مؤسفة بوجه 
عام. إلا أنه؛ أيّا كانت الأهداف, فإن المعرفة هي الفائزة من ذلك وهي تميل عند 
الباحث إلى التحول من وسيلة إلى غاية. | 

وفي النصف الأول من القرن الخامس عشرء نجد أن كار دينالاً لكاوريزز وروم جز 
كان قد اعتزل في ساقواء وهو جان دو سيجوقي (مات في عام ,)١4548‏ قد أعد 
بالاشتراك مع متعاونين نسخة من القرآن بثلاث لغات هي العربية والكاستيلية 
واللاتينية؛ وقد ضاع نصها. وفي هذا القرن نفسه كانت إيطاليا وبالأخص فلورنسا 
بؤرة حيوية لدراسة اللغات الشرقية كما لدراسة اللغات القديمة. وقد جاء من إيطاليا 


(*) بلا وظيفةء باللاتينية في الأصل. - م. 


ادلمكين 


ذلك الرجل الذيء فيما يبدوء دشن الدراسات العربية الأولى في فرنساء وهو 
الدومينيكي آجوستينو جيوستينياني .)١675--14770(‏ وكان قد نشر في جنوه في 
عام ١1615‏ كتاب مزامير في سبع لغات بينها العربية» قبل استدعائه إلى باريس. 
وفي فرنسا آنذاك: كانت معرفة العربية أخذه في أن تصبح أحد مكونات الثقافة 
الإنسانوية. والحال أن جارجانتواء في رسالته الشهيرة إلى ابنه يانتاجريلء؛ إنما 
يوصيهء بين أمور أخرى, بتعلم اللغة «الأرابسكية» [العربية]. وفي عام 21679 
حصل جيوم بوستلء من الكلية الملكية» الكوليج دو فرانس فيما بعد والتي كانت قد 
تأسست قبل ذلك ببضبع سنوات؛ على لقب المحاضر الملكي ل«الآداب اليونانية 
والعبرية والعربية». والحال أن مساهمته في فقه اللغة العربية إنما تع جائا مهما 
من جوانب عمله الغزير والمتعدد. وهو ينشر أبجدية عربية ضمن إطار مؤّف 
مكرّس لأبجديات اثنتي عشر لغة؛ كما ينشرء لأول مرة في الغرب: كتاب نحو 
عر 1ه م0101 ). وفي عام »١1547‏ يقدم ترجمة جديدة للفاتحة. 
وبالمقابل» يعمل على النسخة السريانية للأناجيل والأرجح أنه يعمل أيضنا على 
نسخة عربية. وفي الوقت نفسه» يعمق درايته بالإسلام كما يعمق درايته باليهودية» 
سعيًا إلى تحقيق مراده الخاص: إعادة تأسيس للمسيحية على ضوء الديانتين 
التوحيديتين الأخريين» لكي يجعل منها الديانة العالمية وأساس توافق بين جميع 
الشعوب. وبصرف النظر عن هذه المثالية» بل وعن هذه النزعة الصوفية» ذات 
الجوانب المريكة غالناء فقد برهن الرجلء؛ بشكل خاصء على دراية بالإسلام مبهرة 
تماماء في مؤلفاته» على نحو ما يظهر في كتابه واط:ده عك «ربحرم »رط ذ[ قات 
0101011 0009© مهدع أو عن جمهورية الترك. وحيثما ستسنحج الفرصة؛. عن 
عادات وشرائع جميع المحمديين» الذي نشرء بالفرنسية هذه المرة» في يواتييه في 
عام .١165١‏ وسوف يقوم بتعديل هذا المؤلف الأخير في عام ©1517 تحت عنوان: 
تواريخ شرقية وأسامنا تواريخ الترك أو الأتراك والإسكيثيين والتتسر. وسوف 
يضمنه معجما يحتوي الكلمات التركية «الأكثر شيوعا». 

وسوف يجري تطوير تعليم العربية الذي دشنه يوستل من جانب أشهر 
تلاميذه» فرانسوا جوست سكاليجيه (مات في عام )١12١4‏ الذي سيشغل كرسي 


اللغة العربية بجامعة لايدن في عام ؟1555١.‏ 


عه 


وفي أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشرء كانت الدراسات 
العربية ممثلة في إيطاليا (حيث ينشئ فرناندو دي ميديتشيء كاردينال ودوق 
توسكانيا الأكبرء مطبعة عربية» في عام .)١547‏ كما في فرنسا وألمانيا وهولنده. 
وتبدأ في رؤية النور الأدوات الضرورية للعمل: كتب النحوء المعساجم؛ طبعات 
النصوص. ودور هولنده؛ معقل الثقافة اليروتستانتية» دور مهيمن أنذاك؛ في وجود 
علماء مثل ف. رافلينجهاين (رافيلينجوس) ١579(‏ -15917) الذي يقوم بتدريس 
العربية في لايدن نحو عام 1547 وتوماس قان إرب (إربينيوس) (1984- 
14 وجاكوب جوليوس ١517(‏ -15717)» تلميذ هذا الأخير. وخلال القرن 
السابع عشرء فإن أوروبا المستشرقة الأولى هذه تزداد اتساعًا: ففي عام 2115717 
يُنشئ البايا أوربان الثامن في روما كلية الدعوة» وهي مركز مهم للدراسات» على 
هامش النشاط التبشيري ؛ وفي عام ١77‏ يدشن ريتشارد بوكوك كرسيًا للغفة 
العربية في أوكسفورد. 

وفي تواكب مع معرفة اللغة العربية؛ وهي معرفة ساعدت عليها زيارات 
عرب مسيحيين إلى أوروباء فإن المعارف المتعلقة بالإسلام والتاريخ العربي تشهد 
تطور! عظيماء في دوائر محدودة والحق يقال» جامعية أو غير جامعية؛ على امتداد 
القرنين السابع عشر والثامن عشر. وهذه الحركة تسبق ثم ترافق ال 
لأ برو درن |4171 و التنوي ير الفرنسي. 

وكانت ترجمة أولى للقرآن إلى لغة أوروبية - هي الإيطالية هنا- قد طبعت 
في البندقية في عام 7 وقد قام بها أندريا آريقابيني استناذا إلى الترجمة 
اللاتينية القروسطية التي قام بها روبير دو كيتون» وهي ترجمة مختصرة ومعذلة 
إلى حد بعيد. وقبل ذلك بوقت قصيرء في ثلاثينيات القرن السادس عشرء كان قد 
جرى طبع طبعة عربية للقرآن في المدينة نفسهاء لكن كل نسخها كانت قد أحرقت 
بأمر من البابا يول الثالث7”". 

وفي عام 15417؛ نجد أن أندريه دي رييه» قنصل فرنسا السابق في مصرء 
يقدم ترجمة فرنسية أولى للقرآن» تحت عنوان قرآن محمدء سوف تطبع طبعة ثانية 
في عام .١149‏ وهي ترجمة معوجة بعض الشيء جراء لجوء مستمر إلى 


(»*) التنوير الالماني. - 
هم 


مفردات مسيحية؛ لكنها مع ذلك أقرب إلى النص العربي من الترجمات اللاتينية في 
العصر الوسيط. أمّا الترجمة الفرنسية التالية؛ وهي الترجمة التي سيقدمها كلود 
ساقاري في عام 20787 فسوف تكون أفضل بكثير بالفعل. وفي تلك الأثناء؛ء في 
عام 77554؛ كان جورج سال؛ وهو محام مستعربء قد نشر ترجمة إنجليزية رائعة 
للقرآن» مصحوبة ب (كموربرمعءوزر بجوو ور وجرأ ترط جيد وملاحظات متزنة ودالة على 
اطلاع جيد. 

وفي عام 159١‏ ثم في عام 15934»: يظهر في يادوا مجلدا العمل الضخم 
الذي قام به رجل دين من لوكاء هو لودوقيكو مارّاتشيء ويشتمل العمل على ترجمة 
كاملة وجيدة للقرآن إلى اللاتينية؛ كما يشتمل على رد على الإسلام؛ ذي نبرة 
جديدة» مجردة من كل عدوانية. وتتلوه بالمثل مجموعة من المؤلفات التاريخية 
القيمة. ففي عام 21747 يظهر كتاب المكتبة الشرقية؛ بعد موت مؤلفه بارتيلمي 
ديربلو؛ برعاية أنطوان جالان الذي سنتحدث عنه فيما بعدء والكتاب تلخيص 
للتاريخ الإسلامي د تحت عنوان فرعي كاشف: معجم شامل يتضمن بوجه عام كل 
ما يتعلق بالتعرف على شعوب الشرق. والحال أن أنطوان جالان إنما يطرح في 
مقدمته المهمة أسس دراسة الشعوب والحضارات الشرقية. أا ريشار سيمون 
)١7١5-1١554(‏ فهو يقدم في عام 215845 في كتابه تاريخ نقدي لمعتقند 
وعادات أمم شرق البحر المتوسط؛ وصفا دقيقا وموض وعيًا لمعتقدات وشعائر 
الإسلام مستنذا إلى مؤلف فقيه مسلم. وبعد ذلك بعشرين سنة؛ يستأنف المستعرب 
الهولندي آدريان ريلائد دراسة الموضوع بكفاءة أكبر وبالاستناد فقط إلى المصادر 
الإسلامية؛ في كتابى “ام زوع بجبروبزومم عدرمنوذا 26 (أو تريشت» ١ “0٠6‏ ). وفي 
قطيعة مع الشتائم التقليدية» أعادت مؤلفات أخرى النظر في شخصية ومسيرة 
النبي: تلك حالة السيرة التي قدمها بيير بايل في كتابه المعجهم النقدي (الطبعة 
الأولى» »)١7437‏ والذي سيقوم بتعديله في الطبعات اللاحقة» على ضوء تقدم 
المعارف. وفي الوقت نفسهء يقدم بايل الإسلام على أنه دين متسامح وعقلائني 
ومنطقي وإنساني وتمديني - وهذه تيمات كثيرة سوف تغذي فلسفة التنوير 
(*) مقال تمهيدي؛ بالإنجليزية في الأصل. - م. 
(*<*) عن الديانة المحمدية. - م. 


همه 


ومعركتها ضد الكنيسة الكاثوليكية. وفي عام »١7٠١‏ يظهر في إنجلترا كراس 
مجهول المؤلف يكشف عنوانه عن صبغته: محمد ليس دجّالاً !. وترجع سيرة 
أخرى للنبي إيجابية بل وتبريرية ية إلى قلم مفكر حرء هو هنري دو بولانقيلييه 
(11770-150). ويما أن مؤلفها قد تركها قبل إتمامهاء فسوف يقوم صديق له 
بإتمامها وسوف تنشرء بعد موته؛ في لندن؛ في عام .)"21717٠‏ وفي الوقت نفسه: 
في ألمانياء يبرهن يوهان جاكوب رايسكه (1715 - )١774‏ على دراية لا مثيل 
لها بالأدب والتاريخ العربيين؛ ولا يخفي إعجابه بالإسلام ليس من دون أن يصطدم 
بعدم الفهم وبالتهجمات من جانئب المحيطين به. أمًا المستعرب الأوكسفوردي 
سيمون أوكلي )١7٠١١-17178(‏ فهو يقوم هو أيضنا بالانتقال من المعرفة إلى 
الإعجاب في كتابه تاريخ السراسنة:» المنشور في عام .١17١8‏ 


ترجمانات وموظفون آخرون جهابذة في السفارات 

من بين بناة هذا الاكتشاف للثقافة العربية - الإسلامية؛ يجب إفساح 
مكان لهؤلاء المهنيين الموظفين في السفارات والقنصليات الأوروبية الموجبودة 
في العالم الإسلامي وخاصة في عاصمة وأساكل الدولة العثمانية: الترجمانات. 
وبما أنهم يتمتعون بالضرورة بتكوين معرفي قوي إلى هذا الحد أو ذاك في 
لغات الشرق الإسلامي الثلاث؛ العربيهة والتركية والفارسية: فإنهم 
يقومون بنشاط عملي أساسا كمترجمين كتابيين وشفاهيين. على أن بعضهم إنما 
يبدون أكثر ولعًا بالبحث المعرفي وينخرطون في بحوث عالمة. وأحد 
المبادرين بالسير في هذا الدرب هو المترجم اللوريني الأصلء؛ فرانسوا 
مينيان - مينينسكي» الذي كتب في علمم ١1586ء‏ عملا ضخلماء هو 
لكلو وى زيروم-عوعزطن :اعم 1:1 7 71/17 1/5 ويتمثل 
مشروع مدعو إلى كسب نجاح هائل في الترجمة التي جرت؛ بين عامي ٠4‏ 17 
و1١7١ء‏ لحكايات ألف ليلة والليلة والتي قام بها أنطوان جالان (1545- 
)١/1‏ الذي ترك أيضنا بين كتابات أخرئ ترجمة القران ظلت غير منشورة ولم 
يكن جالان تر ترجمانا:! “وده وى لكنه؛ وقد ارتبط بسفارة الماركيز دو 


(*) كنز اللغات الشرقية التركية - العربية - الفارسية. - م. 
(*») بالمعنى الدقدٍ قيق. باللاتينية في الأصل. اهن 


وه 


نوانتل» كان رحالة عظيمًا كما كان عالمًا مرموقا. أمّا جان فرانسوا بيني دو لا 
كرواء وهوء على العكس من ذلكء ترجمان أصيل وابن ترجمان» فسوف ينشر في 
عام 1777 ترجمة لكتاب ألف ليلة وليلة. وفي أواخر هذه الحقِة:» فإن الممثل 
الأغزر إنتاجا بين هؤلاء الترجمانات المدريين» والنين أصبحوا مُطلعين عظماء 
للجمهور على تاريخ وحضارة الإسلام؛ هو النمساوي جوزيف كون هامر - 
يورجستال. وهذا الرجل القادم من الأكاديمية الشرقية بقييناء والذي كتب تاريخا 
ضخما للدولة العثمانية ومؤلفات أخرى كثيرة؛ كان أيضنا مؤسس المجلة 
الاستشراقية الأوليء “اىرررو نم0 دول برمطبسود5 (1818-14.9), وهي 
المجلة التي شقت الطريق لمجلات أخرى سوف تظهر في مختلف العواصم 
الأوروبية خلال القرن التاسع عشر. 

وقياسنا إلى المستشرقين من أصول أخرىء لا يقتصر اهتمام ترجمانات وأمناء 
السفارات على النصوص الأساسية للإسلام وعصور الأصول. فاهتماماتهم أوسع؛ 
سواء كان ذلك فيما يتعلق باللغات محل النظر أم بالأجناس الأدبية أم بالحقب 
المعنية» بما في ذلك الأكثر معاصرة. وقد دفعتهم إلى هذا الدرب الروحٌ العامة 
للقرن الثامن عشر والتي لم يكن بمقدورهاء في واقعيتها ومقاربتها المتفائلة 
والإيجابية» أن تكتفي بمعرفة غير مجمسيدة بالكامل» وهي معرفة تتراجع بالفعل في 
النصف الثاني من هذا القرن. لكن تراجمتنا كانوا على أي حال مؤهلين لهذا 
الانفتاح على الملموس والحاضر بحكم ممارستهم المهنية وظروف تأهيلهم. وبما 
أنهم خريجون سابقون من مدرسة «شبيبة دارسي اللغات»» فقد كانوا مدفوعين فسي 
مجرى دراساتهم إلى أن يترجمواء من باب التمرنء المخطوطات المختلفة 
المجموعة في المكتبات الملكية لبلدانهم المختلفة. وتلك كانت حالة «شبيبة دارسي 
اللغات» الفرنسيين في الفترة الممتدة من عام ١7٠‏ إلى عام .176٠‏ والأعمال 
التي أنجزوها في هذه الظروف» بدفع من السفير قيلنوف؛ هي مصدر ترجمات 
لمخطوطات شرقية موجودة في مكتبة فرنساء ظلت غير منشورة في جانب كبير 
منهال""). وبما أن ضرورات تدريبهم العملي قد دفعتهم بشكل طبيعي تماما إلى 
التركيز على التركي العثماني» فقد كشفوا عن بضعة مؤلفات شعب هو بالفعل آخر 


(*) مناجم الشرق. - م. 
م 


شعب يتوقع الغرب أن يجد لديه أدبا جيذا. والحال أن لا أي السفير لدى 
القسطنطينية» قد بدد كل وهم في هذا الصدد؛ عندما كتب في رسالة إلى مازاران 
بتاريخ *7 أبريل/ نيسان 1745: «فيما يتعلق بالكتب التركية والفارسية: أجد 
نفسي ملزما بإبلاغ نيافتكم بأنه لا يوجد في هاتين اللغتين سوى روايات رديئة 
وحكايات خرافية» أو أيضًا تفسيرات للقرآن» أسوأ من كل أنواع الروايات 
والحكايات الخرافية» وأن هؤلاء الناس هنا يقدرونها بأكثر مما تستحق»7:". 

والحال أن عليمًا حقيقيًا كجالان» وهو راصد اعتاد التردد على بائعي الكتتب 
في اسطنبول؛ قد رد محتدًا على رأي كهذا وقدم على العكس من ذلك؛: في عام 
17 الدرس. التالي: في مقدمته التي سبق أن أشرنا إليها والتي كتبها لكتاب 
ديربلو المكتبة الشرقية: «إننا نبدي شيئًا من التحبيذ للعرب؛ وهم يظهرون 
بوصفهم رعاة للعلوم انكبوا عليها انكبابًا عظيمًا. ونحن ننسب إلى الفرس أنهم 
مهذبون» ونحن على حق في ذلك. لكن الترك؛ بحكم اسمهم وحده؛ إنما يجري 
التشهير بهم تشهير! هائلا بحيث إنه يكفي عادة ذكر اسمهم ليكون دلالة على أمة 
همجية؛ فظة» تتميز بجهل تام»؛ لكن هذا ظلم أملاهُ الجهل والتحيزء لأن الترك في 
حقيقة الأمر «ليسوا أقل شأنا لا من العرب ولا من الفرس في العلوم وفي الآداب 
المشتركة بين هذه الأمم الثلاث والتي يرعونها منذ بداية إمبراطوريتهم تقريبًا». 

وفي المجالين التركي والفارسيء فإن المؤلفات الأولى - المعاجم أو كتب 
المحادثة- إنما تتميز بهدف عملي بالأخصء وهو ما لا يستبعد تميز بعضها بجودة 
علمية حقيقية. وتلك حالة مؤلف كوزيمو دي كاربونيانو» ترجمان سفارة نابولي 
لدى القسطنطينية» والمنشور باللاتينية في روما في عام :١7154‏ ميبادئ النحو 
التركي لاستخدام المبشرين الرسوليين في القسطنطينية. 

على أن درس جالان حول تعددية الآداب الإسلامية سوف يجد صعوبة في 
الإنصات إليه؛ أمّا التراتبية التي تحدث عنها هذا الأخير فسوف تواصل السيطرة 
على الاستشراق لوقت طويل. وبالمثل؛ فإن هذا الفرع المعرفي الذي لا يزال ناشنًا 
والذي سيقوم سيلقستر دو ساسيء الأستاذ بمدرسة اللغات الشرقية التي أنشأها 
المؤتمر [اليعقوبي] في عام ,١174©‏ بتحديد قواعده ومناهجه؛ لكل أوروباء سوف 
ينزع دوما إلى الاقتصار على مقاربة فيلولوجية للنصوص التأسيسية؛ بعيدة؛ من 
ثم عن المجريات الواقعية الحية للإسلام في ذلك الزمن. 


باه ؟ 


التأمل الفلسفي 

أخيرا» سوف يعود إلى فئة ثالثة من الفاعلين أن يستخلصوا بالكامل دروس 
المعلومات الإمبريقية التي قدمتها ملاحظات الرحالة أو اكتشافات العلماء: ففة 
الفلاسفة. فقد وقع على عاتق هؤلاء الأخيرين استخلاص معنى ومغزى الملاحظات 
التي اقتصر الأولون عليها بوجه عام؛ ودمج هذه الملاحظات في تأمل أعم بشأن 
الإسلام وإن كان أيضنا بشأن المسيحية وبشأن الديانات بوجه عام ؛ كما بشأن 
طبيعة النظم السياسية والمجتمعات و في نهاية المطاف؛ بشأن وضع الإنسان. 

وقبل وقت طويل من المقارنة المنهجية التي قام بها التنوير بين مجمل 
الثقافات غير المسيحية المعروفة» في المحاكمة التي عقدها للنظام القائم؛ كانت 
فلسفة الرينسانس السياسية قد سعت إلى تنظير الحالة العثمانية؛ في وقت كانت فيه 
هذه الحالة ذات حاليّة جد ملحة. وهكذا فإن ماكياقيللي كان قد قارن» في كتاب 
الأمير )١517(‏ بين نظامي الحكم التركي والفرنسي؛ حيث لاحظ: «إن كل ملكية 
التركي الأكبر يحكمها سيد واحدء والآخرون خدمه [...]. أمّا ملك فرنساء على 
العكس من ذلك؛ فهو يحيا بين حشد من كبار التبلاء المنتمين إلى جنس جد قديم؛ 
والذين يعترف رعاياهم بهم ويحبونهم. ولكل منهم امتيازاته التي يرثها أَبْا عن جد 
والتي لا يمكن للملك المساس بها من دون أن يعرض نفسه للخطر». واستنادًا إلى 
مثل هذه المقدمات: سوف يتطور مفهوم الحكم العثماني بوصفه طغياناء وهو مفهوم 
مدعو إلى الفوز بنجاح كبير على كل مستويات الخطاب بشأن الترك. والحال أنه 
قد جرى ربط هذا الطغيان ضمنيًا أو علانية بالإسلام. واعتبارًا من عام ١٠*15ء2‏ 
سوف يجري الحديث عن «الاستبداد» الشرقي. على أن نظرية مخالفة قد ظهرت 
في أواخر القرن السادس عشر بقلم الفقيه القانوني جان بودان. فالكاتب القوي ل 
منهج التاريخ )١١55(‏ والكتب الستة عن الجمهورية )١217(‏ وال ««بف:وهااه© 
كن ر0(زز صر داص ه :1 («ندوة العلماء السبعة» 537١؟)),‏ والتني ظلت مخطوطة. لا 
يخفي إعجابه بالحس السياسي لدى العثمانيين الذين يرى فيهم الورثة الشرعيين 
للرومان» وهو يقوم بتبرير» على مستوى «الهندسة» السياسية» لمؤسساتهم الأكثر 
تعرضنا للشجب العنيف؛ كارتكاب قتل الإخوة في العائلة الإمبراطورية أو تجنيد قوة 
من الصبيان المسيحيين. بل إنه يقدم تبريرا حقوقيًا لتلك المماربسة الأخيسرة؛ 


ار 


الديقشرمه؛ كما لحق ملكية السلطان لكل الأراضي الزراعية» مستنذا إلى حق 
الفتح. ثم إنه؛ إذ يستعيد المقولات الأرسطوطاليسية؛ لم يضع العثمانيين» كما فعل 
ذلك الرأي السائد» تحت مقولة الطغيان» بل تحت مقولة وسطى بين الطغيان 
والملكية» سماها الملكية السيادية» «حيث يكون الأمير سيذا على الممتلكقات 
والأشخاص بحكم حق السلاح والحرب الملتزمة بقواعد الحرب؛ فيحكم رعاياه 
مثلما يحكم رب الأسرة عبيدة»". 

وهذه التمييزات» الحاملة لرد اعتبارء لن يعود لها معنى بالنسبة لمونت سكيو 
الذي يقوم؛ حيال نظام عثماني لم تكف صورته عن التدهور في تلك الأثناء» بإعادة 
الشباب وشهادات الاعتبار لنظرية الطغيان» التي اصبحت نظرية الاستتيداد. وإذا 
كانت الرسائل الفارسية تتميز بسحر غرائبي سوف نرجع إلى الحديث عنه وإذا 
كان موضوعها الحقيقي على أي حال؛ ليس الإسلام؛ بل المجتمسع الفرنسي وقد 
عرته نظرة نافذة» فإن الإسلام إنما يجري شجبه بالفمل في روح القوانين. 
فمونتسكيو يرى أن الإسلام متعهد الاستبداد» بحكم استعداده الجبري وبحكم السلبية 
التي يستتبعها هذا الاستعداد. وسوف يفرض مونتسكيو هذه الفكرة لزمن طويلء 
وليس النقد العالم والناقذ الذي سوف يوجهه لها شخص كأبراهام إياسينتٌ آنكتيل 
ديبيرون في كتابه التشريع الشرقيء؛ في عام 21778 هو الذي سيكفي لزعزعة ما 
سوف يدوم على العكس من ذلك في القرن التالي بوصفه شيئًا بديهيًا. 

:أمّا فولتيرء كما جرى إيضاح ذلك غالباء فقد كان أكثر تبدلا وغموضنا في 
موقفه من الإسلام. فهو قد قدّم له صورة جد سلبية في مسرحيته المأساوية ذات 
العنوان الكاشف؛ محمد أو التعصب .)1١747(‏ ففي هذه المسرحية؛» يجري تصوير 
النبي على أنه مخادع ومتلاعب يتميز بالقسوة» فهو «طرطوف مسلح». ولكن هل 
كان الإسلام بالفعل هو ما استهدفه الكاتب في هذه المسرحية التي جرى من جهة 
أخرى حظرها بسرعة؟ سوف يقدم نابوليون الرد في جملة شهيرة: «إنه ينال من 
يسوع المسيح في شخص محمد». على أن الكاتب سوف يتطور فيما يتعلق بهذا 
الموضوع.ء كما تشهد على ذلك عدة تقديرات إيجابية [للإسلام] في حكاياته» خاصة 
كانديد وبالأخص في كتابه بحث بشأن شمائل وروح الأمم )١757(‏ وفي المعجم 
الفلسفي .)١75(‏ وبما أن قولتير قارئ لديربلو وبولانقيلييه وجورج سالء #قفد 


8 


احتفظ من الإسلام بنوع من الربوبية» قريب من قناعاته الخاصة؛ وهو يمتدح اتزان 
الإسلام وتسامحه. ومن جهة أخرى فإن هذه الصورة الجذابة سوف يكون أثرها 
على الرأي العام أقل بما لا حدّ له من أثر مسرحية محمد. ومن جهة أخرىء فقد 
كان المراد من هذه الصورة أسامنا هو الشجب الضمني ل«العار»» أي للمسيحية 
الإكليريكية 

وصورة الإسلام أكثر إيجابية بشكل واضح لدى روسوء أيّا كان الدور الذي 
لعبته في مواقفه صلةً لعائلته بالعالم الإسلامي يتم التذكير بها عادة: فأب «المواطن 
الجنيقي» كان في واقع الأمر «ساعاتيًا للسراي» في القسطنطينية؛ في حين أن عمه 
قد مارس 3 نفسها في إصفهان. وفي كتاب إميل »)١751(‏ يضرب لتلميذه 
التر ك مثلاً يستحق الاقتداء به» فهم «بوجه عامء أكثر إنسانية وأكثر إكرامًا للضيف 
منا». وفي كتاب العقد الاجتماعي (757١1)؛‏ يمتدح عند النبي الصلة الوثيقة التي 
أوجدها بين السياسة والدين. وشأنه في ذلك شأن بولانثيلييه» يعجبه في النبي أنه 
المشرع العظيم صاحب العمل طويل العمر. 

وإجمالاء نرى أن المحصلة ملطفة. فإذا كان التنوير يُجري قطيعة مع الثقافة 
التقليدية؛ ثقافة المواجهة» بإلقائه على الإسلام نظرة أكثر نفاذا وأفضل دراية» فإن 
هذه النظرة لم تكن دوما إيجابية» خاصة فيما يتعلق بالآثار الاجتماعية السياسية 
لتعاليم النبي. لكن المساهمة الأحدث والأهم لا مراء في أنها ليست في ذلك؛: بل 
في حفز التسامح الديني» وهو في المستوى الأول للقيم الفلسفية. والمقاصد الكامنة 
وراء ذلك تخص أولاً وقبل كل شيء الجماعة المسيحية نفسهاء من دون أن تنطوي 
الفكرة على أي حكم على الإسلام أو على أي ديانة معنية أخرى. والرائد في 
هذا الموضوعح هو جون لوك في مؤ لفه (كأوعبرو |1 وترزورع :0 :جودوكة الصادر 
في عام 217517 ثم في عمله رسائل حول التسامح؛ وهي رسائل كتبها باللاتينية 
في أمستردام في عامي 1186 و1585. وهو ينظر أولاً في الانقسامات السياسية 
- الدينية في إنجلترا وأوروبا. على أنه يعبر عن هذا التأكيد عظيم الأهمية: «لا 
يجب حرمان وثني أو محمدي أو يهودي من الحقوق المدنية للجماعة بسبب 
ديانته». وسوف يواصل عمله في القرن الثامن عشر مواصلان عظيمان: قولتير. 


() بحث بشأن التسامح. - 
7 


الذي أشرنا إليه بالفعل» ثم. في أواخر القرنء لسنج: الرمز العظيم لل 
(“أجر>ر 1 كاتب ناثان الحكيم (17175) وتربية الجنس البشري وحوارات 
ماسونية. 

ولئن كان مما لا مراء فيه أن التسامح يترافق لدى دعاته مع جرعة من 
الشك ويحمل من ثم علامة نزع معين للمسيحية؛ فإن آخرين إنما يمضون إلى ما 
هو أبعد من ذلك بكثير. فالحال أن ملمخا آخرء أكقش جذرية. لدأزمة 
الضمير» في ذلك العصرء وهو الملمح المتمثل في الإلحاد أو الفكر الحرء إنما 
يستهدف بالمثل المسيحية قبل كل شيء» إلا أن من الواضح أنه ليس عديم الأثر 
على فهم الإسلام أيضنا. فالواقع أن هذا الأخير إنما يتيج الفرصة لمقارنة بين 
الأديان يترتب عليها إظهار الطابع النسبي للمسيحية ببيان أنها تخضع للقوانين 
التاريخية والسوسيولوجية نفسها التي تخضع لها أي ديانة أخرى. وتلك كانت 
الرسالة - الكبريتية- للعمل الرائد الذي كتبه هنري ستوب (المتوفى في عام 
5غ (#اخابرروزورورعرجرورزها! إن عومتروه,5 ف#درن 56ز2» الذي لن يتم.تداوله إلا 
كمخطوط؛ وإن كان سيعاد نسخه حتى عام 97718"). وسوف يجري تطوير هذه 
المقارنة بين الأديان في القرن الثامن عشرء خاصة في عمل باستوريه؛ زرادشست 
وكونفوشيوس ومحمدء مقارنة بينهم من حيث كونهم أصحاب ملل ومشرعين 
ودعاة أخلاق .)١791(‏ والحال أن مرحلة قصوى للنظرة النسبية المنبثقة عن 
المقارنة بين الأديان إنما يتم بلوغها في قلب الأدوار الذي انكبٌ عليه أنارشاسيس 
كلوتس. فهو إذ يرد 2 كتاب 0 اماه برجية: 0 يقين ادا 


رم الوم الم واس 


يقين براخين التشتارة ركد 11001011 - جئير- بير- الفقي. 


إبداعات تركية و«طرائق إفرنجية» 
ما أمكن للناس معرفته عن الشعوب الأجنبية:؛ ذات الشمائل والعادات 
النتتاقة: و خاسنة عن المسلمين+ الفزضن :والتركا أسائتاء لم يكن مدن شيانه إلا أن 





(») التنوير الألماني. -م. 
)»ع قيام وتقدم المحمدية, عام 


55١ 


يغذي التأمل. ولدى جمهور أوسع بالتأكيدء فإن الخيال هو ما جرى إطلاقه. وواقسع 
أن هذه الشعوبء الترك خاصة:؛ كانت مرفوضة بوجه عام تمامًا على المستوى 
الديني ومرهوبة على مستوى الحربء لم يَحْل دون أن تثير في الوقت نفسه فضولاً 
نهمًا ولا دون أن تمارس جاذبية فاتنة متصلة. ويشهد على ذلك عدد مرويات 
الرحلة والنجاح الهائل الذي حظيت به عدة مرويات من بينهاء كما تشهد عليه 
الحظوة التي فازت بها ترجمات معينة كترجمة ألف ليلة وليلة التي قام بها جالان. 
وتشهد على ذلك أيضًا جاذبية كل التمثيلات المصورة؛ سواء تعلق الأمر 
بتصويرات بعض مرويات الرحلة كمروية رحلة نيكولا دو نيكولاي أم المجموعات 
المخطوطة أو المطبوعة لصور تَمَتلَ مشاهد من الحياة التركية أو الملابس المختلفة 
لشاغلي وظائف الدولة وأمم وحرف الإمبراطورية» مثال ذلك المجموعة التسي 
نشرها شارل دو فريول (11777-1777١)؛‏ السفير لدى القسطنطينية. وسوف 
تتجاوب مع هذا الميل نفسه اللوحات الشرقية لرسامين ممتازين كالسويسري جان 
- إيتيان ليوتار 17٠07(‏ - 1784) والفرنسيين جان - باتيست قانمور (1511- 
)١‏ وكورني لو برين (1557 .)1١7١١-‏ وإذا كان الأوروبيون لا يعسودون؛ 
في الحقبة الحديثة؛ يبحثون عن العلم في الشرق الإسلامي؛ كما كانوا يفعلون في 
العصر الوسيط؛ فإنهم يجدون فيه مصدرا للإلهام على الأقل (كماء من جهة أخرى: 
في الهند أو في الصين أو في أميركا). 

فما الذي يحدث في الوقت نفسه على الجهة الأخرى؟ إن المعرفة العلمية 
وبالأخص التقانية التي تأتي منذ ذلك الحين من الغرب إنما تشق لنفسها من دون 
صعوبة ممرًا إلى الشرقء في الأزمنة الأولى للدولة العثمانية. وكان هذا صحيحًا 
على نحو مثير بالنسبة للمدفعية والأسلحة النارية في القرنين الخامس عشر 
والسادس عشرء حيث كان «المرتدون»؛ الساعون إلى ملاذ أو إلى الشراء لدى 
التركي الأكبرء فاعلين رئيسيين في نقل هذه المعارف. وسوف يرصد بيسبيك 
بشكل استرجاعي استعداد العثمانيين للمواءمة العملية في فقرة شهيرة في الرسالة 
الثالثة من رسائله التركية: «ليس هناك من شعب أقل تردذا في تبني مبتكرات 
الآخرين المفيدة. وهذا ما يثبته استخدام المدافع» الكبيرة والصغيرة» والعديد من 
الأشياء الأخرى التي اخترعناها والتي حولوها لاستخدامهم. على أنهم فيما يتعلق 


ينض 


بطباعة الكتب وإتاحة الساعات للجميع لم يتمكنوا بعد من الإقبال عليهما لأنهم 
يرون أن الكتابة» أي كتابة كتبهم المقاسة: قد لا تعود كتابة [مقدمسة]؛ لو كانت 
مطبوعة؛ ولو كانت لديهم ساعات عامة فقد تقل مرجعية سدنة معابدهم وسدنة 
الطقس القديم. ومن جهة أخرى, فإنهم معتادون على إعطاء أهنية بالغة للطرائق 
القديمة للآخرين حتى إلى درجة مخالفة سنن دينهم هم اونا أتحدث عما يحدث 
لدى الجمهور»9©. 

وبالمثل» فإن الازدهار الفني للسينكويسنتوا" الإيطالي لم يبق عديم الصدى 
في الدولة العثمانية. إن محمد الثاني» «أمير الرينسانس» من بعض النواحي؛ قد 
طلب رمثامًا من البندقية وجعل جنتيل بيلليني يرسم. صورته. وفيما بعد؛ نجد أن 
الدولة العثمانية» وقد أعجبها تفوقها وتجمدت في اتباعية دينية حادة بشكل متزايد 
باطرادء؛ قد أصبحت منغلقة أكثر في وجه المؤثرات الأوروبية: على أن هذا لم يل 
دون تكوين حلقات اسطمبولية صغيرة - تجِمْعغ بضعة أفراد موجودين في 
العاصمة» أجانب أو رعايا للسلطان: مسلمين أو غير مسلمين - تتميز بالفضول 
العلمي وتتبادل معلوماتها حول الاكتشافات الأخيرة. وتتشكل حلقة من هذا النوع 
حول الجغرافي كاتب جلبي7'"). لكن هذه الظواهر تظل نادرة ومتوارية. وفيما بعد» 
في القرئين الثامن عشر والتاسع عشرء سوف تقنع الهزائم العسكرية بعض الحكام 
العثمانيين بالانفتاح من جديد على التقدم التقاني للكفارء في مجالات محددة تماما: 
التاكتيك والمدفعية والإنشاءات البحرية والتحصينات. وسيتم لأجل هذا الهدف تجنيد 
خدمات «متعاوئنين» خارجين على الحظر الذي فرضه بلدهم الأصلي أو قادمين من 
دول قوية حليفة» مثل بونقال باشا الذي يصبح قائذا لسلاح المدفعية (بومباراجي 
باشي) أو مثل البارون دو توت الذي يتولى تحصين الدردنيل. وفي مستهل القرن 
الثامن عشرء في عهد أحمد الثالث: أدى المناخ المساعد على الجماليات والأبيقوري 
ل«عصر الزنابق» إلى تأمين نجاح عظيم للمعلومات التي كشف عنها يرمزكيز 
جلبي محمد أفندي؛ عن سفارته إلى فرنسا في عام ١177١.؛‏ في تقريره عن السفارة 
وفي الأحاديث التي لا تنفد والتي صدرت عنه لدى عودته: فالسلطان وحاشيته قد 
سارعوا إلى أن يقلدواء بطريقتهم؛ في استراحاتهم الريفية» ما حدثهم عنه السفير 
فيما يتعلق بعجائب رساي وفونتينبلو وكثير من القصور والحدائق الأخرى التي 


(*<) الخمسمانة» تسمية مختصرة للعام ٠ه‏ مدخل عصر الرينسانس. - م. 
اننا 


زارها. وهكذا فقد كانت هناك؛ حتى الانتفاضة الرجعية والتطهرية في عام 217١‏ 
لحظة «طرائق إفرنجية» على ضفاف البوسفور. وعلى الرغم من أنها كانت لحظة 
قصيرة: فإنها قد استشرفت؛ على نطاق ضيقء التغريب الذي سيشهده القرن التاسع 
عشر. وقد كانت؛ في الأمد القصير الذي دامته» نو عا من مناظر ل«الإبداعات 
التركية» المعاصرة في أوروبا الغربية. 


جرى الحديث عن «الإبداعات التركية» للإشارة إلى الإبداعات الأوروبية 
على اختلاف أنواعها والتي كانت تركيا مصدر إلهامها من قريب أو من بعيد. وقد 
جرى ربطها عموما بالانفتاح الذهني وبالميل إلى الغرائبية في القرن الثامن عسشرء 
كما جرى ربطها في الوقت نفسه من جهة أخرى بالضعف الذي أصاب في العصر 
نفسه إمبراطورية من المفترض أنها قد كفت عن إثارة الخوف. والواقع أنه إذا كان 
صحيحا أن هذه الإبداعات تغيّرُ لونها بمرور الزمنء فإنها تبدأ في الظهور بشكل 
مبكر أكثر وتتماشى من ثم مع استعداد أكثر رسوخا يتجاوز السياقات التازيخية. ألم 
نر في عام ٠» ١54354‏ في بلاط بورجونياء حيث كان الفرسانء قبل ذلك بأر بعة عشر 
عاماء قد أقسموا بالخروج في حملة صليبية ضد محمد الثاني؛ خلال قَسْم الدرج؛ 
من يرتدون ملابس تركية باذخة؛ بمناسبة زواج شارل الجسور في بريج من 
مارجريت اليوركية؟ لقد ترك لنا أوليقييه دو لا مارش وصفا للمشهد: «كان أول 
+ القلامين في الساحة اعو السير بان دو شلنناة لورد مونية؛ يخدمة اريعة جتلماخات 
مرتدين قفاطين جد باذخة وفق أسلوب الترك [...] وكان هناك جوادٌ سرجه مزين 
بالمخمل القرمزيء الموشى بأغشية ذهبية» وهو جواد ركبته فتاةً ترتدي فستاناً 
حريريًا أخضر مخططاء وحوق جيدها ناشلة ذهنية كييرة: مُرّدانة بأستلوب 
تركيا...»(* 0 

والحال أن هذه الترفيهيات الثيابية» والتي تشكل استمرارًا ال«الحفلات 
التنكرية القروسطية»؛ سوف تكون ذات مصير جد طويل في الاحتفالات الأميرية 
الأوروبية بل وفي أميركا الكولونيالية. وإلى الفتنة التي تعبر عنهاء يضاف؛ عند 
الاقتضاء؛ مقصدٌ رمزي. فى لوت في عاذ ١0؛‏ خلال خطوبة كلود دو 
فرانس وشارل دو جاند الشاب؛ شارل الخامس فيما بعد قام «متنكرٌ»؛ تذكار في 

هيئة تركي» بقطع حفل الدول المسيحية العظمى الراقص ورمى الحضور بسهمه؛ 

8 


تعبير! عن شعوره بالغل نحوهمل*). وفي. عام 2154١‏ في عرس جين دالبريه في 
شاتلروء ظهر فرانسوا الأول» ربما متنكرا كتركيء بين الراقصين «الذين كانوا 
يرتدون ثيابًا تركية من القماش المذهب الفاخر»7"). ثم إن مشهذا مماثلأء انطوى 
على تحية ضمنية ومواريّة لقوة وبهاء تركيا سليمان القانوني» قد حدث أيضاء 
بالأخص» في عام 2١54/8‏ خلال حفل تزويج دوق دومال؛ هنري لو بالافريه» من 
آن ديست7"). ولم يتعفف لويس الرابع عشر عن هذا النوع من الحفلات التنكرية. 
ففي مهرجان الفروسية في عام 1777» يظهر الملك؛ وكذلك أمير كونديه وعدة 
نبلاء آخرين من البلاط مرتدين ثيابًا تركية. ونحو ذلك الزمن نفسه؛ نجد أن السيد 
دو لا بوليه لو جوزء وهو مؤلف كتاب رحلة إلى فارس والهند» قد أحرز نجاما 
سافرً! في الصالونات الباريسية بظهوره فيها مرتديًا «ثوبًا مشرقيّا»!'"). 

وبعد ذلك بوقت قصير سوف تنتشر موضة حصول المرء على رسم له في 
صورة سلطان أو سلطانة. وستكون تلك حالة مدام دي باري؛ بين حالات أخرى 
' كثيرة. وفيما يتعلق بالكُتاب» فإنهم لا يبحثون لدى الترك عن صور الترف والبذخ 
فقط. فالشرق المتعارف عليه الذي يتخذونه موقعا لرواياتهم أو مسرحياتهم؛ إنما 
يتيبح لوحة جد متنوعة من الانفعالات والإثارات. وروايتا مادلين دو سكوديري» 
إبراهيم أو الباشا المجيد والمهيدة [المهدية] أو الجارية الملكة» وهما روايتان 

متمشرقتان؛ تُغرقان مآسي التاريخ في سنتمنتالية مُشربة بالعجائب. لكن المسرح؛ 
من جهة أخرىء يمسك بناصية الأحداث الأكثر إثارة ة للمشاعر في التاريخ 
الإسلامي. وتركيا.ليست المصدر الوحيد. فكورني؛ وقد استلهم طفولات سيد لجيلين 
دي كاسترو» يخصص في عام 455 في مسرحيته السيدء مكانا بارا لمسلمي 
إسيائياء الذين يقدمهم بوصفهم أوفياء ومتميزين بالشهامة. وكان تيمور لنك منصدر 
إلهام في عام 1541 لعمل كريستوفر مارلو تامبور لان [تيمور لنك] الأكبر. 
وسوف نجد هذا الفات تح الرهيب مرة أخرى في عام ١144‏ في عمل جان مانيون 
تيمور لنك الأكبر وبايزيت إبايزيد]. إلا أنهه في زمن الرينسانسء في هذه العروض 
الشرقية؛ تتكشف الأحداث الأكثر إثارة في التاريخ السياسي العثماني بوص فها 
موحية بشكل خاص. فصداها يتأبد في العديد من المسرحيات التراجيدية حيث نجده 
والحق يقال» إن الحرص المزدوج على إثارة مشاعر الجمهور وتمرير تلميحصات 


لفن 


من طرف خفي إلى هذا الحد أو ذاك حول الواقع الداخلي آنذاك؛ إنما يتغلب على 
الحرص على الدقة التاريخية أو على الطابع المحلي. وإعدام مصطفى على يد 
أبيه؛ سليمان القانوني» ودسائس روكسلان في هذا الاتجاه - وهذا حدتثُ رثدنت 
مراسلات السفراء لدى القسطنطينية صدئ عظيما له - تكمن في أساس سلسلة من 
المسرحيات: السلطانة لجابرييل بونان »)155١(‏ والمكتوبة بعد ثماني سنوات من 
الحدث وإل سليمانو للفلورنسي يروسبيرو بوناريللي )١1515(‏ وسليمان الأكبر 
والأخير أو مصرع مصطفى لجان ميريه )١770(‏ وروكسلان لديمار (1545) 
وكذلك سليمان لرئيس الدير أبيل .)158٠0(‏ وإعدام إيراهيم» الصدر الأعظم 
ومحسوب سليمانء لا يتم تناوله فقط في رواية الآنسة دوسكوديري التي أشرنا إليها 
بالفعل» بل يتم تناوله أيضنا في ثلاث مسرحيات تتتابع عسن قرب: الرودمسية 
لمانفريه )١1171(‏ وإيراهيم لسكوديري )١1547(‏ ويرسيد لديفونتين .)١5554(‏ 
والحال أن مسرحية أخرى أيضناء هي سليمان لجاكلان (1557)؛ إنما تتناول 
التنافس على وراثة العرش بين ابني السلطان العجوز: سليم وبايزيد. وهذه 
المؤلفات ومؤلفات أخرى أيضنا تَعَدْ اليوم في طي النسيان بالكامل: لكن الأمر ليس 
كذلك فيما يتعلق بالمسرحية التي تتخطاها كلها إلى أبعد حدّ من حيث الأسلوب 
والبناء المسرحيء بايزيد لراسين .)١177(‏ وقد استلهم الكاتب موضوعها من 
حدث لاحظ هو نفسه أنه مؤثر بشكل خاص لأنه مُعاصر. وقد أحال في الواقع إلى 
جريمة القتل التي أُمْرَ بها في عام 157 السلطان مراد الرابع للتخلص من أخيه 
الشاب بيازيد - وهي جريمة سياسية جرى ارتكابها إعمالاً ال«شريعة قتل 
الإخوة»؛ كشفت عنها رسائل آرليه دو سيزيء السفير لدى القسطنطينية. كما تميز 
العمل عن المسرحيات الشرقية الأخرى بحرص على التوثيق عَرْضنه راسين في 
مقدمته. على أن هذا لم ينجه من الانتقادات من جانب كورني وآخرين» أخذوا عليه 
أنه قَدّمّ شخصيات في المسرحية ليس فيها شيء تركي سوى الملابس. وقد دافع 
راسين عن نفسه بقوة في مقدماته اللاحقة حيث قال: «لقد تمسكت بالتعبير في 
مسرحيتي بالفعل عما نعرفه عن عادات وقواعد سلوك الترك». ومن جهة أخرىء. 
فقد مهد لنصه بهذه الإشارة الاستهلالية» ذات القوة الإيحائية العظيمة: «تدور 
أحداث المسرحية في القسطنطينية؛» أي في بيزنطة» في سراي السيد الأكبر» 
امن 


[السلطان]. والواقع أن هذه المسرحية الشهيرة قد أسهمت في غرس فكرة السراي 
في مخيلة الجمهورء بوصفها عالما حسيًا وقاسيّاء وموقخا لكل الشهوات وكل 
الجرائم. والحال أن ميشيل بوديه كان قد قام بالفعل» بطريقة أقل تحفظا بكثيرء 
بإرساء أسس هذا التخيل في كتابه التاريخ العام للسراي ولبلاط السيد الأكبر 
[السلطان] .)١775(‏ وسوف يُبالغ كثيرون آخرون في كتاباتهم عن الموضوح. 

ما حالة الجنتلمان البرجوازي (1570١).؛‏ أوء بشكل أكثر تحديذاء حالة النهاية 
الشرقية لكوميديا - باليه موليير وليلي؛ فهي مختلفة تماما. إذ يذكر الفارس درافي 
في مذكراته أن الملك» لويس الرابع عشرء مستنفرًا خبرة الفارس الشخصية 
بالأمور التركية» قد طَلْب إليه التواصل مع الكتاب لإعداد مسرحية من شأنها 
عرض محاكاة ساخرة لثياب وأساليب 9 التركيء سليمان أغا متفرقة وحاشيته. 
وكان المراد بذلك هو الانتقام من شخص كان انفتقاره إلى الذوق» في الاستقبال 
المهيب الذي منحه الملك له قبل ذلك بوقت قصير في قصر سان جيرمان؛ قد 
ضايقه. وفي هذه الظروفء فإن مشهد ماموشي الأكبر يتميز في أن واحد بكفاءة 
لغوية معينة» غير عادية في التراث المسرحي (استخدام مصطلحات مستعارة مسن 
العربية والتركية ومن الت“امعتبه/ مع )» وبسخريته ذات الطابع الكوميدي 
القوي. 

والحال أن هذه السخرية التي كانت لا تزال استتثنائية في القرن السابع عشر 
سوف تصيح على العكس من ذلك أحد جوانب الإبداعات التركية في القرن الثشامن 
عشر. ومن الواضح أن موتسارت يخطر بالبال في هذا الصدد: إذ يخطر ببالنا 
عثمان في الخطف من السراي والمتوددين الشابين المتنكرين ك«البانيين» لاختبار 
خطيبتيهما في 1 (ان أوم©): أو الإيقاع الوثاب والساخر ل المارش التركي. 
وسوف نجد الروح نفسها أيضنا في الإيطالية في الجزائر لروسيني. وتحت ملمسح 
آخرء فإن بطل الإبداعات التركية هو إنسان رقيق وطيب القلب؛ كائن رءعوف تحت 
عمامته العالية وخلف شواربه الطويلة. إنه التركي العاشق الذي يرسمه لانكريه. 
ويعاد رسمه في سلسلة من اللوحات. أو هو التركي الكريم ؛ في المشهد الإيمائي 
الصامت الذي يفتتح الفصل الأول من مسرحية الهند النبيلة لجان فيليب رامو 


(*) لغة التواصل المشتركة بين ذوي الألسن القومية المختلفة, -م. 
خض 


(17): فهو يعطي الحرية لجاريته إميلي التي يحبها ولقالير» عاشق هذه 
الأخيرة» الذي كانت عاصفة على سواحل بلاد البربر قد سلمته له. وقد سر الناس 
أن يأخذوا عن هذه الشخصية المحبوبة فن عيشها بإقامة أكشاك جميلة في الحدائق 
وبشرب القهوة؛ كما تفعل ذلك مدام دي باري في «صورت»ها «التركية»» في 
فنجان آثرت أن يكون من البورسلين الثمين. 

فكيف وصلنا إلى ذلك؟ كيف تحول «التركي الرهيب» إلى «تركي كريم»؟ 
من المؤكد أن زوال الا “مبزعم,ت/ر7» الذي ساعدت عليه الهزائم العثمانية» قد 
لعب دورً! ما في ذلك؛ مثلما لعبت دورً! في ذلك إعادة تقييم الترك والإسلام لدى 
بعض الرحالة والفلاسفة. لكن هذا كان مكتسبًا هشا كان بوسع خلافات المصالح 
السياسية والاقتصادية بين العالم الإسلامي والجماعة المسيحية إزاحته. وعندئذ 
فسوف تعاود الظهور وسوف تعود أقوى من ذي قبل كل تيمات إيديولوجيات 
التناحرء كل شياطين رفض الآخر. 


(»*) الرعب التركيء بالألمانية في الأصل. - م. 
76 


بيبليوجرافيا مختارة 


-1700 ,أفدعإتا فا«ععاا فعاالة بععمعط فته عمللا جنا أتمةاتكعل56 :1م0110 و4 .آلآ وتمو7أالا سحكعلة 
.1995 ,لافظ ,علجما ,1783 

(.0ت *3) 2006 ,ستمعط بوتيوط ,الدتلة ل كدعناة::1) كعط ,علهندا أء فصسوامصدظ8 ,سمحكممدمع8 

8 ,عفص هعانلة ا اموضةط ,كتموط ,عفار مءانلةا1 نت كعجلهكى0© دصآ ,عنم أهحات5 ,مدم8 

.0 2 بل(جهة [-1600) تتمماناه عرام تا "| كد«مك عده!تعفاععه0 كسنعودومل/اآ رموء طمكتلع ,معتوموم8 
2007 ,عكمكمة أء عبالأعمممكتدكة ,ركوط 

:[61 آ عطا د عهللا رادل هده «ا1أفدم8 ,رمعأ : زمع2 إ0 عأمغدلا 18 ,برلصع ثلا عمتعطامه ,للع سععورظ 
,كوعء2 لإلأومعنالطلا للعمده0 ,معهطن1 ,عتلماعلم سدع 

كاعد ,(.لصط) كملعدظ .ط-.1 ,ننوانانعاه سمل علماكالط .ماكز اء معممسط ع ل 

.2000 ,اأن 

.0 ,كاعدظ ,.أهنا 3 ,توما عآ كضهق ععجمما ه[ ع2 كاده تمعووقلة ,أمعصاظ ,عمغتأصوط 

بتمندخا أمعادعت) :ا كومناطتطدط 6:نه كما رمع اننال[ ,كانه0110::1 ,(.605) عمل80 [ؤط اه ومن ,لأبنة1 
.00 ملاظ ,علنورما ,كادعيوسنث) تبمدججه)01 [ه مط عدا مذ ععستردم) مائللا 11:6 

ملنعم تلقال د عضماط وعونحهأعكعنا .21:5 :««أناكل:!! 71211785 ,كاصائةجتله عونواععظ ,.© ترعطهه ,سابوط 
.2006 ,قوط قط عت الع دوعول ,كاتد2 ,(.20:) النتمعام1] ال[ ,(1500-1800) 

أ كع ناك 1111 أء كلا ء ل 2ككهط!07 عدننه كع011114ل 10715 ءلاكاتا كع أأعنعع1) عوعة2 ,عجعاط عتفمباط 
بكظل!0 ,كتين , (مكتمعصم] «مةاسامطة ما ل نوديز عتأعام تك علا ع0 كقائمما كما كتناوعكة عمدودقظا 
1969 

.1999 ,[اتتظ ,علجعا ,سس اندع الونط ءا جا أمسطصماول جا عهه:1 طعدسع م ,معطلع ,معلاع 

.2004 ر,كتتدنة1" ,١آ‏ مامه فامهللا ع[ فتجه عوأم121 أجم0110 1116 ,تلإندن5 ,أطوميدم 

,7أهااتت 0110771671 «عاصا 17116 ,111 , وعأمما1 إه جرماكفلط عو77:14م© 77:26 ,(.60) ملإزتدرن5 ,تطوميوط 
.2006 ,كعد لإانكع اندنا عمل أتطصم) ,عمجل خطجمهه ,1603-1839 

تت كلهمآ ,300-1923 !ا ,عجأم: انمدده011 عز[؛ [ه وواكالا :11 امع ع ومع 0 عمألمرهه ,اععلمتع 
.5 ,لاحتنالا ململ 

عولقطديهه ,عولتطامسهه) ,عمط تجعقه1! زأنهه غانه عام مم0 786 ,أعتمدط ,مموكام 
2002 روععوط برالوع الول 

مهاد عمممقطاط ,كضوط ,16801715 ,عسمعفممنء ممع اعكدرم ما ع هئ صل ,اند ,تلرمعدلا 
١‏ )196 

.55 ركوعت8 مسنطانه11 سحاه3 ,ع «مستتلمظ ,تمعاك] إه مها عنا؛ :م معوعط قده عه/1ا ,لنزهق8 ,د للهطكا 

-1500 ,ةماع لمتدمام) ه إه عتاداما :17 معانادمم1 عومء51 كامتدكيرظ ,أعمطءنة8 ,تولوجم ع تملوك] 
. 2 ,دوععظ لإاأساءالونا مصدتلسة بوممأعستممها8 ,1800 

لعامامسمه سه إل “قز."5 [) جورم انماع عأعوجمماح أعنامم- م010 ,تمضدط« عاودعزء أ لمامكا 
.2000 ,لاقته ,علاعآ ,عانعاسناع20 +01 أنه دع ن«تمممطة' إه مونل 

لد ركقوط ,(.مهن) «عادونا»ط عاعتصمة ,عممميط | #عالامع04 مه اجماكة ا اعبرم المتصرعظ ,ويوعنا] 
.1984 ,اسقدا 

.1989 ,لعدييد"1 ,كتموط ,اتعترمناه عمأم+ | عل ميعز ,(.كلل) 1 ,لوتأمقالة 

.966 رككعء2 زأأكاء اانا طعسطوتلع ينمط صلق اأواراظ 0110 وممصبيط ,اتنملدل ,اعسوط ,سمتصملمر 


اف 


-700! ,أفتعإتا ت«تدع عالق بععمعط تنه عدثلآ اجا اتفكعلم5 اسعاجه0 عرق .لآ وتمتعءالا ملق 
.1995 ,8811 ,علهما ,1783 

(.60 “3) 2006 ,متصعط ,كاتوط , العالق ل عدعائك7) كما ,عاننا اأء 6مرهأماج8 ,سمككموومق 

9 ,عنصدكهء1نل16!-كاددط ,كتموط ,عفد منتاغائ! ات كعجأمكرم كع رعرماه !|52 ,مدم8 

..أونا 2 ,(ج4ة [-600[) :نمهج0/قه ماع12 "| عددهك عحسسه اسعفاعمه كمنعومرملا ,هماعط مالع ,معتومجم8 
.2007 ,عدمعهاآ أء علانا م1615 ,كاتوط 

:غ16 عل بذ عهلنا وأواط هده 82:01 ,بمم]ط : ز«ع2 [ه عاوعاكنا 31:6 ,ترلدعلقا عممعطاق ,اأمعوعط 
,كمع واتوعطله لا للعددم0 ,معمطا! عأنع الم جسرممم0 

ركامهظ ,(لدطا) دملصدقة ,ط-.ل ,نافع العاهم بسكل عام لكذل] .ماك اء ممصيظ ,معصدظ ,تمتلم 
.2000 ,أأفع5 

.850 ,كتذكةطا ,.أونا 3 ,اننولما عأ كذنهك ععاهم:1 هأ عل 5و أنهماءمعفلق ,أوعدصظ ,عهتمقطه 

.1707 أمرادرع0) از كوعناطدطولط 2010 2712:15ع41:[] ,5ه:0110714 ,(.كل6) مولن أؤط أن جما ,لتاة8 
.2000 ,الحظ ,علوعنا ,كاكعووه0© يجعجده011 إه م2 عطاس كعسطتإبسم© برهانااة 11:6 

1 ات عارماط معهنماءكمنآ .2015!اتأناكن71 كهلأها7 ,كفاع ةافةتتك كمنامامكظ ,.) امعطنه ,خوط 
,605 تقطن ع «تاعناوع 12 ,كتتج2 ,(.0ها) جساقعام1:1 .4/ز ,(1500-1800) 

عه كعةاكة1171!! ]6 5 1م04 5ك0ط0:71 علله ك25ل:!!001 75ر0اإعلاجاك؟ا كعك اأعناعم) وتنوجنا1 ,عجع ا" ع#توصباط 
,81185 ,كتتوط , (عكتمعصم] :نامض ما ل 'سوكيرز عتأماماع للا عل كفاثهم كما عتسوعل م66ره 
.1969 

.1999 ,الت8 ,علها ,جسنده) اندم تلوأ عط جز أماطدمولة ها عنهم15 تأعدع2 ,وعطلظ ,جرعل1ثا 

.04 ,ككناة]” ,)[ «تباوعهة فأجوللا عن فاجه ممأعتحطا نم0110 11:6 ,ولإتدسن5 ,تطومعوط 

.7أ1 011011411 عنصل 11:6 ,111 ,رعامية1 إه «رماكذلا ععفا :م0 11:6 ,(.60) ملانصت5 ,نوميد 
.2006 ,كدعع2 ا أكمعنولآ ععل قط ورمع ,عولتتطرم هه ,1603-1839 

ركف كلهما ,1300-1923 ,عرأمةدظا :م010 ع:[! إه ««ماكال] 11:2 ,م2 :"م05 بعد أالمرى ,المع 
الإمحتناكة مطمل 

عع0ةتتادسهت) ,عولتتحاصهم) ,عممعنتا تمعقمالة رواجم هته عرتم عا «جم 0110 11:6 601 تمأ 
2 بككعوط والسع الول 

لكقره؟ عدمغطائط ,كتتوط ,1680-1715 بواتعفو ونه عم«عاععددمه ها عل عئة© ها ,ابوط ,لممجدز 
1961 

.955 ذقعع1 كمفطنه11 عطول ,عدم دستالد8 ,رمال 0# حصا 1:6 دنا معمءظ وده عمللا لأزهاا ,خرس ل لصطكا 

-1500 ,ء7أصقل أمتمام) ع إه يتاطدال ع1 معنمجمم عممعاد كامتوكي2 ,اعمطءذق8 ,نواوعه ع عمفمل! 
.2002 ,كوعع2 واأوعائصنا مممتله1 ,ومنوساممه!8 ,1500 

لعامامستره مق الن ك8ز.كوز) خرن اماما عتنم«ماواط :أكأاه-ابمجه)/0 بتعسضد٠ط‏ ابجع لامكا 
0 ,للفظ ,علجعناآ ,كاقء اعمط 01 فانه عماسم م للم إن موأانلظ 

-لق© ,حصو ,(.لهع) «عأكوتاة2 عأعتصصة ,عممسبط | أومبرمعفل ه رماع ! اتمتجتجه ,لممجمع8 ,وابوه] 
.4 ,تلتقدد نا 

.1989 ,لتهبرد" ركتمةط ,انمتجرملله عبإمدرع'أ عل عرأماكأا] ,(.اتل) .ا مسامدكة 

.1966 رككعع2 نزاتكمعناأونا لوط ستم8 ,وعنصطامتلم ,متعم 2نجه وزمم8 ,تممأذا ,أعتصده ,ممصدملم 


يسن 


الجزء الثالث 


الإمبريالية الأوروبية . 
وتحولات العالم الإسلامي 


لأوروبا والعالم الإسلامي ماض طويل مشترك يرجع إلى أزمنة أصولهما.. 
ولم يتخذ هذان المفهومان معنئ إلا في المواجهة التي دارت بينهما. فالفتوحات التي 
جرت في القرون الأولى للإسلام قد أنهت الوحدة المتوسطية الموروئة من 
الإمبراطورية الرومانية؛ خالقة واقغا جغرافيًا جديذا يأخذ اسم أوروبا الذي من 
المفترض أن أول ذكر له قد جرى بالإحالة إلى معركة يواتييه في عام ؟"*7. ومن 
المؤكد أن لأوروبا حدوذا أخرى كحدودها مع الوثنية ثم مع الأرثوذكاسية حيث 
تتلاقى جبهات التبشير الديني من البلقان إلى البلطيق. وبالمتل» سرعان ما وصلت 
«دار الإسلام» إلى الحدود الخصامية للعالمين الثقافيين الصيني والهنديء ناهيك 
عن إحرازها تقدما بطيئا في البداية في أفريقيا السوداء. لكن الحدود المتوسطية 
كانت دومًا الحدود ذات الأهمية الأكبر: وذلك بسبب قربها من المراكز الثقافية 
والدينية والسياسية الحيوية للعالمين [الإسلامي والأوروبي]. 

ومن القرن السابع إلى القرن الثامن عشرء كانت المواجهات العسكرية 
والتبادلات المتعددة هي القاعدة. وقد شهدت عهود تاريخية كيرى تقدمات ترابية 
هائلة لأحد المعسكرين تتطابق في لعبة صفرية مع تراجع للمعسكر الآأخر. وقد 
فرضت الجغرافيا السياسية قواعدها بتحالفاتها المتقاطعة» فرنسا مع الدولة العثمانية 
وبيت النمسا مع دولة الصفويين الفارسية. والحال أن الثقافة المادية التي تمثلها 
تجارة السلع والمنتجات قد اجتازت الحدود بشكل مستمر. وقد عادت إلى أوروبا 
شرائح مهمة من الثقافة القديمة» بعد أن أدخلت ثقافة الإسلام الكلاسيكي تعديلات 
عليها. وكانت تبادلات التكنولوجيا مستديمة في الفضاء المتوسطي كما تشهد على 
ذلك الآثار العديدة الباقية في مفردات لغات العالمين. 

على أن القطيعة الكبرى قد حدثت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. 


00 


الفصل الأول 


منعطف القرن الثامن عشر 


ثورات النصف الثاني من القرن الثامن عشر 

فكرة أوروبا موجودة بشكل واضح في القرن الثامن عشر. وهي تحيل إلى 
فضاء ثقافي وإلى نظام سياسي يتميز بالتوازن بين الدول. وغداة الدورة الرهيبة 
لحروب الدين والتي تنتهي بانتهاء حرب الأعوام الثلاثين» أعادت أزمة الضمير 
الأوروبي فكرة وحدة ثقافية تتخطى انقسامات الدول ذات الديانة الواحدة أو 
الرسمية. وقد أنشأ إنتاج المطبوعات فضاءً للكتاب والصحيفة» حل محل الرسائل 
المخطوطة؛ وهو فضاء أوروبي بشكل أصيل؛ حتى وإن كان قد امتد إلى 
الأميركتين وإلى الوكالات التجارية الأوروبية في أفريقيا وآسيا. وكان اختلاط 
المطبوع بالأوروبي آنذاك اختلاطا وتيقا بينما ظلت بقية العالم في دنيا المخطوط. 
وإجادة القراءة والكتابة واقع ملموس» حتى وإن كانت لا تتعلق إلا بشرائح متفاوتة 
الأهمية من الجماعات السكانية المعنية. واليابان المنحبسة في عزلتها الاختيارية 
ربما تكون الوحيدة التي تتميز بمعدلات «إجادة للقراءة والكتابة» مشابهة لمعدلات 
أوروبا. وكانت روسيا بالفعل» على الرغم من التساؤلات حول طبيعتها العميقة؛ 
جزءا من أوروبا لأنها دخلت في عالم المطبوعات حتى وإن كانت إجادة القراءة 
والكتابة فيها أضعف مما في أماكن أخرى [من القارة الأوروبية] ولأنها كانت أول 
المجددين باكتشافها إشكالية اللحاق بالمتقدمين عنها. 

إن المطبوع هو محرك الاختلاف الأوروبي منذ أواخر القرن الخامس عشر. 
ففي مظهر تاريخ لا يتحرك تشكل رأس مال ضخم من المعارف والتقانات وجد 
ترجمة له في إنماط جديدة للتنظيم. وكان المستفيد الأول من ذلك هو الدولة التي 
كان خوضين الحرب هو نشاطها الرئيسي؛ وهو ما ينطوي ليس فقط على أسلحة 


ا 


جديدة وأشكال انضباط جديدة ومعارف جديدة» بل ينطوي أيضنًا على أساليب جديدة 
للتمويل وتحصيل الضرائبء أي؛ في المدى المتوسط» على أنماط جديهدة للتنظيم 
الاجتماعي. 

وحتى في أوائل القرن الثامن عشرء كان لا يزال يبسدو أن الإمبراطوريات 
الإسلامية الكبرى الثلاث» العثمانية والفارسية والمغولية في الهند» تمثل قلا مضاذًا 
للدول الأوروبية وأنها تبقيهاء كما في القرئين السابقين» على هوامشها. والخضاب 
الأوروبي عن الاستبداد الآأسيوي هو ترجمة لقدرة الدول الإسلامية الكهبرى على 
الردع وهي دول جرت المبالغة في تقدير قوتها وثروتها. فالحال أن إمبراطوريات 
بارود المدافع هذه لم تسمح لنفسها بالابتعاد عن ثورة التسليح جح الكبرى في القفرن 
السادس عشر وإذا كان المحيط الهندي قد أصبح فضاءًا جديذا للتبادلات 
والمواجهة فإن الأوروبيين لم يتمكنوا من إيجاد موطئ قدم لهم إلا في جزر أو في 
مكاتب تجارية قارية. ومن خليج البنغال إلى البحر المتوسط؛ كانت الأسلجة النارية 
من طبيعة أسلحة أوروبا نفسها (بنادق ومدافع) وهي منبثقة من إنتاج حرفي 

على أن الانقلاب في علاقات القوى يحدث حتى قبل البداية الحقيقية للشورة 
الصناعية. والمجال الأول هو البحرية» وهي قطاعٌ تَعَدُ فيه التكنولوجيا والعلوم 
الأوروبية أكثر تقدماء إذ استفاد في أن واحد من استثمارات من جانب الدولة ومسن 
جانب البورجوازيات التجارية. فلأول مرة: تنبثق استراتيجية حقيقية للبحوث 
والاستحداثات؛ حيث تصبح المعرفة النظرية والأساسية مصدر الممارسات 
التطبيقية. وكان الحافز إلى ذلك هو التجارة عبر الأطلسية متزايدة النشاط دوما 
والرحلة ذات المدى الطويل في المحيط الهندي وفي المحيط الهادئ بالفمل. وقد 
اح لني لي ترون المستري ررم حو رك ) القرن الثامن عشر ظهور 
«الأسلحة الذكية» والمهندسين الأوائل» بينما يجد التدريب البدني أكمل تعبير عنه 
في الانضباط البروسي. 1 

ومن دون تغيرات تكنولوجية كبرى لن يجري الإحساس بها إلا اعتبارا من 
عام +25 بفضل سلاسل متصلة من التحسينات والتطويرات وبفضل تدشين 
تطبيقات انضباطية جديدة؛ في منتصف القرن الثامن عشرء يتفوق الأداء العسكري 


7 


والبحري للمجتمعات الأوروبية تفوقا كبينا على أداء القوات المسلحة للمجتمعات 
الأخرى. والمثال الأوضح لذلك تقدمه شبه القارة الهندية حيث نجدء على أثر انهيار 
سلطنة دلهي لأسباب داخلية» أن الدول التي حلت محلها تستعين بمرتزقة أوروبيين 
لتأطير جيوشهاء. في حين أن شركتي الهند المتنافستين» الفرنسية والإنجليزية؛ 
تتزودان بجيشين محليين. ويحدث كل هذا خلال حرب السنوات السيعء: عندما 
يتمكن جيش قوامه ٠٠١‏ رجلء يتألف في تلثيه من السيباي [الفرسان» السباهيين] 
الهنودء من إلحاق الهزيمة في يلاسي في ”7 يونيو/ حزيران 1١55‏ بجيش قوامه 
عدة عشرات من الآلاف من جنود نواب البنغال. والحال أن هذا الحدث في 
الصراع الفرئسي - الإنجليزي والذي سيكفل أمن وحرية التصرف للوكالة التجارية 
البريطانية في كلكتا إنما يصبح بداية فتح ترابي. ففي عام 21155 تسيطر شركة 
الهند الشرقية على كل البنغال التي ربما كانت تضم ٠‏ مليون نسمة:؛ أي أربعة 
أضعاف سكان بريطانيا العظمى. وفي غضون سنوات قليلة» سوف تستولي على 
كل شبه القارة. 

وعلى الطرف الآخر للعالم الإسلامي القاريء نجد أن الدولة العثمانية» الحليفة 
الخلفية التقليدية لفرنساء تنخرط في عام ١764‏ في حرب كارثية ضد روسيا بهدف 
منع التقسيم الأول ليولنده. فيجري اختراق خط الدفاع بينما يصل أسطول روسي 
قادم من بحر البلطيق إلى البحر المتوسط ويتمكن في " يوليو/ تموز ١77١‏ من 
تدمير الأسطول العثماني في البحر المتوسط قرب شيو. وأخيراء تتمكن القوات 
الروسية من احتلال خانية القرم التترية؛ الدولة المسلمة التابعة للعثمانيين. وتؤدي 
المصاعب المالية الروسية وانتفاضة يوجاتشوف الفلاحية إلى إنقاذ العثمانيين. 
وبموجب معاهدة كوتشوك كايناردجا في عام 11774؛ تضطر الدولة العثمانية إلى 
الاعتراف باستقلال القرم حيث تحتفظ روسيا هناك بجيش لها بينما يحتفظ السلطان 
بسلطته الدينية متباهيًا بلقبه كخليفة. ثم إن الروس يحصلون على حق بناء وحماية 
كنسية أرثوذكسية في اسطنبول؛ ما سوف يسمح لهم بأن يطالبوا فيما بعد بحق 
حماية لمجمل أرثوذكس الدولة العثمانية. وأخيراء يتين على العثمانيين دفع 
تعويضات طائلة عن الحرب. وفي عام 23774 تنهي كاترين الثانية خرافة استقلال 
القرم بضمها إلى ممتلكاتها الأخرى. وفي عام 17454 يضطر العثمانيون إلى 
الاعتراف بالضمء مع احتفاظهم بصلاحيات الخليفة في القرم. ْ 


لفون 


التنوير والإسلام 

لئن كان التراكم المثير للمعارف والذي أتاحته المطبوعات يسمح بفهم جوهر 
التنوير بوصفه مشروع بناء لكلية هذه المععارف وإضفاء معنئ عليهاء فإن 
مصدرين تاريخيين متمايزين يمنحانه توجهاته الخاصة. فأزمة الضمير الأوروبي» 
غداة حروب الدين» تفتح السبيل أمام نقد للدين يمضي في اتجاه الربوبية [اللادينية] 
باكثر :ما يعمضي في اتجاه الإلحاد: وما أحرزته الدولة الحديثة من وجوه تقدم يميل 
إلى تقويض أسس المجتمعات النظامية القديمة. 

والحال أن كل المجتمعات الزراعية الكبرى قد أنتجت رؤية لنظام اجتماعي 
مستقر قائم على هيراركية نوعية وشرفية لجماعات وظيفية لا بد لكل واحد من أن 
يجد لنفسه مكانا فيها. وقد وجدت المرتبة والتميز ترجمة مستديمة لهما في تعريفات 
للأدوار الاجتماعية حيث أمكن لمفاهيم النقاء وانعدام النقاء أن تكون عناصر تفرقة. 
وكان جوهر هذا التصنيف هو الوظيفة الاجتماعية التي يؤديها المرء بينما كان 
جوهره في أوروبا هو النسب. وتميل الملكية المطلقة إلى هدم هذا النظام بتركيزهما 
حول نفسها جل السلطات وبتقليصها الامتيازات لاعتبارات تتصل بزيادة حجم 
الضرائب التي تقوم بتحصيلها. وقد يكون المثل الأعلى للبيروقراطية الملكية هو أن 
تكون الذي جنات يككزة ون الرعال المتساوين في الالتزامات؛ حتى وإن كان 
الملك وبلاطه يظلان الموقع الذي تعتبر فيه المزايا أكثر رسوخا. ويسهم النقد 
الأرستوقراطي للحكم المطلق من دون أن يدري في تقويض النظام الاجتماعي 
التقليدي بترجمته في مصطلحات تاريخية ما لم يكن في البداية سوى إعادة توزيع 
وظيفي. ومن المرجح أن التقل الذي اكتسبته وراثة ألقاب ومزايا الشرف كان 
المحرك لهذا التحول إلى التاريخ. | 

وهكذ» ففي فرنسا الملكية» نجد أن الأرستوقراطية» الضامنة بحكم أجهزتها 
المكوثة لها لحريات الجميع» قد تكون منحدرة من الفاتحين الجرمان وقد تكون الفئة 
الثالثة» فئة العاملين» ثمرة إخضاع الغاليين - الرومان. وهكذا فمن المفكقرض أن 
الحرية القديمة التي عرفتها المدينة الرومانية قد أخلت مكانها لحريات الإقطضاع 
المتعددة. وقد تكون الملكية المطلقة هدما للسلطات التقليدية» استبدادًا شرقيًا وضد 
الطبيعة بسبيله إلى ترسيخ أركانه في أوروبا. وتضاف إلى هذا النقد الأرستقراطي 


امون 


المطالبة بمشاركة «الرعايا» في السلطة وهي مطالبة ذات اتجاه مساواتي يحيل 
بالأحرى إلى المواطنة القديمة. ويمتزج التحديان في صراعات سياسية في القرن 
الثامن عشر القصير الممتد من موت لويس الرابع عشر في عام ١7١6‏ إلى عام 
4. وهكذا يتباهى المتمسكون بالحريات الجرمانية بخاصية أن يكون النساس 
مواطنين. وسوف يزول الالتباس في عنف عام .١1789‏ 

والهدف الأول للتنوير هو تنظيم المعرفة وإضفاء طابع عقلاني عليها. لكن 
مشروع عقلنة المعرفة د يجتمع؛ بعد عام 2170٠‏ بمشروع يتعلق بإدخال العقلانية 
في النظام الاجتماعي. وفي منتصف القرن تحديذا تتأكد فكرة التقدم في تواز مع 
انطلاق بطئ لكنه متواصل للنمو الاققصادي. وإذا كان التقدم حركة؛ فمن 
الضروري تحديد مرتكزات لقياسه. وأول هذه المرتكزات هو تاريخ أوروبا» حيث 
نرصد بالفعل الاختلافات في الثروات والمعارف منذ القرن السادس عشرء فهو 
حقبة تنهي همجية الأزمنة «القوطية». أمّا ثاني هذه المرتكزات فهو المجتمعات 
غير الأوروبية» أي الشرقية. 

وفي حين أن راسين قد ذهب: في المقدمة التي كتبها لمسرحيته بايزيد» إلى 
أن الْعد الجغرافي في المسرحية قد عَوْضَ عن غياب البُعد الزماني؛ فإن البُعد 
الجغرافي بالنسبة لرجال التنوير إنما يسمح باستعادة البُعد الزماني. فيصبح الشرق 

ضمنيًا وفجأة ماضيًا في الحاضرء موقعًا نجد فيه من جديد ماضي أوروبا. وبحكم 

هذاء تمر سجالات القرن الكبرى بحقول الاستشراق. 

وفي القرن السابع عشرء وهو لحظة تشكلت فيها الفروع المعرفية الأولى 
للاستشراق؛ والتي كان مشروعها إنساني الجوهر: عولمة الأدب بإضافة الآداب 
الشرقية؛ آداب العالم الإسلامي أولاء والوصول إليها أيسرء شم آداب المشارق 
الأبعد. الهند والصين واليابان» إلى التراثات القديمة وإلى الآداب الأوروبية الحديثة. 
وفي القرن التالي؛ يصبح الطموح كتابة تاريخ عالمي قائم على عولمة أنماط 
السلوك البشري. وهكذاء تحل محل الإشارة الوحيدة إلى الغزوات الجرمانية 
الإشارة إلى الغزوات محركة تاريخ أوراسيا. فمن أقدم السكيثيين إلى المانشو 
الحديثين» أنهت موجات كبرى من الفاتحين القادمين من السهوب إمبراطوريات 
عظمى وشكلت دولاً جديدة. ومن بين كل موجات الغزاة هذه؛ جاءت موجة ولحدة 

من الجنوب؛ حيث كانت كل الموجات الأخرى من فعل شعوب الشمال. 


لون 


والعرب هم الشعب الوحيد الذي جاء من الجنوب. والحال أن قرنا من 
البحوث الاستشراقية إنما يسمح بكتابة تاريخهم. وإذ جاءوا من شبه الجزيرة 
العربية» فقد سيطروا على العالم الواقع بين نهر الإندوس والمحيط الأطلسي 
وطوروا ثقافة رائعة. وهم المعادل الماضي لأوروبيي اليوم بفضل حبهم المعروف ' 
للعلوم. وكما تشير إلى ذلك الإنسيكلوبيدياء فإن أصول كل العلوم الدقيقة تمر 
بتحسين للمعارف القديمة قام به العرب أو بابتكار لعلوم جديدة. وعندئذ ينطرح 
الربط بين الأسلام وتطور العرب. فمن جهة» قام النبي بصوغهم وتحويلهم إلى 
شعب وأعطاهم دينامية الفتح؛ ومن الجهة الأخرى؛ أدى الوزن المتزايد لتعسصب 
دين والسيطرة التركية إلى أصابتهم بالعقم شيئًا فشيئا. وشأنهم في ذلك شأن جميع 
الشرقيين» رفضوا المطبعة» » على الرغم من أن هذه الأخيرة قد أدخلت مؤخرًا في 
بعض الأديرة المسيحية في الجبل -اللبناني. 

وبحسب مبدأ بناء تاريخ عالمي كالعادة؛ رأى التنوير أ ن الترك شعب من 
. الغزاة قادم من الشمال. وغزواتهم تَعقَهُ بناء مخطط تصوري لتاريخ أوروبا. 
فخلافا للغزوات الجرمانية:؛ تنتج الغزوات التركية الاستبداد لا الحريات. 
والمدافعون عن الملكية يستفيدون من ذلك لهدم الأطروحة التي تتحدث عن الأصل 
الجرماني للحريات. فإمبراطورية شارلمان دولة حكم مطلق وقد قام الإقطاع على 
أنقاض هذه الإمبراطورية بتفتيت بتفتيت سلطة الدولة. ويرد المدافعون عن الحريات 
الجرمانية بالأطروحة الجديدة التي تتحدث عن الاستبداد العسكري: إذا كان الغزاة 
الترك لم يدخلوا في دينامية حريات؛ فإن السبب في ذلك هو أنهم لم يتجهوا إلى 
توزيع للثروات فيما بين أنداد مثلما فعل الفرانك في اقتسام غنائمهم. ولعلهم ظلوا 
ضمن إطار الدولة التي كانت موجودة من قبل ليصبحوا متلقين للموارد التي تقسوم. 
هذه الدولة بتحصيلها من رعاياها. وهذا النوع من التحصيل قد يتماشى مع نظام 
حكم ملكي مطلق كنظام السيد الأكبر [السلطان] العثماني» كما مع نظام «صوفي» 
[صفويّ] فارس أو نظام المغولي الأكبر في الهند أو مع تكوين «جمهوريات 
عسكردٍ ية» كجمهوريات «ايالات» بلاد البربر (المغرب). والاتجاه الثابت للاستبداد 
هو ممارسة تحصيل زائد من المجتمع؛ ومن هنا انخفاض القدرات الاستثمارية 
ومن ثم الإفقار المتواصل الذي يفسر أيضنا تخلف الشرق المتزايد عن أوروبا. 


00 


وفي حين أن الصورة القديمة للاستبداد الشرقي كانت صورة نمو زائد للسلطة 
عن طريق القدرة على تعبئة مجمل موارد المجتمع بالسبل الترهيبية وأن هذه القدرة 
على التعبئة ترجع إلى الكفاءة الرهيبة للإدارة» فإن الصورة الجديدة تندرج في 
موقع مخالف. فالاستبداد نظام اضطهاد يخضع لقاعدة العوائد المتناقصة. وبما أنه 
يقوض المجتمع الذي يديره؛ فإن قوته تنحدر لا محالة؛ لكنه يظل قويًا بما يكفي 
لحرمان الشعوب الخاضعة من إمكانية التحررء بحكم انجرار هذه الشعوب إلى 
الخراب المشترك. 

ومنهجية التنوير هي إعطاء معنئ للمعارف المتكونة. والأمر كذلك بالنسبة 
للتاريخ العالمي. وفي ثمانينيات القرن الثامن عشر ينبني التصور الخاص بمسار 
التاريخ المتوسطي وهو تصور سوف يُكتب له طول العمر في البرامج المدرسية. 
ومن الواضح أن الأوروبيين يحتلون [في هذا التصور] موقع نهاية التاريخ. وليس 
من الوارد أن يكون أناس العصور القوطية الأسلاف المباشرين. فالمعرفة تأتي من 
العرب الذين أخذوها بدورهم عن الرومان والإغريق. وبما أن الإغريق قد اعتبروا 
المصريين القدماء أسلافهم؛ فإن الأرض التي نشأت فيها العلوم والففون تصبح 
مصر القديمة الملغزة» وهي مجتمعٌ من المؤكد أن من أداره هو الحكماء الذين 
أعملوا فكرهم في فك ألغاز الموت. 
2 والحال أن الإجييتومانيا [الولع بمصر] التي ميزت الجيل الأخير لرجال 

التنوير هي أداة في النضال المعادي للمسيحية أوء بشكل أدق» نتاج استبدال لها. 

فالرغبة في نزع المسيحية والتي خامرت الطرف الأكثر جذرية بين المنورين 
تصطدم بالعزاء القوي الذي تقدمه الطقوس المسيحية عن الموت. ولا غنى عن 
تكوين رمزية جنائزية جديدة وبما أنهم يلحظون بشكل مشوّش أن الجائب الرئيسي 
من الأثار التي خلّفها المصريون القدماء يرتبط بالممارسات الجنائزية» فإن الفن 
المتمصر سوف يعمل على منافسة الفن الجنائزي المسيحي في حين أن الباطنية 
الماسونية سوف تزعم بشكل متزايد باطراد أن مصادرها مصرية. 


نينا 


الترجمة السياسية 

في الربع الأخير من القرن الثامن عشرء يتمثل الاتجاه العميق للتنوير في 
تحويل المعرفة إلى فعل سياسيء ومن هنا المراجعة التي لا ترحم للمؤسسات 
البشرية. وكما سوف يقال في زمن الثورة الفرنسية» فإن التاريخ يكف عن أن 
يكون القانون» إذ حلت محله إعادة تنظيم عقلانية للمجتمع. والمعايير المستخدمة 
تمر باالمراعاة المتزامنة للفرد والجماعة. إذ يجب حفظ أو إقامة ما هوفي أن 
واحد مفيد للفرد وفي صالح المجتمع. والسعادة» وهي فكرة جديدة في أوروبا» همي 
هذا النتاج المزدوج للتجديد الفردي والجماعي. 

ومصطلح التجديد هذا هو شعار الثورة الفرنسية. وهو يفضي إلى توطيد 
جماعة جديدة من أفراد متساوين في الحقوق ومشاركين على قدم المساواة في 
ممارسة السيادة» وهذه الجماعة هي الأمة. ومن المؤكد أن الثوار لا يمكنهم تجاوز 
بعض الحدود المميزة لزمنهم, كإقصاء النساع والخدم عن السياسة: لكنهم يطرحون 
مع ذلك مبادئ سوف يكون تطبيقها برامج تطرحها الأجيال القادمة. وهكذاء فنمسن 
باب الحرص على التماسك الفكري؛ يقوم أعضاء الجمعية التأسيسية بتحرير غير 
المسيحيين في المجتمع الفرنسيء أي مختلف الجماعات اليهودية في المملكة. وبما 
أن المراد هو جعلهم يشاركون في السياسة» فسوف يتم.منحهم كل شسيء كأفراد 
وحرمانهم من كل شيء كجماعة (كأمة بالمعنى القديم للمصطلح). 

وفي عقد التسعينيات من القرن الثامن عشرء بما تميّز به من تعاقب مريع 
للأحداث؛ تزداد المصطلحات تحديذاء فتجديد أوروبا ليس غير مرحلة جديدة في 
سيرورة التمدن التاريخية وهذه السيرورة لا تقتصر على أوروباء فهي تميل إلى 
التعولم بامتدادها إلى كل البشرية. 

والعالم الإسلامي هو الأقرب إلى أوروباء وهو العالم الذي تعرفه أكثر من 
سواه. وهو جارها المباشر ويمتد إلى الطرف الآخر للعالم القديم حيث الأوروبيون 
بسبيلهم إلى بناء إمبراطوريات جديدة. والحال أن الأوروبيين الذين أسكرتهم قوتهم 
الجديدة التي يحددونها بالفعل على أنها تتمتل في السيطرة على الطبيعة:؛ إنما 
يدركون من جهة أخرى أن اللحظة الأوروبية في تاريخ العالم الجديد بسبيلها إللى 
الانتهاء. وقد أشارت حرب السنوات السبع بالنسبة لفرنسا إلى ضياع كندا. وإذا 


يدتقن 


كانت تحتفظ بجزر الأنتي التي تحصل منها على السنكرء فإنها تقلق محقة على دوام 
وجودها في هذه المنطقة. فحرب استقلال الولايات المتحدة يتم تفسيرها تفسير! 
صائيًا على أنها بداية سيرورة حتمية لتحرر المستعمرات الأوروبية في 
الأميركتين. لقد أصبحث أوروبا اثنتين ويشير فلاسفة ككوندورسيه في تسعينيات 
القرن الثامن عشر إلى. هذا الانتقال الجغرافي بالاستخدام المنهجي لمصطلح الغرب 
بمعناه الحالي. 

وكان فتح العالم الجديد قد تم باسم المسيحية. وقد عاش الفاتحون الإيبيريون 
هذا الفتح بوصفه مواصلة لل ورععبرو,مء»8 الذي قاموا به ضد الإسلام. وكان 
المشروع الأول لنيو إنجلاند هو تكوين مجتمع مسيحي يروتستانتي وإنجليزي بعيذا 
عن وضاعات الحكم المطلق الأوروبي. وقد ترافق الاستعمار الفرنسي لكندا مع 
رغبة مستديمة في التنصير الكاثوليكي للهنود الأميركيين. وبذا صار النقدُ التنويري 
للواقع الاستعماري الأوروبي شجبًا حادًا لأعمال العنف التي ارتكبت باسم 
المسيحية. وقد رمز إلى انتهاء اللحظة الأوروبية التي جعل منها أحد عناصر اتهام 
المسيحية. 

والانتصار البريطاني في البنغال في عام 171 يحدد طرق الهند بوص فها 
المحاور الجيوسياسية الجديدة التي ستسيطر على القرنين التاليين من تاريخ العالم 
. القديم. والطريق البحري الذي يمر برأس الرجاء الصالح هو رهان التنافس البحري 
بين فرنسا وبريطانيا العظمى. وعلى الرغم من المصاعب المؤقتة خلال حرب 
استقلال الولايات المتحدة» يطمئن البريطانيون على السيطرة عليه بفضل سيطرتهم 
على البحار. أمّا الطريق البري فيحتاج ارتسام معالمه إلى وقت أطول. ومنذ 
سبعينيات القرن الثامن عشرء يبدأ الانتقال عبر طريق خليج السويس في إثارة 
اهتمام الفرنسيين والبريطانيين. ولا بد من وضع حدّ لرغبة العثتمانيين في إبقاء 
البحر الأحمر مغلقا أمام الأوروبيين. ويتم التوصل إلى ذلك في أواخر القرن. 
ويبقى جعل خليج السويس طريقا للانتقال. على أن الظلروف المضطربة في 
تسعينيات القرن الثامن عشر لا تسمح بذلك بعذء لكن هذا المشروع مندرجٌ بالفغمل 
في المنظورات التي حددتها أوروبا لتنفيذها في الأمد المتوسط. 


)0 الاسترداد, م 


1 


والطريق البري طريق افتراضي يعبر مجمل العالم الإسلامي القاري. 
والأوروبيون غائبون عن مسارات قوافل العالم القديم بينما يسيطرون على الطرق 
البحرية. على أن شركة الهند الشرقية تمد شبكتها إلى الخليج المسمّى بالفارسي لآن 
إمارات هذه المنطقة شريكات تجاريات للهند. وهكذا جرى إيجاد منشأت في 
الكويت والبصرةء وتجري دراسة إمكانية نقل البريد عن طريق القوافل. ويبقى مع 
ذلك أن الطريق البري ليس طريقا تجاريّاء لكنه أفق سياسي. 

وكان من شأن بريطانيا العظمى أن لا تهتم به لو لم تكن هناك مشروعات 
لاقتسام الدولة العثمانية» وهي مشروعات لا تكل كاترين الثانية؛ إمبراطورة 
روسياء عن اقتراحهاء كما تتبناها النمسا التي يحكمها جوزيف الثائي. وهكذا فقد 
يجري تقسيم البحر المتوسط الشرقي إلى ثلاثة أجزاء: جزء لا بأس به من البلقان 
للنمساء والقسطنطينية والأناضول لروسياء والمناطق التي يسكنها عرب لفرنسا (مع 
ضم كريت عند الاقتضاء). أمّا بريطانيا فلم تكن مدعوة إلى المأدبة وقد بدت بعيدة 
لا تزال. إلا أنه عندما تختفي فرنسا بسبب ثورتها وعندما يبدو أن الروس على 
استعداد من جديد للاستيلاء على القسطنطينية؛ في الحرب الجديدة التي بدأت في 
عام 1787 حيث يضطر العثمانيون إلى مواجهة التحالف النمساوي - الروسي؛ 
اتضطر لندن إلى التدخل. وفي عام 174١‏ تَوَجّهُ بريطانيا العظمى إنذارًا إلى 
روسياء داعية إياها إلى عدم إيجاد موطئ قدم لها على الطريق البري إلى الهند؛ 
وهي تقوم باستعراض قوتها البحرية الذي يفرض نفسه. ويؤدي تقسيم جديد ليولنده 
وتكوين الائتلاف الأول ضد فرنسا الثورية إلى تأمين حرف سعيد للأنظار. . 

وإذا كانت الثغرة العثمانية قد ست مؤقتّاء فإن تهديذا آخر يوشك على 
الظهور. فمنذ قرون؛ تتعرض الهند الشمالية لغزوات أفغانية حدثت الأخيرة منها 
في القرن الثامن عشر. والحال أن الروس قد وصلوا الآن إلى حدود أفغانستان. 
ومن الوارد إمًا أن يحفزوا هبوطا أفغانيًا جديذا [في اتجاه الهند] أو أن يسيروا هم 
أنفسهم في هذا الطريق ويوجهوا ضربة إلى بريطانيا العظمى في ما يُعتبر آنذاك 
ركيزة قوتها الاقتصادية»*تجارة الهند. وهذه التجارة لا تزال تجارة استيزاد 
للمنتجات القطنية إلى أوروباء استيراد «المنتجات القطنية الهندية» لا تصدير 
منتجات صناعية أوروبية. 


ان 


وفي اللحظة التي تنتصر فيها الثورة الفرنسية» يبدو أن الطريق البري إلسى 
الهند يحدد خط النزاعات الكبرى القادمة. 


الأوروبيون في العالم الإسلامي 

ليس نقد المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية الأوروبية سوى مرحلة فبي 
المراجعة التي قام بها التنوير للأداءات البشرية. ولا بد لهذه المراجعة من أن تمتد 
إلى مجمل البشرية ومن ثم إلى العالم الإسلامي في المقام الأول. فاليابان مغلقة 
وقلما تتوافر معلومات عنها. أما الصين فهي لا تزال بعيدة ج ذا وييدو أن 
ماندارينتها [ييروقراطيتها] هي النتاج النموذجي لنظام قائم على الجدارة» ومن هنا 
التقدير الإيجابي الذي تحظى به. والهند أرض التوسع الأوروبي» لكنها تندرج إلى 
حدّ بعيد بالفعل في العالم الإسلامي إذ تتواجه فيها الدول التي حلت محل سلطنة 
دلهي: 

وبسبب تكاليف التجارة بعيدة المسافة» فإن الفعل الأوروبي يظل تحت الإدارة 
المركزية من جانب شركات كبرى أوء بالنسبة للبحر المتوسط الفرنسي؛ من جانب 
الغرفة التجارية في مارسيليا. لكن الحدود الجغرافية تصبح غائمة؛ فهال تنتمسي 
السويس إلى التجارة المتوسطية أم إلى تجارة الهند؟ وفي فارسء تتنافس ثلاث 
شركات إنجليزية: شركة شرق البحر المتوسط (البحر المتوسط) والشركة الروسية 
(في موسكوقيا) وشركة الهند الشرقية. وعلى الحكومات الفصل في النزاعات بين 
هذه المصالح المتناقضة. 

وتنهار فارس الصفويين في دورة حروب أهلية حرْكت مشاعر أورويا. 
ويعاود الظهور قادة حرب كبارء مغامرون جاءوا من لا شيء. وكان قد جرى 
النظر إلى نادر شاه بوصفه فاتحًا عظيمًا جديذا بنى إمبراطورية عابرة. واستعادة 
القاجاريين للنظام» وهي استعادة متأخرة تماما في القرن» تبدو إلى حد بعيد غير 
مكتملة. وفي أوروبا التي يسود فيها التمدن بشكل متزايد باطراد؛ ييدو الشرق 
بأكثر مما في أي وقت مضى بوصفه الموقع الذي يمكن القيام فيه ب «أشياء 
عظيمة». وفكرة العنف الشرقي المتحرر من القيود الأوروبية تبشر بالرؤية 
الرومانتيكية للشرق؛ وهي احتجاج خيالي على كوابح التمدن الأوروبي المزعجة. 


م 


والثراء الهائل لبعض الأوروبيين في الهند عبر التجارة كما عن طريق الحرب 
يسمح بالحلم بشيء آخر غير الصعود الاجتماعي عن طريق العمل أو الادخار. 
وبما أن الوجود الأوروبي في الهند هو إلى حد جد بعيد وجود ذكوريء فإن هؤلاء 
المغامرين يشاركون عموما في مجتمع شرقي لا يشعرون بأي احتقار له ويتبنون 
عاداته بسهولة» كاتخاذ حريم جزئيًا على الأقل. وما هو معروف في أوروبا عن 
الحريم يغذي خيالات سرّية واحتجاجات على نظام أخلاقي وانضباطي بسبيله إلى 
القيام كما تغذيها المرويات المحكية عن السخاء الجنسي لنساء جزر المحيط 
الهادئ. وتنبني كل علاقة بين أوروبا والشرق ضمن هذه المراوحة بين التأخر 
المفترض والبائس وثراء أصالة متخيّلة» ندمًا على عالم لم يعد موجوذا في أورويبا 
أو لم يكن موجوذا فيها قط. 

على أن نهب الهند من جانب هؤلاء المغامرين ليس بإمكانه أن يدوم طويلاً. 
فالفضائح تصبح ظاهرة جذًا وإنجلترا تتطهر. وقد جرت محاكمات مجلجلة جرى 
فيها فضح كل الدناءات الأخلاقية والمالية. ويّْقام في الأراضي المفتوحة نظام 
ضريبي كفء نسبيًا. وفي عام 217١‏ يعاد تنظيم محاكم البنغال فيجري إنشاء 
محكمة عليا يرأسها بنغالي يساعده مسلم وهندوسي. وفي عام 217917 يتم تدشين 
قانون جديد يستلهم الممارسات البريطانية إلى حدّ بعيد. وبشكل لا مفر منه؛ تفقد 
شركة الهند الشرقية وظائفها التجارية وتتحول إلى جهاز دولة بينما يصل 
المبشرون البروتستانت الأوائل في عام 1747. فينتهي زمن المغامرين لصالح 
زمن الموظفين. ويؤدي الوجود الأنثوي البريطاني المتزايد إلى الإنهاء الحاسم 
للمساواة وللزيجات المختلطة مع الأهالي. ويصبح التباعد والانفصال [بين 
البريطانيين والأهالي الهنود] هو القاعدة. وفي تسعينيات القرن الثامن عشر هذه 
نفسهاء تبدأ صناعة النسيج البريطانية في الحلول محل منتجات المنسوجات الهندية 
في السوق العالمية. فتدخل الحرف الهندية الضخمة في سيرورة انهيار. ويتجه 
الاقتصاد الريفي إلى إنتاج مواد خام. فندخل في زمن التبعية. 

والحال أن الأمم الصغيرة (الجاليات) «الإفرئجية» في أساكل شرق البحر 
المتوسط وبلاد البربر لم تعرف زمن المغامرين هذا. فالتجار يحيون تحت السلطة 
الصارمة لقناصل مكلفين بالعمل على مراعاة الأخلاق العامة وتفادي أي صدام مع 


كا 


السلطات المسلمة. وهؤلاء المشارقة بالمعنى الدقيق للمصطلح. الأوروبيون 
المقيمون بشكل مستديم في الدولة العثمانية؛ يحيون في تداخل مع شريحة مهمة من 
الجماعات المسيحية المحلية. وقد تألف فعل الكرسي الرسولي اعتبارً! من القرن 
السادس عشر من إعادة فتح الاتصالات مع المسيحية الشرقية. وقد سعى المبشرون 
المنتمون إلى مجمع الدعوة إلى تنقية الممارسات الدينية من الخرافات القديمة كما 
إلى نشر الأشكال الجديدة لروحانية الإصلاح الكاثوليكي. ومما لاجدال فيه أن 
الإضافة كان لها أثرهاء حتى وإن كان الكاثوايك الشرقيون يعيدون تركيب 
الإسهامات الجديدة مع موروثاتهم الد الثفافية وحتى إن كانت النزاعات الأولى تنشأ 


حول التحول إلى أداء الطقوس باللاتينية. والنخب المسيحية هي أول من يقترب إلى 
التعليم الأوروبي الحديث ويشارك في الآليات الجديدة للتبادل ويلعب دور الوسيط 
بين أوروبا والعالم الإسلامي. 


وبينما لا يستطيع المسلمون ولا يريدون اجتياز الحاجز المتوسطيء؛ فإن 
مسيحيي الشرقء الروم والأرمن والعرب؛ يذهبون إلى أوروبا حيث فتحت لهم 
مدارس وأديرة. وهم يتعرفون قبل كل شيء على مجتمع مسيحي إيطالي وبشكل 
ثانوي فرنسي. وإذا كانوا يتلقون تعليمًا أوروبيا ذا مصدر إلهام إكليريكيء فإنهم 
ينقلون أيضنا المعرفة الخاصة بثقافتهم هم. والحال أن الكهنة الشرقيين هم أساتذة 
ومعلمو لغات للمستشرقين الأوروبيين. وعندما يعودون إلى بلدانهم» يشاركون في 
نهضة أدبية بلغاتهم الأصلية. ومع بداية نشر المطبوعات؛ يوجدون العناصر الأولى 
للنهضات الكبرى في القرن التاسع عشر. ٠‏ 

ومنافسوهم المباشرون هم غير المسلمين الآخرين» يهود العالم الإسلامي. إلا 
أنه إذا كان هؤلاء الأخيرون يحتفظون بصلات مع الجاليات اليهودية الإيطالية» 
فإنهم متأخرون كثيرا عن المسيحيين الشرقيين الذين يتمتعون برأس مال حداثة أهم 
بكثير وبشبكة علاقات مع أوروبا أوسع بكثير. وبشكل لا مفر منه؛ فإن المسيحيين 
يجردون اليهود من مواقع قوتهم في المنظومة الضريبية والمالية للدولة العثمانية. 
إلا أنه بما أن اليهود ليسوا على علاقة بالدول الأوروبية» فإن بوسعهم كسب ثقة 
بعض القأة المسلمين المنزعجين من رؤية هذا التعزز للروابط بين مسيحيي الشرق 
والأوروبيين. 


لا 


والرهان المباشر هو إعادة تشكيل التدفقات الاقتصادية. ققد شكلت 

الإمبراطوريات الشرقية الكبرى كيانات اقتصادية مكتفية ذاتيًا إلى حد بعيد يتفوق 
فيها التبادل الداخلي» على أي حال على التبادل الخارجي. وكانت تجارة أوروبا 
مع الدولة العثمانية في جائب كبير منها تجارة ترائزيت لمنتجات كبن اليمن أو 
المنسوجات الهندية. وقد انضمت إلى ذلك بعض المنتجات الغذائية والمنتجات 
الحرفية. والحال أن الأوروبيين قد قاموا خلال القرن الثامن عشر بزراعة البن فسي 
أميركا واستأثروا بتجارة الأقمشة الهندية. 

وسوف تؤدي التبدلات في شروط التبادل إلى إدخال تغيرات طويلة العمر. 
فالأوروبيون يشترون بشكل متزايد باطراد منتجات ومواد زراعية في مقابل 
منتجاتهم من المنسوجات المتأتية إلى حد بعيد من صناعات ريفية وحضرية في 
أوروبا الجنوبية أساسا. وانخفاض الكثافة السكانية لعالم الإسلام المتوسطي يسمح له 
بآن يكون مصدّرا للحبوب والأرز بينما تؤدي بداية الثشورة الصناعية في 
المنسوجات إلى زيادة الاحتياجات من القطن ثم من الحرير من دون فاصل زمئني 
كبير. وتنتج عن ذلك في البلدان المصدرة عودة اهتمام بالاستثمار في العالم الريفي 
تساعدها من جهة أخرى تغيرات في الضرائب الريفية (تمديد مدة الالتزام). وفي 
الإطار اللامركزي للدولة العثمانية؛ يشجع هذا التطور على ظهور سلطات 
ولاياتية قوية تَمَوَلَ جيوشها من خلال الالتزام وفرض ضرائب على التبادلات. وقد 
يكون النموذج الأولي لذلك هو أحمد باشا الجزار الذي يسيطر على المناطق 
الفلسطينية والسورية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر. وهو يظهرء بالنسبة 
للرحالة الفرنسيين» بوصّفه نموذج المستبد الشرقيء ليس فقط بسبب قسوته؛ وإنما 
أيضًا بسبب قسوة الضرائب التي يفرضها على الأجانب وتمسكه بالحفاظ على 
احتكارات مختلفة. 

وفي الخطاب الجديد للاقتصاد السياسي الأوروبي» فإن النظام الضريبي 
الشرقي باحتكاراته العديدة وملكية الدولة الشهيرة فيه للأرض» إنما يظهر بوص فه 
بشاعة جديدة من بشاعات الاستبداد الشرقي. ويرى واحد مثل فولني أن الحرية 
التي فاز بها سكان جبل لبنان بشق الأنفس ورفاهيتهم النسبية تعدان دليلاً إضانيًا 
على مآثر الليبرالية الاقتصادية. 


14 


مصير الدولة العثمانية 

غداة معاهدة 14 , يبدو محكوما على الدولة العثمانية باقتسامها فيما بين 
الدول الأوروبية. وعالمٌ الكتاب الاجتماعيين الأوروبيين يناقش مصيرها. والصورة 
المستخدمة بالشكل الأكثر اعتيادية هي صورة الشجرة الضخمة التي ينخرهماً 
السوس. فالبعض يقول إنها ميتة من الناحية العملية؛ واليعض الآخر يقول إنهقد 
يكون بوسع بستاني ذكي أن يساعدها على الازدهار من جديد بفضل عنايات 
حريصة. والجميع متفقون على الاعتراف بأن بقاء الوضع الحاضر قد يكون قاتلاً 
لها. وتلامذة روسو يدفعون المفارقة إلى حد الأسف على زوالها القادم. ويصبح 
التأخر في طريق التمدن البرهان على فساد أخلاقي أقل. فدورٌ النزاهمة الإسلامية 
هو إبراز الرياء الأوروبي. 

والحال أن الملكية الفرنسية متمسكة دومًا ببقاء الدولة العثمانية؛ ليس بعد 
بوصفها حلف مؤخرة ضد بيت النمساء وهو حلف لم يعد الأوان أوانه منذ انتقلاب 
التحالفات في حرب السنوات السبع؛ بل بوصفها أداة للحد من التوسع الروسي. 
وقيرجان» السفير السابق لدى القسطنطينية والوزير الحالي للشؤون الخارجية؛ 
يؤمن بإمكانية إصلاح عثماني. وهو يرسل بعثات عسكرية يتعين عليها في مرحلة 
أولى تحديث الدولة العثمانية وفي مرحلة ثانية خلق مؤسسات تعليمية سوف يتوجب 
عليها تمكينها من تدارك تأخرها عن أورويا. وهذه السياسة تَقَابَلَ بالترحيب في 
الأوساط الحكومية العثمانية المدركة لاختلال توازن القوى. ويجري إنشاء دار 
طباعة حكومية في عاصمة الدولة العثمانية في تواز مع المطبعة العاملة في سفارة 
فرنسا. وتجري ترجمة مراجع عسكرية ومؤلفات تبسيطية للعلوم. وبوسع الخبراء 
العسكريين الأوروبيين العاملين في خدمة الباب العالي الاحتفاظ بديانتهم وجنسيتهم 
الأصلية خلافا لمرتدي العصور السابقة. على أن عدذا معينا من المغامرين 
يتحولون إلى اعتناق, الإسلام لتكون حظوظ مسيرتهم العملية أفضل. وفي تسعينيات 
القرن الثامن عشرء تنشئ الدولة العثمانية لأول مرة سفارات دائمة في العواصم 
الأوروبية الرئيسية. وهي هناك لأجل متابعة مسار الأحداث السياسية في هذا 
العصر المضطربء لكنها ت تهتم أيضنا بالتحولات الاقتصادية الجارية. 

وسياسة الانفتاح هذه اتستثير معارضات عديدة. فالمؤسسات العسكرية القديمة 
كمؤسسة الإنكشارية مجادية عداءع عميقا لإنشاء وحدات جديدة تنافسها. وسلطات 


804 


الولايات المستقلة نسبيًا تخشى من سياسة تحديث سوف تنطوي لا محالة على 
إعادة مركزة على حسابها. وأخيراء فإن شريحة كبيرة من المؤسسات الدينية 
الإسلامية تمتنع عن أي استعارة من أوروبا. ويؤدي اتتلاف الساخطين إلى تكوين 


وتضطر السلطة في خطابها إلى إبراز تمسكها بالإسلام وتأكيد أن الإصلاحات 
الجارية إنما تستلهم أساسنا المؤسسات الأصلية للدولة العثمائية. وتؤدي التحوطات 
المتخذة إلى تقييد جدل الأفكار الذي يقتصر الآن على الدوائر الحاكمة 
للإمبراطورية. ْ 

وفي أوروبا التي تنهض الثورة فيهاء فإن التحليل السياسي الغالب قد ماهى 
هذه الطبقات الحاكمة العثمانية بسيطرة تركية؛ مماثلة إلى حدٌّ ما للطبيعة الجرمانية 
للنبالة الفرئسية. وهناك الأن فئة ثالثة عثمانية تتألف من شعوب خاضعة للطبقة 
العسكرية والإدارية التركية. والحال أن الفكر الأوروبي؛ بعد أن طمس في أوروبا 
روح مؤسسات النظام القديم القائمة على الوظيفيات الاجتماعية لصالح تفسير 
تاريخاني لأصل هذه المؤسساتء إنما يفسر المؤسسات الإسلامية بالشكل نفسه. 
ووحدهم أتباع روسو الموجودون في السلطة في عهد الإرهاب الثوري هم الذين 
يشبّهون الدولة العثمانية ب«ديموقراطية»» أي بنظام لا وجود فيه لأرستوقراطية 
وراثية» استحقاقية. والحق أن الدولة العثمانية هي الدولة الأوروبية الوحيدة التسي 
تحتفظ بعلاقات دييلوماسية مع الجمهورية حديثة المولد. ومن جهة أخرىء تقوم 
لجنة السلامة العامة بترجمة إعلان حقوق الإنسان ودستور العام الأول 
[للجمهورية] إلى اللغات الشرقية؛ وفي المقام الأول لغات العالم الإسلامي؛ الأمر 
الذي استدعى الانخراط في مشروع خطير قوامه ابتداع ألفاظ جديدة. ويطمح 
المؤتمر [اليعقوبي] ثم حكومة الإدارة إلى استعادة تحالف المؤخرة ضد النمساء بينما 
يطلب الباب العالي بالأخص ضمانات للوحدة الترابية للدولة العثمانية. وتستند 
صلاحية هذا التحالف قبل كل شيء إلى غياب قرب جغرافي بين الدولتين. 

والحال أن حروب الائتلاف الأول تؤدي إلى الإرجاء المؤقت للنتقاش بشأن 
مصير الدولة العثمانية. ويحلم بعض الفرنسيين بتحرير الهند من السيطرة 
البريطانية التي لا ترحم والميركانتيلية والأنانية. وتستفيد لندن من ذلك لكي تتهم 


8 


الدول الهندية المستقلة الأخيرة باليعقوبية» يما يمثل ذريعة عادية لمواصلة فتح شبه 
لقان وترى الأذهان الأخلاقية أن الفتح الاستعماري وفق النموذج البريطاني ليس 

غير إحلال لاستبداد محل استبداد آخر. وهو النظير الشرقي لاقتسامات يولنده التي 
تت على صفاقة الدول الكبرى. وحتى إذا كان البريطانيون يشرعون في صوغ 
خطاب استبداد مستنير لحكم استعماري صالح» » فإن هذا ليس غير صيغة بائدة لتيمة 
الاستبداد المُصلح. 0 

ويقترح الثوار الفرنسيون طريقا آخر لشرعنة التوسع الاستعماري؛ هو تحرير 
شعوب الشرق. وسوف تكون الحملة على مصر حقل اختباره. 


الحملة على مصر 
ينتهي التقاط الأنفاس الذي تتمتع به الدولة العثمانية بفضل حروب الائنتلاف 
ل ففي عام 7 وتخولي الجنرال الشاب على 
جمهورية البندقية وجزر البحر الإيوني التي كانت ند تنتمي إليها. . وتصبح الجمهورية 
الفرنسية جارة للدولة العثمانية. وعلى الفورء يرسل باشاوات البلقان الكبار رسائل 
تهنئة إلى «ساري عسكر الأمة العظمى». والحال أن هذه المودة العثمانية المقصود 
بها التعويض عن غياب بروتوكول مقرّر لمخاطبة جمهورية إنما يصبح الشعار 
لفرنسا ثورية تدخل في مرحلة توسع ترابي. . ويفكر بونابرت للحظة في تنظيم 
انتفاضة ليونائيي البلقان» ثم يبدأ في التفكير في فتح ممكن لمصر. 
وهذا المشروع ليس مناورة سياسوية لنظام مأزوم راغب في التخلص من 
جنرال مزعج؛ بل هو محصلة قرن من التأملات حول طبيعة المجتمسع الإسلامي 
ومراعاة تحولات الجغرافيا السياسية. والمبرر الأول هو مهاجمة إنجلترا في الهند: 
المصدر المفترض لقوتها التجارية. فما أن يستقر الجيش الفرنسي في السويس» 
سوف يكون بوسعه تنظيم حملة بحرية من شأن وصولها إلى الهند استثارة انتفاضة 
عامة ضد السيطرة البريطانية. وسوف يكون بالإمكان بعد ذلك التفكير في حملة 
على امتداد الطريق البري باستثارة حركة واسعة للشعوب التي سوف تجتاح نهر 
الإندوس. 
وإطار الإشارات هذا يسمح بفهم استخدام الدعوة إلى التحرر. ففي مرحلة 
أولى؛ سوف يجري التأكيد للمصريين على أن الحملة إنما تتم بالتفاهم التام مع 
لحن 


السلطة العثمانية الراغبة في التخلص من نظام المماليك المارق. إلا أنه إذا دخل 
العثمانيون الحرب» فسوف تجري عندئذ استثارة التمرد العام لشعوب الشرق. وهذه 
الرؤية الاستراتيجية تستند إلى المبادئ العامة لتحليل المجتمعات الشرقية؛ إلا أن ما 
يعززها هو رصد حركات التمرد ضد سلطات الولايات ذات الاستقلال النسبي 
كسلطة أحمد باشا الجزار في عكا أو البداية» غير المفهومة جيذاء للتوسع الوهابي 
في وسط شبه الجزيرة العربية (كان الرحالة الأوروبيون قد فسروه بأنه شكل من 
أشكال الربوبية المسلحة يميز ثقافة الصحراء). 
والابتكار الخاص الذي قام به بونابرت؛ علاوة على تركيبه الشخصي لأفكار 
القرن: هو الذهاب إلى أن الإسلام يحمل في ذاته محتوئ ثوريًا يمكن استخدامه 
ضد الفاتحين أو استخدامه؛ على العكس من ذلك؛: لصالحهم. وسوف يصور 
الفرنسيون أنفسهم على أنهم أعداء للمسيحيين» خاصة الكاثوليك» وسوف يكثرون 
من أشكال المراعاة حيال المرجعيات الدينية. أمّا بونابيرت نفسه فسوف يطرح نفسه 
على أنه رسول من الله؛ وذلك بما يتماشى مع رؤية رومانتيكية بالفعل للشرق. 
وسيتم كل ذلك باسم التمدين الذي يصبح الكلمة المفتاحية لخطاب الحملة. 
والتمدين هو إنماء المجال المفتوح بحسب قواعد السعادة الفردية والجماعية. 
وسوف يسمح النجاح الاقتصادي بالاستعاضة عن جور المنكر: والتي ييدو 
مصيرها هشا بشكل متزايد باطراد» وسوف يفضي إلى مستعمرة دائمة قائمة على 
تركيب فرنسي - عربيء وهو تعبيرٌ يظهر لأول مرة في التاريخ في عام 1711. 
والبعثة العلمية المرافقة للمشروع العسكري ستمثل عودة للعلوم والفنون إلى بلدها 
الأصلي. وعلاوة على العلوم الطبيعية لطبيعية» سوف تهتم هذه البعثة باكتشاف أسرار 
حكمة مصر القديمة وبيان كنت الحالة الحديثة للدولة» وهو مقدمة لا بد منها 
لأي مشروع للتمدين الجاري. 
وعلى الفورء ينظر البريطانيون نظرة جادة إلى الخطر الذي يتهدد طريق 
الهند. ويسارع رجال شركة الهند الشرقية إلى التصدي ل«اليعاقبة الشرقيين» من 
الدكان إلى الإندوس. ويحث الدييلوماسيون سلطان القسطنطينية على الدخول في 
الحرب وإعلان الجهاد ضد الفرنسيين الملحدين. وهم يطلبون إليه ياسم سلطاته 
المفترضة كخليفة أن يخاطب مسلمي الهند لتحذيرهم من وعود الفرنسيين الزائفة. 
فل 


6 
٠ 


وهكذا يرفع لواء الجامعة الإسلامية من دون أن يدري ذلك. وينضم النمساويون 
والروس إلى هذا الانتلاف الثاني الذي يصبح اتحاد الديانات المستندة إلى الوحي 
ضد الإلحاد الثوري. وحيال خطاب الدعاية الدينية هذاء يدعو بونابرت العرب 
بدوره إلى الانتفاض ضد النير العثماني. 

وبالنسبة للجماعات السكانية الشرقية؛ فإن هذه البلبلة الكلامية يتعذر فهمها. 
ومن المؤكد أن علماء القاهرة يرون في الأفكار الفرنسية إحياء للمادية القديمة 
لزنادقة عصور الإسلام الأولى؛ لكن جمهور المصريين يرى أن ما هو بإزائه 
بالدرجة الأولى هو سيطرة أجنبية مسيحية الأصل. وفي القسطنطينية» حييمث 
يعرفون أوروبا الحديثة معرفة أفضلء ينددون بمهابة بأفكار قولتير وروسو 
الكافرة» لكن التعبئة الشعبية تدور بالإحالة إلى الحروب البلقانية ضد النمساويين 
والروس وانتفاضات المسيحيين المحليين. على أن التعاون على مدار ثلاثة أعوام 
مع البحرية والجيش البريطائيين سوف يكون ناقلاً قويًا يساعد على دخول أشكال 
تسليح حديثة. 5 

وبالنسبة لمصرء كانت هذه الأعوام الثلاثة فترة رهيبة تميزت بالتدميرات 
والمأسي. وكما خلال كل احتلال» تجد بعض مكونات المجتمع الوسيلة للتكيف؛ بل 
للتعاون مع السيطرة الأجنبية. والبعض يعجب بالوسائل العلمية الجديدة وبالمطبعة؛ 
بل يهتم بإعادة تنظيم الإدارة التي يقوم بها الفرنسيون» خاصة في مجال الضرائب. 
لكن أعوام 11744 - ١8٠01‏ هي بالدرجة الأولى ذروة زمن متاعب بدأ قبلها 
وسوف يستمر بعدها. ٠‏ ْ 

وتخرج الجغرافيا السياسية للعالم الإسلامي من حروب الائتلاف الثاني هذه 
وقد تحولت بالكامل. فبقاء الدولة العثمانية يمر بدمجها في توازن أوروبي يمتد الآن 
إلى الهند من زاوية الطريق البري إليها. وأي تعديل نعلاقات القوى المحلية سوف 
يؤخذ في الحسبان في سياسة الدول الأوروبية. وسوق يرى الزعماء السياسيون 
المحليون ضرورة التكيف مع هذه المعطيات الجديدة أو طلب حمايات أوروبية. 
وهكذا فإن بشير الشهابي الثاني أمير الجبل اللبناني» سوف يجري تكريسه في 
منصبه تكريما لرفضه الانضمام إلى الفرنسيين أعداء المسيحيين وعلى الرغم من 
عداء عدوه التقليدي, أحمد باشا الجزارء رفيق البريطانيين في السلاح مع ذلك في 


ناكل 


المعركة الحاسمة لحصار عكا في عام 1744. وهكذا فإن شرط البقاء السياسي 
إنما يمر عبر دمج على مستوئ عام في النظام السياسي الأوروبي وعبر تغلغل 
سياسي أوروبي على المستوى المحلي. وسوف يرصد الإخباريون المحليون هذا 
الواقع الجديد مشيرين في مروياتهم إلى وصول أنباء المعارك النايوليونية الكبرى؛: 
في حين أن الحروب الأوروبية في القرن الثامن عشر لم تجد إشارة إليها. 


العالم الإسلامي في زمن الحروب النايوليونية 

كان مصير الدولة العثمانية هو المسألة الجيوسياسية الكبرى في أواخر القرن 
الثامن عشر. وليس غريبًا بالمرة أن هذا المصير يشل كامنا في الحروب 
النايوليونية. وكانت الذريعة المباشرة للتحلل من صلح آميان في عام ١١”‏ هي 
آأثار الحملة الفرنسية على مصرء إذ رفض البريطانيون الجلاء عن مالطة الذي 
كانوا قد تعهدوا به [بموجب هذا الصلح]. وفي مصرء يقومون بدعم المماليك ضد 
محاولات استعادة السيطرة العثمانية» لكنهم يحترمون تعهدهم بالجلاء عن مسصر. 
والسياسة البريطانية تعرقلها التعقيدات الأوروبية. وتضطر لندن إلى مراعاة جانب 
روسيا كي تحثها على الدخول في الائتلاف الثالث ضد فرنسا مع تأمينها صون 
الطريق البري إلى الهند ضد الخطر الروسي الذي يجد تعبيرًا ملموسنا عنه في 
تعديات عديدة في البلقان العثمانية. وفي عام ©1860: تجبر لندن العثمانيين على 
عدم الاعتراف باللقب الإمبراطوري لنايوليون» ومن هنا قطع العلاقات الدييلوماسية 
مع فرنسا وتزايد النفوذ الروسي في الدولة العثمانية. وبعد معركة أوسترلتز؛ يقلدب 
السلطان سليم الثالث التحالفات معترفا بنايوليون كإمبراطور. ويدعم الروسْ 
الانتفاضات الصربية وفي عام 1.٠١5‏ يدخلون في حرب ضد العثمانيين فيفزون 
إمارتي قالاكيا ومولداثيا الرومانيتين. وهم يتمتعون بدعم البريطانيين الذين 
يحاولون القيام بعملية بحرية ضد الدردنيل وبحر مرمرة. وبما أنهم قدجرى 
صدهم؛ فإنهم ينزلون عندئذ في مصر في مارس/ آذار 07١18»؛‏ لكن سيد البلدء 
الالبائي محمد علي؛ يجبرهم على الرحيل. .. 

وفي تيلسيت (/ يوليو/ تموز 7١18)؛‏ يتخلى نابوليون عن الحلف العثماني. 
وسوف تستمر الحرب الروسية - العثمانية بصورة متقطعة حتى عام 7١18ء‏ بينما 

8 


يعقد البريطانيون الصلح في يناير/ كانون الثاني 2١186١4‏ فارضين إغلاق المضائق 
على الأسلحة البحرية الأوروبية في وقت السلم. وبفضل التهديد الفرئسي» يحصل 
العثمانيون على معاهدة صلح مفيدة في بوخارست في مايو/ أيّار 1417. ولا تفقد 
الدولة العثمائنية سوى بيسارابيا وتستعيد الإمارتين الرومانيتين مع تعهدها 
بالاعتراف بالحكم الذاتي الصربي. 

وبشكل موازء نجد أن استعادة سلطة قوية نسبيًا في فارس مع صعود سلالة 
القاجاريين الملكية إنما تفتح جبهة جديدة هي جبهة القوقاز. فالفرس يحاولون 
استعادة سيادتهم التي فقدوها على مملكة جيورجيا. وهذه الأخيرة تستغيث بالروس 
الذين يضمون المملكة في عام .١18٠١١‏ وفي عام 2186٠١7‏ يحاول فتح على شاه 
الدخول في اتصال مع الفرنسيين. وفي عام ٠05‏ 1؛ تجد التقدمات الروسية تجسيذا 
ملموسا لها في احتلال باكو وداغستان. وفي عام 2181١7‏ تسجل معاهدة جولستان 
الغامضة فقدان جيورجيا وشمالي أزيربايجان. وعندئذ نفهم إرسال سفارات عثمانية 
وفارسية إلى أوروبا الوسطى لبحث التحالف ضد روسيا غداة معركة أوسترليتز. 
وتؤدي معاهدة فينلكشتاين إلى جعل فرنسا ضامنة لوحدة تراب الإمبراطورية 
الفارسية إذا ما قامت هذه الأخيرة بمحاربة البريطانيين والروس. وتنهي تيلسيت 
تقلبات الأهواء هذه. وفي تلك اللحظة» تظهر بريطانيا العظمى بوصفها الملاذ ضد 
روسيا متحالفة مع نابوليون. وتجعل معاهدة طهران في عام ١48١5‏ من فارس 
درغ الهند البريطانية في مقابل مساعدة من جانب لندن؛ من جانب شركة الهند 
الشرقية في واقع الأمر. . 

ويستخدم نايوليون حروب الشرق هذه لحرف اتجاه القوة الروسية؛ مع سعيه 
إلى تفادي استيلاء الروس على القسطنطينية. بل إن إمبراطور الفرنسيين يفكر في 
حملة جديدة في الشرق قد تشهد زحف الجيش الفرنسي على الهند بالاتفاق مع 
العثمانيين والفرس. لكن حرب إسبانيا تنهي هذه المشاريع. وخلافا لأسطورة 
راسخة ومقيمة سوف يكون لامارتين المروج الرئيسي لهاء فإن نايوليون لم يفكر 
قط في دعم تمرد عربي وهابي المصدر بإرسال عملاء إلى الشرق الأدنى للتحرك 
في هذا الاتجاه. وبالمقابل» جرى تنظيم بعثات استطلاع إلى المغرب مكلفة بدراسة 
إمكانية القيام بحملة عسكرية هناك. لكن هذه البعثات لم تتخط إطار دراسات لا 
أكثر. 

8 


وفي هذه الفترة؛ تحاول الإيالات المغربية الاندراج في التجارب المتوسطية 
التي قلبت أحوالها الحروبُ الفرنسية - البريطانية واختفاء البحريات التجارية 
للبندقية وراجوساء على أثر احتلال الفرنسيين لهاتين المدينتين- الدولتين. لكن 
الأوروبيون لا يرجون رؤية سفن تجارية إسلامية في موانئهم وسوف يفعلون كل 
شيء لتفادي هذا الخطرء بينما يقبلون تطور بحرية يونانية تحت علم عثماني. 
وبمجرد انتهاء الحروب النابوليونية» تجد البحريات التجارية المغربية نفسها. 
ممنوعة من دخول الموانئ الأوروبية وتحاول الإيالات المغربية العودة إلسى 
القرصنة التقليدية. لكن هذه الأزمنة كانت قد انقضت. ومنذ عام 148٠07‏ كان 
البريطانيون قد حظروا تجارة العبيد بسبب صعود تيار إنجيلي يروت ستانتي قوي 
جعل من هذا الحظر شعاره. ويقوم مؤتمر قيينا في عام ١8١1©‏ بتعميم الحظر و؛ 
لأول مرة» تقرر أوروبا قاعدة عالمية. والحال أن العبودية كانت المحرك 
الاقتصادي الرئيسي للقرصنة المتوسطية؛ المسيحية كما الإسلامية» وينقضي الآن 
زمن معاهدات الحماية المختلفة» بل والتواطؤء مع الإيالات. 

والمتطلع الآخر إلى تجارة البحر المتوسط هو البحرية التجارية للولايات 
المتحدة التي تستفيد من وضعيتها المحايدة (حتى عام ١8١7‏ على الأقل). لكن 
الأميركيين لم يوقعوا معاهدة حماية مع الإيالات؛ ومن هنا تعرضهم للقرصنة 
المغربية. وإذ لا ترى الولايات المتحدة فرقا بين قرصنة وأخرى» فسوف تنخرط 
في حملات ضد الإيالات وسوف تتزود بأسطول حربي دائم7). وذلك هو الاتصال 
الأول للأميركيين بالعالم الإسلامي. وغداة صلح جائد في 74 ديسمبر/ كانون 
الأول ١8١54‏ الذي ينهي الحرب الأنجلو - أميركية؛ يعلن الأميركيون الحرب على 
إيالة الجزائر'. وفي يونيو/ حزيران 5١181؛‏ يدمر الأسطول الحربي الأميركي 
جزء! كبيرًا من البحرية الجزائرية ويفرض معاهدة تلغي كل شكل من أشكال 
الإتاوات وتسمح بتبادلات للأسرى. وفي يوليو/ تموزء تضطر إيالتا طرابلس 
الغرب وتونئس إلى ضبط حركتهما في هذا الاتجاه. 

وفي ربيع عام 230815 يُكلف أسطول اللورد إكسماوث البريطاني بإبلاغ 
الإيالات بقرارات مؤتمر قيينا. وهو يدفع فدية باهظة لإخلاء سبيل عدد معين مسن 
المخطوفين الأوروبيين ولا يتوصل إلى إنهاء العبودية والقرصنة. وبما أن النتيجة 

وم 


قد اعتبرت غير مُرضيةء فإن الأسطول البريطاني معزّزا بقوة هولندية إنما ينطلق 
للهجوم في أغسطس/ آب .18١5‏ وفي 78 أغسطس/ آب» يؤدي قصف رهيب 
بالمدافع والقذائف إلى إسقاط عدة مئات من الضحايا في مدينة الجزائر. وتضطر 
الإيالة إلى الرضوخ وإخلاء سبيل المخطوفين وإنهاء استعباد الأوروبيين ودفع 
تعويضات عن الحرب. على أن النزاع ينشب من جديد في العام التالي. ويقوم 
مؤتمر إكس - لا- شايل في نوقمبر/ ت تشرين الثاني بإنشاء «عصبة» 
أوروبية مهمتها إنهاء القرصنة. فتذعن طرابلس الغرب إذعانا نهائيّاء بيئما تحتفظ 
الجزائر وتونس بدعاواهماء لكن قرصنتهما ميتة في واقع الأمر. وسوف يعرف 
البحارة المغاربة صفحتهم الأخيرة في التاريخ بالخدمة في الأسطولين المسصري 
والعثماني خلال الانتفاضة اليونانية. وسوف تسعى الإيالات إلى الحفاظ على بقائها 
بتعزيز تحصيلاتها الضريبية وبمحاولة الانخراط في التجارة الداخلية لأفريقيا 
لفنها تطل مخ الك يرقة وهة يكل رقهيا في مولجية الترمع الاوروايو' 

وهكذا ينتهي تاريخ متعدد القرون للبحر المتوسط. 

والحال أن نزاعات العقد الأول من القرن التاسع عشر هذه با تكمة 
الرهانات المباشرة للمسألة الشرقية: صربياء الإمارات الرومانية» حرية الملاحة في 
المضائقء التقدم الروسي في القوقاز. ومصير الدولتين المسلمتين الكبريين 
الأخيرتين يرتبط ارتباطا مباشرا بجهازهما العسكري. وقد سعى السلطان سليم 
الثالث إلى بناء جيش جديدء نظام جديدء بتسليح وانضباط وفق النمط الأوروبي مع 
اضطراره إلى الحفاظ في تواز مع ذلك على المؤسسات العسكرية القديمة 
كالإنكشارية المرتبطين ارتباطا وثيقا بطوائف الحرف وبالعلماء. وعدم تناسب 
القوى مع الدول الأوروبية يفرض اللجوء إلى التجنيد الذي يتم فرضه في البداية 
بشكل جزئي على المسلمين الأناضوليين في عام 1807. وعندما يحاول السلطان 
فرضه في البلقان في عام 75»؛ سيعترض الوجهاء المحليون على ذلك 
وينتصرون. . وتلك مقدمة خلع سليم الثالث في العام التالي على أيدي المحافظين. 
وتعقب ذلك فترة رجعية ضد الإصلاحات تتلوها حرب أهلية. وفي عام 18١/8‏ 
يتغلب المصلحون مُنصبين على العرش محمود الثاني. ويتعين على هذا الأخير 
التصرف بحكمة حيال المحافظين المسارعين إلى العصيان. وهو يتمسك باستعادة 


م 


وحدات الجيش الجديد كيما يخلق لنفسه قاعدة سلطة حقيقية وإن كان يُكثر من 
إشارات الاحترام للمؤسسات الإسلامية. فهو ينشئ مساجد جديدة وأوقافا خيرية 
جديدة. ويتعين عليه أن يفصل في الأذهان بين المحافظين والذود عن الدين 
الإسلامي. 

وفي فارسء لا يتمتع القاجاريون بسلطة كهذه. فالشاهات القاجاريون على 
الرغم من رغبتهم في طرح أنفسهم في صورة ملوك يمارسون الحكم المطلق؛: إنما 
يضطرون إلى الدخول دومًا في مساومات مع الاتحادات القبلية القوية التي تتمتع 
بقوات مسلحة ملحوظة. والولايات يحكمها أعضاء من السلالة الحاكمة يميلون إلى 
التصرف بشكل مستقل نسبيًا. ومن ثم فإن السلطة المركزية ضعيفة نسبيًا على 
الرغم من دعاواها. وحيال الخطر الروسيء يحاول الشاه التزود بجنين جيش حديث 
بالاعتماد على فارين من الجيش القيصريء ثم بالاعتمادء بشكل عابرء على بعثة 
عسكرية فرنسية في عام 1807 (بعثة جاردان). واعتبارا من عام :١805‏ يجري 
اللجوء إلى ضباط بريطانيين. وبعد عام 1818 سيجئ الدور على ضباط 
مسرحين من الجيش النايوليوني. والحال أن غياب فعل منهجي وغياب إصلاحات 
متوازية للدولة وللمجتمع إنما يجعلان هذه الأعمال عبثية إلى حدٌ بعيد. 

والمنازعات القديمة بين فارس والدولة العثمانية والخلافات بين السئة والشيعة 
تحول دون أي فعل مشترك بين الدولتين المسلمتين الكبريين. ثم إن القاجاريين 
سوف يقومون في أعام بإطلاق الحرب الفارسية - العثمانية الأخيرة الممتدة 
من الأناضول إلى العراق. وبعد نجاحات أولية» ستخرج جيوشهم من الحرب وقد 
أضعفتها الكوليرا. و تستعيد معاهدة أرضروم في 78 يوليو/ تموز ؟*867 مسن 
الناحية النظرية 0 الترابي السابق وإن كانت ستترك منازعات حدودية سوف 
يُعاد تتشيطها في القرن العشرين. 

ويظل الرهان الهندي بُعذا مستديما من أبعاد الجغرافيا السياسية في مستهل 
القرن التاسع عشر. وحتى عام 218٠4‏ نجد أن شركة, الهند الشرقية؛ متذرعة 
بالخطر الفرنسي؛ قد قامت بتوسع ترابي قوي تلته فترة عشر سنوات من توطيد 
المواقع. والهند تشكل بالفعل مستودع جنود. فعندما جرى ضم هولتده إلى 
الإمبراطورية النابوليونية» فإن قوات هندية هي التي تحتل الممتلكات الهولندية في 


8 


إنسولنديا. كما أنها تساعد في الاستيلاء على ريونيون وجزيرة موريشيوس. وبعد 
عام 2١8١5‏ يجري استثئناف التوسع وتمتد حدود الممتلكات البريطانية إلى 
الهيمالايا وإلى وسط الهند. ْ 

وإذا كان فكر التنوير قد عرف الدول الإسلامية على أنها استبدادات عسكرية» 
فإن شركة الهند الشرقية إنما تصبح التجسيد الأكمل لهذا. وفي عام 218١7‏ تفقد 
احتكارها للمعاملات التجارية» وهو الاحتكار الأكثر مراعاة منذ وقت طويل» 
وتصبح أسامنا جهاز! لجباية الضرائب يستند إلى جهاز عسكري ويستبعد الهنود 
بشكل متزايد من مسؤوليات السلطة. وهي تجد نفسها خارج المجتمع تماماء حتى 
وإن كانت تحتاج على المستوى المحلي إلى تعاون من جانب الوجهاء. وبما أنها لا 
تملك أي مشروعية: فإنها ترعى خرافة الإبقاء على الإمبراطورية المغولية في 
دلهي. وبما أنها ركزّت لصالحها الوظيفة العسكرية؛ فإنها تنزع سلاح شبه القارة 
الهندية بعد حروب الدول التي حلت محل الإمبراطورية المغولية. وجيشها من 
السيباي [الفرسان» السباهيين] يجند عناصره من صفوف عدد معين من الفئات 
المغلقة على نفسها ومن الإثنيات الهندوسية أو المسلمة» لكن أبناء البلد لا يمكنهم 
تخطي رتب ضباط الصف. 

وتود الشركة احترام كل العبادات وهي معادية بالأحرى للتبشير 
البروتستانتي. إلا أننا كلما تقدمنا في القرن» سوف يتأثر بريطانيو الهند بال 
ندم («الإحياء») البروتستانتي في بريطانيا العظمى وسوف يميلون؛ خاصة في 
صفوف الضباط؛ إلى أن يكونوا معادين لديانات البلد ومن هنا التوتر المتزايد مسع 
المتعاونين والخدم الهندوس والمسلمين. 


ل 


الفصل الثاني 


تمدين أم فتح ؟ 


تمدين مصر | 

في مصرء في عام ©2180 يتولى السلطة محمد عليء قاد الفرقة الألبانية: 
مزيخا الوالي العثماني بدعم من أعيان القاهرة. ويضطر الباب العالي إلى 
الاعتراف بهذا الانقلاب. والحال أن الوالي الجديد الذي يسميه الأوروبيون بنائدب 
الملك إنما يؤسس شرعيته في عام 18017 بطرده الإنجليز. وهو يتمكن تدريجيًا من 
استعادة فرض النظام ويقضي نهائيًا على المماليك في عام .١18١١‏ وهو يطمح إلى 
أن يكون مؤسس إمبراطورية إسلامية وأعماله الأولى تمضي في هذا الاتجاهء فهو 
يفرض احتكار الدولة للأرضء» ويفرض رقابة قوية على المعاملات الاقتصادية. 
وهو ينهي انحراف الالتزامات الآخذة بالتحول إلى ملكيسات خاصة حقيقية. 
وبالإمكان تفسير هذه السياسة بأنها إحياءً للأشكال السلطوية للدولة الإسلامية 
التقليدية. وقياسا إلى المصلحين التقليديين للدولة العثمانية: فإنه يتمتع بميزة البدء 
من العدم الناجم عن زمن طويل من المتاعب؛ وهو يستند إلى رجال بيته المؤف 
من ترك وألبانيين وشراكسة: كما يستند أيضنا إلى مسيحيين أقباط وأرمن. ورجال 
البيت هم بالدرجة الأولى عثمانيون ثقافة ولغةء وإذا كانوا يدعمون رغبة قائدهم في 
الاستقلال الذاتيء فإنهم إنما يفعلون ذلك ضمن الهدف المتمثل في إقامة إيالة مستقلة 
مشابهة لإيالات بلاد البربر. 

وشأن جميع القادة المسلمين في عصر محمد عليء فإن الشاغل الرئيسي لهذا 
الأخير هو بناء قوة عسكرية حديثة. وفي مرحلة أولى» يحاول فرض انضباط جديد 
على الوحدات العسكرية التقليدية» لكن النتائج ليست مرضية بما يكفي؛ على السرغم 
من استخدام مستشارين عسكريين أوروبيين» خاصة قدامى محاربين في صفوف 


ه١‎ 


الجيش النايوليوني. وبعد أن فك في إنشاء جيش من عبيد سود ينتهي إلى 
الاضطرار إلى اللجوء إلى سكان وادي النيل الذين يسمون عموما بالفلاحين» حتى 
في حالة السكان الحضريين. وهنا أيضناء لا يفعل سوى الاقتداء بالمثل الذي ضربه 
سليم الثالث؛ لكن وضع مصر الخاص يسمح له ذفعة واحدة بالتمع بقوة ذات كفاءة 
بشكل خاص. 

والحال أن الحكومة العثمانية؛ التي لا تثق به؛ تضطر مع ذلك إلى أن تطلب 
منه محاربة التوسع الوهابي شديد الخطورة على بقاء الإمبراطورية. فتتكدشف 
حرب بلاد العرب التي خاضها ابنه إبراهيم باشا عن سلسلة من الحملات الظافرة 
تنتهي في عام 181١08‏ بالقضاء على الدولة الوهابية الأولى. وبما أن محمد علي قد 
أصبح الآن سيد وسط شبه الجزيرة العربية والمدينتين المقدستين في الحجاز» فإنه 
يتجه إلى السودان الذي يدور فتحه بسرعة بين عامي .1452991485١‏ وهكذا 
يسيطر على ضفتي البحر الأحمر» الأمر الذي لا يمكنه إلا أن يزعج البريطانيين 
الذين يعتبرونه منذ البداية عدوًا. وليس من شأن وجود حاشية من المستشارين 
الفرنسيين حوله إلا أن يعزز هذه المخاوف. 

وقد لجأ محمد علي بشكل متزايد باطراد إلى مستشارين أوروبيين» إيطاليين» 
وفرنسيين بالأخص. وهو لا يعطيهم أي وظيفة في السلطة» فيما عدا من يتحولون 
إلى اعتناق الإسلام ويصبحون أعضاء في البيت ك«الكولونيل» سيف الشهير: 
سليمان باشا. والحال أن محمد علي» وهو رجل يتميز بذهنية براجماتية بدرجة 
عميقة» إنما يدرك أهمية الوقوف على ما يدور في أوروباء وليس فقط في المجال 
السياسي. ويصبح القناصل الأوروبيون والرحالة محاوريه الدائمين. وبتحدثه معهم: 
أدرك أنه لا يجب عليه مجرد السعي إلى الحصول على معلومات؛ بل يجب عليه 
أيضنا ممارسة عمل دعائي موجه إلى الرأي العام الأوروبي. وقد كان بهذا أول 
رئيس لدولة مسلمة يرغب في ردّ خطاب أوروبا إليها وجعله وسيلة للفعل 
السياسي. ونحو عام 2187١‏ يمسك بتيمة التمدن لكي يؤكد أنه مدعرٌ إلى إرساء 
أسس التمدن في مصرء وهو أمر ليس من شأن الأمم الأوروبية أن تكون عديمة 
المبالاة به. وفي الأعوام التالية» يمضي القائمون بالدعاية له في فرنسا إلى حد 
مقارنته بنايوليون الذي قد يكون مُواصلاً لعمله في الشرق. 


4.5 


فندخل على قدم المساواة في منطق علاقات ثقافية بين أورويا والعالم 
الإسلامي. فأوروبا تصوغ خطابًا معينا عن الشرق يتغذى عمومًا بشواغل خاصة 
بمستقبل أوروبا. والشرق يتلقى هذا الخطاب الذي يُعَدُ بالنسبة له» في مرحلة أولى؛ 
غير مفهوم نسبيّا. ثم يستعيده لحسابه سعيًا إلى صوغ صيغة لفعله تكون متماشية 
مع التفسير الغربي. ولا تتوقف هذه السيرورة عند هذا الحد. ففي أواخر عشرينيات 
القرن التاسع عشرء يرسل محمد علي البعثة المدرسية المصرية الأولى إلى فرنساء 
وهي بعثة مؤلفة من شبان البيت. والفلاح الوحيد فيها هو إمام البعثة» وهو شاب 
أزهريء؛ هو رفاعة الطهطاوي» ويجري استقبال البعثة بحفاوة من جانب قدامى 
المنخرطين في الحملة الفرنسية على مصر والمستشرقين الفرنسيين الذين كان 
سيلقستر دو ساسي أشهرهم. وتشهد البعثة أحداث عام 187٠١‏ وقيام ملكية يوليو/ 
تموز. ولدى عودة الطهطاوي إلى مصر في عام ١‏ 6؛ يكتب كتابه تخليص 
الإبريز في تلخيص باريز» وهو عبارة عن لوحة لفرنسا. وفي الصفحات الأولى 
من الكتاب» يسعى إلى أن يحدد بالعربية مفهوم ال 00111580000 وبعد أن عرض 
عدة كلمات مقابلة» وقع اختياره على كلمة التمدن للتعبير عن السيرورة التي يعنيها 
المفهوم. والمصطلح العربي يحيل إلى فكرة الاستقرار والحياة المدينية. ويحدد 
الطهطاوي في مؤلفاته اللاحقة المفهوم والذي لا يتمثل عنده في القطبية الثنائية بين 
الفرد والجماعة كما عند المفكرين الأوروبيين» بل يتمثل في اتحاد العقل البشري» 
الذي يندج العلوم والمعارف» مع الوحي الإلهي الذي يحدد قواعد الحياة في 
المجتمع. وهكذا يصوغ مفهوم التمدن الإسلامي والذي سيصبح مفهوم المصلحين 
اللاحقين في العالم الإسلامي. والحال أن هؤلاء المصلحينء إذ يرغبون في الحفاظ 
على ما هو جوهريء وهو الأمة الإسلامية؛ إنما يتعرضون لخطر آخرء هو خطر 
الاكتفاء بمجرد توظيف للعلوم والتقانات من دون أن يأخذوا في حسيانهم المنطق 
الكامن في أساس هذه العلوم والتقانات ومن دون امتلاك ناصيتها بالفعل. 

وكانت الملكية التي عادت إلى الحكم في فرنسا في عام 1415 قد انخرطت 
في سياسة متوسطية كبرى جد مشوشة ومتناقضة أحيانا. فهي تسعى إلى الحفاظ 
على مكانة فرنسا بعد كوارث أواخر العصر النايوليوني وتتخذ بذلك شكلاً ثائيِا من 
أشكال الشرعية. وبما أن من غير الوارد القيام بمغامرات في أوروباء فإن الفضاء 

لا 


المتوسطي يصبح المتنفس. وفي هذا السياق؛ تظهر مصر محمد علي بوص فها 
مفاجأة سعيدة برغبتها في الاندراج في امتداد للحملة الفرنسية السابقة. فقتجري 
مسائدتها على المستوى الدييلوماسي ويجري تسهيل إرسال المستشارين إليها (وهو 
ما يسمح أيضنا بالتخلص من رجال مشتبهين بالبونابرتية). 

وبالنسبة لجيل الرومانتيكيين الشاب؛ فإن الشرق السائر في طريق التمدن 
إنما يبشر بأمور عظمىء وهو ما يشير إليه ثيكور هيجو في مقدمة كتابه 
شرقيات في يناير/ كانون الثاني 48« «القارة كلها ميالة إلى الشرق. سوف 
نشهد أمورًا عظمى. وقد لا تكون الهمجية الآسيوية القديمة محرومة من رجال 
أرقى مما تود حضارتنا أن تتصور. ويجب أن نتذكر أنها هي التي أنتجت العملاق 
الوحيد الذي يمكن لهذا القرن مقارنته ببونابرت؛ إن كان يمكن مع ذلك أن يكون 
لبونابرت قرين ؛ فهذا العبقريء التركي والتتري في الحقيقة» علي باشا هذاء 
الذي هو بالنسبة إلى نايوليون كالنمر بالنسبة إلى الأسدء وكالنسر بالنسبة إلى 
العقاب». 

والشرق الإسلامي يسهم بحصته في «الرينسانين الشرقي» الواسع المميز 
للأدب والفكر الأوروبيين في العقود التالية لمعركة ووترلو. والمكون الرئيسي له 
نابع من اكتشاف القرابة فيما بين اللغات الهندو- أوروبية» والتي يبدو أنها تقدم 
المفتاح لفهم تاريخ آسيا القديمة ومن ثم تاريخ أصول أوروباء كما لو أن الشرق هو 
«الأصل» (مج0/ :ه01 في اللغة اللاتينية)؛ بأكثر مما في أي وقت مضبى. 
وتستعيد نظرية الغزوات قوتهاء مع صوغ الأسطورة الآرية: بوص فها [أي 
الغزوات] محرك التاريخ. ويؤدي اكتشاف نقاء الأصول الهندية إلى طرح وجود 
الإسلام في الهند بوصفه اختراقا من جائنب عنصر غريب حَوّل تاريخها. والحال 
أن هذا التفسير للتاريخ الهندي» والذي يتجاهل إلى أي مدئ اكتسب الإسلام في 
الهند طابعًا هنديّا يدرجة عميقة - ولو لمجرد اندراجه في نظام الفنات المغلقة على 
نفسها-. سوف تستعيده فيما بعد نزعةً قوميةً هندية جذرية ترفض الإسلام بوصفه 
عدوانا على النقاء الهندي. 

وقد قبل الأوروبيون نظرية الغزوات بسهولة خاصة أنها تبرر كل مشروع 
استعماري بوصفه متماشيًا مع مألوف تاريخ العالم القديم. 

4 


وفي العالم الأوروبي الآخذ في الدخول في الثورة الصناعية»؛ يؤدي النسق 
الأخلاقي للحضارة البورجوازية الحديثة إلى تنشيط استيهام الإفلات في الشرق 
حيث قد يكون بالإمكان إشباع الرغبات والأهواء من دون ضابط. وهذا الاستيهام 
موجود على حدٌ سواء في الرسم الاستشراقي للرومانتيكيين الأوائل الذين يبتدعون 
نماذج كتبّ لها البقاء حتى أيامناء كما في كتابة روائيين كألسكاندر ديما الذي كتب 
الكونت دو مونت كريستو. وإلى جانب أدب الحلم هذاء سوف تتطور أجناس 
روائية مستمدة من مرويات الرحلة حيث سيجري البحث عن أصالة أعظم 
بالاندراج في شخصية الشرقي نفسه. والحال أن البريطانيين» كجيمس موريير أو 
ريتشارد بيرتون فيما بعد سوف يتميزون في هذا المجال الذي نجد فيه من جديد 
جوبينو الذي كتبْ حكايات آسيوية. 

وفي أوروبا يعمها السلام» فإن جاذبية الشرق هي أيضنا جاذبية العشف الذي 
حظرتة أوروبا بعد انتهاء الحروب النايوليونية. وهكذا فإن الشرق هو أرضّ يمكن 
فيها للمغامرين الأوروبيين أن يجدوا تحققهم الفرديء إِمّا بالبحث عن السلطة أو 
الفعل العسكريء أو بالتنكر في مظهر شرقيّ بهدف الاستكشاف العلمي. ومن 
عملاء بريطانيين في اللعبة الكبرى يواجهون الروس في أآسياء إلى مكتشفين 
لأماكن محرّمة كبيرتون الذي يذهب إلى مكة متنكرا في صورة حاج مسلم أوء فيما 
بعدء قامبيري الذي يزور أسيا الوسطى متنكرًا في صورة درويشء تتشكل 
ميثولوجيا غربية خاصة بتخطي حاجز الأجناس الفاصل عن الشرقيين. والحال أن 
هذه الشخصية الجديدة» شخصية المغامر المتخطي للحدود؛ وقد أصبحت تيمة أدبية 
قوية» سوف تفضي في القرن العشرين إلى تجربة ت. !. لورانس المثيرة. 


لايقينيات مبدأ القومية: 
اليونان 
أعاد مؤتمر قيينا مبدأ الشرعية بوصفه المبدأ الحاكم للعلاقات الدولية. وقد 
ظلت الدول ملكية الملكيات ولم يتم قبول مبدأ التمثيل السياسي للمحكومين على 
أساس حق الانتخاب إلا بالنسبة لبريطانيا العظمى وفرنساء المعرقتين بذلك كدولتين 
ليبراليتين قياسا إلى الحكم المطلق السائد في بقية أوروبا. والحال أن الشورة 


ه.: 


الفرنسية كانت قد طرحت الأمة بوصفها مجموع مواطنين يؤلفون الشعب. وكانت 
الجمهورية قد أصبحت؛ في مرحلتها التوسعية؛ الأمة الكبرى» بما يدشن انزلاقا 
نحو تعريف إثنىئّ أكثر تحديذا. وخطاب الحملة الفرنسية على صر يبين ذلك 
بحديثه عن اموطة عربية». وقد أدت المقاومات التي تصدت للإمبراطورية 
النايوليونية إلى تعجيل هذا التحول. قفي عام :18١7‏ تجري دعوة الأمة 
«الألمانية» إلى الانتفاض ضد النظام النايوليوني. وقد استخدمت الائتلافات الأخيرة 
المرجعية الإثنية لإنهاء المغامرة النايوليونية. وغداة معركة ووترلوء كان على 
الدول المحافظة أن تواجه هي أيضنًا حركات قومية تبنت مطلب التمثيل السياسي بل 
هددت أطر الدولة في يولنده وفي إيطاليا وفي ألمانيا. وهكذا فإن الليبرالية السياسية 
في القرن التاسع عشر قد بدا أنها تستأنف نضال الثورة الفرنسية المغلوبة. 

ولم تكن الدولة العثمانية قد دعيت إلى المشاركة في مؤتمر قييناء إل أنه كان 
من المفهوم تماما أن مبدأ الشرعية؛ مسنوذا بمبدأ التوازن الأوروبي المعولم» إنما 
ينطبق عليها ويضمن بقاءها. وقد كفل التحالف المقدّس إعمال هذا المبدأ بسماحه 
بتدخلات عسكرية ضد الانتفاضات الليبرالية. على أن معارضة بريطائيا العنظمى 
والولايات المتحدة منعت التحالف من التدخل في حروب استقلال أميركا الإيبيرية 
وقد حيّا الليبراليون الأوروبيون» بل شاركوا في بعض الحالات في الانتصار 
الأميركي لمبدأ القوميات المتناحر مع مبدأ الشرعية» مبرهنين على هشاشة هذا 
المبدأ الأخير. 

وكانت البلقان العثمانية مأهولة بمسيحيين أرثوذكس شكلوا غالبية سكانها. 
وفي الحروب المتعاقبة بين العثمانيين والروسء؛ دَعَمَ هؤلاء الأخيرون الحركات 
الاستقلالية المسيحية» خاصة عند الصرب والرومانيين. لكان نظرة الأوروبيين 
للتعقيدات البلقانية كانت نظرة تبسيطية. وكانت الجماعات السكانية المسلمة 
والجماعات السكانية المسيحية متداخلة تداخلاً وثيقا على أثشر هجرات مسلمين 
قادمين من أجزاء أخرى من الدولة العثمانية وحركات تحول مهمة بين السكان 
المحليين إلى اعتناق الإسلام. وبما أن الوجهاء كانوا أول من تحولوا إلى اعتناق 
الإسلام؛ ففي كثير من المناطق سيطرت الأوساط الحضرية والملتزمون المسلمون 
على جماعة فلاحية مسيحية إلى حدٌّ بعيد» ما أدى إلى خلق انقسام اجتماعي مواز 


كد 


للانقسام الديني. والحال أن الألبانيين والبوسنويين المسلمين قد قدُموا بصورة 
منتظمة لمجمل الدولة العثمانية كوادر عسكرية وإدارية. 

وكان الباشاوات الكبار المتمتعون باستقلالية ذاتية نسبية قد أولوا لسياسة إعادة 
المركزية التي انتهجها محمود الثاني بنشاط أهمية أكبر من الأهمية التي أولوها 
لانتفاضة محتملة من جانب المسيحيين. فلدى موت وال؛ كان الباب العالي يمتتنع 
عن اختيار خليفته من ين ورثته وكان يُعَيّنْ موظفا قادما من العاصمة. وبوجه عام 
كان الباب العالي يعرض على ذرية الوالي الميت الخدمة دي الإدارة فسي منطقة 
أخرى من مناطق الدولة. وفي حالة المقاومة» كانت حملةٌ مسلحة تباغت المنطقة 
بالاستيلاء عليها وتعيد فرض السلطة المباشرة للحكومة المركزية. وقد جرى 
انتهاج سياسة مماثلة في الأناضول. وإذا كانت الدولة قد أوجدت بذلك تلاحمًا عاضًا 
أكبرء فإنها قد فقدت مع ذلك الشبكة المعقدة للعلاقات القائمة بين مختلف مكونات 
المجتمع على المستوى المحلي. 

ونحن نرى ذلك بشكل بالغ الوضوح في حالة علي باشا اليانيناويء الباشا 
القوي في ألبانيا واليونان. فلكي يحافظ على استقلاليته الفعلية» حافظ على علاقات 
طيبة مع الحركات السرية اليونانية في البلقان. ومنذ قرونء كان يونانيو 
القسطنطينية؛ المسمون بالفناريين نسبة إلى اسم الحي الذي أنشئت فيه البطريركية 
المسكونية» مرتبطين بإدارة البلقان»؛ خاصة الإمارات الرومانية. وكان ضياع القرم 
قد فتح البحر الأسود أمام التجارة الدولية وكان عدد التجار اليونانيين الموجودين 
في الممتلكات الروسية الجديدة كبيرا لاسيما أن المعاهدات قد أجازت لهم الانتقال 
في سفن ترفع العلم الروسي. أمّا في البحر المتوسط؛ فقد عرفت البحرية اليونانية 
التي ترفع العلم العثماني توسعا غير مسبوق بسبب تراجع البحريات الأوروبية 
خلال حروب الثورة والإمبراطورية [النايوليونية]. وهكذا نشأت بورجوازية يونانية 
قوية النشاط كانت حساسة للخطابات الجديدة القادمة من أوروباء وإن كانت قد ظلت 
بشكل أساسي أرثوذكسية الثفافة والهوية. كما أن نهضة ثفافية يونانية» شجعت 
عليها المطبعة والشبكات اليونانية الموجودة في إيطاليا وفي جزر البحر الإيوني 
التي أصبحت ممتلكات بريطانية وفي روسياء قد سعت إلى المزاوجة بين الإحالات 
إلى أمجاد العصر القديم والتراث البيزنطي والأرثوذكسي. وكان بونابرت قد فكقر 


5 


بالفعل في استخدام هذه النهضة الثقافية في عام ١7917‏ لاستثارة انتفاضات فت 
البلقان العثمانية: لكنه سرعان ما تخلى عن ذلك. وفي الأعوام التالية» جرى تنظيم 
جمعيات سرية» مصد_ إلهامها ليبرالي» في هذه الأوساط البورجوازية» وقد حاولت 
تفجير انتفاضات سُرعان ما تم إجهاضها. 

وفي عام 2 يقرر الباب العالي إنهاء حكم علي باشا وتنحيته هو وأبنائفه 
عن وظائفهم في السلطة. فيعقد الباشا تحالفا مع الجمعيات السرية التي شجع على 
انغراسها في أراضيه. ويتدخل الجيش العثماني ويفرض الحصار على يانيناء 
عاصمته. وبعد عام» يضطر علي باشا إلى الاستسلام و» على الرغم من الوعود 
التي قدمت إليهء يجري إعدامه. والحال أن هذه المغامرة قذ حركت المشاعر في 
أوروباء كما تشهد على ذلك المؤلفات الأدبية لبلزاك وبالأخص لألكساندر ديما. 

وقد أعطى حصار يانينا الإشارة لنشوب الانتفاضة اليونانية التي تمتد إلى 
المورة (البيلويونيز) وإلى وسط اليونان وإلى جزر الأرخبيل (بحر إيجه). وفي 
المناطق المتمردة» تتخذ الانتفاضة على الفور طابع حسرب إثنية بين جماعات 
فلاحية مسيحية ومسلمة حيث يرتكب الجانبان العديد من المذابح. وفي بقية الدولة 
العثمانية» يخري عزل اليونانيين المشتبه بعدم ولائهم من مناصبهم في الإدارة بينما 
يجري شنق بطريرك القسطنطينية المتهم بدعم التمرد. 

وفي أوروباء يتحمس الرأي العام للييرالي للقضية اليونانية. فالحركة المحبة 
للهيلينية ترى فيها نهضة اليونان القديمة وتشجب الفظائع التي ارتكبها المسلمون 
مع سكوتها عن الفظائع التي ارتكبها المتمونون: ولأول مرة» ينظ كُتاب 
وشخصيات مختلفة حركة قوية تهدف إلى التأثير على قرارات الحكومات. والقضية 
تتمتع بشعبية ة لا سيما أن مجندين في جيش الدولة العثمانية ومتطوعين ينحازون 
إلى صف المتمردين. كما يلقى مصرع اللورد بايرون صدئ هائلاً. . وتقع حكومات 
التحالف المقدس في الفخ بين تعاطفاتها المسيحية وتحركات الرأي العام من جهة؛ 
وضرورات الحفاظ على مبدأ الشرعية والاستقرار الأوروبي من الجهة الأخرى؛ 
ومن هنا التأخيرات في التدخل. 

وتنجح الجيوش العثمانية في استعادة وسط اليونان» لكنها تفشل في استرداد 
المورة» البؤرة المحورية للانتفاضة. فيقرر محمود الثاني طلب العون من محمد 


م 


علي الذي يرل ابنه إبراهيم باشا لاسترداد كريت ثم المورة في عام ©1487. وقد 
بدا أن التمرد يفقد زخمه بينما يقوم السلطان في عام 5:»: مستخدما القوة» بإلغاع 
فيلق الإنكشارية» ذراع المحافظين المسلحة. فيصبح الطريق الآن مفتوخا أمام 
المصلحين لإنشاء جيش جديد موحّد. والحال أن نقص الكوادر المؤهلة إنما يتطلب 
إنشاء مدارس عسكرية حديثة؛ ما يؤدي إلى تأخر إضافي في انبثاق قوة حقيقية. 

ويؤدي موت القيصر أليكساندر الأول في أواخر عام ١876‏ وصعود أخيه 
نيكولاي الأول إلى السلطة إلى تعديل السياق الدولي. فالقيصر الجديد؛ بينما هو 
عدر سافر لليبراليين؛ يود استئناف التوسع الروسي على حساب العالم الإسلامي. 
وهو يطرح نفسه كمدافع عن مسيحيي البلقان ويقوم بالإعداد لتوسع جديد في 
القوقاز. وعلى أثر تعديات عديدة في الأراضي الفارسية؛ تنشب الحرب من جديد 
في عام 1877. والجيش الفارسي لا يصمد أمام مخضرمي الحروب النايوليونية. 
وتسجل معاهدة يُركمانشاي في 77 فبراير/ شباط 14748 علاقة القوى. إذ تضطر 
فارس إلى الاعتراف بخسارة أراضي يريقان وناخشيان وإلى دفع تعويضات باهظة 
عن الحرب. ويود السفير الجديد» الكاتب جريبويدوف» دفع فارس إلى الدخول في 
حرب ضد الدولة العثمانية ويطالب بعودة الفارين والمرتدين الروس»؛ ما يؤدي إلى 
استثارة عصيان مديني عنيف حركه رجال الدين في طهران» وهو عصيان ينتهي 
بمذبحة البعثة الروسية. وبما أن نيكولاي الأول منشغل بالشؤون العثمانية؛ فإنه 
يقبل اعتذارات الشاه الرسمية. 

والحال أن بريطانيا العظمىء التي لا تريد تدخلاً روسيًا على طول الطريق 
البري المؤدي إلى الهند؛ إنما تطلب إلى فرنسا الانضمام إليها للقيام بوساطة فيما 
بين الأطراف المتحاربة في اليونان. ويرفض محمود الثاني أي شرعية للتحصرك 
الذي يتم باسم أوروبا لصالح المتمردين على سلطته. فتنظمٌُ فرنسا وبريطانيا 
العظمى استعراضنا بحريًا مهمته غير محذدة. ويضطر الأسطول الفرنسي - 
البريطاني إلى فرض حصار بحري للمورة والدردنيل» وإن كان من دون أن 
ينخرط في معركة مع المصريين والعثمانيين... وفي ٠١‏ أكتوبر/ تشرين الأول 
17© يهاجم الأسطول الأوروبي السفن العثمانية والمصرية المجتمعة في خليج 
ناقارين. وإذ تعلن السفن الفرنسية - البريطانية أنه قد جرى استفزازها بعيار ناري 


6 


صادر من سفينة إسلامية؛ فإنها تقوم بإطلاق وابل لا يرحم من نيران المدفعية 
يؤدي إلى تدمير 517 سفينة ومصرع .6٠٠٠٠‏ فتتم البرهنة على التفوق الأوروبي 
الساحق» حتى على أحدث عناصر الجيوش الإسلامية آنذاك. 

ويتشبث العثمانيون برفضهم الوساطة الأوروبية. وتتذرع روسيا بذلك لكي 
تعلن الحرب عليهم في أبريل/ نيسان .١1478‏ ومرة أخرى تتغلغل الجيوش الروسية 
في الإمارات الرومانية وفي وسط بلغاريا. وتنفتح جبهة جديدة في القوقاز حيث 
يتقدم الروس إلى حد الوصول إلى الأناضول الشرقية فيستولون على كارس في 
يوليو/ تموز .١18748‏ وترسل فرنسا قوة حملة إلى المورة لكي تكفل جلاء جيشس 
إبراهيم باشا. وتجري تسوية مصير اليونان بموجب معاهدة لندن التي تنص على 
قيام دولة يونانية صغيرة تحت السيادة العثمانية من الناحية النظرية. وفي عام 
4؛»؛ يصل الروس إلى آندرينويل [إدرنة] في تراقيا وأرضروم في الأناضول. 
على أن معاهدة آندرينويل في ١4‏ سبتمبر/ أيلول 1874 تحُّدُ من الخسائر 
العثمانية. فالروس يعيدون' الجزء الأكبر من الأراضي التي استولوا عليهاء ويتعين ' 
على العثمانيين نزع سلاح حدودهم البلقانية والاعتراف بمكتسبات الروس السابقة 
في القوقاز وبالحكم الذاتي في صربيا واليونان ورومانياء ودفع تعويسضات باهظفة 
عن الحرب ومنح روسيا حقوق الامتيازات نفسها التي تتمتع بها الدول الأوروبية 
الأخرى. 

والحال أن الاستقلال الذاتي الثلاثي للصرب واليونانيين والرومانيين إنما يبدو 
أنه كان أولاً أداة للنفوذ الروسي على الإخوة الأرثوذكس في البلقان» لكنه كان في 
الوقت نفسه اعترافا بسريان مفعول مبدأ القوميات في الفضاء العثماني الآخذ 
بالانكماش. ويبقى السؤال الجوهري: هل يمكن لهذا المبدأ أن ينطيق على 
الجماعات السكانية المسلمة؟ 


لايقينيات مبدأ القومية: 
الجزائر 
قد تبدو الحملة الفرنسية على الجزائر وليدة الصدفة بأكثر مما كانت عليه 
الحملة الفرنسية على مصرء وذلك بقدر ما إنها لا تظهر بوصفها محصلة نقاش 
فكري وسياسي ممائل في طبيعته [للنقاش الذي دار بشأن مصر]. وتبرهن على 


٠ 


ذلك جيذا لايقينيات سياسة فرنسية مترددة بين عدة خيارات وحالمة لا تزال بالضفة 
اليسرى لنهر الراين. وإذا كان تنفيذ الحملة قد يبدو طارئاء فإنه يندرج مع ذلك قفي : 
الزخم العام للتوسع الأوروبي وفي إشكالية اقتسام الإمبراطورية العثمانية المطروح 
في جدول الأعمال منذ أكثر من نصف قرن. 
ويضل: صل النزاعات إلى محاولات الإيالات إعادة تنظيم اقتصاداتها قفي 
عصر الثورة والإمبراطورية الفرنسيتين وإلى الدوائر المريبة التي مرت بها في 
ذلك العصر المعاملات التجارية حيث تحدث أشكال من الخلط بين د القناصل 
ووظائف التجار. والحال أن الإهانة الموجهة إلى فرنسا في حادشة ضرب داي 
الجزائر لقنصل فرنسا بالمروحة إنما تندرج في صعود غطرسة قومية نجدها أيضنا 
في إنجلترا في عهد وزارة بالمرستون. وللحظة؛ تعرضْ حكومة عهد عودة الملكية 
ع لسك لحي لق عا عرد يهتم أكثر بشؤون بلاد الشام. 
ومن ثم للد جات الحملة في المقام ل ا حال 
من هيبة حكومة تفتقر إلى الأبهة النايوليونية. ويجري استلهام خطاب بونابرت في 
مصر والذي يتحدث عن تحرير العرب ووجوه التقدم المميزة للتمدن. والحال أن 
بيان 8 يونيو/ حزيران ١٠18ء‏ والذي كتبه سيلقستر دو ساسيء هو إلى حد بعيد 
نسخة متماشية مع بيان يوليو/ تموز 207797). إذ يجري الحديث فيه عن المظالم 
وعن احترام الدين الإسلامي. وخلافا لبونابرت» تجري المسارعة إلى إقامة قداس 
احتفالي في المدينة المفتوحة ويجري الحديث عن إعادة فتح الباب أمام المسيحية 
في أفريقيا لأجل العمل على إعادة الازدهار للحضارة التي طالها الذبول هناك. 
وتشهد السنوات الأولى للفتح انعدامًا كبير! للتماسك في السياسة الفرنسية 
يرتبط جزئيًا بتقلبات السياسة الداخلية الفرنسية. ويجري طرد «الترك»؛ أي ممتلي 
الطبقة الحاكمة العثمانية. وتستمر الحرب غير المعلنة ضد الدولة العثمانية حتى 
الاستيلاء على قسنطينة في عام 1/8720. 
والحال أن النخبة الجزائرية» التي يمثلها المدعو حمدان خوجه الذي ينشر في 
عام 1874 كتاب المرآة» لمحة تاريخية وإحصائية عن إيالة الجزائر؛ إنما تحاول 
وضع الفرنسيين أمام تناقضاتهم. فأعمال العنف المرتكبة ضد الجماعات السكانية 
وتدمير المؤسسات الإسلامية - خاصة تدمير المؤسسات التعليمية-» إنما تتعارض 


(<) بيان بونابرت إلى المصريين. - م. 


مع مشروع التمدن. ومن غير الوارد أن يدافع المرء عن القوميتين اليونانية أو 
اليولندية ويضطهد سكان الجزائر. ولن يتسنى تحقيق الفتح إلا عبر إيادة أو طرد 
السكان أهل البلد. والطريق الممكن الوحيد هو إقامة سلطة محلية تمدينية وصديقة 
لفرنسا وفق نموذج مصر. 0 

وبمجرد اتخاذ قرار بالبقاء لأجل اعتبارات الهيبة القومية:؛ تجري محاولة 
إيجاد «احتلال محدود» لا يمكن تحقيقه إلا بالاستناد إلى سلطة محلية تكفل 
السيطرة على عمق الأراضي الداخلي. ولا بد من قيام «مملكة عربية» حليفة 
وشريكة لفرنسا. ويجري التفكير في العثور عليها في شخص الأمير عبد القادرء 
الذي يحشد تحت سلطته الدينية والسياسية القبائل العربية في الداخل. وتمسضي 
معاهدة تفنة في هذا الاتجاه. 

وفي غضون سنوات قليلة» انتهى الأمر بالفرنسيين من ثم إلى تعريف سكان 
الجزائر على أنهم «عرب»»؛ على الرغم من الانعدام الكبير لتجانس فئات المجتمع. 
وكما في مصرء نجد الدينامية نفسها في التسمية. فبمجرد أن يتحدث الفرنسيون عن 
وجود «قومية» عربية» تظهر هذه الأخيرة في خطاب المعنيين الذين يستخدمونها 
في محاولاتهم الرامية إلى التأثير على خصومهم. وهكذا يخاطب واحد من الأعيان 
الحضريين كبوضربة الفرنسيين مصورا! الأمير على أنه باعث الجنس العربي 
والمدافع عن التمدن - نسخة ثانية من محمد علي. 

والأمير زعيم أخوية يحشد أنصاره باسم الجهاد ضد الغزاة ويفرض المراعاة 
الصارمة للشريعة الإسلامية في الأراضي الواقعة تحت سيطرته. وهو في قرارة 
نفسه خصم للعثمانيين الذين لم يتلق منهم أي تكريس لسلطته. وهو لا يتردد في أن 
يستخدم لحسابه هو لقب «أمير المؤمنين» الخليفي والسماح لأنصاره بتسسميته 
ا الستطن يي يا يشكل اغتصابًا مزدوجًا على حساب السلطانين الخليفقين 
العثماني والمغربي. وهو يحاول اجتذاب البربر إليهه؛ لكنه يفشل في هذه 
المحاولات. والقاعدة التي يستند إليها هي بالفعل القبافل الكبرى المنحدرة من 
أصول عربية والناطقة بالعربية» ما لا يشكل قومية بالمعنى الحديث للمصطلح. 

ا ا ة الفرنسية وقد تبددت الالتباسات بعد الأزمة 
الشرقية لعامي ١85٠‏ و1841 والتي تشهد إذلالاً للسياسة الفرنسية يُذَكُرُ بإذلال 


7 


ووترلو. ولأجل استعادة الكرامة الفرنسية؛ تنخرط ملكية يوليو/ تموز في فتح كل 
مدمّر بشكل خاص. ويستخدم الجنود الفرنسيون كل أدوات الرعب للقضاء على 
نظام عبد القادر الذي يضطر إلى الاستسلام في عام 14417. وتبرر الحكومة 
مسلكها بالتذكير بأن فعل الخير الإنساني لا يتماشى مع الفتح وبأن الأهاليء بما 
أنهم همج بطبيعتهم» لا يمكنهم أن يفهموا سوى لغة الوسائل الأكثر عنفا. 

والحال أن توكثيل» والذي لا يريد؛ بوصفه سياسياء إيادة الأهالي بل مجرد 
قمعهم» لا يسعه مع ذلك إل أن يوجه تحذيرا بشأن المستقبل وهو تحذير يضيع في 
الوسطية البرلمانية لملكية يوليو/ تموز(): 

«إذا [...] ما تصرفنا في أي وقت من الأوقات؛ من دون قول ذلك» لأن هذه 
الأمور تحدث أحيانًا إلا أنه لا يجري الاعتراف بحدوثها البتة» بشكل يدل على أن 
سكان الجزائر القدماء ليسوا في نظرنا سوى عقبة يجب إزاحتها أو دوسها 
بالأقدام ؛ إذا ما ضممنا جماعاتهم السكانية ليس للارتقاء بها بسواعدنا نحو الرفاهية 
والاستنارة» بل لأجل سحق هذه الجماعات وخنقهاء فقد تنطرح مسألة الحياة 
والموت بين الجنسين. . ومن شأن الجزائر أن تصبح» عاجلاً أم آجلأء ويجب أن 
تصدقوا ذلك» ساحة مغلقة» ساحة ذات أسوارء لا بد للشعبين من أن يتقاتلا فيها من 
دون رحمة ولا بد لواحد من الاثنين أن يموت. فليجنبنا الرب»ء أيها السادةء مصيرًا 
كهذا». 

وفي الجزائرء تدشن أوروبا وفرنسا في العالم العربي الاستعمار الاستيطاني؛ 
ومن ثم الطردء كما يفعل ذلك الروسء بوسائل ممائلة» في القرم وفي القوقاز. على 
أن الخطاب الأوروبي الموروث من التنوير حول دور العرب في تاريخ الإنسانية 
كان يؤهَل للاعتراف بقومية عربية. واستبعاد العرب والمسلمين من مبدأ القوميات 
يجد تأكيذا له في النقاش الأوروبي المواكب لحروب بلاد الشام في ثلاثينيات القرن 
التاسع عشر. 

لايقينيات مبدأ القوميات: 
بلاد الشام 

العقد الاجتماعي العثماني الموروث من الإسلام الكلاسيكي يهتز الآن اهتزازًا 

عميقا. وفي صفوف فريق من النخبء يظهرٌ إدراك للانقلاب المخيف في علاقات 
.4 


القوى مع الدول الأوروبية. ولأجل التمكن من البقاء؛ لا بد من تبني مبادئ الدولة 
الحديثة القائمة على القضاء على مجتمع المراتب وعلى المساواة في الأوضاع. 
والتقسيم الوظيفي الأول للمجتمع الذي يجب القضاء عليه هو المرتبة المتخصصة 
لرجال الحرب. فالجيوش الحديثة تقوم على تجنيد جد واسع من صفوف المجتمعء 
وذلك باللجوء في الأغلب إلى تجنيد انتقائي إلى هذا الحد أو ذاك. والشيء نفسه في 
مجال الضرائب الذي يتطلب فرض نظام عام وغير تمييزي في جباية الضرائب. 
وأخيراء فإن التمرد اليوناني قد وجه ضربة قاتلة للتمييز القديم بين المسلمين وغير 
المسلمين. 

والاضطرابْ عميق في المجتمعات الإسلامية المتوسطية: فالمراجع القديمة 
يطالها الشك والنظام الاجتماعي الموروث من أجيال سابقة يجد نفسه في طريق 
الانقلاب. والنظام الجديد الآخذ بالتشكل يتحقق على حساب الحريات القديمة 
والمكرسة. 

وإذا كان الاضطراب قد استقرٌ في أذهان المسلمين» فإن المجتمع المسيحي 
بعيد عن أن يكون في سلام. ففرنسا زمن عودة الملكية» على الرغم من انضوائها 
تحت علم الحداثة النايوليونية؛ قد تصرفت كالإمبراطور باستعادتها للمطالبة 
التقليدية بحماية فرنسية لكاثوليك الدولة العثمانية. وكانت قد استندت في السابق إلى 
تفسير معيب لمعاهدات الامتياز وإلى حقيقة أن الحمايات الفرنسية ليست غير 
إضافة إلى تشكيلة من الحمايات المميزة لكل المجتمعات التقليدية. وقد تغير معنى 
الحماية مع النظام الاجتماعي الجديد الآخذ بالتشكل. فالآن تضع جماعات بأكملها 
نفسها تحت الحماية مع تقدم الاتجاه الاتحادي (الانضواء تحت سلطة الكرسي 
الرسولي في روما)؛ بينما تدخل الحماية الفرنسية في منطق منافسة مع التأكيد على 
مطالبة مساوية من جانب روسيا بحماية للطوائف الأرثوذكسية ومع وصول 
البعثات التبشيرية اليروتستانتية الأميركية والبريطانية الأولى والمسماة بالبعثشات 
«الإنجيلية» والتي غالبًا ما تتميز نبرتها بنزعة ألفية خلاصية. 

وبحسب تفسير لاهوتي معين يسمّى بتحقق النبوءات؛ فإن الوصول إلى الألفية 
الخلاصية إنما يمر عبر اجتماع اليهود في الأرض المقثسة وتحولهم إلى اعتناق 
المسيحية. ولا يقتصر التبشير اليروتستانتي على اليهودء بل يمتد إلى الطوائف 

3 


المسيدية الشرقية ذات الانتماءات الدينية المختلفة وهي طوائف يجري النظر إليما 
على أنها جاهلة وبعيدة عن الدين الحق. 

وهكذا تجد المراجع الكنسية الشرقية نفسها معرّضة للعديد من الضغوط 
والمنافسات. وبعد عام »18١©‏ يبدأ التجديد الكبير للزخم التبشيري الكاثوليكي 
الأوروبي. والزعماء الدينيون الكاثوليك الشرقيون بحاجة إلى هؤلاء المبشرين 
لمواجهة التبشير المزعج الذي يقوم به المبشرون البروتستانت ولإدراج طوائفهم 
في منطق وصول إلى المعرفة الحديثة. وفي الوقت نفسه؛ يرتقابون في تعديات 
هؤلاء القادمين الجدد على سلطتهم وفي ميلهم إلى الرغبة في فرض أداء الطقوس 
الشرقية باللاتينية. أَمّا فيما يتعلق بالزعماء الزمئيين» فإنهم يستخدمون الحماية 
الفرنسية في لعبتهم السياسية مع السلطات المحلية والسلطة المركزية. ويرتاب 
الباب العالي في الدعوى الفرنسية ويقوم بالابتكار إذ يعترف رس ميا بالدعاية 
الكاثوليكية في عام ١47١‏ على شكل إجازة تنصيب للبطريرك الأرمني الكاثوليكي 
بما ينتزع الكاثوليك الشرقيين نهائيًا من السلطة الكنسية للكنيستين الأرثوذك سية., 
والأرمنية. وفي هذه الفترة» نجد أن النزاع بين دعاة الاتحاد والأرثوذكس يتركز 
على «نزاع القلنسوة»»؛ أي على مسألة ما إذا كان بوسع الكهنة الاتحاديين ارتداء 
الزي الكنسي نفسه الذي يرتديه رجال الدين الأرثوذكس؛ وهو ما يشجع على 
التبشير. 

وتبدو دولة محمود الثاني العثمانية ومصر محمد علي بوصفهما مشروعين 
لإقامة دولة حديثة» وإن كانت طبيعة كل منهما متناحرة مع طبيعة المشروع الآخر. 
فمحمد علي الطموح له منذ وقت طويل أطماع في بلاد الشام ولعله يفكر في إطاحة 
بالسلالة الحاكمة العثمانية لصالحه. وعلى الرغم من ممارسته في مجالاته الخاصة 
نظامًا قمعيًا واستبداديًا بشكل خاصء فإنه يتباهى في الخارج بنجاحاته الباهرة 
المتباينة مع الإخفاقات العثمانية ويطرح نفسه بوصفه جامعا للملة المحمدية في 
وجه الإصلاحات العثمانية الأولى» مستغفلا الناس فيما يتعلق بالطابع الأكثر جذرية 
بكثير للتدابير المتخذة في الأراضي الواقعة تحت سلطته هو. وفي عالم تعتبر فيه 
المطبعة في بداياتها الأولى؛ يجري خوض حرب دعائية خفية على شكل رسائل 
مفتوحة ووثائق خطية أخرى يتم تداولها في الأوساط الحاكمة في الولايات كما في 
العاصمة. 


6 


وفي ديسمبر/ كانون الأول 2185١‏ وتذرعا بنزاع جوارء تدخل بلاد الشام 
الووش المصرية تحت قيادة إبراهيم باشاء ابن محمد علي. . وفي غضون بضعة 
شهورء تتمكن من فتح مجمل الولايات وتنتقل إلى الأناضول في خريف عسام 
67. وفي ديسمبر/ كانون الأول» يؤدي انتصار إبراهيم باشا في قونية إلى فتح 
الطريق أمامه نحو العاصمة العثمانية. وخلال تلك الشهور الأولى من حرب بلاد 
الشام؛ استخدم إبراهيم باشا لغة الإسلام التقليدية: فهو قد جاء لردٌ المظالم التي 
ارتكبها الولاة المحليون الأشرار وهو يتهم السلطان بخيانة الإسلام وبالرغبة في 
فرض ممارسات المسيحيين على المسلمين. أمّا محمود الثاني فهو يستخدم. ص فته 
كخليفة لكي يندد بمحمد علي وأتباعه بوصفهم خونة وعصاة من المشروع 
للمسلمين سفك دمائهم. 

والحال أن ما تسمى بالحملة المصرية» إذ تهدد مصير الدولة العثمانية وإذ 
تتمركز على الطريق البري المؤدي إلى الهند» ليس من شأنها سوى استثارة التدخل 
الأوروبي. وبما يشكل ظرفا يزيد من حدة المشكلة أن الحملة قد تبدو؛ بعد أقلك مسن 
عشرين عامًا من معركة ووترلو» بوصفها مدعومة من فرنساء بل بوصفها تنطلق 
من إيحاء فرنسي. ويؤدي تدخل روسي وبريطاني مزدوج في فبراير/ شباط 
*5 إلى وقف زحف جيش إبراهيم باشا الذي كان آنذاك في منتتصف الطريق 
بين قونية والقسطنطينية. ' 

ويبقى مع ذلك التعامل مع التسوية السياسية للمسألة. وفي أوروباء يرى كتاب 
اجتماعيون وكتاب أدباء وسياسيون عديدون أن الحل يكمن في قيام إمبراطورية 
عربية تحت قيادة محمد علي وابنه. ويدرك محمد علي بشكل مشوش ضرورة 
مخاطبة أوروبا بخطاب يجعل من مشروعه مشروعًا مساويًا لاستقلال بلجيكا 

واستقلال اليونان ؛ إلا أنه إذا كان يتمتع بالمصداقية من حيث كونه بطلا تمدينياء 

فإنه لا يتمتع بها كمتحدث بلسان «الجنس» العربي. فهو يبدو «تركيّا» جذًا كات : 
بأكثر من اللازمء للعناصر «الأجنبية» المسيطرة على السكان المصريين. وهذا لا . 
ينطبق على إبراهيم باشا. 

فهذا القائد العسكري الرائع؛ القريب من جنوده؛ يتكلم العربية بسهولة - خلافا 
لأبيه. وهو يشعرء بأكثر من شعور أبيه؛ بالقطيعة الآخذة بالوقوع بين السيطرة 


17 


المصرية والدولة العثمانية. وهناك حرب أهلية بسبيلها إلى الانفجار وأفراد بيت 
محمد علي الذين يشكلون الطبقة الحاكمة موزعون بين الولاء لسيدهم والولاء 
للسلطنة العشانية بكل مشروعيتها الدينية. وفي هذا السياق؛ يميل إبراهيم باشا إلى 
الاعتماد على العناصر الأكثر شبابا والتي تربت منذ البدايات في البيت وعناصرها 
الأروع هي تلك العناصر التي عادت للتوّ من البعثات المدرسية في فرنسا. وقد 
اكتسبء عن طريق هذه العناصرء دراية مباشرة بأحدث الأفكار الأوروبية» خاصة 
الأفكار السان - سيمونية؛ حتى وإن كان يهتم أساسا بترجمتها إلى حقائق واقعية 
ملموسة. وبشكل موازء وحيال خطر فرار كبار الضباط ذوي الأصل العثمانيء 
يسعى إلى كسب تأييد” ومودة الجنود الذين يعتبرهم الأوروبيون «عريًا» بوجه عام. 

وبالنسبة للمراقبين الأوروبيين» فإن مسلكه يجعل منه بالفعل المدافع عن 
القضية العربية. وفي ربيع عام *18١؛‏ يدرك ذلك ويطورٌ أمام المبعوثين 
الأوروبيين خطابًا عروبيًا بأكمله يتحدث عن نهضة أمة عربية. وهو لا يتكلم كلاما 
كهذا أمام محاوريه السوريين الذين لا يملكون الأدوات الفكرية اللازمة لمتابعته؛ 
لكن ما يصفه بلغة إثنية وقومية أمام الأوروبيين يقوم بتطبيقه فعليًا في بلاد الشام 
بإنهائه التمايزات التقليدية بين الجماعات الوظيفية للمجتمع العربي - العثماني. 

وتعطي القنصليات الأوروبية الأولوية للتوازن الأوروبي وطريق الهند. وهي 
ترفض الاعتراف بتطبيق مبدأ التومية في ,ندالة إبزراطلوزية معطا علي العرئيسة 
المشكوك فيها. وهي تكتفي في اللحظة المباشرة بحالة مهتزة تجعل من محمد علي 
سيد الجزء الأكبر من الولايات العربية للدولة العثمانية بعد جلاء القوات المسصرية 
عن الأناضول. والحال أن هدنةً مضطربة» على الرغم من ضمان أوروبا لهاء إنما 
تنشأ من دون تسوية المسائل الأساسية. 

وينقسم الرأي العام الأوروبي حول موضوع مشروع محمد علي وابنئه. 
فالرومانتيكيون يعتبرونهما بطلين تمدينيين وحاملين لبعث الجنس العربي» 
والواقعيون والمدافعون عن وحدة أراضي الدولة العثمانية يعتبرونهما معيدين لنظام 
استبدادي وقمعي وإن كان أكثر كفاءة من الأنظمة السابقة. وهؤلاء وأولئك لم 
يخطئواء لأن إنشاء دولة حديثة تسهر على الإصلاح إنما يمر عبر سلطوية تتجاوز 
كثيرا سلطوية النظام التقليدي. والحال أن النظام القديم في العالم الإسلامي كما في 


7 


أوروبا كان عالم حريات مُعتترف بها بمقتضى خصوصيات وحقوق جماعات لها 
قوامها المحدّد. والمظالم أو التعديات انتهاكات لهذا. العقد الاجتماعي الذي يكرسه 
الدين ومن شأنها أن تستتبع حق العصيان الذي تلم به السلطات الدينية وتوافق 
عليه. والحداثة تتحقق عبر إلغاء هذه الحريات التقليدية التي يتذرع بها المتمسكون 
برفض التحولات الجارية. 

ونحن نرى ذلك بوضوح في بلاد الشام تحت إدارة إبراهيم باشا الذي يقيم 
بثبات نظامًا مركزيًا يفرض المساواة الضريبية ونزع سلاح الجماعات السكانية 
والتجنيد والتحرير الفعلي لغير المسلمين. وهذه الحداثة الإدارية» القائمة على إذابة 
الفوارق» هي حداثة يصعب تحملها لاسيما أنها ذات كفاءة وتجد ترجمة لها في 
مضاعفة جد قوية للعبء الضريبي. وهي تستثير في عام 1874 تمرذا للجماعات 
السكانية الفلسطينية تم إخماده بوحشية كبرى. وفي عام 21878 يأتي الدور على 
الدروز لكي يتمردوا ويتم قمعهم. 

وفي عام 1874» يستأنف العثمانيون القتال» بتشجيع من البريطانيين. وهم 
يتعرضون للهزيمة من جديدء لكن هذا ليس سوى ذريعة للندن لكي تفرض تسوية 
أوروبية من شأنها عزل فرنسا. والحال أن معاهدة لندن؛ المعقودة في ١١‏ يوليو/ 
تموز 184٠‏ بين بريطانيا العظمى ويروسيا والنمسا وروسياء إنما تشترط انسحاب 
القوات المصرية من بلاد الشام في مقابل أن تكون الولاية على مصر ورائية في 
عائلة محمد علي وله هو مدى حياته على ولاية عكا (أي ما سوف تكون فلسطين 
في القرن العشرين). وتحاول فرنسا الاعتراض على ذلكء ما يستثير الأزنمة 
الشرقية التي تهدد بخوض حرب أوروبية ضد فرنسا التي يجري اعتبارها من 
جديد مهدّدة للنظام الأوروبي. 1 

ويحفز البريطانيون انتفاضة واسعة انطلاقا من لبنان حيث لا يقبل سكان 
الجبل نزع السلاح الذي فرضه الأمير شهاب حليف إيراهيم باشا. والحال أن 
التمردء المدعوم والمسنود من جانب الأسطول البريطاني» إنما يمتد بسرعة إلى 
مجمل أراضي بلاد الشام. وفي أواخر عم 2,24 ؛ يضطر إبراهيم باشا إلى إعادة 
قواته إلى مصر. 

وفي فرنساء تجد المشاعر الحربوية تعبيرا عنها. ويترجم توكقيل الرأي العام 
بالفمل حين يخاطب مجلس النواب في "١‏ نوقمبر/ تشرين الثاني 


م2 


<أتعرفون ما الذي يجري في الشرق؟ إن عالمًا بأكمله هو ما يأخذ في 
التحول. ومن ضفاف الإندوس إلى ضفاف البحر الأسودء في هذا الفضاء الشاسع؛ 
تهتز كل المجتمعات وتصاب بالضعف كل الديانات وتختفي كل القوميات» وتنطفئ 
كل الأنوار» والعالم الآسيوي القديم يختفى ؛ وفي مكانه» نرى الصعود التدريجي 
للعالم الأوروبي. وأوروبا أيامنا لا تقترب من أسيا من مجرد ركن؛ مثلما فعلت 
أوروبا في زمن الحملات الصليبية: إنها تهاجم في الشمال وفي الوسط وفي الشرق 
وفي الغرب؛ من جميع الجهات ؛ إنها تمزقهاء تطوقهاء تقوم بإخضاعها. 

«فهل تظنون أن أمة تَوّدُ أن تظل عظمى يمكنها رؤية مشهد كهذا من دون أن 
تشارك فيه؟ هل تظنون أن علينا ترك شعبين أوروبيين يستوليان بلا عقاب على 
هذه التركة الضخمة؟ أقول لبلادي؛ بقوة ويقين: إن الحرب أفضل من مكابدة ذلك 
(أحسنت!)». 

لكن حكومة جيزو تتصرف تصرفا حكيمًا وتتفادى الحرب وتحصل لمحمد 
علي على الولاية الوراثية على مصر والسودان. 

والحال أن الأزمة الشرقية لعامي ١85٠‏ و١184‏ إنما تؤأسس بشكل مقيمٍ 
ثقافة سياسية للتدخل الأوروبي تستند إلى تلاعب مزدوجء تلاعب بفاعلين شرقيين 
من جانب فاعلين غربيين وتلاعب بالغربيين من جائب الشرقيين» ويصبح منطلق 
المصالح سياسة فعلية عن طريق خطابات دعائية متقاطعة. وبشكل استرجاعي: 
بعد مرور قرنء سوف يستخدم المؤرخون المصريون نصوص إبراهيم باشا لتحديد 
مهمة لمصر تتمثل في كونها موحدة العالم العربي؛ بينما سيعتبر الفلسطينيون 
انتفاضة عام ١874‏ تعبير! عن انبثاق هوية فلسطينية. 

ويبقى أنه نحو عام ١84٠‏ أصبح السؤال الذي طرح في أواخر القرن الشامن 
عشر مدرجا دومًا في جدول الأعمال: اختفاء العالم الآسيوي القديم لصالح سيطرة 
أوروبية مباشرة أم تجديد هذا العالم في مواجهته مع أوروبا؟ 

ولكن ما الذي يعنيه الفتح بينما حركة التاريخ» بالنسبة لمن يفرحون بها كما 
بالنسبة لمن يأسفون لوجودهاء تمضي في اتجاه دمقرطة المجتمعات؟ 


13 


إشكالية الفتح 

بانقضاء عام »184٠‏ ينقسم العالم الإسلامي إلى اثنينء الأول بسبيله إلى 
الانتقال تحت السيطرة الأوروبية المباشرة والآخر خاضع لسيطرة غير مباشرة نتم 
ممارستها عبر أجهزة الدولة ومنظومات الحماية. 

والتفوق العسكري الأوروبي مكفول بفضل تبسليح تتزايد كفاءته باطراد 
وبفضل أنماط التنظيم الأكثر تطورًا. على أن الأمور ليست مع ذلك أسهل. 
فالمجتمعات الإسلامية المعرّضة للفتح تقاوم بقوة الاستماتة التي تخول الصروب 
الكولونيالية إلى حروب رعب. وهكذا فإن المرحلة النهائية لفتح الجزائرء والتسي 
يصورها الرسامون الفرنسيون في لوحات براقة» هي حرب دمار. فللقضاء على 
دولة عبد القادر الآخذة في الانبثاق؛ يجتاح الجيش الفرنسي الريف الجزائري بلا 
رحمة: تدمير القرى وحرق المحاصيل وصوامع الغلال وجبايات عديدة لا طائل 
من شجب محبي الإنسانية الأوروبيين لهاء خاصة البريطانيين. وتنفي السلطات 
الفرنسية هذه الاتهامات وإن كانت تعترف همسا بأن من غير الممكن أن تكون 
فاتمًا وفاعلاً للخير الإنساني في آن واحد. والكلفة البشرية للفتح فادحة بشكل 
خاصء بما يكرس التباين المقيم بين الحروب الأوروبية» التي تتمدن بتزودها 
بقوانين عرفية تسعى إلى قصر ثمن العنف على المقاتلين» والحرب الاستعمارية 
التي لم تعد تعرف حدوذا لأن العدو يجري تعريفه بأنه غير متمدن ومن ثم غير 
محميّ بآليات الحدّ من آثار العنف. فيصبح ابن البلد مذنبًا مسؤولا عن العنف 
الممارس ضده لأن المقاومة التي يبديها تحتم التصرف تجاهه بشكل يدعو إلى 
الأسف. 

والشيء نفسه فيما يتعلق بالتغلغل في القوقاز حيث تصطدم الجيوش الروسية 
بمقاومة شرسة من جانب سكان الجبال المسلمين المتحدين في طرقهم الصوفية. 
وهم يتمتعون بزعيم حربي رائع: هو الإمام شامل الذي سيخوض الصراع على 
مدار عدة عقود. وسوف تكون الخسائر العسكرية الروسية فادحة بشكل رهيب؛ في 
حين أن العنف الروسي يتحول في كثير من اللحظات إلى الإبادة السافرة. والحال 
أن الأدب الروسي في القرن التاسع عشرء من يوشكين إلى تولستوي؛» سوف يقدم 
شهادته على هذه الحروب القوقازية بينما يجد قوقازيون مسلمون بالآلاف ملجأ في 


2 


الدولة العثمانية. وبشكل موازء نجد أن التقدم الروسي في سيبيريا يبجعصل من 
الإمبراطورية القيصرية الجار المباشر لخانيات آسيا الوسطى. وعلى الفور؛ تتحول 
التعديات إلى فتح. إلا أنه يجري صد الروس في عام 184٠‏ خلال محاولاتهم 
الاستيلاء على خيوه. 

وفي الهندء نجد أن البريطانيين» وقد أصبحوا واثقين من جراء الفتح السهل 
للجزء الأكبر من شبه القارة» يستهينون بقوة المقاومة لدى سكان الجبال المسلمين 
في الشمال الغربي. وإذ أربكهم التهديد الروسي الذي صار ملموسمنا في آسيا 
الوسطى»؛ يقررون درءه بالسيطرة على أفغانستان. وفي عام 21858 يؤدي 
استعراض بحري للقوة في الخليج إلى إرغام فارس على التخلي عن محاولة لفتح 
(أو استرداد) ولاية هيرات. ويجري إرسال قوة غزو في عام 1859 وتستولي من 
دون مشكلة كبرى على كابول لكي تضع في الحكم هناك ملكا تحت الحماية 
البريطانية. وسرعان ما يصبح جليًّا أن الحامية البريطانية في كابول تجد نفسها 
معزولة في بلد معاد يغرق في التمرد في خريف عام٠184.‏ وفي نوقمبر/ تشرين 
الثاني ١184؛‏ تصل الانتفاضة إلى العاصمة حيث تجد الحامية نفسها وقد وقعت 
في الفخ. وبعد مفاوضات عبثية ومعقدة» ينسحب الجيش البريطاني من المدينة في 
أسوأ الظروف في مستهل يناير/ كانون الثاني .١1847‏ ويتحول الانسحاب إلى 
اندحارء فيؤدي إلى مصرع الآلاف من الجنود البريطانيين والهنود وبين المدنيين 
الذين رافقوهم. وبعد الكارثة» تقوم القوات البريطانية الأخرى في أفغانستان بأعمال 
انتقامية رهيبة ضد السكان الأفغان قبل اتسحابها إلى الهند. 

والحال أن كارثة الحرب الأنجلو - أفغانية الأولى إنما يتم تعويضها جزئيًا في 
الأعوام التالية بفتح البنجاب والسند. وكانت الدولتان الهنديتان المستقلتان الأخيرتان 
قد نجحتا في إيجاد انضباط عسكري مساو لانضباط الأوروبيين العسكريء لكن 
البريطانيين يتمتعون الآن بتكنولوجيا أسلحة متفوقة إلى حد بعيد. وعندئذ تتحدد 
الحدود الشمالية الغربية الشهيرة بأراضيها القبلية المستقلة عمليًا والعمايات 
العسكرية التي يقوم بها جيش الهند لأجل ضبط الأمور. ويظل الخطر الروسي 
شاغلاً مقيمًا ويؤثر على مصير أفغانستان. ويتمكن البريطانيون من جديد؛ في عام 
5 » من منع الفرس من الاستيلاء على إقليم هيرات. 

"١ 


2# 


والحاصل أن الجيوش القيصرية» إذ تتمتع بإمكانات متفوقة, إنما تواصل 
تقدمها في آسيا الوسطى. لكن الفتح يتطلب ربع قرنء غير أن طشقند تسقط في “" 
يونيو/ حزيران 1855. وبعد أن كان قد جرى التفكير في خلق دولة تابعة لروسياء 
يتم اتخاذ القرار بضم المنطقة في عام 875 1. وفي العام التالي» تصبح حكومة 
تركستان العامة. وتصبح خانية بخارى دولة تابعة في عام +185: ويأتي الدور 
على خيوه في عام 187» بينما يجري ضم خانية خورقند في عام 18175 لتصبح 
ولاية فرغانة. وتشكل تركمينستان المرحلة التالية ويكتمل الفتح في عام .١8485‏ 

وخلافا للحروب في القوقاز؛ لم تكن حروب أآسيا الوسطى جد دموية. فالدول 
الإسلامية التي أضعفتها النزاعات الداخلية لم تكن تتمتع بإمكانات عسكرية كبيرة 
وكان الروس من الذكاء بحيث إنهم احترموا العادات والأعراف المحلية. وهم لا 
يسعون؛ في مرحلة أولى على الأقل؛ إلى التدخل في الشؤون الداخلية للسكان. 

وعلاوة على المصاعب التي يواجهها الفتح حيث يصطدم بجماعات سكانية 
يصعب إخضاعهاء فإن خطر التمرد خطر دائم» وأشمل تعبير عنه هو تمرد 
السيباي [الفرسان» السباهيين] في عام 2١8517‏ «التمرد العظيم». والذريعة المباشرة 
هي إدخال الأسلحة الحديثة التي يتطلب استخدامها الاتصال بشحوم يعتبر منشأها 
غير طاهر (شحم البقر بالنسبة للهندوس وشحم الخنزير بالنسبة للمسلمين). وتتوافق 
الحركة مع احتجاج واسع على التأثير الاستعماري الذي يجري الإحساس به 
بوصفه تهديذا للدين ولأسلوب الحياة؛ لاسيما أن الحكومة الكولونيالية قد دخلت في 
مرحلة إصلاحات تكنوقراطية. وقد جرى التعامل مع الوجود الأورويبي بوص فه 
رجسا قبل كل شيء. والحال أن الحركة التي ولدت في البنغال قد امتدت إلى الهند 
الشمالية وسعت إلى اجتذاب السلطات التقليدية التي كانت السلالة المغولية الملكية 
أخر ممثل لها. ولم تنجح الحركة في العثور على قادة حقيقيين وإيجاد قيادة مركزية 
لها. وقد شارك في الانتفاضة المسلمون والهندوس سواء بسواء. وانضم إليها جزء 
كبير من العالم الحضري والريفي. وأقدم المتمردون بشكل منهجي على ذبح 
الأوروبيين؛ بمن فيهم النساء والأطفال. وكان القمع رهيبًا. وعلاوة على المعارك 
التي لم يجر أخذ أسرى فيهاء قام البريطانيون على نحو منهجي بحرق القرى وذبح 
السكان الذكور لتأبيد الخوف. وقد جعل الجيش البريطاني من الاغتصاب ممارسة 


فح 


ثابتة (بالنسية للمتمردين» كان الاغتصاب 3نمنا بالنسبة لمن ارتكبه لا بالنسبة 
للضحية). وقد وصلت الخسائر البشرية إلى عدة منات من الآلاف. والحال أن 
استخدام الترويع هو تعبير مزدوج عن منطق ردع وشأر وعن شعور بتفوق 
عنصري تتعين استعادته. 

والعامل الأول في الانتصار البريطاني هو الأدوات التي أنجبتها الشورة 
الصناعية: السفن النهرية البخارية والتلغراف الكهربائي وتدشين شبكة من السكك 
الحديدية. وقد شهدت الأعوام الوسطى في القرن التاسع عشر (الأربعينيات - 
الستينيات) تكريس السيطرة الأوروبية المستندة الآن إلى التقدم التكنولوجي الجاري 
وليس بعد إلى مجرد القدرة على تعبئة الموارد كما في أواخر القرن الثامن عشر. 
ومن دون هذا التحول؛ كان من المرجح أن يتسنى طرد البريطانيين من الهند. 

ومنذئذ» يتزايد انفصالهم عن المجتمع الهندي. وسوف يجري الحفاظ بشكل 
منقي على قوات كلها امن النيض مع انتكازها الام المدففية. وسينؤف ومحري 
الإبقاء على الدول الأميرية الهندية سعيًا إلى مصالحتها. ويتم إلغفاء شركة الهند 
الشرقية في عام 1801؛ كما يتم التخلي عن خرافة الاستمرارية مع الإمبراطورية 
المغولية. 

والحال أن العنف المميز لحروب الجزائر والفوقاز وأفغانستان سوف يترك 
آثارًا مقيمة» بعيذا عن أصدائها الأدبية والفنية. فبعد قرن ونصف قرنء لا نزال 
نجد من جديد هذه التصدعات والجراح في العلاقة بين العالم الإسلامي وأوروبا. 

والحاصل أن التزاوج بين الطابع العتيق للبنى الاجتماعية (القبائل» الأخويات) 
التي لم تتأثر بالتحولات الاجتماعية الجارية في الدول الإسلامية الكبيرة» والتقاليد 
الحربية للشعوب الرافضة للخضوع لدولة جباية وقمع» وطابع التضاريس والمناخ 
المناوئ بالنسبة للغزاة الأوروبيين؛ إنما يسمح بأن نفهم على نحو أفضل اتساع هذه 
المقاومة التي تأخذ شكل جهاد محلي يقوده قادة حربيون ينبتقون خلال المعارك 
الأولى. وتبدو الدولة المسلمة الحديثة أكثر هشاشة بالفعل لكنهاء مع خضوعها 
للسيطرة غير المباشرة؛ تنجح في الاستمرار لقدرتها على التحول. والحال أن 
مقاومة المجتمعات العتيقة قد يَسّرت لها المهمة» لأنها تدخل بتضحياتها ردغا 
لمغامرات الفتح. 


والحربُ منتجةٌ للمعارف. والعسكريون بحاجة إلى ترجمانات؛ هم الوسطاء 
الأولون مع السكان المغلوبين. لكن هؤلاء الوسطاء قد ييدون غير كافين. وقفي 
الجزائر زمن الفتح يجري إنشاء «مكاتب عربية»»: هي أدوات لإدارة ولمعرفة 
المجتمع الأهلي الذي يتعين تحديد بناه وتحديد القواعد الحقوقية الحاكمة له. وهكذا 
تتأسس ثقافة الضابط ومدير «الشؤون الأهلية». والمستشرقون مدعوون إلى تقديم 
العون لترجمة كلاسيكيات الفقه الإسلامي أو الخطظاب الذي تتبناه المجتمعات 
الإسلامية عن نفسها. وهكذا تجري ترجمة ابن خلدون إلى اللغات الأوروبية لأنه 
يقدم تفسير! للنظام القبلي والعشائري ودور هذا النظام في التاريخ. 

ويعقب ذلك تكوين علم كولونيالي ذي أهداف عملية وملموسة؛ لكنه يميل إلسى 
إضفاء طابع عتيق على المجتمعات في أن واحد بالإحالة إلى نصوص فقهية ترجع 
إلى عدة قرون خلت ويعاد تفعيلهاء وبإسقاط صورة قروسطنة أوروبية على 
الشعوب المغلوبة. فزعماء القبائل والطرق الصوفية في أفغانستان أو القوقاز أو 
المغرب يصبحون في مخيال الفاتحين أقرانا لكبار إقطاعيي أورويبا من القرن 
الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر. وحتى نهاية الاستعمار؛ يتصور 
المستعمرون أنفسهم على نحو متناقض كحاملين للتمدن والتقدم وخارجين على هذا 
التقدم نفسه بعثورهم في الشرق المغلوب فرحين على العالم الذي لم يعد له وجود 
في أوروبا. 

وبينما تشهد المجتمعات الأوروبية تحولا ديموقراطيًا باتجاهها إلى تسوية 
الوضعيات وبالتزايد المستمر للمشاركة السياسية» تصبح قيم الممسستعمرين رجعية 
بشكل متزايد باطراد. ففي العالم الكولونيالي» يجب على كل واحد أن يبقى في 
مكانه كما في الأنظلمة القديمة الآخذة بالزوال: فالسيد المستعمر يجب أن يكون 
عادلاً وابن البلد يجب أن يكون مطيعاء وذلك بالإحالة إلى قيم لم تعد سارية في 
أوروبا الثورة الصناعية. والحال أن إنجلترا الثيكتورية» حيث تبدو الإحالة 
القروسطية كَلَيَةَ الحضور على الرغم من أن المجتمع يصبح حضريًا وصناعيًاء 
إنما تقطع الشوط الأبعد في هذا الاتجاه. أمّا فرنساء الأكثر بورجوازية والأكثر 
فلاحية» فهي ترتاح أكثر في إحالة إلى روما. وفي حين أن إيديولوجيي الشورة 
الفرنسية قد خطرت ببالهم الغزوات الجرمانية» فإن إيديولوجيي زمن فتح الجزائر 
يرون بلاد غال جديدة يمضي التمدن الفرنسي إلى إضفاء طابع روماني عليها. 

2:3 


وفي خمسينيات القرن التاسع عشرء سوف تصبح الإحالة القروسطية عن 
انفصال الأجناس إحالة سائدة في المقاربة الأنجلو - ساكسونية مع الدفاع عن 
الأصالة قبل الحديثة والتي تتميز بها المقاومات العتيقة:؛ بينما سوف يتجه 
الفرنسيون إلى مخيال إضفاء الطابع الروماني» أي الاستيعاب. لكنهم لن يملكوا 
القدرة على المضي بالفعل إلى الشوط الأخير في برنامجهم؛ وهو عجز يؤدي إلى 
خلق هذا الكائن الغريب؛ الجزائر الكولونيالية التي هي في أن واحد شريحة مسن 
مترويول وساحة يجري فيها تطبيق قوانين الفتح بقسوة استئثنائية. ومع تكوين 
مستعمرة استيطانية أوروبية والهزيمة المنشودة للسكان أهل البلدء فإن التصور 
القديم عن الصراع بين الأجناس» وهو التصور العزيز على أفئدة الكتابة التاريخية 
الأوروبية في القرون السابقة» إنما يجد هنا تحققه الملموس المطلق أكثر من سواه؛ 
متلما يعبر الوجود البريطاني في الهند تعبيرا ناجزا عن مفهوم الاستبداد العسكري. 

وهكذاء ففي منتصف القرن التاسع عشر يتحدد مصير عالم البحصر المتوسط 
الإسلامي بوضوح: شبه جزيرة بلقانية سوف يجري فيها تطبيق مبدأ القوميات 
لصالح الجماعات السكانية المسيحية» وشمال أفريقي مكتوبٌ عليه الوقوع بكليته 
تحت نير السيطرة الاستعمارية المباشرة؛ وكيان عربي - أناضولي مركزي سوف. 
يحتفظ باستقلاله الاسمي» وإن كان سيتعين لا محالة إصلاحه. 


2: 


الفصل الثالث 
زمن الإصلاحات 


إشكالية الإصلاح 

بات من الواضح. منذ زمن التنويرء أن الدولة الإسلامية لا بد من إصلاحها 
إذا كان يراد لها البقاء. وهذا هو شرط بقائها ضمن التوازن الأوروبي الذي صار 
عالميًا لمروره بطريق الهند. وإذا كانت الحاجة إلى الإصلاح مطلبًا لأوروبا ضمن 
إطار عولمة معاييرهاء فإنه يتماشى أيضًا مع اشتراطات تحولات المجتمعات. ومن 
ثم يجب أن نميز في تحليل السيرورة الجارية ما هو مفروض بالقوة عن طريق 
تحرك جماعي من جانب الدول العظمىء؛ وما هو تزامن تطور مع أوروبا ينطوي 
على تحديد لحلول قريبة لمشكلات مماثلة: وما هو تأثير أو استعارة يحدثان عند 
التقاء الطرفين. 227 

وكانت الخصوصية العثمانية الكلاسيكية تتمثل في الحظرء النظري على 
الأقل» للنقل التوريثي لوظائف خدم السلطانء أي الانتماء إلى الطبقة الحاكمة. 
والحال أن الإيديولوجية الخذامية الخاصة بكون المرء عضوا في البيت السلطاني 
والبيوت الأخرى التابعة له قد أدت» على نحو مفارق» إلى نوع من الاستحقاقية 
أثار استغراب أوروبا الأرستوقراطية. وفي القرن الشامن عشرء نجد أن هذا 
التعريف للمجتمع قد تعرّض للخيانة إلى حدٌ بعيد في المجريات الواقعية وذلك عبر 
التشكيل الذي حدثء في الولايات على الأقلء لطبقة واسعة من الأعيان 
المتصاهرين وحّدت حائزي الوظائف الإدارية الدينية الإسلامية وكبار التجار 
وأعضاء جماعات عسكرية وإدارية. وقد تمثلت لُحمة هذا التحالف الاجتماعي في 
الاستغلال المشترك للالتزامات الحضرية والريفية. 

وقد ظل مع ذلك أن السلطان كان يملك سلطة الحياة والموت على خدمه وأنه 
كان يتمتع بكل الحرية في مصادرة ممتلكاتهم. وعندما كان يظهر سلطان قوي 

2 


كمحمود الثاني: فإنه لم يتردد في استخدام أدوات الترويع هذه حيال معاونيه 
المباشرين. وكان الأمر كذلك بالنسبة للسلالات الحاكمة المنبتقة كسلالة محمد علي 
في مصر.. [' 

وكانت الطبقة الحاكمة المسلمة بحاجة إلى برنامج سياسي يكفل لهاامن 
ممتلكاتها وأشخاصهاء وإمكانية صعود أبنائها إلى المناصب العامة الرفيعة. والحال 
أن الهزة التي شكّلها انبثاق الدولة الحديثة إنما تمنحها فرصة تاريخية لتحويل هذا 
البرنامج إلى واقع ملموس متخذة من الليبرالية الأوروبية غطاءً إيديولوجِيًا. وهذا 
هو معنى خط جولخانه الشهير الصادر في نوشبر/ تشرين الثاني (١4899‏ 
والمعلن غداة موت محمود الثاني؛ في قلب حرب بلاد الشام. 

ويصبح الأمن اختصاص الدولة: «إذا غاب الأمن فيما يخص الممتلكات؛ فلن 
ينصت أحد لصوت الحاكم والوطن. أمّا إذا أمنَ الإنسان على ممتلكاته أيُا كان 
نوعهاء فهو يشعر كل يوم عندئذ - مفعمًا بالحماسة لأعماله التي يسعى إلى توسيع 
دائرتها لأجل توسيع دائرة المسرات - بتعاظم حب الحاكم والوطن في قليه 
وبتعاظم الإخلاص لبلده. وتصبح هذه المشاعر عنده مصدر أكثر الأفعال استحقاقا 
للتناع». 

وإذا كان هذا البرنامج يتعلق بمصالح الطبقة الحاكمة» فإنه مطروح بوصفه 
موجهًا إلى كل سكان الدولة العثمانية. فجميع رعايا السلطة الإمبراطورية يكفون 
عن أن يكونوا رعايا لهم وضعياتهم المتباينة ويصبحون عثمانيين متساوين أمام 
السلطان» بمن في ذلك غير المسلمين. 

وهذه القطيعة مع المبادئ القديمة للدولة والمجتمع تجد تكريسا لها بإحالة 
إسلامية تؤكد أن الأمر هنا لا يتعلق إلا بتطبيق مبادئ الإسلام الحقيقية» كما يجري 
تكريس هذه القطيعة بإبلاغ السفارات الأوروبية فورً! بنصّ فرنسي لمضمون الخط 
له صفة قانونية. ولا بد للعمل الإصلاحي من أن يأخذ في حسبانه هذا الجمهور 
المزدوجء الأمة الإسلامية والدول الأوروبية. 

وأوروبا مصدر إلهام المصلحين العثمانيين. وكانت الدولة العثمانية قد أوكلت 
لوقت طويل إلى الترجمانات المسيحيين في العاصمة مهمة تأمين العلاقات مع 
الأوروبيين. وهكذا تشكلت سلالات من المترجمين عَيْرْت القرون. وقد كانوا إِنّا 


16 


من أصل أوروبيء حيث شكلوا جماعة المتمشرقين بمعنى أوروبيين مقيمين في 
الدولة» أو من فناريين. وفي القرن التاسع عشرء يواصلون لعب دورهم كناقلين. 
ومع إنشاء سفارات دائمة في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشرء انضمت إليهم 
عناصر مسلمة. وبما أن اللغة الفرنسية هي اللغة العالمية للديبلوماسية» فإن الدراية 
بأوروبا إنما تمر بالأخص عبر مصفاة الثقافة الفرنسية. وهؤلاء المسلمون» خلاقا 
للترجمانات: يمكنهم الصعود إلى أعلى المناصب في الدولة العثمانية. وعبر 
الدييلوماسية ومكاتب الترجمة؛ يشكلون العناصر الأولى للنخب القائمة على 
الإصلاح وتصبح الفرنسية لغة موازية في الإدارة» في قطاعاتها الأحدث على 
الأقل. 

وتتسع الدراية بأوروبا. ويبدو كل مجتمع أوروبي متمتغا بتخصصات 
وظيفية: فالفرنسيون يتمتعون بأفضل إدارة واليروسيون يتمتعون بأفضل جيش 
والبريطانيون يتمتعون بأفضل بحرية ويتمتعون بالأخص بالاستيعاب الأكمل للحداثة 
الصناعية والاقتصادية. وتتمثل الغواية في أخذ الأفضل من كل نظام مع ما يترتب 
على ذلك من عدم تماسك تام للقوام الكلي. ثم إن جماعة المصلحين؛ التي تقود 
الدولة مع امحاء السلطنة على أثر موت محمود الثانيء لا بد لها من التوافق دوا 
مع الصراع على النفوذ بين الدول العظمى الأوروبية. ونرصد أحزابًا أو جماعات 
أو اتجاهات يجري تعريفها بأنها جماعات تميل إلى الفرنسيين أو إلى الإنجايز أو 
إلى الروسء إلخ. وهذه الجماعات والشخصيات المعنية بحاجة إلى المساندة من 
جانب هذه السفارات أو تلك في الصراع على السلطة كما أن لها تفضيلاتها الفكرية 
لهذه الثقافة الأوروبية أو تلك» ومن هنا ميولها إلى صف هذه الدول العظمى أو 
تلك؛ لكن التوجه العام هو بالفعل العمل على تأمين بقاء الدولة العثمانية بفضل 
المجهود الإصلاحي. 

والحال أن إلغاء الوظيفيات الاجتماعية والذي عبر عنه خط جلخانه ليس 
مستعار! من أوروباء بل هو نتاج التطور الداخلي للدولة العثمانية منذ نصف قرن. 
وهو يتماشى مع حاجات الطبقة الحاكمة وضرورة تأمين بقاء الدولة العثمانية. 
وبالإمكان الحديث هنا عن تزامنية تطور آلياته ملحوظة تمامًا في حالة تحرير غير 
المسلمين والذي لا يمكن فهمه إلا ضمن إطار تاريخ مقارن مع تاريخ أوروبا. 

29 


انعكاس صورة أوروبا المسيحية 

لا بد أولا من إدراك أن تحرير غير المسيحيين في أوروبا كان بعيذا عن أن 
يكون قد تم بالكامل. ومن المؤكد أن الثورة الفرنسية كانت قد أنجزت في أن واحد 
تحرير غير الكاثوليك (أي البروتستانت) وغير المسيحيين (أي اليهود) وفق مبدأ 
الاعتراف بكل شيء للأفرادٍ وحرمان الجماعات من كل شيء؛ لكن الاتفاق 
التصالحي النايوليوني [مع الكنيسة الكاثوليكية] كان قد اعترف للكاثوليكية بصفة 
ديانة غالبية الفرنسيين وكان لا بد من ملكية يوليو/ تموز حتى تصبح اليهودية ديانة 
مشمولة بالتصالح. 

وفي بقية أوروباء كان مثل هذا التطور أبطأ. فالكاثوليك الإنجليز لم يجر 
تحريرهم الأ في عام 187١‏ وكان تحرير اليهود في عام 1884 بعيذا عن أن 
يكون مكتملاً. وسوف يتعين انتظار خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر حتى 
يتمتع اليهود البريطانيون والألمان والنمساويون والإيطاليون بكل حقوقهم مع 
استحقاقهم شغل المناصب السياسية. أمّا فيما يتعلق بروسياء فقد ظلت؛ بأكثر من 
الدولة العثمانية؛ معقل النظام القديم الأوروبي كما يشهد على ذلك استمرار الحلسية 
حتى إصلاحات الكساندر الثاني والإبقاء على» بل تعزيز؛ الوضعية التمييزية ضد 
اليهود. ْ 

وبما أن تحرير غير المسيحيين كان بعيذا عن أن يكون متحقفا بالكامل في 
أوروباء فإن إشكالية العالم الكولونيالي الأوروبي كانت تتمثل إمّا في إعلان الحياد 
في الشأن الديني مثلما فعل ذلك البريطانيون في الهند» أو في احترام المؤسسات 
الإسلامية مثلما فعل ذلك الفرنسيون في الجزائر. وفي الحالتين» يجري الابتعاد عن 
النوايا التي جرى التأكيد عليها. فالمسلمون الهنود الذين كانوا قد سيطروا على شبه 
القارة في عصر الإمبراطورية المغولية قد جرى تجريدهم تدريجيًا من وظيفتهم 
كطبقة حاكمة. أما ثقافة المغول الفارسية فقد حلت محلها ثقافة هندية أنقى» ممتزجة 
بشكل متزايد بإسهامات بريطانية. وفي الجزائرء يترافق الفتح مع نزع لملكية 
الثروات العقارية والحضرية للمؤسسات الإسلامية. وبشكل لا مفر منه وعلى 
الرغم من خطابات تقول العكسء فإن المسلمين الجزائريين» وهم من الناحية 
الرسمية رعايا وليسوا مواطنين فرنسيين» قد أزيحوا إلى أكثر الوضعيات الممكنة 

2 


إذلالأء وهي وضعية المحميين القَصّر الخاضعين للأحكام الأكثر تمييزنية ضدهم 
بموجب قانون الأهالي في بداية الجمهورية الثالثة. 

والحال أن صورة أوروبا في العالم الإسلامي» خاصة في الدولة العثمانية 
اعتبارًا من عام :١184٠‏ لم تعد بالفعل صورة الليبرالية الظافرة المنبثقة عن التنوير 
كما في الفترة السابقة. إنها نتاج لعدم الاعتراف بمبدأ القوميات للمسلمين بعد 
الأحداث البلقانية والجزائرية والمصرية والسورية. وفي حين أن الثورة الصناعية 
تتقدم؛ يما تنطوي عليه من زوال سحر العالم ومن دينامية التدمير الخلاقء؛ فإنه 
يبدو أنها تتجه في العالم الإسلامي إلى منطق اختراع للتراث. 

وفي فكر التنوير» فإن سيرورة التمدن أو تاريخ التقدم كان قد جرى تعريفها 
ضمن منطق التحرر التدريجي من السلطة الدينية كما تشهد على ذلك كتابات 
كوندورسيه. وعند جيزو الشاب أيضناء كانت المواجهة بين المجتمع الديني 
والمجتمع المدني إحدى ديناميات تاريخ التمدن الأوروبي؛ مع صراع الأجناس ثم 
صراع الطبقات الذي أبرزته نظرية الغزوات. 

وفي أربعينيات القرن التاسع عشرء كان الفكر المحافظ قد استعاد زخما جديذا 
باستحواذه على عناصر بأكملها من فكر التنوير عبر لعبة اختراع للتراث. وهكذا 
فإن الليبرالية الأنجلو ساكسونية قد زودت نفسها بنسب مزدوج بادعاء الحق» في 
آن واحدء في الحريات الجرمانية والإقطاعية والفحصص الحر للإصلاح 
اليروتستانتي. وقد سمحت إعادة التأسيس باستخدام التاريخ هذه برفض العقلانية 
المطلقة 0 الفرنسية التي ادعت بناء المجتمع الحديث على العقل وحده؛ وهي 
العقلانية التي كانت الحركة الاشتراكية الآخذة في الانبثاق بسبيلها إلى استعادتها. 
ما كاثوليكية النصف الأول من القرن التاسع عشر والتي ث شجبت «الحضارة 
الحديثة»: فقد رأت مع ذلك أن الحضارة الأوروبية المعاصرة حضارة مسيحية 
مفهومة بوصفها حالة تمدن كما بوصفها سيرورة دينامية. 

وفي حين أن التنوير كان في علمانيته المطلقة قد عرف العلاقة بين المجتمع 
الغربي والمجتمعات الأخرى بوصفها فعل لحاق من أجل الصعود إلى حدائة 
معولمة مشتركة وقادمة» فإن الفكر الأوروبي الجديد قد جعل من التراث المسيحي 
العنصر التفريقي الذي يحول دون صعود المجتمعات الأخرى» في مستقبل قريب 
على الأقل: إلى الوضعية نفسها التي صعدت إليها أوروبا المنتصرة. 

فرق 


وندخل هنا في مفارقة مزدوجة. فالمفارقة الأولى هي أن فكرة اللحاق بأوروبا 
فكرة جذابة لاسيما أن الفجوة تبدو واسعة. وعندما تتوطد الدولة المسلمة الحديتة 
اعتبارًا من عام 184٠‏ بأجنتها الإدارية الحديثة وانتشار المطبوعات؛ يجري التأكيد 
على أن الفجوة يتعذر ردمها. والمفارقة الثانية هي أن قيام المجتمع الصناعي 
يترافق مع إيديولوجيات تفتخر بالماضيء في حين أن المرحلة السابقة المسسماة 
بمرحلة المجتمع الصناعي الأولي قد أكدت على خطاب تقدم وقطيعة كما لو أن 
هناك استشرافا للمستقبل في حالة (كما يشهد التنوير والثورة الفرنسية على ذلك) 
وانعدامًا للتوافق في الحالة الأخرى بين الخطاب وواقع مجتمع الآخر. 


تحرير غير المسلمين في أراضي الإسلام 

الحاصل هو أن الصورة المسيحية التي تبنتها أوروبا في أربعينيات القرن 
التاسع عشر إنما تتماشى مع أدوات سياستها في العالم الإسلامي. فاعتبارًا من ذلك 
العقد» لم تعد هناك مناطق محظورة على الأوروبيين فيما عدا المدينتين المقدستين 
في الحجاز. فالدول العظمى تتمتع في كل مكان بالحق في فتح قنصليات ولا يحول 
دون حرية الحركة سوى حالة انعدام الأمن التي توجد فيها أقاليم بأكملها من العالم 
الإسلامي. وتجد السلطة المركزية مصاعب كبيرة في فرض الطاعة لها في 
ولايات تسود فيها بشكل مستديم عمليات قطع للطرق في الريف والجبال وحروب 
بين عشائر وبين قرى وأعمال سلب ونهب من جانب البدو والزحل وسلطات محلية 
لأعيان يحوزون قوات مسلحة بأشكال مختلفة. 

ولا تملك القنصليات الأوروبية في أغلب الأحيان الأمل في التوصل إلى 
إجراء فعال من جانب السلطة العامة. وهي تصبح قوئ فاعلة في المشهد المحلي 
يضمها عناصر من المجتمع المقيمة فيه إليها. كما أنها تقدم الحماية القنصلية لهذا 
الزعيم القبلي أو ذاك أو لهذا الوجيه المحلي أو ذاك والذين يندرجون في صفوف 
زبائنها. ولو أخذنا الحماية القنصلية بهذا المعنى؛ فإنها لا تتميز بعد بطبيعة طائفية» 
لأنها تتعلق بمسلمين كما بغير مسلمين. وهي أداة للسلطة» وتجد النزاعات فيما بين 
الدول الأوروبية صدئ لها في النزاعات فيما بين الزبائن أيضنا. وفي نظام 
السلطات الجديد هذاء يلعب الترجمانات المحليون للقنصليات دور! رئيمسيًا لأنهسم 


هرت 


يملكون الدراية المياشرة بالمجتمع ويتمتعون بالديمومة في مناص بهم قياًا إلى 
الدييلوماسيين الأوروبيين الذين تعد إقامتهم مؤقتة. والحال أن عائلات مسيحية 
مؤثرة كثيرة في الشرق الأدنى إنما تستمد منشأ ثرائها ونفوذها من هذه الوظائف 
الممارسة في منتصف القرن التاسع عشر. 

وفي تواز مع ذلك؛ تعيد الدول العظمى تأكيد حمايتها الدينية ويؤدي تنافسها 
إلى إنعاش الطائفية الوليدة. ووراء ذلك أكثر من منطق واحد. فالجماعات غير 
النشلفة: من حيث كوديا جماعات متمايزة ومعترفا بها من جانسب الدولة؛ هي 
مخلوق حديث العهدء حتى وإن كانت تعتمد على أحكام الحماية الإسلامية. وفي 
الدولة العثمانية؛ كانت الحقيقة الواقعية الأولى لهذه الجماعات حقيقة ضريبية:ء إذ 
كان عليها تنظيم نفسها لأجل دفع ضرائب خاصة. ومن حيث كونها مؤسسة تمتد 
إلى مجمل الدولة العثمانية» لم تكن هناك سوى الكنيسة الأرثوذكسية والكنئيسة 
الأرمنية. وفي القرن التاسع عشرء كانت الدولة العثمانية مضطرة إلى الاعتراف 
بالكنائس الكاثوليكية الاتحادية )١87١(‏ وبالكنائس اليروتستانتية .)١1841(‏ وتحتفظ 
هذه الجماعات غير المسلمة منذ قرون بعلاقات مميزة مع أوروبا المسيحية» ما 
يؤدي إلى اطلاعها بشكل جد مبكر على الحداثة الأوروبية ويمنحها تقدما تقافيًا 
وتعليميًا قويًا. ثم إنها تشهد نموا ديموغراقيًا سافراء ومعدل تزايد عدد أفرادها أعلى 
بكثير من معدل تزايد عدد السكان المسلمين. 

وفي منتصف القرن التاسع عشرء تستفيد هذه الجماعات كل الاستفادة من 
التحولات الجارية. فموقعها ممتاز في نظام التبادلات الاققصادية الجديد الذي 
فرضته أوروبا الصناعية. ويؤدي اهتزاز النظام التقليدي إلى تعديل موقع هذه 
الجماعات في المجتمع مع مشاركة في المؤسسات الجديدة الآخذة بالتشكل 00 
الولايات. وأخير! فإن الحماية الدينية الخارجية تصبح واقعًا ملموسًا لأن علاقة 
القوى تميل الآن بشكل ساحق إلى أن تكون في صالح أوروبا. 

وتصبح الحماية الدينية بؤرة المواجهة فيما بين الدول العظمى. 

ففي القدسء وبناء على طلب من البعثات التبشيرية البروتستانتية الحريصة 
على التبشير في صفوف السكان اليهود منذ عام 1/8595, طالبت الدييلوماسية 
البريطانية بحماية بريطانية ليهود فلسطينء ثم ليهود الدولة العثمانية كلها. وقد رد 

فده 


الباب العالي بالإحالة إلى مبادئ خط جولخانة؛ معطيًا إياها المعنى الجديد الخاص 
بتحرير غير المسلمين. وفي أربعينيات القرن التاسع عشرء كانت المنافسة مسعورة 
بين البلدان الأوروبية الرئيسية التي لها وجود في فلسطين: إنشاء أس قفية 
بروتستانتية أنجلو - بروسية في القدس في عام 2184١‏ وإنشاء بعثة كنسية روسية 
دائمة وعودة البطريركية الكاثوليكية في عام 18547 ومنذ أواخر أربعينيات القرن 
التاسع عشر تنشب معركة سافرة بين الكاثوليك والأرثوذكس - بعبارة أخرى؛ بين 
فرنسا وروسيا- بشأن حقوق هؤلاء وأولئك في الأماكن المقدسة بينما تهز أوروبا 
ثورات عام 1844» ربيع الشعوب. 

وفي جبل لبنان» بعد إلغاء إمارة الجبل في عام »١851‏ تنشب المواجهة بين 
الدروز والموارئة؛ جارين خلفهم البريطانيين والفرنسيين. وإذا كان الزبائن يقتتلون 
لأسبابهم الخاصة؛ فإن بوسعهم التلاعب بالحماة بالتأثير على موظفيهم المحليين 
وبالقيام بعمل دعائي في المترويولين. وهكذا فإن رئيس الدير نقولا مراد ينجح في 
ابام رسا رفز وى محال اكزراج لكر رو يطاق الور ربجا در درون 
لويس [الملك لويس التاسع] إلى الموارنة. 

وفي البلقان» كانت الجماعات الأرثوذكسية بسبيلها إلى التمايز على أساس 
إثني. على أن المطالبة الروسية بحماية تشمل كل الأرثوذكس إنما تعني بكل بيساطة 
نهاية ما يسمى بتركيا أوروبا لأن هذه الكنائس المسيحية تضم غالبية السكان. ومثل 
هذه المطالبة غير مقبولة بالنسبة للدولة العثمانية. 

وعندئذء لا يتركز الاهتمام الخاص بالإصلاحات على التحولات المؤسسية» 
بل على وضعية الجماعات غير المسلمة. والحال أن اليهود الذين لا يطالبون بشيء 
والمعرضين بالأحرى لمعاداة خبيثة للسامية من جانب الأرثوذكس إنما يجري 
إدراجهم في الاتجاه العام. 

وبحسب قول القيصر نيكولاي الأول في الأول من يناير/ كانون الثاني 
6 للسفير البريطاني لدى بطرسبورغ1", فإن «تركيا في تفكك كامل. ويجب 
أن نتفاهم في هذا الشأن. انظرواء بين أيدينا رجل مريضء؛ رجل مريض مرضًا 
وبيلاً ؛ وأنا أقول لكم بصراحة أنها قد تكون مصيبة كبرى إذا ما أفلت منا في يوم 
من هذه الأيام؛ خاصة قبل اتخاذ كل التدابير الضرورية (بالفرنسية في نص برقية 
السفير). 


2 


وهكذا تقترح روسيا بشكل شبه رسمي اقتسامًا جديذا للدولة العثمانية بين 
الدول الأوروبية العظمى» مصحوبًا باستقلالات بلقانية. وبما أن فرنسا وبريطانيا 
العظمى لا تبدوان مهتمتين؛ فإن روسيا تطالب علنا بالاعتراف بحمايتها 
للأرثوذكس وتأكيد حقوقهم في الأماكن المقدسة. ويرفض العثمانيون ذلك وتدخل 
روسيا الحرب في عام 18057.؛ ما يؤدي إلى التدخل المشترك من جانب فرنسا 
وبريطانيا العظمى. فتكون حرب القرم الممتدة من عام ١855‏ إلى عام .١1865‏ 

وهذه الحرب» كحرب عام 21744 تهدف إلى منع تقسيم الدولة العثمانية. 
وإلى جانب كونها آخر حرب من دون كراهية من جانب أوروبا مبدأ القوميات» 
فإنها أيضنا أول حرب لأوروبا الصناعية - فالوجود العسكري الفرنسي- البريطاني 
في البحر الأسود إنما يتم بفضل الملاحة البخارية» ومن هنا أهمية الحصول على 
الفحم. وتتم متابعة الحرب بشكل مباشرء وذلك بفضل امتداد الشبكة التلغرافية. ومع 
حرب عام ١605/‏ في إيطالياء تترافق حرب القرم مع إدراك المخاطر الصحية 
وضرورة تأمين الرعاية الصحية اللازمة للجرحى. ومن فلورانس تود إلسى 
هنري دينان» يظهر إلى الوجود الإنساني الحديث فاعل الخير الذي سيفضي إلى 
قيام الصليب الأحمر. 

وينصبُ الرهان في أن واحد على الحفاظ على الوحدة الترابية للدولة العثمانية 
وعلى وضعية غير المسلمين. وبما أن المسألة الترابية قد سويت بالاسستيلاء على 
سيباستويول والمحادثات الديبلوماسية المتعلقة بمصير الإمارات (رومانيا الحالية)» 
تبقى المسألة الثانية. والحال أن كثيرين من الأوروبيين كجلادستون يرون» معتزين 
بانتمائهم المسيحيء أن من «الشذوذ السياسي» أن يسيطر عاهل مسلم بشكل 
استبدادي على ملايين من المسيحيين. ويرى المنتصرون أن من الواجب التنصرف 
في هذا الموضوع من دون زعزعة الحمايات الأوروبية وإن كان أيضنًا من دون 
توسيعها. وفي نهاية المطافء لا بد للفرنسيين والبريطانيين من الحفاظ على 
المظاهر بإظهار التحرير في صورة قرار صادر بملء الإرادة من جانب الدولة 
العثمانية قبل مؤتمر باريس. على أن هذا القرار مصدوب: بنصائخ ملغة من جانب 
الحليفين [الفرنسي والبريطاني]. وإذا كان الجميع متفقين على المساواة في الحفوق 
وفي المعاملة بين المسيحيين والمسلمين؛ فإن الموضوع الرئيسي للخلاف يتعلق 


5 


بحرية تغيير الديانة» وهي حرية تشدّد عليها الدييلوماسية البريطانية بناءء على طلب 
من المبشرين البروتستانت. ويرفض العثمانيون ذلك تمامًا بسبب الهوية الإسلامية 
للدولة وصلاحيات الخلافة. وبعد مفاوضات منهكة؛ يتم التوصل إلى حل وسط 
بالتأكيد على حرية العبادة وتحريم إكراه شخص على تغيير ديانته» ما يعني ضمئيًا 
أن مسلمًا سابقا لن يكون بالإمكان إكراهه على العودة إلى ديانته الأصلية. 

والحال أن الخط الهمايوني الصادر في ١8‏ فبراير/ شباط ١857‏ هو النص 
التحريري الكبيرا). وهوء بحكم انطباقه على اليهود؛ متقدم على ما يجري في كثير 
من بلدان أوروبا المسيحية. وإذا كان الأوروبيون يريدون تحرير المسيحيين» فإنهم 
لا يعتزمون التخلي عن حقوقهم في ممارسة الحماية والتي كان من المفترض أن 
يلغيها تحرير على أساس فردي. فالمرسوم يمنح كل شيء للجماعات غير المسلمة 
وبشكل إضافي للأفراد غير المسلمين. وكل طائفة سوف تتمتع؛ باسم امتيازاتها 
وحصاناتها الممنوحة (“ام,:ب[/:ه 00» بدستور يتماشى مع التقدم وأنوار العصرء 
وهو دستور سوف يحدد صلاحيات رجال الدين وصلاحيات العلمانيين. وسوف 
تكون مسائل الأحوال الشخصية من اختصاص محاكم الطوائف. وينجم عن ذلك أنه 
إذا كان جميع الأفراد يمكن السماح لهم بتولي الوظائف العامة مع المساواة بينهم 
في الوضعية الضريبية» فإن التمثيل في مجالس الولايات والبلديات سوف يكون 
على أساس طائفي. 

والجماعة الطائفية أو الملة هي نتاج للحداثة» منبثقة في أن واحد عن التطور 
الداخلي للمجتمع العثماني وعن التدخل الأوروبي. وهي تبدأ من تحرير من زاوية 
الجماعة لا من زاوية الأفراد وتفضي إلى الطائفية السياسية. وتسجل معاهدة 
باريس في ٠١‏ مارس/ آذار 1657 «مقاصد» السلطان «الكريمة حيال الجماعات 
السكانية المسيحية». فقد كان من الصعب على الأوروبيين الاعتراف بأن الحقوق 
الممنوحة لليهود أرقى من الحقوق التي كان هؤلاء الأخيرون يتمتعون بها في قسم 
كبير من أوروبا. 

وبالمناسبة» يفرض الأوروبيون في الخط الهمايوني حق الأجانب في امتلاك 
ممتلكات عقارية في الدولة العثمانية. أمّا فيما يتعلق بالمصلحين» فإنهم يستفيدون 





(») منذ القدم؛ باللاتينية في الأصل. - م. 
كا 


من ذلك لتمرير برنامجهم الاقتصادي: إلغاء الالتزامات وإحلال التحصيل المباشر 
للضرائب محلهاء تشجيع أشغال المنفعة العامة» خاصة طرق المواصلات؛ وضع 
ميزانية عامة تتعهد الدولة بالالتزام بهاء إنشاء بنوك ومؤسسات مالية: «ولأجل 
الوصول إلى هذه الغايات» سوف نبحث عن الإمكانات اللازمة للاستفادة من علوم 
وفنون ورؤوس أموال أوروبا ووضعها بالتوالي موضع التطبيق». 
ويرى بعض الأوروبيين أن تحرير المسيحيين يشكل مرحلة نحو اختفاء 
الإسلام؛ وهو اختفاء يفترضون أنه مكتوب لا محالة في مسيرة التاريخ. ومن 
الغريب أن بإمكاننا أن نرى في ذلك قرينا لخطاب الفكر الحر عن اختفاء الديانات 
في العالم الحديث. وتستند هذه النظرة إلى الاضمحلال المتزايد للسلطات الإسلامية 
المستقلة وإلى النمو الديموغرافي الأعلى الذي تتميز به المجتمعات المسيحية» بما 
في ذلك مجتمعات مسيحيي الشرق. كما تحلم بعض الأوساط الإكليريكية بانبعاث 
شرق مسيحي على أنقاض عالم الإسلام. 
وبعض المسلمين قريبون من هذه النظرة ويرون في مرسوم التحرير والعمل 
التبشيري وتعدد التدخلات الأوروبية دليلا على مؤامرة واسعة تهدف إلى القضاء 
على الإسلام وهي مؤامرة قد يكون مسيحيو الشرق عناصرها الطليعية. وفي هذا 
السياق» نجد أن الولايات الشامية التي ظلت متعثرة في الإصلاحات إنما تشكل 
علا ملائمنا لنمو التوترات الطائفية. وأحداث عام ١86١‏ في لبنان وفي سوريأ 
حيث تتحول حركة اجتماعية لتحرير الفلاحين المسيحيين إلى أعمال عنف بين 
الدروز والموارنة» ثم إلى مذبحة لمسيحيين أرثوذكس في دمشق: إنما تجد صدى 
هائلاً في أوروبا حيث تختلط صورة الإسلام بصورة المذبحة. وتقرر فرنسا 
نايوليون الثالث التدخل وتحصل على تفويض أوروبي لما قد نسميه اليوم بحق 
التدخل. والعملية تتابعها الدول الأوروبية الأخرى عن كثب وهي تفضي إلى مؤتمر 
للسفراء الذين يقررون إنشاء جبل لبنان شبه مستقل ضضمن الدولة العثمانية يحكمه 
وال مسيحي يعينه الباب العالي بالاتفاق مع الدول العظمى» وتشكيل مجلس منتخب 
على أساس طائفي. وقد جرى التفكير في إنشاء سوريا كبرى مستقلة نسبيًا وفسق 
نموذج مصر. وقد جس نايوليون الثالث نبض عبد القادر [الجزائري]؛» الذي برز 
في الدفاع عن مسيحيي دمشقء لمعرفة ما إذا كان يقبل رئاسة مملكة عربية 


2 


سورية؛ لكن الأمير المقيم في المنفى لم يقبل ذلك. وقد اقترح البريطانيون تسليم 
قيادة هذا الكيان السوري إلى وزير مصلح عثماني؛ لكن هذا الوسط متمسك قبل كل 
شيء بالدفاع عن وحدة أراضي الدولة العثمانية. 

وفي المغرب الأقصىء حيث تلعب أهمية الطائفية اليهودية دورًا رئيسيًا في 
التعاملات التجارية؛ يحاول السلطان المغربي منع منح الحماية القنصلية لهؤلاء 
التجارء فهذا من شأنه انتزاعهم من سلطته وضرائبه. وتعترض فرنسا وبريطانيا 
العظمى على ذلك ولا تترددان في اللجوء إلى استعراضات بحرية مصحوبة 
بقصف للموانئ المغربية» خاصة في عام .١180١‏ وتضطر السلطات المغربية إلى 
الرضوخ وتقبل بالمناسبة نفسها نظام امتيازات مماثل للنظام الموجود في الدولة 
العثمانية. والحال أن المعاهدة الأنجلو - مغربية في ديسمبر/ كانون الأول ١867‏ 
إنما تكرس هذا التطور لأنها تمنح الأوروبيين حرية التجارة وتحديد الرسوم 
الجمركية بنسبة ٠١‏ في المائة (),,عم/هد #مء والإعفاء من كل الضرائب 
الأخرىء وإنشاء قضاء قنصلي. 1 

ومنذئذء نجد أن اليهود المشمولين بالحماية (نحو ٠٠١‏ شخصء أي 96١‏ من 
يهود المغرب الأقصى)؛ وقد استفادوا من نوع من التمييز الإيجابي؛ إنما يلعبون 
دور الوسيط بين أوروبا والمغرب الأقصى ويصبحون أدوات التغلغل الأوروبي. 
وتؤدي الحرب الإسبانية - المغربية بشأن تطوان في عامي 1801 و850١‏ إلى 
التعجيل بهذا التطور الذي يستثير توترات طائفية قوية مماثلة لتوترات شرق البحر 
المتوسط. ومن دون المضي إلى مرسوم تحريرء يتعهد سلطان المغرب في أمر 
عال صادر في عام 1854 بمعاملة اليهود بإنصاف؛ «بأن يُقام ميزان العدل في 
الإدارة بينهم وبين من ليسوا يهوذاء بحيث لا يكون أحد منهم ضحية للظلم السشين 
وبحيث لا يطالهم أي أذئ وبحيث لا يكون بوسع موظفي المخزن [الإدارة] ولا أي 
أحد إيذائهم في أنفسهم ولا في ممتلكاتهد»(؛) ("". 

والحال أن الدول الأوروبية» والتي سرعان ما تلحق بها الولايات المتحدة؛ 
إنما تتشبث بالأمر العالي وتهنئ السلطان على منحه المساواة الكاملة لرعاياه 





(::) من قيمة السلع, باللاتينية في الأصل. - م. 
(<<) ترجمة عن الفرنسية. - م. 
4م 


اليهود. وفي الوقت نفسه؛ تجعل من نفسها ضامنة للآمر العالي ومن ثم تمنح نفسها 
حق الحماية لكل اليهود المغاربة» وهو حق في التدخل؛ قبل ظهور هذا المصطلح. 
والحال أن هذه الحماية إنما تجد نفسها بدورها مقيدة بعدم قدرة الدولة المغربية على 
فرض سلطتها على جزء من أراضيها. وخلافا للدولة العثمانية الآخذة بإعادة فرض 
المركزية؛ فإن السلطئة الشريفية تضعف جرّاء اتصالها بأوروبا. 

وبعد الاستيلاء على الجزائر؛ وجدت تونس نفسها في وضع شبه تبعية لفرنسا 
التي تضمن لها استقلالها عن الباب العالي العثماني. كما أن باي تونس قد استفاد 
من ذلك لكي يمتنع عن تطبيق مرسوم جولخانة كما عن تطبيق الإصلاحات 
الرئيسية التي أجازتها السلطة العثمانية. وهو يحاول خلق دولة وجيش حديث؛. لكن 
الإصلاحات التي جرى الإعداد لها بشكل سيء إنما تفشل فشلا يدعو إلى الرثشاء. 
والأعباء الضريبية تزداد فداحة بينما الاقتصاد الريفي يذبل. وعلى أثر إعدام 
يهوديّ بتهمة التجديف في عام 18617؛ تقوم فرنسا وبريطانيا العظمىء بفضل 
استعراض لقوتهما البحرية» بفرض ضرورة الإصلاحات. والحال أن الميثاق 
الأساسي: الصادر في 1 سبتمبر/ أيلول 185177؛ إنما يستعيد بنود خط جولخانة 
وخط عام 1867ء ويعلن أمن أنفس وممتلكات سكان الإيالة والمساواة أمام القانون 
وفي الضرائب وإلغاء امتيازات المسلمين والقيود على التجارة وإلغاء الاحتكارات؛ 
ويمنح الأجانب حق التمتع بالممتلكات وممارسة جميع المهن. ويتم إصدار دستور 
قائم على هذه المبادئ في عام ١85١‏ وهو ما يلقى ترحينا قويّا من جانب أوروبا. 
إل أنه يتم تعطيله في عام ١874‏ على أثر انتفاضة قامت بها قبائل لأسباب مناوئة 
للضرائب أساما. وإذا كان التمرد قد تم سحقه بقسوة:؛ فإن الدولة التونسية إنما تجد 
نفسها مدينة بشكل مقيم. ويجري إشهار الإفلاس في عام 1871» وفي العام التالي؛ 
يجري فرض لجنة مراقبة مالية أجنبية (فرنساء بريطانيا العظمى؛ إيطاليا) على 
موارد الدولة التونسية. 

وفي تونس والمغرب الأقصىء يتحقق شبه تحرير اليهود بفضل المجهود الذي 
لا يكل من جانب ممثلي اليهود في بريطانيا العظمى وفرنساء كمونتفيوري وكريميو 
خاصة. وعلاوة على الجانب الإنساني الذي سمح لهم بالحصول على المساندة مسن 
جانب أروقة بلدانهم» فإن مطلب الإصلاحات المدعوم بدييلوماسية البوارج قد ساعد 


6.8 


على تأمين التغلغل الاقتصادي الأوروبي وتأسيس تبعية متزايدة حيال دول التوافسق 
الأوروبي. 

ولعل نايوليون الثالث هو أول من أدرك في أوروبا الغرابة المتمثلة في 
الاتجاه إلى تحرير غير المسلمين مع الاتجاه في الوقت نفسه إلى إخضاع المسلمين 
ضمن الإطار الاستعماري. وبمساعدة مستشارين مستنيرين كإسماعيل أوربان» 
يحاول قلب السيرورة الجارية في الجزائر بسياسته الشهيرة عن المملكة العربية 
المقذر لها أن تكون مرتبطة بالكيان الفرنسي بأكثر من أن تكون خاضعة له. وكما 
تدل على ذلك رسالته الشهيرة إلى ماكماهون في ٠١‏ يونيو/ حزيران 201856 
فهو يود أن يجعل من معاملة المسلمين في الجزائر الوسيلة الجديدة لنفوذ السياسة 
الفرنسية في الشرق: «إن فرنساء التي تتعاطف في كل مكان مع أفكار القومية:؛ لا 
يمكنهاء أمام العالم؛ تبرير التبعية التي تضطر إلى إيقاء الشعب العربي فيها؛ إن لم 
تدعه إلى وجود أفضل. وعندما يكون أسلوبنا في إدارة شعب مغلوب موضع 
اشتهاء من جانب ملايين العرب الخمسة عشر المنتشرين في الأجزاء الأخرى من 
أفريقيا وآسيا ؛ وفي اليوم الذي ستظهر لهم فيه قوتنا المتمركزة على سفوح 
الأطلس بمثابة تدخل من جانب العناية الإلهية ؛ في ذلك اليوم؛ سيجلجل مجد فرنسا 
من تونس إلى الفرات وسيكفل لبلدنا تلك الصدارة التي ليس من شأنها استثارة حسد 
أحدء لأنها تستند ليس إلى الفتح؛ وإنما إلى حب الإنسانية وإلى التقدم. والحال أن 
السياسة الذكية هي الدعامة الأقوى للمصالح التجارية. وماذا تكون السياسة الأذنكى 
بالنسبة لفرنسا إن لم تكن تلك السياسة المتمثلة في منحها في دولها للأجناس 
المحمدية» غفيرة الأعداد في الشرق وقوية التضامن فيما بينهاء على الرغم من 
المسافات؛ الضمانات الأمينة للتسامح والإنصاف والمراعاة لاختلاف العادات 
والعبادات والأجناس؟». 

وسوف تفشل هذه السياسة بسبب المقاومات التي أبدتها الأوساط الإدارية 
والعسكرية واعتراض الليبراليين والجمهوريين على مشروع كهذا وثيق الارتباط 
بالسلطة الشخصية وبالتحرك الملكي. وفي نهاية عهد الإمبراطور نايوليون الثاندث 
سوف تتجه السياسة الفرنسية إلى دعم مشروعات المصلحين العثمانيين» خاصة مع 
إنشاء ليسيه جالاتا سراي الإمبراطوري في القسطنطينية والرامي إلى تشكيل تقافة 


ويمكن فهم خطاب نايوليون الثالثن ضمن تحولات الفضباء والهوية المميزة 
لستينيات القرن التاسع عشر. 


تحولات الفضاع. 
تحولات الهوية 

استوعب المصلحون العثمانيون تمامًا منطق التنمية الذي يتماشى مع الدخول 
في عصر الثورة الصناعية. وفضاء شرق البحر المتوسط كله بسبيله إلى إعادة 
الهيكلة. وتصبح الأساكل البحرية القديمة والموانئ الجديدة النقاط الأصلية لمحاور 
تغلغل وتداول السلع والمواد الأوليّة. وفي مرحلة أولى» ترتبط الموانئ بالداخل 
عبر طرق حديثة وليس بعذ عبر دروب القوافل. وبما أنها تفع على مسافات 
منتظمة» فقد سهلت بذلك الوصول إلى المناطق الداخلية. وفي مرحلة ثانية:؛ تنشأ 
هيراركية للموانئ ترتبط ب (م:,ه!ج)::/ شاسعة سرعان ما تتحدد بشبكة سكك 
حديدية. والمدن المستفيدة من هذا التطور مدن جديدة كيافا أو بيروت بأكثر مما 
هي مدن قديمة كطرابلس أو صيدا. وتصبح هذه الموانئ الحديثئة محطات على 
خطوط الملاحة البحرية المنتظمة وترتبط في ستينيات القرن التاسع عشر بأورويبا 
بالتلغراف. فندخل في عالم جول قيرن. 

وتشهد السواحل المتوسطية نهضة حقيقية وتجتذب إليها بأكثر من مدن الداخل 
ثمار النمو الديموغرافي وبداية النزوح من الريف. والحال أن الطرق القديمة 
الكبرى لتجارة القوافل والتي كانت تربط مدن الداخل فيما بينها قد حلت محلها هذه 
الطرق الحديثة التي تحدّد فضاء إنتاج لمواد أولية زراعية في الأغلبء هو الداخل» 
وموقع تبادل» هو الميناء» وقطبا جاذباء هو أوروبا. والحاصل أن تبادلات الفسضاء 
المسلم مع أوروبا إنما تتغلب إلى حد بعيد على التبادلات الداخلية. وإذا كانت جبهة 
متقدمة للاسترداد الزراعي تزيح إلى الوراء بشكل متصل الحدود بسين عالم 
المستقرين في المكان وعالم المترحلين؛ فإن هذا إنما يرجع إلى الوجود الماثئل الآن 
لسوق أوروبية استهلاكية للمنتجات الزراعية وإلى وجود دولة ممصلحة حريصة 
على التنمية. 0 
(*) أرض داخلية» بالإنجليزية في الأصل. - م. 


2:١ 


انه 


والآن تملك الدولة العثمانية أدوات إعادة مركزتهاء بعد أن تعلمت من خبرة 
طويلة ومن اهتماماتها الضريبية. ويسمح الجمع بين الجيش والجندرمة بتهدئة قوية 
للفضاء الداخلي تؤدي إلى إنهاء الاستقلالات الذاتية القديمة للأعيان المحليين 
والقبليين. ويسمح استخدام النقل البحري والطرق والتلغراف ثم السكك الحديدية 
التالية مباشرة بالانتقال السريع لقوات استعادة النظام. ويصبح الأمن العام هو 
الشاغل الرئيسي وهو يتأسس أيضنا على ربط النخب المحلية بالتنمية بفضل تشريع 
عقاري جديد يسمح بتكوين ملكيات عقارية كبيرة بما يجمع المحلي بالعالمي ويسمح 
بتوجيه الاستثمارات نحو الزراعة: بما أنه قد جرى التخلي عن كل أمل في 
التصنيع بسبب استحالة وضع تشريع جمركي حمائي جراء الامتيازنات ومعامدات 
التجارة. 

ومصر الخديوي إسماعيل هي أروع تمثيل لهذا التطور. فأزمة القطفن 
المترتبة على حرب الانفصال الأميركية تعود بالثراء الملحوظ على البلد وذلك 
لصالح نخبته الحاكمة القائمة على الاختيار من بين أفراد بين سلالة محمد علي 
والأعيان المحليين. والملكية العقارية الكبيرة» الأخذة في الظهورء مسلمة بالأخص» 
في حين أن البورجوازية التي هي في غالبيتها العظمى غير مسلمة؛ بل أجنبية» 
تتموقع في دائرة التبادلات مع أوروبا. والدولة الحديثة تنفق إنفاقات ملحوظة» لأجل 
. الاستثمار كما لأجل مظهريات الهيبة. وسرعان ما تلجأ إلى الاستدانة التي تصبح 
كلفتها متزايدة لأن انتمانها ليس من نوعية جيدة؛ ومن هنا الشروط غير المؤاتية 
بشكل متزايد باطراد. ويبدو المدّخر الأوروبي مُغرمًا بأسهمه الشرقية ذات العوائد 
المزفعة::وتغرف الدولة العثمانية وتؤنس المضير نفسه لأن النظام الضريبي له 
يسمح بتأمين تكاليف الدفاع عن البلد (حرب القرم) وتكاليف سير عمل الدولة 
الحديثة وتكاليف التنمية. 

واعتبارا من عام 218/٠١‏ تساعد الموانئ على الإشراك الكامل لعالم البحر 
المتوسط الشرقي في مغامرة العولمة الأولى والهجرات الكبرى عبر القارات والتي 
ساعد عليها الربطٌ بين شبكات السكك الحديدية وخطوط الملاحة البخارية. وبشكل 
لا مقر منه» تقل المسافات الزمنية. وافتتاح قناة السويس في عام ١815‏ يرمز إلى 
ذلك مع اختزال طريق الهند الذي ساعدت عليه. ففي مستهل القرن التاسع عشرء 

447 


كان الذهاب من بريطانيا العظمى إلى الهند يتطلب ستة أشهر ؛ أما في أواخر 
القرن؛ فلم يكن يتطلب سوى ثلاثة أسابيع؛ والتلغراف ينقل أهم المعلومات مباشرة. 

وفي المدن المرفأية» تستفيد من هذا التطور بورجوازية غير مسلمة في 
معظمها. وهي تكتسب ثقافة حديثة بفضل شبكة متنامية من المؤسسات المدرسية 
التبشيرية» الكاثوليكية كما البروتستانتية. واعتبارًا من عام 2186١‏ تتمتع الطوائف 
اليهودية بمؤسسة التحالف الإسرائيلي العالمي التي تهتم بالتحرير عن طريق التعليم 
مع حرص على إدراج هذه الطوائف الفقيرة في عالم الإنتاج الحديث. أمّا الإدارة 
التي جرى إصلاحهاء فهي تستخدم بشكل متزايد باطراد الفرئسية التي تصبح ب ذلك 
لغة الحداثة» عند المسلمين كما عند غير المسلمين. 

وتتمثل إحدى النتائج غير المتوقعة لعودة النظام ولإعادة المركزية في 
المعركة التي خاضتها السلطة العثمانية ضد إساءة استخدام الحماية القنصلية. ففي 
الممارسة العملية» تسمح السلطات العثمانية بها عندما يتعلق الأمر بغير المسلمين» 
لكنها ترفضها فيما يتعلق بالمسلمين الذين لا يجب لهم الاعتراف إلا بسلطة خليفة 
المسلمين وحدها. وبما أن إخماد الفتن يضطر القنصليات إلى أن لا يكون لها الآن 
من محاورين في مجال النظام العام سوى ممثلي السلطة في الولايات» فإن الحماية 
القنصلية للمسلمين تفقد أهميتها بصورة ملحوظة. وينبثق عقد اجتماعي ضمني 
جديد: القنصليات الأوربية تهتم بغير المسلمين والسلطات العثمانية تهتم بالمسلمين. 
وليس هذا سوى بداية» بالنسبة للمصلحين. فالحل الطائفي يتعارض بالفعل مع 
الروح الحديثة ويومًا ما سيجد سكان الدولة كلهم وحدة تشريعية كما هي الحال في 
بلدان أوروبا الغربية. 

وهكذا تظهر الدولة العثمانية وقد دخلت في سباق سرعة حيث تهدف 
الإصلاحات وإعادة المركزية والتنمية إلى استعادة استقلالها وإن كان بالإسهام في 
مرحلة أولى في تعزيز خضوعها للنظام الأوروبي. وبالمقابل» تظل فارس 
القاجاريين في كهف ما أكل الدهرٌ عليه وشرب. فالسلطة عاجزة عن تأمين إعادة 
المركزية والتهدئة» ومن هنا البقاء الأطول لقوة القنصليات الأجنبية التي يصل بها 
الأمر إلى حد التمتع بقوات مسلّحة والتي يمكن لشبكة حماياتها أن تمتد إلى 
جماعات قبلية مهمة في إطار لعبة كبرى بين البريطانيين والروس كالعادة. وتجد 


5 


الدولة الفارسية نفسها تحت ضغط الدولتين العظميين. وهي تحاول باستماتة 
الحصول على ضمان بريطاني لوحدتها الترابية التي يهددها التغلغل الرورسي في 
آسيا الوسطى. إلا أنه يجري الاتجاه بالأحرى صوب تقسيم للبلد إلى منطقتي نفوذ» 
بحيث يكون الشمال للروس والجنوب للبريطانيين. وألا يمضي الشاه ناصر الدين 
(1844 --1845) إلى الشكوى من اضطراره إلى معرفة رأي الروس إن أراد 
الذهاب إلى الشمال وإلى معرفة رأي البريطائيين إن أراد الذهاب إلى الجنوب؟ 

أمّا الحياة الفكرية» المفعمة بالحيوية بشكل خاص في الأوساط الدينية؛ فلا 
يكاد يرصدها المراقبون الأوروبيون الذين توقفوا عند مرويات موريير أو جوبينو. 
على أن الحركة الخلاصية البابية تجتذب أنتباه الأوروبيين المهتمين برصد الكيفية 
التي يولد بها دين جديد. فالديانة لدف وقد أصبحت البهائتية والمضطهدة في 
يلها الأصلي: تدخل في :ينب اللحكم الشتركية المتلقاة في الغرب. 

أمّا المغرب الأقصى فهو مجتمع 520 
يفتقر إلى فكبة مَمَيلخة مطلعة علق الأفكار الأوروبية وتسعى إلى إنشاء دولة 
حديثة. وقد جرت بضع محاولات بالفعل عبر مشروعات أعمال مرفأية كبرى» 
لكن هذه المشروعات لم تكن غير نزوات. فالإمكانات المالية غير كافية والدول 
المتمتعة بالامتيازات ترفض زيادة الرسوم الجمركية. ويؤدي الزحف الأوروبي 
بلعبته متعددة الأركان والمستندة إلى الحمايات القنصلية والتدخلات المتنوعة إلى 
إضعاف سلطة الدولة التقليدية. وبينما نجد في فارس لعبة دولتين عظميين أساسناء 
فإن القنصليات الغربية في المغرب الأقصى (نحو دزينة) تتمتع بزبائن وتحدث 
بينها مواجهات في لعبة صراع على النفوذ تتميز بالتعقيد. والحال أن الداء القنصلي 
(كقمها/اىةرمه ك)ة 70 )» بل والسعار القنصلي (5ز- !ىم 7:1:0)» كما تسميهما 
وزارات الشؤون الخارجية» إنما يصلان إلى أقصى درجاتهما. وتسعى إنجلترا إلى 
الحد من المساوئ بعقد مؤتمر دولي في هذا الصدد في مدريد في عام .188٠‏ 
ويحصل السلطان على بضعة تنازلات كالحق في فرض ضرائب على المتمعتين 
بالحماية» لكن المسألة المغربية إنما تجد نفسها وقد جرى تدويلهاء بحكم مجرد عقد 
مؤتمر بشأنها. 

وتتمثل نتيجة أخرى لثورة المواصلات في تقارب الجماعات السكانية المسلمة 
المختلفة. فالبحرية البخارية والسكك الحديدية والتلغرافات والصحافة وء بشكل أعمء 

2 


المطبوعات؛ تؤدي فجأة إلى الربط فيما بين فضاءات كان البُعد الجغرافي في 
السابق يجعل من التواصل فيما بينها ضعيفا. وهكذا يبدأ خليفة القسطنطينية في 
القلق على مصير المسلمين الهنودء بل والمسلمين الصينيين. ويمكن القول بشكل 
رمزي إن افتتاح قناة السويس في عام 1854 قد أدى إلى ظهور واقع جديد 
ومشش» هو «العالم الإسلامي». والحال أن مسيرة جمال الدين الأفغاني؛ وهو 
فارسي شيعي يذهب في سبيل معركته إلى أفغانستان والهند البريطانية 
والقسطنطينية ومصرء إنما تعبر تمامًا عن هذه الجدة. 

وإذا كانت المواصلات تؤدي إلى تحويل الفضاء بمساعدتها على انبثاق عالم 
إسلامي؛ فإن الهويات إنما تأخذ في التحدد بالانتماء الترابي. والحال أن زوال 
الوظائف الاجتماعية؛ وانبثاق الدولة الحديثة» وضرورة التوافق مع الخطاب 
الأوروبي هي العناصر الرئيسية لهذه السيرورة التي تندرج في إطار التباينات 
الإقليمية. وفي تونس وفي مصرء حيث نجد أنفسنا إزاء ولاية تدير شؤونها بنفسها 
وتكاد تكون مستقلة عن الدولة العثمانية» تشجع الدولةٌ المحليةٌ هذه ال واهر لكي 
تؤكد على ابتعادها عن السلطة المركزية. ثم إن النغب الحاكمة العثمانية تمد 
جذورها في البلد وتجتذب إليها الأعيان من أهل البلد» بما يشكل ظاهرة تحول 
قومي من أعلى. وفي الوقت نفسه؛ تضطر الدولة الحديثة الآخذة في التشكل إلى 
استخدام لغة البلد وإلى إيجاد طبقة من الموظفين من أهل البلد فتتجه بذلك إلى 
تحول قومي من أسفل. وهذه السيرورة أكثر تقدما في مصر حيث يتحقق تكوين 
الدولة عبر اعتراف بالأآرض وتعريف لها. ولا يحول هذا دون صعود أرفع 
عناصر الطبقة الحاكمة إلى مناصب رفيعة في الدولة العثمانية. 

أمّا في الدولة العثمانية نفسهاء فإن خطاب الدولة يسعى إلى حفز هوية 
عثمانية مشتركة تتجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية. وغداة اضطرابات عام 
> نرى أيضنا انبثاق إدراك غائم سوري وعربي في أن واحد في خطاب 
بعض المثقفين الذين يستعيدون التفسيرات الأوروبية. وخلاقا للحالتين التونسية 
والمصرية» لا تشجع الدولة هذه الهويات الإقليمية» ومن هنا التأخر الذي تأخذه هذه 
الهويات في تعريف نفسها بشكل محتّد. إلا أنه كرد فعل على أحداث عام 2185٠‏ 
تسعى التعريفات الهوياتية الجديدة إلى تجاوز الإطار الطائفي. وسوف تنتج عن 


ه55 


ذلك خصوصيةً عربية - سورية في الإطار العشانئي؛ حيث يشارك مسلمون 
ومسيحيون كما في مصر في تحديد المعالم الجديدة. 

وبالمقابل» في بقية الدولة العثمانية؛ يتغلب البعد الطائفي في تحديد الهويات 
الجديدة. والبلقان بالطبع متقدمة في هذه السيرورة. فبعد حرب القرم؛ لم يتمدمن 
الوارد الحديث عن مرجعية أرثوذكسية واحدة لكل المسيحيين. على العكس؛ فكل 
كنيسة أرثوذكسية إنما تصبح قالب صوغ الهوية الجديدة ومن هنا التأكيد على 
وجود قوميات صربية ويلغارية ويونانية ورومانية يمكنها أن تدعي لنفسها الحق 
في الدول الكبيرة السابقة على الفتح العثماني. ومنذئذ: يصبح العنف فيما بين 
الشعوب المسيحية ملازما لا مفر منه لسيرورة الانكفاء على البُعد الترابي. وفي 
سياق هذه الحركة نفسهاء نجد أن المسلمين البلقانيين» حتى عندما يتقاسمون مع 
جماعة مسيحية اللغة الأم نفسهاء إنما يجري تعريفهم على أنهم دخلاء وغرباءء 
ومن هنا توترٌ في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين الذين يخشون؛ محقين» من 
أن يجد أي تقدم نحو الاستقلال القومي ترجمة له في إقصاءء بل طردء لهم. 

والمصلحون العثمانيون مدركون تمامًا للميرورات الجارية ويناشدون الممثلين 
الأوروبيين الحفاظ على السلطة العثمانية التي تشكل الملاذ الممكن الوحيد حيال 
انفجار أعمال عنف لا تغتفر. وهذا هو ما يوضحه؛ في عام 21857 علي باشا 
للوزير الفرنسي للشؤون الخارجية2"7؛ فهو يقول: «إن وجود الدولة العثمانية مهم 
للحفاظ على التوازن الأوروبي. إنني أعتقد ذلك وإذا ما درسنا في العمق ومن دون 
تحيز روح وحالة مختلف القوميات التي تشكل سكان تركياء فسوف ننتهي إلى 
الاقتناع بأن الترك وحدهم هم الذين يمكنهم أن يكونوا همزة الوصل فيما بين [هذه 
القوميات] وأنها إذا ما تركت لنفسها أو جرت الرغبة في إخضاعها لسيطرة 
أحداهاء أو جرى التفكير في إنشاء شيء كاتحاد كونفيديرالي» فهذا من شأنه أن 
يعني الفوضى والحرب الأهلية الأبدية. وهكذا فلا يمكن لشيء أن يكون بديلا في 
الشرق عن هذه الدولة [العثمانية] العريقة التي يجد أعداؤها سرورا في القول بأنها 
مريضة بينما لا يملك المراقبون المحايدون سوى تأكيد العكس [...]. 

«إن إيطاليا التي لا يسكنها غير جنس واحد يتكلم اللغة الواحدة نفسها ويسدين 
بالدين الواحد نفسه إنما تواجه الكثير من المصاعب في تحقيق وحدتها. وهي لم 


41 


تجن الأن من حالتها الراهنة سوى الفوضى والاضطراب. ولكم أن تتخيلوا ما قد 
يحدث في تركيا إذا ما جرى إطلاق العنان لشتى الطموحات القومية المختلفة والتي 
يسعى إلى حفزها فيها الثوريون وبعض الحكومات. قد يتطلب الأمر قرنا من 
الزمان وشلالات من الدماء لفرض حالة تتميز بشيء من الاستقرار». 

وهذه الرسالة ليست مفهومة بالمرة في الأروقة الأوروبية في اللحظة التي 
تتحقق فيها الوحدتان الإيطالية والألمانية وحيث يسود تصورٌ عن تناسب تام بين 
الأرض والأمة. وكما يبين النصء فإن الإحالة التركية تبدأ في الحلول محل الإحالة 
العثمانية في الخطاب الفرنسي لرجال الباب العالي. والأغلب أن استخدام اللغة 
الأوروبية يسمح بقول أشياء كان لا يزال من المتعذر قولها باللغة الأصلية. وفي 
الاستخدام الجاري بالفعل» يجري التمييز بين الترك والعرب من دون إعطاء طابع 
سياسي خاص لهذا التمييز اللغوي. 

وفي الأناضول؛ نرصد مع فارق زمني معين التطور نفسه الذي يحدث في 
البلقان. فمملكة اليونان تنتهج؛ باسم «الفكرة الكبرى»» سياسة توحيدية موجّهة إلى 
كل الناطقين المسيحيين باليونائية حيث الهدف النهائي لهذه السياسة هو استعادة 
الإمبراطورية البيزنطية. وتبدأ النخب الأرمنية في التعبير عن نزعة قومية أرمنية 
لا يمكن لمشروعها أن يتحقق إلا بالعمل على الاعتراف للأناضول بالمصير نفسه 
الذي آلت إليه البلقان. ومنذئذء فإن المسلمين الأناضوليين» حتى وإن كانوا في 
الأصل ناطقين باليونانية أو الأرمنية» إنما يضطرون إلى التحصصن ضمن هوية 
إسلامية عثمانية» يل تركية بالفعل. وتدفق لاجئين مسلمين من القوقاز ومن البلقان 
يمضي في هذا الاتجاه. وفي حين أن المدن الساحلية المتوسطية تتميز باختلاط 
الشعوب حيث توجد في أهم بعضها غالبية مسيحية؛ فإن العلاقات فيما بين 
الجماعات في الداخل الأناضولي إنما تتميز بالتوتر. والحال أن بداية النمو 
الديموغرافي تضيف عوامل لشقاقات» وذلك بالأخص حيثما تصبح جماعة فلاحية 
مسيحية منافسة على استخدام الأراضي مع الرعاة التركمان أو الأكراد شبه 
المقو خلين: 


أسلمة الإصلاحات أم إصلاح الخطاب الإسلامي؟ 

الحاصل أن التقدم الروسي في آسيا الوسطى ومحاولات البريطانيين الجديدة 
بلا طائل في أفغانستان والصراع على النفوذ بين الفرنسيين والإيطاليين في تونس 
إنما تجعل من وحدة مصير المسلمين في مواجهة تقدم أوروبا المسيحية المتواصل 
على حسابهم أمرا جليًا. فقد انتهت المقاومة المجيدة التي أبداها عبد القادر 
الجزائري أو شامل الشيشاني بحمام دم رهيب وبفرض نظام استعماري قمعي 
بشكل خاص. وبعشرات الآلاف» لجأ مسلمون قوقازيون أو جزائريون إلى الدولة 
العثمانية حيث جرى استخدامهم في السيطرة على تخوم عالم الرحل وكعوامل في 
تحقيق انغراس سكاني مستقر في الأناضول على امتداد الهلال الخصيب. 

وفي مستهل سبعينيات القرن التاسع عشرء يبدو زخم المصلحين العثمانيين 
فكطما وتصبح ممارسة الإصلاحية السلطوية موضع منازعة. ويحاول السلطان 
استعادة سلطاته حيال الباب العالي» لكنه لا يملك إمكانات لذلك؛ ومن هنا الاتنعسدام 
المتعاظم للاستقرار الوزاري. وفي صفوف الطبقة الحاكمة وفي إطار الصراع 
على السلطة يتحتم التوصل إلى برنامج جديد للحكم. 

وحتى ذلك الحين» كان شعار دعاة التحديث العثمانيين والفرس هو أمن 
الممتلكات والأنفس وترشيد الإدارة وإنشاء جهاز عسكري حديث وتنمية الأرض. 
وكانت هذه العناصر مترابطة فيما بينهاء في تفكيرهم؛ ترابطا وثيقا وقد سمحت 
بتأمين المصالح الجماعية للطبقة الحاكمة حيال الأسرة المالكة السأئدة» كما سمحت 
بتأمين المصير العملي الفردي لكبار الموظفين وثرائهم الشخصي وبقاء الدولة. 

وعلى الرغم من تكوين مجالس إدارية على مختلف مستويات الدولة 
والأرضء فقد ظل الضعف الرئيسي للبرنامج ماثلا في عدم أخذ مشاركة السكان 
في الحسبان. 

وهكذا فإن المصلحين البيروقراطيين الفرسء الحريصين على كسب عطف 
البريطانيين وعلى تنمية موارد البلد؛ قد تفاوضوا في عام 1١47”‏ مع اليارون 
يوليوس دو رويتر (منشئ الوكالة التي تحمل الاسم نفسه) على امتياز يشمل كل 
الموارد المنجمية غير المستغلة» وكذلك كل أشكال الاقتصاد الحديث (السكك 
الحديدية» المصانع الريء البنوك). ولم يحدث قط في التاريخ أن عرف بل تنازلا 


5: 


كهذا عن موارده لأجانب. إلا أن البداية كانت من العدم؛ وكان لا بد بالفعصل من 
استثمارات قادمة من الخارج. وهذا الامتياز يستثير اعتراض ائتلاف من أعيان 
ورجال دين حيث تجتمع روح قومية صادقة لدى السبعض ورفض التجديدات 
الغربية التي تهدد النقاء الديني لدى البعض الآخرء وكذلك تشجيعات روسيا لزبائنها 
المحليين. وبدعم من الجماهير الحضرية؛ تجبر الحركة الشاه؛ الذي قام للتوّ برحلة 
إلى أوروباء على التراجع وإلغاء الامتياز في عام 1877. ولأول مرة» نجحت 
حركةً للرأي العام» تجمع بين التقليدي والحديث؛ في إحباط تحرك المصلحين. 

وفي هذا الربع الثالث من القرن التاسع عشرء يوجد بالفعل رأي عام مسلم 
يتحدد بالفئات الاجتماعية المطلعة على عالم المطبوعات. وإلى جانب رجال الدين 
ذوي الإعداد التقليدي والذين يشاركون في هذا العالم» نجد مثقفي الطبقات الحاكمة؛ 
كما نجد بورجوازية الموظفين والتجارة. وتنبع الجدة من ظهور فئة جديدة» هي فئة 
الكتاب الاجتماعيين. وهم كتاب كتب ومقالات» محترفين للكتابة. ولا يمكنهم 
العيش؛ بوجه عام؛ إلا من الكتابة» وإذا لم تكن لديهم مصادر دخل أخرى؛ فإنهم 
يعتمدون؛ على إعانات تقدمها لهم كبار شخصيات الدولة في إطار الصراع على 
السلطة. 

وبحلول ستينيات القرن التاسع عشرء يجد المثقفون الجدد أنفسهم في اتصال 
وثيق بالتأملات المتعلقة بمستقبل الدولة. وإذ يشكلون نوعًا من معارضة للمصلحين 
السلطويين؛ فإنهم يطورون موضوع المشاركة الضرورية؛ بل الانخراط» من جائب 
السكان في تحقيق الإصلاحات لتمكينها من بلوغ كل نتائجها. وقد اعتبروا استبداد 
السلطة في أراضي الإسلام والجهل. بالفكر العلمي السببين الرئيسيين للتأخر عن 
أوروبا. وبشكل ساذج» قام هؤلاء الليبراليون الأوائل بإلقاء المسؤولية عن النزاعات 
الإثنية والطائفية على عدم وجود مشاركة في السلطة؛ أي على غياب التمثيل 
السياسي. ورأوا أن من شأن إقامة نظام برلماني وفق النموذج الأوروبي تسوية كل 
الأمور وإنهاء التدخلات والحمايات الأجنبية بضربة واحدة. 

وتكمن الأهمية الحقيقية لعملهم في إدراك ضرورة مخاطبة الرأي العام ومن 
ثم تكييف المعجم السياسي الأوروبي مع المعجم السياسي الإسلامي. وهكذا فإن 
مفهوم «الشورى» الكلاسيكي, الذي كان يشير في الأصل إلى مستشاري الأميرء 

6ط 


قبل أن يصبح عند المصلحين السلطويين صفة المجالس الإدارية المركزية والمحلية 
للدولة الحديثة» إنما يأخذ معنى البرلمانية: بل الدستورية. وقد أدرك هؤلاء 
الليبراليون أن الفشل الكبير للإصلاحات هو الصدمة التي أحدثتها في الوعي الديني 
وظهورها بوصفها مشروع أوربة. ولذا فلقطع شوط أبعدء لا بد من أسلمة 
الإصلاحات. 

وقد جرى تطوير هذه الأفكار الجديدة في الصحافة والكتب. كما كانت 
المحافل الماسونية بما فيها من اختلاط اجتماعي من النمط الأوروبي مروّجة لهذه 
الأفكارء ولم تتردد الشخصيات الكبيرة في نشر برامج إصلاحات تحمل اسمها وفي 
هذا الاتجاه. ‏ 

ويتوافق مع هذا التيار الأول ذي مصدر الإلهام الليبرالي الأوروبي تيار آخرٌ 
مصدرٌ إلهامه ديني» حتى وإن كان يتأسس هو أيضنا على تأمل في تاريخ أوروباء 
الذي تصبح الدراية به أفضل فأفضل. والانحدار السياسي والمادي للعالم الإسلامي 
حقيقة بديهية أمام صعود السيطرة الأوروبية الكاسح الظاهر. على أن الأمر لم يكن 
كذلك دائما وكان الإسلام في السابق هو القوة المسيطرة في العالم القديم ثم إنه كان 
حامل العلوم والتمدن. وقد حدث شيء ماء إذ حدث انحراف في لحظة معينة من 
التاريخ. ولأجل مقاومة أوروباء تجب العودة إلى مصادر القوة الأصلية. وأوروبا 
تقدم الدليل على هذاء لأن أحد أسرار قوتها قد تمثل في العودة إلى أصولها الدينية 
وهي العودة المتمثلة في الإصلاح البروتستانتي. ومن ثم فإن الإسلام ينتظر لوثره 
أو كالقنه وجمال الدين الأفغاني مرشحّ جاهلٌ لهذه الوظيفة. 

والفرضية الضمنية لهذا الموقف هي الصدارة التي يوليها للدين كمحرك 
للتاريخ. فالدين ضروري في المراحل الأولى للتمدن. والتفوق الأوروبي لا يرجع 
إلى الفكر النقدي أو التعليم العلمي؛ بل إلى الإصلاح الديني الذي ينبشق منهكل 
إصلاح آخر. ومن الصعب معرفة درجة نزاهة «السلفيين» الأوائل عندما يعبرون 
عن هذه الأطروحة. ومن المؤكد أنهم متفقون على حقيقة أن الدين يشكل سلاحاء 
لتحويل المجتمع ولمقاومة العدوان الأوروبي في أن واحد. وعن طريق الدين» 
يمكن التأثير على المجتمع من دون المرور بفعل من فوق هو فعل الدولة. وفي 
النهاية؛ لا يهتمون بالدين من حيث كونه دينا قدر اهتمامهم بالمجتمع المصاغ وفق 


6٠ 


إلهاماته وتعاليمه- وهم يُجرون» من دون أن يقولوا ذلك صراحة؛ تحويلا للدين من 
حبك كوتة ممارسة عبادية إلى الدين الذي يعرف مجتمغا. وهم؛ في هذاء يخترعون 
بشكل مقيم نزعة قومية إسلامية مدافعة عن أمة المؤمنين وتصوغ برنامجا 
طوباويًا لأمة أعيد اختراعها. 

وهكذاء يكتب الأفغاني في عام 18854؛ في نص دعائي(": «ابيضتت عين 
الدهر وامتقع لون الزمان حتى أصاب أن بعضنا من المسلمين» على حكم الندرة؛ 
يعز عليهم الصبرٌ ويضيق منهم الصدرٌ لجور حكامهم وخروجهم في معاملتهم عن 
أصول العدالة الشرعية. فيلجأون للدخول تحت سلطة أجنبية» على أن الندم يأخذ 
بأرواحهم عند أول خطوة يخطونها في هذا الطريق فمثلهم كمثل من يريد الفتكَ 
بنفسه حتى إذا أحس بالألم رَجَعَ واسترجع. وأن ما يَعرض على الممالك الإسلامية 
من الانقسام والتفريق إنما يكون منشأهُ قصورٌ الوازعين وحيدانهم عن الأصول 
القويمة التي بنيت عليها الديانة الإسلامية وانحرافهم عن مناهج أسلافهم الأقدمين. 
فإن مُنابذة الأصول الثابتة والنكوب عن المناهج المألوفة أشد ما يكون ضررهما 
بالسلطة العليا. فإذا رَجَعْ الوازعون في الإسلام إلى قواعد شرعهم وساروا سيرة 
الأولين السابقين لم يمض وقت قليل من الزمان إلا وقد أتاهم الله بسطة في الئلك 
وألحقهم في العزة بالراشدينٍ أئمة الدين. رقابلا للسنادا وفنا طاريق ا" 


في أن واحد موروثة من تقاليه الإسلام الكلاسيكي العقلانية ومستعارة من الأفكار 
الأوروبية الحديثة» على الأقل عندما تكون متماشية مع اتجاههم. وهكذا فإنهم 
ينتقون من الفكر الأوروبي في زمانهم كل ما يعرف الدين بوصفه ظاهرة 
اجتماعية. 

وهم قادرون على أن يستخدموا من دون تمييز لغة أوروبا السياسية حين 
يخاطبون متقفين أوروبيين» ولغات الإسلام السياسية حين يتوجهون إلى الرأي العام 
الجديد في العالم الإسلامي. وبدرجة واحدة من النزاهة» يمكنهم أن يقولوا أمام 
جمهور ما إن جميع الديانات ت تشكل عقبة أمام العقل وأن يشجبوا أمام جمهور آخر 
المادية القديمة كما الحديثة (الداروينية» مثلاً). وإذ يذكرون بدور الإسلام القديم في 


(<) مجلة «العروة الوثقى»» العدد الأول» 1١‏ مارس/ اذار خضل ص ص + - 53 دم 
١‏ 


نشر العلوم» يستخدمون ذلك لتفسير تفوق أوروبا الحالي ويعبرون عن إمكانية قلب 
التصور الأوروبي لتاريخ التقدم بشرط رجوع المسلمين إلى دراسة العلوم والفلسفة. 
وهم يؤكدون على عالمية العلم والفلسفة اللذين لا ينتميان لا إلى أوروبا ولا إلى 
العالم الإسلامي ويشجبون موقف علماء الدين في زمانهم والذين يدرسون 
النصوص على ضوء مصباح غاز من دون أن يتساءلوا ولو مرة واحدة: «لماذا 
يصدر دخان عن هذا المصنباح بينم 010 وعلمويتهم تسمح لهم بالتأكيد 
على أنه ما من تعارض هناك بين مبادئ الإسلام والعلوم والمعارف. 

والحال أن كثيرين من ذوي العقليات الإسلامية المحافظة» وقد أدانهم هؤلاء 
المصلحون لجهلهم بالمعارف الحقة؛ إنما يعتبرون هذه التيمات مارقة عن الدين؛ 
خاصة تيمة شجب الدين الشعبي؛ خاصة تقديس الأولياء» والذي يشمل غالبية 
ممارسات الصوفية. والواقع أن رفضهم للخراقات هو أهم ما يجعلهم قريبين بالفعل 
من الإصلاحات المسيحية في القرنين السادس عشر والسابع عشر. 

وبالنسبة لهؤلاء المصلحين بالمعنى الديني للمصطلح.؛ لم يعد الواجب هو 
أسلمة الإصلاحات؛ بل إصلاح الخطاب الإسلامي. على أن التيارين ينتهيان إلى 
إنتاج تيمات جد متشابهة ويميلان إلى اختلاط أحدهما بالآخر. ولا بد من ملاحظة 
أن المسيحيين العرب يشاركون هم أيضًا في هذه الحركات كما يشارك فيها بعسض 
المغامرين الأوروبيين المؤمنين بنبل هذه القضية والذين يجعلون من أنفسهم 
مدافعين عنها أمام الرأي العام الأوروبي. وإذا كانت المشروعات تعبر عن نفسها 
بلغة الإسلام السياسية بعد إدخال تجديد كبير عليهاء فإن المصلحين إنما يرفضون 
التحدث بلغة المعارضة الطائفية. على العكس» فنحن نجد لدى الأكثر مثالية بينهم 
كالمصري محمد عبده التأكيد على أن كل الديانات التوحيدية تلتقي في اتجاه التعبير 
عن حقائق واحدة. 

وعندما نعيد قراءة هذه النصوص اليومء يبدو لنا أنها تنم عن سذاجة كبرى. 
ولا يجب التقليل من شأن التجربة الفكرية الهائلة التي مثلتها هذه الرغبة في إعادة 
تأطير الثقافة الإسلامية ضمن الفكر العالمي الجديد الذي عَرّقته أورويا والمجهود 
الملحوظ الذي بُذل في تكييف الأفكار الجديدة عبر مواءمات كانت أحيائا من أكثر 
المواءمات خطورة. ّْ 


مه 


وأهمية هذا الفكر تُقاسْ أيضنا بالمقاومات التي يواجهها. فهو غالبًا ما يُعَدُْ في 
نظر الأوساط المحافظة زندقة تستعيد اتجاهات كانت موجودة بالفعل في العصر 
القروسطي. 


رينان: من التعصب إلى السامية 

في أورؤباء يصبح تجريد الإسلام من القيمة سمة سائدة. ففي عام 21817 
يدعو رينان على المكشوفء. في درسه الافتتاحي في الكوليج دو فرانس» إلى 
القضاء عليه(): «يتطور النبوغ الأوروبي بِعَظمَة لا تثقارن ؛ أمًا الإسلام؛ على 
العكس من ذلك؛ فهو يتحلل ببطء ؛ وهو ينهار في أيامنًا متصدغا. والآن» يتمثل 
الشرط الرئيسي لانتشار التمدن الأوروبي في القضاء على الشيء السامي بامتياز» 
أي القضاء على السلطة الثيوقراطية للإسلام؛ ومن ثم القضاء على الإسلام ؛ 
فالإسلام لا يمكنه الوجود إل كدين رسمي ؛ وعندما سيتم اختزاله إلى حالة الدين 
الحر والفردي: سوف يهلك. والإسلام ليس فقط دين دولة» [...] إنه دين يُقصي 
الدول؛ فهو تنظيمٌ قد يتمثل نموذجه الوحيد في أوروبا في الدول الباباوية. وفي هذا 
تكمن الحرب الأبدية» الحرب التي لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أبناء إبسماعيل 
من البؤس أو عندما يجري إرهابه للعودة إلى قلب الصحراء. إن الإسلام هو النفي 
الأكمل لأوروباء الإسلام هو التعصبء الذي لم تعرف له مثيلا تقريبا إسبانيا فيليب 
الثاني وإيطاليا بيوس الخامس ؛ الإسلام هو احتقار العلم وإلغاء المجتمع المدني ؛ 
وهو البساطة الرهيبة المميزة للفكر السامي؛ والتي تضتيّق الدماغ البشري وتجعله 
مقفلاً أمام كل فكرة حمئاسة؛ كل شعور ذكيء كل بحث عقلاني؛ حتى تضعه أمام 
تحصيل أبدي لحاصل: الله هو الله. 

«والمستقبل؛ أيها السادة» هو من ثم لأوروبا ولأورويا وحدها. فسوف تفتح 
أوروبا العالم وتنشر فيه دينهاء وهو القانون والحرية واحترام البشرء هذا الإيمان 
بأن هناك ما هو مقدسٌ بين بني الإنسان». 

والحال أن موشور رينان التفسيري سوف يفرض نفسه لعدة عقود على الفكر 
الأوروبي لأنه يمنح هذا الفكر ضمانة العلمية. وليس الهدف الأول للعمل الريناني 
هو بيان طبيعة الإسلام» حتى وإن كانت أطروحتة قد انصبت على ابن رشد. 


مع 


قصرحه الفكري الضخم, الناتج في أن واحد عن البحث الشخصي من جانب إنسان 
ققد إيمانه الأصلي وعن التساؤل الرئيسي في زمانه؛ نا مسب لظي 
الظاهرة الدينية وبالأخص طبيعة تشكلها التاريخاني. وينطلق رينان من الاكتشاف 
الذي كان قد تم التوصل إليه قبل أكثر من نصف قرن آنذاك والخاص بالقرابة فيما 
بين اللغات الهندو - أوروبية. ولم يقم فقهاء اللغة برسم اللوحة النحوية وجرد 
جذور المفردات وحسبء بل قاموا أيضنًا وعلى الفور بمنح مجموعة من القيم 
. الحضارية لذوي الأصول الهندو - أوروبية. 

وقد انطلقوا من فكرة أن التوسع الهندو - أوروبي في عصور سابقة مباشرة 
على التاريخ ما كان بوسعه أن يتحقق إلا وفق نموذج الغزوات الجرمانية المعروفة 
جيذا والتي تشكل مصادر لخطابات سياسية منذ عدة قرون. وبحلول ذلك الوقت: 
نجم عن ذلك بشكل شبه تلقائي أن الإقطاع لم يكن ظاهرة فريدة في التاريخ 
الأوروبي؛ فهو قد تكرر في كل مرة حدث فيها غزوٌ هندو - أوروبي. وبحسب 
التفسير نفسه» انبثقت الحريات الحديثة من الإقطاع. ويبقى مع ذلك أن الشعوب 
الهندو - أوروبية الأولى كانت تؤمن بتعدد الآلهة. 

وعلى هذا الأساسء يقوم ريئان بتقسيم المعرفة التاريخية بذهابه إلى وجود 
جماعة مكملة لجماعة الهندو - أوروبيين» هي جماعة الساتيين: وهو يقوم بجرد 
لغويّ وإتنوغرافيّ لها. وهو يذهب إلى أن الساميين كانت لديهم منذ البدايات فكرة 
عن الواحد قادتهم بشكل لا مفر منه إلى التوحيد وقادتهم؛ في السياسة؛ إلى 
الثيوقراطية» إلى الاستبداد أو إلى الفوضى. أما الميثولوجيا الهندو - أوروبية فهي 
فكرة أصيلة عن المتعدد تقودُ في السياسة إلى الحرية وإلى معنى الدولة. 

والمنتدعئة فى فى أن :وا القلاة علن غال المشفد من جقتب عالم الؤاجية 
وهي في الوقت نفسه تحويله إلى تركيب منسجم نسبيًا يقود إلى تكوين تراث فكري 
يجمع بين ثقافة العلوم وثقافة الحرية. وهكذا فإن انتصار أوروبا الحديثئة هو 
انتصارٌ للفكر الهندو - أوروبي الذي ينعكس إِمّا على الشعوب الأنقى (الجرمانية» 
النوردية؛ الأنجلو - ساكسونية)؛ أو على الشعوب اللاتينية؛ وهي نتاج انصهار 
أجناس يسمّى بالتمدن. وإذ يستعيد رينان تفسير جيزو للتاريخ» فإنه يجعل الصراع 
ين المجصع لدبتي المؤسوم بالبتامية والمجشمع المدني التوسوم بازارية بحرت 

16 


التقدم البشري. وفي الحالتين؛ يتعلق الأمر من جهة أخرى بالارستوقراطيات 
بالمعنى الاقيق للمصطلح بأكثر مما يتعلق بالكتل البشرية. 

وبدلاً من الأصول المتوسطية للعقل؛ والعزيزة على فكر التنوير» يقدم رينان 
أصولاً أخرى تحيل إلى تاريخ أولي مستخلص في آسيا الوسطى؛ ليسمح كل هذا 
بفهم انتصار النبوغ الأوروبي الحاسم في القرن التاسع عشر. فإذا كان الشرق هو 
الأصلء فإن الغرب هو المستقبل. 

ومصطلح الجنس عند رينان هو من أكثر المصطلحات غموضنا. فهو قد يعني 
واقعًا شبه بيولوجي كما قد يعني بالدرجة نفسها تراثا فكريًا. ويرى رينان أن 
الجنس ظاهرة أولى مرتبطة بنشوء اللغةء الوصف العام والمباشر للكون. وضمن 
هذا الإطار وبوصفه فرنسيّاء يشعر رينان على الفور بأنه في موقع دونية قياسًا إلى 
الشعوب الجرمانية التي حافظت على علامتها الأصلية. ومن هنا إلحاحه؛ عندما 
يتعلق الأمر بفرنساء على الحديث عن السيرورة التاريخية للتمدن والانصهار 
والمؤدية إلى انبثاق الأمة من حيث كونها تناحرًا مع الجنس. وبالمشلء: يرى أن 
اليهودية من حيث كونها ديانة قد فقدت ما هو جوهري في ساميتها الأصلية. 

وما أن يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي» فإن التعارض السامي/ الهندو - 
أوروبي يعد غير كاف. لذا يصبح تصور رينان ثلاثيًا. فالإثنوغرافيا اللغوية قد 
:حدّدت ثلاث مجموعاتٌ من السكان: العربء الذين يعدون؛ منذ بدايات الإسلام 
معيدين للنبوغ السامي الأصليء والفرس والهندو - أوروبيين الآخرينء الذين 
تمكنوا من الحفاظ على الروح العلمية («العلم العربي ليس فيه أي شيء عربي»)؛ 
والترك والمغول الآخرين» وهم جنس بليد يفتقر كليّا إلى الروح الفلسفية والعلمية. 

واليوم» يسهم الإسلام في التمدن العالمي بتحويله الأجناس السوداء في القارة 
الأفريقية إلى التوحيد. 

وفي عام 1887: سوف يدخل رينان في مساجلة مهذبة مع جمال الدين 
الأفغاني في باريس7). وهما بالأحرى متواطئان من جهة أخرى. والمستشرق 
آرينان] يرى فيه «أروع حالة يمكن الاستشهاد بها للإشارة إلى الاحتجاج الإثني 
على الغلبة الدينية». 

وبهذه المناسبة» سوف يعرف مرة أخرى وجهة نظره: «إنني أعتقدء في 
الواقع» أن نهضة البلدان الإسلامية لن تتحقق عن طريق الإسلام ؛ فهي سوف 


6ه6: 


تتحقق عبر إضعاف الإسلام» تمامًا كما أن الزخم العظيم للبلدان المسماة بالمسيحية 
قد بدأ بالقضاء على كنيسة العصر الوسيط المستبدة. [...] إن المسلمين هم أول 
ضحايا الإسلام..وقد تسنى لي أن أرصدء عدة مرات» خلال رحلاتي في الشرق» 
أن التعصب ينبع من عدد ضئيل من الناس الخطرين الذين يُبقون الآخرين في 
الممارسة الدينية بالترويع. إن تحرير المسلم من ديانته هو أفضل خدمة يمكن 
تقديمها إليه». 


الأزمة الشرقية بين عامي ١41/8‏ و887١‏ 

تبدأ الأزمة الشرقية في البوسنة والهرسك في عام ©1487 بانتفاضة للفلاحين 
المسيحيين ضد السادة المسلمين» وهي أثر من آثار التحولات في وضعية الأرض 
في القانون العقاري العثماني. ومن هناك» تمتد الحركة إلى بلغاريا حيث تتخذ 
طابعًا قوميًا بشكل محدّد أكثر» قائم» على الرغم من كل شيءء على التعارض بين 
مسيحيين ومسلمين. والحال أن القمع العثماني القاسي الذي قامت به بالأخص قوات 
غير نظامية إنما يثير سخط الرأي العام الأوروبي. وجلادستون؛ رجل الدولة 
البريطاني العظيم؛ وهو عندئذ زعيم المعارضة» يقوم بواحدة من أكبر حملات 
الرأي في التاريخ حول تيمة «الفظائع البلغارية». أمّا الرأي العام المسلم فهو لم يعد 
يطيق التدخلات الأوروبية. وفي ” مايو/ أيّار 2148177 يذبح الجمهورٌ الغاضبْ في 
سالونيك قنصلي فرنسا وألمانيا. 

والحال أن الليبراليين العثمائيين وعلى رأسهم مدحت باشاء بطل الجيل الثاني 

من المصلحينء إنما يستفيدون من الموقف لكي ينظموا انقلابًا في ٠١‏ مايو/ أيار 
ولكي يخلعوا السلطان الذي يموت بعد ذلك بأيام قايلة في ظروف غامضة. 
وسرعان ما يُبدي خَلَفهُ علامات عدم الاتزان العقلي فيجري خلعه بدوره في "١‏ 
أغسطس/ آب 18175 لصالح عبد الحميد. وبينما تبدأ الحرب ضد صربياء يصوغ 
المصلحون دستور! برلمانيًا يجري إصداره في 7 ديسمبر/ كانئون الأول 14175. 
وهدفه هو ضمان مشاركة جميع عناصر السكان العثمانيين ومن ثم إيطال 
المطاليات الأوروبية بإصبلاحات لصالح مسيحيي البلقان» أي تبأمين حكم ذاتي 
متزايد لهم؛ يشكل مقدمة للاستقلال الكامل. وبينما ينعقد البرئمان في فبراير/ شباط 

26 


717 يقوم عبد الحميد بنفي مدحت باشا الذي ظهر يوصفه منافمنًا شديد 
الخطورة. وسوف يُستدعى بعد ذلك بشهور قليلة لكي يتولى منصب والي بلاد 
الشام. 

وفي أبريل/ نيسان 21877 تعلن روسيا الحرب على العثمانيين. ويدور القتال 
في البلقان وفي القوقاز. وبعد انتكاسات أولى» ينجح العثمانيون في وقف التقدم 
الروسي في بلغاريا خلال حصار بليقنا. وفي يناير/ كانون الثاني 14878 يسقط 
الموقع وتصل الجيوش الروسية إلى مسافة قريبة من القسطنطينية. ويفرضْ الروس 
<< معاهدة سان ستيفانو التي تنهي عمليًا البلقان العثمانية ويفرضون حكمهم على ما 
بقي من الإمبراطورية العثمانية. وهذا يفوق احتمال البريطانيين الذين يستأنفون 
استعراضات قوتهم البحرية ويهددون روسيا بحرب لإنقاذ الدولة العثمانية وطريق 
الهند. وعندئذ تقترح ألمانيا عقد مؤتمر في برلين يعيد قراره النهائي الصادر في ” 
يوليو/ تموز 4 تنظيم كل البلقان مع خسائر ترابية فادحة بالنسبة للعثمانيين. 
فتتأكد الاستقلالات المسيحية وتحتل النمسا البوسنة والهرسك. وما يبقى من 
الروملي القديم هو قطاعٌ يمتد من البحر الأدرياتي إلى تراقيا سوف يسمّى بمقدونيا 
العثمانية. وتذرعًا بدوام الخطر الروسي؛ تحصل بريطانيا العظمى على تنازل عن 
جزيرة قبرص حتى يتسنى لها التدخل بسرعة لنجدة العثمانيين. 

وفي فبراير/ شباط 4 يعطل عبد الحميد دستور ١8175‏ الذي يظل مع 
ذلك مسجلا في مدونات القوانين العثمانية. وسلطته بعيدة عن أن تكون وطيدة. وقد 
أدى المجهود الحربي إلى توجيه ضربة رهيبة لاقتصاد الدولة. وبما أن المسسلمين 
وحدهم هم الذين وفروا التجنيد (حيث كان غ غير المسلمين يدفعون َدليّة)» فقد كانت 
التكلفة البشرية بينهم مريعة. وفي الأناضول كما في الولايات العربية» اختفى عدد 
هائل من الرجال في ساحات معارك البلقان والقوقاز. ومع فقدان أقاليم مسيحية في 
غالبية سكانهاء زادت نسبة المسلمين زيادة ملحوظة. ثم إن عشرات الآلاف من 
اللاجئين المسلمين البلقانيين والقوقازيين يتدفقون على ما بقىيّ من الإمبراطورية 
العثمانية. والتوترات الطائفية قوية؛ إلا أنه تسنى تفادي انفجار العنف. 

ومن الواضح أن المصلحين الليبراليين قد أخفقوا في مشروعهم السياسي. 
وبينما وضعوا أنفسهم تحت الوصاية الفكرية لأوروباء فإن هذه الأخيرة لم تتدخل 

/اهع 


لصالحهم. والحال أن «الفظائع البلغارية» قد أفقدت القضية العثمانية الاعتبار لوقت 
طويل. ووحدها متطلبات الجيوسياسة هي التي قادت بريطانيا العظمى إلى التدخل 
مع إجبار العثمانيين على دفع ثمن باهظ لقاء مساعداتها. وفرنسا لا تزال في 
«لملمة جراحها» بعد هزيمتها في مواجهة يروسيا في عامي 1١417٠١‏ و١11ا18,‏ 
وهي هزيمة يواكبها في الفضاء الإسلامي قلق بشأن الدفاع عن مواقعها المكتسبّة 
في العقود السابقة. وتستفيد ألمانيا من هذا الوضع لكي تطرح نفسها كحتكم في 
منازعات أوروبا وكوسيط نزيه في الشؤون العثمانية فهي غير متورطة فيها بشكل 
مباشر. : 

وغداة مؤتمر برلين تظهر في دمشق وبيروت ملصقات تنتقد السلطة العثمانية 
وتدعو إلى الحكم الذاتي بل إلى استقلال سوري. وتظل المسألة غامضة. فهناك 
عدة سلاسل إمن الملصقات] تفصل بينها بضعة شهور وتعبر عن تيمات مختلفة 
بشكل واضح بعضها عن البعض الآخر. وقد رأى المعاصرون في الأمر مؤامرات 
يقوم بها إما مدحت باشا الذي أصبح واليِا على بلاد الشام أو عبد القادر الجزائري 
الذي قد يكون وافق أخيرًا على مشروع مملكة عربية. وقد رصد أخرون في الأمر 
فعل جمعيات سرية مصدر إلهامها مسيحي أو إسلامي. وقراءة النتصوص تبين أن 
روحها العامة ذات مصدر إلهام سّرياني؛ لكن المؤرخين اللاحقين سوف يرون 
فيهاء مخطئين بلا مراءء أول تجليات القومية العربية. وبالمقابل» تكثرٌ المراسلات 
الدييلوماسية من الإشارات إلى مؤامرة «عربية» كبرى تظل أبعادها غير محثئدة. 
ويدور الحديث عن إقامة خلافة «عربية» من شأن شرعيتها الديئية أن تكون أرقى 
من شرعية العثمانيين الدينية. 

وعدم الرضا عن السلطة العثمانية بعد كوارث الحرب مع روسيا عميق. 
وتستخدمه سلسلة من كبار شخصيات الدولة المعارضين لتوطيد سلطة عبد الحميد 
الشخصية. وفي هذه المعركة السياسية» يلجأ الجميع إلى الكُتاب الاجتماعيين وإلى 
المثقفين الذين يطورون التيمات الليبرالية والإسلامية وإلى الممثلين الدييلوماسيين 
للدول العظمى لكي يبرهنوا لهم على أنهم المرشحون الأفضل لممارسة السلطة 
وعلى أنهم سوف يعملون في اتجاه مصالح الدولة الأوروبية التي يخاطبونها. وبقدر 
ما أن فرنسا وبريطانيا العظمى تميلان إلى الحياد؛ يكون بوسع السلطان التنصرف 


مه 


إذا ما حصل على تأييد من إحدى هاتين الدولتين على الأقل. وبالمقابل» يعجز عن 
الحركة إذا ما تكثّل الأوروبيون. 

وهكذا يحصل عبد الحميد على مساندة من جانب فرنسا في عزل مدحت باشا 
في يوليو/ تموز ٠18؛‏ وكان قد جرى اتهامه بالرغبة في مساندة مشروع 
للاستيطان اليهودي في شرق الأردن تحت رعاية بريطانية. وبالمقابل» في مصرء 
تنتهج فرنسا وبريطانيا العظمى سياسة مشتركة في مساألة مديونية البلد. فهما 
تفرضان وزارة «أوروبية»: بمعنى وزارة تشمل وزراء أوروبيين» قم سيطرة 
أوروبية مشتركة على ماليات مصر. والحال أن الخديوي إسماعيل» الذي يحاول 
التصدي للتدخل الأوروبي باستمالة الشعور القومي المصريء إنما يتم خلعه في 
عام 1414. 

وفي هذا السياق العام تظهر في يناير/ كانون الثاني ١82‏ فكرة تحريض 
ديني إسلامي. وهي تعزى في البداية من جانب الفرنسيين إلى البريطانيين المشتبه 
بلعبهم بالورقة العربية كما بالورقة الإسلامية في تعاملهم مع سلطان يبدو مقاوما 
لنفوذهم. وقد يكون الزعيم المفترض لهذه الحركة هو شريف مكة» السلطة الدينية 
الإسلامية الوحيدة القادرة على التصدي لسلطة خليفة القسطنطينية. وفي مارس/ 
آذار ٠188غء‏ تتحدد الأفكار. فيجري الحديث عن مؤامرة واسعة تمس كل العالم 
الإسلامي وتشتمل على انتفاضة للعرب ضد الترك. وهكذا يندرج مشروع تمرد 
عربي يقوده شريف لمكة وتدعمه بريطانيا العظمى اندراجا مقيمًا في لعبة ممكلنات 
السياسة الأوروبية في الشرق المسلم. 

واعتبارا من أغسطس/ آب 2.188١‏ تتحدث المراسلات الدييلوماسية بالأحرى 
عن مؤامرة عثمانية تسعى إلى إثارة مسلمي الجزائر ضد الفرنسيين انطلاقا من 
تونس وإثارة مسلمي الهند ضد البريطانيين. ومن المفترض أن عبد الحميد كان 
يريد حشد كل مسلمي العالم تحت سلطته الخليفية وتحييد فعل الدول العظمى 
الأوروبية عبر انتفاضات في المستعمرات. وفي عام ١188؛‏ يبدأ الدييلوماسيون 
في استخدام مصطلح «الجامعة الإسلامية». ويستعيده كاتب اجتماعي فرنسي مقرب 
إلى هذه الأوساطء هو جابرييل شارمء الذي سيْنسَب إليه فيما بعد سك المصطلح. 

فيبدأ هاجس جديد في التسلط على أوروباء هو هاجس الجامعة الإسلاميةء 
التي ستصبح في القرن العشرين الإسلام السياسي. 


ان 


وهناك استخدام جيد للخطر. إذ يجري الحديث عنه بشكل منهجي من جانب 
الدعاة الفرنسيين إلى فتح تونس. وبريطانيا العظمى تقبل هذا الفتح لقاء حيازتها 
قبرص. وألمانيا والإمبراطورية النمساوية - المجرية تحثان عليه أيضنا لأجل 
توريط فرنسا مع إيطاليا. 

ويجري تعريف تونس بأنها قاعدة خلفية لانتفاضة جزائرية ولا يسع 
الجمهورية [الثالثة] السماح لنفسها بفقدان الجزائر مثلما فقدت الإمبراطورية الثانية 
الألزاس واللورين. والحزب الاستعماري الآخذ بالتشكل يبرر المشروع بوصفه 
عملية وقائية تهدف إلى درء خطر محدق. ويرجع استئناق التوسع الاستعماري 
الفرنسي من جانب الجمهورية الثالثة إلى الرغبة قي بناء «فرنسا أكبر» بعد كارئة 
-1877. ومن يعارضون هذا المشروع؛ من اليمين كما من اليسارء يرون 
فيه صرقا خطيرا للأنظار عن الخطر الألماني وعن الثأر [من ألمانيا]. والواقع أن 
الرايخ الثاني يشجع المشروع الذي تكمن أهميته علاوة على ذلك في توريط فرنسا 
بصورة مقيمة مع إيطاليا. وفي هذا السياق» تفرض فرنسا حمايتها على تونس في 
١‏ مايو/ أيّار .18.١‏ 

ثم ينصبُ الاهتمامٌ على مصر حيث يتحدى الععسكريون سلطة الخديوي 
والسيطرة الأوروبية باسم «مصر للمصريين». ولا بد للجدل الأوروبي من أن 
يتضح في فرنسا التي يحكمها الجمهوريون كما في بريطانيا العظمى التي تتمتع 
آنذاك بحكومة ليبرالية. فهل تتعرف أوروبا على نفسسها في الحركة القومية 
والدستورية التي تولت السلطة في مصر في فبراير/ شباط 1887 أم أن الغلبة 

يجب أن تكون لمصالح أوروبا الاقتصادية والجيوسياسية؟ ذلك هو موضوع النقاش 

. البرلماني الفرنسي الكبير في يوليو/ تموز 78487)؛ حيث تحدث المواجهة بشكل 
خاص بين جامبيتا وكليمنصو. فبالنسبة للأول» لا وجود هناك في مصر ل«حزب 
وطني»»: فالموجود هو التعصب الإسلامي وأوهام الشورة ومغامرات عسكر 
الثكنات. ويتحدث الثاني عن «سياسة ديموقراطية» تتمسك بالفتوحات المعنوية أكثر 
من تمسكها ب «الفتوحات المادية». ّْ 

ولا ينصب النقاش على ضرورة التدخل الأوروبي بقدر ما ينصب على نمط 
الوجود الأوروبي. وبحسب كلينصو: «أجلء إن الحزب الوطني يناشد 


5٠ 


الأوروبيين» ليس لكي يسلموا لهم البلد لكي يتصرفوا فيه كما يحلو لهم؛ أو لكي 
يدعهم يستغلونه» بل لكي يقدموا إليه أفكار أوروبا وثقافة أورويا ومشاعر الإنصاف 
الغائبة عن الشرق (حركات متباينة [في قاعة البرلمان])». 

ويرفض ائتلاف القوى المعارضة التدخل الفرنسي بينما تتدخل بريطانيا 
العظمى بمفردها وتحتل مصر في عام 1847. 

وتبين الحماية الفرنسية على تونس والاحتلال البريطاني لمصر عبثية تطبيق 
مبدأ القوميات على الشعوب الإسلامية. فالانفصال عن الدولة العثمانية إنما يعني 
السقوط لا محالة تحت السيطرة الأوروبية المباشرة ومن هنا توقف الميول 
الاستقلالية في الولايات ذات الأغلبية المسلمة. ولم تؤد الدستورية إلى القضاء على 
التوترات الطائفية وقد جرت عليها الحرب مع روسيا العار. وسوف يساعد 
الصعود الجديد للشعور الإسلامي على تدعيم النظام الحميدي. 

والآن يرجع المصلحون والدستوريون إلى الصف أو يرحلون إلى المنفى في 
أوروبا حيث سيعبرون عن أنفسهم في صحف تصدر هناك ويتم تهريبها سرًا إلى. 
الدولة العثمانية. وسوف يحدث الشيء نفسه بالنسبة لبعض المصلحين الفرس الذين 
خيْبْ آمالهم عجز النظام القائم. بل إن بعض هؤلاء المحتجين؛ وقد أغضبتهم 
المقاومات التي واجهتها مشاريعهم؛ سوف يمضون إلى التحدث علنا مؤيسدين 
سيطرة أوروبية مباشرة على بلدهمء معتبرينها الوسيلة الوحيدة القادرة على فرض 
تحديث حقيقي. . وهذا من حيث الجوهر رد فعل ساخط عابر فيما عدا بضع حالات 
لأشخاص دخلوا بشكل مباشر في خدمة السياسات الفرنسية أو البريطانية. 

والحال أن حرية التعبير التي جرى العثور عليها في أوروبا سوف تسمح في 
العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر بإنجاز القوام الإيديولوجي لتحديث الفكفر 
السياسي الإسلامي في مواجهة سلطوية الإصلاحات البيروقراطية والطابع المحافظ 
للبنى الاجتماعية التقليدية. وهذا هو ما حدث كذلك لسلفية محمد عبده وجمال الدين 
الأفغاني التي وجدت التعبير الأكثر جذرية عنها خلال وجودهما في المنفى 
الأوروبي. وقد استفاد هؤلاء المنفيون المسلمون من ترحيب ودعم في أوساط 
اليسار الجذري الأوروبي والتي تتميز بالأحرى بتوجه فكري حر وإلحادي؛ بما 
يشكل لقاءً غريبًا لن يكون الأخير من نوعه. 

ك١‎ 


وفي سياق الحرب الروسية - العثمانية» نجد أن إنجليز الهند؛ وقد رأوا مسرة 
جديدة خطر تواطؤ فيما بين الأفغان والروس؛ قد شئوا في خريف عام ١8178‏ 
غزًا جديا لأفغانستان. وبفضل تسليحهم الحديث؛ يستولون بسرعة على الجزء 
الأكبر من البلد. وفي الخريف التالي؛ ينتفض البلد من جديد على شكل جهاد. ومن 
دون الوقوع في كارثة حقيقية كما في عام 847,٠ء‏ تضطر القوات البريطانية إلى 
مواجهة سلسلة متعاقبة منهكة من العمليات العسكرية من دون إمكانية إحراز نجاح 
حاسمح. وفي عام 001 تنسحب هذه القوات من البلد. 

وفي الأعوام التالية؛ يتفاهم الروس والبريطانيون على جعل أفغانستان منطقة 
عازلة بين الإميراطوريتين. وفي عام 5؛ سوف يرسم السير مورتايمر 
ديورائد خط الحدود (جرى تعديله في عام 6)) خالقا هذا الممر الطويل الممتد 
إلى الصين حتى لا تكون هناك أي نقطة اتصال بين إمبراطورية الهند وآسيا 
الوسطى الروسية. 

وهذا النجاح للقوى القبلية الأفغانية يجد نظيرا له في الحركة المهدية 
السودانية. فهذه الانتفاضة السياسية - الدينية تخاض ضندد السيطرة المصرية؛ لكقن 
البريطانيين هم المسؤولون الآن عن البلد. وهم يرسلون في عام ١88”‏ المغامر 
الروحاني جوردون باشا لتنظيم الجلاء عن الخرطوم؛ لكن هذا الأخيز ما أن ييصل 
إلى الموقع يمتنع عن تطبيق التعليمات الصادرة إليه ويتمسك بالدفاع عن المدينة. 
وهو يلقى مصرعه لدى استيلاء المهديين على المدينة. وتجد المسألة صدئ هالئلا 
في أوروبا. 

ويتوقف توسع السيطرة الأوروبية المباشرة بعض الوقت. والعوامل الجوهرية 
وراء ذلك هي تكاليف الفتح والإدارة والتي تتجاوز كثيرا جذًا مكاسب التوسع 
الاستعماري؛ والخوف من نزعة الجامعة الإسلامية وضرباتها المضادة. ويبقى مع 
ذلك أن الصراعات على النفوذ وتعديات الدول الأوروبية العظمى تستمر في العالم 
الإسلامي في أواخر القرن التاسع عشرء في لحظة الدخول في منطق 
الإمبراطوريات. 


ك2 


الفصل الرابع 


زمن الإمبراطوريات 


منطق الإمبراطوريات: أفريقيا الفرنسية 

إذا كان المصطلح الإمبريالي يدخل في الاستخدام الجاري للغة السياسية 
الأوروبية» فإن تقدم السيطرة الأوروبية المباشرة في أراضي الإسلام يتوقف. فعقد 
الثمانينيات من القرن التاسع عشر مكرّس لفتح أفريقيا السوداء واقتسامها. وقد 
تزحزحت المنافسة الأوروبية جغرافيًا وإذا كنا نجد فاعلين جدذاء بلجيكا وألمانيا 
خاصة, فإن روسيا غائبة بالأخص. وهذه الأخيرة تنجز توطيد سيطرتها على آسيا 
الوسطى. وتقسيم أفريقيا يكرسه مؤتمر برلين في عام ١885‏ وسلسلةً من الاتفاقات 
الخاصة بتعريفات للحدود عُقدت في الأعوام التالية. 

وفرنسا هي الأكثر اهتمامًا بأفريقيا السوداء المسلمة. والحال أن محورين 
كبيرين يحددان تغلغلها. ويبدأ المحور الأول من الساحل الأطلسي الأفريقي ليتقدم 
لا محالة نحو الشرقء بينما يبدأ المحور الثاني من ممتلكات فرنسا في الشمال 
الأفريقي ليصل إلى المستعمرات الموجودة في أفريقيا السوداء عبر فتح الصحراء. 
والمنطق هو منطق احتلال «الفضاءات الخالية» في الخريطة الجغرافية ومن ثئم 
تكوين كتلة مترامية الأطراف. وفي الساحة؛ يتباين المنفذون. فالتغلغل في 
الصحراء هو من فعل جيش أفريقيا بضباطه المسؤولين عن الشؤون الأهلية» في 
حين أن القوات الاستعمارية؛ خاصة مشاة البحرية» تتقدم في أفريقيا السوداء. 
وعندما يتحقق الاتصال في مناطق الساحل؛ يستثير توترا معينا فيما بين هؤلاء 
العسكريين ذوي الثقافة والمقاربة المختلفتين. وعلى الجانبين»ء يسجل الطابوران 
أحيانا إخفاقات دامية؛ بل دمارات كاملة. 

ويُعتبر فاتحو الصحراء أنفسهم دعاة تهدئة ويعتمدون على عدد معين من 
عناصر الطوارق. وسوف يؤدي تشكيل قوات مهارية إلى حفز ميثولوجيا خاصة 

15 


سنجد أعظم أمثلتها فيما بعد في روايات ييير بونوا وفي الكتيبة البيضاء من تأليف 
جوزيف بيريه. فنجد هنا من جديد تبرير المغامرة والعزيمة الشخصية:؛ المميزة 
للأخلاق الاستعمارية الجديدة. وفي أفريقيا السوداء» يقود الضباط الاستعماريون 
قوات يتم تجنيدها محليّاء خاصة الرماة السنغاليين المشهورين؛ ولا يترددون في 
استخدام الترويع لفرض سلطتهم على السكان المحليين. ويتم تحقيق الاتصال نحو 
عام .14٠١‏ لكن التهدئة سوف تأخذء لا تزال» عدذا معينا من الأعوام. وكانت 
أفريقيا الغربية الفرنسية قد أنشئت في عام ©1849. ومع قدر من التأخر المفهومء 
تتشكل أفريقيا الاستوائية الفرنسية في عام .١1٠١‏ وعشية حرب عام 1114؛: كان 
القتال لا يزال دائرا في الصحاري التشادية والموريتانية. 

وينشأ نظام جديد مع حظر غارات السلب والنهب ومع الإلغاء التدريجي 
للعبودية. وإذا كان هذا التغلغل يصبو إلى أن يكون أيضنا فتخا للاقتصادء فإنه يهدم 
عناصر اقتصاد دام عصوراء هو اقتصاد تجارة العبيد السود وغارات السلب 
الوه ويخري الحم وإنماء يكف تحتيدية عور المبح راع بوهكةا مح حال 
استعماري لأن عائده الاقتصادي شبه منعدم. 

ويرى المتخصصون في شؤون الأهالي أن روح المقاومة تنبع من الطرق 
الصوفية الدينية الكبرى. والعدو المشار إليه أكثر من سواه هو السنوسية» وهي 
طريقة صوفية يمتد عملها في الفضاء الصحراوي. وهم يرون فيها «دعاية دينية 
من أكثر الدعايات الدينية نشاطًا وهي تميل إلى تجميع لأجناس المسلمين ضد الغزو 
من جانب الدول العظمى الغربية. وبوسع هذا التحريض أن يصل بسهولة إلى 
الجزائر وأن يعرض سيطرتنا هناك للخطر» (تقرير القائد ألفريد لوشاتليه في عام 
وبأكثر مما في السابق؛ يترافق الفتح مع صوغ إثنوغرافيا كولونيالية 
تف الجماعات السكانية في إثنيات وجماعات دينية وتحدّدُ الأعداء الفعليين أو 
الافتراضيين. ويجري تصوير الطرق الصوفية على أنها مظهر وأداة خطر 
الجامعة الإسلامية الذي يوجد منظموه السرّيون في الدولة العثمانية؛ على مقربة من 
دوائر السلطة الحميدية. 

وبما أن الفعل السياسي الفرنسي موزع على عدة مؤسسات؛ وزارات الشؤون 
الخارجية والداخلية (الجزائر) والحربية والمستعمرات؛ لذا ينشأ نموذج فرنسي 

5ك 


خاص. وإذا كان الفتح الاستعماري يعتبر عنصر! من عناصر الهيبة والقوة غداة 
هزيمة »18171١- ١417١‏ فإنه لا توجد في فرنسا حركات استعمارية جماهيرية 
مساوية للروابط الاستعمارية البريطانية والألمانية الكبرى. و«الحزب الاستعماري» 
هو جماعة ضغط تختار أفرادها من كل الأوساط التي تملك سلطة اتخاذ القرارء 
كالبرلمانيين والعسكريين والدييلوماسيين والجامعيين والكتاب الاجتماعيين ورجال 
الأعمال. وهو يتوحد في مؤسسات كالجمعية الجغرافية في باريس ولجنة أفريقيا 
الفرنسية التي أنشئت في عام .184٠‏ وهو يساعد على تحديد برامج عمل وعلى 
تشكيل جماعات ضغط نوعية أكثر مُكرسة لمناطق جغرافية محدة كلجنة مصر 
)١1814(‏ ولجنة المغرب الأقصى .)١1١7(‏ 

وفي تواز مع فتح الصحراءء يبدأ التغلغل في فضاء المغرب الأقصى؛ غير 
المعروف جيذا إلا في تخومه الساحلية. وقد قام مستكشفون عسكريون كشارل دو 
فوكوه أو ألفريد لو شاتليه بوضع خرائط للمناطق المعنية وهم يتجهون إلى جرد 
القبائل والطرق الصوفية. ويعمل الضباط الفرنسيون انطلاقا من مواقعهم 
الصحراوية على جرها إلى منطقة نفوذ فرنسية. وقد بدا في إحدى اللحظات نحو 
عام 1885 أن فتح المغرب الأقصى على وشك أن يبدأء لكن الظرف الدييلوماسي 
الأوروبي لا يساعد على ذلك. وفي مستهل تسعينيات القرن التاسع عشرء يجري 
استئناف «قضم» شرقي المغرب الأقصى وتعبر فرنسا بوضوح متزايد باطراد عن 
رغبتها في استكمال فتح المغرب. والدول العظمى الأوروبية الأخرى تعارض ذلك 
وإن كانت توضح أن بالإمكان تسوية المسألة في إطار صفقة واسعة. 

ومع استمرار فرئسا في توسيع مجالها الأفريقي» تقوم بتوطيد سيطرتها عللى 
الشمال الأفريقي. وقد كرس قيام الجمهورية الثالشة انتصار المستوطنين على 
العسكريين الذين طمحوا إلى أن يكونوا الحماة الأبويين للسكان العرب. وقد واققت 
حكومة الدفاع الوطني على المطالب الرئيسية للمستوطنين بالمراسيم التسعة 
الصادرة في 74 أكتوبر/ تشرين الأول .١187١‏ وعلاوة على منح الجنسية الفرنسية 
لليهود الجزائريين الذين أصبحوا فورًا مواطنين فرنسيين بقدر انتقالهم إلى الوضعية 
المدنية الفرنسية؛ تتألف الجزائر الآن من ثلاث إدارات [محافظات] فرنسية تتبع 
وزارة الداخلية وممثلة في المجالس البرلمانية الفرنسية. 


56 


وقد ترافقت الهزيمة الفرنسية في أوروبا مع انتفاضة للقبايل في مارس/ آذار 
١‏ وكان القمع رهيبا وأدت مصادرات الأراضي إلى تجريد الأهالي من 
ممتلكاتهم. والحال أن الخوف الكولونيالي سوف يرتسم من الآن فصاعذا بشكل دائم 
وعميق في أفئدة السكان المسمين بالأوروبيين. وهم يطالبون بتعميم سياسة سيطرة 
على السكان المحليين. وهي تتحقق عن طريق ارتجال قائمة بانتهاكقات تحددها 
السلطات المحلية وتقود إلى القانون الصادر في 78 يونيو/ حزيران ١88١‏ 
والمسمى ب«قانون الأهالي» والذي يعطي المديرين المحليين كل السلطات على 
الأهالي. ويجد السكان الريفيون أنفسهم خاضعين لنظام شبه ديكتاتوري. ويضاف 
إلى ذلك نظام ضريبي غير عادل بالمرة يعود بالفائدة على السكان الأوروبيين 
أساسا. ْ 

وفي عام 1847١ء‏ سوف يقوم جول فيري؛ على رأس لجنة تقص للحقائق تتبع 
مجلس الشيوخ.؛ بتنديد لا يرحم بالوضع الجزائري لكنه بلا حول ولاقوة(): «من 
الصعب إفهام المستوطن الأوروبي أن هناك حقوقًا أخرى غير حقوقه هو في البلد 
العربي وأن ابن البلد ليس جنسنا يمكن فرض الضرائب عليه وإجباره على السخرة 
بحسب الهوى [...]. وإذا لم يوجد العنف في الأفعال» فإنه موجود في اللغفة وفي 
المشاعر. فنحن نشعر بأنه لا تزال هناك دمدمة» في أعماق القلوب؛ لتيار ضغينة 
واحتقار ومخاوف لم يهدأ. فما أندر المسستوطنين المفعمين بالرسالة التعليمية 
والتمدينية المنتمية إلى الجنس الأرقى؛ والأكثر ندرة أيضنا هم أولئك الذين يؤمنون 
بإمكانية تحسين الجنس المغلوب. وهم يتسابقون في إعلان أنه غير قايل للتصويب 
وغير قابل للتعليم؛ من دون أن يكونوا قد حاولوا عمل شيء بالمرة مع ذلك منذ 
ثلاثين عامًا من أجل انتزاعه من بؤسه المعنوي والفكري. [...] ولا يملك 
المستوطنون نظرات عامة بشأن المسلك الذي يجب انتهاجه مع الأهاني. وقلما 
يفهمون» حيال هذه الملايين الثلاثة من البشرء سياسة أخرى سوى الاحتواء. ومما 
لا شك فيه أنهم لا يفكرون في القضاء عليهمء بل إنهم ينفون أنهم يرغبون في 
طردهم ؛ لكنهم لا يهتمون لا بشكاياتهم ولا بعددهم؛ الذي يبدو أنه يتزايد مع 
بؤسهم؛ ويخامرنا الشعور بخطر محتملء لكننا لا نتخذ أي إجراء لتلافيه». 


ك2 


وهو ليس مستعذا لسماع شيء عن حقوق سياسية للأهالي فهؤلاء ليسوا 
بحاجة؛ في نظرهء إلا إلى سلطة قوية وعادلة» وهو يميل إلى استعادة سلطة حاكم 
عام للجزائر يعيئه المترويول ولا يخضع للمؤثرات المحلية. 

ولأجل تعزيز ثقل السكان الأوروبيين» يجري انتهاج سياسة ممنهجة لأجل 
فرنسة المهاجرين الأوروبيين (خاصة الإسيان). والحال أن القانون الصادر في 75 
يونيو/ حزيران 1884 إنما ينص على منح الجنسية الفرنسية تلقائيًا لكل أجنبي 
أوروبي يولد في | البلد. وتتشكل جماعة سكانية فرنسية خاصة عبر هذا «الصهر 
للأجناس» ويَحدُث «تحول كريولي» لأنه في عام 18957, ولأول مرةء يتجاوز. عدد 
الأوروبيين المولودين في الجزائر عدد المهاجرين الأوروبيين الموجودين في 
البلد. 

وانصهار الأجناس الأوروبية هو أيضنا ند للعنصر المسلم. فالمستوطنون كما 
الإدارة يرفضون منح الجنسية الفرنسية للأهالي عبر الطريق الذي فتحه الانتقال 
إلى الوضعية المدنية 1 الأوروبية. ومن قد يجدون على الجانب المسلم غواية [فسي 
طلب الحصول على الجنسية الفرنسية] يصطدمون هم أيضنا بالعداوة التقليذنية من 
جانب إخوتهم في الدين الذين يعتبرون التخلي عن الوضعية الشخصية المسلمة 
خيانة للإسلام. ويجد الإسرائيليون الجزائريون أنفسهم في وضع بين بين. فهم 
يتمتعون بالوضعية المدنية الأوروبية (من رفضوا منهم مرسوم كريميو الصادر في 
عام 187١‏ نزحوا إلى بلاد الشام لكي يقيموا بالقرب من المسلمين الجزائريين 
الموجودين مع الأمير عبد القادر)» وبالحقوق السياسية كلها وينتمون في أن واحد 
إلى الثقافة العربية وإلى الثقافة الفرنسية. وفي عالم الفصل هذاء لا يلعبون دور 
الوسطاء: 

ولا تقدم الجزائر صورة جيدة للسياسة الفرنسية. فتلعب تونس دور قترينة 
السياسة الكولونيالية المسماة بسياسة الإشراك. إذ يجري الإبقاء على الدولة التونسية 
ولا يفعل الموظفون الفرنسيون سوى «مراقبة» الإدارة الأهلية. ويجري إلغساء 
السلطات القنصلية. ويتم تحويل النظام الضريبي تدريجيًا. ولا يبدو أن الحماية 
تواجه معارضات كبرى. 


5ه 


وتسمح الحماية بتجنب مسألة التمثيل السياسي للسكان الأوروبيين. ويحتج 
المستوطنون اعتبارًا من عام 184٠‏ ويطالبون بمزايا مساوية لمزايا الجماعة 
السكانية الفرنسية في الجزائر. وتقدم إدارة الحماية تنازلاً بقبولها تكوين غرف 
فرنسية للزراعة والتجارة» لكن مهامها تظل استشارية وذات طابع اقتصادي. وتظل 
مسألة الوجود الإيطالي هي المسألة السياسية الرئيسية. والحال أن الإيطاليين» وهم 
ثلاثة أضعاف الفرنسيين» لا يجري حثهم على طلب الحصول على الجنسية 
الفرنسية؛ والحكومة الإيطالية تشجعهم على الاحتفاظ بهويتهم الأصلية. 

ويسمح نجاح السياسة الفرنسية الظاهر في تونس بتعريف أفضل لمبدأ 
الإشراك المتعارض مع مبدأ الاستيعاب. وتعيد أصداءٌ قضية دريفوس في الجزائر 
إطلاق الخدل. فالاستيطان الأوروبي تهزه موجة معاداة للسامية تتميز بجسامة غير 
مسبوقة. وفي عام 1848 نشهد أعمال شغب حقيقية ويكسب المرشحون المعادون 
للسامية الانتخابات. ويصل الأمر ببعض المستوطنين إلى حد المطالبة بالحكم 
الذاتي» بل بالاستقلال عن المتروبول. 

فتنتهج الجمهورية الثالثة عندئذ سياسة ذكية تمنح؛» من جهة:؛ للإدارات 
[المحافظات] الجزائرية الثلاث استقلالية ذاتية مالية ومجلسًا محليْاء همو مجلس 
الوفود المالية» مع تعزيزهاء من الجهة الأخرى؛ لسلطة الحكومة العامة. وتعيذ 
انتفاضة محلية مسلمة إطلاق خوف المستوطنين وتنهي الغوايات الانفصالية. 

وإذا كانت شعبة تمثل الأهالي قد أنشئت في مجلس الوفود المالية؛ فإن 
المندوبين كانوا يُنتخبون على أساس قاعدة ناخبين جد محدودة ( ١5 ٠٠٠‏ ناخب) 
وكانت الإدارةٍ تُحكم سيطرتها عليهم» ومن هنا كنيتهم «بني وي وي» إيني 
موافقين!]. ويصبح المبدأ الفرنسي مبدأ إشراك للمسلمين ضمن استيعاب للجزائر 
من جانب فرنسا. ش 

والحال أن روبير دو كيه؛ المتحدث بلسان لجنة أفريقيا الفرنسية: إنما يعبر 
في عام 15٠١‏ بشكل ناجز عن تصورات العالم الاستعماري(). فهو يذهب إلى أن 
الواقع الاستعماري يُنتج» بحكم طبيعة الأشياء» أرستوقراطية قياسا إلى السكان أهمل 
البلد. وعندما تمثتل الجماعة السكانية الأوروبية جزءً! مهسّاء فمن غير الوارد 


4ك 


الحديث عن انصهار مع الأهالي؛ فالوارد هو التعايش. ومن المستبعد إتباع نموذج 
الإمبراطورية الرومانية في زمن انحطاطها بمرسومها الذي أصدره كاراكاللا في 
عام 7١7‏ والذي يجعل من جميع الناس الأحرار مواطنين: «إذا ما مَنحنا الحقوق 
السياسية لرعايانا المسلمين» فسرعان ما سوف نجرٌ إلى الفوضى كل عملناء كل 
استيطاننا في الجزائر [...]. وإذا ما قمناء على العكس من ذلك؛ بإخضاع الأهاليء 
من دون منحهم هذه الحقوق الخطرة:؛ لتشريعء؛ لإجراءء لإدارة تتم لصالح 
الفرنسيين» فسوف نسقط في خطأ نظري آخر ارتكبه أنصار الاستيعاب سَمَحَ في 
الجزائر بممارسات كشفت عنها بعض الإجراءات القانونية. ومع نظام كهذاء 
يتعرض ابن البلد للاستغلال من جانب الأوروبي الذي يفسده هذا الاستغلال نفسه. 
[...] ولتفادي هذا الخطرء لا بدمن وجود إدارة للأمالي لا تختلط بادارة 
الأوروبيين. لا بدء بكلمة واحدة؛ من قبول وجود وضعيات شخصية مختلفة على 
: أرض مستعمرتنا. ومما لا مراء فيه أن جمود منطقنا الإداري يرفض ذلك ؛ إلا أنه 
لا يجب علينا التحدث عن طابعنا اللاتيني لحرمان أنفسنا من القدرة على المواعمة 
السياسية. وسواء كنا لاتين أم غير لاتين؛ فإن هذا أمر مثار جدل كبير ؛ ولكن إن 
كنا لاتين؛ فهذا معناه أننا ننحدر من شعب ساد على العالم بقبوله كل النظفروف 
المحلية» وكل التنوعات الاجتماعية والإثنية والدينية. وكانت الإمبراطورية 
الرومانية مومدة من حيث السيطرة؛ لكنها كانت جد مركبة من حيث الأنظمة 
المختلفة للأشخاص: فهي لم تحقق الانصهار القانوني؛ عبر المنح غير المحدود 
لصفة المواطن الروماني؛ إلا في زمن انحطاطها. والحال أن أمة؛ كأمتناء لها 
إمبراطورية؛ يجب أن تقول لنفسها إنه ما من سياسة إمبراطورية صالحة هناك إلا 
وكانت قادرة على أن تستوعبء وأن تقبل في الممارسة العملية» بل وأن تستخدم 
التنوعات التي تحدثنا عنها للتوّ. وإذا ما فشلنا في عدم إدراك هذه الحقيقة [...] فإننا 
نجازف أولا بإثارة الفوضى وزوال النظام في صفوف السكان أهل البلاد في 
مختلف أجزاء إمبراطوريتناء غير أننا نجازف خاصة بأن نخسر فيما بعد هذه 
الإمبراطورية أو بأن تتغلب علينا الشعوب الخاضعة. وقد تكون هذه النظرية 
أرستوقراطية تماماء إلا أنه ليس بالإمكان التوفيق بين السياسة الإمبريالية وتصدير 
الديموقراطية». 


ات 


وتلك هي المعضلة الفرنسية. فالاتجاه القوي في الثقافة الفرنسية هو اتجاه 
الاستيعاب» لكنه يصطدم بالحقائق الواقعية للاستعمار الاستيطاني. والخوف» 
المستند إلى الحقائق» من الرمي في البحرء يستثير العنف الذي يتخذ طابعا مؤسسيًا 
في القانون الخاص بشؤون الأهالي ويغذي العنصرية الاستعمارية التي تجد لنفسها 
ترجمة في نزعة أبوية سلطوية. ومن جديدء تفضي الظاهرة الكولونيالية إلى تفهقر 
للقيم. فابن البلد يجب «أن يلزم مكانه» خلف المستوطنين. وبشكل لا مفر منه؛ تعيد 
فرنسا في بنائها الكولونيالي إنتاج تفسيرها القديم لطبيعة النظام القديم بوصفه نتاج 
الفتح وتجاور الأجناس. 


منطق الإمبراطوريات: إنجلترا في مصر 

إذا كانت فرنسا منشغلة بتكوين كتلة أفريقِة ض خمة حيث الدافع الأول 
والمعترف به لذلك هو الاحتفاظ بمكانتها كدولة عظمى؛ فإن بريطانيا العظمى 
تكتفي برغبتها في السيطرة على الطريق المؤدي إلى الهند. ومن المؤكد أن بعسضص 
كبار الإمبرياليين كسيسيل رودس يطرحون المخطط الهائل الذي يتمتل في تأمين 
الاتصال الترابي بين مصر والكابء لكن المجهود المبذول في أواخر القرن التاسع 
عشر يُكْرس أسامنا للجزء الجنوبي من أفريقيا وسوف يفضي إلى حرب البوير. 

وينتمي احتلال مصر إلى منطق السيطرة هذا. والحال أن هذا الاحتلال» الذي 
جرى الزعم في البداية بأنه مؤقت» إنما يبرر مشروعيته بضرورة تحقيق 
إصلاحات قبل اتخاذ أي قرار آخر. والإصلاحات ليست إصلاحات سياسية بالمعنى 
الليبرالي» لأن البريطانيين قد تدخلوا لأجل القضاء على الحركة الوطنية المسصرية 
المطالبة بالدستورية. وعلى الرغم من الخطاب الأولي الذي تحدث عن إنشاء 
«مؤسسات مؤاتية لتطور الحرية» (تقرير دوفرين في عام ؟184١)»‏ فإن الأمر إنما. 
يتعلق باستعادة الأمن العام ومعاقبة المسؤولين عن التمرد باستعادة سلطة الخديوي 
الصورية. وبعد ذلك» يجب تنظيم ماليات مصر لضمان سداد الديون للأوروبيين 
وتدشين دولة متينة. 

وفي هذا البرنامج المزدوج؛ نجد أن إقلين بارنج؛ وهو اللورد كرومر فيما 
بعدء المندوب العام والقنصل البريطاني من عام 1/18 إلى عام 61١؛‏ يصطدم 


ع 


بالدول الأوروبية العظمى الأخرى. فصندوق الدين» الذي يسيطر الفرنسيون عليه؛ 
يرفض الاستئثار البريطاني. واعتماذا على الامتيازات؛ تنتهج هذه الدول سياسة 
تحرشء تسمى بسياسة «شكة الدبوس». وتنقلب جبهات المبراع. فالبريطانيون 
يريدون إنهاء الامتيازات» فهي عقبة في طريق أي إدارة حسنة؛ بينما يدافع 
المصريون عنها حتى يحتفظوا بمجال ود ضد جبروت محتلين غير 
شرعيين. أمّا فيما يتعلق بفرنساء فهي تقدم تأييذا مستتر! للقوميين وي 
وتجعل من تدويل مصر شعارها. ويقوم رينان بالتنظير لهذا التدويل بزعمه أن 
معي لست أمذه انما هي زهان" : «إن أرضنًا مهمة إلى هذا الحد بالنسبة لبقية 
العالم ليس بمقدورها أن تنتمي إلى نفسها ؛ إنها تَحيّدْ الصالح الجنس البشري ؛ 
فالمبدأ القومي يلقى حتفه هناك». 

وتحرز الدييلوماسية الفرنسية شبه نجاح باتفاقية القسطنطينية حول الوضعية 
الدولية لقناة السويس (186)., لكن البريطانيين لن يطبقوها إلا بتحفظ. 

ومع التمرد السوداني ضد السيطرة المصرية يتعزز الاهتمام بالإسلام. ويؤدي 
مصرع جوردون باشا في6” يناير/ كانون الثاني ١188©‏ إلى حدوث قلق عظيم 
كما يلاحظ ذلك رينان: «إن الأعاصير الخطرة التي موف تنتجها أفريقيا الوأسطى 
بصورة دورية» ما أن تهورنا وتركناها مسلمة» قد تسنى كبتها. فالعلم الأوروبي قد 
تحرك بحرية في بلد وقع بشكل ما في يديه كحقل للدراسة والتجريب. إلا أنه كان 
لا بد من أن تترتب على هذه الخطة الممتازة نتيجة ما. إذ كان من الواجب عدم 
إضعاف أسرة حاكمة وصل نصل سيف أوروبا عن طريقها إلى خط الاستواء 
تقريبًا. وكان يجب بالأخص مراتقبة الجامع الأزهر؛ المركز الذي امتدت منه 
الدعوة الإسلامية إلى كل أفريقيا. فالأجناس السودانية» لو ظلت معزولة ومتروكة 

فيتيشية» ليست لها خطورة تذكرء لكنها بتحولها إلى اعتناق الإسلام تصبح بؤرًا 

لتعصب حاد. وبسبب عدم التبصرء جرى السماح بأن تتشكل في غرب النيل بلاذ 
عرب أخطر بكثير من بلاد العرب الحقيقية». 

وهكذا يمكن لبريطانيا العظمى تبرير وجودها بضرورة التصدي للخطر 
الإسلامي السوداني والقضاء على مخاطر عدوى التعصب. لكن الخطر المباشر 
يأتي من أوروبا عبر التغلغل الاستعماري في أفريقيا السوداء. ومن شم قد يأتي 


اع 


طابور فرنسي للمرابطة على ضفاف النيل: وتعبر الحكومة الفرنسية بالفعمل عسن 
نيتها في تحقيق ذلك. والحال أن جابرييل هانوتو؛ وزير الشؤون الخارجية من عام 
54 إلى عام 21898 إنما يحث على إعادة طرح المسألة المسصرية. ويجري 
إطلاق بعثة مارشان خلال صيف عام 1845 وتصل إلى النيل عند فاشودهء في 
٠‏ يوليو/ تموز 1840. 

والحاصل أنها تعجل بالقرار البريطاني الخاص باسترداد السودان. فينحصف 
على الخرطوم جيش أنجلو - مصري بقيادة كتشئر. وهو يسحق المهديين في 
معركة أم درمان في الأول من سبتمبر/ أيلول 1848. ويجري التمثيل بجثة 
المهدي انتقامًا لمصرع جوردون. وينطلق كتشئر إلى فاشوده ويطلب رحيل 
الفرنسيين. فتحدث أزمة دولية كبرى. وينتاب السخط الرأي العام الفرنسيء لكن 
الحكومة الفرنسية ترضخ. 

وعلى المستوى الداخلي الفرنسي؛ نجد أن اليمين القومي الذي كان حتى ذلك 
الحين معاديًا لفكرة التوسع الاستعماري؛ خوفا من أن يتم التخلي عن مسألة 
الألزاس واللورين» يتحول إلى تأييد هذه الفكرة. والاستعماريون من أمثال روبيير 
دو كيه مستعدون للتفكير في تحالف مع ألمانيا ضد بريطانيا العظمى بسبب حالة 
علاقة القوى0): «لم يَبدُ من قبل قط بشكل أكثر وضوا أن الدييلوماسية أقل تمثيلاً 
بكثير للحقوق من تمثيلها لقوة النفوذء إن جاز القول. وعندما تكون هذه القفوة في 
صالحناء فسوف نجد بالتأكيد حجة حق ممتازة لإعادة طرح المسألة المصرية.». 

ويصبح السودان بلذا واقعًا تحت السيطرة الأنجلو - مصرية المشتركة تدفع 
فيه مصر الثمن وتتولى إنجلترا إدارته. وتحت غطاء استعادة السلطة المسصرية؛ 
تسقط أرض جديدة من أراضي الإسلام تحت السيطرة الأوروبية المباشرة. 

وفيما عدا ذلك» يبدو أن السيطرة البريطانية لا بد لها من أن تتأبد تلقائياء لأن 
العمل الإصلاحي الذي يجب القيام به ضخم لاسيما أنه يجري الإبقاء على الدولة 
الخديوية وأن الفعل البريطاني تتم ممارسته من خلال مستشارين موجودين في 
المواقع الحساسة. وبحسب اللورد كرومرء فإن حكم شعب شبه متمدن هو رسالة 
أدبية طويلة النفس. وهو يرى أن البريطانيين موجودون هناك من أجل خير 
جمهور السكان الذي يجب انتشاله ماديا وروحيًا من البوس الحاضر. وهو يذهب 


اا 


إلى أن الإسلام ليس مجرد ديانة» فهو نظام اجتماعي لا يتماشى بالمرة مع العالم 
الحديث ومن المستحيل إصلاحه لأن إصلاحه يعني زواله؛ ومن هنا صيغته 
الشهيرة: «لا يعود الإسلام إسلامًا إذا ما جرى إصلاحه» ( 5ن 71,هاءا رم كل» 
««رعع :0ط 0 1:15:7). والشرقي الحقيقي لا يريد أن يكون هو نفسه موضوعًا 
للإصلاح؛ لأنه يعرف أن التغير» حتى وإن كان تغيرا معتدلاء من شأنه أن يحول 
بالكامل فهمه للعالم. والإسلام؛ باستيعابه التمدن؛ إنما يجازف بالرضوخ:؛ ومن هنا 
مقاوماته للحداثة. وهناك استثناءات رائعة؛ بينها صديقه محمد عبده الذي يدرك 
ضرورة المساعدة الأوروبية في سيرورة الإصلاحات. وهو يشتبه من جهة أخرى 
بأنه لا أدريّ أو على الأقل فيلسوفء أي أحد القادرين على تمييز الفارق بين القرن 
السابع والقرن العشرين. ومن جهة أخرى فإن كل مسلم مصري طالته الأوربة هو 
لا أدري. فالوصول إلى الحداثة يتحقق عبر استفصال وضياع للقيم التقليدية»ء ومن 
هنا تميزه بأخلاق غير مؤكّدة لأنه لا يتحول إلى اعتناق المسيحية التي هي مصدر 
الأخلاق والتمدن. ولا بد من عدة أجيال حتى يتسنى لمصر أن تحكم نفسها بنفسهاء 
ومن ثم فلا بد من بقاء البريطانيين لما فيه خيرهاء على الرغم من نكران سكانها 

ويطور' إنجليز مصر الاتجاه المرصود بالفعل لدى إنجليز الهند والمتمثل في 
المزيد دومًا من الانفصال عن السكان الذين يديرونهم وعن نخبهم التي طالها 
التحديث بالدرجة الأولى. فهم على الرغم من تحبيذهم للإصلاحات التحديثية 
يرفضون نتائجها التي قد تجازف بأن تفضي إلى اختزال المسافة بين الفاتحين 
والمغلوبين. وهم يرفضون انتهاج سياسة ثقافية قوامها إشاعة الإنجليزية ويتركون 
المدارس الفرانكوفونية تمارس تأطير أجيال النخبة الجديدة - ما يسمح لهم بالتأكيد 
على أن المصري الفرانكوفوني يتميز بكل رذائل الفرنسيين والمصريين مسن دون 
أن يتميز بأي فضيلة من فضائلهم. أمّا الباشاوات من ذوي الأصول التركية فيجري 
النظر إليهم بتعاطف أكثر بعض الشيءء ففيهم آثار من الطاقة الأولى بوصفهم 
فاتحين. أما الزيف المجتمع مع انعدام الأخلاق فهو يميز المصري الحديث. 

وتتطور عبادة الأصالة في تطبيق مزدوج. ويتعلق التطبيق الأول بالسكان 
المتميزين بأكثر تقليدية ممكنة والذين يضحي المدير البريطاني بنفسه من أجلهم. 

ع6 


: وتلك حالة السكان السودانيين أو البدو. أّا التطبيق الثاني فهو فكرة وصول بطئ 
إلى الحداثة بفضل تطور ضمن أصالة مصونة لكنها منقاة من الشوائب. وفي 
اللحظة المباشرة» وبأكثر بكثير من المستعمرين الفرنسيين؛ يتأسس تفسير 
المستعمرين البريطانيين للعالم على القيم النيو إقطاعية عن عدالة السيد وولاء 
وإخلاص المسود. ولا بد للإصلاح السياسي من أن يعيد بشكل ما إنتاج السيرورة 
الإقطاعية الأوروبية مرور! بالمنح التدريجي للحقوق وفق نموذج الميشاق الكبيير 
[الماجنا كارتا]. وبالنسبة لمصرء من شأن الأمر أن يتعلق بتعليم السكان بتعويدهم 
على الإدارة المحلية لشؤونهم الخاصة. 

ويكمن التناقض المميز للروح البريطانية في اعتبار مستعمريها أرستوقراطية 
خدمة مكرّسة لخير السكان وتقوم بتعويدهم على الحرية عبر إعادة إنتتاج بطيئة 
للمسار الأوروبي الذي انطلق من غابات جرمائياء في حين أن هؤلاء المستعمرين 
ممثلون لاستبداد عسكري ذي منزع تكنوقراطي بشكل متزايد باطراد. 

والحال أن شريحة من النخبة المصرية؛ خاصة بين أتباع محمد عبده: إنما 
تتجاوب مع هذا الطرح الخاص بالإصلاح الذي يجب الاضطلاع به: لاسيما أن 
كرومر يقدم لهم مساندة معينة في معركتهم ضد العناصر الأكثر محافظلة في 
المجتمع. وهم يثمنون في السياسة البريطانية حرية التعبير الكبيرة الممنوحة لهم. 
وفي أواخر القرن التاسع عشرء تصبح مصر مختبَرا نشيطا للأفكار وذلك بسبب 
رقابة تكاد تكون منعدمة من الناحية العملية بالمقارنة مع الرقابة الموجودة في . 
الدول الإسلامية المستقلة الكبرى. وبالمقابل» يشدّد القوميون المصريون على 
تناقضات خطاب البريطانيين: فلو تحققت الإصلاحات؛ لا بد لهم من الرحيلء وإن 
لم تتحقق» فذلك لأنها غير مجدية؛ ومن ثم لا بد لهم من الرحيل ... 


الإمبراطورية العثمانية أو ارتباط الإمبراطوريات 
غداة الأزمة الشرقية؛ ينكب نظام عبد الحميد على سياسة إعادة توطيد للدولة 
قائنة على :سلطوية تحديثية (سلامية. وفي دولة زلدت فيها نسنبة السكان' النمسلمين 
زيادة ملحوظة جراء فقدان الولايات البلقانية والتدفق المتواصل للاجئين مسلمين» 
2305 


جرى تجديد التأكيد على الخلافة» جنبًا إلى جنب التأكيد على الإسلام. وفي الوقت 
نفسه؛ تطورُ السلطة بشكل متواصل أدوات الحداثة والتني تتمثل في إدارة ذات 
مشروع تنمية اقتصادية ومنظومة تعليم خاص وعام موجّه في اتجاه الفروع 
المعرفية الجديدة وتعزيز وسائل المواصلات والاتصال كالسكك الحديدية أو 
التلغراف. 

ويتحدد الاندماج بأوروبا مع إنجاز خط قطار الشرق السريع الذي يجعل 
العاصمة العثمانية على مسافة ثلاثة أيام من باريس (18848). وفي ذلك الوقست» 
تصبح تركيا الأوروبية جزءًا من مجمل شبكة السكك الحديدية الأوروبية:؛ بينما 
تظل الشبكات الآسيوية غير مرتبطة فهي محاورٌ للوصول من الساحل إلى الداخل. 

والإدماج هو أيضنا سيطرة» إذ يجرى إنشاء صندوق للدين بعد الإفلاس الذي 
جرى إشهاره في عام .1488١‏ وهو يسمح للدولة العثمانية باستعادة مكانتها لقاء 
سيطرة أجنبية على جزء ملحوظ من موارد الدولة. ونقص الإمكانات المالية هو 
نقطة الضعف الرئيسية لدولة تتزايد مهامّها بشكل متواصل ولا بد لها من الاحتفاظ 
بقوات عسكرية مهمة لضمان نجاتها. وباسم الامتيازات؛ تعترض الدول العظمى 
الأوروبية على زيادة للرسوم الجمركية كان من شأنها أن تسمح من جهة أخرى 
بتأمين بداية تصنيع. والحال أن الدولة - في سعيها إلى تأمين تطورها-؛ وهي 
دولة لا يمكنها بأي حال أن تقاوم ذلك؛ إنما تضطر إلى الانفتاح بالكامل على 
الاستثمارات الأجنبية الحاضرة بشكل خاص في مرافق المواصلات (الموانئ» 
الفنارات؛ السكك الحديدية» إلخ.). وهذه الاستثمارات تعزز على حدّ سواء تلاحم 
الدولة والوجود الأجنبي. وتجد الدولة فيها أيضنا وسيلة للنجاة لأن الدول العظمى 
الأوروبية الرئيسية تصبح مهتمة اهتمامًا مباشر! ببقائها. وفرنسا هي المستثمر 
الأول في الدولة العثمانية» بينما تصبح بريطانيا العظمى الشريك التجاري الأول. 
وتضطر هذه الأخيرة إلى مواجهة المنافسة المتزايدة من جانب ألمانيا 
الإميراطورية. 

ويهتم عبد الحميد اهتمامًا خاصنًا بالولايات العربية. وهو يلعب على الهوية 
الإسلامية ويفتح أبواب الإدارة والجيش أمام النخب العربية - المسلمة. وعلى 
الصعيد المحلي؛ فإن ما يجري هو لعبة أشكال نفوذ خفية. فقد تخلت الدول العظمى 


هع 


الأوروبية فعليًا عن الحمايات القنصلية للمسلمين (تخوض فرنسا معركة مؤخرة 
بشأن رعاياها الجزائريين!"). ويدور الحوار السياسي بين القناصل والولاة 
الحريصين على استتباب النظام. ويتمثل الخطر الرئيسي في وقوع أعمال عنف 
طائفي جديدة. وعندما يقع حادث؛ يتحمل القناصل المسؤولية عن محميسيهم 
المسيحيين واليهود ويتحمل الوالي المسؤولية عن الأعيان المسلمين. والرغبة 
المشتركة هي نزع فتيل الأزمة مع إنقاذ ماء وجه الطرفين. وكتضناف إلى هذا 
التوازن الأول الصراعات على النفوذ فيما بين الأوروبيين. وما تشكو منه إنجاترا 
هو عدم ممارستها لحماية ديئية وافتقارها إلى سياسة ثقافية» وهي تهتم أساسا 
بمصالحها التجارية وبأمن الطريق المؤدي إلى الهند» ومن هنا اهتمامها ببلاد 
الرافدين التي تشكل امتداذا لخليج يسيطر عليه إنجليز الهند وبفارس التي تشكل 
ساحة لوقف الزحف الروسي نحو المحيط الهندي. 

ويرمز التحالف الفرنسي - الروسي في عام ١81١‏ إلى تغير مهم. وفي 
الساحة؛ تظل المنافسة قوية بين الدولتين الشريكتين» لكن باريس وسان بطرسبورغ 
تتحركان معًا للحيلولة دون أي مواجهة عنيفة فيما بين الكاثولايك والأرثوذكس. 
وتعاني روسيا من منافسة اليونان لها في ما يتعلق بالكنائس الأرثوذكسية. وكبار 
رجال الدين الذين يتم اختيارهم من بين الرهبان يونانيون من الناحية الإثنية في 

حين أن صغار رجال الدين والمؤمنين عرب. وهؤلاء الأخيرون ينازعون سيطرة 
اليونانيين ويلقون التأييد من جانب روسيا. والنزاعات عنيفة حول الانتخابات 
الأسقفية والبطريركية. 

ويعتمد الكاثوليك الاتحاديون على المبشرين اللاتين الذين يعتبرون في 
غالبيتهم العظمى من أصل فرنسي. ويبدو البايا ليون الثالث عشر مؤيذا لقضية 
الملل الشرقية ويوقف استخدام اللاتينية في إقامة الطقوسء لكن خليفته بيوس 
العاشر يمضي بالأحرى في الاتجاه الآخر. ونهاية القرن التاسع عشر هذه هي 
العصر الذهبي للمبشرين الفرنسيين الموجودين بشكل خاص في مجال التعليم. 
وحلمهم المعلن إلى هذا الحد أو ذاك هو إعادة خلق جماعة مسيحية كاثوليكية 
فرنسية في الشرق غير متأثرة بالأفكار المسماة بالحديثة. وهم يتمتعون بتمويلات 


(*) الموجودين في سوريا. -م. 
كلاءع 


قادمة من الكاثوليك الفرنسيين خاصة بفضل عمل المدارس الموجودة في الشرق؛ 
وإن كانوا يتمتعون أيضنا بإعانات مالية من الوزارة الفرنسية للشؤون الخارجية يتم 
التصويت عليها كل سنة وليس من دون مناقشات من جانب برلمان جمهوريّ في 
غالبيته. ويرى الجمهوريون أن اللغة الفرنسية هي الأداة الطبيعية لتحقيق التحرير 
الإنساني كما قال ذلك رينان في عام 1884 في مؤتمر الآليانس فرانسيز7”): «أينما 
ذهبت الفرنسية» [...] تذهب الثورة معها في المقعد الخلفي. وأنا أعرف أنه لا 
يجب أن تكون هناك جرعة زائدة من الثورة ؛ إلا أن هناك الكثير من البلدان في 
العالم التي لا يزال بوسع الثورة أن تكون مفيدة لهاء بجرعات معينة. ولا يجب أن 
نتعجل ذلك ؛ ولكن دعوا بوقنا الصغير يقوم بعمله؛ ففي أوقات معينة يتحول» مسن 
يدري كيفء إلى صور أريحا». 

ونحو عام ٠188ء‏ تصبح الفرنسية اللغة الأجنبية الأولى الأوسع استخدامًا في 
الدولة العثمانية. وتُقَسسّنُ عدةٌ عوامل هذا النشوع للفرانكوفونية الشرقية. فالدولة 
. والمجتمع بحاجة إلى لغة تسمح بالتعرف على الحداثة. وكان المصلحون العثمائيون 
يجيثون من الوسط الديبلوماسي حي كانت الفرنسية اغة مهنتهم وكانوا يميلون إلى 
فرضها في قطاعات الإدارة التي جرى إصلاحها. ثم إن البعثات التبشيرية الفرنسية 
والتحالف الإسرائيلي العالمي قد جعلا من الفرنسية اللغة الأولى في التعليم الخاص. 
والحال أن غير المسلمين» وهم أول زبائن هذا التعليم» قد استفادوا من هذا المنفذ 
المتميز» لكن المسلمين لحقوا بهم. كما أن التعليم الثانوي الذي تقدمه الدولة 
والمدارس المسيحية غير الكاثوليكية يعطي حصة كبيرة لاستخدام الفرنسية. 

والحال أن المدارس التبشيرية اليروتستانتية الأميركية وحدها هي التي قد 
يكون بوسعها أن تشكل منافسة حقيقية مع المدارس الفرنسية في بلاد الشام وفي 
الأناضولء لكنها تعتبر في الأغلب» منذ عام ٠188؛‏ مرحلة أولى نحو الهجرة إلى 
القارة الأميركية الشمالية. ففي هذه العولمة الأولى قبل عام ١114‏ تشارك 
الجماعات السكانية المنتمية إلى الدولة العثمانية مشاركة واسعة في الهجرة البشرية 
الكبرى من العالم القديم إلى البلدان الجديدة (إلى القارتين الأميركيتين وجنوب 
أفريقيا وأستراليا). وهذه الهجرة مسيحية في معظمها وهي تتوافق مع التزايد 
الديموغرافي للجماعات المسيحية (التزايد العددي للمسيحيين أضخم بكثير من تزايد 

اماع 


المسلمين) ومع نزوح ريفي كثيف انطلاقا من مناطقهم الريفية الجبلية (على العكس 
من ذلك؛ يشارك الفلاحون المسلمون مشاركة واسعة في تنمية أراض جديدة 
وتتحرك حواضر شرق البحر المتوسط في تجلوب مع البقاع الذي يتحرك 
به العالم. وهي تعبير عن الانفتاح على أوروبا وتشكل نقطة انطلاق للهجرات عبر 
القارات. وهي تصيبح مواقع رفيعة للثقافة. وتترافق الثقافة الفرنسية مع حركة 
3 ااا لا تر 
و تنبثة تتبثق الفرانكوقونية الشرقية من هذا الارتباط بين طلب وعرض. وهذا 
التمدن الحركي المميز لشرق البحر المتوسط يعطي معنى جديذا لكلمة شرق البحر 
المتوسط [167220] القديمة. وفي غطرسة: يتحدث الكتاب الاجتماعيون الفرنسيون 
(وإن كان الدييلوماسيون لا يفعلون ذلك) عن فرنسا شرق البحر المتوسطء؛ وهي 
أرخبيل من المواقع الممتدة من سالونيك إلى الإسكندرية مرور! بجالاتا وإزمير 
وبيروت. وشرق البحر المتوسط هذا ليس الساحل وحده وهو موجودٌ حيثما تقوم 
البعثات التبشيرية بعمل تعليمي ضمن إطار طلب على الوصول إلى الحداثة. 
والفرنسيون يتأثرون لهذا التبني التلقائي لثقافتهم والذي يتم غالبا مسن جهة 
أخر ى ضمن التفسير المحافظ لهذه الثقافة من جانب البعثات التبشيرية الكاثوليكية. 
وهم مستعدون لأن يروا في ذلك اختيارًا حرا لهوية فرنسية لاسيما أن القناصل 
يمنحون الحماية القنصلية بسخاء لغير المسلمين. وبالمقابل» نجد أن هذ التأكيد 
المشرقي يبدو بمثابة بشاعة تقريبًا في نظر البريطانيين الذي يغتبرونه غير أخلاقي 
ومنافيًا للطبيعة. وبحسب كرومرء فإن الوضعية الإثنولوجية للمشرقي تتجاوز كل 
تشخيص. ويطوّرٌ الرحالة البريطاني عبادة للأصالة قائمة على رفض التحوير 
المشرلي” ويصبح إضفاء طابع مثالي على العربي البدوي النقي عنصر! محوريًا 
في الرواية الأنجلو - عربية. 


1ع 


الأزمات الشرقية الجديدة 

تكمن الأصالة الرئيسية للولايات العربية ضمن الكيان العثماني الكلي في تلك 
الحقبة في أن هذه الولايات لا تشهد تطور! في اتجاه التعارض الإثني. فالسياسة 
الحميدية تعزز الانتماء الإسلامي والعثماني؛ والنهضة الأدبية العربية يسهر عليها 
مشارقة مسيحيون ومسلمون بشكل مشترك. وينتج عن هذا أنّ شعور الانتماء يظهر 
بشكل غير متعارض بين الإحالة العثمانية (وهي الإحالة الوحيدة التي تتمتعء إلى 
جانب الدين» بتعريف حقوقي) والإحالة العربية ذات الطبيعة الثقافية والإحالة 
السورية ذات الطبيعة الجغرافية. ويبدو أن سيرورة تشكل هوية قومية خاصة قد 
توقفت. 

والأمر ليس كذلك في بقية الدولة العثمانية حيث يجتمع الواقع القومي بالواقع 
الديني بشكل لا علاج له. والانقسام الديني يتفوق على الانقسام اللغوي: فالمسلم 
الذي تعد اليونانية أو لغة سلاقية لغته الأم لن يُعتبر يونانيًا أو سلاقيّاء بل سيعتبر 
بالأحرى مسلمًا خائنا لشعبه الأصلي (المفترض). أمّا الأرمني الناطق بالتركية 
فسوف يجري تعريفه بأنه أرمني لا بأنه تركي. وتترافق سيرورة [تحديد الهوية 

استنادًا إلى الانتماء] إلى أرض محددة مع تبني المرجعية الثورية. 

ْ والحال أن المطلب القومي الأرمني القائم على تحويل جماعة طائفية إلى 
هوية إثنية إنما ينطرح بشكل متأخر زمنيًا عن طرح المطلب القومي في البلقان. 
وتتحدث معاهدة برلين (المادة )١5‏ عن «تحسينات وإصلاحات» يجب تطبيقها «في 
الولايات التي يسكنها الأرمن» والذين سيتعين ضمان أمنهم في مواجهة الشراككسة 
والكرد. وهذا التعهد الضعيف بالأحرى إنما يدل على الخلط بين مشكلتين»: مشكلة 
التعايش فيما بين الجماعات السكانية في الأناضول الشرقية حيث يصطدم الإحيٍ 
الزراعي بمسألة النشاط الرعوي وحيث يقيم اللاجئون المسلمون القادمون من 
القوقاز ومن البلقان ؛ ومشكلة تحول المطلب الأرمني إلى مطلب ذي طابع ترابسي 
يتجاوز وضعية جماعة طائفية. 

وكما في ولايات بلاد الشام» عرفت الأناضول مرحلة اضطرابات في مستهل 
ثمانينيات القرن التاسع عشر: فقد نظم الكرد صفوفهم للوقوف ضد تكوين دولة 
أرمنية. وتلت ذلك استعادة للسيطرة وسياسة دمج للكقرد مشابهة لسياسة دمج 


20 


العرب. وفي مستهل تسعينيات القرن التاسع عشرء يحاول المناض لون القوميون 
الثوريون الأرمن تنظيم الفلاحين ضد الكرد. وفي ربيع عام 1814 تد 
اضطرابات بين الكرد والأرمن. وترى السلطة المركزية في ذلك بداية انتفاضة من 
شأنها إطلاق أزمة شرقية جديدة. فيجري إرسال الجيش لممارسة قمع قاس ضد 
الأرمن. ويتظاهر الرأي العام الأوروبي إذ استتنفره المتعاطفون مع القضية 
الأرمنية. ويضطر الباب العالي إلى قبول لجنة تحقيق قنصلية تشجب بالأخص 
تجاوزات القمع» حتى وإن كانت قد اعترفت بوجود حركات ثورية أرمنية. ويجري 
إطلاق مشاريع لإجراء إصلاحات في الولايات الأناضولية وفق نموذج ولاية جبل 
لبنان المتمتعة بالحكم الذاتي مع تقسيم يُقسسّمْ «الجماعات السكانية إلى جماعات 
إثنوغرافية متجانسة قدر الإمكان»؛ أي إطلاق بلقنة. 

. ويماطل عبد الحميد ويحاول بث الفرقة في صفوف الدول العظمى الأوروبية. 
وترتاب روسيا في عدوى نزعة الحكم الذاتي الأرمنية وترى فرنسا أن مصلحتها 
إنما تتمثل في الحفاظ على البنية السياسية العثمانية. وبريطانيا العظمى وحدها هي 
المنكبة على الملف. 

وفي مستهل خريف عام 2١856‏ ينظّم المناضلون الثوريون تظاهرات وقلاقل 
في اسطنبول سعيًا إلى إرغام الدول العظمى على التدخل لصالح الإأصلاحات 
الأرمنية. وتقع صدامات مع قوات حفظ النظام ويهجم السكان المسلمون على 
الأرمن متسببين في سقوط العديد من الضحايا. وفي ١5‏ أكتوبر/ تشرين الأول» 
يرضخ السلطان إزاء الضغط الأوروبي ويعلن برنامج إصلاحات. وفي الأيام 
التالية» تضطرم الأناضول الشرقية في انفجار أعمال عنف طائفية تؤدي إلى سقوط 
عشرات الآلاف من الضحايا. وتتحدث الأطروحة الرسمية العثمانية عن أعمال 
عنف تلقائية ناجمة عن إعلان برنامج الإصلاحات. ويتحدث الأرمن عن تنظيم 
متعمّد جرى التخطيط له في القصر السلطانيء لكن هذا لا يتفق. مع تعقل عبد 
الحميد ولا مع حقيقة أن بعض المناطق قد نجت من وقوع أحداث ممائثلة فيها. 
ويبدو تمامًا أن الجانب الرئيسي من المسؤوليات عمًا حدث إنما يقع على الجماعات 
السكانية المسلمة الأناضولية التي هددت بالانتقال إلى الانشقاق الكامل على السلطة 
المركزية. 

4 


وبعد تهدئة نسبية في مستهل عام 21845 يشن الثوار الأرمن هجومًا على 
المقر المركزي للبنك العثماني (ذي رؤوس الأموال الفرنسية - البريطانية) 
ويأخذون رهائن سعيًا إلى إرغام الأوروبيين على التدخل من جديد. وإذا كان 
الثوار يجلون عن البنك ويجري ترحيلهم إلى فرنساء بفضل تدخل الدييلوماسيين 
الأوروبيين» فإن الحدث يستثير انفجار! جديذا لأعمال العنف في القسطنطينية بما 
يؤدي إلى سقوط عدة آلاف من الضحايا الأرمن. وتروج في الصحافة الأوروبية 
صور 3 «السلطان الأحمر » ذابح المسيحيين. 

ومن جديدء يجد الأوروبيون أنفسهم في مأزق. ومن المؤكد أنهم يفكرون في 
خلع السلطان»؛ لكن هذا الخلع ليس من شأنه تسوية المشكلة بأي حال. وقد أدى 
التطور الأخير إلى جعل الدولة العثمانية أداة من أدوات الفعل الأوروبي. وفي حالة 
عجز هذه الأداة» يجد الأوروبيون أنفسهم بلا إمكانات. وليس من شأن أي سياسة 
بوارج السماح بحل مسألة الأناضول الشرقية. وقد يتعين القيام بتقسيم حقيقي للدولة 
العثمانية» وهو ما يفكر فيه الروسء إلا أن من شأن هذا التقسيم أن يستند بالنسبة 
لبريطانيا العظمى إلى مسألة طريق الهند وأن يستند بالنسبة لفرنسا إلى مسألة 
الحفاظ على استثماراتها الاقتصادية. 

ويسمح الشلل الأوروبي يبقاء النظام الحميدي بثمن رهيب يتمثل في القضاء 
على آليات التعايش الطائفي في الأناضول. فتنتتصب الريبة والعداوة ويصبح 
مرتكبو أعمال العنف أبطالاً في نظر كل طائفة من الطوائف. وفي أي لحظة وعلى 
أثر أبسط حادثء قد تنجرف الأناضول كلها إلى العنف القاتل. والمسألة ليست 
مسألة فعل من جانب الدولة ضد أقلية إثنية - دينية» حتى وإن كان جزء مسن 
الإدارة متواطنًا أو سلبيًا حيال أعمال العنف» بقدر ما أنها مسألة مواجهة عمياء بين 
مجتمعات مسماة بالمجتمعات المدنية. 

وفي البلقان؛ يصل التفكك إلى مستوئ أبعد. فالجماعة الدينية تنتقسم إلى 
جماعات إثنية على الأساس اللغوي. وهكذا فإن الأرثوذكسية البلقانية تنقسم بين 
«الروم البطريركيين» (المعترفين بسلطة بطريركية القسطنطينية) و«البلغار 
الخبريين» (المعترفين بسلطة الحبرية البلغارية). وبما يشكل مرحلة جديدة في 
البلقنة» نُضاف إلى العنف الطائفي فيما بين المسلمين والمسيحيين أعمال عنف إثنية 


م١‎ 


فيما بين جماعات مسيحية. ويحصل البلغار في هذا المجال على شهرة نكراء جرّاء 
فعال منظمتهم المسماة بالمنظمة الثورية المقدونية. 

وفي مقدونيا العثمانية (ولايات كوسوقا وموناستير وسالونيك)» ع 3 الإثنيات 
والطوائف عديدة بما يجعل من كلمة مقدونياء بأكثر مما في أي وقت مضىء مرادفا 
لخليط غير متجانس. وجميع الدول البلقانية المسيحية الأرثوذكسية (اليونان وصربيا 
وبلغاريا ورومانيا) مهتمة بها باسم حقوق تاريخية وقرابات إثنية. وكل واحدة من 
هذه الدول تدعم سرًا بهذه الدرجة أو تلك جمعيات سرّية إرهابية تهجم في أواخر 
القرن التاسع عشر على منشأت الدولة والبنايات الدينية والمدنيين من الطوائف 
الأخرى. وإنه لمن المؤكد أنه في مقدونياء في تسعيئيات القرن التاسع عشرء يولد 
الإرهاب الحديث (سلب ونهب قرى بأكملهاء عمليات الخطف من أجل الحصول 
على فدية» عمليات إحراق المساجد والكنائس» الهجمات ضد قطار الشرق السريع). 
ومن جهة أخرى: فإن القوميين الأرمن قد استلهموا أساليب الإرهابيين البلغار. 
ويقتدي الفدائيون الأرمن بنموذج الكوميتاجي المقدونيين الرهيبين ويطرحون 
أنفسهم». مثلهم» كثوريين. 

وقد أدت الأزمة الأرمنية إلى إعادة إطلاق المسألة الكريتية. فالمسلمون 
والمسيحيون يتقاتلون ويتبادلون الذبح. وفي عام 18417» يعلن المتمردون اليونانيون 
الارتباط باليونان ويكسبون إرسال قوة حملة يونانية لمساندتهم. فتتدخل الدول 
5 وتنخرط في استعراض قوة بحري: وهي تطالب بالحكم الذاتي لكريت 

ضمن الإطار العثماني وبرحيل القوات اليونانية. ٠‏ وبدفع من من القوميين» تعلن الحكومة 

اليونانية الحرب على الدولة العثمانية في أبريل/ نيسان .١4417‏ فيسحق الجيش 
العثماني القوات اليونانية بسهولة: لكن الدول العظمى الأوروبية تفرض على الفور 
هدنة. ش 

ومن الناحية الترابية» يعد هذا انتكاسة عثمانية جديدة:؛ لأن الحكم الذاتي 
الكريتي سرعان ما يتحول إلى شبه استقلال سوف يقود إلى ربط كريت بمملكة 
اليونان. والحال أن المسلمين الكريتيين» وهم في الأغلب ناطقون باليونانية:؛ إنما 
يهربون من الجزيرة فيزيدون من حجم اللاجئين في الأناضول. ومسن الناحية 
السياسية» بالمقابل» فإن الانتصار العثماني؛ وهو أول انتصار منذ عقود على دولة 


ىة 


مسيحية» إنما يقابل بالتحية بشكل شامل في العالم الإسلامي حتى الهند والصين؛ ما 
يؤدي إلى عدم ارتياح عظيم من جانب الدول الأوروبية. ومكانة السلطان - الخليفة 
في أوجها. على أن الخسارة الفعلية لكريت تشجع القوميين المسيحيين في مقدونيا 
على زيادة نشاطاتهم العنيفة. وتندرج المسألة المقدونية في جدول أعمال الأروقة 
الأوروبية. وفي عام »١107‏ يشن البلغار انتفاضة حقيقية يتمكن الجيش العثماني 
من احتوائها بصعوبة. فيطرح الأوروبيون ضرورة إجراء «إصلاحات جديدة» 

تضع المنطقة تحت الرقابة المألية. ويماطل عبد الحميد. وهو يضطر إلى الموافقة 
في مقابل زيادة للرسوم الجمركية ومد الرقابة المالية الأوروبية إلى مجمل 
الإمبراطورية العثمانية. 

وفي إطار التوازن الأوروبيء أدت أحداث 1887-1418 إلى تغيرات 
ملحوظة. وإذا كانت روسيا تظل العدو التاريخي» فإن فرنسا التي استولت على 
تونس وبريطانيا العظمى التي استولت على قبرص ومصر لا يُعاد اعتبارهما 
حاميتين للدولة العثمانية كما في زمن حرب القرم. وقد اتجه عبد الحميد إلى ألمانيا 
الجديدة التي ليست لها مطامع ترابية معلنة على حساب العثمانيين. وفي ثمانينيات 
القرن التاسع عشرء يجري اللجوء إلى مستشارين عسكريين ألمان لإعادة تنظيم 
الجيش العثماني وهم يظهرون بوصفهم منظمي الانتصار على اليونان- 

وقد بدا بسمارك مرتابًا تجاه أي تورط في المسائل الشرقية والتي كانت لا 
تهمه إلا في جعل ألمانيا حَكَمًا يفصل في الخلافات الأوروبية. أَمّا قلهلم الشاني: 
على العكس من ذلك؛ فهو يشجع على هذا التقارب السياسي والذي يتماشئى مع 
الحصة المتزايدة لبلاده في تجارة الإمبراطورية العثمانية. وفي مستهل عهده في 
عام 1884» قام بزيارة أولى للسلطان؛ لكنه كان لا يزال تحت سيطرة بسمارك. 
أمّا رحلة الحج إلى 0 عام 844١ء‏ فهي تدور تحت رعاية ضرورة 
أن «تأخذ» ألمانيا «مكاتا لها تحت الشمس» في إطار سياسة عالمية. ويقيم 
إمبراطور ألمانيا هناك لأكثر من شهر ولا يقتصر على نشاط دييلوماسي وديني 
بسيط. وهو يخاطب الرأي العام الإسلامي؛ خاصة خلال مروره بدمشق لزيارة قبر 
صلاح الدين في مسجد الأمويين: «إن ملايين المسلمين الثلاثمائة الذين يحيون في 
العالم يجب أن يعرفوا أن لهم في شخصي أفضل صديق لهم». 


ل 


وهذا النداء الموجه إلى مجمل العالم الإسلامي» إلى جماعة سكانية من المؤكد 
أن تقدير عددها بهذا الشكل مبالغ فيه إلى حدٌّ بعيد آنذاك» إنما يعتبر تشجيعا لنزعة 
الجامعة الإسلامية. والتجسيد الأول هو الامتياز الممنوح لألمانيا لإنشاء سكة حديد 
من اسطنبول إلى بغداد» وهو موضوع مباشر للتنافسات الأوروبية. وبالنسبة 
لبريطانيا العظمىء فإن هذا الامتياز يهدد سيطرتها الاقتصادية على بلاد الرافدين 
والخليج. وردٌ الفعل الأول هو فرض حماية على الكويت سعيًا إلى منع سكة الحديد 
القادمة من الوصول إلى الخليج؛ لكن المهندسين يبينون أن بالإمكان مع ذلك 
الوصول إلى البحر انطلاقا من البصرة أو من شط العرب. 

وبما أن الألمان تعوزهم رؤوس الأموال؛ فإنهم يأملون في الحصول على 
مشاركة من جانبٍ الفرنسيين والبريطانيين» لكن هذه المشاركة تبدو مستحيلة. 
وعندئذ يرتسم فشل إقامة كونسورتيومات أوروبية لتنمية الدولة العثمانية والاتجاء 
المتقل بالعواقب إلى إقامة مناطق نفوذ اقتصادي ومن ثم سياسي. 

والمحصلة النهائية للنظام الحميدي ملتبسة. فالسلطان العظيم الأخير قد نجح 
في تحصين الدولة وقام بتطوير إدارة تحديثية. وضياع أراض كان محدوذا (كريت 
أساسا). وقد قامت علاقة معقدة بين تعزيز سلطة السلطة المركزية على الولايات 
وتوسيع السيطرة المالية والاقتصادية الأوروبية على الدولة العثمانية. والأزمات 
المقدونية والأرمنية تهدد التسويات الداخلية الصعبة في المجتمع الأناضولي 
والبلقاني. وإذا كانت النزعة القومية ذات النزوع الترابي لدى الجماعات المسيحية 
المعنية نتاج تطورات داخلية في صفوف الجماعات السكانية؛ فإن الاستراتيجية 
السياسية المتبعة قد تمثلت في السعي إلى إحداث التوتر لأجل استثارة تدخل إنقاذي 
من جانب أوروبا. وعلى الرغم من احتجاجات بعض مكونات الرأي العام 
الأوروبي» فإن منطق التوازن الأوروبي يجعل من المستحيل القيام بتمزيق ترابي 
جديد مشابه للتمزيق الذي قام به [مؤتمر] برلين. وتضاف إلى ذلك حقيقة أن البنيسة 
السياسية العثمانية» التي تسمح بفتح شبه كامل للفضاء العثماني أمام المصالح 
الأوروبية؛ يبدو أنها أهم بالنسبة للدول العظمى من تمزق هذا الفضاء وتحوله إلسى 
دول قومية أو إلى مستعمرات قد يكون دخولها إليها أصعب. 


م21 


الفصل الخامس 
الزعزعات الأولى للسيطرة الأوروبية 


الإسلام والثورة: فارس 

لئن كانت شريحة من المجتمع العثماني قد مالت» في تسعينيات القرن التاسع 
عشرء إلى المنظور الثوريء فإن هذه الشريحة أنما تتألف أسانا من مناضلين 
قوميين مسيحيين. ففي الفكر السياسي الإسلامي التقليدي» كانت الفكرة الثورية 

تعتبر فكرة سلبية» لأنها تكسر وحدة الجماعة (أو المجتمع). والحال أن المصلحين 
في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر قد اعتمدوا بالأحرى نقذا للنظام 
السياسي القائم الذي عرفوه بأنه «استبدادي» وسعوا إلى أسلمة الخطاب الليبرالي 
الدستوري الأوروبي. ودستور عام 187 العثماني» حتى مع أنه كان ثمرة 
انقلاب؛ كان ممنوحا من جانب السلطان الذي احتفظ فيه بسلطات مهمة. وعلى 
الرغم من تعطيل هذا النص فيما بعدء إلا أنه ظل مسجّلاً في المدونات القانونية 
العثمانية. وبالمقابل: في الدولة العثمانية كما في فارس؛ كانت الإشارة إلى أي 
«ثورة» محظورة تمامًا من جانب الرقابة الرسمية» خاصة في أواخر القرن. 

وفي فارس تحديذاء بحكم أن التحديث أقل تقدمًا وبحكم أن الدولة أضعفء 
يَصنائف الاتجاهات الثورية ة الإسلامية الأولى بمعنى أن المثقفين التحديثيين 
موجودون في حركة شعبية ليسوا المنظمين الوحيدين لها. وقد أبدى الشاه ناصر 
الدين اهتمامًا معينا بالأفكار الإصلاحية وزار أوروبا وروسيا حيث تركت 
المنجزات الحديثة أثرًا إيجابيًا في نفسه. 

وبعد فشل الامتياز الممنوح ليوليوس دو رويترء لا تتأخر الدييلوماسية 
البريطانية في طلب امتيازات جديدة. وقد جرى منح بعضها. وهذه المرة؛ يعمل: 
جمال الدين الأفغاني على توحيد المعارضات الإصلاحية مع معارضة رجال الدين 


هم 


ضد التعديات الأوروبية. ويجري تشكيل جمعيات سرية. وفي عام ١1844كء‏ يُطردٌ 
الأفغاني من فارس. ويركز أنصاره هجماتهم على احتكار التبغ والذي مُنح للتو 
لشركة بريطانية. وتحظى المسألة بالشعبية لاسيما أن الأمر لا يتعلق بنشاط حديث 
نشأ استناذا إلى رؤوس أموال أجنبية كالسكك الحديدية» بل يتعلق بقطاع تقليدي 
يخص آلاف الفلاحين وصغار تجار. وينضم رجال الدين إلى الاحتجاج وتقاطغ 
حركةٌ جماهيرية استهلاك التبغ. وفي مستهل عام 1447؛ تضطر الحكومة؛ حيال 
التظاهرات الشعبية» إلى إلغاء الامتياز ممًا كلفها دفع تعويضات باهظة. وهذه 
الحركة تعتبر بمثابة أول حركة قومية إيرانية» وقد جرى تنظيمها جزئيًا انطلاقا من 
المدن الشيعية المقدسة في العراق. وفي عام 1815.؛ يقوم أحد أتباع الأفغاني 
باغتيال الشاه ناصر الدين» آخر شخصية عظيمة في السلالة الملكية القاجارية. 

وفي ظل خليفته» الشاه الضعيف مظفر الدين؛ تتفاقم الأزنمة المالية تفاقمغا 
خطيرا! خيث تتزايد الاستدانة من البريطائيين والروس. ويجري تكليف بلجيكي 
(ومن ثم فهو ليس روسيًا ولا إنجليزيًا) بإعادة تنظيم المالية» الأمر الذي يستثير 
اعتراضات من جميع الجهات. وقشط من تحدية كهيات مسري 

ويبدو أن الانتصارات اليابانية على روسيا في عام 1105 تبين أن يوسع 
دولة دستورية شرقية تحدي أوروبا والانتصار في هذا التحدي. وفي أواخر عام 
6 , نهد أن حركة شعبية واسعة يدعمها رجال الدين تتحدى سلطة الشاه. 
ويطالب المصلحون بوضع دستور. وتضطر السلطة إلى عقد جمعية تأسيسية خلال 
صيف عام 1905. وتتم كتابة القانون الأساسي وتعديله في الأشهر التالية. وتصبح 
فارس من الناحية الرسمية ملكية دستورية تكفل المساواة في الحقوق للجميع؛» بمسن 
فيهم غير المسلمين. 

وخلافا للأمال؛ لا يسمح الدستور بتسوية المشكلات. والحال أن محمد علي 
شاهء الذي يرتقي العرش في يناير/ كانون الثاني 107١؛‏ إنما يستأنف الصراع ضد 
الدستوريين. وهو يحصل على دعم من جانب فريق من رجال الدين المحافظين 
المعادين للتغريب. ويفضي هذا إلى حرب أهلية بين المجاهدين أو الفدائيين 
الثوريين والقوات الملكية المدعومة من الروس الذين يرسلون قوة مسلحة إلى 
شمالي البلد؛ لحماية الأوروبيين من الناحية الرسمية. وعلى أثر التدخل الروسي في 
عام 191١‏ يجري حل المجلس النيابي وتنهار السلطة المركزية. 


كا 


وعلى الرغم من تعاطف الرأي العام البريطاني مع الليبراليين الفرس» تؤدي 
التحالفات الأوروبية الجديدة إلى دفع الحكومة البريطانية إلى تأييد السياسة 
الروسية. وتكف فارس عن أن تكون دولة فاصلة بين الإمبراطوريتين. وتحتل 
القوات الروسية شمالي البلد بينما ينتقل جنوبه إلى الوقوع تحت وصاية فعلية مسن 
جانب البريطانيين. 

ومن المثال الفارسيء. تنبثق قاعدة جد واضحة: إن ضغوط الجغرافيا السياسية 
تؤدي إلى عدم اهتمام الدول الأوروبية بتأييد محاولات إقامة نظام حكم ليبرالي في 
العالم الإسلامي. 


انعدام الاستقرار الأو روبي 
ومصيرٌ العالم الإسلامي 
في مستهل القرن العشرين: يطرأ تعديل على الاصطفافات السياسية الأوروبية 
بما يقود إلى عواقب درامية بالنسبة للعالم الإسلامي الخاضع للسيطرة الأوروبية 
على الرغم من استقلال نظري. والعامل الرئيسي هو التنافس البحري الأنجلو - 
ألماني في إطار السياسة العالمية للرايخ الثاني. وبناءُ أسطول حربي حديث قوي 
يهدذ الجزر البريطائية تهديذا مباشرا. وإذا كانت بريطائيا العظمى تتمتع بتفوق 
عدي كبير:'فن الضتروات التي تمليها عليها إمبراطوريتها إننا تجبرفاً على يعئزة 
.أسطولها في كل بحار العالم» بينما يمكن لألمانيا تركيز أسطولها في بحر الشمال. 
والنتيجة أن لندن تقوم بترشيد انتشار قواتها وهيء علاوة على تدشين وحدات 
حديثة جديدة» تخرج من عزلتها الرائعة حتى تتسنى لها مواجهة الخطر الألماني. 
وتسمح معاهدة ١107‏ مع اليابان بالحد من الوجود البحري البريطاني في المحيط 
الهادئ. أما اتفاق الوفاق الودي مع فرنسا فآثاره أبعد مدئ. فهو ينهي النزاعات 
الاستعمارية بإنهاء دعاوى فرنسا في مصر في مقابل دعم عملهما في المغرب 
الأقصى. وتُوقف فرنسا تشجيعاتها الخفية للقوميين المصريين بسهولة لاسيما أنها 
تنزعج من خطاب الجامعة الإسلامية المنتشر بسهولة في مصر. 
وحرب ١105-1904‏ الروسية - اليابانية تهز العالم. فالهزائم الساحقة 
التي منيت بها دولة أوروبية مسيحية عظمى على أيدي بلد أسيوي إنما تشبه وعذا 


ا 


بالتحرر بالنسبة لمجمل العالم الذي تسيطر عليه أوروبا. وتتحمس الصحافة 
الإسلامية لقضية اليابان التي يبدو أنها نجحت في اجتراح مأثرة الحفاظ على تمام 
هويتها مع نجاحها في تحقيق تحديثها الناجز. ولأول مرة يرتسمٌ نموذجٌ غير 
أررودي: بل إن غناك مق بمتبون إل خد اديت عن تحول الزابايين قرين] لني 


اعتناق الإسلام. 
وتؤدي الهزائم الروسية إلى إصابة التحالف رجي - الروسي بالشلل. 
وتحاول ألمانيا الإستفادة من ذلك لعزل فرنسا ولإنهاء ت تدخلاتها المتزايدة في 0 


المغرب الأقصى. وبمناسبة توقف في طنجة خلال نزهة بحرية» أدلى فلهلم الثاني» 
في "١‏ مارس/ أذار , بتصريح لا يعترف بموجبه بسلطة في المغرب 
الأقصى إلا للسلطان المغربي. وتعقب ذلك أزمة أوروبية كبرى تتضامن فيها 
بريطانيا العظمى مع فرنسا التي تفوز أطروحاتها بالغلبة في مهتمر الجزيرة 
الخضراء (يناير/ كانون الثاني - مارس/ آذار .)١1١5‏ وقد جرى الاعتراف 
رسميًا باستقلال المغرب الأقصى وبمبدأ المساواة في معاملة الأمم الأوروبية» لكان 
فرنسا تظل لها الأولوية في البلد. 

وفي السياق نفسه؛ يعيد عبد الحميد فتح مسألة وضعية سيناء بإنسشائه موقغا 
عسكريًا في طابا. وترد بريطانيا العظمى على ذلك بقوة عبر استعراض قوة بحري 
أمام الدردنيل. فيضطر العثمانيون إلى التراجع: لكن الرأي العام المسصري يبدو 
مؤيذا للأطروحات العثمانية. وفي هذه الأزمة» شهدت الدييلوماسية الأوروبية 
انبعاث الجامعة الإسلامية المدعومة من ألمانيا. 

وغداة أزمة طاباء ترى بريطانيا العظمى أنها مهثدة في مصر. وهي لم تعد 
تملك إمكانات للضغط على الباب العالي» لاسيما أن الجدل يستعر في بلاد الرافدين 
والخليج بشأن سكة حديد بغداد التي تعتبرها مؤامرة ألمانية - عثمانية أخرى تستم 
تحت دعوى الجامعة الإسلامية. ويتعين على بريطانيا العظمى أن تكفل أمن مسصر 
بتعزيز نفوذها في البحر الأحمر وفي فلسطين. وفي حالة الحرب؛ يسرى 
الاستراتيجيون البريطانيون القيام بإنزال على السواحل السورية للانقضاض على 
العثمانيين من الخلف حال زحفهم على مصر. وقد تم القيام بعمليات استطلاع فسي 
هذه الاتجاه اعتبارًا من عام 15٠5‏ 


28/1 


وغداة هزائم روسيا في الشرق الأقصىء تسوي هذه الأخيرة حساباتها 
وتتحول باتجاه البحر المتوسط وأوروبا. ويتماشى هذا مع المصالح البريطانية 
المتمثلة في ضمان أمن طريق الهند. والحال أن الاتفاقية الأنجلو - روسية الموقعة 
في "١‏ أغسطس/ آب ١107‏ إنما تؤدي إلى تقسيم فارس إلى منطقتي نفوذ» حيث 
تعطي الشمال للروس والجنوب للبريطانيين» مع منطقة محايدة للفصل بينهما. وقد 
رأينا عواقب ذلك بالنسبة للثورة الدستورية الفارسية. 

وهكذا فإن الاصطفاف السياسي الأوروبي القائم على التحالف الفعلي بين 
فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا إنما يتم على الحساب المباشر للعالم الإسلامي 
في المغرب الأقصى ومصر وفارس. وعلى العكس من ذلكء؛ نجد أن ألمانيا 
الإمبراطورية؛ التي تشعر بأنها مهددة برغبة مفترضة في محاصرتهاء إنما تظهر 
بأكثر مما في أي وقت مضى بوصفها الدولة العظمى الحامية للإسلام. 

والإمبراطوريات الثلاث التي تكن يعكدها ختير تقدتها محؤلا منطلنة» لان 
بها ملايين من الرعايا المسلمين. 

وفرئسا مسكونة دوما بهاجس نشوب أنتفاضة جزائرية كما في عام 18171. 
وكتلة أفريقيا الشمالية/ أفريقيا السوداء بسبيلها إلى إنجاز قيامها. وإذا كانت تعتبر 
مصدر قوة ومصدر تجنيد لجنودء فإنها تبدو هشة حيال مشروع تقويضي داخلي 
تقوده حركة الجامعة الإسلامية. حوفت المستوطنين من انتفاضة أهلية واقسع 
مستديم» حتى وإن كان الخطاب الرسمي يحجبه في أغلب الأحيان. على أن النقدء 
من جانب كثيرين من الاستعماريين كليوتيء نقدٌ حادٌ لمسلك المدنيين الأوروبيين 
في أفريقيا الشمالية؛ الذين يمطرون السكان العرب باحتقارهم لهم. ويرتسم تيار 
بأكمله هو التيار المسمى بالتيار «المحب للعرب»» والمتمسك تمسكا عميقا باحترام 
العادات والثقافة العربية» وأروع تعبير عن هذا التيار يأتي من إزابيل إيرهاردت؛: 
التي ماتت في الثامنة والعشرين من العمرء والتي نشر أصدقاؤها بعد وفاتها كتابها 
في ظلال الإسلام الحارة. وهؤلاء المحبون للعرب بعيدون عن أن يكونوا خصومًا 
للاستعمار الفرنسي وهم يكسبون أنصارا! لهم حتى في الأوساط السياسية 
والعسكرية. وقد يقال اليوم إن من المفترض أنهم كانوا يريدون إعطاء الاستعمار 
«وجها إنسانيا». 

604 


وقد أنجزت روسيا فتحها للقوقاز وآسيا الوسطى. بل يبدو أنها بسبيلها إلى أن 
تضيف أليهما شمالي فارسء فتقترب بذلك من المحيط الهندي. وفي الوقت نفسه» 
فإن مسلمي الإمبراطورية يمرون بتطور مسافر. والعنصر الأكثر دينامية يأتي مسن 
العناصر التي مضى وقت أطول على فتحهاء تتر قازان والقرم الذين يمتد نفوذهم 
إلى آسيا الوسطى. والحال أن بعض المثقفين التترء الأفضل دراية بالثقافة 
الأوروبية» إنما يقومون بإعادة تعريف الهوية التركية. 

وكان المستشرقون الأوروبيون قد حددوا وجود جمصاعتين إثنولغويتين 
كبيرتين؛ هما الجماعة الآرية والجماعة السامية. وهم يقومون شيئًا فشيئا بتحديد 
وجود جماعة ثالثة تسمى بالجماعة الطورانية. والحال أن المستشرق المجري 
الكبير آرمينيوس قامبيري ١1877(‏ -11117)؛ وهو صديق شخصي لعبد الحميد 
إنما يجعل من نفسه مُنظر هذه الجماعة مدرجا في الجماعة الطورائية الإأستونيين 
والفنلنديين والمجريين ومجمل الشعوب الناطقة بالتركية» بل والسكان السيبيريين. 
وهو يرى أن هناك حضارة طورانية كبرى شاءت مصادفات التاريخ أن تطوق 
روسيا بالكامل تقريبا ... وهذا يكفي لإظهار قامبيري بوصنه عميلا لبريطانيا 
العظمى برغبتها في تطويق روسيا على امتداد الطريق المؤدي إلى الهند. 

وإذا كان المستشرقون الفرئسيون أو الألمان قد اهتموا قبل أي شيء آخر 
بالتباين بين الآريين والساميين» فإن المستشرقين الروس قد ركزوا اهتمامهم على 
المسألة الطورانية التي نظروا إليها على أنها أداة للحط من قيمة السلاف؛ الذين 
يفترض أنهم ممتزجون في كل مكان بالطورانيين» وهي أطروحات غالبًا ما عبر 
عنها المستشرقون الألمان. والحال أن المستشرقين الروس إنما ينسبون إلى الروس 
في أن واحد أصالة (من المفترض أنهم ينحدرون على نحو مباشر من سكيثيي 
العصر القديم) وقرابة من الهندو - أوروبيين الأوائل في الهند (ومن ثم فهسم 
يتمتعون بنقاء أكبر من النقاء الذي يتمتع به الجرمان وكيلتيي غربي أوروبا). وقد 
ذهبوا إلى أن الفتح الروسي و5 ولآسيا المسلمة من القوقاز إلى أسيا الريفية 
ليس غير استرداد للمهد الأول للجنس الآري ... . والحال أن النسخة الروسية مسن 
الأسطورة الآرية إنما تلعب الدور نفسه الذي تلعبه الإحالة إلى الإمبراطورية 
الرومانية من جانب المستعمرين الفرنسيين الذين يرون أن استعمار الشمال 
الأفريقي هو عودة للاتينية القديمة. 

4 


والحاصل أن مؤلفات قامبيري ومؤلفات الفرنسي ليون كاهان -1١841(‏ 
20٠‏ وردود المستشرقين الروس سرعان ما يتعرف عليها المتقفون الناطقون 
بالتركية في الإمبراطورية الروسية والذين يتمثل مشروعهم في تكوين لغة تركية 
مشتركة من البحر المتوسط إلى أسيا الوسطىء بل والصين. وتلك هي حركة 
الجامعة الطورانية الساعية إلى التحرر من السيطرة الروسية بقلب لغة الخطاب. 
وهم يدعون إلى وحدة جميع الشعوب التركية؛ بل الطورانية. وبسبب الهجرة 
المتزايدة لمسلمين من الإمبراطورية الروسية إلى الأراضي العثمانية» تتتشر هذه 
الأفكار في الأرض العثمانية. والحال أن عبد الحميد.ء المتمسك تمسكا عميقا 
بالخلافة وبالإسلام» إنما يتخذ موقف العداء لهذه الأفكار. وهو لا يقدر على 
الحيلولة دون نشوء لغة تركية حديثة - تمثل النتاج الطبيعي لانتشار التعليم 
والمطبوعات- متمايزة عن اللغة العثمانية الكلاسيكية. وكما في كل مكان؛ فإن 
اللغة الحديثة إنما تنشأ عبر تبسيط يجد ترجمة له في الإلغاء التدريجي لمفردات جد 
عديدة مأخوذة عن العربية والفارسية. ويلعب مثقفو الإمبراطورية الروسية 
الناطقون بالتركية دورً! كبيرً! في هذا الاتجاه. وهكذا تضاف إلى الجامعة الإسلامية 
نزعة قومية تركية جامعة تشكل عامل عدم انصياع للسيطرة الروسية. 

وخارج هذا التيار الطوراني؛ نجد لدى مثقفي الإمبراطورية الروسية الناطقين 
بالتركية تأكيذا على إصلاحية إسلامية أكثر كلاسيكية تجمع بين الجامعة الإسلامية 
وميل معين إلى الليبرالية. 

وفي بريطانيا العظمى: يجعل احتلال مصر والسودان وإمبراطورية الهند 
الشاسعة من الإدارة الاستعمارية منفذا متزايدا لتوظيف الشبيبة المتعلمة. والعمل في 
المستعمرات يسمح بصعود اجتماعي مؤكد لأفراد الطبقات المتوسطة بينما يهتم 
أفراد النخبة الحاكمة على نحو متزايد باطراد بهذا المنفذ شبه الأرس توقراطي. وإذا 
كان الضباط العاملون في المستعمرات يتم اختيارهم من أوساط خريجي ال(" 
5 ططفاؤلام: فإن كبار مسؤولي الإدارة في المستعمرات إنما يتم إعدادهم في 
جامعتي أوكسفورد وكيمبردج المهيبتين مع تعليم جيد للغات الشرقية. وتتألف الفئنة 


(*) المدارس العامةء بالإنجليزية في الأصل. - م. 
١‏ 


الكبرى من ألف عضو في الخدمة المدنية الهندية منبثقين من طبقات المجتمع 
البريطائي العليا. 

والحال أن كبلئج يجعل من نفسه لسان حال هذا الوسط بالجمع في أن واحد 
بين إيديولوجية إخلاص تجد تجسيذا لها في عبء الرجل الأبيض وإعادة إنتاج 
ريفية للمترويول تمثلها سيملاء العاصمة الصيفية لإمبراطورية الهند. وفي عمله 
كيم: يعبر كبلنج بأفضل من أي واحد آخر عن الاستيهام الاستعماري المتمثل في 
الاختفاء بين صفوف السكان أهل البلد مع إدراج هذا الاستيهام في إطار «اللعبة 
الكبرى» بين الروس والبريطانيين في أسيا. لكن ابن البلد العزيز على قلب 
المستعمر البريطاني هو من يحتفظ بأصالته ومن ثم يلزم مكانه. وتجتمع 
الإيديولوجية الاستعمارية مع نزعة قروسطية قيكتورية تجد ذروتها في. الدوربارات 
الكبرى. وهي احتفالات يتم تنظيمها في دلهي» وتجعل من البريطانيين الورئة 
المباشرين للمغول الكبار. والهدف من هذه التظاهرات المسرحية التي يقوم فيها 
الأمراء الهنوذ باستعراض باذخ هو التأكيد على تواصل التاريخ الهندي في تجليه 
البريطاني. 

وإذا كان الاستعمار يُدخل الحداثة ويتخذها مبرر! له؛ فإنه ضحيتها في الوقت 
نفسه. وفي حين أن إنجليز الهند من المفترض أنهم قد طمحوا في نهاية الأمر إلى 
أن يكونوا المعيدين المنصفين والأخلاقيين للنظام القديم للمغولي الأكبر فإنهم إنما 
يقومون بتقويض أسسه. فالطبقات العليا في المجتمع الهندي تحصل على التعليم 
الحديث وتبدأ في منازعة الاحتكار الذي يتمتع به الأوروبيون في المهن الحديثة. 
وهذه البداية للتنافس تستثير رفضنا عميقا من جائب أرستوقراطية الخدمة البريطانية 
هذه: إنها ترى أن الهندوسيء أَيّا كان مستوى دراساته؛ لن يكون بوسعه الارتقاء 
إلى مستوى العزة الأدبية التي يتمتع بها البريطاني. فهو يفضل الكلام على الفمل 
ويفتقر إلى السلطة الطبيعية ويميل إلى الرشوة وينهار إذا ما واجهته أزمة رئيسية. 
وبما أن النخبة الهندية يتم رفضها. فإنها تجد نفسها من جديد في حزب المؤتمر 
الذي لا يسعى؛ في مرحلة أولى؛ إلا إلى تعديل النظام البريطاني. 

وإذا كان حزب المؤتمر يعتبر نفسه في بداياته حزبًا تحديثيّاء بل تغريبيّاء 
باندراجه في منظور ليبرالي وعلماني» ومن هنا فتح صفوفه للمسلمين الهنود» فإن 


1 


تيارات أخرى إنما تعتبر نفسها مدافعة عن شخصية هندوسية من شأنها تهديد 
صعود النخب المتأثرة بالثقافة الإنجليزية. وقد شهدت حرب السيياي [السباهيين] 
نهاية الآثار الأخيرة للسيطرة الإسلامية مع زوال سلطنة دلهي الشبحية. وفي هذا 
الإطارء فازت الإصلاحية الإسلامية بترحيب النخب المسلمة؛ التي تتجه بعض 
اتجاهاتها إلى ليبرالية متعاونة مع البريطانيين» ومن هنا الانتقادات التي يوجهها 
إليها الأفغاني والذي يشجبها بوصفها «مادية» [دهرية] (الواقع أن الأفغاني موافق 
على أساس المذهبء لكن ما يرفضه هو التعاون مع الإنجليز). والحال أن اتجاهات 
أكثر تشدذا إنما تعبر عن نفسها عن طريق عودة إلى إسلام يتم تفسيره تفسيرًا 
حرفيًا وفق النموذج الوهابي الحنبلي المتزمت. 

والحاصل أن الإصلاحية الإسلامية» شأنها في ذلك شأن التجدد الهوياتي 
الهندوسيء إنما تسعى إلى تنقية الدين من خرافاته المفترضة والتي غالبا ما تَعَدُ 
أشكالاً مشتركة بين المسلمين والهندوس لممارسات دينية. ويجد هذا ترجمة له في 
عدم ارتياح متزايد حيال ممارسات الآخر. وفي تسعينيات القرن التاسع عشرء 
تتطور في الهند الشمالية حركة واسعة لمنع المسلمين من ممارسة ذبح البقرء ما 
يجر إلى مواجهات طائفية ذات اتساع غير مسبوق. وفي المنطقة نفسهاء يكتسب 
الانقسام الطائفي طبيعة ثقافية. فالهندوس يميلون إلى رفض تراث سلطنة دلهي 
إيثان! لنقاء الأصول السنسكريتية. وتتطور لغ وثقافة تسمى بالهندية المكتوبة 
بالسنسكريتية والمتمايزة بشكل متزايد باطراد عن الأوردية؛ ثقافة ولغة المسلمين. 
ومن ثم تشهد الهند الشمالية السيرورة نفسها التي حدثت في أماكن أخرى من 
العالم وهي سيرورة النهضة الثقافية الممهّدة لتأكيد الوعي القومي. ويبدأ القوميون 
الهندوس في اعتبار المسلمين الهنود عناصر غريبة أو خائنة للثقافة الهندية. وهم 
يحاربون السيطرة البريطانية والمكون الإسلامي في ثقفافتهم هم على حدّ سواء. 

وهكذا فإن المسلمين الهنود إنما يجدون أنفسهم تدريجيًا في الوضع نفسه الذي 
وجد فيه المسلمون البلقانيون أنفسهم: إذ يجري اعتبارهم غرباء وخونة في بلدانهم 
الأصلية التي كانوا فيما قبل سادة لها. 

ومع اللورد كيرزونء أعظم نواب الملك» عرفت إمبراطورية الهند أوج 
عظمتها (1849 -11065). وقد سعى في أن واحد إلى أن يزعزع روتيناتها 


64 


الإدارية وإلى أن يفرض عليها رؤيته الإمبراطورية والأرستوقراطية مع محاربته 
لحزب المؤتمر في الوقت نفسه. كما أنه يجعل من نفسه صانع توسعها لتشمل 
فارس والخليج. وعلى الرغم من عزيمته الجبارة» ظلت رؤيته السياسية محافظفة 

وخلفه؛ اللورد منتوء مدركٌ لضرورة إنهاء الاحتكار الأوروبي للمؤسسات. 
وبالاتفاق مع مورلي» وزير الدولة في الهند» يقوم بتحقيق برنامج إصلاحات واسع 
فتح جميع مناصب الوظيفة العامة أمام أهل البلد» ثم أدخل في عام ١1١04‏ ممثتلين 
أهليين منتخبين» وإن كانوا أقلية» في مجالس الحكم المسؤولة عن إعداد القوانين. 
وكما هي الحال غالبًا في وضع من هذا النوع؛ يترافق الانفتَاحٌ السياسي مع 
اضطرابات وتوترات في مختلف مناطق الهنده ترجع أسادنا إلى عناصر 
هندوسية. 

وفي هذا السياق» بدا اللورد منتو محبذا لتكوين رابطة إسلامية» في عام 
5 ؛ وهي رابطة تعبر عن نفسها منذ البداية بولائها للبريطانيين» من باب رد 
الفعل على موقف الهندوس. وشاغلها الأول هو ضمان تمثيل المسلمين في 
المؤسسات الجديدة. وهي تحصل في عام ١108‏ على الموافقة على مبدأ الدائرة 
الانتخابية المنفصلة. وإذا كان البريطانيون لم يسعوا إلى التفرقة لكي يسودوا ولسم 
يخلقوا التناحر بين المسلمين والهندوس - وهو نتاج صياغات هوياتية جديدة في 
إطار الوصول إلى الحداثة كما يوضح ذلك المثال العثماني-؛ فقد سجلوا بترحاب 
التأييذ الواسع الذي يقدمه المسلمون لسيطرتهم. 

واعتبارا من 1408-1507 أصبح المسؤولون عن السياسة الهندية على 
قناعة عميقة بأن الدعم من جانب المسلمين لا غنى عنه لبقاء السيطرة البريطانية. 
وترتيا على ذلك فإن أي حدث في بقية العالم الإسلامي قد يتورط فيه البريطانيون 
من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة بالنسبة لإمبراطورية الهند. وسوف يتكرر 
التعبير عن هذا التنبيه بلا كلل في مجالمن الحكم. 

والحاصل أن التحالف الفعلي المعقود في عام ١1١7‏ بين فرنسا وبريطانيا 
العظمى وروسيا كان يهدف بالطبع إلى احتواء الأطماع المفترضة لألمانيسا 
الإمبراطورية. وهو أيضا تحالف بين ثلاث إمبراطوريات استعمارية كبرى تضم 

35 


أضخم الجماعات السكانية المسلمة ومهمومة بالخوف من الجامعة الإسلامية. 
والإمبراطورية الاستعمارية الرابعة التي تضم جماهير مسلمة هي الهند الهولندية 
(إندونيسيا الحالية). ومسؤولوها ومستشرقوها منزعجون هم أيضنا من خطر 
الجامعة الإسلامية» لكن هذه الإمبراطورية تنعم بالهدوء النسبي الذي يمنعه لها 
حيادها في الاصطفافات السياسية الأوروبية الجديدة. 

واعتبارًا من أزمة طنجة في عام 1105؛: يحمل اختلال النظام السياسي 
الأوروبي في ثناياه خطر حرب عامة في أوروباء في حين | ن المواجهات الرئيسية 
التي تجد ترجمة لها في أزمات؛ أو في توترات على الأقل» إنما تحدث في داخل 
العالم الإسلامي. 


جماعة تركيا الفتاة 

في مستهل عام 1404: تتساءل مجلة ريقي دي موند ميزيلما') التي يقوم 
عليها ألفريد لو شاتليه: «ألا يبدو أن هذا طبرا جد المناذء واسع الحيلة بالتأكيد, 
والذي يخاض من يلديز كيوسك!") ضد القدرء د يعطي الانطباع بفصل أخير وشيك» 
تُمَهْدُ له وفرة من النزاعات التي لم يعد هناك ما يكفي من التحايلات لتبديل مآلها؟ 

«وإذا كانت أوروبا تريد على أي حال الحفاظ على التوازن الذي يزعجها 
دماره؛ فقد لا يكفيها أن تركز انتباهها على البلقان. إذ لا يجب لها أن تنسى 
موضوعات التأمل التي تقدمها لها آسيا الصغرى وأرمينيا وبلاد الشام وبلاد 
العرب». 

والحال أن كل هذه المجالات الجغرافية إنما تعود إلى الأفق السياسي مع ثورة 
تركيا الفتاة في عام .١1١8‏ قفي يوليو/ تموز 15048ء قام جيش مقدونيا بدفع مسن 
لجنة الاتحاد والترقي بالزحف على العاصمة وفرّض على السلطان استعادة العمل 
بدستور عام 1877. فينتهي «الاستبداد» الحميدي وتنتصر أفكار الحرية والمساواة. 
ولم يحدث من 3 قبل قط أن قطعت دولة مسلمة كبرى شوطا بعيذا كهذا في تبني 
الأفكار الأوزوبية. 

والعودة إلى الواقع تفرض نفسها ببسرعة. ففي ه أكتوبر/ تشرين الأول 
: تعلن بلغاريا استقلالها وترفض سيادة السلطان النظرية. وفي اليوم التالي؛ 


(“) قصر عبد الحميد., - م. 
5:46 


تعلن الإمبراطورية النمساوية - المجرية د ضم البوسنة والهرسك التي تديرها منذ 
مؤتمر برلينء وتعلن كريت عزمها الانضمام إلى اليونان. ومرة واحدة؛ فقد النظام 
الجديد أراضي أكثر من الأراضي التي فقدها عبد الحميد منذ عام .١417/‏ وفي 
مجمل الإمبراطورية العثمانية؛ تدير لجنة الاتحاد والترقي حركة مقاطعة للسلع 
النمساوية» وهي حركة تجد صدئ شعبيًا قويًا وتمثل في الوقت نفسه رفضنا فعليًا 
لنظام الامتيازات. وتنشط الدييلوماسية في الكواليسء و؛ بين فبراير/ شباط 
ومارس/ أذار :١1109‏ تحصل الدولة العثمانية على تعويضات مالية» بينما يجري 
الاعتراف للخليفة بحق الإشراف على الحياة الدينية لمسلمي الأراضي التي 

وتكمن الحقيقة الواقعية الأساسية في قيام حياة سياسية حديثة تتمركز على 
الانتخابات» وأولها انتخابات نوقمبر/ تشرين الثاني - ديسمبر/ كانون الأول ١1:7‏ 
باقتراع على مرحلتين. وبين الجماعات السكانية في البلقان والأناضولء يتم انتخاب 
مرشحين مدعومين من لجنة الاتحاد والترقي. أمّا في الولايات العربية فإن الغلبة 
هي لكبرى عائلات الأعيان بالأحرى. وعلى الرغم من حصولها على دعم من 
لجنة الاتحاد والترقي» فإنها تمثل بالدرجة الأولى قو مؤثرة محلية جد قوية» 
ويمكن الحديث عن انخراطها في تلاعبات تنال من سلامة الإجراءات الانتخابية. 
وهكذا ترجع هذه العائلات إلى الصدارة بعد التهميش النسبي الذي تعرضت له في 
ظل حكم عبد الحميد الشخصي. أمّا الليبراليون المنبتقون من تيار حركة تركيا 
الفتاة نفسه الذي انبتقت منه لجنة الاتحاد والترقيء لكنهم دعاة مساواة كاملة مسع 
غير المسلمين على أساس لا مركزية قوية» فقد هُزموا في كل مكان من جاندب 
الناخبين المسلمين. وهؤلاء الليبراليون يمثلهم بالأخص نواب غير مسلمين في حين 
أن النواب المسلمين غير الأتراك (الألبان» العرب) يتجاوبون بالطبع مع فكرة 
اللامركزية. 

وهكذا تنطرح مسألة المساواة. وفي فكر لجنة الاتحاد والترقي» يمضي التوجه 
اليعقوبي في اتجاه اختفاء الامتيازات الطائفية وإقامة مساواة كاملة في الحقوق 
والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين. أمّا بالنسبة للملل» على العكس من ذلك» 
فإن المسألة هي مسألة تعزيز حكمها الذاتي غير الترابي؛ بل التفكير في الانتقال 
إلى المرحلة القومية. 

5غ 


وفي الأوساط المحافظة المسلمة؛ تظهر مفاهيم الحرية والمساواة بوص فها 
متعارضة مع التقاليد الإسلامية. ثم إن جماعة تركيا الفتاة تتحدث عن شكل معين 
لتحرير المرأة. وبحكم إقامة شكل من أشكال الحرية السياسية أصلاًء يتسنى 
للرجعيين تطوير دعايتهم ضد «حفنة الملحدين» الذين يقودون الدولة العثمانية إلى 
هلاكها. وهكذا تتشكل حركة قوية» هي الاتحاد الإسلاميء الشكل الحديث الأول 
للشعبوية الإسلامية؛ والتي تأتي كوادرها من صفوف علماء الدين من المرتبة 
الثانية وطلبة الدين. وفي أبريل/ نيسان 2.1104 يتمرد عسكريو حامية اسطنبول 
ويطردون الاتحاديين من العاصمة. وفي الأرياف؛ تجد الحركة ترجمة لها في 
مذبحة رهيبة للأرمن في أضنه. وعلى الفورء يزحف جيش سالونيك على العاصمة 
ويمارس قمعا قويًا. وفي مايو/ أيْارء يجري خلع عبد الحميد وإحلال أخيه؛ محمد 
رشادء محله. فينتهي الدور السياسي للسلطنة. 

وأحداث أبريل/ نيسان - مايو/ أيّار ١109‏ هي محصلة جدل فكري واسع بدأ 
مع ثورة يوليو/ تموز .١1048‏ ويمكننا الآن أن نميز بوضوح تيارين فكريين 
كبيرين. والتيار الأول يمثله «التغريبيون». وبحسب عبد الله جودت؛ أحد المتحدثين 
بلسانهم: فإنه «لا وجود هناك إل لحضارة واحدة؛ هي الحضارة الأوروبية» ويجب 
استيرادها بورودها وأشواكها». ويجب تغيير العقلية بتبني مبادئ الحياة الحديئة 
والحرية والفكر النقدي والعلمي وذلك بفضل التعليم. وأمّا التيار الشاني؛ والذي 
يمكننا تسميته بالتيار الإسلامي؛ فهو يتبنى الإصلاحية الإسلامية للجيل السابق 
ويقترح اتباع نموذج اليابان التي تمكنت من تبني العلوم والتقانات الغربية من دون 
أن تفقد هويتها. وقد ذهب هذا التيار إلى أن انحدار الدولة العثمائية لا يرتبط بالدين 
بل بتحريفه؛ ومن هنا ضرورة استعادة مبادئ الإسلام الأصلية. والحال أن تيارات 
أخرى كانت ذات نزعة أكثر محافظة وقد شجبت بشكل أكثشر بشاعة العادات 
الحديثة الواردة من أوروبا. 

والحاصل أن التغريبيين والإسلاميين هم على حدُّ سواء مدافعون متحمسون 
عن الإمبراطورية العثمانية ويتمسكون قبل أي شيء ببقائها. وفي هذه الأوساط»: 
نجد أن النزعة القومية التركية؛ التي استلهمت أفكار! قادمة مسن مسلمي 
الإمبراطورية الروسية» إنما تتميز بجاذبية متزايدة. وبوسع الثقافة التركية تحقيق 


41 


التركيب اللازم مع الحداثة القادمة من أوروبا. والأمة هي الرحم الحديث للتمدن. 
وهذه الأفكار لا تمس آنذاك سوى دوائر ضيقة في اسطنبول وسالونيك. 

ويتجه أنصار تركيا الفتاة بالطبع إلى الدولتين اللييراليتين الأوروبيتين؛ 
بريطانيا العظمى؛ أم البرلمانية وفرنساء أرض الوضعية والأفكار الحديثة. لكنهما 
في الوقت نفسه الدولتان الكبيرتان المستعمرتان للعالم الإسلامي وهما منزعجتان 
من أصداء الثورة. وفي مصرء يُطالب القوميون والليبراليون بدستور نيابي» هو 
المرحلة الأولى صوب الجلاء البريطاني. 0 

وكان قد جرى سحب كرومر من مصر في عام 1107 وحل محله السير 
إلدون جورست الذي تتمثل مهمته في استعادة الصداقة مع الخديوي وإعادة تمصير 
الإدراة التي تعرضت لغزو زائد عن الحدّ من جانب الموظفين البريطانيين. ويتعلق 
الأمرء ليس بانتهاج سياسة لبرلة؛ بل بانتهاج سياسة!"! ©//ه +1746» وهي سياسة 
تستثير العداوة المباشرة من جانب إنجليز مصر المهذدين في مناصبهم. ورجل هذه 
السياسة هو بطرس غاليء رئيس مجلس النظار [الوزراء] القبطي. والحال أن 
القوميين المصريين؛ الذين فقدوا دعم الخديوي لهم؛ إنما يتجذرون ويتخذون نبرةٌ 
إسلامية كفاحية. وفي ؟7 فبراير/ شباط 214٠١‏ يجرى اغتيال بطرس غالي. 
والمسلمون يعتبرون قاتله بطلاً قوميّاء ما يستثير توترا طائفيًا قويًا. وفي يونيو/ 
حزيران 13٠١‏ يعلن بلفورء رئيس الوزراء البريطاني المحافظ السابق؛ وهو 
آنذاك في صفوف المعارضة7): «إن الشعوب الشرقية ليست مؤهلة البنّة للحكم 
الدستوري. والسلطة الإنجليزية في مصر يجب أن تظل تامة ويجب عمل كل شيء 
لصون هيبتها». وتدافع الحكومة عن نفسها مؤكدة أن «أي تقدم لن يتسنى تحقيقه 
في مصر ما لم ينته التحريض ضد الاحتلال». ويجري الإبقاء على جورست في 
منصبه؛ لكنه مريض بشدة. 

' وهم ينتظرون موته؛ في يوليو/ تموز ,111١‏ لكي يعينوا خليفته.» كتشنرء 

المكلف بانتهاج سياسة قمع ضد القوميين واستعادة هيبة الإمبراطورية البريطانية. 
ومن الناحية الظاهرية» يطرح القنصل والمندوب البريطاني الجديد نفسه بوصفه 
حاميًا للفلاحين المصريين ويرى أن القوميين لا وزن لهم. وهو يذهب بفجاجة في 


(<) حكم غير مباشرء بالإنجليزية في الأصل. -م. 
2 


شزيوة امون اكز إلى أن الشرقيين بعيدون عن التمتع بالنضج اللازم لحيا 
سياسية ليبرالية(”: «لدى عودتي إلى مصسن: كنك مضدومًا بقوة إذ ده 
المسلمين المستنيرين الذين شكلوا في السابق جماعة جماعية تستند إلسى قوانين 
اجتماعية ثابتة» قد أصبحت الآن موزعة ؛ منقسمة إلى أحزاب وفصائل ذات طابع 
سياسي. 

«وأيًا كذث قري لظام أحزاب في الحياة السياسية الغربية» فمن الواضح أن 
تطبيقه شاذ ولا يمكنه أن يد ينتج وى الأنقسام والضعف في صفوفت الجناعتنة 1. 5 
التي يستند نظامها الاجتماعي على أخوّة البشر المجتمعة مع احترام المعرفة وخبرة 


العمر. 
«إن تطور وارتقاء طابع شعب من الشعوب إنما يتوقفان على احترام الأفراد 
لأنفسهم والقدرة على التحكم في غرائزهم الطبيعية والثقة المتزنة بالذات والمجتمعة 


مع عزيمة منطقية. والحال أنه لا يمكن بال تحال مشاعاة عناصر التقدم بخلافات 
الأحزاب ومنازعاتها. والاهتمام الهادئ والرزين بالشؤون السياسية جية بالنسبة 
للمحكومين كما بالنسبة للحكام؛ لكن الاهتمامات الزائفة المعروضة عرضنا زائفا 
والتي يتم الحفاظ عليها بفضل تاكتيكات وأموال هذه الأحزاب لا يمكنها بحال من 
الأحوال ترقية أو تطوير الطابع الذكي لجنس شرقي». 

وهو يتخرط في حرب خاصة مع الخديوي مكثرًا من توجيه الإهانات إليه؛ 
كما يهتم بشكل متزايد باأطراد بالتطور السياسي للولايات العربية المجاورة. 

كما تجازف ثورة تركيا الفتاة بالتأثئير على المسلمين الهنود الذين أصيحوا أحد 
الأعمدة الرئيسية للحفاظ على إمبراطورية الهند. وتسارع السفارة البريطانية في 
القسطنطينية إلى اعتبار أنصار تركيا الفتاة؛ ليس محصلة أفكار ليبرالية أوروبية» 
بل ثمرة تلاعبات غامضة من جانب مؤامرة يهودية وماسونية. 

وعلى الجانب الفرنسيء نجد الانزعاج نفسه على أفريقيا الشمالية» لاسيما مع 
استئناف التغلغل في المغرب الأقصى. وبعيذا عن أفريقيا الشمالية» هناك خوف 
على النفوذ الفرنسي. فالنظام الجديد [في القسطنطينية] ينزع إلى إبداء نزعة قومية 
متعجرفة وإلى منازعة الامتيازات وآثارها غير المباشرة في كل مكان تقريبًا. 

وتتمثل الأولوية المطلقة بالنسبة لفرنسا وبريطانيا العظمى في الحفاظ على 
التحالف الأوروبي مع روسيا في مواجهة الخطر الألماني. والحال أن روسياء التي 

3ط 


أخرجها اليابانيون من الشرق الأقصىء إنما تبدو بوص فها العدو التاريخي 
للعثمانيين» بأكثر مما في أي وقت مضى. 


«لحظة لوشاتليه» 

يبدأ جدل حقيقي بين الخبراء الفرنسيين المتخصصين في الشأن الإسلامي. 
فهناك من يرون أن لجنة الاتحاد والترقي تجسّد انتصار أوروبا على آسيا المتمثلة 
في حاشية عبد الحميد العربية. ثم إن شكل التحديث الذي يقوم به نظام جماعة 
تركيا الفتاة يطرح تساؤلات جديدة: إذا كان لا يمكن اختزال الإسلام في مجرد 
ممارسة دينية وإذا كان يجب اعتباره حقيقة اجتماعية واقعية» فقد يكون بالإمكان 
رؤية انبثاق أمة ونزعة قومية إسلاميتين متميزتين عن الظاهرة الدينية التي تسصبح 
عندئذ مجرد علامة على هوية جماعية. ثم ألا تجد العداوة لنظام حكم جماعة تركيا 
الفتاة ترجمة لها في ظهور تطلعات إلى الحكم الذاتي لدى مسلمي الدولة العثمانية 
غير التركء الألبان والعرب؟ وفي هذا السياق» لا يمكن للسياسة الفرنسية الاقتصار 
على متابعة زبائنها المعتادين. إذ يجب عليها الاهتمام على نحو مباشر بالمسلمين 
الموجودين: في التسوية الحميدية, خارج منطقة نفوذها. 

وفي يوليو/ تموز 21104 بعد عام من الثورة» تصدر التعليمات إلى السفارات 
والقنصليات في العالم الإسلامي بإعداد عرض للصحف الصادرة في البلاد 
الموجودة بها وإرسال هذا العرض إلى باريس» كمرحلة أولى في القيام بتسحصيص 
شامل. وفي العام التالي؛ في عدد سبتمبر/ أيلول من مجلة ريقي دي موند 
ميزيلما()؛ يدعو ألفرد لو شاتليه إلى وضع «سياسة إسلامية» ضمن إطار 
«مؤسسة استشارية» لا غنى عنها في عصرنا من الناحية السياسية كما من الناحية 
الإدارية». وهو يغتنم الفرصة لكي يرسم لوحة للعالم الإسلامي يبدو فيها الإسلام 
الأوروبي في تراجع سياسي كامل» وإن كان يمر بسيرورة أوربة وتحديث. إن 
المسلمين الأوروبيين «بتخليهم عن امتيازاتهم التي توفرها لهم العزلة الدينية» 
وبمشاركتهم في حركة الشعوب الأوروبية [...] قد كسيوا من حيث الإمكانيات قدر 
ما خسروه من حيث التقاليد». 


وهو أول من يحلل «الانتشار عبر أوروبا لاستيطان إسلامي غربي ذي 
اتجاهات فكرية» وإن كان إسلاميًا تمامًا في أهدافه السياسية». والمقصود بالأخص 
هو الطلبة واللاجئون السياسيون القادمون من مجمل العالم الإسلامي والموجودون 
في إنجلترا وفرنسا وسويسرا وألمانيا. وبالنسبة لهذا الجيب المسلم؛ فإن «تمدنه؛ 
الذي كان إلى عهد قريب قاصر! وغاتياء قد أصبحء بالتحديث الذي طرأ عليه: 
فاعلاً وحيويًا بشكل فريد في أسلوب وجوده الجديد. إنه يبدي المشهد الدال على 
إسلام يناضل ويدافع عن نفسه؛ لا يتقهقر» بل يتحول» ونرى فيه اتضاخا لشراكة 
مشاعر وانجذاب إلى الأفكار ومقاومة ضد أشكال سيطرة الغرب. ويبدو أن طموحا 
مماثلاً يكمن وراء مجهود الطالب الهندوسي أو الفارسي أو التونسي أو المسصري 
والكوميتاجي البلقاني والتتري الروسي: فهو طموح إلى خلاص مزدوجء عبر تقدم 
التعليم وعبر المطالبة»؛ بالنسبة للمسلمين؛ بحقوق كل شعب. فكيف يمككان تعريف 
مرحلة التطور هذه إن لم يكن بتعبير حالة التمدن؟». 

ويتطور في تلك الأثناء «تمدن إسلامي أفريقي» «يتجلى في استيعاب الأهلي 
في الأجنبي مع استيعاب الوسط الأفريقي للأجنبي». وانتهاء العزلة هذا يجد ترجمة 
له في تزايد الوعي بوجود جماعة مسلمة واسعة تمتد حتى الصين حتى وإن كان 
يؤكد بشكل متزايد باطراد أشكالاً من الوعي القومي ويتغلغل في داخل أفريقيا. 

وعندما يتحدث لو شاتليه عن العالم العثماني؛ فإن فكرة الحركة تتغلب دومًا. 
فهذا العالم «يهيمن عليه نزوع مخلص إلى التحرر الفكري والسياسي 
والاجتماعيء لكنه يجد محصلته فئ إمبريالية السلطة» في ألبانيا وني بلاد الشامء 
وفي طلب التحالفات؛ المطلوبة أحيانا من فرنسا وإنجلتراء والمطلوبة أحيانا أخرى 
من ألمانيا. وفي نهاية المطاف», تجد أوروبا نفسها حيال حركة تمتزج فيها دوافع 
النزعة القومية التركية والإمبريالية العثمانية مع دوافع روح ليبرالية وحديثة؛ لا 
تزال ناشئة إلى حد ماء وتبدي ذلك لها عن طريق الطموح إلى تشبيه التمدن 
الإسلامي تشبيهًا دقيقا بتمدن أوروباء مبقية على التمدن الأول مسلمًا بما يكفي 
بحيث لا يمكن الشك في ذلك». 

وترمز الثورة الفارسية إلى «زخم نهضة حضارة تخول نفسها لكي ترجع إلى 
الحياة». وهو يشددء فيما يتعلق بالهند» على صدارة النزاع مع الهندوسية: «لكي 


ةهمظ١‎ 


نلخص فكرة معقدة نسبيّاء فإن المواجهة مع أوروبا والحداثة تشكل حافز! لاتجاهات 
ليست متناقضة: وعي متزايد بانتماء مشترك إلى الحضارة الإسلامية؛ وتأكيد 
هويات قومية ورغبة في التحرر من السيطرة الأوروبية حتى ولو اقتضى ذلك 
اللعب على التنافس فيما بين الدول الأوروبية العظمى. 

«وفي هذا السياق» يجب أن تزود فرنسا نفسها ب«علم اجتماعي مختص 
بالعالم الإسلامي» يساعد على بلورة سياسة من أجل تفادي خطر «نزاع 
حضارات». 

والحال أن عمل ألفريد لو شاتليه إنما يشكل منعطفا رئيسيًا في تاريخ 
الاستشراق الأوروبي. فهو إذ يرفض كل فكرة عن ثبات أو عن جوهر خاصء إنما 
يُدخل في دراسة الحاضر المفهوم المحوري ل«العلم الاجتماعي» المستخدم في 
دراسة «الحركة». والحال أن إنشاء كرسيه في الكوليج دو فرانس والخاص 
ب«السوسيولوجيا والسوسيوجرافيا الإسلاميتين»» في عام 1507؛ قد حدث بعد 
عشر سنوات بالكاد من وفاة رينان. وهكذا نرى إلى أي مدئ كانت القطيعة قوية 


م 


وسريعة. 
وفي عام »2١11١١‏ تتبنى الحكومة الفرنسية استنتاجات لو شاتليه فتنشئ اللجنة 
الوزارية المشتركة للشؤون الإسلامية. 


المسألة الصهيونية 'والمسألة العربية 

ترتبط إمكانية وجود الصهيونية من حيث كونها حركة فعلية بوصل شبكات 
السكك الحديدية الأوروبية الغربية بشبكات سكك حديد أوروبا الشرقية» ما يسمح 
بالالتقاء في الموانىئ مع الخطوط المنتظمة للسفن البخارية» ويحدث هذا كله نحو 
عام .188١‏ وهذه الإمكانية المادية التي لا غنى عنها تتزامن مع تعزيز تشريعات 
التمييز والتفرقة في الإمبراطورية الروسية وظهور معاداة السامية في أوروبا 
الغربية. 

وإذا كانت الجماعات الصهيونية الأولى تظهر في مستهل ثمانينيات القرن 
التاسع عشر في روسيا وتحاول القيام بهجرة أولى إلى فلسطين» فإنها سرعان ما 
تفشل. إذ يتمثل الخطر في انخراط المبشرين اليروتستانت الإنجليز - المتمسكين 


؟.ثهم 


دومًا بتحويل اليهود إلى اعتناق المسيحية ضمن إطار تحقق النبوءات - في دعاية 
دينية باستخدام حوافز مادية لاجتذاب هؤلاء المهاجرين. والحال أن مسؤولي . 
التحالف الإسرائيلي العالمي؛ وقد أصابهم الانزعاجء إنما يخطرون البارون 
الفرنسي إدمون دو روتشايلد بالأمر الذي يقدم في البداية مساعدة غير متواصلة ئم 
يتحمس لهذا المشروع. وهكذا يقوم بإنشاء سلسلة من المستوطنات الزراعية. وهو 
يطلب الحماية القنصلية الفرنسية التي يحصل عليها جزئيّاء لآن قيادة المستوطنات 
الزراعية تتألف أساما من يهود فرنسيين ومن ثم يتمتعون بالحماية الفرنسية. 

وسرعان ما يقتنع إدمون دو روتشايلد بضرورة التصرف بحذر وذلك ببسبب 
ارتياب السلطات العثمانية التي ترى في حركة الهجرة هذه مشروعا استعماريًا 
أورويثًا. وكان عليه أيضنا أن يتوصل إلى جعل هذه المستوطنات مكتفية ذاتيُا على 
المستوى الاقتصادي: ومن هنا التورط في سلسلة بأكملها من التخبطات باهظفة 
الثمن قبل التوصل إلى إقامة «اقتصاد مزارع كبيرة» باستخدام اليد العاملة العربية. 

وموجة الهجرة (عاليًا) الأولى هذه تندمج بشكل طبيعي تماما في مجتمع 
المتمشرقين. فاللغة الإدارية للاستيطان الروتشايلدي هي الفرنسية وفيما عدا بعصدضص 
نزاعات الجيرة مع الفلاحين العرب» لا تحدث أعمال عنف خاصة. وفي المدن؛: 
يشارك المهاجرون اليهود في هذه الحياة المشرقية والجماعاتية. ويتميز الاختلاط 
الاجتماعي فيما بين النخب بتعدد الجماعات المشاركة فيه. وهكذا فإن الحاج أمين 
الحسيني يتعلم الفرنسية في صباه في مدرسة التحالف الإسرائيلي العالمي وتحت 
وصاية ممثل البارون في القدس. 

ومع بداية النشاط السياسي من جانب تيودور هرتسل في عام 1417: يطرأ 
تعديل على الوضع. فإدمون دو روتشايلد يرفض النشاطية السياسية لمؤسسس 
الصهيونية السياسية والتي تتمثل خطيئتها في لفت الانتباه العام إلى الهجرة اليهودية 
إلى فلسطين. وهرتسل يريد «ميثاقا» تضمنه الدول الأوروبية العظمى يسمح بإنشاء 
وطن للشعب اليهودي في فلسطين. وهو يسعى: على المستوى الدوليء إلى 
الحصول على التأييد من جانب ألمانيا الإمبراطورية (يرافق هرتسل فلهلم الثاني 
خلال رحلته الشهيرة إلى الشرق في عام 1898). وهو يبدأ مفاوضات مع عبد 
الحميد واعذا إياه بتحمل رأس المال المالي اليهودي ثمن الديون العثمانية. لكن 


؟.ةم 


السلطان طرف أذكى فهو يستخدم هرتسل كأداة ضغط خلال التفاوض على قسرض 
جديد للدولة العثمانية. وبعد هذا الفشل المزدوج؛ يتحول مؤسس المنظمة الصهيونية 
إلى بريطانيا العظمى التي تعلن اهتمامها بتأمين امتياز لليهود في سيناء؛ لكن 
كرومر يعترض على ذلك بحزم. وعندما مات هرتسل؛ في عام 5١11١؛‏ لم يكن قد 
حصل على شيء.؛ لكنه كان قد نجح في تنظيم حركة سياسية قوية معروفة على 
المسرح الدولي. ويتقارب خلفاؤه في قيادة المنظمة الصهيونية مع ألمانيا. وقيادة 
الحركة ألمانية بشكل خاص في قوامهاء بينما يأتي ناشطوها في معظمهم من 
الإمبراطورية الروسية. 

وكان لا بد من انتظار عام ١1١04‏ حتى تتمكن المنظمة من الانغراس بشكل 
مباشر في فلسطين في اللحظة التي يصل فيها الناشطون الأكثر تسيسا والذين 
استلهموا الاشتراكية غالبا وخبّروا ثورة ١104‏ الروسيةء وهم مهاجرو العاليًا 
الثانية. وهناك التقاء مصالح بين هؤلاء الناشطين والمنظمة الصهيونية؛ ولو لمجرد 
الالتفاف على الاستيطان الروتشايلدي. 

وتقف النخب العربية على وجود الحركة الصهيونية عبر قراءة الصحف 
الأوروبية. وفي البداية» كانت ردود الفعل غير حادة. فالبعض قد رأوا في الأمر 
إمكانية لجذب رؤوس أموال أوروبية لتنمية اقتصاد المنطقة؛ لكنهم ينزعجون مسن 
التطلعات السياسية للحركة. وفي فلسطين نفسهاء تحدث الصدامات الأولى ذات 
الطابع السياسي المباشر في مستهل عام .١13048‏ وفي تلك اللحظة؛ يدخل مصطلح 
فلسطين في الاستخدام اللغوي العربي اليومي. وكما بالنسبة لمسصطلح «سوريا»» 
كان الأوروبيون قد استخدموه في البداية على مدار القرن التاسع عشر للإشارة إلى 
هذه المناطق من الشرق الأدنى. 

وقد أدى الانتماء إلى الدولة العثمانية إلى كبح ظهور أشكال وعي إقليمية 
جديدة خلافا لما حدث في الولايات التي صارت شبه مستقلة كتونس وليبيا. بل إننسه 
بقدر ما أن هذه الهويات الجديدة لم تجد ترجمة حقوقية لها فإنها كانت غائمة وغالبًا 
ما كانت تجد أفضل صوغ لها في لغة الآخر. وهكذا ففي أواخر القرن التاسع عشر 
يجري التمييز بوضوح؛ في الخطاب العام؛ بين الترك والعرب من دون القيام بأي 
ترجمة سياسية لهذا التمييز. إلا أنه في مستهل القرن العشرين؛ نجد أن أفراذا 


. 65 


هامشيين» سواء كانوا مسلمين كالكواكبي؛ أو مسيحيين كعازوري؛ يتحدثون عن 
هوية عرنية متميزة. بل إن الحديث يدور عن تمرد عربي قادم. ثم إنه في عام 
6 يدلي عازوري بنبوئته الشهيرة(): «إن ظاهرتين مهمتين» من طبيعة واحدة 
لكنهما متعارضتين مع ذلك: ولم تلفتا بعذ انتباه أحدء إنما تظهران الآن في تركيا 
الآسيوية: وهما يقظة الأمة العربية وسعي اليهود الكامن إلى أن يعيدوا بناء مملكة 
إسرائيل القديمة على نطاق جد واسع. ومصير هاتين الحركتين هو أن تتحاربا على 
نحو مستمر حتى تتغلب إحداهما على الأخرى. والحال أن مصير العالم بأسره 
سوف يتوقف على النتيجة النهائية لهذا الصراع بين شعبين يمثلان مبدأين 
متعارضين». 

وتجري مماهاة فكرة التمرد العربي أولاً وقبل كل شيء بحركات بدو شبه 
الجزيرة العربية كإعادة البناء التي يقوم بها عبد العزيز آل سعود (ابن سعود) لدولة 
سعودية - وهابية ثالثة انطلاقا من وسط بلاد العرب. 

وكان النجاح الكبير للسياسة الحميدية قد تمثل في الدمج السياسي للولايات 
العربية غداة معاهدة برلين. والحال أن النخب المنبقفة من عاللات الأعيان» 
والمنتمية في الأغلب إلى الفروع الأصغر عمراء إنما تقدم انطلاقا من بلاد الشام 
'. فريقا مهما من مسؤولي الوظائف العامة العثمانية العليا. ويأتي من الولايات 
العراقية عدد كبير من الضباط المنتمين إلى الجماعة السكانية السنيّة. وإسلامية 
الدولة المعلنة هي لحمة هذه الوحدة. 

وجماعة تركيا الفتاة تنهي هذا النجاح على الرغء مسن عودة قوية لكبار 
الأعيان المحليين في الانتخابات النيابية. وكان كبار الموظفين العرب مرتبطين 
بالنظام الحميدي. والخطاب التحديثي يجري تفسيره على أنه رفض للتقاليد 
الإسلامية. ولا تعود الشبيبة العربية المتعلمة تلقسى الترحيب نفسه في الإدارة 
العثمانية. وقد عيشت تدابير المركزة التي اتخذتها لجنة الاتحاد والترقي بوص فها 
عناصر سياسة تتريكء بينما كانت هذه التدابير نفسها قد جرى السكوت عنها تماما 
في ظل عبد الحميد. والأمر كذلك بالنسبة لاستخدام اللغة العثمانية في الإدارة 
والقضاء. 

وقد أدت سيرورة سخط النخب العربية إلى عودة ظهور تيمة الخلافة العربية 
- من حيث كونها الخلافة الشرعية الوحيدة- في الخطاب السياسي. والحال أن 


6٠. 


الإصلاح الدستوري الذي جرى في يونيو/ حزيران ١5١04‏ مواكبًا لخلع عبد الحميد 
قد جعل من الخلافة سلطة منبثقة من تفويض من الأمة ومسؤولة أمامهاء أي 
مسؤولة أمام البرلمان العثماني. على أن هذا الأخير يضم غير مسلمين» مسيحيين 
ويهود. ورفض الخلافة العثمانية هو أيضنا هذا الرفض لتحويل فكرة الأمة 
الإسلامية إلى أمة عثمانية تجمع بين مسلمين وغير مسلمين. 

وسرعان ما يتحول هذا الجدل إلى نزاع بين الترك والعرب. والمستشرق 
الفرنسي الشاب جاستون قيت يحلله تحليلاً ثاقنا خلال صيف عام :20199١‏ «يعلن 
العرب أنهم قد ملوا من رؤية الترك وقد أمسوا كل شسيء, وإذا كان بعضهم لا 
يطالبون إلا بحق في التمثيل النسبي (في مجلس الشيوخ وفي البرلمان وفي 
الوظائف العامة المختلفة)؛ فإن بعضهم الآخر يقطع شوطا أبعد بكثير ويؤكد بكل 
بساطة أنه يريد أن يكون كل شيء بدوره. وإذ تخاض المعركة بهذا الشكل؛ لم يكن 
بالإمكان إلا أن تكون عنيفة؛ لأن رجال السلطة والموظفين لا يدو بالمرة أنهم 
مستعدون للتنازل عن مواقعهم للعرب: وهؤلاء الأخيرون» من جانبهم؛ يمضون 
إلى الهجوم بقوة كبيرة». 

والحال أن المطلب الذي جرى التعبير عنه في البداية بلغة دينية إنما يتحول 
إلى مطالب سياسية ملموسة: مشاركة أوسع من جانب العرب في الإدارة» ولكن 
على أساس محليء وهو ما يترجمه مصطلح اللامركزية الإدارية ونقد «الإدارة 
العثمانية السيئة». وهكذا ففي سوريا تجري المقارنة بين الثراء القديم للبلد ووعسده 
المستقبلي بالنمو» من جهة؛ وشقائه الحاضرء من الجهة الأخرى. ومثل هذا المطلب 
غير مقبول بالنسبة لجماعة تركيا الفتاة. والأمثلة البلقانية والتونسية والمصرية ماثلة 
للتذكير بأن أي سيرورة في اتجاه الحكم الذاتي إنما تقود لا محالة إما إلى الاستقلال 
في أراض غالبيتها مسيحية أو إلى الفتح الاستعماري في الأمد المتوسط في 
أراضي لني 

ولا يمكن لهذا التفسير إلا أن يجد تأييذا له مع التوسع الأوروبي الجديد على 
حساب استقلال العالم الإسلامي. 


المغرب الأقصى وليبيا 

في مؤتمر الجزيرة الخضراءء كان قد جرى الاعتراف بصدارة فعلية لفرنسا 
في المغرب الأقصىء في حين أن الدولة المغربية بسبيلها إلى الانهيار. وباسم 
حماية الأوروبيين» تضطلع القوات الفرنسية الموجودة في الجزائر والتي يقودهما 
الجنرال ليوتي بفتح المناطق المجاورة للجزائرء بينما يحتل مشاة البحرية الفرنسية 
الدار البيضاء .)١107(‏ وبعد تهدئة نسبية تتميز أيضنًا بتعاون اقتصادي فرنسي - 
ألماني» يضطلع الفرنسيون في عام ١5١١‏ بحملة حقيقية تهدف إلى السيطرة على 
المدن الرئيسية في البلد «لاستعادة النظام» فيها. 

وتردٌ ألمانيا على ذلك باستعراض للقوة بإرسالها بارجة حربية إلى أغادير 
(الأول من يوليو/ تموز .)١911١١‏ وحيال «صدمة أغادير»؛ تتضامن بريطانيا 
العظمى مع فرنسا. وتتولى صحافة البلدان المختلفة تأجيج المشاعر القومية. وعلى 
الرغم من سياق صعب وبعد عدة أشهر من المفاوضاتء يتوصل الدييلوماسيون 
إلى تسوية. فتتنازل فرنسا لألمانيا عن جزء من الكونجو في مقابل تخلي ألمانيا عن 
دعاويها. 

وتصبح فرنسا مطلقة اليدين لفرض حمايتها بموجب معاهدة فاس في "٠١‏ 
مارس/ آذار 7١19؛‏ بينما تدير إسبانيا على نحو مباشر أرضنا مساجتها ٠٠٠‏ 58 
كيلومتر مربع. والنبأ يستثير انتفاضة عامة في البلد يضطر المقيم العام الجديد 
ليوتي إلى مواجهتها. ويتمثل ذكاء الفاتح في التخلي عن الخطاب التمديني 
والاحتقاري الصادر عن الجمهوريين الفرنسيين لكي يؤكد على أن الحماية الفرنسية 
هي استعادة لنظام قديم تهدده الحداثة الاستعمارية والأوروبية بالانهيار. وهو يتعهد 
بالحفاظ على الهيراركيات التقليدية وعلى الإسلام بوصفه مبدأ تنظيم المجتمع كما 
يتعهد باستعادة سلطة السلالة المالكة. وهكذا يعقد ميثاقا مع إدارة الدولة المغربية 
يسمح له بتحييد الانتفاضة بفضل جيش يصل قوامه إلى ٠٠٠‏ 5ل رجل في عام 
4 . والحال أن مغربًا أقصى هادنًا ومتجانسا إنما يتمايز عن بلد ريفي وجبلي 
لا يزال في تمرد. ْ 

والحاصل أن ليوتيء باستاطيقيته واستشراقه الذي يميل أحيانا إلى الابتكار من 
زاوية حاجات قضية التقاليد حيث لا وجود لهاء إنما يريد أن يجعل من المغرب 


لات 


الأقصى نقيضنا للجزائرء بل نقيضنا لفرنسا الجمهورية. فهو يجتهد في عزله عن 
الحداثة الأوروبية وفي إنقاذ المدينة المسلمة. والفصل بين الجماعات السكانية هو 
أيضنا رفضّ لأوروبة للنخب المغربية من شأنها «انتزاعها من جذورها» بالمعنى 
الذي نجده عند بارّس. إذلا بد لكل طرف من أن يلزم موقعه مع عقد علاقات 
مصالح قد تكتسب بُعدًا عاطفيًا. وهكذا ننتقلٍ من «سياسة المراعاة» إلى «شيء من 
الحب». والحال أن المقيم العام» وهو السيد كليْ القوة المسيطر على البلدء إنما 
يطرح نفسه بوصفه خادمًا للسلطان المغربي وهوء إذ ينقل رؤية إقطاعية للمجتمع. 
يعطي لنفسه الدور السري لواحد كالكاردينال ريشليو فييني دولة حكم مطلق 
وباتجاه تكنوقراطي لصالح الملكية المغربية المكتوب لها استعادة استقلالها يومًا ما. 

وهاه التجزية الأصيلة يقوة يما الارج فى سيدا الانشراك تياد عدن ميسدا 
الاستيعاب وهي 3 تستعيد بشكل أكثر أرستوقراطية رؤية البريطانيين المحافظة على 
الاختلاف» وتندرج في استمرارية فكر «محبي أهل البلد» أو «محبي العسرب» 
ومقاربة استاطيقية تتماتتئ مع :رؤية ة واحد كبيير لوتي أو فرومنتان أو إزابيل 
إبرهاردت. و3 تدر النخبُ المغربية هذا الموقف الذي يجنبها الكارثة الجزائرية. 
ويصبح ليوتي؛ بالنسبة للحزب الاستعماري الفرنسيء الرجل العظيم الذي يجيد 
جمع إسلامولوجيا تطبيقية بالمصالح الإمبراطورية لفرنسا. 

والحال أن رجل السياسة من الصف الأول؛ جونارء الحاكم العام السابق 
للجزائر والراعي السياسي لليوتي؛ إنما يُبرز في خطاب عام في أواخر عام ١917‏ 
الاسنتناجات التي يجب استخلاصها بالنسبة للجزائر من العمل الجاري في المغرب 
الأقصى7": «إن فرنساء وهي دولة مسلمة عظمى: إنما تملك اليوم منهججًا وخبرة 
اكتسبتهما بثمن غال؛ سوف يسهلان مهمتها. [...]. 

«إن جزائرناء أيها السادة» قد وجدت طريقهاء بعد كثير من الترددات 
والتخبطات» بعد نصف قرن من المحن. فلدينا الآن رؤية واضحة للمشكلات التي 
يطرحها مصيرها وللحلول التي يجب تبنيها. 1 

«لم يعد أحد يفكر في جعل الجزائر معسكر! مترامي الأطراف أو مملكة 
عربية أو مجرد محافظات فرنسية. هذه أرض يجب لجنسنا أن يمد فيها جذوره 
بقوة» ليس انطلاقا من الفكرة المريعة التي تذهب إلى طرد جنس أهل البلد ولا من 


لت 


الفكرة الوهمية التي تتحدث عن استيعابه؛ بل انطلاقا من الرغبة الحازمة في تأمين 
مكان لهء كل المكان الذي يحق له الحصول عليه؛ بمعنى استقبال رعايانا المسلمين 
في العائلة الفرنسية بوصفهم أفضل المتعاونين والشركاء. [...]. 

«إن الحاكم العام في الجزائر هو مربي الأهالي و» بشكل أكبر مما في أي 
وقت مضىء يجب على سياستنا الإسلامية أن تكون مشرّبة بمنظورات الأمة؛ أن 
تخضع لمرامي وطموحات الأمة. 

«وهذه السياسة تتطلب الكثير من اللباقة والكفاءة. وأنا لا أجد مفاجأة في أنها 
تثير سجالات حامية ؛ لم يحدث من قبل قط أن المشكلات التي تثيرها قدبدت 
رهيبة إلى هذا الحد حيال الضمير الفرنسي. [...]. 

«فمن جهة» نجد الأطروحة التي تتحدث عن تحرير السكان أهل البلد ؛ ومسن 
الجهة الأخرىء نجد الأطروحة التي تتحدث عن التطور التمهيدي؛ الموجّه بحكمة:؛ 
والذي يتم الإعداد له عبر التنمية الاقتصادية والفكرية والاجتماعية. وبين 
الاتجاهين» لا يوجد تعارض فيما يتعلق بالمبدأء بل فيما يتعلق بالمنهج. [...]. 

«لا بد للأهالي من أن يروا فينا شيئًا آخر غير الجندرمة والتجار وأن يظهر 
رمز للخير الفرنسيء هنا وهناك؛ مرئيًا للجميع. [...]. 

«ولتتذكروا أنه رذًا على هذا السؤال: 'ما الذي يجعل الأمة أمة؟"؛ أجاب 
رينان بأن العنصر المكون لأمة من الأمم هو رغبتها في اجتماع صفوفها. وهذا 
أيضًا هو العنصر المكون للزيجات الناجحة. ليقل القائد في كل مستعمرة مسن 
مستعمراتنا لمرؤوسيه: «تعليماتي تتلخص في ما يلي: تصرفوا بشكل يشعر معصه 
آخر القادمين في العائلة الفرنسية الكبيرة شعور! أقوى كل يوم بالرغبة في العسيش 
إلى جانبنا!» [...]. 

«إن أمن امبراطوريتنا إنما يعتمد على الاتجاهات المرسومة للسياسة 
الإسلامية. فإذا كانت هذه السياسة أسيرة الريبة وعديمة اللياقة» فإن من شأنها 
تعريضنا لتعقيدات خطيرة في اليوم الذي ستكون لنا فيه حاجة إلى كل مواردنا وكل 
قوانا لخوض معركة كبرى. أمّا إذا كانت هذه السياسة حازمة وكريمة وعادلة؛» 
فإنها إنما تهيئ لنا احتياطيات رائعة من الرجال ؛ وتشارك في نمو قوتنا العسكرية» 
كما تشارك في الوقت نفسه في نمو إشعاع حضارتناء أي في هيبة وعظمة 
فرنسا». 


8يه 


وإيطاليا التي توحدت أخير! هي قادم متأخر على المسرح الإمبراطوري. وقد 
جردت من تونس في عام ١184كء‏ لكنها تمكنت من الحصول على إريتريا في 
إطار اقتسام أفريقيا. وتوسعها يتوقف جراء هزيمتها في معركة عدوه في عام 
5 ضد الإثيوبيين. ولكي تؤكد مكانتها كدولة أوروبية عظمىء يتعين عليها 
امتلاك ذخر استعماري حقيقي سيسمح لها من ثم بأن تسرب لحسابها نزيف الهجرة 
الدائم إلى ما وراء البحار. وهي تستهدف منذ وقت طويل ولاية طرابلس الغرب 
العثمانية حيث تعتبر المستثمر الأوروبي الرئيسي فيها. والمسألة المغربية تمنحها 
الفرصة للتحرك. ففي 74 سبتمبر/ أيلول »١11١‏ تعلن إيطاليا الحرب على الدولة 
العثمانية. وهي تنجح من دون مشكلة كبيرة في الاستيلاء على المنطقة الساحلية 
لبرقة ولطرابلس الغرب والتي كانت من دون قوات من الناحية العملية. ويمنع 
البريطانيون مرور تعزيزات عثمانية عبر مصرء التي مازالت من الناحية النظرية 
ولاية من ولايات الدولة العثمانية. لكن جماعة تركيا الفتاة تنجح في تمرير ضباط 
سرًا فيتعاونون مع القبائل في حرب عصابات تلاحق القوات الإيطالية. 

وبما أن الإيطاليين غير قادرين على نيل اعتراف بالفتح الذي قاموا به» فإنهم 
يتجهون إلى شرقي البحر المتوسط ويحتلون الدوديكانيز. وإذ يواجه نظام جماعة 
تركيا الفتاة في الوقت نفسه تمرذا ألبانيًا يجمع المسلمين والمسيحيين ضد السيطرة 
العثمانية» فإنه يدخل في أزمة. ومع أنه يفوز فوز! ساحقا في انتخابات مستهل عام 
بفضل تورط واسع من جانب جهاز الدولة» فإنه إنما يجد نفسه مفضوحا. 
وخلال صيف عام 7١41١ء‏ يضطرء حيال خطر حدوث انقلاب عسكريء إلى 
التخلي عن السلطة لصالح الليبراليين. فتمنح الحكومة الجديدة شبه استقلال لألبانيا 
في سبتمبر/ أيلول ١4117‏ وتوقعُ الصلح مع إيطاليا بموجب معاهدة أوتشي في ١5‏ 
أكتوبر/ تشرين الأول .١417‏ وتعترف الدولة العثمانية بضم طرابلس الغرب 
وبرقة حيث يحتفظ السلطان بسلطته الروحية على المسلمين بوصفه خليفة. ويتعهد 
الإيطاليون بالجلاء عن الدوديكانيز. وفي الأيام التالية؛ تعترف الدول الأوروبية 
الرئيسية بالسيادة الإيطالية على ما أصبح يُعرف بليبيا. ويبقى تأمين فتح الداخل 
حيث تتواصل حرب العصابات. وتصبح طريقة السنوسية الصوفية الكبرى الخصم 
الرئيسي. 

وإذا كانت الدولة العثمانية قد رضخت أمام الألبان والإيطاليين» فهذا لأن 
بقاءها قد بات مهدّذا مع الخطر المحدق المتمثل في نشوب حريق جديد في البلقان. 


عله 


الحروب البلقانية 
ومصير الدولة العثمانية 

تيح الحرب الإيطالية - العثمانية الفرصة للإخوة الأعداء البلفانيين لتصفية 
الوجود العثماني في البلقان. وعلى الرغم من تطلعاتهم المتناقضة» فإنهم ينبجحون 
في تشكيل ائتلاف؛ هدفه الرسمي هو تسوية مسألة مقدونيا. وبما أن الدولة العثمانية 
ترفض مطالبهم» فإنه يجري إعلان الحرب في ١7‏ أكتوبر/ تشرين الأول 1117. 
والدولة العثمانية معزولة وتسجل هزيمة إثر هزيمة. والولايات البلقانية ممزقة. 
وفي " ديسمبر/ كانون الأولء يتم عقد هدنة للسماح بعقد مؤتمر أوروبي في لندن. 
ويرفض العثمائيون التخلي عن تراقيا وآندرينول. وفي 7١‏ يناير/ كانون الثاني 
41 ؛ تنظم لجنة الاتحاد والترقي انقلابًا وترجع إلى السلطة. فيجري استتئناف 
الحرب في ” فبراير/ شباط وتسقط آندرينويل في أيدي البلغار في *” مارس/ 
آذار. وبموجب معاهدة لندن الموقعة في “06٠‏ مايو/ أيار *111ء لا يحتفظ 
العثمانيون إلا بقطاع محدود من أراض أوروبية حول العاصمة. 

ولا يتوصل المنتصرون إلى الاتفاق على تقسيم الغنائم. فتبدأ الحرب من جديد 
في أواخر يونيو/ حزيران؛ حيث تدور هذه المرة بين البلغار» من جهة؛» والصرب 
واليونانيين» من الجهة الأخرى. ويغتنم العثمانيون الفرصة ليستردوا تراقيا 
وآندرينويل. وتضع معاهدة بوخارست الموقعة في ٠١‏ أغسطس/ آب ١117‏ نهاية 
للنزاع. وتعيد سلسلة بأكملها من المعاهدات التكميلية تحديد خارطة البلقان. 

والحال أن الحرب بكل ما انطوت عليه من أعمال عنف قد ولدت موجات 
جديدة من لاجئين مسلمين يتجهون في غالبيتهم إلى الأناضول. فجميع الدول 
البلقانية هي من الناحية الرسمية مسيحية أرثوذكسية فيما عدا ألبانيا ذات الأغلبية 
المسلمة والتي لم تتمكن مع ذلك من ضم كوسوقا وبعض الممتلكات التي تحوزها 
الإمبراطورية النمساوية - المجرية. وقد أصبح المسلمون أقليات يُنظر إليها على 
أنها دخيلة أو غريبة بحكم الطبيعة» فهي مستبعدة من المشروعات القومية. ويجري 
اتهام المسلمين بأنهم «ترك»؛ حتى مع أنهم يتكلمون لغة سلاقية. والحال أن تصفية 
«تركيا الأوروبية» لا تنمي سيرورة البلقنة والتطهير الإثني. وسوف يظل تاريخ 
شبه الجزيرة هذه في القرن العشرين داميا ودراميًا بشكل خاص. 


هس١١‎ 


وقد تابعت الدول الأوروبية العظمى الحروب البلقانية باهتمام خاص. وتجذدد 
الحديث عن تقسيم لما بقي من الإمبراطورية العثمانية؛ لاسيما أن المسألة المغربية 
قد سويت الآن؛ لكن انقسام أوروبا إلى كتلتي حلفين كبيرتين يجعل من الصعب 
التوصل إلى أي اتفاق ودي. ثم إن المنافسة البحرية الأنجلو - ألمانية تؤثر تأثيرا 
مباشرا على البحر المتوسط. والحال أن سباق التسلح البحري الذي أطلقته ألمانيا 
الإمبراطورية في عام ١894‏ هو الذي اضطر بريطانيا العظمى إلى التقفارب مع 
فرنسا وروسيا. 

وتتصل المنافسة بعدد وقوة السفن كما باستخدام التكنولوجيا الأحدث. وهي 
تنطوي على الانتقال من استخدام وقود الفحم إلى وقود المازوت. والحال أنه إذا 
كانت بريطانيا العظمى واحذا من كبار منتجي الفحم في العالم؛ فإنها لا تملك موارد 
بترولية» حتى في إمبراطوريتها. وهي تعتمد في تدبير احتياجاتها من البترول على 
الإنتاج الأميركي والروسي. وهذا الاعتماد غير مقبول. فيجري الاهتمام في البداية 
بفارس التي أصبحت منتجة للبترول في عام ١1١08‏ وتصبح وزارة البحرية 
البريطانية المساهم الأول في شركة النفط الأنجلو - فارسية. وهناك اشتباه بأن لدى ' 
الدولة العثمائية حقول نفط مماثلة ويدخل البريطانيون في المنافسة على الحصول 
على امتيازات. 

ويصبح واضحًا أنه في حالة نشوب حرب, لا بد لبريطانيا العظمى من سحب 
أسطولها الموجود في البحر المتوسط لتعزيز ال '" 81666 عمره1]. وتؤدي 
المحادثات البحرية في عام ١117‏ إلى اتفاق فرنسي - بريطاني. ففي حالة ظهور 
خطر محدق ينبئ بنشوب حرب أوروبية» ستنقل فرنسا أسطولها الموجود في 
المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسطء الذي سيلتقي بذلك بالأسطول البريطاني 
المتجه في الاتجاه المعاكس» وذلك لتأمين انتقال جيش أفريقيا إلى المتروبول 
[فرنسا] بينما سيتولى البريطانيون؛: حتى في حالة عدم إعلان الحرب؛ تأمين حماية 
السواحل الفرنسية على المحيط الأطلسي وبحر المانش. ويحتج كتشنر بحدّة على 
هذا الاتفاق: فرحيل أسطول البحر المتوسط يعني في الأمد المتوسط ضياع مالطه 
وقبرص ومصرء وإضعاف المواقع البريطانية في الهند والصين والمحيط الهادئ. 


(*<) هذا هو الاسم الإنجليزي الرسمي للأسطول الحارس للجزر البريطانية. -م. 
”١ه‏ 


والرهان الملموس أكثر من سواه هو الرهان المتعلق بمصير الولايات 
العربية. فقد وجهت ت الحرب البلقانية ضربة رهيبة إلى السلطة العثمانية. ويدور 
الحديث علنا عن إصلاحات عميقة» بل عن ربط بلاد الشام بمصرء وهو ما يعني 
توسيع نفوذ البريطانيين المباشر. وهذا غير مقبول بالنسبة للدييلوماسية الفرنسية 
التي تريد الحصول على الترجمة السياسية لنتائج المحادئات البحرية. وبعد 
الحصول على إيضاحات من الحكومة البريطانية» يصبح بوسع بوانكاريه» رئيس 
مجلس الوزراءء أن يعلن أمام مجلس الشيوخ في ”١‏ ديسمبر/ كانون الأول ١117‏ 
أن بريطانيا العظمى ت تعترف بصدارة فرنسا في سوريا ولبنان. 

وهكذا تفتح فرنسا الجدل حول ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية. 

والحال أن الحركات العربية المطالبة بالحكم الذاتي هي من بين أول من 
استخلصوا الاستنتاجات من تصريح يوانكاريه. وبعد أن تمتعت هذه الحركات 
بهامش حرية واسع أثناء الهزائم العثمانية في البلقان» تضطر إلى مواجهة رغبة 
الحكومة العثمانية» التي أصبحت أنذاك من الناحية العلمية ديكتاتورية للجنة الاتحاد 
والترقي؛ في استعادة سلطة السلطة المركزية. . وتدرك هذه الحركات أن تطبيق 
برنامجها الخاص بالإصلاحات الرامية إلى اللامركزية لا يمكن أن يتحقق إلا 
بفضل مساندة من جانب الدول العظمىء أي عبر تدويل ل«المسألة السورية». بل 
إنها تريد الاعتماد على مستشارين أجانب؛ أي أوروبيين؛ يتمتعون بسلطات واسعة. 

والحال أن مثل هذا التدويل إنما يجازف بإفقاد فرنسا موقعها المتميز في 
سوريا. واعتبارًا من مستهل ربيع عام 2١191‏ نجد أن الاستراتيجية الفرنسية؛ 
المحددة في لجنة الشؤون السورية بوزارة الشؤون الخارجية» إنما ترجع إلى إيلاء 
الأولوية للحكومة العثمانية. والواقع أن الحروب البلقانية قد رمزت إلى اختزال 
للنفوذ الفرنسي» فبضربة واحدة جرى إلغاء الامتيازات والحماية الدينية والحماية 
القنصلية في تركيا الأوروبية السابقة. وإذا كانت الدول المنتصرة قد اضطرت إلى 
أن تتحمل جزءًا من الدين العثماني» فإن صندوق الدين لم يعد يمارس رقابة على 
ماليات الإمبراطورية العثمانية. ومن شأن أي تقسيم إضافي للدولة العثمانية أن 
يعني اختزالاً جديذا للنفوذ الفرنسي 

وتتألف الاستراتيجية الفرنسية من الفوز باعتراف بمنطقة نفوذ متميزة في 
سورياء مع الحفاظ على وجود نشيط في مجمل الدولة العثمانية. ولا بد لها من 


؟ اهم 


الموافقة على انعقاد مؤتمر عربي في باريس» مع رفض مساندة حركة انفصال عن 
الدولة العثمانية. 

ويبدأ المؤتمر العربي في باريس أعماله في ١8‏ يونيو/ حزيران 1917. 
ويتوجه رئيسه بنداء شهير إلى الغرب وإلى أوروبا اللذين يقابل بينهما وبين 
السيطرة العثمانية): «إن الغرب اليوم دليل الشرق. وحتى لو كان خطر اس تيعابنا 
كل أفكار الغرب قد يبدو للبعض جسيماء فإنه أقل جسامة من خطر البقاء مجمدين 
في لا حراك تام. وبما أننا نحن أنفسنا سوف نستفيد مجانا مسن خبرة ومعارف 
اكتسبتها أوروبا يتضحيات عظيمة» فإننا ندين لها بامتنان عظيم. 

«وسوف تكون ممتنين لها على كل ما نأخذه عنهاء مثلما كانت ممتنة لأسلافنا 
على كل ما تدين به لهم. 

«إن من يمنعوننا في أوروبا من رفع صوتنا مخطئون. ولا يجب عليهم أن 
يلوموا أحذا سوى أنفسهم على تعليمهم أيّانا الحرية! وإذا كان البعض يرون أن 
نجاحنا مستحيل أو غير مرجّح؛ فليتذكروا ما كان عليه الغرب قبل أن يصبح ما هو 
عليه الآن»", 

ومثلما يمتنع المؤتمرون عن الحديث عن دولة عربية مستقلة» تكتفسي 
الديبلوماسية الفرنسية بموافقة محترسة. وفي الشهور التالية» يتضح أن علاقة ثلاثية 
الأضلاع تنشأ بين السلطة العثمانية والإصلاحيين العرب في سوريا وفرنسا التي 
يتم الاعتراف لها بنفوذ من الدرجة الأولى. وعير سلسلة بأكملها من الاتفاقات ذات 
الطبيعة التجارية من الناحية النظرية والتي تشمل امتيازات في مجال السكك 
الحديدية والموارد البترولية المحتملة» نجحت الدول العظمى بالفعل في اقتسام ما 
بقي من الدولة العثمانية: ففرنسا تحصل على سوريا وألمانيا تحصل على 
الأناضول والجزء الشمالي من بلاد الرافدين وبريطانيا العظمى تحصل على كل 
المناطق المتاخمة للبحر الأحمر وللمحيط الهندي وللخليج. ويبقى مع ذلك أن * 
مصلحة الجميع إنما تتحقق عبر الحفاظ على السلطة العثمانية. ولجنة الاتحساد 
والترقي التي تحكم بشكل شبه ديكتاتوري تتوجه بشكل متزايد باطراد نحو شكل من 
أشكال النزعة القومية التركية مع سعيها إلى إعادة إطلاق نمو الاقتصاد العثماني؛ 


(*) ترجمة عن الفرنسية. -م. 
:١ه‏ 


وذلك؛ في أن واحدء عير استثمارات أوروبية جديدة وعبر تكوين طبقة متوسطة 
تركية ومسلمة. 

ويمكن لإدارة المصالح الاقتصادية والسياسية أن تصطدم بضرورات أخرى 
كإعادة طرح المسألة الأرمنية. ووفق نموذج مقدونيا السابقة» يحاول الأوروبيون 
فرض سيطرة على ولايات الأناضول الشرقية 


هاه 


الفصل السادس 


الحرب العظمى وبدايات التحرير 


الدولة العثمانية في الحرب العالمية 

كانت التنافسات الأوروبية في العالم الإسلامي أحد العوامل المفاقمة في السير 
نحو الحربء إلا أنه في عام ١114‏ بدا أن كل المنازعات قد سويت. وبما أن 
ألمانيا الإمبراطورية لم تكن لها مستعمرات في هذه المنطقة الشاسعة من العالم 
فإنهاء وهي التي امتنعت إلى حد بعيد عن التدخل في الحروب البلقانية؛ تستأنف 
موقفها كصديقة للإسلام وحامية للدولة العثمانية» ما أدىّ إلى أن يتسلط من جديد 
على الفرنسيين والبريطانيين وسواس جامعة إسلامية مصدر إلهامها ألماني. 

وحادث الاغتيال الذي وقع في سراييقو هو نتيجة بعيدة لمعاهدة برلين التي 
وضعت البوسنة والهرسك تحت الإدارة النمساوية؛ ما جعل من الملكية المزدوجة 
عدو صربيا والتي يتمتل مشروعها التاريخي في توحيد «السلاف الجنوبيين». 
والحال أن آلية التحالفات والمشاعر القومية وشعور الكثيرين بأن الحرب حتمية 
إنما تسمح بفهم كيف أن الدييلوماسية الأوروبية كانت هذه المرة عاجزة عن تجنسب 
حرب لم يكن بالإمكان تخيل حدتها وقدرتها على التدمير. 

وهذه «الحرب الأهلية الأوروبية»» بحسب حكم الجيل الأخير للقرن العشرين 
عليهاء كان رهانها الثانوي أيضنا هو السيطرة على العالم الإسلامي. وقد اعتبرت 
فرنسا وبريطانيا العظمى نفسيهما دولتين مسلمتين عظميين بسبب وجود ملايين من 
المسلمين في إمبراطوريتيهما الاستعماريتين. والأمر كذلك مع روسيا. وكان هذا 
الدمج الاستعماري نتاج قرن ونصف قرن من التاريخ الأحدث. وإذا كان بوسع 
الجيش الفرنسي الأفريقي والجيش البريطاني الهندي تجنيد وحدات بشرية مهمة من 
سكان أفريقيا والهند» فقد ظل مع ذلك أن هؤلاء المسلمين الخاضعين قد ظهمروا 


اام 


بوصفهم عامل هشاشة حيال ألمانيا التي تتخذ الآن موقف الحامية السافرة للإسلام 
والتي تنجح في جر الدولة العثمانية إلى معسكرها وإلى الحرب» في ” نوثمبر/ 
تشرين الثاني .١15315‏ 

والرغبة في التحرر من السيطرة الأوروبية هي المحرك الأول لقرار نظام 
جماعة تركيا الفتاة. وروسيا هي بأكثر مما في أي وقت مضى العدو التاريخي ومن 
المفترض أن هناك رغبة في تحرير شعوب القوقاز المسلمة. أمَّا فرنسا وبريطانيا 
فقد كان يُنظر إليهما بحكم سيطرتها على الاقتصاد بوصفهما العقبة الكبرى أمام 
التحرر الاقتصادي. وفي 1 سبتمبر/ أيلول »١1115‏ تلغي الدولة العثمانية من طرف 
واحد الامتيازات»: وهو ما ترفضه دول الوفاق التي تبدو مع ذلك مستعدة لبدء 
محادثات في اتجاه مساواة أكثرء شريطة أن يتمسك العثمانيون بحياد صارم في 
الحرب الجارية. وبعد معركة المارن: تبدو هذه الدول أكشر حزمًاء ما يعجل 

وتتمثل نتيجة الأحداث في أن دول الوفاق تجد نفسها من جديد في موقع 
دفاعي حيال خطر الجامعة الإسلامية. ومن المؤكد أن السكان المسلمين يدون 
موالين [لهذه الدول] بشكل خاص خلال الدعوات التي أطلقها السلطان - الخليفة 
إلى الجهاد» لكن القلق مستمر. ولا بد من ملاحظة أن الجهاد الذي أطلقته الدولة 
العثمانية هو جهاد ضد «التجمع الباغي الذي يحمل اسم الوفاق الثلاثي [...] والذي 
تتمثل اللذة الأسمى لغطرسته القومية في استعباد آلاف المسلمين». وتحالف الدولة 
العثمائية مع دول وسط أوروبا يمنعها من أي إشارة إلى عدو مسيحي» وهو ما 
يتماشى مع الفكر الإصلاحي في القرن التاسع عشر مثلما يتماشى مع الطابع 
القومي المتزايد باطراد والذي تتخذه الحرب. 

والعنصر الأول المستخدم في الدعاية المضادة هو شجب لا شرعية الخلافة 
العثمانية من حيث كونها خلافة غير عربية. وقد قامت المرجعيات الدينية المختلفة 
في الإمبراطوريات الاستعمارية بنشر فتاوى في هذا الاتجاه. ويستمر التزام جاندب 
الحكمة. ففي الهند البريطانية» تذكر خطبة الجمعة كالعادة اسم خليفة القسطنطينية 
حتى في صلاة القوات المجندة لمحاربة جيوشه. 


ماه 


ومسألة الخلافة هذه تؤرق بشكل خاص الفرنسيين. وتقوم اللجنة الوزارية 
المشتركة للشؤون الإسلامية بجمع ملاحظات في هذا الصدد. وفي خطوة جريئة» 
يقترح ليوتي في عام ١311©‏ تكوين «خلافة غرب» يقف على رأسها أمير المؤمنين 
سلطان المغرب. ومن المفترض أن تختص هذه الخلافة بمجمل الإمبراطورية 
الاستعمارية الفرنسية. ومن ثم سيكون هناك «إسلام فرنسي». وهذا الاقتراح 
يستثير احتجاج الولاة الاستعماريين الآخرين في الشمال الأفريقي والذين لا يريدون 
أن يكونوا تابعين للمغرب الأقصى. 

كما فكر الفرنسيون في إثارة تمرد سوريء لكن هذا التمرد من شأنه أن 
يتطلب إرسال قوات مهمة إلى الشرق في لحظة توجد فيها حاجة إلى جميع الرجال 
المتوافرين على الجبهة الفرنسية. ولبعض الوقتء قد يكتفي الحلفاء أيضنا بالإبقاء 
على الدولة العثمانية» على أن تكون تحت وصايتهم. لكن القرار الخاص بإطلاق 
حملة الدردنيل» التي رؤي أن بوسعها إنهاء الحربء إنما يطرح مسألة الأمداف 
الترابية للحرب. والروس يطالبون بالقسطنطينية» هدفهم التاريخي منذ قرئنين على 
الأقل. ويضطر الفرنسيون والبريطانيون إلى الرض وخ وقبول اقتسام للدولة 
العثمانية. 

وإذا كانت المصالح الفرنسية والبريطانية ذات طبيعة واحدة؛ فإن أسلوبهما في 
النظر إلى مستقبل الولايات العربية يتباين كليًا. فبالنسبة لصانعي القرار الفرنسي» 
تشكل «فرنسا المشرق» السابقة على عام ١114‏ العنصر المرجعي الذي يجب 
صونه وتوسيعه. وهذا الاستيعاب الحر للثقافة الفرنسية يسمح بالحلم بفرنسا أكبر 
بكثير من شأن نزوعها العالمي أن يجتمع فيهما بشكل منسجم مع مشاريعها 
الإمبريالية. وفي استعادة لخطاب الجغرافيين الفرنسيين الذي يتحدث عن «سوريا 
طبيعية»؛ يتحول الحزب الاستعماري إلى «حزب سوري» يُدمج عدذا من المنفيين 
من تلك المنطقة باللجنة المركزية السورية ولسان حالها الصحافي كورّسيوندانس 
دوريان. 

وبالمقابل» يرى بريطانيو هذا الجيل أن المشرقية [5526ذ10ة/1.6] تمثل 
أسوأ المثالب الأخلاقية. وبحكم رؤية للعالم تحرص على مراعاة الاختلافات بشكل 
طبيعي وأخذا بعين الحسبان اتساع المزايا الفرنسية» كان المتخصصون البريطانيون . 


8ه 


في القاهرة مولعين بعبادة أصالة ونقاء عربيين يجسدهما بالدرجة الأولى بدو 
الصحراء وينحطان تدريجيًا بانتقالهما إلى الجماعات السكانية الفلاحية المستقرة ثم 
إلى سكان المدن. 
وقد رأى الفرنسيون والبريطانيون على الفور أن يتصدوا للجهاد العثماني 
باللجوء إلى مرجعية أخرى غير السلطان - الخليفة. والحال أن حسينء أمير 
وشريف: مكة ورئيس العائلة الهاشمية» هو المرشح الأفضل بالطبع. فبوسعه في أن 
واحد حفز تمرد عربي وتهديد السلطة الدينية للقسطنطينية. ومن يجري تكليفه 
بالتفاوض معه هو السير هنري ماكماهونء الذي حل في القاهرة محل كتشنر الذي 
أصبح وزيرا للحربية. وبما أن الرجل قادم من إدارة الهند؛ فإنه لا يملك درايات 
خاصة بالشرق الأدنى» وهو يعتمد على نصائح إنجليز مصرء وهم مجموعات 
صغيرة من المتخصصين والهواة؛ كعالم الآثار ت. !. لورانسء الذين يريدون تعميم 
التجربة المصسرية على مجمل المنطقة. 
وتدور المفاوضات عبر تبادل سرّي للرسائل. ويجري الإيحاء لشريف مكة 
بإمكائية خلافة عربية لصالحه. والظروف الخطرة لتبادل الرسائل يضاف إليها 
غموض دلالي. فرجال القاهرة» بوصفهم بريطانيين طيبين» يضعون المشارقة في 
تعارض مع العرب «الأنقياء»: وهذا مفهوم لا يستوعبه محاورهم الذي يملك رؤية 
سلالية للعرب المنحدرين كلهم من جد واحد. ولا يجري رسم أي خرائط وتظفل 
مسائل مهمة من دون تسوية. وبالنسبة للندن وإنجليز القاهرة» فإن الدولة أو الدول 
العربية التي يجب تكوينها إنما تقع في داخل الأراضي. أمّا المناطق الساحلية شرق 
البحر المتوسط فسوف تكون تحت سيطرة الفرنسيين والبريطانيين المباشرة. 
وعلى هذا الأساس تدور المفاوضات التالية بين الممثل البريطاني السير مارك 
سايكس والممثل الفرنسي جورج بيكو بهدف إعطاء مضمون خرائطي للمشروع 
الفرنسي المسمى بسوريا وللمشروع البريطاني المسمى ببلاد العرب. وبعد عدد 
معين من التقلبات» يتم تكريس نتيجة أعمالهما عبر تبادل للرسائل بين يول كامبون؛ 
السفير الفرنسي لدى لندن؛ وإدوارد جراي» سكرتير الدولة بوزارة الخارجية 
البريطانية؛ في مايو/ أيَار 1115. ومجمل ما تم التوصل إليه توافق عليه روسيا 
التي تحصل على جزء كبير من الأناضول وتوافق عليه إيطاليا لاحقا. 


؟ه 


والحال أن حملة الدردنيل» من أبريل/ نيسان إلى ديسمبر/ كانون الأول 
6 :, إنما تصبح واحذا من الأحداث الأكثر دموية في الحرب مع مصرع 
وإصابة 7٠١ ٠٠٠‏ رجل من قوات دول الوفاق في مقابل ٠٠٠٠٠٠١‏ رجل من 
القوات العثمانية. وهي ليست غير واحد من الأحداث الدامية للقوس الشرقي للحرب 
العالمية الأولى. وفي حين أن جيوشا نظامية؛ على جبهات الغرب» هي التي تتقاتل 
في معارك رهيبة؛ فمن البلطيق إلى البحر الأحمر وصولاً إلى حدود الهندء نجد أن 
المدنيين هم أول الضحايا لأعمال العنف التي سوف تمتد حتى أوائل عشرينيات 
القرن العشرين وسوف تحصد ملايين الأنفس. وإذا كانت الجماعة المسيحية 
الشرقية سوف تدفع الثمن البشري الأفدح لهذه الأعوام الرهيبة» قياسًا إلى نسبتها 
في عموم السكان؛ فإن ملايين من المسلمين سوف يكونون هم أيضنا ضحايا لهذه 
النزاعات التي أنجبتها الحرب الأهلية الأوروبية. 
وفيما يتعلق بالفضاء العثماني» يتمثل أحد الأسباب الرئيسية في الحصار الذي 
فرضه الحلفاء والمفترض أنه موجه ضد المجهود الحربي للعدو. وبما أن شبكة 
المواصلات السابقة قد استخدمت إلى حد بعيد الطرق البحرية وبما أن الجيش 
العثماني قد صادر حيوانات الحمل» فإن دائرة الإمداد كلها قد تأثرت. والحال أن 
مناطق كثيرة في الأناضول وفي سوريا سوف تصاب بالعوز الذي يتحول في 
بعض القطاعات كجبل لبنان إلى مجاعة تصيب المسيحيين أساسنا. 
وفي هذه الفترة كلهاء يتصرف نظام جماعة تركيا الفتاة بشكل لا يرحم. فبعد 
الهزيمة الرهيبة في القوقاز خلال شتاء 1915-14ء وتذرعا بخطر غزو 
روسي وشيك للأناضول» تصدر الحكومة العثمانية الأمر بترحيل السكان الأرمن 
إلى سوريا. وفي جزء كبير من المناطق المعنية» يتحول الترحيل إلى مجازر 
جماعية تتحمل المسؤولية المباشرة عنها السلطات والجماعات السكانية المحلية. 
ويختفي نحو ثلثي أرمن الأناضول في هذه المحنة. والحال أن العمليات العسكرية 
في الأعوام التالية» وكذلك الأوبئة المرتبطة بالعوزء سوف تصيب الجماعات 
السكانية المسلمة إصابة فادحة» وإن كان بنسبة أقل مما حدث مع الأرمن. وفي 
سورياء طرحت مجاعة جبل لبنان مسألة وجود مسؤولية عثمانية مباشرة عنها 
وهي مسألة مازال يتعين بحثها. 


خرن 


وتخوض السلطة العثمانية التي يمثلها جمال باشا حملة قمعية قاسية ضد دعاة 
الحكم الذاتي العرب المتهمين بالخيانة لصالح فرنسا. ويجري إعدام عدد معين مسن 
الأعيان في دمشق وبيروت» بينما يجري حبس الرهبان المشتبه بهم في الأناضول. 
ومن تمكنوا من الإفلات يستقرون في مصر. ويلعب هذا القمع دورًا كبيرًا في 
سخط السكان على النظام العثماني» حتى وإن كان فريق مهم من النخغب يظفل 
مخلصنا له حتى زوال الإمبراطورية العثمانية. 

وفي بلاد الرافدين» قام البريطانيون بإنزال في منطقة البصرة تمهيذا لتأمين 
حماية الخليج وحقول البترول المجاورة. ثم يبدأ الجيش البريطاني الصعود في 
وادي النهرين. لكن طليعته تتقدم أكثر من اللازم وتتعرض للتطويق في كوت 
وتضطر إلى الاستسلام. وهذا الفتح لبلاد الرافدين هو من فعل جيش الهند الذي 
يشهد بالفعل ضم هذه المنطقة إلى إمبراطورية الهند مع جلب ملايين العمال 
الهندوس لتنميتها ضمن إطار أشغال هيدروليكية كبرى. وقد نظر واضعو هذا 
المشروع إليه بوصفه رسالة نبيلة تهدف إلى إطعام بقية العالم. 


بقية العالم الإسلامي 

في الأول من نوقمبر/ تشرين الثاني »١1114‏ أعلنت فارسء التي تعرف أنها 
هشة بشكل خاصء أنها تتخذ موقف الحياد» من دون أن تكون لديها إمكانات 
للتصدي للتدخلات الأجنبية. والحال أن القوات الروسية موجودة في شمالي البلد 
منذ عام 1177 وقد اضطر البريطانيون إلى الاعتراف باتساع منطقة نفوذ الروس. 
وتتغلغل الجيوش العثمانية في هذه المنطقة من دون إعلان الحرب وبتقديم نفسها 
على أنها قوات تحرير. فيجري الترحيب بها في البداية قبل أن تجر على نفسها 
الاحتقار جرّاء جباياتها وتخريباتها الحربية. وقد لجأ مسيحيون أناضوليون أيضنا 
إلى هذه المناطق وانحازوا إلى الروس. وبعد الثورة الروسية في فبراير/ شباط - 
مارس/ آذار ١١14117‏ سوف يتبدد شمل القوات الروسية وسوف تتزايد الفوضى 

حيث تطال المسيحيين مذابح في إقليم أورميا. 
ويما يشكل علامة من علامات ذلك الزمن» تضافء بالنسبة للبريطانيين» 
حماية الموارد البترولية إلى الدفاع التقليدي عن طريق الهند. وهم ينظمون في 

كه 


الجنوب قوات محلية يقودها ضباط بريطانيون» لكنهم يصطدمون بانتفاضة قبائل 
فارسء التي شجعتها بعثة ألمانية بقيادة فاسموس الشهير. كما سعى الألمان إلى 
إثارة مناطق أخرى في إيرانء إلى جانب سعيهم إلى إثارة حرب إنجليزية - 
أفغانية. وإرسال هؤلاء العملاء هو واحد من آخر أحداث «اللعجة الكبرى» 
الأوروبية التي بدأت في أواخر القرن الثامن عشر. وخلال جزء من عام 21116 
كان جزء لا بأس به من الأرض الفارسية تحت سيطرة منشقين موالين للألمان. 
على أن الشاه يرفض الانضمام إلى حكومة موالية للألمان ويمكث في طهران؛ لكن 
حكومته التي يقال إنها موالية للإنجليز لم تعد تسيطر إلا على العاصمة. ويتدخل 
الجيش الإنجليزي - الهندي بشكل واسع لأجل القضاء على الحركات الموالية 
للألمان والموالية للعثمانيين. وبعد الانهيار الروسي؛ تصعد القوات البريطانية حتسى 
القوقاز وتحتل باكو مؤقتا. 

والحال أن هذه التحركات للقوات وهذه الانتفاضات المختلفة إنما تؤدي إلى 
خراب البلد. وبشكل لا مفر منه» يتأكد العوز والأوبئة» ما يؤدي إلى موت عشرات 
الآلاف. ولم تعد الدولة موجودة وء بعد الانسحاب الروسي» تبدو بريطانيا العظمى 
موجودة بشكل مقيم في موقع سيطرة. 

وتعرف أسيا الوسطى الروسية هدوءا نسبيًا خلال العامين الأولين للحرب» 
لكن السخط يدمدم بسبب تقدم الاستيطان الروسي على حساب السكان الرحل. 
والحال أن الإعلان في يونيو/ حزيران ١115‏ عن تعبئة رجال غير مطلوبين لأداء 
الخدمة العسكرية في وحدات عمل إنما يؤدي إلى الانفجار. والحاصل أن انتفاضة 
صيف عام ١115‏ إنما تستهدف بالدرجة الأولى المستوطنين الزراعيين الروس. 
وقد جرى قتل ألفين منهمء لكن القمع بالغ القسوة. ويلجا ثلث القيرغيز يز إلى الصين. 
وتفنادر أراض عديدة. وبعد ثورة فبراير/ شباط - مارس/ أذار ١9371‏ الروسية؛: 
تتزايد المواجهة بين الروس والأهالي لاسيما أن الحكومة المؤقتة لا تتحدث عن 
مستقبل المنطقة إلا بلغة غامضة. ويحاول المسلمون تنظيم أنفسهم في حركات 
سياسية تمهيذا لانتخابات قادمة وينأون بأنفسهم عن النزاعات فيما بين صفوف 
الروس. وبعد ثورة أكتوبر/ تشرين الأول - نوقمبر/ تشرين الشاني؛ يرفضون 
الاعتراف بسلطة البلاشفة. وفي فبراير/ شباط 118١غ:‏ تفرض السوقييتات س لطتها 


رون 


بالقوة» لكن آسيا الوسطى تنزلق تدريجيًا إلى الفوضى المصاحبة للحرب الأهلية 
الروسية. 

وفي مصرء يتيح دخول الدولة العثمانية الحرب الفرصة للبريطانيين لخلع 
الخديوي عباس حلمي وإعلان حمايتهم على مصر التي تصبح سلطنة؛ تعهَد بها 
إلى أحد أعضاء العائلة الخديوية» هو حسين كامل؛ بما يشكل علامة على التحرر 
من الدولة العثمانية. ويترافق هذا كله مع وعد غامض بالاتجاه إلى ال - /اء5 
0 («الحكم الحر»؛ بفرنسية ذلك العصر)» وهو شكل من أشكال إشراك 
المحكومين في مهام الحكم. 

وتصبح مصر قاعدة البريطانيين الكبرى في المؤخرة. ويشن العثمانيون 
بجرأة هجومًا على قناة السويس في فبراير/ شباط .١111©‏ وتسمح مدفعية السفن 
الحربية الفرنسية والبريطانية المرابطة على القناة بصد الهجوم. ثم يضطلع 
البريطانيون بفتح منهجي وبطئ لسيناءء يتألف من تقدمات قصيرة تتلوهما توقفات 
طويلة للتمكن من مد خط للسكك الحديدية وتوصيل المياه العذبة. وبهذا الإيقاع؛ 
لا بد لهم من سنتين حتى يصلوا إلى حدود فلسطين. 

وعلى الرغم من تصريحات البريطانيين النبيلة عن اهتمامهم بخير السكان 

المصريين» فإنهم إنما يكثرون من مصادرات حيوانات الحمل وإرغام الفلاحين 
على السخرة لتأمين الإمكانات اللوجستية للقوات. وإذا كان المصريون لا يقاتلون» 
من الناحية الرسمية»؛ فإن من يستخدمهم الجيش البريطاني منهم بشكل مباشر إنما 
يتعرضون للنيران. ويعاني الفلاحون المصريون معاناة قاسية خلال كل هذه 
الأعوام؛ لكن الأوساط الحضرية تستفيد من بداية تصنيع ضروري للتعويض عن 
غياب المنتجات الأوروبية المستوردة ولتموين الجيوش البريطانية في مصر 
والدردنيل. 

وفي ليبياء» تستأنف الطريقة السنوسية الحرب ضد المحتلين الإيطاليين الذين 
سرعان ما يفقدون السيطرة على جزء كبير من الأرض. وتتجه الانتفاضة إلى 
محاربة الفرنسيين في تونس والبريطانيين في مصر. كما تمتد الحرب إلى تشاد 
والنيجر الواقعتين تحت السيطرة الفرنسية. وهي تلقى مساعدة من بعة عسكرية 
تركية - ألمانية صغيرة وصلت عن طريق غواصات. والحال أن الفرنسيين» 

004 


مستخدمين هم أيضنا وسائل حديثة للنقل كالمركبات؛ إنما ينجحون في وقف تقدم 
الطريقة السنوسية. وفي مصرء يجري صدها في الصحراء الغربية؛ بعد أن كانت 
قد حققت نجاحات أولى. ويتفاوض الحلفاء على تسوية. فيتم الاعتراف في عسام 
للطريقة السنوسية بشكل من أشكال الحكم الذاتي الترابي على الأراضي 
الواقعة تحت سيطرتها. والحال أن ما نحن يصدده هو وقف للمعارك بأكثر مما هو 
تسوية سياسية حقيقية. 

وحرب الصحراء هذه تمثل التجسيد الملموس للانزعاج الاستعماري الكبير 
من انتفاضة إسلامية. وقد قاد هذا الخوف المستعمرين إلى قمع الطرق الصوفية 
المستقلة كتدبير وقائيء لكن هذا القمع دفعها إلى التمرد. 

وفي المغرب الأقصىء امتنع ليوتي عن الجلاء عن الأجزاء الداخلية من البلد 
على الرغم من سحب جزء لا بأس به من القوات الفرنسية. وهو يُوجد ترتيببا 
يسمح باستخدام القوات المتبقية لديه إلى أقصى حدٌّ باللعب على حركة القبائل غير 
الخاضعة ومراقبتها. واعتبارًا من عام :١1511‏ تستأنف السيطرة الفرنسية توسعها 
الترابي عبر «التمدد تمدد بقعة الزيت». 

ويلعب الشمال الأفريقي دورا مهما في المجهود الحربي الفرنسي» فقد جرت 
تعبئة ٠٠6‏ 177 جزائري و 8٠٠١ ٠0١‏ تونسي و 14١٠ ٠060‏ مغربي. ومن بين نحو 
“6٠٠6٠‏ رجلء يقاتل 7٠١ ٠٠.٠‏ في الخنادق حيث يلقى 65.60 15 منهم 
مصرعهم. ثم إن 1٠١ ٠.٠‏ عامل مطلوبين أو متطوعين قد أرسلوا للعمل في 
المترويول في المصانع أو وسائل النقل أو الحقول. والحال أن أخوة الدم الذي 
أهرق هذه إنما تسمح بالتفكير في تعديل للعلاقات الكولونيالية. 

وندرةٌ وسائل النقل البحرية المترتبة على حرب الغواصات تبرهن على أوجه 
قصور التنمية الاقتصادية للممتلكات الفرنسية؛ بما فيها الجزائر. فالبلدان الثلاثئة» 
بعيذا عن أن تستفيد من الظرف لكي تقوم بتصنيع نفسهاء إنما تشهد اختناقات عديدة 
تؤدي إلى انخفاض في الإنتاج الصناعي والمنجمي والزراعي. 


تحول المنظورات 
تألفت استراتيجية المتحاربين من تشجيع انتفاضات مسلمي المعسكر المقابل 
وهم إذ يتصرفون بهذا الشكل إنما يزعزعون النظام الكولونيالي أو العثماني 


هه 


ويفتحون الطريق أمام صعود حركات قومية. ويرى استراتيجيو دول الوفاق أن 
الأولوية تتمثل في مواجهة الجهاد العثماني بمغازلة الشعور العربي. وهذا على 
سبيل المثال هو مضمون بيان صادر عن علماء الأزهر بتحريض من الإنجليز في 
١‏ يناير/ كانون الثاني 77115() وموجّه إلى «إخوتناء جنود بلاد العرب وسوريا 
والعراق والحجاز»: «لقد خدعكم الترك الذين يستخدمونكم في تنفيذ مخططاتهم ؛ 
وبعضهم؛ من عملاء ألمانياء يلوحون لكم بوعود زائفة ؛ وإذا كان مؤلاء الأفراد 
يمقتون فرنسا وإنجلترا فهذا راجع إلى أن هذين البلدين قد دعما ويدعمان العغفصر 
العربي في تركيا وإلى أن ممثليهما مستعدون دومًا لوقف اليد المجرمة التي تريد 
القضاء على العنصر العربي. 

«انظروا إلى ذلك الجزء من العراق الذي يحتله الإنجليز حاليًا وانظروا إلى 
حظ لبنان وحظ عرب المغرب الذين تحميهم فرنساء وسوف ترون الفرق القائم بين 
إجراءات الإنجليز والفرنسيين وإجراءات الترك. 

«الترك ناقمون على اللغة العربية» لغة النبي والقرآن» لغة الصلاة؛» وهم 
يسعون إلى القضاء عليها لكي يحلوا محلها لغتهم» وهكذا فإن لغتنا التي يجري 
تضبيق الخناق عليها في كل مكان في تركياء لم تتمكن من أن تجد ملاذًا إل في 
القطرين اللذين أفلتا من سيطرة الترك؛ بفضل فرنسا وانجلترا: سوريا ومصر. 

«ففي سورياء أصبح اللبنانيون» بكتاباتهم العديدة؛ واليسسوعيون؛ بعون 
موهبتهم» ناشري اللغة العربية. وفي مصرء بفضل عون الإنجليز» أصبحت هذه 
اللغة مزدهرة. وهاتان الدولتان لم ترفضا قط حماية العنصر العربي ؛ ومؤخرا 
أيضاء خلال انعقاد المؤتمر العربي في باريس؛ شملت فرنسا هذا المؤتمر بكل 
عطفها. فماذا فعلت تركيا؟ لقد شنقت إثنى عشرة عربيًا. وإذا سألتموني لماذا تمقت 
تركيا عنصرناء فمن شأني أن أجيبكم بأن هذا راجع إلى أنها تشعر بأنها غاصبة. 
إن القرآن والنبي والشريعة الإسلامية تخصنا ؛ وتركيا تريد سلبنا إياهما. لقد 
ارتكبت جريمة أولى» ولن تتورع عن ارتكاب جرائم أخرى»". 

والثورة العربية في يونيو/ حزيران ١115‏ هي محصلة هذا المشروع. 
والحال أن خطابها الأصلي الذي تمثله البيانات الأولى الصادرة عن الشريف حسين 


(*) ترجمة عن الفرنسية, - م. 
كاه 


إنما يتميز بطبيعة إسلامية بأكثر مما يتميز بطبيعة عربية» فما يجري رفضه هو 
إلحاد جماعة تركيا الفتاة التحديثي. 

وكان أحد التحركات الأولى التي قامت بها فرنسا هو تنظيمها في سبتمبر/ 
أيلول ١41١5‏ حجًا لمسلمين مغاربة إلى مكة. وقد مهد بقيادته إلى سي قدور بن 
غبريط: وهو شخصية مسلمة من أصل جزائري كانت قد قدّمت بالفعمل خدمات 
ملحوظة لفرنسا في الشؤون المغربية. ويجري إنشاء بنية فندقية مستديمة لخدامة 
حجاج الإمبراطورية الفرنسية. ويتم التخلي عن فكرة خلافة مغربية لصالح «إسلام 
فرنسي» يجمع سكان الإمبراطورية والمسلمين الذين يبدءون في الوجود بأعداد 
كبيرة في المترويول. ويجعل بن غبريط من نفسه المدافع عن إصلاحات معتدلة في 
الجزائر من شأنها إعفاء الأهالي من المعاملة الظالمة التي يتعرضون لها وتمكينهم 
من تأكيد شخصيتهم العربية والإسلامية بشكل أفضل؛ من دون تهديد السيطرة 
الفرنسية. وذلك هو معنى مذكرة يوجهها في أبريل/ نيسان ١477‏ إلى رئيس 
مجلس الوزراء(". 

والحال أن انعدام الاضطرابات في الجزائر والذي تلته مشاركة ملحوظة مسن 
جانب الأهالي في المجهود الحربي إنما يشكل مفاجأة سارة للسياسة الفرنسية ويجيد 
بن غبريط التذكير بذلك. وضمن الرؤية الكولونيالية» لا بد من أن تكون هناك 
مكافأة لولاء الشعوب الخاضعة وتصبح محاجة امتنان فرنسا تيمة قوية بشكل 
خاص. ويود محبو الأهالي المضي قدماء لكن في اتجاه الإشراك بحيث يتمكن 
العرب الجزائريون من الاستفادة من «نظام جد ليبرالي» هو النظام الذي يتمتع به 
التونسيون والمغاربة. 

ومن غير الوارد «القيام فجأة بمنح أكثر من أربعة ملايين من الرعايا 
صلاحيات من شأنها أن تجعل من المتعذر حكمهم وأن تقوض الاستيطان. 

«والحلم بالاستيعاب الكامل للعربي هو الغباوة الأسوأ التي لا يمكن أن توجد 
إلا في العقول المتأثرة بنظريات رومتو. ومن المستحيل تبديل عقلياتهم مثلما أن من 
المستحيل تحويل رجل أصفر إلى رجل أبيض. وأنا أضيف أن هذا ليس مرغوبا 
فيه أصلا. فالتقدم يمكن أن يتحقق بشكل أكثر انسجامًا عن طريق تعاون أجناس 
يحتفظ كل واحد منها بنبوغه مما بالانصهار الذي ستكون نتائجه محدودة دوما». 


يفن 


والمراد هو القضاء على التفرقة ورفع مستوى تعليم السكان أهل البلد وفتح 
الطريق أمامهم بشكل أرحب لتولي الوظائف العامة. 

وضمن التصور السائد أنذاك» لا تهدد الثورة العربية النظام الاستعمماري 
ولا بد لها من أن تفضي إلى شكل أكثر تعقيذا للحكم غير المباشرء حيث يتم تأطير 
الدولة أو الدول العربية الجديدة بمستشارين أوروبيين بحسب مطلب الحركة التي 
دعت إلى الإصلاحات في عامي ١377‏ و1117. والحال أنه استنادًا إلى هذا المبدأ 
جرى بناء الاتفاق المسمّى باتفاق سايكس - بيكو: ففي منطقة النفوذ الفرنسي 
سيكون المستشارون فرنسيين» وفي مناطق النفوذ البريطاني سيكون المستشارون 


بريطانيين... 
وبفضل الهاشميين» سيتمتع الفرنسيون والبريطانيون من ثم بالسيطرة على 
مدينتي الحجاز المقدستين. وبالمثل؛ عبر فتح بلاد الرافدين» سد ستصيح ستصبح المدن المقدسة 


الشيعية تحت النفوذ البريطاني وبما أن فارس لا بد لها هي أيضنا من الاندراج في 
المنطقة البريطانية» فلن يعود هناك خطر جامعة إسلامية حتى في حالة بقاء 
الخلافة العثمانية. 

والحال أن ثورة فبراير/ شباط - مارس/ آذار ١177‏ الروسية ودخول 
الولايات المتحدة الحرب في أبريل/ نيسان ١1177‏ إنما يربكان هذه المنظورات. 
فالرئيس ويلسون يحاول فرض حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها» حتى وإن 
كان يقصد بالأخص الشعوب الأوروبية. والولايات المتحدة» بوصفها شريكة لدول 
الوفاق لا حليفة لهاء ليست مرتبطة بالاتفاقات السرية المعقودة بين الدول 
الأوروبية. وهي لم تعلن الحرب على الدولة العثمانية بل تسعى إلى مراعاة جانبها 
مؤقتا. والشاغل المباشر للمبشرين الأميركيين» جد المؤثرين لدى الرئيس ويلسون» 
هو نجاة الأرمن والعرب الذين يشكلون معظم زبائنهم المحليين. 

وتبرز النقطة الثانية عشرة من نقاط ويلسون الأربع عشر في أبريل/ نيسان 
التصور الأميركي: «إن الجزء التركي من الدولة العثمانية الحالية يجب 
الاعتراف له بسيادة كاملة» لكن الأمم الأخرى الواقعة اليوم تحت السيطرة التركية 
يجب أن تحصل على ضمان كامل لأمن وجودها وأن تتاح لها الفرصة؛ بعيذا عن 
أي ضغطء لتحقيق تطورات مستقلة. ويجب لمضيق الدردنيل أن يكون مفتوحا دائما 
للمرور الحر لسفن ولتجارة جميع الأمم في ظل ضمانات دولية». 


1ه 


والحال أن سايكس هو واحد من أوائل من أدركوا التحولات الجارية. فبقدر 
تقدم الجيوش البريطانية في بلاد الرافدين وفي فلسطين؛ يُبرز في التصريحات 
العلنية ما يشبه بشكل متزايد باطراد حقا في تقرير المصير الذاتي. وفي الخطاب 
على الأقل؛ كان يجب التخلي عن الإشارة إلى الإمبريالية وكان يجب الاندراج في 
خطاب حق القوميات الجديد. وفي مذكرة ترجع إلى النصف الأول من عام 
بشأن بلاد الرافدين» يجيد سايكس التحدث بقوة: «موقعنافي بلاد 
الرافدين» إذا حكمنا عليه بموجب معايير ما قبل الحربء موقع جيد. فقواتنا قادرة 
تمامًا على السيطرة على البلد. والسكان هادئون. وسلطتنا تتمتع بالشعبية. وعلاقاتنا 
مع القبائل المجاورة ودية إلى أقصى حد. ولو لم تكن أميركا قد دخلت الحرب؛ ولو 
لم تكن الثورة الروسية قد وقعت؛ ولو لم تكن فكرة عدم الإلحاق قد تجذرت؛: ولو 
كانت روح العالم الآأن هي روح عام 184817ء لما كان هناك من داع لأن نتخذ 
تدابير لتدعيم موقعنا في مواجهة مؤتمر صلح, فقد كان من شأنه أن يكون جيذا بما 

«بيد أن علينا النظر إلى المشكلة من خلال عدسات جديدة تمامًا. فالإميريالية 
والإلحاق والانتصار العسكري والهيبة وعبء الرجل الأبيض قد أزيلت من المعجم 
السياسيء ومن ثم فإن الحمايات ومجالات المصالح أو النفوذ والإلحاقات والقواعدء 
إلخ.» يجب رميها في غرفة المهملات الدييلوماسية. 

«وإذا كان على الإنجليز إدارة بلاد الرافدين» فإن علينا العثور على أسباب 
حديثة (/4 0) م:) للتصرف في هذا الاتجاه. كما أن عينا العشور على صيغ 
جديدة لتسيير البلد. وعلينا إقناع ديموقراطيتنا نحن بأن على الإنجليز أداء المهمة 
والتصرف بالشكل نفسه مع ديموقراطيات العالم». 

وضمن هذا المنظور يمكن فهم اللجوء إلى الصهيونية والذي يُعدُ سايكس أول 
المبادرين به. فهي حركة قومية ترضي الأنجلو- ساكسون البروتستانت ومن شأن 
إشباع مطلبها الخاص بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين أن يسمح باجتذاب 
تأييد اليهود الأميركيين جد المؤثرين والذين كانوا يعتبرون حتى ذلك الحين موالين 
للألمان وأن يسمح كذلك باجتذاب تأبيد اليهود الروس الذين لا توجد فكرة واضحة 
عن دورهم في روسيا الثائرة. وأخيراء فإن الحركة الصهيونية أداة لإعادة النفر 


خرن 


في الاتفاقات الفرنسية - البريطانية» على الأقل في جانبها المتعلق بتدويل فلسطين. 
ولا يجب أن ننسى عامل مراعاة الاختلافات والذي يحدد يهود العالم» من دون 
اعتراض خاصء على أنهم يشكلون «شعبًا يهوديًا»» في حين أن رؤية الفرنسبين 
الاستيعابية ترفض هذا التصور. فالإسرائيلي هو المقابل اليهودي للمشرقي 
لمتتمواع آ]. 

وحول هذا الملف» يتمتع سايكس بتأبييد إنجليز مصر الذين يريدون قبل كل 
شيء جعل فلسطين منطقة تحت السيطرة البريطانية سعيًا إلى توفير حماية أفضل 
لقناة السويس. ويرى بعضهم؛ كتوماس إدوارد لورانسء الذي انخرط في القورة 
العربية جسذا وروحًا مغامر! بحياته؛ أن من الواجب إعادة النظر في مجمل 
الاتفاقات الفرئسية - البريطانية. وقد حثد لورائنس لنفسه مهمة توصيل الأمير 
فيصلء ابن الشريف حسين وقائد جيش الجنوب؛ إلى دمشق: فبهذا الشكل يمكن 
إيجاد أمر واقع يضع التقسيم موضع الشك. ويصطدم لورانس بسايكس الذي 
يحرص على التعاون مع فرنسا. وبالمقابل» يمتنع الأول عن أي تدخل في فلسطين 
ويبدو معاديًا لتجنيد عرب فلسطينيين. 

ويتقاسم لورانس وسايكس رؤية عامة واحدة. فهما يريان نوها من ربيع 
شعوب شرقية (أرمن وكرد وعرب ويهود) سوف تتحرر تحررا نهائا من 
العثمانيين وستحيا في وفاق جيد تحت وصاية البريطانيين المقيولة ولكن المؤقتة. 
وهما لا يريان الخطر الناجم عن تناقض الأهداف القومية لكل شعب من هذه 
الشعوب ويحاولان تدارك النزاعات المتوقعة بالدعوة إلى إخاء الأجناس والديانات 
وبالدعوة» في اللحظة المباشرة» إلى الاعتدال في التعبير عن المطالب. والحال أن 
بعض الفرنسيين؛ كلويس ماسينيون» وهو آنذاك عضو نشيط في بعثة بيكو المكلفة 
بتمثيل المصالح الفرنسية في الشرق الأدنى؛ يتقاسمون هذه الرؤية وإن كانوا 
يريدون إحلال الفرنسيين محل البريطانيين في مهمة تقديم المشورة. 

وعلى الرغم من تحذيرات عقول متبصرة من المدرسة القديمة كاللورد 
كيرزون» وبعد عدة صياغات متعاقبة» تعتمد الحكومة البريطانية في ” نوثمبر/ 
تشرين الثاني 1911 تصريح بلفور. 


م 


والتطور الذي حدث في عام 1131717 تطور رئيسي. وإذا كنا قد بقيفنْا ضمن 
منظورات السيطرة الأوروبية؛ فقد أصبح من المسلم به الآن أن مبدأ القوميات» وقد 
صار حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسهاء يسري على الجماعات السكائية 
المسلمة؛ أو» على الأقل» على بعضها. 


التحكيمات الأولى 

مع مجيء خريف 2191/8-194117 تتجمد العمليات العسكرية في الشرق 
الأدنى. ويُبدي الجيش العثماني الذي يقوده ضباط ألمان مقاومة بطولية على الرغم 
من علاقة قوى في عدد الجنود كما في العتاد أقل مؤاتاة دومًا. كما يتوقف النحف 
البريطاني بسبب سحب قوات [من 'الشرق الأدنى] لصالح الجبهة الغربية الأوروبية 
حيث ستدور المعركة النهائية. ويحدث الشيء نفسه مع جيش سالونيك؛ المسمّى 
بجيش الشرقء؛ والذي جرى تشكيله بعد الجلاء عن الدردنيل» وهو تحت قيادة 
فرنسية. 

وبعد انسحاب روسيا من الحرب وعقد معاهدة بريست - ليتوفسك في "” 
مارس/ آذار 19314١ء‏ تشهد الدولة العثمانية زوال خطر العدو التاريخي. وهي 
تسترد أراضي كارس وآرداخان وباطوم القوقازية التي فقدتها في عام 7ا141. 
وتجد جماعة تركيا الفتاة غواية قوية في تحقيق وحدة جميع الشعوب التركية مسن 
البحر المتوسط إلى الصين باستعادة الأفكار الطورانية. ومن شأن المرحلة الأولى 
أن تتمثل في فرض السلطة العثمانية على مجمل القوقاز عبر تحطيم مقاومة الدول 
المسيحية الآخذة بالتشكل (جيورجياء أرمينيا). وتعترض ألمانيا على ذلك باسم 
الأولوية التي يجب أن تُعطى لمواجهة الخطر البريطاني. على أن وصول قوات 
بريطانية إلى باكو يُعَدَلَ المعطيات. ويتم شن الهجوم العثماني النهائي في مستهل 
سبتمبر/ أيلول ١11‏ وينجح في التغلغل حتى أذربيجان. وإذا كان الوقت قد تأخر 
كثيرًا بالفعل بالنسبة للدولة العثمانية» فإن القوقاز إنما تغرق في دورة حروب 
يخوضها الجميع ضد الجميع. 

وسحب قوات من الجبهة الروسية يمنح الألمان على الجبهة الغربية تفوقا 
عدديًا مؤقتًا قبل وصول القوات الأميركية ويتعين على الفرنسيين والبريطانيين 


إفرن 


التصدي ل«الضربات العنيفة» من جانب الجيش الألماني باستخدام قدراتهم على 
تحريك قواتهم الاحتياطية الاستراتيجية بسرعة. وبقدر تحول حرب المواقع إلى 
حرب تحركات؛ تصبح الميزة الهائلة المتمثلة في التزود بالبترول ميزة حاسمة 
بشكل متزايد باطراد. وتتمتع جيوش الحلفاء في عام ١51+‏ على نطاق واسع 
بمركبات ودبابات وطائرات. واعتبارا من أغسطس/ آب 131. ينتقل الحلفاء إلى 
الهجوم ويهاجمون من طرف من أطراف الجبهة إلى الطرف الآخر بلا توقف. 
وبحسب تعبير اللورد كيرزونء؛ فإنهم يحرزون النصر راكبين موج البترول. وفي 
الأوساط الحاكمة الفرنسية» يجري التفكير بلغة «سوريا نافعة» تسمح بالوصول إلى 
الموارد البترولية مما بلغة «سوريا الطبيعية» التي من شأن تكاليف إدارتها أن 
تكون باهظة بشكل خاص آياسًا إلى مكاسب غير مؤكدة. 

وفي غمرة الانتصارات الأولى لدول الوفاق» تنتقل الجيوش المحيطية إلى 
الفعل في منتصف سبتمبر/ أيلول ١414‏ سواء كان ذلك في العراق أم في فلسطين 
أم في سالونيك. ويؤدي انهيار بلغاريا في 75 سبتمبر/ أيلول إلى عزل 
الإمبراطورية العثمانية التي تصبح عاصمتها عرضة للخطر. وفي مستهل أكتوبر/ 
تشرين الأول» يحاول العثمانيون فتح مفاوضات للهدنة» لكن البريطانيين يريدون 
أولاً الاستيلاء على الحد الأقصى من الأراضي لكي يكونوا في موقع قوة عند 
التسوية النهائية. 

وفي سورياء تدخل قوات الأمير فيصل دمشق في الأول من أكتوبر/ تشرين 
الأول .١1418‏ ويفرض الفرنسيون سلطتهم في بيروت في العاشر من أكتوبر/ 
تشرين الأول. 

ومن نواج كثيرة» تعد هدنة مودروس الموقعة في ١‏ أكتوبر/ تشرين الأول 
6 استسلامًا فرضه البريطانيون من جانب واحد من دون تشاور مع حلفائهم. 
وهي تفتح من دون شرط كل الأراضي العثمانية أمام قوات الحلفاء. وفي الأسابيع 
التالية» يجري احتلال العاصمة إلى جانب جزء من الولايات الأناضولية. 

وفي اللحظة التي تنهار فيها الدولة العثمانية؛ يتضح التقل السياسي للولايسات 
المتحدة بشكل متزايد باطراد. ويوضح ويلسون بجلاء عداءه لتكوين مناطق نفوذ 
وتفضيله لوصاية على الأقاليم المفتوحة تمارسها دولة محايدة باسم عصبة الأمم. 
وسعيًا إلى أرضائه (وإلى كسب الوقت)» تنشر فرنسا وبريطانيا العظمى» بعد 


هركن 


التشاور معه: بيانا مشتركا في 7 نوقمبر/ تشرين الثاني 201414): «إن الهدف 
الذي تتوخاه فرنسا وبريطانيا العظمى من وراء خوضهما في الشرق الحرب التي 
أطلقها الطمعٌ الألماني؛ هو التحرير الكامل والنهائي لشعوب تعرضت على مدار 
زمن جد طويل للاضطهاد من جانب الترك وإقامة حكوماتٌ وإدارات قومية؛ تستمد 
سلطتها من مبادرة الجماعات السكانية الأهلية ومن خيارها الحر. 

«ولتحقيق هذه المقاصد؛ اتفقت فرنسا وبريطانيا العظمى على تشجيع 
ومساعدة إقامة حكومات وإدارات أهلية في سوريا وفي بلاد الرافدين المحررة 
حاليًا من جانب الحلفاء أو في الأراضي التي يتوخون تحريرها ولأجل الاعتراف 
بهذه الحكومات والإدارات بمجرد قيامها بالفعل. وبعيذا عن الرغبة في فرض هذه 
المؤسسات أو تلك على سكان هذه المناطق» ليس لديهما ما تحرصان عليه سوى 
تأمين سير العمل الطبيعي للحكومات والإدارات - التي سيحصلون عليها بحرية- 
عبر دعمها وعبر مساعدة فعالة. إِنْ تأمين قضاء محايد ومنصف للجميع وتسهيل 
التنمية الاقتصادية للبلد عن طريق حفز وتشجيع المبادرات المحلية وتشجيع نشر 
التعليم وإنهاء الانقسامات التي استغلتها السياسة التركية على مدار زمن جد طويل: 
ذلك هو الدور الذي تتبناه الحكومتان المتحالفتان في الأراضي المحررة.». 

وتترتب على الإشارة إلى سوريا أثار محلية عديدة. وهكذا ففي فلسطين 
المحتلة من البريطانيين» يجري ادعاء انتماء إلى «سوريا الجنوبية» للاستفادة من 
وعود البيان ولاستخدامها ضد الأطماع الصهيونية. وفي نوريا نفسهاء يُعَدُ الوضع 
مشوّشا بشكل خاص. فخصوم فيصل يعلنون أنهم سوريون ويرفضون العرب 
بوصفهم بدوًا مجردين من التمدن. ويتخذ الموقف نفسه المسيحيون الموالون 
للفرنسيين. والبيان الفرنسي - البريطاني لا يشير إلى العرب. فيتصرف فيصل 
ومستشاروه بذكاء طارحين أنفسهم كقوميين يرفضون الانتماء الديني («لكل امسرئ 
ديانته والوطن للجميع») وبانين خطابًا تركيبيًا يخاطب «الأمة العربية السورية». 

إل أنه في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول يذهب كليمنصو إلى لندن للقاء 
لويد جورج. وهدفه هو تذليل الصعوبات الآتية من الشرق الأدنى ضمن إطار 
التسوية العامة للحرب. وخلال لقاء من دون شاهدء يترك كليمنصو فلسطين وولاية 
الموصل للبريطانيين في مقابل ضمانات بشأن المسائل البترولية والتسوية العامة. 


عه 


وعند انعقاد مؤتمر الصلح.؛ يبدو الأميركيون بوصفهم المحكمون في الموقف. 
وشعبية الرئيس ويلسون طاغية. وإذا كان معاديًا لأسس الإمبريالية الأوروبية: فإنه 
مقتنع مع ذلك بأن الجماعات السكانية غير الأوروبية ليست ناضجة للاستقلال وبأن 
من الضروري الوصاية عليها مؤقتا. فيتحول مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها 
بنفسها إلى مبدأ رضاء المحكومين وحده. وعلى هذا الأساس بالتحديد يجري اعتماد 
المادة 7١‏ الشهيرة من ميثاق عصبة الأمم في 98 أبريل/ نيسان ١915‏ في 
فرساي: .١«‏ تنطبق المبادئ التالية على المستعمرات والأراضي التي لم تعد» على 
أثر الحرب؛ تحت سيادة الدول التي كانت تحكمها من قبل والتي تسكنها شسعوب 
ليست قادرة بعذ على حكم نفسها بنفسهاء في ظروف العالم الحديث الصعية صعوبة 
خاصة. إن رفاهية وتطور هذه الشعوب يشكلان رسألة مقدسة للعالم المتمدن» ومن 
المناسب تضمين هذا الميثاق ضمانات من أجل إنجاز هذه الرسالة. 

«". إن الطريقة الأمثل لتحقيق هذا المبدأ عمليًا هي تخويل الوصاية على هذه 
الشعوب للأمم المتقدمة المؤهلة» بحكم مواردها أو خبرتها أو موقعهاء لتحمّل هذه 
المسؤولية على أفضل نحؤ والتي توافق على قبولها: ومن شأنها ممارسة هذه 
الوصاية بوصفها منتدبة وباسم العصبة. [...]. 

«4. إن بعض الجماعات, التي كانت تنتمي في السابق للدولة العثمانية: قد 
بلغت درجة من التطور بحيث إن وجودها كأمم مستقلة يمكن الاعتراف به مؤقتاء 
شريطة أن توجه نصائح ومساعدة دولة منتدبّة إدارتها حتى اللحظة التي تكون فيها 
قادرة على التصرف بمفردها. ولا بد من مراعاة أماني هذه الجماعات بالدرجة 
الأولى فيما يتعلق باختيار الدولة المنتدبة.». 

وفي أن واحدء يشكل مبدأ الانتدابات تجسيذا للاندفاعة الأخيرة للإمبريالية 
الأوروبية في العالم الإسلامي وفي الوقت نفسه شجبًا لها بما يعد واحذا من 
مكتسبات تطور العلاقات الدولية خلال الحرب العالمية الأولى. ويمكن فهم هذا 
التحول؛ في أن واحدء من زاوية التطور الطويل للمجتمعات الإسلامية المستقلة في 
سيرورة تحديثها المعقدة ومن زاوية الآثار المترتبة على سياسات المتحاربين خلال 
الحرب والساعين إلى إثارة السكان «الأهالي» في الإمبراطوريات المعادية» ومن 
زاوية التأكيد الصعب لقانون دولي جديد قائم على المساواة فيما بين الشعوب؛: ومن 


4ه 


زاوية إعادة تعريف المصالح الاقتصادية للدول العظمى جراء انبشاق الرهانات 
البترولية. 

وفي اللحظة المباشرة» تبقى الإمبراطوريات الاستعمارية في أراض إسلامية» 
لكن التوسع الاستعماري يتوقف جرّاء عجز الشرعية كما جرّاء اتضاح أن هذه 
الإمبراطوريات نفسها يصبح من الصعب بشكل متزايد باطراد إدارتهاء من حيث 
تكاليف الإدارة كما من حيث العبء المتزايد الذي ينطوي عليه حفظ النظام الداخلي 
والحماية من التهديدات الخارجية. والحال أن المنظومة البريطانية همي الضحية 
الأولى لهذا منذ مستهل حقبة ما بعد الحرب. 


مولد الشرق الأوسط 

في مستهل عام 919١ء‏ تبدو القوة البريطانية في العالم الإسلامي غير قابلة 
للتصدي لها. فنحو مليون من الجنود يرابطون من مصر إلى أفغانستان في بلدان 
تعد من الناحية النظرية مستقلة أو مستعدة للاستقلال. وحتى مع أننا بإزاء قوات 
كولونيالية إلى حد بعيد» فإن هذا العبء يصبح غير محتمل بالنسبة للماليات 
البريطانية بعد النفقات الباحهظة التي تطلبتها الحرب. ثم إن القوات «البيضاء» 
المنبثقة من التطوع أو التجنيد للدفاع عن الوطن لم تعد تحتمل إبقائها في ظروف 
عسكرية. والتأخر في تسريح القوات يستثير في كل مكان تقريبًا عصيانات مقلقة 
بشكل خاص. ويتطلب الأمر بضعة شهور لإدراك أن الإمبراطورية مترامية 
الأطراف أكثر من اللازم وأن من الضروري القيام بانسحاب أو على الأقل إجراء 
إعادة انتشار. 

وينشب الجدل بين المدافعين عن إمبريالية كلاسيكية مستندة إلى عبء الرجل 
الأبيض والداعين إلى «إمبريالية جديدة» من شأنها أن تتحقق عبر تنازل سريع عن 
السلطات لسلطات محلية مع ضمان حفظ المصالح الحيوية البريطانية. وبالنسبة 
للأكثر جسارة في المجموعة الثانية كتوماس إدوارد لورانس» يصل الأمر إلى حد 
إمكان تصور تكوين في الأمد المتوسط ل «دومينيون أسمر» إسلامي في داخل 
الكومونويلث الآخذ بالتشكل. والأفق هو بالفعل أفق تكوين دول وأمم. والحال أن 
الثورة المصرية في عام ١119‏ والمأزق السياسي الذي أعقنهاة وانسحاب القوات 


ومع 


البريطانية من سورياء والاضطرابات في فلسطين في عام ١17١‏ والثورة العراقية 
المعاصرة لها إنما تبرهن على استحالة مواصلة تطبيق الصيغة الإمبريالية القديمة. 
ووصول ونستون تشرشل إلى وزارة المستعمرات في عام ١15١‏ وإنشاء إدارة 
الشرق الأوسط يضفيان طابعًا مؤسسيًا على الصيغة الجديدة. 

والحال أن الشرق الأوسطء والذي عَرّفه البعض على نحو ساخر بأنه 
المساحة الموجودة بين وزارة المستعمرات ووزارة الهند» سوف يجري إيقاؤه 
خارج البناء المؤسسي للإمبراطورية البريطانية. وسوف يتألف من دول «مستقلة» 
ترتبط ببريطانيا العظمى بمعاهدات ثنائية. وسوف تكفل هذه المعاهدات امن «طرق 
المواصلات الإمبراطورية» المعرفة بأنها الطرق البحرية (قناة السويس والبحر 
الأحمر والخليج الفارسي) والطرق الجوية (شبكة من المطارات العسكرية بسبيلها 
إلى أن تنشأ وتسمح بالذهاب من إنجلترا إلى الهند بالمرور دومًا فوق أراض واقعة 
تحت السيطرة أو النفوذ البريطانيين) وخطوط أنابيب النفط التي سيجري مدقا 
ومما له دلالته أنهم لم يعودوا يتحدثون» خلافا لما كان في مستهل القرن» عن 
السكك الحديدية. والحال أن الجيوش الجديدة سوف يتم تأطيرهاء مؤقنًا على الأقل؛ 
يححاظ بويطاليين سوت يقومون بتنظيمها. وسوف يجري اختزال الانتشار 
العسكري المحلي اختزالاً ملحوظا لصالح السلاح الجوي القادر على ضرب 
المناطق المتمردة في أي مكان. 

والإمبراطورية» عن طريق المعاهدات» بدعة جذرية. فهي تتخلى عن المفهوم 
التقليدي الخاص بالأراضي لصالح المفهوم الخاص بالشبكات الهادفة إلى الحفاظ 
على الجزء «النافع» من الفضاءات الجديدة. وهي تنطوي على تغير في العقليات 
من جانب المديرين الاستعماريين الذين يجب عليهم أن يقبلوا فكرة نقل سريع إلى 
هذا الحد أو ذاك للاختصاصات لصالح النخب المحلية. إلا أنه إذا كان لا مفر مسن 
أفول السلطة المباشرة» فإن النزعة التدخلية سوف تظل أحد المعطيات الثابتة. 
والحال أن المندوب الساميء ثم السفير البريطاني؛ سوف يكون فاعلاً مستديما في 
المشهد السياسي مسؤولاً عن السهر على إيقاء أطقم مناسبة للمصالح البريطانية في 
السلطة. 


61 


والمختَيْرْ هو الانتداب البريطاني على العراق مع إقامة ملكية في عام 15١‏ 
عَهِد بها إلى فيصل الهاشمي. ويتم خلق شرق الأردن في العام نفسه عن طريق 
فصله عن فلسطين ويصبح إمارة على رأسها عبد اللهء الأخ الأكبر لفيصل. 
وتحصل مصر في عام ١477‏ على استقلال في ظل تحفظات مصيرها أن تُمنوئى 
بموجب معاهدة. وتظل البلدان العربية المطلة على ساحل الخليج محميات مع تدخل 
بريطاني ضعيف في الشؤون الداخلية. أمّا المملكة السعودية الآخذة بالتتشكل فيتم 
إدراجها في الترتيبات البريطانية ويبدو ابن سعود شريكا مسصغيًا للقفوة العظمى 
السائدة. 

وفي شرق البحر المتوسطء يبدي الفرنسيون إعجابهم بالنموذج البريطاني 
ويخشونه. ففي البداية» أرادوا المضي في الاتجاه نفسه ساعين إلى شراكة مع 
فيصل. وقد تسبب المتطرفون من المعسكرين في فشل التسوية التي جرى تصورها 
في أواخر عام 119١؛‏ ويحتل الجيش الفرنسي دمشق في يوليو/ تموز .157١‏ 
ومنذئذ» يجري تعريف القومية العربية بأنها العدو. ليس فقط بحكم قدراتها على 
الإزعاج في الشرق الأدنى؛ وإنما أيضنا بحكم خطر امتدادها إلى الشمال الأفريقي. 
ويتم تبني خيار التقسيم الترابي. على أن الأفق إنما يتمثل في الأمد المتوسط بالفعل 
في الوصول إلى الاستقلال مع نقل الاختصاصات التقانية والسياسية. 


الإسلام والقومية 

كانت استحالة فرض سيطرة مباشرة أوروبية قد دلت عليها حرب استقلال 
تركيا. وخلال مؤتمر الصلح؛ لم تكن رغبة الأوروبيين في إدارة الأناضول قوية 
وكانوا على استعداد لأن يعهدوا بها إلى الأميركيين على شكل انتداب. وقد ارتأت 
معاهدة سيقر في ٠١‏ أغسطس/ آب ١17١‏ تقسيما للأناضول بين الدول الأوروبية 
ودولتين كردية وأرمنية. بما لا يترك للترك سوى وسط شبه الجزيرة. والحال أن 
الحركة القومية التي يقودها مصطفى كمال المنشق منذ عام ١514‏ إنما يغتنمى هذا 
الظرف لكي يؤلف بين كل المسلمين. وتعقب ذلك حرب استقلال منهكة ترد 
الفرنسيين إلى سوريا وتطرد اليونانيين. وتسجل معاهدة لوزان في 74 يوليو/ تموز 
١7*‏ موت الدولة العثمانية وتكرس وجود تركيا مستقلة تمانا (جرى إلغاء 


عه 


الامتيازات بصفة نهائية) بعد الإلغائين المتعاقبين للسلطنة والخلافة العثمانيتين. 
ويجري إعلان الجمهورية في 79 أكتوبر/ تشرين الأول 1371. 

ومشروع الكمالية هو بناء دولة - أمة تركية ذات قوام سكاني مسلم أساسنا 
وإن كانت تنتمي تمامًا إلى أوروبا. وهذا ثورة ثقافية مفروضة من فوق بحسب 
خطة منهجية ومتماسكة. فالرغبة المعلنة هي أن تصبح تركيا دولة حديثة. 
وتبادلات السكان مع اليونان تكرس اختفاء الجماعات المسيحية الأناضولية الكبرى 
التي تعرضت في الفترة السابقة للمذابح وللترحيلات القسرية. ويراد للقطيعة مع 
الماضي أن تكون قطيعة كلية. فيجري فرض العلمانية بوصفها علامة على التقدم. 
ويتعرض للحظر كثير من العلامات الخارجية للممارسات الديئية وما يبقى من 
المؤسسات الدينية يوضع تحت رقابة صارمة» إلى درجة أنه أمكن الحديث عن 
دولنة الدين. ويتم تبني الأبجدية اللاتينية في عام .١574‏ ويصبح استخدام الاسم 
العائلي» كما في الغربء إلزاميًا. وتحصل النساء على حق التصويت في عام 
6 : أي قبل عشر سنوات من حصول النساء عليه في فرنسا. وفي عام 
7 , يعد فوز امرأة تركية بلقب ملكة جمال العالم انتصار! قوميًا عظيمًا. 

والحال أن تعب السكان بعد أكثر من عشر سنوات رهيبة وهيبة منقذ الأمة 
إنما يسمحان بفرض ميثولوجيا قومية جديدة تجعل من الترك أحفاد أقدم سكان 
الأناضول (الحتيين) مع نفي تاريخ هذه المنطقة الممتد لعدة آلاف من السنين. 
والمشروع هو إعادة بناء أمة انطلاقا من الجماعة الفلاحية الأناضولية والسكان 
العديدين اللاجئين من البلقان ومن بقية أرجاء الدولة العثمانية التي اختفت من 
الوجود. ويحتدم الهوس باختلاق الميثولوجيات في ثلاثينيات القرن العشرين فيجعل 
من الترك أصحاب أكبر حضارة إنسانية. أمّا الأقليات غير المسلمة» أو بالأحرى 
ما بقي منهاء فيجري تهميشهاء كما يجري تجريد المسلمين غير الترك؛ بل وغير 
السنة» من أي هوية خاصة. والحال أن التمردات الكردية المدفوعة في آن واحد 
بالدفاع عن الإسلام وبالخصوصية الإثنية إنما يتم قمعها بقسوة. 

وتتحقق الأوربة عبر الثياب كما عبر تبني نظم قانونية بأكملها. ويبدو النظام 
الجديد سلطويًا بشكل خاص وتبدو نزعته القومية مفرطة الحساسية حيال أي علامة 
من علامات التعدي الأجنبي. وتفضي الكمالية إلى إجماعية قومية ترفض أي 


لعدذية. 


اكت 


والحال أن جمهورية تركياء بنزعتها القومية وإقصائياتهاء إنما تعد قريبة تماما 
من الدول البلقانية التي ظهرت بعد زوال الدولة العثمانية. كما أنها توقع ميثاقا 
بلقانيًا في عام .١1375‏ وعلى الرغم من أن سكانها مسلمون؛ إل أنها تعبر عن 
رفض للتراث الإسلامي المخلوط بتراث العرب. والحاصل أن العلمانية والحدائة 
إنما يعطيان صورة جديدة للبلد في أوروبا سواء كان .ذلك في الديموقراطيات أم في 
الأنظمة الشمولية. 

وقد حاول البريطانيون الاستفادة من ظرف عام ١1173‏ وامحاء روسيا لفرض 
شبه حماية على فارس. وحتى إذا كانت الحكومة تقبل هذا الاتفاق» إلا أن من غير 
الممكن الحصول على تصديق برلماني عليه ويبدو البلد على حافة التفكك بعد 
نوائب الحرب العالمية الأولى. وتؤدي انتفاضة قومية إلى انقلاب في ”١‏ فبراير/ 
شباط ١97١ء‏ بقيادة رضا خانء قائد اللواء القوزاقي. . ويصبح الجيش القوة 
الرئيسية المنظمة ويستعيد تدريجيًا الوحدة الترابية للبلد. . وفي عام 11705.؛ يخلع 
رضا خان الأسرة الملكية القاجارية ويؤسس أسرته الملكية هوء حيث كان رجال 
الدين معادين لفكرة الجمهورية بسبب المثال الكمالي. 

ويطرح الشاه الجديد رضا بهلوي نفسه بدوره بوصفه تحديثيًا سلطويًا. ويتمثل 
أول نجاح كبير له في إلغاء الامتيازات في عام ١1128‏ بفضل اعتماد قانون مدني 
وتشريع جزائي يستلهمان نماذج أوروبية إلى حد بعيد. ويحاول النظام الجديد 
إرساء نزعة قومية قائمة أساسا على استحضار الأمجاد السابقة على الإسلام. وفي 
عام 21975 يتخذ البلد اسم إيران الذي؛ وإن كان شائع الاستخدام بين السكان؛ 
يسمح خاصة بفرض صورة للبلد في الخارج أحدث من صورة فارس. ويجري 
تطوير التعليم العلماني؛ بل والأنثوي. ويتعرض رجال الدين الشيعة الرافضون لهذه 
الإصلاحات لقمع قاس. وفي عام 21175 يجري حظر ارتداء الحجاب. على أن 
خطاب النظام الجديد ليس خطاب التغريب؛ خلافا لخطاب جمهورية تركيا. ويجري 
تعريف مساهمة أوروبا من زاوية التقانات والأدوات؛ أمّا الإحالة الثقافية فهي إلى 
إيران قبل الإسلام. وهكذا فإن التقويم الشمسي الذي جرى اعتماده إنما يحيل إلى 
التاريخ الإيراني. 

وقد قطع رضا شاه شوطا أقل بكثير من مصطفى كمال في طريق العلمنة. 
وقد سمحت حكومته القاسية إلى أقصى حد بتحولات تقافية واقتصادية مهمة. كما 


7ه 


نجح في استعادة الدولة الإيرانية وم سلطته على مجمل الأرض الإيرانية. وحل 
الاتحاد السوقييتي محل روسيا القيصرية بوصفه العدو الشمالي. وسعيًا إلى الحد 
من النفوذ البريطانيء انخرط الشاه البهلوي الأول في اختبار أول للقوة بشأن 
الامتيازات البترولية لشركة النفط الأنجلو- فارسية المكتوب لها أن تصبح شركة 
النفط الأنجلو - إيرانية. وفي ثلاثينيات القرن العشرين؛ سعى إلى تقارب معين مع 
ألمانيا النازية حتى يكفل استقلال بلده بشكل أفضلء مؤججا بذلك انزعاجات 
بريطانيا العظمى. 

وكما في حالة الكمالية يبدو أن الاستقلال السياسي المكتسب عن أوروبا 
لا بد له من أن يتحقق عبر سياسة إرادوية قوامها التحديث/ الأوروبة على حساب 
المؤسسات الدينية التقليدية وتندرجٌ في استمرارية الإصلاحية النخبوية التي عرفتها 
الأزمنة السابقة. والحال أن التجربتين التركية والإيرانية إنما تمثلان أوج؛ بل 
الوصول إلى حدود الإصلاحية السلطوية للدولة والتي ميزت الفترات السابقة. 
وتكمن مأثرتهما في استعادة احترام الذات بفضل الاستقلال المستعاد وإذكاء أمجاد 
قومية ذات طابع ميثولوجي إلى حد بعيد. على أن ثمن هذا فادح. فالإصلاحية 
السلطوية قد أحدثت؛ بأكثر أيضنا مما في القرن التاسع عشرء طلاقا صادما بين 
استمرارية الثقافة الإسلامية والحداثة مع تجريد هذه الأخيرة من مكونها الرئيسيء 
ألا وهو قبول السكان المعبر عنه من خلال مؤسسات ليبرالية وديموقراطية. 

وهنا يتشكل شرك رهيب. فأبسط ارتخاء للسلطوية إنما يجازف بأن يكون 
مصحوبًا بردة فعل إسلامية رافضة في نهاية المطاف لمجمل الحداثة المستوردة. 


الهند البريطانية وشراك الطائفية 

تعد الهند البريطانية: في النصف الثاني للقرن التاسع عشرء بؤرة محورية 
بشكل خاص للإصلاحية الإسلامية التي تتطور بشكل مواز مع إصلاحية في 
الهندوسية ذات طبيعة مماظة. والحال أن العودة إلى الأصول إنما تتحقق عبر لجوء 
متزايد إلى مصادر الإسلام العربية. وكما في بقية العالم الإسلامي» تميل 
الإصلاحية إلى الانقسام في مستهل القرن العشرين إلى حداثية وأصولية. 

وحتى الحرب العالمية الأولى: بدا المسلمون الهنود بوصفهم الداعمين الأكثر 
حزما للسيطرة البريطانية. وكانت الحرب ضد الدولة العثمانية» الخلافة المعترفا 


5ه 


٠. 


بها للإسلام السني؛ محنة رهيبة. وفي عام 1414»؛ نجد لأول مرة أن حركة شعبية 
قوية تَوَحَدْ المسلمين الهنود باسم الحفاظ على الخلافة. وهي تشهد عدة حوادث 
أعمال عنف قبل أن تتلاشى أمام واقع إلغاء مصطفى كمال للخلافة. والحال أن 
حزب المؤتمر الذي يقوده غاندي قد قذم لهذه الحركة دعمه؛ لكن النتائج كانت 
غائمة بشكل خاص. وتحيل تيمة الخلافة إلى تيمة إقامة دولة إسلامية خالصة ومن 
شأن استقلال الهند في نهاية المطاف أن يطرح مسألة وضعية المسلمين القادمة. 
والمطلب المعتمدُ أنذاك هو تكوين دائرة انتخابية مسلمة هندية منفصلة سعًا إلى 
السماح باقتسام للسلطات بين المسلمين والهنود. 
وإذا كان بعض المسلمين يشاركون في الحركة الغاندية باسم رسالة العدالة 
الإنسانية الشاملة المتضمنة في القرآن» فإن الاتجاه الأقفوى هو اتجاه الطائفية 
(0077171116/157) الجامعة للمسلمين باسم مصالحهم الخاصة على حساب 
التماهيات المناطقية أو القومية التي تربطهم بالهندوس. وبالمقابل: فإن تيمات 
الجامعة الإسلامية تهمهم؛ خاصة مسألة فلسطين. 
والحال أن البريطانيين قد بدءوا سيرورة نقل السلطات بإتاحتهم للأهالي 
الوصول إلى تولي الوظائف العامة الرفيعة وبزيادتهم لسلطات المجالس الإقليمية 
المنتخبة. وفي عام 475١؛‏ يصبح الحكم الذاتي الإقليمي واقعًا. والهدف المعلن هو 
الوصول التدريجي إلى وضعية الدومينيون. وفي البنى السياسية الجديدة.» جرى 
تشكيل دوائر انتخابية منفصلة للأقليات ومن بينها الأقلية المسلمة. وبحسب الأهمية 
العددية للمسلمين» فإنهم يحتلون موقعًا رئيسيًا في الأقاليم التي يمثلون فيها نسبة 
مهمة من السكان (البنغال» البنجاب) أو يضطرون في أماكن أخرى إلى الانحياز 
إلى حزب المؤتمر. ولا تعود الهوية الإسلامية مجرد هوية ثقافية» فهي تكتسب 
واقعًا سياسيًا من دون أن تنجح في التعبير عن نفسها ضمن أفق يشمل كل الهند؛ 
ومن هنا حدوث تململ مقيم يجد لنفسه ترجمة في موقف دفاعي وفي المطالبة التي 
يعاد التأكيد عليها بوضعية خاصة مع قوانين أحوال شخصية وضمانات سياسية في 
مواجهة الأغلبية الهنئوسية: ويؤدي تكاثر أعمال العنق والطائفية» بين اهتوس 
والمسلمين إلى تعزيز هذا الشعور الانفصالي الذي لا يتخذ بعد شكل مطالبة بتكوين 
أرض متمايزة. 


وقد يتخذ خطاب حزب المؤتمر شكلاً مزدوجا. فيرى غاندي أن النزعة 
القومية الهندية يجب أن ترجع إلى مصادرها الدينية ؛ ففي ظل ملكوت الإلهه من 
شأن كل الجماعات الدينية أن تجد الحماية ومن شأن الفقراء أن ينهضوا من درك 
الفقر. أما نهرو فهو يرى أن تبني النموذج الاشتراكي والعلماني من شأنه أن يسمح 
بتجاوز المواجهات الدينية. ولا تكفي هذه التوجهات لتهدئة مخاوف الأقليات التي 
ترى في حزب المؤتمر التعبير السياسي عن الأغلبية الهندوسية. 

وقد قام القوميون الهندوس بتحميل البريطانيين المسسؤولية عن الانقسسام 
الطائفي للمجتمع؛ في حين أنهم بذلوا كل ما في وسعهم لإدارة وضع متزايد 
الصعوبة باطراد. والواقع أن حركة التحديث نفسها مع أنطوت عليه من توسيع 
للتعليم هي التي تنتج أشكال الوعي الطائفي الجديدة حيث نجد.ء من جهة؛ 
الإصلاحية الدينية الداعية إلى العودة إلى الأصولء وء؛ من الجهة الأخرى» 
استخدامًا سياسيًا للتاريخ. وبالنسبة للراديكاليين الهنود يُعْرْفْ الإسلام بوصفه كيانا 
غريبًا جرى فرضه بالعنف على الهند» وبعض المسلمين يشيدون بالأيام المجيدة 
للإمبراطوريتين التيمورية والمغولية لكي يطالبوا بالاعتراف بوجود أمتين 

وحيثما كان المسلمون أقلية بشكل خاصء؛ فإن اتجاه الأصوليين هو الدعوة إلى 
وجود ثقافة ومجتمع مسلمين يشكلان كلية في حد ذاتها قائمة على الاقتداء حعدة 
النبي. وتنقية الدين تتحقق عبر رفض كل من الثقافة الدينية الشعبية: المتهممة 
بالخرافة» والثقافة الاستعمارية. فينجم عن ذلك ورع قائم على المراعاة الصارمة 
للقواعد الدينية. وإذا كانت الانفصالية تعبر عن نفسها هنا بالانغلاق عن بقية العالم: 
فإنها تسمح؛ على نحو مُفارق» تان - عن أي مرجعية سياسية أو ترابية وبالعيش 

والوضع الهندي مثال مضاد لما يجري في تركيا وإيران. فغياب الحدائة 
السلطوية والإنشاء التدريجي لمؤسسات ليبرالية في سياق تعددية دينية يدفعان إلى 
تشكل انفصالية سياسية» بل اجتماعية. والحق أن هذا الاتجاه نجده أيضنًا في 
الهندوسية: رفض العادات التقليدية» إيجاد ممارسة قائمة على نص مقدس وعصر 
مرجعيين يجري اعتبارهما مثاليين» اللجوء إلى وسائل جديدة للدعاية والترويج 

647 


والاتصال (المطبوعات أسامناء في ذلك العصر). وعند المسلمين كما عند 
الهندوسء نجد أيضنا التأكيد على نزعة انفصالية ذات ميل سياسي (إقبال» غاندي) 
وحداثيين حريصين على إيجاد حلول للتوفيق بين التراث الديني بعد تنقيته والثقافة 
الأوروبية. ولأن المسلمين والهندوس كانوا جد متشابهين» فقد كانوا مدفوعين إلى 
التصادم أمام البريطانيين الذين يصبحون بلا حول ولا قوة بشكل متزايد باطراد. 


بناء دول في الشرق الأوسط 

إن الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسهاء حتى وإن كان يجد 
ترجمة له في صورة الانتداب الفاسدة» إنما يعني تعاقذا على بناء دول مصيرها أن 
تصبح مستقلة. ومن الناحية الحقوقية» تعلق صيغة الانتداب الامتيازات من دون أن 
تلغيهاء إلا أن من الواضح أن من غير الممكن العودة إلى الوراء. وتفرض 
ضرورتان رئيسيتان نفسيهما منذ البداية: استخلاص الاستنتاجات المترتبة على 
زوال الدولة العثمانية وأخذ وجود نزعة قومية عربية توحيدية في الحسبان. 

والحال أن الدولة العثمانية» بإدارتها الدينية السنية» لم تعترف بوجود مسلمين 
غير سنيّين في حين أن غير المسلمين قد حصلوا على وضعية طوائف منفصلة؛ 
وهي وضعية كرستها الدولة. ويؤدي اختفاء الدولة العثمانية إلى إعادة تعريف 
التنظيم الديني السني في إطار الفضاء الترابي الجديد للدولة. والحال أن «مفتين 
كبان!» أو «مفتييَ الجمهورية» إنما يحتلون الموقع الذي اختصت به المركزة 
الاسطمبولية..وفي الوقت نفسه؛ يسعى المسلمون غير السنيّين إلى التحرر من 
الوصاية السنية. 

وأخيراء فإن الدولة واقعة مؤقنًا على الأقل تحت سيطرة مسيطرين خارجيين. 
والنتيجة المترتبة على هذا الوضع الفعلي هي دفع المسلمين إلى تبني النموذج 
الطائفي الذين كان إلى ذلك الحين مقصورا على غير المسلمين. ويتحقق هذا 
التطور تدريجيًا وتسجله الأوامر الصادرة عن سلطة الانتداب» قم عن الدولة 
المستقلة. 

وليست سيرورة تحول المسلمين إلى طائفة تلاعبا من جانب السلطة 
الخارجية؛ لكن سياستها تتدخل فيهما بالضرورة. وتقرى فرنسا في دولتيها 
المشرقيتين وسيلة لمواجهة النزعة القومية العربية التوحيدية ولتبني رسالة نبيلة» 


تدك 


هي الاتجاه إلى تحرير جماعات بشرية كانت حتى ذلك الحين مُهَانةَ وراسفة في 
أغلال حالة إخضاع. وتنتهج بريطانيا العظمى سياسة مخالفة لذلك في العراقء إذ 
تعهد بإدارة أجهزة الدولة الجديدة إلى قوميين عرب سنة. وقد عبر الشيعة الين 
يُعْدَون الأغلبية عن معارضتهم الحازمة للبناء الانتدابي ولا يبدو أنهم كانوا يتمتعون 
بالنخب الضرورية لتسيير عمل الإدارة الجديدة. 

والحال أن الدول المنتدبة والتي يعد وجودها محدوذا (بضع مئات من 
الموظفين) قد غرفتء بتحديدها تعريفا ترابيًا وعاصمة؛ إطار الفعل السياسي للنخب 
السياسية المحلية. فعلى هذه النخب أن تتولى السيطرة على المجال المحدّد بهذا 
الشكل وذلك بكسب تبعية مجمل الأرض للعاصمة الجديدة. ويجب على بيروت أن 
تحصل على الاعتراف بصدارتها على مجمل لبنان» كما يجب أن تحصل دمشق 
على الاعتراف بصدارتها على سوريا مثلما يجب على القدس أن تحصل على 
الاعتراف بصدارتها على فلسطين» كما يجب على بغداد أن تحصل على الاعتراف 
بصدارتها على العراق. والحال أن منطقين مُكمّلين يمارسان فعلهما. فالإدارة 
الانتدابية نفسها تقوم بترتيب هيراركي للأرض على شكل دوائر إدارية. والطبقسة 
السياسية التي تخوض المعركة القومية ضد سلطة الانتداب تعمل في الوقت نفسه 
على فرض سلطة العاصمة ضد منافسيها (دمشق في مواجهة حلب؛ القدس في 
مواجهة نابلس أو حيفا). ويمر النضال في سبيل الاستقلال عبر تجريد مختلدف 
النزعات الإقليمية من الاعتبار إذ يجري اتهامها بالتواطؤ مع المسيطر الأجنبي. 

ويمضي التطور الاقتصادي في الاتجاه نفسه. فتعليق الامتيازات يسسمح 
بالزيادة المستمرة للرسوم الجمركية الحمائية وبنقل العبء الضريبي من الزراعة 
إلى الرسوم المفروضة على الواردات. وعبر هذه الآلية» يجري تقسيم فضاء 
الشرق الأدنى إلى وحدات اقتصادية متمايزة (تحتفظ فرنسا بالوحدة الاقتصادية 
لسوريا ولبنان عن طريق «المصالح المشتركة»)؛ بل متنافئسة. وتسمح ثورات 
الاتصالات أيضنا بتعزيز تفوق العواصم التي يمكنها الآن إسماع صوتها في كل 
مكان عن طريق التليفون والتدخل بسرعة عن طريق السيارات. 

وتعرف القومية العربية فترة انسحاب في عشرينيات القرن العشرين قبل أن 
تستأنف زخمها في الثلاثينيات. وتجري إقامة بنئ عربية جامعة جديدة. والحال أن 


كن 


العراق» المستقل منذ عام 1477١»؛‏ إنما يعتبر نفسه بالفعل بيمونت أو يروسيا الوحدة 
العربية. لكن النخب باستعادتها مشروع وحدة اندماجية إنما ترفض أن تٌراعي في 
خطاباتها الحقائق الواقعية الترابية والطائفية الجديدة التي تدرج فيها مع ذلك فعلها 
السياسي. بل إنها تمضي إلى حد تجريد هذه الحقائق الواقعية من اعتبارها مثلما 
فعات ذلك مع النزعات الإقليمية. 

وخلاقا للدول الجديدة؛ لا تتمتع القومية العربية لا بمركز محدّد («عاصمة») 
ولا بأرض محذدة. وبحكم هذاء فإن التنافس على السلطة يضع لا محالة البعصض 
في مواجهة البعض الآخر. وخلال فترة ما بين الحربين العالميتين» يطصرح 
الهاشميون أنفسهم كمدافعين عن الوحدة» في حين أن خصومهم» الذين يتبنون أحيانا 
خطابا أكثر وحدوية بكثيرء يعملون في واقع الأمر على تأكيد الحقائق الواقعية 
الدولتية الجديدة. 

والحاصل أن بريطانيا العظمىء مع استقلال العراق في عام ١977‏ ومعاهدة 
1 مع مصر والتي تفضي إلى إلغاء الامتيازات في عام 213727 إنما تتمسك 
بالدفاع عن «أمن طرق المواصلات الإمبراطورية». وتحاول فرنسا التوصل إلى 
حل وسط في عام ١57‏ مع القوميين لكنها ترجع إلى إدارة مباشرة في عام 
4 وتَشَدَدُ الدولتان الإمبراطوريتان موقفهما اعتبارا من خريف عام ١178‏ 
(مؤتمر ميونخ). والإمبراطوريات الكولونيالية جاهزة لدخول الحرب قبل 
المترويولات. 

والحال أن تجربة الانتداب: مع كل تعقيداتها» إنما تنتمي إلى الماضي 
الاستعماري كما إلى مستقبل وجوه تعاون مختلفة (عبر نقل الاختصاصات). ثم إن 
هندسة اجتماعية جديدة بسبيلها إلى أن تصاخ فتمهّدٌ السبيل أمام العلاقات التي 
ستنشأ في زمن الاستقلالات. ونجد وضعا مماثلاً أيضنا في مصر التي تتحرر من 
السيطرة الخارجية بشكل متزايد باطراد. وإذا كان من المبكر جذًا ساعتها الحديث 
عن «تقانيني نزع الاستعمار»».فإن رأسمالاً من الخبرات الجديدة بسبيله إلى 
التكون. 


القنابل الموقوتة: 
فلسطين والبترول والإسلام السياسي 

لم تكن فترة الانتداب فترة هدوء. فالانسحاب الأوروبي يجري بأشكال غير 
منتظمة يتلو أحدها الآخرء الأمر الذي يستثير نفاد صبر متزايد من جائب شعوب 
بسبيلها إلى التحرر. وقد ظل.العنف الاستعماري بُعذدًا مستديمًا خاصة خلال الشورة 
السورية في عام ١177‏ («الثورة الكبرى») والثورة الفلسطينية بين عامي ١955‏ 
و٠34!.‏ والحال أنه في أواخر عشرينيات القرن العشرين تدخل معاداة الإمبريالية 
في معجم النزعات القومية المحلية. وكلما تأكد الانسحاب الأوروبيء تعززت 
العداوة لأوربا. 

ولأسباب تتعلق بظرف سياسي طارئ وبتعاطفات ثقافية» دم البريطانيون 
تصريح يلفور في عام .١1111‏ ومنذ مستهل عشرينيات القرن العشرين» رصدوا 
التناقض الحاد الكامن في تعهداتهم. فإنشاء وطن قومي يهودي إنما يتعسارض مع 
«الحكم الحر» الذي وعدوا به السكان العرب. وقد حاولوا بكل الوسائل التمسك 
بتعهدهم المزدوج: لكن الواقع الذي رصدته اللجان الملكية لتقصي الحقائق كانت له 
اليد العليا. إن أي آلية لنقل السلطات غير ممكنة. وفي أفضل الأحوال؛» يمكن نقل 
بعض السلطات إلى بنى الجماعة اليهودية وبنى الجماعة العربية. وهكذا نجد أن 
الحاج أمين الحسيني» مفتي القدس الأكبرء يصبح الزعيم السياسي لعرب فلسطين 
المعترف به. 

والحال أن الاضطرابات المسماة باضطرابات حائط المبكى في أغسطس/ آب 
48 قد مدت المسألة الخطرة الخاصة بالأماكن المقدسة» والتي كانت حتى ذلك 
الحين مقتصرة على المسيحيين» إلى المسلمين واليهود. واستخدام هؤلاء وأولئك 
للمؤثرات الدينية يُوَلْدْ المواجهة الجديدة والقاتلة بين العالمين اليهودي والإسلامي. 
ويتزعزع استقرار مجمل الطوائف اليهودية في العالم الإسلامي وتتشكل بشكل لا 
مفر منه آليات زوالهاء بما ينهي تعايشا دام أكثر من ألف عام وتَمَيْنَ بشراء 
التبادلات بين الجماعتين. 

والحال أن صعود النازية إلى السلطة يضع بريطانيا العظمى في موقف 
مستحيل. ف«المسألة اليهودية» تتخذ بُعذا دراميًا. ومن المؤكد أن بوسع فلسطين 


4ه 


أن تكون ملاذا ليهود أوروبا الوسطىء لكن تزايد الهجرة يثير توترًا ينفجر في 
أعمال عنف في البداية خلال الإضراب العام في عام 1975؛ ثم خلال الثورة التي 
ستمتد من خريف عام ١377‏ حتى نهاية عام ١1179‏ والحاصل أن الحاج أمين 
الحسيني» الموجود في المنفى في لبنان» إنما يتولى قيادتها السياسية. ويتضامن 
«العالم العربي» (يدخل هذا التعبير في المعجم في عام )١1175‏ مع العرب 
الفلسطينيين المعرضين لقمع يتميز بوحشية قصوى. وعندما يتضح؛ في خريف عام 
54,: أن الحرب العالمية باتت احتمالا مؤكذاء لا يسع الإمبراطورية البريطانية 
أن تسمح لنفسها بترف الفرجة على تهديد أمن طرق المواصلات الإمبراطورية. 
وفي ربيع عام 8 :, تَحَددُ ا حصصنا > تختزل الهجرة ة اليهودية في المستقبل اختزالاً 
حاذًا. وسوف تمضي الحرب ضد النازية عبر التخلي عن يهود أوروبا. وإذا كائت 
وعود الاستقلال قد قدّمت من جديد؛ فإن النشاط السياسي العربي محظور من 
الناحية العملية. 

وكانت أوروبا زمن الثورة الصناعية قد استفادت من اكتفاء ذاتي كامل فيما 
يتعلق بموارد الطاقة (الفحم ثم الكهرباء). لكن ظهور المحرك الذي يعمل 
بالاحتراق الداخلي واستخدام المازوت كوقود قد أدخلا تعديلاً على الوضع. 
والبترول في فترة ما بين الحربين العالميتين هو قبل كل شيء مُنتجٌ استراتيجي لا 
غنى عنه لخوض الحرب. والحال أن فرنسا وبريطانيا العظمى لا تحوزانه. وكانت 
التسوية في الشرق الأدنى بعد الحرب مدفوعة إلى حد بعيد بهذا الواقع الجديد. 

وتعتمد الصناعة البترولية اعتماذا قويًا على الكارتيلات وذلك بسبب ضخامة 
الاستثمارات وبسبب الرغبة في الحفاظ على سعر ثابت عند البيع. وفي ثلاثينيات 
القرن العشرين؛ يجري تحديد الخارطة البترولية للشرق الأوسط على هذا النحعو. 
ففي إيران» تحتفظ شركة النفط الأنجلو - إيرانية (وهي الآن شركة بريتش 
يتروليوم) باحتكار الامتيازات الإيرانية. وفي العراق» نجد أن شركة البترول 
العراقية»؛ وهي عبارة عن كونسورتيوم لشركات فرنسية (الشركة الفرنسية 
للمنتجات البترولية»ء سلف مجموعة توتال) وبريطانية (شل وشركة النفط الأنجلو - 
إيرانية) وأميركية» قد حصلت على الامتياز. وفي أواخر ثلاثينيات القرن العشرين» 
نجد أن كونسورتيومات تشمل شركات بريطانية وأميركية تبدأ الاستغلال في الخليج 


617 


(البحرين» الكويت)؛ بينما ينخرط كونسورتيوم أميركي في التنقيب عن النفط في 
العربية السعودية. 

وقد بدت المنظومة البترولية مُحكمة الإغلاق لصالح البريطانيين (المدفوعات 
ُوَدُى بالجنيهات الاسترلينية)» حتى وإن كان الفرنسيون والأميركيون مشاركين 
فيها. وتظهر مدن بترولية جديدة (عبدان في إيران)؛ تعد جيونا غربية حقيقية 
تستعيد نموذج الشركة العالمية لقناة السويس. وبينما تقل أهمية طريق الهند (ولكسن 
ليس الاتصال بين أوروبا والمحيط الهندي)؛ فإن الشرق الأوسط البترولي بخطوط 
أنابيب ومعامل تكرير بتروله يتخذ طابعا حيويًا بالنسبة للإمبراطوريتين الفرنسية 
والبريطانية بينما يبدأ الأميركيون في الاهتمام به. 

والحال أن الواقع الجديد الآخذ في الظهور إنما يتعارض مع منطق: الانسحاب 
الأوروبي بخلقه اعتماذا مزدوجا (اعتماد أوروبا على المنتجين في المنطقة واعتماد 
هؤلاء المنتجين على أوروبا). ورضا شاه هو أول قائد دولة مسلمة ينغرط في 
اختبار للقوة بشأن مكاسب الإنتاج البترولي. أمّا في العانم العربيء فإن الريع 
البترولي لا يزال حديث العهد إلى حدّ بعيد وبالغ الضعف بحيث لا يمكنه تغيير 
التلروف الاقتصادية. والحال أن المماهاة بين الإسلام وإنتاج البترول إنما تعد 
بسبيلها إلى التأكد بالفعل (يظهر النص الأول لكتاب تانتان في بلاد الذهب الأسود 
مسلسلاً اعتبارا من سبتمبر/ أيلول ١575‏ وتجرى الإشارة فيه أيضنا إلى فلسطين). 

ومصر في فترة ما بين الحربين العالميتين»ء مصر المسماة بالليبرالية:؛ إنما 
تظهر بالدرجة الأولى بوصفها التعبير السياسي عن الحداثة الإسلامية المنبثقة مسن 
إصلاحية الفترة السابقة. فالبلد؛ إذ يزود نفسه بنظام تعليمي حديث أآخذ في 
التعريب؛ إنما يعتبر نفسه المركز الثقافي الأنشط للعالم العربيء» بل للعالم 
الإسلامي. لكن التحررات من الأوهام عديدة. فالتدخلات السياسية البريطانية 
متواصلة والنظام السياسي لا يعمل بصورة جيدة. وملكية الملك فؤاد تتحدى باسم 
الإسلام الشرعية الشعبية للوفدء حزب الأغلبية. .. 

وقد أدى إلغاء الخلافة إلى خلق إشكالية جديدة. فحتى ذلك الحينء» كانت 
«السلطنات» تحتفظ ضمنيًا ببُعد إسلامي. والأمر ليس كذلك مع «الملكيات» التي 
تتكاثر اعتبارا من الحرب العالمية الأولى. والملك الأول هو الشريف حسين 


مه 


المعترف به من جانب الحلفاء بوصفه ملك الحجاز.-ويتخذ ابنه فيصل اللقب نقفسه 
في العراق؛ ثم يجئ الدور على مصر في عام 1977. وبالنسبة لبعض المفكرين 
المسلمين» من غير الوارد تبني شكل غربي تمامًا للدولة. وهم يبدءون في الحديث 
عن طبيعة خاصة للدولة الإسلامية التي يجب خلقها. 

وفي عام ١9778‏ تحديذاء ينشئ حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين التي 
سرعان ما تنتشر في كل أرجاء مصر. وكما عند الأصوليين الهنود؛ يظهر الإسلام 
بوصفه نظامًا شاملا للحياة بما في ذلك في المجال السياسي. والنضال من أجل 
العدالة الاجتماعية والجهاد من أجل تحرير البلدان الإسلامية من السيطرة الأجنبية 
يمضيان يذا بيد. ورفض ما «يتنافى مع تعاليم الإسلام» يشمل ضمنيًا الثقافة 
الأوروبية. ومبكر! جذاء يناضل الإخوان من أجل القضية الفلسطينية ويعتدون على 
الطائفة اليهودية في مصر. وهم أول من يُطوَرٌ شكلاً لمعاداة السانية قرينبامن 
المعاداة الأوروبية للسامية. 

وخلافا للحركات الأصولية الإسلامية الأخرىء المبنية غالِا وفق نموذج 
المنظمات اليروتستانتية الأنجلو - ساك سونية» ينزع الإخوان المسلمون إلى 
الاستيلاء على السلطة» بالقوة إذا اقتضى الأمر ذلك» حتى وإن كان برنامجهم 
المؤسسي يفتقر إلى الوضوح. وتبدو عقيدة الإخوان بوص فها نزعة قومية 
«إسلامية»» ومن هنا الصدام القادم مع القومية العربية. 

ويثور إسلام حسن البنا السياسي على ما بقي من السيطرة السياسية الأوروبية 
ثم على حقيقة أن ثمن تحرر البلدان الإسلامية قد يوْدَّى عبر أوربة لشكلها 
السياسيء بل لثقافتها الاجتماعية. والحال أنه باستخدامه لغة الإسلام السياسية 
وبطهرانيته ودعوته إلى العدالة الاجتماعية؛ إنما يكتسب مقدرة قوية على التعبئة 
الشعبية. 

الشمال الأفريقي الكولونيالي 

خلال فترة ما بين الحربين العالميتين» يظل الشمال الأفريقي التعبير القوي 
عن المجال الكولونيالي ومن ثم يجد نفسه متخلفا عن بقية العالم الإسلامي القاري 
الآخذة بالتحرر. والحال أن إيطاليا الفاشية إنما تستأنف بقسوة فتح ليبيا الذي أوقفته 


2 


الحرب العالمية الأولى. والفتح الذي يتم إنجازه يترافق مع محاولة استعمار 
استيطاني. و«تهدئة» المغرب الأقصى تواصل مسارها. وهي لن تكتمل إلا في عام 
. وسوف ينقد مائة ألف مغربي حياتهم في سياقهاء كما سيفقد حياتهم في 
سياقها ٠١ ٠٠٠‏ جندي فرنسيء نصفهم من أهل البلد. 

وفي عام' 1377؛ تمتد إلى المحمية الفرنسية انتفاضة الريف التي بدأت في 
المغرب الأقصى الإسباني. والحال أن «جمهورية الريف» التي يقودها عبد الكريم 
هي في آن واحد تحالف قبلي وبداية دولة حديثة. وهي تحصل على الدعم مسن 
جانب المعادين للاستعمار من مختلف المعتقدات الإيديولوجية. وفي عام 219178 
يحل بيتان محل ليوتي فيسحق الانتفاضة معتمذا على انخراط جيش قوامه 
١6١ .٠6٠‏ رجل. وفي عام »١476‏ يضطر عبد الكريم إلى الاستسلام. وهو لم 
يتمتع بتأييد من جانب المجتمع الحضري المغربي المنزعج من الطابع القبلي 
والريفي للحركة. 

والحال أن محميتا تونس والمغرب الأقصى تعدّان» بحسب تعبير دائييل 
ريقيه» زرعا لتكنوقراطية سلطوية في جسد دولة تقليدية. وهما تجمعان النخب 
الحاكمة القديمة في تواطؤ مصالح. وفي الوقت نفسه؛ يعد البلدان مفتوحين أمام 
استعمار استيطاني أقل ضخامة مما في الجزائر. 

وسرعان ما يتكشف التناقض الكولونيالي. فالتحديث الذي قدّم له المسيطر 
الخارجي دفعة قد أدى إلى خلق جماعات اجتماعية جديدة تدخل في نزاع من 
المستعمر بينما يميل هذا الأخير بشكل متزايد باطراد إلى الاعتماد على البنسى 
العتيقة أكثر من سواها في المجتمع. وفي تونس ثم في المغرب الأقصى تظهر في 
آن واحد نخبة صغيرة متعلمة تعليما حديثًا ويروليتاريا حضرية متزايدة الأهمية 
باطراد. ويبدأ صوغ مطلب مشاركة الأهالي السياسية في الحكم؛ بل ومطلب 
الاستقلال. ويتولى طرحه الخريجيون الذين اختاروا سبل المهن الحرة لا سبيل 
الإدارة العامة التي شعروا أنهم.لا مكان لهم فيها حيال الأوروبيين. 

وفي الجزائرء تسمح مشاركة المسلمين في الحرب العظمى بالتفكير في وقست 
من الأوقات في إلغاء أشكال التفرقة. والواقع أن حكومة كليمن صو إنما تدخل 
تحسينا ملحوظا على وضعية المسلمين الحقوقية: وإن كان من دون إلغاء المدونة 


66٠ 


القانونية الخاصة بالأهالي. وسرعان ما تحل خيبة الأمل على الرغم من إيجاد 
فريق من المنتخبين المسلمين الذين يطالبون بالمساواة الكاملة مع الأوروبيين. وفي 
ثلاثينيات القرن العشرين؛ تجعل جمعية العلماء المسلمين من الإصلاحية الإسلامية 
برنامجا سياسيًا مع رد الاعتبار إلى الهوية الإسلامية والعربية ضد غواية التفرئس» 
وإن كان أيضنا مع تنحية تراث البربر جانبًا. 

وفي المترويول؛ أدت الحرب إلى توطن بروليتاريا ذات أصل جزائري. 
وتحت رعاية الحزب الشيوعي الفرنسي؛ تنتقل منظمة نجمة شمالي أفريقياء التي 
يقودها مصالي الحاج: من النضال المعادي للإمبريالية إلى طرح شعار استقلال 
الجزائر. 

وتشهد ثلاثينيات القرن العشرين تشْدٌّد مسلك المستعمر. ويجري الاحتفال 
بالمجد الإمبريالي عبر مئوية فتح الجزائر والمعرض الكولونيالي في عام .١45١‏ 
ويعترض المستوطنون على أي توسيع إضافي لحقوق الأهالي ويصتقون للتدابير 
القمعية المتخذة ضد القوميين. والحال أن بعض العناصر «الليبرالية» المنبثقة من 
أوساط المتقفين هي وحدها التي تُكثر من التحذيرات من مخاطر وقوع مواجهة 
عنيفة بين الأجناس. 

والجمهورية الثالثة الموشكة على الزوال لا تملك نهنا واضذا. والعناصر 
الأوروبية في المحميتين تحث على التخلي عن «الإشراك» لصالح «استيعاب» 
يستلهم النموذج الجزائري إلى هذا الحد أو ذاك. لكن الإدارة عاجزة حتى 0 
توحيد عمل البلدان الثلاثة التي تملكها فرنسا (ترفض الجزائر كل ما قد يكون تبعية 
لوزارة الشؤون الخارجية أو لوزارة المستعمرات). ولا يوجد تأييد كبيير في أي 
مكان لتطوير تدريس اللغة والثقافة العربيتين» إلا أنه في الوقت نفسه الذي يجري 
السعي فيه إلى نشر الثقافة الفرنسية» يجري الاعتراض على اندراج الأمالي في 
القوام الفرنسي. ومع الأزمة العالمية» فإن المتروبول هو الذي يدعم صمود اقتصاد 
ممتلكاته الأفريقية الشمالية (بما فيها الجزائر)ء مع تأكيده أنها عامل قوة. والحال أن 
النزوح من الريف في الشمال الأفريقي إنما يمتد إلى المترويول عبر هجرة عمل 
متواصلة تشجع عليها البنى الإمبريالية ويأسف لها الديموغرافيون الفرنسيون ذوو 
الاتجاه الداعي إلى تحسين النسل. 


إهعه 


الفضاء السياسي للعالم الإسلامي 

إذا كانت الحرب العظمى قد أشعرت الأوروبيين بأن حضارتهم قد تكون 
قاتلة» فإن جاذبية ثفافتهم تظل قوية التأثير على العالم الإسلامي. والتحول الرئيسي © 
في تلك الفترة هو انتهاء النموذج الأوروبي الوحيد. وكانت هيبة المنتقصرين قد 
عززت لبعض الوقت صورة المؤسسات الليبرالية. وتظل هذه المؤسسات تذكرة 
الدخول إلى عصبة الأمم بالنسبة للانتداب والعلامة الأبرز للحداثة. 

لكن أزمة الديموقراطيات الليبرالية محسوسة بالفعل في عشرينيات القرن 
العشرين. وقد عمم الاتحاد السوقييتي شعار النضال المعادي للإمبريالية؛: والذي 
تتبناه الحركات القومية المختلفة في البلدان الإسلامية. ويبقى مع ذلك أن موسكو 
قليلة الجاذبية في تلك الفترة. ثسقيتة ما أصبح «الجمهوريات المسلمة» في الاتحاد 
السوقييتي إنما تجري بعنف زائد عن الحد وقد أدت إلى نزوح جديد حيث تبعثر 
المهاجرون في مجمل الشرق الأوسط (مع استقرار تيار نزوح صغير أيضنًا في 
أوروبا). وتحتفظ تركيا الكمالية وإيران رضا شاه بعلاقات حذرة مع جارهما القوي 
الذي ظل أيضنا العدو التاريخي. ويجري اعتبار الشيوعيين الترك أو الإيرانيين 
الأوائل خونة. 

وفي المشرق العربيء يأتي الشيوعيون الأوائل من صفوف الأقليات (اليهود 
والأرمن بالدرجة الأولى) ولا ينجحون في الانغراس في الوسط المسلم. أما 
النقابات العمالية الأولى فهي ملحقات للحركات القومية. وإذا كانت لدى بعصض 
المثقفين المسلمين نزعات اشتراكية» فإنهم أكثر انجذابًا إلى الاشتراكية الديموقراطية 

وعن طريق المهاجرين العمال المغاربة في المترويول؛ يمكن للشيوعيين 
الوصول إلى السكان الأفارقة الشماليين. لكن العلاقات بين الحزب الشيوعي 
الفرنسي ومنظمة نجمة شمالي أفريقيا سرعان ما تتداعى. ففي حين أن مصالي 
الحاج يُجَذرٌ خطابه الاستقلالي معطيًا إياه بُعذا إسلاميًا أكثرء يؤدي الانتقال إلى 
معاداة الفاشية إلى اعتدال للنضال المعادي للإمبريالية. وهو اعتدال ضروري 
لتكوين جبهات شعبية. وإذا كان بعض المتقفين الأوروبيين يؤيدون النضال المعادي 


؟مهه 


للاستعمار» فإن التيار الغالب في صفوف القوى المسماة بالتقدمية إنما يمضي إلى 
مجرد تصحيح «مساوئ» الاستعمار وليس إلى القضاء على هذا الأخير. والحال 
أن المستوطئين في الشمال الأفريقي هم وحدهم الذين قاموا بمماهاأة النزعة القومية 
الاستقلالية بالحركة الشيوعية الدولية. ْ 

وتظل القومية الأوروبية العنصر الأكثر جاذبية. وإذا كانت القومية الإيطالية 
لزمن ال ()0/:,م:مرزج,مئ8 قد مثلت» تاريخيّاء أحد مصددر الإلهام بالنسبة 
للنزعات القومية في العالم العربي» فإن هناك انعدامًا ملحوظا للثقة في إيطاليا 
الفاشية وذلك بسبب مسلكها الوحشي في ليبيا وأطماعها المعلنة في السيطرة على 
مجمل البحر المتوسط. وتبدو ألمانيا النازية أكثر كفاءة وأقل خطورة. وهي ترث 
تراث حب ألمانيا الذي خلفته ألمانيا فلهلم الثاني. وفي ثلاثينيات القرن العشرين» 
يبدو النموذج الفاشي بالفعل أفضل «أداءً» من الديموقراطيات الليبرالية المنهكة 
والمتراجعة في مجمل أوروبا. وفي كل مكان» تتبنى حركات الشبيبة القومية لباس 
الشبيبة المسيّسة الأو روبية (القميص «الأزر ق»ٍ أو «الأخضر »)؛ لكن الاستعارات 
تظل سطحية. وهناك من يرى بالأخص «صديقا» في «عدو عدو». والحال أن 
واقع ترك النازية لإيطاليا الفاشية احتكار السياسة المتوسطية حتى نشوب الحرب 
إنما يغذي انعدام الثقة. 

وفي عام 4 137+ مع راديو باري الذي يبث بالعربية» تشن إيطاليا الفاشية 
الحرب الدعائية ف في العالم العربي. واعتبارا من عام ١475‏ (حرب إثيوبيا)» تصبح 
الهجمات عنيفة ضد السياسة البريطانية. وفي يناير/ كانون الثاني 21917 تبدأ ال 
30 البث بدورها بالعربية. وهي حريصة بشكل خاص على الحفاظ على 
استقلالها عن الحكومة. وفي مارس/ آذار »١1378‏ يأتي الدور على ألمانيا للبث. 

وقد سعت إيطاليا الفاشية بالأخص إلى استغلال الملف الفلسطيني لإحراج 
البريطانيين. وقد نجحت في هذا المجال: ولكن من دون أن تخلق مناخا ملائما 
بشكل خاص لقضيتها هي. وبالمقابل» كان البث الألماني عشية الحرب معاديًا 
للسامية بشكل سافر (بينما تشجع برلين في الوقت نفسه الهج رة اليهودية إلى 


(») البعث القومي الإيطالي. -م. 


؟أموه 


فلسطين)؛ وإن كان ضمن السياق الأوسع لمماهاة اليهود بالديموقراطية الليبرالية 
(البإوتوقراطية) وبالأممية اليروليتارية. 

وهذه الإذاعات تسمع بالأخص لأنها تكسر الاحتكار الإعلامي الذي يتمتع به 
الفرنسيون والبريطانيون في الشرق الأوسط. 


عه 


الفصل السابع 
الرهانات المعاصرة 


العالم الإسلامي في الحرب العالمية الثانية 

سعى الفرنسيون والبريطانيون إلى جر تركيا إلى معسكرهما بتقديم قروض 
مهمة لها. وقد تخلت لها فرنسا بالكامل عن سنجق الإسكندرون الذي كان جزءًا من 
انتدابها في شرق البحر المتوسطء ما أدى إلى ضغينة مقيمة لدى السوريين. ويؤدي 
الميثاق الألماني - السوقييتي إلى تعديل الوضع. فموسكو تدعو نظام أنقرة إلى 
البقاء محايذا. وهو يستجيب لذلك» بما في ذلك بعد غزو [ألمانيا النازية] للاتحاد 
السوقييتي. وفي عامي “19 و444١ء‏ سوف يحاول الأنجلو - ساكسون إقناع 
تركيا بدخول الحرب في صفهمء لكن أنقره سوف تتذرع بضعف جيشها الذي يفتقر 
إلى العتاد الحديث وبالهشاشة الجغرافية لأرضها (تسيطر قوات المحور على كل 
اليونان والبلقان وجزر بحر إيجه) لكي ترفض برزأنة. 

وسوف تكون تركيا البلد المسلم الرئيسي الذي لم تطله الحرب التي ولدت مرة 
أخرى في أوروبا. والحال أن سكان الإمبراطوريتين الاستعماريتين الفرنسية 
والبريطانية لم يؤخذ رأيهم عند الدخول في الحرب في سبتمبر/ أيلول 1159. 
وسوف يرفض القوميون الهنود هذا القرار الذي يهدد اقتسام السلطة [بين 
البريطانيين والهنود] والذي عرفته السنوات السابقة. ومع الغزو الياباني في عام 
: سوف تصل العمليات العسكرية إلى حدود الهند. وسوف يدخل حزب 
المؤتمر في منازعة نشيطة إللبريطانيين] وسوف يتعرض لقمع قاس. وبالمقابل» 
سوف يكون المسلمون الهنود «موالين» من الناحية الظاهرية. وفي سياق يُضطر 
فيه البريطانيون إلى أن ينهلوا إلى أقصى حد من موارد الهند وإلى أن يعدوا 
بوضعية الدومينيون؛ بل الاستقلال الكامل؛ بعد الحرب؛ فإن المسلمين إنما 


نم6 


يحصلون على حق قيتو حقيقي فيما يتعلق بالمستقبل. وفي هذه الأعوام الرهيية 
تتقدم فكرة تكوين «ياكستان»» «وطن مسلم» يشتمل على شمالي الهند في إطار 
اتحاد فيديرالي ذي روابط جد ضعيفة مع بقية شبه القارة. 

وتبدأ الحرب في الشمال الأفريقي في يونيو/ حزيران .154٠‏ وفي حين أن 
الممتلكات الفرنسية تنتقل تحت نظام الهدئنة حيث يقع فيما بعد الحدث الوحيد لإدارة 
موحدة للمغرب تحت قيادة ويجاند» فإن «الصحراء الغربية» التي تشمل ليبيا 
ومصر تصبح حتى عام ١147”‏ واحدة من ساحات القتال الرئيسية. فعلى مدار عام 
تحارب الإمبراطورية البريطانية بمفردها دول المحور بإمكانات تكاد تكون هزيلة 
وإن كان أيضنا بإصرار لا يعرف الضعف. والحال أن فتح القوات الألمانية للبلقان 
ثم لكريت في ربيع عام ١151‏ إنما يجعل التهديد قريبًا بدرجة خطيرة 1 
القوميون العرب في العراق انقلايًا ويدخلون في اتصال مع الألمان. والردٌ 
البريطاني سريع. فتجري إعادة احتلال العراق في مايو/ أيّار ١14١‏ اعتمادًا على 
حشد ارتجالي للقوات. وبما أن قيشي قد صرحت للألمان باستخدام مطارات شرق 
البحر المتوسط لتقديم الغوث للعراقيين؛ تقوم القوات الإمبراطورية البريطانية 
بالتعاون مع قوات من حركة فرنسا الحرة ووحدة من الصهيونيين بالتغلغل؛ في 
غمرة ذلك» في الانتداب الفرنسي. وهذه الحرب الصغرىء والتي تتخذ ملمح حرب 
أهلية على الجانب الفرنسيء تشتمل أيضنا على الغرابة المتمثلة في انخراط قوميين 
عرب في القتال إلى جانب قيشي. وفي منتصف يوليو/ تموزء تتوصل القوات 
الفيشية إلى هدنة تسمح لها بالعودة إلى فرنسا المترويولية (على أساس طوعي). 

وسعيًا إلى تهدئة التوترات» يقوم أنتوني إيدن»ء وزير الشؤون الخارجية؛ 
بإصدار تصريح.ء في 74 مايو/ أيّار »١44١‏ يعبر فيه عن تعاطف بلده مع قضية 
الوحدة العربية؛ من دون أن يأتي على ذكر الصهيونية. وفي 8 يونيو/ حزيران 
١‏ يعلن الجنرال كاتروء باسم الجنرال ديجول؛ مبدأ استقلال سوريا ولبنان 
على أساس معاهدتين يتعين عقدهما. 

ويؤدي غزو [ألمانيا النازية] للاتحاد السوثييتي إلى تعديل الوضسع 
الاستراتيجي. وتبدو إيران رضا شاه قريبة أكثر مما يجوز إلى ألمانيا. فيدعو 
السوقييت والبريطانيون طهران إلى طرد الألمان الموجودين في البلد» ثم يشتركون 


كمه 


في غزو البلد في أواخر أغسطس/ آب .١144١‏ ويجري خلغ رضا شاه وإحلال 
ابنه محله. ويبدو النظام الإمبراطوري [الإيراني] على حافة الانهيارء لكن الأهم هو 
أن البلد يقع» لأول مرةء تحت احتلال كامل. 

وفي مستهل عام »١147‏ يتركز التهديد الإيطالي - الألماني على مصر. 
ويحاول الملك فاروق وحاشيته الدخول في اتصال مع أعداء البريطانيين. وفي 4 
فبراير/ شباط »١1147‏ يقوم البريطانيون بانقلاب حقيقي يجبر فاروق على استدعاء 
الوفد إلى السلطة. فيستاء الرأي العام المصري من مهانة قومية حقيقية. 

وفي 7 يوئيو/ حزيران 21147 تدخل القوات الإيطالية - الألمانية الأرض 
المصرية. وهي تصل في الأول من يوليو/ تموز إلى العلمين؛ على بُعد ٠٠١‏ 
كيلومترًا من الإسكندرية. وفي تزامن مع هذاء يستولى الألمان؛ء في روسياء على 
القرم ويتجهون إلى القوقاز. ومع التقدم الياباني في المحيط الهادئ؛ يبدو الشرق 
الأوسط نقطة التقاء الهجمات الثلاث الكبرى لقوات المحور. 

ويقوم البريطانيون بتعبئة مجمل الإمكانات الاقتصادية للشرق الأوسط لدعم 
صعود قوة آلتهم الحربية في الصحراء الغربية. وسرعان ما سوف يتمتعون 
بأكثر من مليون جندي من إيران إلى ليبياء مستعيدين وهم قوة عام .١5١17‏ وهذا 
المجهود الحربي يتم تمويله بالقروض ويناسب تصنيع مجمل المنطقة. وسرعان ما 
تصبح بريطانيا العظمى مدينة بمئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية المستحقة 
لجميع البلدان بين الهند ومصر (5/©:!12 ©:56/4). والتضخم قويء؛ وهوما 
يعود بالفائدة على جميع الدائنين. والحال أن المديونية الريفية: البلية التقليدية 
للأرياف العربية» إنما يجري تصفيتها من الناحية العملية. وإذا كان الشرق الأوسط 
يحقق ثراء بشكل عام خلال سنوات الحرب هذه؛ فإنه يجري فرض الحصص 
التموينية الغذائية مع ذلك. وهي أقل ضغطا تمامًا من تلك الموجودة في الزمن نفسه 
في أوروباء ونحن بعيدون عن حالات المجاعة التي عرفت خلال الحرب العالمية 
الأولى. 

والحاصل أن البريطانيين» الغارقين في صراع حتى الموت مع النازية» إنما 
يبدون حازمين إلى أقصى حد في مواجهة النزعات القومية (بما فيها الصهيونية) 
المشتبه بأنها تخدم المصالح الألمانية طوعا أو من دون قصد. وقد خرجوا على كل 


/امه 


التسويات السياسية التي عقدوها في فترة ما بين الحربين العالميتين. وإذا كان يبدو 
في اللحظة المباشرة:؛ أنهم يتمتعون بقوة ساحقة؛ فإنهم قد قوضوا عمليًا أي إمكانية 
للتعاون السياسي في الفترة القادمة. وقد سعوا بالفعل إلى خوض حرب دعاية 
إيديولوجية ضد الفاشية» لكن أي خطاب مؤيّد للدفاع عن الحريات الإنسانية لا 
يمكنه إلا أن يرتد ضد ممارساتهم الاستعمارية. 

وفي الشمال الأفريقي» كان التأثر قويًا عند سقوط فرنسا. ولمدة قصيرة:؛ وَحَّدَ 
شعورٌ حقيقي بالوحدة بين الأوروبيين والمسلمين. فنظام يشي يقمع الحريات 
الديموقراطية ويبدو ذا موقف أبوي بشكل خاص حيال الأهالي العرب. وهو يطبق 
بصرامة كبيرة التشريع المعادي للسامية (يفقد اليهود الجزائريون وضسعيتهم 
كمواطنين فرنسيين) من دون أن يكون معذور! في ذلك بضغط ما من جانب قبوات 
الاحتلال. وفي الجزائر كما في المحميتين» ينظر المسلمون بالأحرى نظرة سابية 
إلى معاداة السامية هذه التي تمارسها الدولة. 

والحال أن ألمانيا النازية لم تكن ذات أطماع سياسية في العالم الإسلامي. فقد 
كان يجب على البحر المتوسط أن يكون منطقة نفوذ إيطالية. وكان الإغراء هو 
دعم النزعات القومية العربية كما في العراق. ومن المفارقات أن وجود نظام يشي 
يشل عملهم في هذا الاتجاه. وكان من شأن تقديم دعم سافر تماما للمسلمين أن 
يجازف بدفع الشمال الأفريقي كله إلى الانحياز إلى معسكر ديجول والحلفاء (الأمم 
المتحدة اعتباا من عام .)١1547‏ ويحاول القوميون العرب اللاجئون في أوروبا 
الواقعة تحت السيطرة النازية الحصول على تصريح أوضح من التصريح الذي 
أصدره الحلفاء زمن الحرب العالمية الأولى» لكن هتلر وموسوليني يماطلان. 
فأفضل ما يمكنهما تقديمه هو تصريح سري مؤرّخ في 38 أبريل/ نيسان ١1547‏ 
يعترف بسيادة واستقلال البلدان العربية في الشرق الأدنى ويوافق على اتحادها 
بقدر رغبة البلدان المعنية فيه كما يوافق على القضاء على الوطن القومي اليهودي 

والحال أن الدعاية الإذاعية الفاشية وبالأخص النازية إنما تطور التيممات 
المعادية للسامية وتشدّد على التناقض بين المبدأ الذي أعلنته الأمم المتحدة وسياستها 
الاستعمارية. وتأثير هذه الدعاية مؤكد في الشرق الأوسط؛ وإن كان من دون أن 


مهه 


يقود إلى تعبئة سياسية. والبلدان الإسلامية المستقلة من الناحية القانونية أو 
الموضوعة تحت الانتداب؛ من إيران إلى مصرء لا تشارك في المعارك. فإمكاناتها 
العسكرية ضعيفة وولاؤها مشكوك فيه. وقد جرى قبول متطوعينء لكنهم يخدمون 
بالأخص في المهام اللوجستية لقوات الحلفاء (ينخرط بضعة سوريين ولبنانين في 
قوات حركة فرنسا الحرة). 


دخول الأميركيين المسرح 

رأي القوميون بالأخص في دول المحور وسيلة لتصفية السيطرة الفرنسية - 
الانجليزية» حتى وإن كانوا قد تجاوبوا مع الراديكالية القومية لخطاب هذه الدول. 
وتدريجيّاء سوف يأخذ الأميركيون مكان الألمان والإيطاليين. 

والحال أن البريطانيين تحديذا هم الذين شدوا انتباه الولايات المتحدة إلى 
الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسطء وذلك خلال عام ١14١‏ الحاسم. وبما أنهم 
كانوا بحاجة ماسة إلى الإمكانات» فقد شددوا على الإرسال المباشر لعتاد حربي 
أميركي إلى القوات المنخرطة في القتال في الصحراء الغربية. وعندما ظهر أن 
العربية السعودية تجازف بالانهيار بسبب انهيار الدخول (الوقف الفعلي للحج 
الإسلامي)؛ طلبوا أن تقدم واشنطون مساعدة مالية للمملكة. ومع دخول الاتحاد 
السوقييتئن الحرب» يتولى الأميركيون بشكل مباشر المسؤولية عن «الممر 
الفارسي» الذي يغذي الجيش الأحمر بأعتدة مختلفة انطلاقا مسن موانئ الخليج. 
وسوف ينخرط أكثر من 6ه ٠‏ جندي أميركي في هذه العملية اللوجستية 
الواسعة التي تصبح في سبتمبر/ أيلول ١1147‏ قيادة الخليج الفارسي 
(لمقصصه© آنا مذزومءم). وينخرط الأميركيون في الإدارة الاقتصادية العامة 
للشرق الأوسط. 

وخلال صيف عام 21547 يدرك العسكريون الأميركيون أنه إذا انهارت 
الجبهات المصرية والقوقازية» فإن المعركة النهائية الحاسمة من شأنها أن تدور في 
جنوبي العراق حول البصرة ومن شأن الجيش الأميركي أن ينخرط فيها. فيجري 
اتخاذ قرار بالاتجاه إلى إنزال في المؤخرة في الشمال الأفريقي. وتلك هي عملية 
الشعلة في 8 نوقمبر/ تشرين الثاني .١1147‏ 


6684 


والحال أن روزقيلت معارض بحزم للاستعمار الأوروبي. وهو يرى أن هدف 
الولايات المتحدة من الحرب ليس مجرد تحرير الشعوب الأوروبية من السيطرة 
النازية» بل التطبيق المعمّم لحق تقرير المصير الذاتي. وهو يعترف بأن اللسشعوب 
المستعمّرة ليست مستعدة فور! للاستقلال ويرتأي تطبيق نظام وصاية 
(مة/5/665)) دولية لفترة انتقالية. وسوف يتعين للتطبيق أن يكون أسرع بالنسبة 
للشعوب المنتمية إلى الجنس «الأسمر» أو «الأصفر» مما بالنسبة للشعوب المنتمية 
إلى الجنس الأسود. وهو مضطر إلى مراعاة ضرورات الحرب إلى درجة قبول 
«المواعمة المؤقتة» المتمثلة في الإبقاء على نظام فيشي في الشمال الأفريقي تحت 
قيادة دارلان ثم تحت قيادة جيرو. وتمتد الحرب إلى تونس حتى استسلام القوات 
الألمانية في ١١‏ مايو/ أيْار .١1147‏ وبمجرد إعادة التوحيد الفرنسية التي جرت 
عبر إقامة «حكومة الجزائر» وانتصار ديجولء لا يتدخل الأميركيون في شؤون 
الشمال الأفريقي» لكن استعراض قوتهم كان ساحقا. 

وبمجرد ابتعاد الحرب عن العالم الإسلامي» ترجع السياسة. ويحث 
الأميركيون على استقلال سريع لسوريا ولبنان على الرغم من مقاومة حركة فرنسا 
الحرة ثم الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية. 

وقد أبرزت الحرب الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط في المجال البترولي 
لاسيما أن هناك توقعات بنفاد لاحتياطيات القارة الأميركية في الأمد المتوسط. 
والحال أن العربية السعودية: وقد جرى تعريفها بأنها «مصلحة قومية» أميركية: 
إنما تصبح الشريك المميّز للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهي تستفيد من 
ذلك لكي تتخلص من النفوذ البريطاني. 

وفي كل مكانء يعترض الأميركيون على الحفاظ على المزايا الاتقتصادية 
والشرفية للبريطانيين في الشرق الأوسط. ويجري تعريف العلاقات الأميركية - 
العربية بلغة التعاون والعلاقات الأخوية قياسا إلى رؤية البريطانيين الهرمية. 

لكن مسألة فلسطين تظل من دون تسوية. وقد ارتأى البريطانيون تقسيمًا 
جديذا من شأن جزء عربي أن يذوب فيه في «سوريا كبرى» تتعين إقامتها. وهم 
يتخلون عن هذه الفكرة في أواخر عام 1544. وفي الولايات المتحدة؛ أصبحت 
المسألة رهانا من رهانات السياسة الداخلية. ويفكر روزقيلت في جعل فلسطين 


عكهم 


مُختبرا لسياسة الوصاية الجديدة. لكن موته السابق للأوان لا يسمح له بالمضي إلى 
ما هو أبعد من النوايا. 

وفي عام 1145١.ء‏ أعلنت كل دول الشرق الأوسط الحرب على دول المحورء 
فهذا تذكرة دخول إلزامية للمشاركة في تأسيس منظمة الأمم المتحدة. وهيبة 
الولايات المتحدة في أوجها في العالم الإسلاميء بينما تبدو الدول الأوروبية منتمية 
إلى الماضي. 


انتهاء «اللحظة البريطانية» 

أدت التوترات التي أنجبتها الحرب العالمية الثانية إلى التقويض النهائي 
للسيطرة البريطانية في الهند. والبريطانيون لا يملكون لا الإمكانات ولا الرغبة في 
فرض سلطتهم من جديد. وهدفهم هو الرحيل عن الهند بشكل سلمي ومسشرّف. 
ويميل مسلمو الشمال في غالبيتهم إلى إقامة باكستان بينما يريد حزب المؤتمر 
الحفاظ على دولة قوية. والوفاق مستحيل والبلد ينزلق اي ا 
الطوائف. والحال أن اللورد ماونتباتن» آخر نائب للملك؛ إنما يستحث الحركة 
يجري الانتقال إلى قيام الدولتين في مناخ مذابح وترحيلات قسرية للسكان. 

ورحيل البريطانيين هو محصلة سياسة هندوة الإدارة. والمال أن تكاليف 
الجيش قد تحملها دافعو الضرائب البريطانيون وتجد بريطانيا العظمى نفسها مدينة 
للهند بمبلغ ١ 7٠٠١‏ مليون من الجنيهات الاسترلينية (و:,ز1:به/ى5 عع«هاهم). وقد 
توقفت السوق الهندية عن أن تكون مهمة. فغداة الحرب العالمية الأولىء قدمت 
بريطانيا العظمى ثلثي الواردات الهندية. أمّا في أربعينيات القرن العشرين؛ فإن ما 
قدمته لا يزيد عن نسبة /90. 

وكان التراث البريطاني إيجابيًا في دولة الهندء إذ سمح بقيام «أكبر 
ديموقراطية في العالم». وتتمثل المشكلة الرئيسية ئيسية في أن الدولة الكولونيالية ليس 
مكتويًا لهاء بحكم طبيعتهاء أن تصبح دولة قومية لأن النزعة القومية إنما تتشكل 
ضدها. ومن ثم فإنها تترك للدول التي تعقبها تعددية لغوية وإثنية سيكون من 
الصعب عليها جذا إدارتها. وتلك كانت بوجه خاص حالة باكستان» وهي مشروحٌ 
جاء متأخرً! ومُشوش لإقامة نوع من وطن قومي إسلامي. وإذا كان انتماؤها 


اكه 


الطائفي واضحًا بذاته؛ فإن مبدأ تنظيمها غير محثد. . فمن الممكن أن تكون نوعًا من 
جمهورية تركيا أقل علمانية أو على العكس من ذلك مُختبرًا لإسلام سياسي منبشق 
عن الخطابات الإصلاحية والأصولية التي عرفتها الفترةٌ السابقة. 

وإذا كان طريق الهند يختفي مع الراج البريطاني؛ فإن بترول الشرق الأوسط 
يلعب دورا رئيسيًا في إعادة بناء اقتصاد أوروبا. والحال أن المخططين لمشروع 
مارشال إنما يجعلون منه الطاقة البديلة للفحم. والحكومة العمالية التي وصلت إلى 
السلطة في عام ١146‏ تود تدشين حقبة جديدة من العلاقات مسع شعوب الشرق 
الأوسط. ولم يعد من الوارد التدخل في الشؤون الداخلية» بل المراد هو إقامة 
شراكة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 1 

وإذا كان المنظور ينزع إلى أن يكون سخيّاء فإنه يصطدم بالواقع المحزن 
المتمثل في أن بريطانيا العظمى: ؛ المنهكة من الناحية الاقتصادية بسبب الحرب 
والمدينة مديونية فادحة لصالح البلدان التي كانت تحت تحت سيطرتها في السابق» لا 
تملك إمكانات سياسة كهذه. وفي حين أن جزء! لا بأس به من المنطقة يقع في 
منطقة الاسترليني» فإن المترويول عاجز عن أن يقدم لبلدان هذا الجزء السلع 
هنا مصدرٌ جديد للإحباط. 

وتبدو الحرب الباردة وسيلة للحفاظ على المنظومة البريطانية. ومن المؤكد 
أنها تفرض تضحيات اقتصادية باهظة للحفاظ على الجهاز العسكري المنبثئق من 
الحرب العالمية الثانية؛ لكنها تدفع من جهة أخرى الولايات المتحدة إلى تمويل هذا 
الانتشار تمويلاً ضخما لأنها لا تحوز قوات أميركية قادرة على الحلول محله. 

وعندئذ يظهر الشرق الأوسط للاستراتيجيين الغربيين بوصفه القاعدة الخلفية 
التي لا غنى عنها لاسترداد أوروبا في حالة غزو سوقييتي لها (إنهم د يعيدون صوغ , 
التصور الذي صاغوه في الحرب السابقة). ووفق هذا التصور2ء سوف تدور 
المعركة الحاسمة في سيناء ثم في فلسطين» » ثم في سوريا وفي نهاية المطاف في 
تركيا. 

والواقع أن جمهورية تركيا تجد نفسها مهددة بشكل مباشر من جانب 
السوقييت ت الذين طرحوا دعاوى ترابية بما يعيد إحياء نزاعات القرن التاسع عشر. 


؟كهم 


وتحصل تركيا على حماية أميركية في عام ١1417‏ (مبدأ ترومان» إنشاء الأسطول 
السادس الأميركي). وهي تفايض دورها في الدفاع الغربي بالاعتراف بانتمائها 
الكامل إلى أوروبا والذي يجعل منها عضوًا كامل العضوية في منظمة حلف شمالي 
الأطلسي؛ وهي صفة حُجبت عن أي دولة مسلمة أخرى. ومع إعادة التسلح الغربية 
في مستهل خمسينيات القرن العشرين؛ يستند التصور إلى أن المعركة الحاسمة 
سوف تدور بشكل مباشر على حدود تركيا. 

وفي أماكن أخرىء؛ تصطدم بريطانيا العظمى برفض القوميين العنيد للإيقاء 
على الإمبراطورية من خلال معاهدات. فما ظهر في ثلاثينيات القرن العشرين 
بوصفه تقدما على طريق التحرر إنما يجر ي الشعور الآن بأنه وجود أجنبي لا 
يُطاق. وتطلات فين والغزاق بإعادة التفاوض على المعاهدات للمضي في اتجاه 
الجلاء. وضغط الرأي العام فاعل في هذا الاتجاه. وتفشل مفاوضات 1545 - 
4 . وتسعى بريطانيا العظمى إلى العثور على حل باختيار تعددية الأطراف» 
ما يجعل من دول الشرق الأوسط شركاء متساوين في أحلاف تجمع بلدانا غربية. 
ولا يريد القوميون سماع الحديث عن هذه المساواة الزائفة. وتفضي الأزمة إلى 
العنف في عام 1 في مص وتغة عاملاً رئيسيًا في ثورة الضباط الأحرار في 
يوليو/ تموز .١1167‏ 

على أن الحكومة العمالية مخلصة لتعهدها بعدم التدخل. وهي معادية 
بالأحرى لمشروعات الوحدة العربية التي يطرحها الهاشميون (سوريا الكبسرى» 
الهلال الخصيب) والتي قد تجازف بنقل عدوى الفرانكوفونية السورية إلى حلفائها 
العرب. إل أنها لا يمكنها التنصل علنا من حلفائها الأكثر إخلاصنا (الأردن» 
العراق). ويستفيد خصوم الهاشميين من ذلك لكي يجردوا مشروعاتهم الوحدوية من 
الاعتبار بتصويرها على أنها أداة السياسة الإمبريالية البريطانية. 

وتستعيد الدراما الفلسطينية النموذج الهندي. فعلى الرغم من وجود 
٠١ ٠‏ جندي بريطاني؛ لا تقدر سلطة الانتداب على فرض حل. ويتمتع 
الصهيونيون بدعم الرأي العام الأميركي وبدعم ترومان؛ والعرب معادون لأي 
تقسيم. وقد جرى اتخاذ القرار بالرحيل عن فلسطين مع نقل الملف إلى الأمم 
المتحدة. والحال أن بريطانيا العظمى؛ وهي عضو في مجلس الأمنء إنما ترفض 
تطبيق خطة التقسيم المعتمدة في 74 نوقمبر/ تشرين الثاني ١1417‏ لأنها لم تلق 


ان 


موافقة العرب. ولم يعد هناك سوى الجلاء عن بلد يغرق في الحرب الأهلية. 
وخلال الحرب الإسرائيلية - العربية» تدعم لندن الأردن بشكل محدود وذلك بسبب 
قيود فرضنها الأميركيون. والحال أن بريطانيا العظمىء بانصياعها للحففر 
المفروض على إرسال أسلحة والذي قررته منظمة الأمم المتحدة؛ إنما تجرد مأ بقي 
من التزاماتها العسكرية حيال العرب من القيمة أكثر فأكثر. 

وفي إيران» يقرر القوميون تأميم الصناعة البترولية. وإذ يمتنع البريطانيون 
لا يزالون عن أي تدخلء فإنهم يضطرون إلى الجلاء عن البلد في عام .1150١‏ 
وتحاول حكومة المحافظين التي يرأسها ونستون تشرشل العودة إلى سياسة قوةء 
لكن الأميركيين هم الذين ينظمون الانقلاب في إيران الذي يعيد سلطة الشاه. 
والحال أن إيدن» وزير الشؤون الخارجية ثم رئيس الوزراء؛ يحاول العودة إلى 
سياسة تعاون ترمز إليها معاهدة عام ١-4‏ مع مصر عبد الناأصر. لكن هذا 
الأخير لا يبدو شريكا مريخا. وتؤدي أزمة السويس في عام ١155‏ إلى تدخل 
عسكري فرنسي - بريطاني بالاشتراك مع إسرائيل. وهو تدخل يُمنى بفشل سياسي 
جديد. 

وخلال الأعوام التالية» يجتهد البريطانيون في الحفاظ على ما بقي من 
مواقعهم. وهم «يخسرون» العراق خلال ثورة يوليو/ تموز ١916548‏ وفي ستينيات 
القرن العشرين» يتعرضون لحرب عصابات مُجهدة في اليمن الجنوبي ويضطرون 
إلى التخلي عن عدن في عام 1117. وفي الخليج» تصبح الكويت مستقلة في عام 
١‏ وفيّ يناير/ كانون الثاني 2.١157‏ بعد خفض قيمة الجنيه الاسترليني؛ تعلن 
بريطانيا العظمى عن انسحابها النهائي من الخليج في عام ١41١؛:‏ وهو ما حدث 
في شهر ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام. 

وهكذا فقد انتهت «الإمبراطورية من خلال المعاهدات». على أن لندن نجحت 
في الاحتفاظ بعلاقات مربحة مع بلدان الخليج. 


الشمال الأفريقي على طريق الاستقلال 
أدت الحرب العالمية إلى إنهاء السيطرة الإيطالية في ليبييا. وبعد ترددات 
لمعرفة لمن يجب أن يُعهَدْ بالوصاية على هذا البلد المحتل جزئيًا من جانب قوات 
فرنسية وبريطانية: تفضي الضرورات الدولية إلى الاعتراف باستقلاله. 


#كه 


ولا تعود السيطرة الفرنسية مقبولة في الشمال الأفريقي. وفي المحميتين» تعد 
النخب مستعدة للحلول محل الدولة الكولونيالية. وهي تنجح في قيادة حركة شعبية 
قوية عازمة على طرد الأجانب. وينجح بورقيبة ومحمد الخامس في اللعب على 
استخدام القوة للنجاح في التفاوض على انسحاب المستعمرين بشكل جيد النظام. 
. وهما محظوظان لأن محاوريهما الفرنسيين عازمون على تفادي الأسوأ. ومن 
المؤكد أن الأحداث العنيفة ليست معدومة. والنموذج العام هو فترة أولى تتم فيها 
إصلاحات في غمرة ما بعد الحرب؛ وفشلها حيال رد فعل الأوساط الاستعمارية 
المحافظة. ويعقب ذلك اختبار قوة عنيف بين أنصار الاستقلال والاستعماريين. 
وهو يفضي إلى حل وسط يتمثل في الحكم الذاتي «الداخلي» لتونس في يوليو/ 
تموز ١104‏ و«الاستقلال ضمن الاعتماد المتبادل» للمغرب الأقصى في نوقمبر/ 
تشرين الثاني .١35©‏ وفي مارس/ آذار 15557ء تؤدي اتفاقات إلى إنهاء الحمايتين 
وتقود إلى الاعتراف الدولي باستقلال الدولتين. 

والتطور أكثر درامية بكثير في الجزائر المستوعيّة في الأرض المتروبولية. 
والحال أن اضطرابات سطيف التي أعقبها قمع 'تحوّل إلى مذبحة في مايو/ أيار 
65 قد أدت إلى الانفصال فيما بين الجماعتين. وتُكثر الإدارة من التزويرات 
الانتخابية على حساب القوميين. والنتيجة ترتد لصالح العناصر الأكثر جذرية 
المنبثتقة من الحركة المصالية. وقوام الحركة شعبي إلى حد جد بعيد؛: بل 
بروليتاري. ويفضي هذا إلى انتفاضة ١154‏ التي تتلوها حرب استقلال رهيبة 
تستمر حتى عام ١957‏ وسوف تستتبع'رحيل السكان الأوروبيين. ويؤدي العشف 
إلى سقوط أعداد لا تحصى من الضحايا المدئيين. ويقابل الإرهاب الذي يمارسه 
الجيش الفرنسي الإرهاب الذي يمارسه الاستقلاليون الذين يرفضون أي تعددية في 
صفوفهم. والحال أن الحرب بين «الأوروبيين» و«العرب» إنما تمتزج بحرب 
أهلية في صفوف الفرنسيين وحرب أهلية أخرى أكثر دموية بكثير فسي صفوف 
الجزائريين. 

وإذا كان الجيش الفرنسي قد شعر بأنه قد كسب الحرب على المستوى 
العسكريء ومن هنا ألمه الداخلي: فقد كان من الناحية العملية هالكا من الناحية 
السياسية منذ الأعوام الأولى. والحال أن شارل ديجولء إذ يقبل ما لا مفر منه؛ إنما 
يحول توجه المصير الفرنسي. 


هكم 


وبتفاوتات ملحوظة في الظلال؛ تنخرط الدول الثلاث الي حلت محل 
المستعمرة والمحميتين في مشروع تنموي ذي طابع سلطوي مع الحفاظ على 
علاقات خاصة مع المترويول السابق. وتجعل الجمهورية الخامسة من ذلك رهانا 
سياسيًا رئيسيًا عن طريق «التعاون الإحلالي» الذي يطمح إلى تكوين كوادر الدولة 
بعد الكولونيالية ويفضي إلى نشر أوسع للفرانكوفونية. وعندئذ يدخل مشروع 
التعريب الهوياتي في المنافسة في اللحظة التي يتحقق فيها هذا التعاون بشكل ناجز. 
والحال أن التعريب الذي يجري بصورة سيئة إنما يتعارض أيضنا مع دعوى هوية 
بربرية [أمازيغية]. وينتج عن ذلك في أواخر القرن العشرين نزاع بين «الناطقين 
بالعربية» و«الناطقين بالفرنسية» في داخل الطبقات المتعلمة. فالأولون يتمسكون 
بأصالتهم والأخيرون يتشبثون بكفاءاتهم. 


نزعغ الاستعمار والمواطنة الإمبراطورية 
ومولد إسلام أوروبي 

نزع الإستعمار هو استرداد الشعوب المسودة لهويتها الجماعية. وهو يُبقي 
مفتوحة للأطقم الحاكمة الجديدة مسألة التنمية» المطروحة في. الزمن الكولونيالي 
الأخير. ويتمتل أحد عوامل انتهاء السيطرة الخارجية في الصعود الذي لا يُقَاوَمْ 
لعدد السكان والذي يتطلب إعادة تعريف لمهمات الدولة مع تزايد متصل للخدمات 
الاجتماعية (التعليم» العلاج؛ الوظائف) التي يجب تقديميا السكان, والحسال: أن 
التمييز بين «المترويول» و«البلدان التابعة» إنما يجعل من الصعب القيام بتحويلات 
مالية ضخمة لصالح هذه الفئة الثانية. وهذا ونا يرنه تي رفيا 

ب«الكارتيريه»!") وشعار ها «الكوريه أولى من الزامبيزي»!”". 
وخلال مرحلة الانتقال نحو الاستقلال؛ حاولت الدولة الاستعمارية تعديل 
العلاقة الإمبراطورية بتحديدها على أنها «جماعة»: فرنسا ما وراء البحار؛ 
الجماعة الفرنسية؛ الكومونويلث المفتوح أمام غير البيض مع انضمام الهفد 
وباكستان إليه. وكان الطموح هو بناء علاقة جديدة بالاعتماد على وجود تاريخ 





(*) يبدو أن هذا المصطلح مأخوذ من كلمة 0!18.1165 الفرنسية والتي تعني الحي» فيعني المصطلح 
إيلاء الأولوية لمصالح «الحي» وهوء هناء فرنسا. -م. 
( 0) الكوريه نهرفرنسي والزامبيزي نهر في وسط أفريقيا. - م. 

25 


مشترك طويل إلى هذا الحد أو ذاك وعلى وجود لغة مشتركة. ويرى المسيطر 
السابق في ذلك وسيلة للحفاظ على نفوذ يسمح له بالتأثير على شؤون العالم. بيئما 
يرى المسودٌ السابق فيه مدخلا إلى أشكال مختلفة للتعاون ولنقل القدرات التقانية. 

وينجم عن ذلك» على نحو مفارقء أنه في اللحظة التي تحَدَدْ فيها الاستقلالات 
حدوذا جديدة؛ لم يكن انتقال البشر على هذه الدرجة من الكثافة في أي وقت مضى. 
فالأمل في حياة أفضل يدفع جزءًا من الأهالي السابقين إلى الرحيل في هجرة تسمى 
هجرة العمل والتي تفضي في أغلب الأحيان إلى إقامة نهائية. ويسهّل من هذه 
الهجرة وجوذ هذه البنى المسماة بالبنى الجماعاتية والتني تجعل من المستعمّر 
السابق أجنبيًا ذا وضعية ممتازة في ما يصبح بالنسبة له مترويولاً بالفعمل. فيمكن 
الحديث عن «مواطنة إمبراطورية» قائمة بعد انتهاء وجود الإمبراطورية نفسه. 
والحال أن الاحتياجات إلى اليد العاملة» وهي احتياجات مرتبطة بالنمو الاقتتصادي 
السريع الذي عرفته الأعوام الثلاثين المجيدة؛ إنما تفسر إلى حد بعيد هذه اللاهرة 
من زاوية الطلب كما من زاوية العرض (توافرٌ مهاجرين قادمين من أوروباء 
وخاصة من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال يقل تدريجيًا). أا خلال سبعينيات 
وثمانينيات القرن العشرين؛ فإن قيوذا مهمة بشكل متزايد باطراد قد رضت على 
هذه الهجرة التي كانت مقضورة من النلخية النظرية علي لم الشيل: العائلي وعلسى 
تدابير «تنظيمية». 

وهكذا فإن تعداد عام ١191©‏ في فرنسا يحصي ٠٠١ ٠٠١‏ جزائري 
و78 مغربى 1840243 تونسي؛ انافك عن أولنك الذين خاصلوا غلسى 
الجنسية الفرنسية. وبحكم غياب إحصاء إثني وإحصاء للزيجات المختلطة؛ فمن 
المستحيل تحديد الوزن الفعلي للسكان المسمين بالمسلمين في فرنسا. وفي بريطانيا 
العظمىء فإن تعداد عام ١‏ والذي يشتمل على بعد يتمثل في بيان الانتماء 
الديني إنما يشير إلى وجود ١,5‏ مليون مسلم يرجع أصل أغلبهم إلى الدول التي 
حلت محل إمبراطورية الهند البريطانية. أمّا الهجرة التركية إلى أورويا فهي 
متأخرة أكثر ولا تتخذ بدا ضخما إلا اعتبارا من ستينيات القرن العشرين. وعندئذ 
تلعب ألمانيا دور المترويول. وقد جرى في عام ١487‏ تعداد ١ 507 .٠.٠‏ تركي 
في جمهورية ألمانيا الاتحادية و٠٠.‏ 154 في هولندهو... ١544‏ في فرنسا 
و6٠0٠‏ 55 في بلجيكا. 


وقد أدت ثورة عام ١97/5‏ الإيرانية أيضنًا إلى خلق دياسيورا مهمة في مجمل 
أوروبا. ٍ 
وإلى أرقام هؤلاء القادمين من الشرق الأوسط أو من العالم الإسلامي القاريء 
يجب أن نضيف الحصة المتزايدة لمسلمين قادمين من أفريقيا السوداء. وفي 
تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ أصبحت 
إسبانيا وإيطاليا بدورهما أراضي للهجرة المسلمة. 

وهذا الانقلاب في تدفقات الهجرة في سياق نزع الاستعمار يسمح بتكثيف 
العلاقات البشرية بين أوروبا والعالم الإسلامي في إطار الثورات الجديدة لوسائل 
النقل والمواصلات. وإذا كان المهاجرون الأوائل لم يطمحوا إلا إلى إقامة مؤقتة 
فإن الاستقرار إنما يصبح مقيئا. وقد اختلفت سيرورة «اكتساب الطابع 
المتروبولي» من بلد أوروبي إلى الآخر.تبعا لحقائقها الواقعية الأنثرويولوجية. 

وكان الواقع الرئيسي هو أن اختفاء الواقع الكولونيالي قد ترافق مع إنهاء 
الوضعية الشخصية التي كانت مرتيطة به. فالاستقرار والتجنس يتطلبان قبول 
الوضعية المدنية العامة للسكان الأوروبيين: لكن الممارسات الاجتماعية والسياسية 
للدول المعنية كانت مُنمذجة على نحو مباشر وفق الروؤى الأنثرويولوجية 
للمترويولات. وهكذا فإن الرسالة التمدينية الفرنسية السابقة قد تحولت إلى إشكالية 
الدمج/ الاستيعاب؛ وتحول الحرص البريطاني على مراعاة الاختلاف إلى التعددية 
الثقافية بينما أبقت ألمانيا لوقت طويل على خرافة وضعية أجانب مُوْيْدة لعدّة أجيال. 

والحال أن الهجرة المسلمة إلى أوروبا قد تعلقت في المقام الأول بيروليتاريين 
ريفيين وحضريين؛ حتى وإن كان جامعيون قد شاركوا فيها أيضاء بشكل موان 
وبشكل متزايد. وإذا كان الدافع الاقتصادي هو الدافع الأول» فقد تعلقت الهجرة 
أيضًا بجماعات مرفوضة بوصفها متواطئة مع الإمبريالية وبأفراد سعوا إلى العثور 
في أوروبا (وفي أميركا الشمالية أيضنا) على إمكانيات تحقيق إنجازات مهنية 
وشخصية من المستحيل تحقيقها في المجتمع الأصلي. والحال أن «الجيل الأول» 
قد مكث بالأحرى في سيرورة ابتعاد عن مجتمع الاستقبال وذلك بحكم خارجيته 
وأسطورة العودة نفسهما. وتبدأ مشكلة التثاقف مع «الجيل الثائي» من خلال 
سيرورة تمايز اجتماعية وتطور اقتصادي يميل إلى العمل على اختفاء الطبقة 


كه 


العاملة كنموذج مرجعي و«إضفاء طابع إثني» على عدد معين من السلوكيات 
الاجتماعية. وفي سياق مصباغنب اقتضادية مقيطة: :أخيل: أبناع المهاهزية الى هوية 
أصلية كانوا مدعوين في الوقت نفسه إلى الخروج منها. والحال أن التفرقات 
العديدة التي كانوا ضحايا لها إنما تحبسهم في شراك هوياتية مخيفة. ويتمثل الخطر 
في أن تظهر «طبقات إثنية» (الخلط بين التحديد الاجتماعي والتحديد الإثني؛ بل 
الديني). وسوف يتحقق الحل عبر قبول الهويات المتعددة في داخل كل فرد 
(الأصل الإثني والديني والانتماء الإقليمي والقومي والأوروبي) وعبر النضال ضد 
التفرقات وعبر الصعود الاجتماعي (ظهور طبقة متوسطة من أصول مهاجرة). 
وحتى إذا كان جانب من النزاعات المعاصرة يستعير معجم الاستعمارء فإن الفارق 
الرئيسي إنما يكمن في غياب قوانين يتباين تطبيقها بحسب الوضعية الشخصية؛ 
الأمر الذي يسمح باختلاط حقيقي» خاصة في الزواج. ويتعلق الاختلاط الأول 
بالامتزاجات فيما بين مسلمين من أصول مختلفة. 

ويتحقق «التحول المتروبولي» للمسلمين عبر الإقامة الصعبة غالبا لبنية تحتية 
لخدمات دينية. وسوف يتحقق تأكيد إسلام أوروبي خاص عبر الطلب الاجتماعي 
نفسه. ويتطلب تنوع الأصول تعددية فعلية تقترب من تعددية الكنائس البروتستانتية. 


القومية والعالم الثالث والوصول إلى العالمية 

تصطدم الدولة المتحررة من السيطرة الأوروبية بمشكلة التنمية التي يتعين 
عليها تولي المسؤولية عنها بالكامل. وينزع نهجها إلى أن يكون أرادويا وهو 
يتحقق في الأغلب عبر السلطوية. ثم إن الجماعات الجديدة الموجودة في السلطة 
إنما تستخدم التنمية أيضنا للقضاء على الركيزة الاقتصادية للنخب القديمة المتهمة 
بالتواطؤ مع الإمبريالية. وتتمتل مرحلة رئيسية في تأميم المصالح الاقتصادية 
الأجنبية» وهي في الأغلب مصالح أوروبية. وتتحقق هذه السيرورة الإرادوية في 
الأغلب عبر دولنة للاقتصاد مع مخطط أولي أيضنا لدولة رعاية اجتماعية. وتبني 
المعجم الاشتراكي مألوف. 

وحيال الكتلتين العالميتين: تشعر دول ما يسمى بالعالم الثالث بفكرة انتماء 
مشترك فيما بينها وذلك بسبب تجربتها المشتركة مع الاستعمار وبسبب إشكالياتها 


658 


التنموية. وفي مؤتمر باندوئج في عام ١165©‏ حيث مثلت كل الدول الإسلامية 
المستقلة؛ جرى إعلان مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والحياد. ويتمثل 
الطموح في أن واحد في إضفاء القداسة على الدولة المستقلة ومطالبة البلدان 
الصناعية بأكبر قدر ممكن من المساعدة على أن تكون مساعدة غير مشروطة. 
وسياق الحرب الباردة يتسع لذلك بقدر ما أن عدذا معينا من الدول يتميز بأهمية 
جيوسستراتيجية. 

ويتحول الحياد إلى عدم انحياز. وتجري المطالبة بالمساعدة الإنمائية القادمة 
من البلدان الصناعية بوصفها مساعدةٌ مستحقة لاسيما أن من المفترض أنها تعوض 
أيضنا عن «انهيار شروط التبادل التجاري» بين المنتجات المصنعة والمواد الأولية 
لبلدان العالم الثالث. وتطمح معاداة الإمبريالية إلى أن تكون لحمة ائتلاف «القارات 
الثلاث» هذا والذي يجمع بين بلدان «تقدمية» بشكل سافر على نحو متزايد باطراد. 

والحال أن التقدمية والتنموية إنما ترافقان النهج القومي المتمثل في الوصول 
إلى استقلال حقيقي يسمح بالمشاركة الكاملة في شؤون العالم على مسستوى من 
المساواة. ويسمح التحرر بتحديث/ تغريب يُعَدْ مقبولاً لاسيما أنه يجري في قطيعة 
مع المسيطر الأوروبي السابق ومن ثم فإنه تحريري. والحال أن عددا من الدول 
المسلمة؛ باختياره طريقا يستلهم الاشتراكية؛ إنما يمكنه من ثم تأكيد دولته الحديئة 
ووصوله إلى العالمية من دون اتهامه بالخيانة. 

وحيال هذه التقدمية التي قد يتعرف كثيرون من الأوروبيين على أنفسهم فيهاء 
حاولت الحكومتان الفرنسية والبريطانية في عام ١165‏ «شيطنة» خصمهاء عبد 
الناصرء حيث صورتاه في صورة المقتدي بموسوليني؛ بل بهتلر. وهكذا جرى 
استخدام معاداة الفاشية للتصدي لمعاداة الإمبريالية التي تلتها. وقد حدث الشيء 
نفسه مع حركات الاستقلال في الشمال الأفريقي والتي جرى اتهامها في وقت واحد 
بأنها حركات إسلامية معادية للعلمانية وفاشية وشيوعية. ويؤدي إنجاز نزع 
الاستعمار إلى اختفاء هذه الخطابات لصالح رؤية تستوعب الحقائق الواقعية المنبثقة 
عن الاستقلال. وفي مجال الدراسات العربية والإسلامية» فإن عمل واحد كجاك 
بيرك وء ضمن منظور نقدي أكثر؛ عمل واحد كمكسيم رودنسونء إنما يعبران عن 
هذا الأسلوب في تأمل اللحظة التاريخية لنزع الاستعمار. 


يت 


وبمجرد إنجاز نزع استعمار العالم الإسلامي من الناحية العملية» تظل مسألة 
إسرائيل خْرَاجَ الولع المرضي الرئيسي. ويرى القوميون العسرب أن «الكيان 
الصهيوني» هو «قلعة» أو «قاعدة» الإمبريالية في العالم العربي. فهو استتئناف 
للحملات الصليبية؛ وللمحاولات السابقة للإمبريالية للوجود في هذه المنطقة. وهو 
واقع مصطنع يستمد قوته من الخارج لكنه يشكل تهديذا خطيرا! جرّاء «نزعته 
التوسعية». وفي خمسينيات القرن العشرين» يجري ربط إسرائيل إلى حد بعيد 
بالاستعمار الأوروبيء وهذا واقع برهن عليه «التواطؤ الثلاثي في عام »١965‏ 
ودور الولايات المتحدة في تسوية أزمة السويس. 

إلا أنه بين عامي ١915‏ و14717: تتوقف البلدان الأوروبية عن تزويد 
إسرائيل بالسلاح؛ ما يجعل من الولايات المتحدة المورّد الرئيسي للدولة العبرية. 
وتؤدي حرب ١157‏ إلى التعجيل بهذا التطور. وفي مسألة الأراضي المحتلة 
وتطبيق القرار رقم 47 7, تبدأ البلدان الأوروبية في التمايز عن السياسة الأميركية. 
ويترافق تقدم البناء الأوروبي [الاتحادي] مع البلورة الصعبة لموقف مشترك 
للجماعة الاقتصادية الأوروبية. وخلال حرب 1977ء تتباعد أوروبا بشكل أوضح 
عن الولايات المتحدة. والحق أنها تبدو أكثر هشاشة حيال ضغوط البلدان العربية 
المنتجة للبترول. 

والسياسة الخارجية المشتركة للسياسة الأوروبية»ء خاصة فيما يتعلق بالنزاع 
الإسرائيلي - العربي ومسألة فلسطين» ترمي إلى أن تكون سياسة ذات طابع 
«إعلاني»» أي التوصل إلى تحديد موقف مشترك بشأن أسس تسوية سياسية. 
وتفترض هذه السياسة» قبل أي نشاط دييلوماسي فاعل في الشرق الأدننىء تنسيقا 
سياسيًا مكثفا فيما بين الأوربيين أنفسهم» ومن هنا عدم وضوحها والانعدام النسبي 
لفاعليتها. على أن الأوروبيين يجدون هنا متعة خفية في أن يردوا ضد الولايات 
المتحدة الاتهامات بالإمبريالية والتي كانت قد وجّهت إليهم عند نزع الاستعمار. 

ثم إن«السياسة العربية»؛ التي دشنها شارل ديجول في الأعوام الأخيرة . 
لرئاسته وقام خلفاؤه بتطويرهاء إنما تهدف؛ بحسب المنظرين لهاء إلى أن تكون 
بمثابة طريق ثالث. فالمراد هو دعوة البلدان المعنية إلى الخروج من الاختيار بين 
الولايات المتحدة والاتحاد السوقييتي بتزويدها بإمكانية الوصول إلى التكنولوجيا 


ابام 


الحديثة» بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة العسكرية؛ فرنسية المصدرء في مقابل 
جزء من عائداتها البترولية. ويبدو العراق البعثي منذ عام ١558‏ مهتمًا بهذا 
العرض اهتمامًا خاصنًا. والحال أن الشركاء الآخرين إنما يستخدمون بالأحرى 
العروض الفرنسية للفوز بهامش مناورة أوسع حيال الدولتين الأعظم. وهذه 
ال ري ل ا ا فإيطاليا تند تنتهج نهجا مماثلاً. ثمإن 
إسيانيا واليونان المرشحتين» بعد تحولهما الديموقراطيء للانضمام إلى الجماعة 
الاقتصادية الأوروبية» قد ٠‏ تبنتا التصور نفسه. والحال أن أوروبا المتوسطية كلها 
تبدو محبّذة لتقارب مع البلدان العربية. لكن ثقل النزاع الإسرائيلي - العربي فادح 
جذًا بحيث يتعذر على الحوار الأوروبي - العربي الذي جرت محاولة للقيام به. 
على المستوى المؤسسي بعد حرب ١9177‏ أن ية يفضي إلى نتائج ملموسة. 


الإسلام السياسي وثقافةً السخط وحقوق الإنسان 
يتياين النجاح المؤسسي للتحرك التدريجي في اتجاه الوحدة الأوروبية مع 
الإخفاقات المتكررة للقومية العربية الوحدوية. واعتبارًا من سبعينيات القفرن 
العشرين» تعتبرٌ الجماعة الاقتصادية الأوروبية نموذجا عمليًا لا تنجح الدول العربية 
في أن تحذو حذوه. 
وعندما استولى عبد الناصر على السلطة» كان معارضا على طول الخط 
للإخوان المسلمين المتهمين بالافتقار إلى مشروع سياسي ملموس. وبإزاحتهم بالقوة 
في عام 1164ء وجدوا أنفسهم يُعَامَُون بوص فهم «قوى رجعية في خدمة 
الإمبريالية». وفي الحرب الباردة التي قامت في ستينيات القرن العشرين بين عبد .. 
الناصر والعربية السعودية» استخدم الرجل هذه المحاجة استخداما مستديمًا. والحال 
أن ل و اال ا ل ا ا إنما تسمحان له 
بتهميش الحر كة الإسلامية السياسية. وبالمقابل» تبدي الولايات المتحدة بالأحرى 
تغاطفا معنا ضع :ند القوى المعادية للشيوعية والمعادية للاتحاد السوقييتي. أمّا فيما 
يتعلق بالأوروبيين» فإنهم يتجاهلون هذه القوى» معتبريئها قوى تنتمي إلى الماضي. 
وخلال هذه الفترة كلهاء قام الإسلاميون بإعادة تعريف قوام مذهيهم جاعلين 
منه التعبير الجذري عن نزعة أصالة قومية. فالسيطرة الغربية ليست مجرد سيطرة 


عه 


اقتصادية وعسكرية؛ بل هي بالدرجة الأولى سيطرة ثقافية. إنها عدوان ثقافي دائم 
يلوث المجتمعات الإسلامية بعدواه. ويطمح الإسلام السياسي إلى أن يكون ردًا 
شاملاً من جانب الأصيل يؤدي إلى طرد الغريب المفروض. وهذا يسمح للإسلام 
السياسي بنزع الاعتبار عن النزعة القومية التحديثية المعرقة بأنها أداة تغريب. 
فيصبح الاستقلال» على نحو مفارق؛ «أعلى مراحل الإمبريالية». ويجري تعريف 
الإسلام بأنه جوهر غير قابل للتغيير تجب العودة إليه لأنه قادر على تقديم الحل 
لكل المشكلات. ومنذ البداية لم يكن أي فعل غربي سوى مؤامرة خبيثة. 

ومن المفارقات أن الفكر التقدمي: بل بعد الحدائي؛ إنما يقدم عونه إلى 
الإسلام السياسي. فإدوارد سعيدء في كتابه الشهير الصادر في عام 219178 
الاستشراق؛ الشرق الذي خلقه الغرب» يشجب تحديذا الخطاب الغربي بشأن 
العالمين العربي والإسلامي بوصفه تعريفا جوهرانيًا وتحقيريًا وهيمنيا. وهو إذ 
يفعل ذلك؛ يتصور بدوره جوهرا غربيًا جد قريب من الجوهر الذي تصوره 
الإسلاميون السياسيون» مع اعتباره كل مقاربة نقدية للعالم الإسلامي مشروع 
سيطرة. ومن المؤكد أنه يسعى إلى إدراج منظوره في مجمل معارك العالم الثالدث 
ضد الإمبريالية وكثير من محاجاته تصيب الهدفء إلا أنه يبقى مع ذلك أن هذا 
مشروع تجريد من الاعتبار أبرزٌ مكسيم رودنسون مخاطره في وقته. 

ولدى بعض تلامذة [إدوارد سعيد]ء» يجنح نقد الاستشراق إلى صوغ كاتالوج 
واسع للسخطء في حين أن الرجلء؛ في الأعوام الأخيرة لحياته» قد دعا بالأحرى 
إلى صوغ استغراب علمي في البلدان الإسلامية. 

وعندما يصبح الإسلام السياسي الخطاب السائد في المجتمعات الإسلامية؛ 
اعتبارًا من ثمانينيات القرن العشرين تحت تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية:؛ فإنه 
يظهر للأوروبيين بوصفه «عودة للدين»» بل «ثأر الله». ويجري تشبيهه بالأشكال 
الأخرى لأصوليات ديئية» كالمسيانية الاستيطانية في إسرائيل أو الأصولية 
البروتستانتية في الولايات المتحدة أو التماميات الكاثوليكية المنشقة. ويمكننا أن:٠‏ 
نضيف إلى هذه الأصوليات التجذر الأصالي للهندوسية. وفي أوروبا آخذة في نزع 
المسيحية» أوروبا التي استأنست الواقع الديني من دون أن تلغي الأشكال المختلفة 


ااه 


للتدين» يستثير الإسلام السياسي الخوف لاسيما أنه يجد لنفسه ترجمة في تبرير 
الجهاد. ومن المؤكد أنه عندما يخاض هذا الجهاد في أفغانستان ضد السوقييت» فإنه 
يُنسَبْ إلى «المقاتلين من أجل الحرية»» إلا أنه عندما يمتد إلى لبنان بعد الغزو 
الإسرائيلى فى عام ١187‏ ثم إلى فلسطين» فإنه يصبح العدو. 

00 ات ره الدولة في البلدان ل بأنها «معتدلة» يجب 
دعمها في مواجهة الإسلاميين الذين يحلون محل الاتحاد السوقييتي الآخذ بالأفول. 
وهي تجيد. اللعب بهذه الورقة لنيل مساعدات مختلفة وللحصول على تعاون أمني. 
والحال أن عراق صدام حسين في سبعينيات القرن العشرين والجزائر في الحرب 
الأهلية في تسعينيات القرن العشرين إنما يحصلان على دعم عام من الدول 
الأوروبية والغربية» في مواجهاتهما المسلحة مع الإسلاميين. 

وفي الوقت نفسه؛ فإن آلية روح باندونج الحامية قد كفت عن العمل. وقد 
اندرجت العالم - ثالثية في النموذج العام. لنضالات التحرر التي اعترفت بضرورة 
استخدام العنف وبالسلطوية. والحال أنه اعتبارًا من أواخر سبعينيات القرن 
العشرين» ع ل هذا النموذج نموذج حقوق الإنسان الذي يعطي الأولوية للدفاع 
عن الضحايا. فيتعرض الجانب الديكتاتوري للأنظمة القائمة في البلدان الإسلامية 
للتحدي من جانب مختلف المنظمات غير الحكومية والغربية المدافعة عن حقوق 
الإنسان. أمّا الحكومات الأوروبية فهي مضطرة إلى الدفاع عن سياساتها الداعمة 
إلهذه الأنظمة] بمتطلبات منطق الدولة. 

والحال أن الأنظمة السياسية في البلدان الإسلامية؛» والمعرّضة لمختلف أشكال 
التحدي المنقولة إلى أوروبا عن طرويق الدياسيورات» إنما تشهد انحطاط صورتها 
بشكل متواصل. فنرجع من هذا التحدي إلى المسألة الثقافية» بما يعد استعادة مفارقة 
لمسألة الإسلاميين الثقافية. فهل قد تكون الديموقراطية الحديثة والتحريرية 
متعارضة مع طبيعة المجتمعات الإسلامية؟ عندكذ نجد أنفسنا بإزاء تلاق 
للمنظورات بين المؤمنين الغربيين ب«صدام الحضارات» والحركات الإسلامية 
السياسية المختلفة. 


6 لاه 


شواغل القوة والشواغل الأمنية الأوروبية 

أدى منطق توسع الاتحاد الأوروبي إلى دفعه إلى أن يغطي تدريجيًا مجمل 
الضفة الشمالية للبحر المتوسطء باستثناء كرواتيا وألبانيا وتركياء حتى الآن. وفي 
هذا الإطارء دشن الاتحاد الأوروبي في عام ١116‏ العملية المسماة بعملية برشلونة 
والخاصة بالشراكة الأوروبية - المتوسطية. وقد عُقدت اتفاقات شراكة مع الجانب 
الأكبر من بلدان ما يسمى بالضفة الجنوبية. وقام الاتحاد بتمويل برامج إأصلاحات 
تمضي في اتجاه التبادل التجاري الحر. ويجري العمل على تطوير العلاقات بين 
المجتمعات المدنية للضفتين. وفي عام ©٠٠7؛‏ بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة 
[لعملية برشلونة]» جرى تعريف البحر المتوسط بأنه أولوية استراتيجية بالنسبة 
لمجمل الاتحاد الأوروبي. 

وبشكل موازء في إطار عملية السلام» تحمل الاتحاد الأوروبي المسؤولية عن 
جائب كبير من تمويل السلطة الفلسطينية؛ متجاونً! بذلك الإطان الإعلاني الخالص 
لسياسته السابقة. وهو أيضنا عضو في الرباعية مع الولايات المتحدة وروسيا 
ومنظمة الأمم المتحدة» وهي الرباعية المكلفة بالتوصل إلى حل سياسي لمسألة 

ولا يجب أن نخفي عن أنفسنا أن الشاغل الأهم للاتحاد وللدول الأعضاء فيه 
ذو طبيعة أمنية. فكلما امتد الاتحاد جغرافيّاء يصبح جيرانه مسلمين. وحتى إذا كان 
يتحدث عن إصلاحات لا بد منهاء فإن أولويته الأولى ذات طابع محافظ: فالمراد 
هو تأمين الاستقرار في جواره المباشر لأن النزاعات الداخلية في العالم الإسلامي 
تجد صدئ لها على أرضه هو. وهكذا رأينا في ثمانينيات وتسعينيات القرن 
العشرين إسقاطا للإرهاب في فرنسا يرتبط بالنزاع الإيراني - العراقي وبالحربين 
الأهليتين اللبنانية والجزائرية. ويتطلب البُعد الأمني تعاونا معزّزا مع الدول 
الإسلامية. 

والإشكالية نفسها موجودة أيضنا في مسألة الهجرات. فالعالم الإسلامي يقدم 
حصة لا بأس بها من المقيمين «من دون وثائق إقامة» والذين سعوا إلى الوأصول 
إلى أوروبا وأغلب الآخرين ينتقلون عبر البلدان الأوروبية نفسها. وهنا أيضاء فإن 


واه 


هذه البلدان [الإسلامية] تجعل من المهاجرين أداة ضغط على أوروبا القلعة التي قد 
تسعى إلى تزويد نفسها بأسوار يتعذر اجتيازها. ويجب أن نضيف إلى ذلك 
التهريبات المختلفة للمخدرات والإرهاب. 

وبعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول :,7٠١٠١‏ كانت أوروبا ضحية للإرهاب 
الجهادي على أرضهاء خاصة في مدريد ولندن. ويتم النضال المعادي للإرهاب 
عبر تعاون متصل في مجال المعلومات بين الأوروبيين وشرطة العالم الإسلامي. 

والحال أن مجمل هذه الضغوط إنما يدفع البلدان الأوروبية إلى رؤية محافظة 
بالأحرى لعلاقاتها مع العالم الإسلامي. ويطمح التصور إلى أن يكون تصورًا 
خاصنًا بالأمد الطويل. فأوروباء بتشجيعها عمليات الإصلاحات وبتمويلها وتفديم 
عون تقاني لهاء إنما تعمل على انتقال نحو عالم عربي أكثر ديموقراطية. ويبقى مع 
ذلك أن المحاورين العرب والمسلمين للأوروبيين لا يرون غير أفق ذرائعي في 
علاقاتهم مع أوروبا. فأوروبا مرغوبة للإسهام في تحسين: أداءات أجهدتز: الدولة 
والاقتصاد حتى يتسنى تأبيد ال 4:0)9و //5/4 تحديذا. والحال أن المستقبل وحده 
هو الذي سينبئنا مَنْ من الطرفين ستكون له الغلبة. 

ويبقى مع ذلك أن المسألة الثقافية تظل جوهرية؛ في الخطاب على الأقل. 
والمسؤولون الأوروبيون» الفرنسيون خاصة:؛ يتمسكون بمكافحة إشكالية صدام 
الحضارات. فحوار الثقافات في جدول الأعمال. لكن مسألة انضمام تركيا إلى 
الاتحاد الأوروبي تستثير انفعالات عنيفة. 

فمن يتبنون تفسيرا ثقافيًا للبناء الأوروبي [الاتحادي] ينفون انتماء تركيا إلى 
الكيان الأوروبي. وهم لا يريدون أن يروا أن الواقع الثقافي والديني لأوروبا لم 
يوجد إلا عندما كانت أورويا مؤلفة من بلدان ذات تراث كاثوليكي وبروت ستانتي. 
ومع انضمام اليونان إلى الجماعة [الاقتصادية الأوروبية] في عام 2138١‏ فإن بلذا 
بلقانياء أرثوذكسيًا وكان في السابق عثمانيّاء ولم ينتم إلى الثقافة الأوروبية إلا 
اعتبارًا من القرن التاسع عشر على الرغم من دعواه بأنه وريث العصر القديم 
الكلاسيكي؛ هو الذي ينضم إلى الكيان الأوروبي الجامع. والأمر كذلك بالنسبة 


(*<) الوضمع القائمء باللاتينية في الأصل. -م. 
1 كلساه 


للتوسعات التالية التي أعقبت انهيار الكتلة الشرقية. ومن الناحية العملية» فإن البلدان 
البثقانية العثمانية السابقة كلهاء فيما عدا ألبانيا وصربيا ومقدونياء قد شكلت أو 
سوف تشكل جزءًا من الاتحاد الأوروبي: 

والحال أن جمهورية تركيا إنما تشكل إلئ حد بعيد؛ بحكم تاريخها وثقافتهاء 
جزغا من المجمل البلقاني الذي يشمل مسلمين عديدين. أمّا مسألة الدين فهي أكثر 
تعقيذا. فالعداء لتركيا يتغذى على إسلاموفوبيا تتغذى إلى حدٌّ بعيد على تجليات 
نزعات جذرية إسلامية مختلفة (الإرهاب الجهادي والحساسية المفرطة تجاه كل ما 
قد يمكن اعتباره هجومًا على الخطاب الإسلامي أو حتى نقذا له). 

والحال أن المشكلات الحقيقية ألتي تطرحها مسألة انضمام تركيا إنما تعد ذات 
طابع سياسي أكثر: النزعة القومية التركية المتطرفة ضمن استمرارية الكمالية التي 
حولت إلى أسنطورة؛ وتوزطات تركيا المعقدة في شوون الشرق الأوسط (الأكراه: 
مياه نهر الفرات؛ الجوار مع إيران والعراق)» وتسوية مسألة قبرصء والشؤونْ 
الأرمنية. كما أن للديموغرافيا وزنها في الأمر. فمن شأن تركياء بسبب طبقاتها 
العمرية؛ أن تصبح البلد الأعلى كثافة سكانية في الاتحاد. وهذا يتطلب في الحدد 
الأدنى إعادة تعريف للمؤسسات الأوروبية:؛ والحال أن الاتحاد يبدو 0 من 
المستحيل عليه إصلاح هذه المؤسسات. 

لكن تركيا ليست «قنبلة» ديموغرافية موقوتة. فمعدل الإنجابية التركيبي فيها 
(عدد الأطفال لكل إمرأة) كان 1,37 في عام ,7٠٠١5‏ أي أقل من معدل أيرلنده أو 
فرنسا. والحال أن جزءا! لا بأس به من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط فد حقق 
بالفعل الجانب الرنيسي من انتقاله الديموغرافي (تونس: 21,74 الجزائر: .)1١,38‏ 
ومعدل إيران هو ١,8‏ (لكن معدل مصر 5,85" ومعدل سوريا 5,5" ومعدل المغرب 
الأقصى 9,18). وتَبيّنَ هذه المؤشرات أن أوروبا لن يكون بإمكانها في الأمد 
المتوسط أن تجد في البلدان الإسلامية القريبة يدا عاملة مهاجرة من المفترض أنها 
بحاجة إليها لمواجهة شيخوخة سكانها. بل إن من الممكن أن تصبح هذه البلدان 
بدورها وجهات لهجرة من مناطق أبعد. ْ 


كسضج 


مُكوّنات وجدانيةٌ مشتركة 

لا يجب لأعمال العنف المميّزة لأوائل القرن الحادي والعشرين أن تحجب 
وحدة المصير التي انبنت في قرنين ونصف قرن بين العالم الإسلامي وأوروبا. 
فاعتبارا من النصف الثاني للقرن الثامن عشرء قامت أوروباء بسبب قوتها 
المفرطة؛ بتحديد القواعد المتغيرة لعالمية جديدة رافقت توسع سيطرتها. وقد حلت 
محلها أميركا الشمالية بشكل جزئي في القرن العشرين. وعلى الرغم من تقلبات 
السياسة» استمر صوغ معايير جديدة عالمية المنزع. والأمر كذلك مع تحرر المرأة 
أو شرعنة المثلية. وتجد البلدان الإسلامية نفسها معرضة دوما لضغوط هذه 
المعايير الجديدة التي تقلب بناها الأنثروبولوجية الأساسية. 

والحال أن التحديث هو في أن واحد مدفوع من جانب أوروبا/ الغرب ونتاجٌ 
لتطورات داخلية للمجتمعات الإسلامية. وكان الأمر كذلك مع اختفاء مجتمعات 
النظام القديم المراتبية وإقرار معيار المساواة في الوضعيات وإعادات التعريف 
الهوياتية التي أدت إلى انبثاق النزعة القومية والدولة الحديثة. وفي كل لحظة» من 
المستحيل تحديد ما هو مستعار من الخارج وما هو إعادة تكوين داخلية. 

والتدمير الخلاق القادم من أوروباء وإن كان قد اكتسب استقلاليته الخاصة» 
إنما يتحقق؛ كما في أوروباء عبر اختراعات عديدة للتراث. ففي كل لحظة؛ تعيّن 
تبرير التجديد بربطه بالتراث الديني والثقافي. والحال أن المرحلة الهوياتية 
والأصالية للخطاب الإسلامي المعاصر إنما تجد إلى حد بعيد نظيرتها في أوروبا 
القرن العشرينء بما في ذلك من حيث جانبها الأكثر سواذاء كمعاداة السامية. ٠‏ 

وفي العولمة الراهنة؛ يحتل العالم الإسلامي موقا متوسطا بين البلدان 
الصناعية القديمة والجديدة» والبلدان الأقل تطور'اء كما تبين ذلك الجداول المستنئدة 
إلى مؤشر التنمية البشرية. والأداء متوسطء لكنه ليس مُخزيًا. فهو لا ينطوي على 
انحدار عام لثقافة مجتمعات العالم الإسلامي. 

والحال أن أوروباء بإنتاجها العالمية» قد تعولمت هي نفسها. فتقافتها المادية 
مشرءبة تشربًا عميقا بكل إسهامات العالم كما يدل على ذلك طعامها اليومي حيث 
نجد إسهامات كل العالم. ومن المستحيل فهم فنونها من دون الإحالات إلى ثقافات 
أخرى. وقد أصبح أدبها عالميًا منذ ترجمة ألف ليلة وليلة» في مستهل القرن الثامن 


ملاع 


عشر. وقد تغير تركيبها البشري وتحول قوامها الديني. وتحديد هوية أوروبية لا 
تأخذ في الاعتبار تعددية مكوناتها من شأنه أن يكون عبثا لا طائل من ورائه 
كتحديد شخصية مسلمة منغلقة عن بقية العالم. والأرجح أن شرك الأصالة» »الذي 
يستبعد الآخر بوصفه غرياء هو الخطر الأوسع انتشار! في كل العالم. 

وتتمثل الحقيقة الواقعية التاريخية في أن هناك اليوم في كل شخصية أوروبية 
جزءًا مسلئاء كما أن في كل مسلم جزءًا أوروييًا. والعنف الذي يتصور المرء أنه 
يمارسه ضد الآخر المرفوض هو بادئ ذي بدء عنف يمارسه المرء ضد نفسه هو. 
والحال أننا عندما نستفسر عن مُكوّناتنا الوجدانية المشتركة سوف نتوصل إلى 
حوار تقافات حقيقي .. 


2189 


بيبليوجرافيا مختارة 


.#ممعداتة! عل علمتدمامع ععتموتطا! )معمعويدا عمنامعم عتصمم ماع عل عنوأ)مصفط هآ 
ات (1998 رخص بوالدع تهنا لنه]:0) كعحصمسله؟ همك د عمتمرط وأعشامظ متلتإه جمنعتق) #دمل0 ا 
ومتادععي لذ وتمعمدة العتةاتدوة'ل كحم عتدنمام لآ كممتتخصصمم مكل عاطمعوام رمه عععيصد عمنا 
صتلمن) لصددكة عع كف النادم ععمسلهب؟ «معل مع عتعتسمام ععسممل ما ع2 مزم معزلا" عل عااعتديهم 
تعك 1991 جع عقالطنام مكتموضمع «ما)مكتدمامع ما عل عرزماكالاط عدم معأمامسم 5 ,1991 يع 
>7 .72565 لاأن؟ «اناعك دك امود 

حمتمدلة كعم عل دمتاعممتل هآ كنامة اميه ععامنصط'] عل #رزم كاك[ ععاناوزج نز أنه 11 
عناو أطناصقه مكل عءترمككاهلة ,املاط ,لمقطعنظ صصولا ,(2003 ,اميد ,كفو ,ومتاتةة مبعتمعل) 
10712015/ : عطهمه 07 اماكا دنا ,#ومفاملا كتودعط ,2006 ,عمفتمتسدكة ع1 عل مملءأالمظ ,مجنممائ 
.05 ,ع5لؤة:6]' , كتمصماكتطهم اع كدء 101 


: ممأأكعنك ذأ فلممطج امعمعوريدا! ذزمل امه كعك فطعم وععمممم وعلة 

0 | قتام) لمفصسة جتموط ,عطمىه علمدمم سل معفدعع و[ زه معدهجا صا .ءأطادودمما هتمه عا 

وم1اتلعتم : 1993 ,متام لسمممحية ,جضدط ,1945 6 1798 عل تدتماو اه عت«عاطمعه عطممه عتهتر0 .1 
000 لك عنامز ل مكاحم عملم 

خامدظ ,كتتمز عمد 8 945| عل علتمم عا لاه عطمعه نوع:0'| ,أعار0 عر 334 بيه مجعيع ع تنوم 
1999 ,ونام لمقصمة 

.2004 ,كدهتائلة كالط ,وتبوط ,عاووعا ل د«دفااتلفجه | ع0 01 ل ععام اوج 

,كطم !1ق 8 كي رعاسوظ , («رماوا'أ اء عسوتاطيصة8 1ال ها ,1| ععأه تمع م0 

4 ,كهه اذم 0085© ,كاكةط ,كجنوألهلاااد اء كمنامعموط ,1أآ دماهاد 01 

تناعانل» عمقغصر ع1 معداء 2007 تزع أنعذ تنا ذلك وتأمنات: 616 أده معتوتان؟ دز جما 

.2009 ,اتدع5 ,كاموط ,ععاماكة1] كسمل علما«فطادة انمأأكعلنو هأ ركتامع م كعد أن ممام دج ".ا 


ات 


الهوامش" 


تمهيد 


ا ,2000 ,طمعول ءاذل0 ,خوط ,كناملنهكأاسط كعل 010 عا ,لامأاوصتاصت1! أعناهيدة ١‏ ! 
معام هآ ,وتوط ,مكامع مر منيعانوأ ها عل عناواسماكتا عتهن«رملاعا0 ,(ساذ) برع متهلة .2 
065 2 ,جعددمااءا2 «اكتأو خا مم0 عا إه تراط اعهم :م0 11:6 : 2328 ,1886 : 1998 إه 1992 

.56 ,1489 :1 ,1985 أ 1971 ,معط ووتسع ملا لسوك0 لصه01 
بكأكة8 ,210117 5011 رأوكهم ورنى + ومبعت ةعسو :«هاكة +10 !مكذا © ما ,أءذلاس8 لممطعئظ .3 
006 ,لممسمحصصةدا 


الجزء الأول 
السراسنة والإفرنج: 
مز احمات ومنافسات وتلاقيات 
بقلم/ جون تولان 


الفصل الأول 
عالم الجغرافيين: 
من 11ج 1014 ماه إلى بلاد الإفرنج 


391 .م ,2 11 .امد بهذ 611ككآ ,(ل6) جععصموطة! عملمعط؟ ,دنهم معتدسمك ,عدمل تدا .1 
نال كانع ناو أسمكك وعانة ل كوأأعء ععناد 7613005 وق 06 2121508م زمه علنا كننه .417 5 ,5006 
ادعلاءء0' أ كادمك موترماكاط عربررابه اه ورأم ك8 ,عفمعن6 لمفصع8 «راوبد رعومة تعلروكة نلك ابعل 
0 150-12 .م ,1980 سمعتطسة ,ممدط ,اميم 16م 

«زد» رععم معرهاة يل عممعتصط عتطيدهوةرماكتط"! صمل علصمص نل كععة «أك 5ع( كناك 
+21 : تلصنامم كعاقاعةق > ,الأصطاعك 8 : 148-154 بم ,عنوصماكلط مانت أه عجاماكاك ,عنوعنات 
67 ,عاالء تطعععودءلععئة علط اماءدااعة ره فاط تطعكة © ععل «تعم وميم تصعل6 !0 كلد عع الدااءللا 
.306-308 .م أل16لمتهامم ,288-317 .م ,1955-1956 

-وجيمد وعم عل عماتممطك «عألصعو دل عتممم صن #متمحمائم عز ,البو تنو عمحعقدم عل يوط .2 
عع تعدة ]مه 5ع1 كعآا0) وأعللاطا صن نان ,كاد 

عل «رتةامعصصمق أ مدتصجمو ومتاع نه ,عبولايى موتاتلفة ,6 ,2 ,)"1 ,كءأيماموحرت .3 
.4647 .م ,1984 ,كععلاما دعلا عا ,وضوظ رفلاعلع؟ عمال 

ننه ا أاتص 8 إه ولونااد عرلا ها مدع موعامجط 4 : دطمصة 6لا فده عننره8 ,لتطهطك لك[ .4 
امود واأعننة “ا بال وناعانج 1 : (100-10 .م ,1984 بككلة0 ومامقطصت2 ,ممومتطكوللا ,كطعما ع 
. اوتطنران8 أهء عطامعوول 





(*) مجمل الهوامش إحالادتٌ إلى مصادر ومراجع, - م. 
اه 


الامو الها #ااروامطااعد انم مالكل كباجره)) تعاعتتأعفعغا دا أأنمالع«متصه) ,ععتفنغل .5 
. .(75.25 
هتمذ أمر يل ععمأوتره 5ع[ عند عقم اأمعلصرومنذه عم مع لمم وعاكتههأوترلزاة و5عا .6 
-باع) كع لمعضوط ل "ننه) من جننه2 .123-141 .م ,عوطععة عط ننه عصمظ ,لتطقطك 1/20 راملا ) ٠‏ كصتك 
اانه ارمطع لاع عزني ,+ مستعفصحك ء عل عوجة؛ نال اسفاتعمتل عهم معلزمك؟ لنتواط دك كمنعها دع 
-ها املاظ بجا ونمدالءلولوط عاد فد مازطعطمة علدندعلتععاه جه ذ] : ترعتع عمد قدب أ1مافدعطلم 
.68-7 .ص ,1986 ,ععحزددت عل ععالولالا يمتاعظ ,عنما 
01 ,كاتاعاتتة كعتاداح أ عداهظ .13 5 ,1078 مءأجمج )© : 6 ,2 ,106 ,كع زهمامتسصوظ ,عده190 .7 
.75 ه56 رحندأه]" 
ايدو اه #امينيه مطععها عل ب«متءنهمم) 0٠‏ أمدكع : :ه607 ما : 39 جعت ,لال ماجتنه5 .8 
.990 ,لمطلداك ,كمه ,(.0دها) مبواع8 جعدوعدة ,عنوافوفى عقندك عتمااك 
.84-6 :6 : 163 :4 :84 : 3 : 136-140 : 2 مععه© ,عأممعي "رقم روزملا ,9 
مأعذأد كاذ ند "الوكناز انمض اازكنا!: ١1010‏ عأ 00:15 عالتمتصما عارام هومن صا ,أعسوتاة لمم .10 
,232-33 ,142 ,60-61 : 2 ,1967-1988 ,وماناولة ,علزداط! ها ,مقوط ,(.آم 4) 
.369 .م ,2 ,مسته سنا[ جوأ أووععه20 ,أعنواقة 11١‏ 
وعالتدنه ,كاتناط ء«لا اء علأزئة دما صذ ,+ معصوعظ وعل غاء هل » ,اتمعص 016 كامعصهدظ عزملا .12 
-184 .ج انعكيه) 171-193 بم ,1994 ,اللقؤكاظم عكندمانه1 ,(.ات) «عاءنةا لمدوللمةا ,ممؤنروسدم/م عدم 
.1850 
.أن ذهالا عنامم 311 .ص ءك : 60 .م ,35 .م ,2 رعستمسها منطوم عم © 1 .13 
.5 ,م ,.قاط/ .14 
القاأاعتد د علتمصوذ أل0كه1] معنن عامه ليل ,56-60 .ع ,2 عاأماصنا ممم م6 ,اعنونقة .15 
كععاناة أرعة وع1 عندم عاناماضص رعممع) ول عل نعلوعء ننج (لهملود8 عل أنأءء) غمورتكء عمعضتهين عل 
فاته ,(.لهنا) عدجلا عل مدع .8 ,انماحايطم مآ عل ا ااعاعووتتع ده | عل عقا مط ,أل 'كداة عذملا 
.50-53 .م ,1896 ,عأهممأاهه عتعصسقكمم ا 
.37ص ,2 ع تماص عالأممجنة0 ,أعنوتلة مم فنك .16 
32 .م,2 ,أعنتوتاا عته؟ : 39 بم ,نتعتعدئ توج ! عل ع«رآ عا ,أل نحدقا .17 
.صم ,2 رعتأهنننا عأنأم مك0 ,أعنونة؟ .8 ا 
كتتوظ ,(.لمهذ؟) لتهصه حسخروال! ,معام/ا ما عل جععوياي8 عنا عمك ممما ,.صقافه و15 .19 
-227 بع ,2 : 132-139 .م ,1 ةمهتم[ عانأممبهم00 ,أعبوتاة عنم عاجع) عن ورك ,50 ,1988 ,لدطلصتة 
3316-2 .م ,276-279 .241.0 
.مم ,هعاذا ما عل كمتدعلي8 ءا جمنله علدنا رصؤافهة؟ ودطا .20 
.1984 ,016 لاناوءة8 هل ركموط 0 اتعنصاوعءقل ه «««مادانا 1اع00171) ركاحهما .21 
(نهنا-عاهاط) ععلفطصمه ,وطععةق عل زا أعصعا"! اساسصمر8 ,لمانعط اث مممقة دأله0ا .22 
.2004 ,كع 5011 لعافم 1ل16:0 عه «عارع) تلممدصحلا 
ا عجط لعسعةلا بم دمح ,طلتعط© ر (38148 .م ,2 بعمتمسط ءنأمعهمة6 ,اعدونلة .23 
.42-157 .م بعطمي4م 
2 م2 ,2 .قاط .24 
.372-377 :2 16أ0الياطا مارأصهع260) ,اعيوأالا .25 
لهك : (.لهن) لعطايحل «عتتمصط ع1 اتعفاعع0)! عل عتبأممعمم0 مغتتجعء2 هل ,]105 .26 
عل دمتتدء تلطتام عصدكل أنهدد لن] (1999 ,لمسحصسصما ,ركمدط) ألا عكعالصصمة ممح عمع لمم © عبجعر 
.[امعلاعه0! اسمسععصم دعأاتهم كعل للعطوء لهم أعصلام ,ععمط8 عل ممما بل كومتاواعه 
عل نأ مومه مغذسمع2 ها ,أكةدن1 عت مملاأماوعط » ,اءلا عموالممة كه عوع83 أبوع1] .27 
(4445 بجر ءأ) 13-53 .م ,اامفاعع0)] 
ب(لعلن) لمتاعلوط-ء أابه0 ماعتئوط بأفامتد #مممودد وأامأمعدوع2 ,اواعالا-أملدك عل 5عيونل] .28 
عل كدعنهد ال وأطامهوممع جا دك ,55-58 ,تزمأأعنلمملمها ,1988 ,فعممعتستادبويية وعلياظ ,رمفموط 
كز عملل موعن 26 حال "ع0 م تمعمصمم"” حلا » ,ومععة عالعتمقط امعتمعامعة عأمب ماعلا راقه 
0ه نك عأرأمم مم06 ,(.لغ) ععتاءااء2 عبوأصوكة صن,ء )١1128-1129(‏ «ماعالا-أماهك عل معبوسآ عل 
9-31 .م ,1989 ,5115© ,عمهط ,مءايمككتدبعظ هله نه ميل تعرماز ينه 
058 الك 115 للعطاهالتطئ هميد عطاعدل رمظ ,لعتماطة ذ عممعدوف عالعت عل أأهدء لا .29 
-ناة© اعوط عل ومأاءن لوعاصة ,ملام تووع2 ,عمءأ/ا-اصتد5 عل وعبونآ كممل عاأالدممء: ,هذل 
.83 .راك امام غطءلدطمعة 
.138 .م ,ممسعوم2 بزماء الا امتدك عل ععيون1] .30 
141 .م ,لام 31.1 
ره ملتلوصتصه ممتتيوتا هن : سمعتلصآة سوغعه'! اك ادغنلةم تمعلاءء1/0 » ,]اهن عا سعد .32 
تللة6 ركوط ,كتمدكه 18 بالعلاعع0 قء عمتلأيت له لم١١‏ .كصجعا : عيرق تيملل عمايلت ادن عيبوع مذ 
.(290 .م أعذ) 280-298 .م ,1977 ,لتقدم 
تدك أي لذ دتهه ,مأإمععع2 دا كعصمل «دتتوع2 كمم اند! لمكم دمتعن ,امعرمعويء م0 .33 
عمد عزم) عصع ذا عل عاأفتصعتيه علص ذا هاه متععميع) وتلمعوط عا ععدام لأيو جعلمة) كعايد ل كعمل 
لم5 مك كعننعيد؟ ,لماك ععماو8 نموم 1أن20 اأمنتت ,(6778-6788 : 176 1ط رعولز عناعمطة عط 
.140-12 .م1991 ,وأممعق ,المنامتنا] ,مأدعن و«مذ كه مسعالا 
عك كععاتط لمعا ندم انهه ,677 : 51-176 ,عولط ولعت ع2 ,مماع اا )متمد عل دعداون1ا .34 
ل 


؟كرهم 


00-6 
الفتم وتبرير انه: 
الجهادء الحمله الصليبيه: الاسترداد 


ع5 71:6 ,(لصا كك .ل6) لمملئزه! +رعطم2 اه عاعوم8 مكتاكهطء5 بعصلدط علق .1 
3 .م ,1993 ,كمع« لإاأماء اتنا أمممعنتا ,امممتعطذا ,كعاع لمم «مصيرد.اعمللا عاج ادع 
8 .م ,كتتعوصصمط ,حذاه1 عأملا .2 
بأمضاففه ججمادا'| كدهل ههذ!© ما ,مأطدنوكظ لعكلة عام ,مفطنز عل :وععوم غ1 عن5 .3 
با«دهأء1 د عولا جامل2 إه ع0 116 : فعطال ,عمماعةة «عسعظ : 1993 ,اعطءتقظ متطلة ,عفدم 
علهلا فده أمعأععم© م فمطل ,ععاءه طاماممج1 : 1999 ,كمعع6 عزون أسمق02 ,لحرولي0 
196 ,تعوء للا ودماعهانآ ,«مأععصلط ,«عفمعظ 4 : تسماءا1 
١40-141‏ .م بأعطالفه: «دمادا'] عصهقة 1864© ما ,حتطصرمق8ة .4 
4 مم المهتتنج ««مادا'! عضمك هم!!© مما ,وأطادماط عنه؟ : 52 : 25 هوره) .5 
.6 .م ,أمضنلة: هادا | عددمل قعر[أن عا ,هااورمالة .6 
67-9 .م ,4 ععاتمقطء الاماتناد ,معطأل ,عدماكععة علملا ,7 
.200-204 .م ,159-175 بع« ,أعكتففه: «بعادا'!ا كد«مك هه[ مما ,هتطدده84 .8 
.هنأل ,عتماكمم 81 ,9 
.6 م.م ,أعطذألف1: ««عادا"! كمه له:[أت مة ,وتطدرملة عهم غات .10 
164 م ,قلطا عتما .11 
وده أألامد عمفإكهومم هنا كتوأعهم عمورتدغل عط عل عمحنم) غ1 : 517 ,تعوطاظ ,أططهد© .12.3 
.ععتهاتائده ممتممع مأل 
بكجوط ,عيمن نامع موزوائزلط : 800-909 ,84-296 [ ملأطملطعه نت«نددظ ا ,نطلد1 لمممخطي8 .13 
4 مها ممتطصمكة : 380-536 .م ,1964 ,عساعمممدتها1 عة3 ,أمعم0ل ىن عبوفعصقك عتتوطااآ 
.9 .ح أمحذافة:: هااا عمق 
.بم © عط عرواعط للرولاا طوعق عد طانيه تالمهم أه عصمناداعظ ع1 ء ,تلاعية© لمقدصة .14 
.4 .صق ,عكرم!؛ عذه؟؟ ,القدعة عبد : 305 .م الاماكناد ,299-312 بم ,42,1967 ,اصنيايععم5 «١,‏ كعلهد 
.23-6 .م ,1989 ,العبماعواظ ,لعه]:0 ,ساهمك زه أكعنوادم©) طعع4 26 يعصتلامت ععومظ عأملا .15 
ك ودع نمب صن (وءاعهند ع نتب) علأكمقططة توكاله غ1 اء كمع نود المت كمآ ٠»‏ ,عقمقد ,16 
.3-19 .م ,2003 ,اللعكتكك ,كمعتاتوط ,(عماعفلى وريد نننا) علمضنقله عفمهمع الفا نع كنحم :لكيه 
هن درماء'! اممجرسدم ,كانومآ لممصع8 : دسامسفله ك كارعاع:أمجه© كما ,عهدن5 علولا .17 
مول «عجماةا بل معدم تت كتماسأنديه: كعل اء «سملكة| مك #وتماكفلا : 10-12 .م ,عوممبتا"| تعصنوعلل» 
.6 .م ,2006 ,اعطعاقة صنطلة ,ضوع ,(عتل) مبامكاءة 0 رككلامز 105« 4 
كامم ها ممقل عمتمعمعنم عل عتوج)ء وعطعوك عل كطم؟ : 1736نهن ها عاعككلمق » ,مدله1 عنملا .18 
,(.05ة) عموعة .5 أن كعمويدع2 ,1 مذ رد عبوانكط1 علنعوتمقم جع عاأعدممادة]ممععاما عوته 
سحددةا" ,لد ذنم | عل وسنماتواة عبنم مستعةافدلاء متو مصكع 'ل عددمك كداهماه4ل ام ورأوناامم مدن 
دوعا غلرء لأعفعية 111 ممسطمط-لد لطة ل «بسفونع ك1 ,قزل 953 جع : 51-64 .م ,2005 ,واممعء8 ,ااتتمط 
كنم ,امعدع تماقا جعزملا .عيهلرمع لذ امعتمحص كنأ اء وع4أعمهم معدمع كعل وعدالعة دعل معطاعماء 
.68 بم ,2 ,1950-1967 ,ععمعما بة عبمعمدمدتهقا ركد ,(.أوا 3) عه بحيام ع«ودمكظ !ا عل عام 
,(.لت) لافملعاط]ءععهلادلة؟ .71 .1 ,كماع ارأنامكم 5م1١‏ كعك عونمم ,عونوئ 2606 .19 
. 2001 ,كأمرع:8 ,الامطصن! ,(كعامم اء .لهنا) كمع14 .ل اء سعااتصمط .0 
١16124.‏ .م ,كتأعصجه ,نمدأه؟ عأمل ,كصأكه:د5 كعل وولوات؟ مد كن علغ8 عيرد .20 
مرك .0ل عثل ذا ذنامد .لهى ,(.اأوي؟ 2) كتماوصه عامريعح ياك عنبوأ؛كساعفاءعه عجامائؤل8 ,عل88 .21 
.147 .م ,2 .أ ,23 ,/ا ,1999 ,كع نااعآ فعلاء8 5عا ,كتروط ,علعمتمايت 
١188‏ 251 ,16 ,4 ,عده؟] :121141042 00 5016لا كأكة!61©) 1اللاأوأء ادلم :ل ,علخ8 .22 
-صطبة؟ .© .8 رعوأكومتآ ,للم 2) (.للم) عمم8 عل كناأه8© ,ماتأمدهمجم ل ,عمقطممفط1 .23 
فاه عل تمعتمعساء عمقطومةغ! عي كأاصذاأيد ععلطأممععتهم كعل .333-334 .م ,1883-1885 ,ترعم 
18 .م ,5015 
4 .م , .لاطا .24 
.34 .م , مأنأصه ه10 ,عفمقطومغط 1 .25 
428 .م ..14ط1 .26 
,39-40 .م ..15:4 .27 
مم0 عزمب؟ : 290 1 (257-259 ,2 : 282-313 ,1 ,55 51011]) عكتععمامكاه1 1زم01701:1© .28 
معفم عنطح معوهةرماعتط "أ عصهكل عمجوحكة'ل عنوتطامعأكات عتسدهلزمم بل تبسك هل » يمتسدكق 
.210-33 .ع ,1984 ,9 ,علسكتفف عسوأسممكتط عسماتكتيوانا عل وعترام) ,« ومإعغند “لاا كء “الا وعل 
ذاش ببمعوممياع تدعاكة1! ,عالدلةا معدصدل عام بأمعضدع8 عل عهد بل كعنوتصصطء دعا عبد .29 
«ن5 .47 .م ,1963 ,سموتطعنا! دل 6اأمعحلدتا ,عمغطا ركعفمكيمن) علا عرواعط كتمتأكساا فنعده كعلندا 
217-00 ,م ,انماع 5600 مد لتمافسعطم ععاامظ عذم؟ ,كعتالمط عل عللتمنهط دا عل ممنمتعدعل ذا 
.114-116 .م ,كعأماذالةق بمعمصبتا ممعاعللا ,عالدكلا عدم ماك ,كأومفممص مل ,لم15 .30 
-هاتدمه أنمأاكاطتأه أل7[رهم عه أثاع2 50770 أأماانا 24482 ,071ا07أ:تهد موعمط » عل عأنهم م800 .31 
نهد تلآلا مطم1 عممع » ,معمجدظ لعم عنم ,لكالا مدل عدمم ‏ 323 .م ,2 كذ لأناطا ,+« انمد 
.318-60 .م ,1945 ,20 «ببأبععمة ,د عطادية ءا 


؟مره 


.320 ,د عطق عطا مصد 11آئا ماد[ عه ء ,وععوصطآ : 403-5 : 3 )نما عدامم 81011 .32 

.308-309 .م ,د لتيمكك8ا طصق عطا طاتس طتلمكم أه كممتنداعه عط1» ,مالعمتك .33 

ة عدم ةامتعهاترم اق جاصوو ,امعط علنماع_-صععل عمم ين وعاصصعت يل رزن3 .34 
.394-95 .م ,1996 ,عمومطءه5 13 عل قممتات تايط ,كتضوظ ,(963-12(0) مم8 

آن جلتسءلدنا ,متصممه1 ركعفمكيم)© عط إه ««م لمعب[ 1116 رمفصمع 1 ععطممحقطك ملا .35 
س0 ,ععلمدبسصع عل فجن عهالا رأولا : ب«مل دواعت جم] عدةاتابراع ,بعل : 1998 ,عجعرم واممره؟؟ 
روفوم ,ملحتصس منتوومع ها له ماص" عولط ,توا صمعل : 2004 ,حرط الدع لاملا لم0 
.9 .م ,1999 ,لتدجدم 

: 15 عألوحظ : 763 ,3 ععه 5340 ١١‏ ,لأ ممه :«طامعمودل وصماكاق ,وبطأعهده4ة سكعطمجه .36 
62 

.ص ,كتأكه 507 ,0دأ10 : 140-142 .ع« ,عفمكه) نحأ 716 ,طانسك ءانا عأملا .37 

.(727-728 ,3 ععه 8336) 1 : 1 مده« أمدمعطا متماكال ,وساطاءعمموكة وبدعط80 .38 

-165ام ,كاأكع مك ,هدأه؟ "نأهنا كناعأناد اعه عند : 51 .م ,2م8510 ,كتالمطعلن1 ختصاءط .39 
.12 

مدعل عتعقتتطن عدبعذفللن ممتجعلا دا عمقل عترقوصها عصغصد غ| علامسسافم م0 ,92 م ,ولط ,40 
.4 .م ,3 ععه 8136 ,(كنااه تم رططه م ) مااوتصمسطكن 

.(3,357 رعمه عذله) 26 .وه ,ممم سجامعم ها عل واجمولاط ,وعتصفط) عل معطعيهظ ,41 

مه مهاه1 له ,عيمتكدم عء عند : 695-696 ,3 .ععن 21810 ,129 .ردك رصعت عل اأنهمقع .42 
,175-176 .جر ,كناكن: 

بعلشكافى معناتطع ها عل علماذ ذل : كء انهم كعأ جمع ناء!2 06 عاكع0) ,أصعهوا؟ عل ارعطنيان .43 
رجاه عتن بعلعاي عن5 .65 .م ,1998 ,كاموع,8 ,ااتتمطصب؟ ,ل.فص) لمععدن عأأعنم.عنوتدمكة 
193-07 ,م ,كنل اسهد 

.105-106 .م ,1986 ,63 6014© ,ل.لت) ممععونةة 8 ,عانواررمم ب ع1 عل عسدداائن0 .قد 

076 كضاعسمدد اع" > حصدله؟ عل مساترفصلد اتناك أنو عدسراممة! ‏ 23 © بساعنء2 ,معلام0 ,45 
فاه “للك “لد) عاعغبودم عل صملا ]تاكباز ممم ععابدأ عل علسملمطع غط! : "متضغط البده افأطصعة 
,“1لا رجاهة8 ,كمع الءااوفكاتم كه كعددجم] : (ععاعقاى كح كج) مأوانعلاءعه اماك مموعع'نا كصهل ,« (وعك 
.4 ممم ,2003 

ديصم[[ 77:6 ,(.لة) عملعا! .18 دذ,ء علمدبد© )ونا عدا لصة نحضا ممصد » لإعملياه6 .46,11 
ممة عواة؟ +1101 ٠‏ ,ععمقضيدظ8 كعصدل : 41-38 ,م ,1992 ,ع8 تطعا لذلا ردأ اكيئل ,مننم1ا إد 
علولا تناك ولط ,خساطدمسامع عمللا عجأه8 786 ,(.60) لإلأمعنلة .1 مز .د عسعصسها أله العءكة علا 
,فهر 0001011 لانن عولاا جأنلآ ,كع لعكلم) 17116 ,ععملصتصظ كمجل كتمع ,99-104 ,م ,1976 ,كخعط برازد 
. 1991 ,انتم سه ,أمطادعللق 

دا ونطعمععتاك “ره) متك مولاكتا0 بدعاط : كمنتيعا2 متيمتيميكن » ,معط و[ مستاديت .47 
عالت امد وعللز جع .125-145 .م ,[200 ,7 ,ك1 بمعلع أوناءالءلل ,+ عتمدمظ محتصممع عامل عطا 
ران رط عوكا امد ع7 ,المع عأءمعلعم2 عأوت ر عوم صعئزماة ند ناد تمقصمم دعاكارناز دعل عمم جنر 
30-51 .م ,1975 يكوعوط واتوعاتمنا عولتتطصة) ,عهلفطصه) ,كععلق مالقا 

مم ,معلا نعبط 726 ,العدووج .48 

.184 .م ب4هثة1 .49 

.5 .م .كل أط! .50 

69-0 بع ,د “#أشيعط النده اعلطتصعد عم وخمتمحصسيحة اءن)" » هفاه1 عل عزملا 5١.‏ 

متتمتزدم نال ذه د اهفل أ ١‏ لوأل «لنمادع: هأ ه ١زمأاعناراكعل‏ هأ 6( ,عاستداوع8 مفصمط؟ علملا .52 
5-2 .م ,2003 ,كامرع:8 ,الممطمد ,إكماعةاى “د #رننا) وردفر]ءولء 00ل 

7 هاكأناوممع8 )ع > ,معمعصال معلفيهن0 أعنتممةا عته؟ ,ماكانوامعع2 عل أوععصف ع1 نك .53 
24 وا مك كعلهفنامع: ٠١‏ عمعامة1 ,(.60) وصمدسظ ماناعة 9 اع ص« ووناصبت ذا عل ملم ونا 
.155-18 .م ,2000 ,مضماكزةظ ها عل دتمعءقدعة لمعه ,لتقلدقة ,(1) مالعازة 

54. 110 ادوع ه! 2 710©11011أكعك هآ 26 ,16نوداكء 8 جدر‎ 2/1011, «. 226-1٠ 

وأتعاى5 هأ أه عاجردمكنا ,لمقطعتن0 عصعاط عمم اتنالهنا أتدماءك ,ماطلله2 ,مدمد8 م15 .55 
.23 بو ,1990 مآتاط همنها ,دماءعغاد “ند اه أ سيله كمه اكير 

لت ليمج ريمحت "| عل وعزواكة11 ,متتردالا جعجورمء6 :246-262 ,م ,كتأسصمه5 ,مهله؟ عأملا .36 
مترمنحاط م[ ,(ل) متمدكةا : 1997 بأععأم مذلا ,عكو8 ,ممع ممم عاكمع ,عانامم تبره ماكفا : ماود 
ععاء8 : 2000 ,«عدومجقكء/ عل جحدح لمضلهة! ,لالا-[اللا عواعاد بومسفاكعك جد بر ماعليمدر أثا : لعمولات 
.093 ,هوممظ بالج عالدنا لمه0<1 ,لعول0 ,تعمد أموألءاء! إن كدماماكالط جه برمكلاغ ,مطعدتا 

الك عتال تركانع عل عتتممع عل من عننو ,ومممورم مم1 ره عد عل مفعه: كديه مسظ ٠‏ .57 
كه معتعناط عذهلا .26 5 ,لأمنونوع معتتتلى ممسجط ,د هماخ عل موت عنن ,ميرقطدتت عل عن1ا عل 
6 .م ,1913 ,مده ,معاتكخ , ماتممكا عل معمماعةو[ فهللأو 8 ما ردنا 

.55 8 ,1980 ,عفطنامة ,عجومع متمد ,(.ل)) وناعءط ععوذفا .ل ,754 عل ءطه 10:4 معدن .58 
مجعو عماذتدا! حمهكق ممومحكع'ل عموتطامعتكايب عويوزم ييل عاك هل » ,متكتدلة دعيرروء تملا 
,9 ,ملمنطال6ذا عالوانموكتا عننوأاكتاعن | عل كرعاط0) ,د وعأعهاد “لاد أن بدالا جعل عصوع امعط علطم 
.124-133 .م ,كا كعمد ,هدام : 210-233 .م ,1984 

كطلك خوط ,(.) .لها ك .ألث) مهصمم8 حعولا , (عأعفاك “ذا ««أل) 5ء مع ناذه 00005 ادلم ,59 
-نجاعهه: كلت أاعوماممه <مجاتة ع١‏ كصهل ءتاأمدعووطط عنام تيمم ! أتدللة تناعناوأتممك عا .5-6 .م ,1987 
149-150 .م 41١143.‏ .م كتتعصصم رصداه؟ عتمت ر عسولصه© عل عومانظ ل صم 


كمه 


نال اناطعك بنج ووعا ذة عدو الثامم ك عتطمدوم تمق ٠‏ ,أعموعل! عهم 6لل» ادع عايع) ع0 ,60 
.63-6 .2 ,الو أفكنت 15ل : 77-82 ,م ,د عأعغاو “نكا 

-قطقك! 13[ القاتئععم0 #ممكقدم عمانيد تند علولا .313 .ع ,559 5 ,لممنرعع وعتسفن مومسم .61 
د امصسعطدقة عل عبطصمم آأء سمناهه! [...] دمجم 5و1 8 » : كوءعؤتودكمم وه كعدزاعة عمل ممتأقججره1! 
عععد والمد 5516 عل #«رطارهمم ك هو ومممتاكى وو[ عل متهلعء ذل ده و000] عامج اء 5عمن كقالج 
.6 .م 561 5 ,« ملعه! 

خصض نأ رص جعل ٠‏ ,أوعسيظ لبعووط عزمن رعثليت عل ع«دعذ! كعل مملند مكمه ول عب5 .62 
ععع سمنلا .«منونأء اه كولاثلا عدهل ,د لنةؤذة “تانا-"اءا النات ععدمكظ مع جعفنودممم عل كه وعدزاعن'ل 
-333 .م ,2000 ,عسومطيه5 دآ عل كدهأ)معتاطنياط ,وتموط بكقبقاك كعد جمم اععا8 كتيما- بوعل 9 7615ه 
,هاا متورالا ع1 : عمنااععااطعىة لععدد كه ومتامتتومام عط1 ٠‏ ,أعلالتكمعصعم نزدية :350 
عصمل ,+ معتعقة ماصع نومع نملك ترأعمظ لمة متمم5 أمىئالء14 ما ععاأصدء] لمه ,كعنيودومقة 
«اعاكضيا إه «مهقا :نز كبرمككط ,جاعاع0و5 أمعالعاة أ انماع أأعظ : كاوه 001 يد 15نرزه5 ,كيلا © عأدملة 
ف 11001 6ان7اكعق هأ ع8 ,عتوسوء2 : 189-219 .م ,2000 ,كوع8 بازع زولا العدره© ,معقطاا ,ءانانا غ1 
معنت عونمم : 1073 تن ترفعط عل علد لغطئ2ء 15 عل مالمسبماعع: ها عبد 311-312 .م ,ارمأله نماكم وأ 
111 لممسصتلمع؟ ممح عاغنوصم ده عل كه[ عنهلئم© عل عنوذه0م 5[ عل ممل مره كمض ذا عل عام 
.252-53 .م ركتاكه5077 ,مهاه1 عزه؟ ,1236 ىه 

أنه 26701710١!‏ ©0210 771001/10لاع40 لاءك 2014أها:7:1ج22 ,(.60) .له أ عتفلمظ .1 نز ,عنماعا .63 
-عمام كتصتلكه هناالمعدعع مصوط ,عهظا ,(أنم 4) واممعد اك ربوا أأرمإممجعط عل آلدن :ومع .5 
.ذا-2اعم ,2 ,4 .آله ,1898-1901 ,مسممامعال 

604. كعف كلل 'ماساة .كناو لاله عل أمتماصع وكعممم)ع: أ ,ل(كال) .ل .84 ,كمالوالة معئ ألا‎ ١ 
لمنساة ,(.لن) لحلا معلسغدعة] )ل ,متتموعط عل وألواكالط كسدل ,(1[ا/!ا أه الا وماعاد) كعلواه :لك‎ 

.7 ,2 ,11]لا عا دممموع * 

«أآأه ععسمملوممعع مم 12 كمهل امعدوعاصصد'| عل عنوضماغط: صل » ,امعصة|© كتمجصهظ .65 
,28 ,كمأمصعالة:1: ومنو ةد«موكنج! دعلياة ل كاله ,< جعاعغ اك انتج اك “از كناد عكناو لهل مد وطح علاعك 
215-17 .م ,2005 

رد عبوتماقط هل ,(.لمهع) تمعصةك ,أمنععهن عل عماماءام مآ عبد عروام ,أصتداف0-لذة .66 
.8 .م 

.229 .0 ,« عننو ه264 ها > ,امعدة © .67 

عطا ها كماتدة » ,وماتفظ لمرملك عتم ركرء تلأفمطء وعمتقوععمعهم كعل «روتعمكتائن! عيرد .68 
لمم معام مت« 1100-1300اى ,طعتطودقة عط لمد دكناملصفؤ له صذ وعمموععى84 مدتحقط 2 لطتتوع 
رعأتن لا حما! ,تجماء110 كمبواية إن سامددم[ ١١ا‏ كعأهللاة .1:26 #اكتععن أنه ,اع أ[[ددمء عئاب : وتهود 
ومتحرعة اله كتداقاص جرع قأه سل ,ذا ممد كك ععمععظ » ,اعونت : 23-45 .مر ,2002 ,مجسعولوط 
79-16 .ع ,2003 ,9 ,كعنتمبوعد أمسافوعلا عن« لاع ع عامعممقخ عل عممالئب ععل 

.2 .م ,د عناوقساغط هال > ,أمعمقككت عقم غلك ,تتقسق1 جرط1 ,49 

عل دوتاعنالهنا ,أكعمننوداه «طنهالاه 7[ أكديواه عله ,تسقطكواء-احه «تط-ان لقص 1ل" .70 
أده" عاكتلفامعتيه عفتهطنذا ,كضوط ,««أفطعد ععم عستاكعامط عا نه عتجرد ها عل 0:9816 © ,مودعملا .لا 
.161-164 .م ,كانم اامأعة دعا ,متهم ءكده1 أء نهقاه1 ءزه؟؟ .54-57 .م ,1972 تعمطادعن 

.262-63 .م ,لوماكة1! ,أدتودكة 7١٠١‏ 

كعك كدرنون) ننه اتنم 0 ,نامعطءناة اء 8004 كمدل علأبالهها لأعد/لا درطلل ولتساءت ع1 عرأملا .72 
109-16 .م كملمكنمه 

"| :ا 15« اأكبائط كلحعنهها علد )م 11:6 : وألئه إه دعع0:1] 1116 روخصوةطاعظ عدم أو .73 
.9 ,للادظ ,علاعا ,القدم؟ ماده أنتمها 

.عانقا 4 : « «منموتسولة عطرء بجيو ععسط ,لأععوبظ لرددلظ عرعاء2 ,كعزاياج مراع ,كلملا .74 
0 ,بككعط بزاتووع الملا عادولا يمحملا بولح 

4 ,عمع اع لسدطت ,كتوط ,(1453) علاطفياي) ع عنبيا ننه[ ممنتصيد7 عل وعدمظ رمن ,75 


الفصل الثالث 
الدونية الاجتماعية للأقليات الدينية: 
حالة الذميين والموديخاريين 


:5107 كع أموةأ أعتلداذ مط ,لقتند؟ عرأماهم كلا الاماكناك عتناصصهد اأناك أينو عدم ها 1١‏ 
فم ما متطمعوكة كن ,1995 اء 1958 ,وعتطاعهالا-اء عذما ,طتنمععظ ,ا«رماكئ]ال درمم د كول :مايص 
.263-289 .م ,أمذةألة::: ««يهادا'! كدمكل 

.60-69 .ص ,أموءا انطماد أهتتت! .2 

3. .م راط‎ ٠. 

٠, 81“‏ طقالة أسقملئط صنلةةظ اف » ,لتدمدع عمعسسجلة 4 

7 ص ٠١‏ الزاعاء50 المعسمد هتعلط 4 ,مأعاأه0 .5 


66 


اما عاومواظ عدم اأنافعن أت قائهنا ياك عائة) ع1 : 819 ره عتصلن؟ » ,ممتلوك8ة .ا عزهلا .6 
0 يعكممما ع #الاعومكنها! رحتوط ركعممما 2 رعسم عبج عدو ممععا'ا عل ععاماكذكا ,لمجدعنهط 
بم ,1 61999 
.عامط عبدمنوأاء !11 رلتقصصنظ عتم ,ع#طتصميمم دمعقللعممه! عل ععوغام دعا اء قمعة ع1 علد .7 
-ملصف لع مذ صممتكة مدالوضط عأندده اطصظ مف : كاستمده81 » ,معلدمظ عل [ع411ة : 7-9 .م ,عام 
: 49-170] .م ,1992 ,للف8 ,علوهة ,5201 اللأكماط [ه ممعم 7116 ,(.44) أكتترردك .1 .5 وذ ,« كنا 
,22 ,+ وطصددمةة » ,فأعملامطن معلمط 
به كدالفلصف له عل كمسدتنوقت 5و! عل صتماكة لد ومتمعتجم ١‏ وموكته عل مالد » ,متلهمظ .8 
,386400 .م ,1994 ,15 ,عجه) 41-00 
.« امعمعماا » ,قاءتملقط© ,9 
.78-9 .م ,أ بعارها لكيام كتا'ا عل #«أمعكذل ,لمعصعحومط- افآ .10 
ل تنتطقك ننه عمه اعبت عللتضك ,(.لمدئ) امآ بمطعذط عل 146أه:7 ,صسلطة م15 ١١1.‏ 
-«امكتهلا ,مموط يحتف عل عجرجم كما © عمطي عأنا هأ جسد مننطفطة «طا'ل غنادجا عا .عاءقاد الد 
,108-109 بم ,1947 ,مقعم 
ملع ه أثالسصتا8 أهل ونرواعمم2ء1/1 ]ل عاد هثاك51 أل نطوعة أن » ,مسحاتعدنه ممعطمملا .12 
.مج انلءاة سرعاوع للا غطا صل مسدتاع مط طويق » ,عوعم8 زر 368-434 ,م ,1983 ,011:1 ,مدا ,أأومام 
عل ومتاعع7ال هآ كنمد ,داكا اممع 770 16ألء1! ]0 لطا صل ,« (معستطادعه طغللل11-7ة) ممعم 
.345 .م ,1994 ,عالمقة ,1 ,كعصمان4ة-دتالمكة .لا 
؟ن اناكم 186 > ستكد15 أضصدلاط عأمنا ,لرمتاكعبين عع عل علنان كره] نكمم ونه تلوط .13 
6 ,41-0002072 ,< ععناككا لدعء1[ عجرمك وذ لعاعم لع كة كصدتأكتج[ لمة 5دعل 0 0 اال 
.1-6 م ,5 
.د كصوعتعط© لصح دبعل لموحه؛ حصماكآ تصصب5 ذه علنانائة ع1 » كمد .14 
لطذ' مطل مطئاط عل كغائدنا كع ع6 امع تلم ك 321016 تتوناء 120 » رقاتة .82 علولا .15 
349-55 .م ,199-214 .2 .5-38 .2 ,1960 ,1 ممكنه1 كاغجكء] ,« أصسدن لد تمدصنا" عل اء ]لأمهءلح 
1692 .م ,105 اماع ,صداه؟ : (206-208 .م أع1) 
يو مت عل لملأمصصممعدم ذل عند : 812 ,+ مقط » بممودك5 .ل )ء علدءتكدعللا بق عامل .16 
.122-13 : 1 ,وعاعمة سمعصدج فل 21 4 ,متعائه0 عله يعامروظ 
-مة : مول عرواة به تتماسلدكنت امفاعم0) ات فافاعمك كك مماماكة!! ,ععغلمدعها امععهالا .17 
,2 .« ,1996 بعناومقاء7 عل مكمه ,لأمفهال! ,أكارمقاو لاله عشؤقلط بل مكرا 
©6أمققة لمناءنا 12 » ,فأعة : 127-128 ,64 .م ,عطكاقط عك 772116 بمسلطة د15 .18 
6 ,م بفافاء0ك اك عأماكةة رع ةلمدعما 1١9.‏ 
7 9 .20.110 
.53 .م +1614 .21 
لمعوصط ,لمأععت اط ,(لة) العبجوط كعحصدة ,100-1300 1 ,علسط الصا ععلده ع«ماوية عامل .22 
.990 رععصحط واأسعاتصنا مه) 
كه لسع 116 » ,ع6ولنطة لتحدط عتمي بعلمخخصمم عاكض5 ها عمقل كوممساتدنام كعغا عن5 .23 
عأله 1 م ١‏ (! مالع ,مقدادطة : 103-133 .ع عاسط! ايمل ععقسب ع«العيكة ص ,« براك51 دوالكدشة 
: داعال مجم ون ملقاممايى غاألمقمة2 ء عمعر8 زممع1ز : 1988 ,وتبجمءط ,وعملهما ,«معمت أو 
ا ورم ومع األقد بتعلاعع0! خجعل +ع اأعقمة] ء كعامام] عمسبواعيص53 ,« (1070-1240) عاتعزك ذا 
معقعة ل عمممصمه هأ عل عردم كعل ونه زم لساة » رعوعم8 : 631-647 .م ,1980 ,عمدهظا ,(كعاءةة /اثلا 
ل : معمصة يد بر 1 عنما ,« ومعدسمالبععة ل عمغاطممم ااا ا لت 
بوءتافاقة لء ملصمدك ملع نأتاكدآ ,ععدم عومد ,7العصة عل هدممه© هأ ع4 عاجواكاقا عل مكعمع011) 
ععلقطصيهه ,عولتطاصقة ببرأأءف5 زه «مفواتة ا«عصمملة 712 ,سعطالدقا لالحصمط : 51-60 .م ,1979 
عأطوصة : جأءزد وجموصهلة دا كدهع ةاكا سه عاساعيدلة ,عالعاعلة عولقة : 1992 رحكممم وتسء زولا 
,3 ,ومود ددح عوك تانها ,كعسلفدما ,تمماكا إن فات ذا هتنت «عادعمد 
ركوط , كعطهجه عربعع هرملا كممل ,(مصت) موتستصه6ءى اعمط اند" ,ماع بمردطانك و15 .24 
.341-364 .م ,1995 ,لمعصناله6 ٠,‏ عقمغاط دا عل عبوقطاهزا6أ8 ٠‏ 
وممسايعنم كعل عي غ1 عبد تجمعة14اة سمدناءله*'3 عنو تل سز ممناها !عدص » ,ألاينا؟ بة .25 
, 2 ,50 ,بأمءعدهل-انلدة ماتوععب ةنا '! عك عمع 81427 ,« عكلممعهره!< ععل فاعمابه'! كمد عأأءأك مع أمدكا 
.152-156 .م ,كتدم ماع ,هدله؟ : 691-704 .م ,1984 
-أعنبو : عع متو رمد اه مععندا عل #متعدصهه #تصعليى مآ » ,متسدكة عمحالا-مد1 .26 
0 3 ,111/0 ممومعبرومط أل مممدده ون انود ': عملمدوألعه مع«ممعلتلعلة ,* كموتءءاك حعنبو 
.795-81 [ 2 ,1989 رمساأتعططنظ ,اللعمداا دأحرعنم5 
معي عاونا بعاصتدة عمع1 مه عبومد؟ 6اقتعمد ذإ كمقل كمفصابكنج كعل ععدام دل عن5 .27 
: 1993 ,ألفه ,علرها ,(لة) عع!اتسستمطك درمةة ,مامرك لم1 دا عسمتاعساة_قده عل 
منص ,1« أموبدعل إه 001ع331 اما علا د ابعت«عاناعد أوصمع لعتاصعع ,مداطئللع عتممدمع_ 
كه كطنتاكب88 لعءءزطندك 6 » بمدلما! لأتسمزمعظ رز 1998 رممعطط بواتورعلهنا ععلططدوهت ,عووقصط 
.وويج بمسووط طقيوه10 : 135-174 .م عاب امعط لاله كواسأأكانام كمهك ٠,‏ أمجعا طلوتلمصط عطا 
ناما مندانه رمال بل وعزوعذط! «عسوط : 1980 ,وععطط والوعانونا مجه ك0 ,ه01 , كمأ[ «ملكه 
١‏ ,1969 رظن دل كمه تلظ روفو ,«علمعيم4ل عك 
-527 ,نهأه1 عته؟ عهتدكدم عه عند : 324-325 .م ,كعطعمه درنعوونيه/ا كمهل عرحطان1 ه15 .28 
ٌ .19 .م كر 


كمه 


ممه طكاعس؟ عط هذ لقعنهه8 لمعه علتتاكه) أن كسدزعلن4ة عاك » ,ممطهدالدع'0 «اوعجمز .29 
.(13-18 .م انمسيه) 11-56 .م عاظ دثاما ععلسب كومزأكيط1ة ها ٠,‏ كعتتنغصع لطأامع ختتطاك 

بعاعفاة لتد بنه اند فاك علنإن1 مل كنضهم اه 65لعهم71جه© ,أمحؤاماة مجرعنط- ممع[ علملا ,30 
7 بععدوعةك/؟ عل دهده ,لتنقدقة 

-7071| ومطط 5 هادا واارا ارمأ انحط كارع سمل : فانصا عرلا ع#أككععومط ,كلاه)5 نود عزملا .31 
مأ كونتادن84 > ,حصي ارعطمظ : 1995 ,لالظ ,معلاعكة ,1104-1134 جعازئه8 ١١‏ معنم إلة ملسن عا 
147 ك:1أكعم44 طا ,« صوأأعمعظ فسصة وممأأعمعاصا : لمعدةق )0 كملظ لامع لمععصاط؟ معطا 
.(64-67 .2 اتاماهياة) 57-102 .ص رعلسظ تاها 

.16-18 .ره أاموسحوط قصة علأاكهه أه كبدزعلنل! عطكء٠‏ ,مقطعدااص'0 .32 

دعاءعة اك 4اتد “اا : ماعلاو ذاوععم وأ اء عونعاولا عل دديه:«7أنكاطة كما ,لتقطعنين عجرعاط عزه0لا .33 
كات إأوالماة ذأ مع محده؟ دضداة : [1990-199 ,كقدود8 عل وتمجورم) انااتاكص1 ,كقاسوط ,ل.أمد 2) 
متمق ,ماعمما داعال | بمتسيوجيعد : اكز ايد كه تت مكعة«وييه بم ملعاو مدسجنت ها عل كرتم جهو 
«فكنهت) 1:6 ممصن ادماد! ,رخصسظ8 ر 1987 ,كعسوكتادء © كمواعءمع ل كع ملل ع«متعميك للعدومت ,عدما 
معنن" لتماأعمصمظ , مأعنعا هلا زه اتاملع نجلل ادع التفعع از |1 عط قرز أوتتاتصيك لاعتددمان© ١‏ ورم4 
حخنة ١‏ رذع لاما تأمم5 المعسمات لم1 11 تال 0ضلاتن) 0710 كانن81 ,نعلا ) 1973 ,ممعوط بإاأوع المل] 
عصيهن ,ماعدعاه! (ه «بوقع نذا علمجيتم© ع:أ! 1 وبع ل هته ,كندسااكام ال ,كاثأئنلة ,مك : 1978 ,مرح 
1 كنا : #اكمء17 لم8 71:6 ,المسومظ ولول : 1984 ,وععبط وتعطونا عولقعطويهه ,عولط 
-تعاتهلا علدلا معنحو1! ببعاط ,دروت امع اميه" عدا ا المووجة أت سحمة عتطت صا ععااتدب صاصم 
-هذدا فجه ملصمصعط أو عهه ذا هذ متعدعاه/! إه كاستأعداط 11:6 ,تمدععقة عليماة : 1977 ,معط تت 
91 كمع هتسداتاتت أن واتجى بترلا ,ماملع8 ,علمديت لجمه عو واكادعنه معصاء8 : أعط 

لدبءتلعثة دما مستافمةا كه ومتتيهتوترعامقه عذل) 00 : وأمعمممو5 اء عأع0ب! ع2 » ,مدلا .34 
5 ,« وللممصمك 5ع[ لاد ععناوأضصمضق عمتاعمل كه ومتاهادتعوما » ,ععلاتت قروع1] ب« سما ممم 
1 » ,أكذل8 وللاصظ : 195-213 .م ,1141ل )ال كدعالقمك اه هادا ,1983 ,18 ,سمعزم] عل وعاطله) 
-هاة وناامأل أل وأجماد أل واكتع ,« معتدممت لقأل أعم أصدداتحسص نعل معالصسع ععمعتلمى 
«ن عط أت عصرتة عل أت عمعععتدك مه كلسدتتخامط » ,علت11 ععع5 , 459-494 ,م ,1935 ,8 ,مسمزا1 
,12,1967 ,أنهي وألبراة ٠,‏ كاك عمدت لوناءللع1] بصمرمطتء ادم عه عاص مره عورمك : وعلجد 
دع ومتلناز بز ومعه2 عل دم مان امع دن مع بر كملع هتص1 » ,مستتتولط ممدصماة دعلصة : 361-376 5 
١١١ 2002-03,‏ ,معام وألعاه حمده7 ٠,‏ الألا-لءا دسايرزه) دالتاحيت عل مرحي ذل عل كمعنة عم 
.2.1130 

7 موملون؟ هل عل دتمعتلدعة لمعظ ,لضلهاط ,عملتدممع عءز5 دصة ,وتطدك إكء مكوو]لة .35 
4 وول ء ,كصياظ تعطمظ : 253-262 ,238-239 .م ,كا 5001 ,مدآه1 عزملا ١.‏ ,25 ,57 ,1972 اع 
- 1ع ٠,‏ #لاتاء كعم لمسميواعدط ق : لعصدعا عط )7 مددم]لم عه عملءة)يمم عاعاد عا ذأ جرمماذ 
6 7 ,#مانعاكاهعمه أنه راع أإجمت ,وعفلايت : «تمم5 أو 

.88-94 .م كمتمصعد كلظ ,أمالمقة أ ععدعظ؟ .36 

.154-165 .م ,د أموها اعمط عطاعه كواتاكناط لماعه زطيك عط » مقلع .37 

-علن18 عطكء ,ممطعماادة'0 ٠:‏ مم أعقامعكعممع 'ز كعمعع هدم[ ٠‏ ,ممروادلة ممتضملة .38 
37م« لموعنسهو2 ممه عاتاكوك أه كرجز 

,3 ,كد فأارهم ماءأق .39 

.« 230505 105 الال ال#طاعل متعقهى عبن لظا ٠»‏ : 21 ,11 ,3 أكذنت عأملا .8 ,16 ,3 ,184 .40 

.9 ,« أمونكسظ لمد عاتاعدت أن سوزع0ية8 عط ٠»‏ ,ممطهودالده 0 ١ل4‏ 

أتفاة1 ممه : 223 .م ,ماعامعك نط0 11 11الاء »0 هلأ0) نأ ,26 اتممك ,111 ممهعمهاة .42 
.8 ,7 ,4 ,ندل اهمع عاءا5 .773 .ط« ,2 .أهنا ,6101116 كاملل كنام01© هذ ,5.6.5 ,لدأ 

.ه 0265 أ هاااع5 م70 لل كع لع مم1 » ,مامداوة ملوترواة .43 

.159-40 ,د أقونهها لأوتلموظ عط أه كستادت1ة لعععزطيه م76 » مجلم .44 

-المصكع؟ عأملا ,1234 داع علا عملمع 0066 عنقم لوللف دتمم مل ريره2 .28 مكباد0 ,اععو2 ,45 
أن لدهازهةا هأ تامع مامد الك صوصو أتكاميك «تتعاره المع اتاساددى موعن ولأتطه أطي له وعدمةى 
مع اوااطاظ معضهنا ,لجل)) جعغ21 ونأوزملق اء ممطء0 ععتحما سل .امد 3 ,عمسسيك ,خروأمزوعط 
.164-169 .م ,كننو انماع صماه؟ : 1ل بطع ,1024-1036 .م ,3 ,1970-1978 ,عصيمه ,ل كل 

ممم 6/مز5ى ‏ : 44] .« ومر5أعمامعممرم  ١‏ كمرععمصاء ,وصوعولط! مروامد1زا .46 
.1124.9 ,11.25.10لا دمل 

127-165 .م مانالا إه وعلتصسصتصمت ,وعطدع 11 .47 

.126-133 .م ,كه اص يعمل م ومبرااكه) ,48 

«لاامععتطط] ما ممأعدوعنم! امتعمك لتنة خطاد8 لممأءتصسا8 رعمتتوومظل ٠‏ رورسوسط وعوول 49 
.649-667 .م ,1979 ,84 ,ممامعال أمعاممنئلط تمعارعامة ,+ اتدم5 جسامء©) 

3 أقونةه2 لص عأتاكه أه سمزعلنلة 156 ٠‏ ,ومطعدللق'0 .50 

: لعلدكيحثمل انتلمده؟ أن سما اح أاممة ع٠‏ أن حمنعق0 عط 0 ٠‏ ,عملعك .2 مأسمزحعظ 5١‏ 
دعصةل عله .310-335 .م ,1999 ,74 .سسابععم5 «١,‏ 1120 ,كنأطد؟! أه أتعصبه© عط أه كعومد ع1 
من« مللدعيصك )صلع عط دز لعصباط أمنلاعك له ,«متامرعوءء 815 ,ومتابن ل ممم » ,عبملصحيه 
زأه1ا ,كسطفمديت 7116 ,عهملمصتحظ م1 كتررمم ,57-65 .ع , الأماررعاالم5 فده ملدويصك ,(لة) الآ 
60-61 بج عأ ,1991 ,تالحمعة/ا ,امطكتعللق ,نما نوات أنه بولا 

كتموط ,الا مهنا ,داععغل كما : ععمةتضنصدبعه كعالاعدهم© دعا ها ,68 هموي ,)ال مدداما .52 
3031 .م ,+ أمعناره8 لمة علتاكت) 01 سمزعلب84 عطكتء» ممطوهلاصه 0 : 567 بع ,1994 .ان6 


اام 


أن مهم » رعأعنها ممعاظ عتم ,ممومف ل عممصام ذل عنك .68 وممت ,/ا1 مماما .53 
مذ ره ماصع طامععاستط1 عاها عط ها دموجية أن وحمت عل معلمنا عمتاكستل : معد لةاطمم 
وعطمعمللط لتحده : 52 .م ,1990 رستصوكيةلا ,امطفععللة ,تمنمكتورمام) 16ت عفمديص ,عضساما 
ماع طامط ,ممأععساطط ,كموق مأل اذك عبل) جذ عمت حمسا له صوتنعععممط : مممعادت"ا إه ععقن تسرد 
سوط لمة عاتتذوو© له كنوزعلناة » ,ممطع هلالد 0 عزم؟ ,عللتاجهت ذا عنك .1996 ,كومس لدعملا 
.44 مه أقع 
.9 ,7 ,كد ماهم 6أءز5 .54 
اء معدمالة أه كناجرهح لهوما عطا صز ونع ٠‏ ,ممصتك ..آ عتملا ,6 ,28 ,7 ,كه4 )رهم ماعل .55 ا 
.د مأطوك 
نط غ1 : ممص كدعصتدن8 ونقطكد لمد ,كع نالمعطلة ,علجوء معط ٠»‏ ,كصنظ .82 ءأملا ,36 
-341 ,1972 ,58 ,مامه أععمم ةلط عذأه نهنا ,« داكا آه عكبده) عط ذأ لسمتمدمك مساوم طامءء) 
طء 1 ««أعدسصة جمس ,مدلدمت عل اعائكة : 4م128 ,معمعاماةا إه ععءتدنساده) ,جرعط عولط : 366 
«ممصذلظ » ,عوعامعمية : 1994 ,لمقهاة ,مممتاعمعم «ماكة وءأ«قامم سد م زصم جه 1-اه لمالمفطار) 
ا موأصمحوم أن وعأطمره علا لمد لفكنمما غطا معدمآالة » ,ندعم ره وتممك أجعتله10 مزعلا 
,(5ك6) معع ل انلا مس2 أء دأددرع !ملع عطما غدمل ,معمغط لمع لمقدتآ ممبال عمجل ٠,‏ مماجا 
61-6 .م ,1990 ,88 رعامة ,كاأعدمم ”أ عدواممط و عزه و8 أت ددللاناوع 
تا عنس5 .95.98 بم ,ومعل +1[) لننه )ل مك«مإلق ,تفاصمعمعت) عزه : 4.21.8 كدلأاجمع ءإءاق5 .57 
: 184-185 ع علولا إه ماسم بومعطوع تاذ عام يمموصق د معجماعى كعل كمهتممجممء 
لدم ملوكيسة ولمعا 79 «١,‏ مومهم أه عصلدعظ جتجوع©-طتوعة علط عطا مأ كدملأكت164 » يعصيظ 
رككع بإالومعلا اهنا جمأمعساطظ ,ممافعمخط ركتد لاعسلل عط فنعنها كعتأعمجمململ تييع : «سادحائة 
146-152 .م ,76-78 ب ,1984 
.15511 ,« لونم )لماكب * بمممسالموقة .ل : ثاظ ,ء قوطدلا بط مقاط » .متلعده! .34 عأملا .58 
عهن : ذاتامق وغل تمطعد عل أء ممتتدغط! هآ » يسمدرعدت مطفبممظ؟ زم : 4 ,47 رمورمتك ,59 
فاأدمااكتى هذ م أذاوع » أعل مبرمنتمدعطنا صا ,(.لن) ا وخلنزت عاد عمدحمأنكنم ع1 
متختداءعة ,سسعتنة؟١‏ ,عامس وتمتحود © موممعالها : فقطزع أذ ه منماعدى ها مناه : «مماءا ع 
1 333-344 ,2000 ,ممع دا وانروع5 
فال عان عناوتاحه عاتمجواتاابا وأ عل : عنتماعععا نه دعن«مافكظ كما ,امصتامظ لدنرييهك؟ .60 
68-2 جم ,2004 ,وعاما دعااع8 دما ,عتصوط ,زماعؤلى مدكرا؟ بعامن ةلبه مهدا 
.3 .ماه امصما طوللصدظ عط غه ودتلضياة لمعن زطب5 عطك» عدلىك! علهلا .61 
قغطة ولاعت ا عممما ,علعضتق:+ عجومتا! كتبعة عوعجماءعطنا ,معلمنتات؟ا كولمم .62 
عل مجرواكا2 روغطولممع ك هلاتمف لدوعطم أمماك ,186 .م ,1955 ,اعجمع]' عط ,عهعيمتقا ,ععنمم عد 
مانو #اتجهمعع بر مترماكبا عل ومعاطاممه وداه عل :فأتمعاه) ,دعطنخ] .ل حء ,ماتموكظ ع0 فاكنوادمه ه 
.15 .م ,1926 ,للها ,2 عجها ,مادمئ 1 عل متس وعم لم6 ها معااطيا 
دو[ عل متلساقى له وفعدصستحمهمم » بوالتماط أعداهظ , 194 .م 1 عوممماععطنا ,بمعلمااعلا .63 
دا .للة) عصواامرة صذ,ء كساحلمف لف وه _ملممتمع-مامقد دجرعيج عل مانصأ وممول كي كملتاناه 
311.م تصملكة ء فاتسعااكتى م« تاوف » أعل عمجم عطنا 
.35-36 .م ,2 بعانه :بكسب عدو ممكط | عل عرأواكاع ,امجصعحمط.تضا .64 
دده لمع ءلم إن عل( 1116 : ت«أممى «عفمعيص خا كعسطامره) و 07دام22 ,مله كعردك .كه 
2م ,1988 ,ححمظ هتمه رجموعط أن اندع دنا يعتتاماعلدائاط عنصم عنصعاع]ء سمتعاسا عمطلا 
وممتاعد دعل جنن! نمم كانمدع عل وواصصعي وععاسول عباوط .241 .م ,1آ ووم ماعط .معلستتملا 
. 200-02 .ص .ولط عزه ,وعلمطامصلم كعل معد تستأتاس 
81-6.م عع منماععء ! أ كساداعيع دما بالملطركنظا عزملا .66 
جلمد عدوت عا حصول عبر اتعجواط عند تعدو أاععدمل ك كعناماءكع ,كعن!! 5عيوعد1 .67 
.393 .مراة19 ملموجد؟ ركوط ,امهم 
44-0 .جه ركعنلوأاععامول أه كمنتماعكط ,5اعع11 .68 
,09 مره توالا طهية عنلا طناب لالدحهة أه كوملنداعظ عط ء بعأاحرما© .69 
1١2. 195-198.‏ عع مسماععطنا ,معلمااءلا .70 
ان مدعنت من 3 معع هدم ! ٠‏ ,معتدحوئة ممدتيداا : 7 كلامم و«عمددمم ,ممصلمم8 1١١‏ 
8 .م ,153-154 .م١٠‏ ,عممساععطنا بوعلمنلعلا :117 ,دعم 
.م١١‏ عبيرزه ماعخطعا ,معلملات' .72 
.328-39 .م١١‏ بجاماعمة المع انمه 31201 1 ,ماء)انه0 .13 
كق ةبر ,عومناماعى ! اه دمنماعكط دعا مهتانام18 .74 
9ص ١٠١‏ جعاعه5 مانم طه ه11 4 .لأعازه00 .75 
234-244 .م بكعسوذايء نمل أء وعدماعحظ ,جعه لآ .36 
163-166 .م ,153 .م [١‏ ععمماعدع.! ,معفداتتلا :8 ,مامه ع«ااجمكايها ,9م800 .77 
م 
محلم : ماع © © متسمتاكاك وما + اتوص ء أعك دمج معطا هما ,(.ل6) عممالممت وتلننان .78 
بده هن 17أ)اعك]) صدلكآ مع معوايمهك أأه ومتسمدممظ عط نمه معلم0 بصم ازاز عطاتء ممع 
«ماريوعتط ,ممصلومطء عمحوكلا : 259-279 , [199 ,33 رمعا اعمدملة مسد ٠,‏ (ومتنائمع طاحعع) 
اامظ ,مهنا ,مامحل إه ««منووئا «أنها عدا دا مداه فانه برنتطاهم) ١‏ ممتمعت ماعن 
ما عر ممماء علدت «عاباومم فمتترف عا : ممسمجعاللء1ل أه ملءادم أ ,كحصحمظ عهاط علمة :2002 


يت 


عل «متمعرن5 وزعوومع رعموإععيدق ,539 1323-1 ,ته ا«أاكناج فوع ك مزفط كمؤيييم عل «مواء دامر 
200 ,كم لامعا كعوم اعم كعم[ 

0 اال ععاناطم ابن . هاتهدير0 ,ل.لدى) أعبوتاة علمة مقط ,طلتوصساظ مطز ممؤونا ,79 
د دز اعوممتجوللا : بالتودباز اذ متورؤول] بططم) أتندظ عام ر 1986 ,لتيويزردط يكوه رووزمي بريين 
.هر ,2006 ,للتوسمم 0 بلمها»0 ,كعفمويص) عرز زه عوم 

,30 .م ركعطهجم كناع مهنم كدهل “تردطن1 درط[ .80 

ره عمفطاأتاكياده ععبائءه! عصير : كتادوي كمل أقطعه عل ع ومتاصغط | مل » ,متددون6 8١‏ 


1 34م 
موعطلا © فلاطائه : ««ماعتم ةا رسواتولوع ,©ملاممة) : معضاممع ورجمكريمم ,سمسلهم 3 .82 
«عكلفنا ماع نم2 ,ممرمظ ,+« ١187‏ !أ » مرومك أأأ متتععم نجنا إل ممورها إز : وز أل عبيون رذ مترماج 
01 ,ممومممعم0 لالم 
بلاوطقط] عأمكدقهم1 ,1 عحوها عأمبى لكام عمومنطةا تلمك عهوعسماءعئعل".! ,مع مالعا وم لسورل .83 
اذاه اهما ,اانماصا بنك كعدبدزلماز وعأسمام ,عذات! .2 0806 : 1955 ,إعجصرع1 ع2 ععويكقة بع 
.كضداوأاك11ال أن كعامأمكط ,كعع»3] : 1977 ,المع م1 أأعذأوعزتوباكازتع ع0 ,انااقامعمما ««اواوجا 
عجره 'تمأءكت أ اه كمناماعجع جما ندم ا0 2 .84 
لنمطء آنا مصوزط :122-130 ١م‏ ,2 ,ته انكس توممكظ "| عك عمنماك 1غ ,أمووعه: .نيم ] .85 
.“لع ,د مطتلقكاد5 » ,عامنمعق8 لعستحامكة كن 
أن ذعنتماعوظ ,جععن1] ومن ,عونو درل ومتاع نكمم ها كمهة كعجواءي معل ووزاهوزلل)ن'| عن5 .86 
دعم هذكنا اه رملغود الفاغ رورم 1١‏ :عع ناز ع[ ,الك معب0 لممعطمك! : كعيوالكءردومق 
.2006 ,آ-دأوط ماتكع لين ,حتيوع رأف ناعول عل عد .« علوبة فم عممجمء لل516 ها ومدق 
136-138 .2 ,كعااوااوع امول أن وودواعوع رجرعح1] .87 
دك كعل انمد كتم اهس كما ارول صزواعيت لم كنامم) 145 .م١1‏ عومبماووع'] علو نمن٠‏ ,88 
.لكأشولخ لمم كلمرععره؟ ام وعتحممل 
.6 .م .2 ,016هة#أناكيهدم واج موكط' | عل عجزمزوزاغ لمجمع يرط ءايض ] ,89 
.125-126 .7 ,كعازوأادع امل أء دعلاواععوط ,جع 3] ,هو 
.“21 ,ء لطف' ٠‏ ,وتخطععصيم8 2 .زو 
6 ,« لملعه له صتصونا ٠‏ ,الاعمراعك طوموول .92 
م ,2 ,انها« تأ فكي عاعممكط | عق عرتواكزاط ,أميمعحورط-زيها .93 
06-7 .جع .متمنماءعي [ كن كعدواموع وما مهد ه25 .93 
.221-26 .م بهزط1 .95 
ره مقس اكيم عصباعه! عضن : وتام ذعل اأقطعهر ع1 اك لممتتميفطز[ ما ٠‏ ,وندموون6 زولا 6و9 
0 
.لاع ,ء لطم » ,وتو طعكميدي8 .2 97 
.183-189 .م ,معماماعى | قك ومن مامكط وما بتتخوراهج 99 
144 .م ىأ اجاماعم5 اندم سممعاتفواة له ,ونمرزمن ,وو 
.241-283 .م ,تعدوألكعجرمل اء ومناو امعط رحرين!] ,100 
/ 4 .جم مهف تفاعك | ات ووسماموط وها ممهتمان 8 . 101 
مسحتتها؟ : 179-189 .ع ,كوم ؤ ماعط مظاهات1 هاه :361-62 .حك ,أفبدةء7 عل ودفاها مرموط أع ,107 
.145 ,* 185ل أعقامع هرمع ب معمعع م1 ٠‏ ,مممحواد 
عل خأهات خعل 616أ50 ,اهاى 541 ,و10 ع1نوزم5 ع0 ومأعورزام كعك مان ,عع مفال لمدصرع8 .103 
داعيمة :82-55 .م ,72-74 .م ,67-68 .م ,59-60 .م ,50-52 .5 ,1994 ,عاكتمتصسط عننوغطءمزاطز8 ذا 
؟0اأاناق عل كعمول ءلم كمووع د [نه: كد لا كه1ز5 عل ووستصوه2 مامحك + ,دلأمطيم8 ذا عل وأعرون 
عاأتت 116 « ألظامم » أعل عدرواج مرعطنا ها ,(.60) ع«ملاممت© مزه (111)< واعذ5) كندب (دلجه موجهل وه 
.539-48 .م رانثمادز ع واقدلما 
209-21 .م ووم«ماءكء][ ا ععسمامعظ وما ,مهدهج جزملا ,104 
5 .233-234 .م 1١‏ ,عوددوامخطنا ,معووزان؟ ,105 
«ماععنقة ,أمممعصمظ ذ تمع .ل عدم مفلماق عالع1 يال لل .وندماءهه8 عق عموروول .106 
.596 ,1933 ,موععمع 
.234 .0 ركعنالوةاكع درول ك وبالتماموع ,جرم 1] ,107 


9 
5 الفصل الرابع 
بحنا عن الذهب المصري: 
التجار في عالم البحر المتو سط 
0 ,كلكو ,كماع ققد رثا كال : عأحرم اديه و00 عل وررمط عير راع مث ندا ,موددقة انيح .1 
.04 ,لوععم8 
1161 !أل نكنلة” 2010106 فك كع ترترعم هجر تفرد كعللة كعلفسهة ,(.60) وأعرون علنروا-موء1 .2 


.2000 .عصمظ عل عمكتمعدم] مأوعي ,عجمه بأمطم مدر 
0 .ع .1990 ,خم ,ارمأنامعزل مك و«رملءل"غ أمسواخة علوم .3 


288 


طععة ع إه ععاات سه تأكتمى[ 1116 : إإءاعم5 «معتبممعانمءا8 4 ,متعائمت اعنصدك .4 
أه باتو هنا ,اع امعظ ,(.أم 6) متذدء© مومذم مالا أت دلتعانمن0] عرلا اذا لعتروماروط كه ارملا 
.5 .م ,ا .م ,1967-1988 ,موععط متودمتاده 

ععك عل كالتمطنن مدصت : عناملمهك ذ كمصدط ع2 » ,مستماومتن 0 المعمماة عملتعضصطك .5 
مطتعه معنناأيتة ,(.كل؛) هماه1 صطوكل هك أمعصم16!© كامعمعه2 كممل ٠,‏ كعله وزعمره كد إمماغم 
00 هما موحد ظ!نآ رحتموط ,عالتججم] عل «ممطله | كدهل تتمطميةة به بتسدمعسة | ١‏ عات موجه عمسأيه 
«جمادا'ل مما ده [عذع] عفدا #اتتمفناهك : وعلط 2 ننه عناود0 © ث ملا ,اجع10 : 149-162 .2 
ف امعنحوط عأ كه ماومصكط! : كناد تهات ل عءااانا ,ت«تعهمه : 2003 ,كاآناط ,جعصمعه ,كماعاد واد عيده 
.1996 ,جآذاط رمعصدعها بكعاإعفزى "مد اننا رعتتم«بأسكيعمد عبووم] 

ك ععدمون1 .ل ,الصمله تمعد طواتة) عمعء؛ ها عك مالسبع ة/0© مغ ,لدومادلط دآ .6 
.10 .م ,2001 ,عدمممة يت مااع صممكندلظ ,كتمدط ,ل.كلدن) اعاللا .0 

أمنع :دده +111 : متهحك «تأعسالا دا درعله؟٠‏ فدده عفهه:1 ,عاطهاكهم عتصيعظ هأزز01 عأملا .7 
رووعع! لإالوع الدنا ععلتطمره ,ععلةطمرهع ,900-1500 بعملسعصتمعط معطا مط إه 1 
1994 


,اتلك ل ملاعم عااعنديهكة ,عع العجسحره م 0 أء أماندم/هل38 ,عصحعلط مدعل .8 
: 1972 ,صمانامالا ,كلظ رعو تعرواة نعط بك ستعععف ىق كععومكع ,لمعطددما عءتنهلة : 1936 
بعمممع /ه 0 علا فججه مجعم ةعاجم ,17160 مرأواة ,مكدو اعاتط/لا لتحدط كء كععلو]] تممطعنه 
حر كك كلسقداع عمد بككاءومكة > ,أعانتطءء/! ممدضلةُ : 1983 ,عط وتععطولا لأعصرمت وعمطاا 
وله 'لأعد ااتمع عه م أتمععكلط صا ٠,‏ عامعممم عتطعدههتمعتط! كممل ععق معنرملا؟ أنمط بج ممعم 
ودمنتلمل؟ وماد أعل منةن!5 أل أتمجطناع5 ,مع مسجعاثلع: سه أ © معاستحسصلاء معه] : مبهدألنه د 
116 اللععسظ كوامطءتا؟ اك سعلمه115 عمفوءء2 : 23-43 .م ,1993 ,40 ,مصمااع:: واللأبى أفساء أل 
,32-34 .م ,2000 ,لءساعهاظ ,لده]:0 ,جمكالط ممعمممعاالعاة إن تماد 4 : مم5 ومتعنجره© 
باكتلماتوه) إه كاممه ططق عزأا قانه مقعم عامط عننهمة«عاءرمك ,علععة] .إلا عوء0 : 153-60 .م 
.2006 ,ععالزص 0 عل عالدلاا ارول مولز وه وتابعم 
علوقعم عائي عند : 39-41 .م ,اتمع5 «تاأعياة ص دعفمم1 همه علمم73 ,عاطماكوم عزه/ا .9 

ممعم هداعا 30 عدع 02 ,علءتصصمنعقة اإعمطعنا! عتمت ,عمدعفدرصت عسوتتدمممءة عرلمنكتط'![ كمدق 
«ععنالونا مولتتطصيهه ,عع10تطوره) ,300-900 طلى ,عع مم فاه 1 20 : بوووبم تدوع 
. ركوعر2 زازه 

عناناع كط وكتهكة مضوط بأوعاءقاى “د ك/نرن) كنسله ف تملع ك كتعا«أأمجع© دعا عددعد عرصنائطط .10 
.41-2 .م ,2002 ,عموعيها )> 

كول ,< (كماعةزد ناكللت؟) علأكخقططج أكثلف 1 ا ب دعاء ,عموفد عممألئطط .1ا 
قال م1670:14نلطاة قت عتما« أنكيةد اء كعد :© ,(.جلة) عمدمك عموتلتط2 )ء بدعنمع كمامعتلر 
.3-19 .م ,2003 ,لا0كظ1© ,وعاكتمط ,إعاعةاى ادرب /نب) علهد 

830 عع عضي لمسيع يال مقطعيددم دعل أن ععممعر8 » ,ممععدلا2 عصراءذ؟ا علمنا .12 

.(616 .م أءأ) 587-629 بجر ,الابمع عد ء ألوعهلم صذ,ء أمدزلوم ك عممعرلط عمنمه :1030 دعم 
لأكاسول 11:6 ١‏ وا©50 تنمع نم7 1أههع81 4 رصتعائم0ن) وددملطك ٠,‏ اتمتسصسم علدنا معط ء .ذا 
,(.أم؟ 6) موأدمن) ورزم) ع[ إن كانم عمط م١‏ جز عردم جه فأده/لا طوجطة عنأتإه كعتتتستسصدمن 
علرمط لىع عممقطعة ى1 لزنه : [6 .م ,1 ,1966-1988 رككع8 وتمرولالده أه براتدع دلولا ,بعاعماع8 
عله عط نمه معتطلة ,دتكة » ,مكدابطة لأحد0 عتمم ,امعد لممممعع كسام لدطتلفم صمدانكيام 
4 1042 ,2 6و١‏ روصمعااع إه ماعط عأوبممط ععل طم 7716 هذ ٠,‏ عمممدظ لوتعتلء1ا 1ه 
معبخصنا عولتمطسه ,معلعطديمه ,(.كلة) 2 11أق1 .8 اء سماحبط .84 ,دععة 8010016 ملز عأ جاكسفما 

.4023 ,م ,1987 ,كمع" بزالو 

.101-108 .م 1١‏ ,لإاأعاعمد انمع ادمع 1ألء816 4 ,وأعاام0 .14 

15. 1514, 0. 99-0. 

سمءعصخط رجواممماطط ,5مع17700 «احتمول لمدالعابا إه كعااعا ,«وأعائمت : 153-154 .م ,.0أط[ .16 
.278-304 .م ,145-174 ,1973 ,وعدم واأعطلولا 

209-00 ,2 ,1 ,التعاع50 :0016011 7عننقع ك8 4 ,واعائه0 .17 

.43-44 .م .210 .18 

19, .م ,قلط عله رعادروظ ى مأتر عل ممتأمسومعوم ذأ عرد‎ ١22-123 

مك1 ,عصواءععتج8 ,/اخ[-11ل! .د ,لمصتفعم معسفجء العا لع «لسعاوعه ك ١‏ ادبع مو جءاتلع81 20 
.4 ,متعخععائله 14 ها عل بعممسظ ادانا 

تإلتمع مدنا تكدمعه8 : وعمومد متماممط لمة كملطك5 أكومطن » ,تنعت دحطيدظ .21 
رقأأعتماا© لمفموطط :؛ 347-357 .م ,1994 ,20 ,جملكزلا أسدالءلا إه أدصومل ,« عله ممنالتمصسة 
.ولط عتم معط زه أمتصبم2 71:6 ,د (الهصم أه عمعصسصمن ع1 : عمع؟ لدعتلعلة أه عمعاءد" ٠‏ 
عط ماعط لترملا طحق عل طاتك المصة اه كدهءداعظ عط ٠‏ ,بعلا : 531-555 .م ,1968 ,28 ,جرم 
.4245 بح ,كعااعا ,مأعاله6 : 299-312 .م ,42,1967 ,أبعم ,« علحوندك 

عمط كعااع8 وما روضوط ,ميل وكا ينه مكتدعكا أعبوعه!ظ عن هدهع عتمت ,عكتوءلا ربك .22 
2003 ,5ع 

عل عاقنوقي ذأ تمعسمءطتاءفاك امعأافعع مكاي جمعتائدعلا وما ميق عاهمي عمحط مطمل ,23 
معو موصيع 2216 صر« علقديحت طعيوظ عطلن عن] أعبا؛ ممتاعمعا عطكء عممظ ممق ر عنمووع" 
بععلتمطصية بلكلة) بواكينةآ .لذ ك الب8ه .اط ,كعاعصمصمم يجعنيع كا ١ ١‏ .اهنا بعاتفدسص) إن 
.103-13 .م ,2003 بجوععط وات كاملا عولقطهمه 


0 


-0)5ه51 ألسيدكاء ل:1ده1] ١‏ صنت ا#علم ابرلا ,(.كل6) كقدبه18 جرمء© ع أعكد1 م0016 .24 
3 ,عانللناعة علك 14ل حاضو ر8 إننه والالعنء8 «#عف معط لأ والعدعلا علتاطسوع8 جع علرامزمومي 
ععاوع/ا ء» ,لرعطا1 عععاناظ عذادما : 184-193 .م ,2 ,1964 ,ملف أكاصة : 856-1857 ,لمالا بععدره0 
44 .م 1 ,319-451 .م ,5 ,كعلمفهم) عط إه جملكة] ,(.40) ومااع5 مز« معلمكيمت عا لمح 

0 مم ,« لأعولالآ طعة عذنا طناه تاأهصة أه كدمن6اداعه عط1 » ,والعهات .25 

-011067ع تناك 17115 لاع 0ل © :07711 ع4 1© كندم عل 165ئه:7 ,عذكاها كدكا عل ,34 عزم/ا 26 
6م 1/10 فته عأمادمامالعامءد عسوم | عل كعطهجة كما مومه كرعايفجيلك كملق ئرمزاعاه: وها ودر 
5 ذ5أ680مع كك كلقدام كلمقطع هدم كعل ععدعكدم ع1 عبهع : 1866 ,عتمغمما عامعطماممم1 بمضوع 
0 ,كعليه؟1 لباه عأمت10 ,ءاافاكدم) أن ,ونه تملصة كترم ىع[ 

دا : / له 1011 كملوزد 5و1 عل معسممصدعائلء4ة لع » ,امالداة عممع؟ ممعت 1 منيوزز عزوملا 327 
«تهط) : (600-603 .م ,عتطممهوذاطتط ها اء) 143-158 .2 ,ااباع امع علط هذ ,د ممعلماف «فأكمهمين 
لاط ,كاموط ,عماعوزى لالز اع اللا جمنه «اتجتاعداط ءا اك عالملدلق وتو ممكط نا بوعتم ن2 أعناسمسصمعءي| 
له ,هع ممزواة زه 11ل امامنه) 1116 : اتملاومجاتء اامعنمجءاأمء81 3 يوكماسطة و2 : 1965 
معرعا(اثامه 4تتمجع عا كت عترمأء رمق ,امانيه© معتصدط : 1994 ,موممط بوزوع يونملا عورلقطصق ,عولما 
-330/ مهء) ع««ذلكعامط.ءأمر5 هآ أه ماوع" ععده كدمأامك: عل عاعفلد «عه : مهم «عجما! بنه :ص0 '03 
1 .2004 .تعسوعقك/ عل معدت ,لقففماا ,(1430 .مع 

1١ «. 327-12.‏ ,إلعاع50 مادج 10هع1ة 4 ,دراع لم0 .28 

.7 ,.4ف15 .29 

30. 1814., 2. 170-19. 

-240 .م , [ الإاماع50 المعده جو ه11 قم ,رصأعائم6 عأ“ ,هزه 50/1 يده مامد هأ رن5 .31 

١١ 7‏ ,لإاأعاع50 ادع تهج لالعكط ل ,تاماه 6 .32 

.62 ,ك6 1ت كمنام هنرملا كصعك لإدطبال م5[ .33 

.344-45 .م ,1 ,لإأعأء50 2:1ه0116 جر الفولة 4 ,داعا ام0 ,34 

.75-6 .0 ,ك#طهجه «#ناععورمنا كممقكة حزوطن1 150 .35 

-لما : فاروثلا «تمعحمجوانلعئة عر دن ع !ذا واأكلاه!] ,عأطماكوم عتورعظ منن0[1 .36 
-نهنا ععلتطصهت عولقطصهه ركعهة 1001لا علا فته «نأسوااائق عاصا اا أعاه1 4ه ,عهم:1 بوازاع 
.0 رووعم6 بواأورعي 

220-222 .جه 1 ,لأعاعم5 ادمم ممع تفعلة ف ,روزم )م0 .37 

.339-43 .7 ,.4أ10 .38 

.219-220 .م ,.قاط! .39 

1 عندا؟ عط س1 :“هم علتدط" عط مه اأطونا معلل ٠‏ ءتطصمععكة اعدرلءزكة .40 
.17-54.م ,2002 ,177 ,اتمععظ قنيه أكو2 ,د نزمومومعظ مهنود أاممدع عط لعتاعنم 

عل .8 روموط ,كعهده) 3 ,(كلن) اعوه/ علاتتو0 4ك ممصصطعن8 كندما ,كتامع ارمح طن .41 
8 برد “معوة عاتم" عط هه أطعنا بعل » كك أسممع881 عام : 433 .م ,1 ,[198 ,موق 

تن هص دعا » ,طتهقة أنهة ا :143 .م ,94-122 .م ,عومنتماءىء | إن ومبماموط وما دور أ20 .42 
121-33 .5 ,1167647111 ء المعع0/ صل ,+ سمأواال ممع يع وعروامفى روج 

43, .م ,ء كعمعنهت) بممتصقط2 لة ومتط5 أومطت » ,زانم؟!‎ 3 ١ 

عه اماعكطلاا ,«علمتلهنا عام :75 ء ,419 .م ,2 .أأمهت لزوكز ,الناقء 1 عل 902 4+4 
216-17 1 

.218-25 .م ٠١‏ ونومسماععط ا ,معلمناتلا .45 

16ج 0مك ]| عل عتاماكذا] لودع 0«ط-امهآة : 112 .م بعهمناماءدع! ان ومبماعوط كما ه20 .46 
5٠ 312405.‏ .2 ,عااأمالنيا[ عأاأمتومكي ,لعسوناة : 124-125 بعر ,2 ,عنم انكسم 

1 .3 ١ط‏ ,1 الإأعاع50 انمعابم جرم ازلءلة 4 ,نم20 .47 

167-17 .م ,143-147 .ط ,1 عوهسماعئط نا معلط اعلا هه 

.4 .ص ,كهاتهوذاكة ارول اه كمنحواعوظ ,مم11 ,49 

.174 بم 4ا16 50 
عط؛ ها ععتلة لدوءا ومم)مرمعط عل لمموجرمة : تثكم ما ممأندرت عمتطه؟ > رمواه؟ . ز5 
عمتصسعاط عمقعط امكل ء متمكس!! ممعلمق مز ,< (1234) كلمت مأ كممكاءمم" 250 كممءتمتصمم 
ع0 ,لنه!:0 ,1200-1700 ,المعدجهجو اللعام عر1ة أت ععسائليت كداوتو اع 11:6 : معد لإ الع قى ,(.كلة) 

1 .47-3 .م ,2007 ,ل[عوبدا 

.< معككلة ها لسدناد0 وصلله] »> ,مدآه1 .52 

كافاع ع هلظ لماع عطامظ بواعدعاه/| عفمكيص دأ ::10 71601100 ماع40 0010 لرإعاعم5 ركصانا8 عأولا ,53 
ركسعرط بواأكعولونا 

1١ «. 126-17.‏ ,لزع اء50 امعدرمجعاناعلة 4 ,وأءازم0 .54 

0.0 ممفاطة علولا ,55 


و١‎ 


الفصل الخامس 
في مدرسهة العرب: تبادلات معارف 


.7 ,الننهمك5 ,عتروط ركهجها 3 روعطصمه ععء ماع عمل عوأدإعذلط ,(.ل6) لعطعمظ ادها رزت/ ١‏ ! 

كوعك ٠,‏ ملكا > ,طاتمرك معديجة والنصع عامد عم معرملة ند مماعدلمم ذا عاد 2 
عل معمع ادا » اتقنوعول عاأءتمقط :155-212 .م 3 مومه كعمدواعد عع مزمروال ,(.لم6) ل امهعم 
ركع هسه ومع مزهو عمل «رزماوزاع ,(.ل6) لعذاكقظ كصهل «١,‏ لدبة الفط امعلاءعه0 من عطصد عمأعملت1م ذا 
بمولاعء0'! اه عطعنه ع«اععلف11 ها ,نوع اءثلة عوزمعمهظ اء اممبوعدل عااءاهد0 : 213-232 بط ,3 
,1990 بعومعمآ يت علانعصصمداداة ,رمموط لمنضمم 

32-35 .م بأمط الهم ادعفاءء1'0 ب ماموجته +7ء 4144 ما ,جمعطعاقة كن 1ردنوع13 .3 

29 بم ,13-14 .م ,هاط1 .34 

٠, 1.‏ علقطذ1 وطأ «الإمحصداة1 ٠‏ ع«عأفصطهمه5 .6 : 36-45 .م1614 .5 

: 236-239 .م بأمضاففدم المفاعع0 1 ا مطممه عداءعلةل1 ما ,نامعطءالة »© انمسوء 13 .6 
21 ,م ممططهة بط أل رمحطه]“لق ٠‏ ,مفصمط؟ .2 

.لمت ٠‏ : 57-68 .ج« ,أمكال6 ببروارزمي0 ١‏ له مطوجه مدعء4 410 هما سسحعطءللة كه انتاوعد .7 
ل ,د فورصم لم2 بط لممصسحطنقة علدظ نطق ,تعمكءأه » ,ممم 

.235-36 .م اأصضاففم مزع ع0 نه مطممه عداء م31 ها .تمع عالط اه ممبوعدل .8 

لبه دمبدمح م38 : برأه؟ا| عن «معكام ص وز مممعتة, ,أكتداك بعمدلذ : 74-85 .م ..4اط] .9 
كوعمهم بوعصلا دما مقط بجماأععطلمط ,1500 عله ومز نوطنا لهذا ص وتططعي1 أمم ل ع1 
987 

6 مره “وعهة خرو” عطا مه اطعذ] معلطاء بمإعتدجوععلة .10 

ول وندنانه دومعب كع2 ,(.0له؟) أعوتقة مرلسة مقط اه طلاظ ,طلتنلصسة دطم مصخدنا 1١١1‏ 
ينا بومجط ,كعفعكامت دعل كطامء1 سل 61ترك ورررودن طاتجمع سال ورتعتمرمة .عأ ها 
.2913 .م ,1983 ,عامس 

-عصوع2 ,(.ل6) مأععد :1 روعع«لام5 عأطعم4 عامط أاده [.ادع :1 [) كنجدع ا كانه :ناكا( 0 ) .12 
ماعمطد : 1996 ,مع لدأ موعدو زلا معطعو جلك ا-باععتطصم ععل عاطعءتطعدع0 عن انطتاكم] ,لره؟ 
-عل56 ذا عل امعمعممه ابعل عل اك اتتححيةاررناه عل عنرساناة! بينأت 3ق !1 دنا تصاحصه0 » ,سمتتتداة 
وام 1ه ةا عقه ج1710 : زعام 1170» مرونابنه ١ه‏ مطوره مانن صذت ب أمعللععء 0‏ ممك 
59 .م ,2006 و القصصو ل ! ,روتبدع ,(.كلة) مداه مطول ك أمعصمق كعتمجمم" ,مالتسدز مل سبطاها 
١‏ 80 


عوة مام عا ١ ١‏ عتهصها ,اعفاءء0] عك ومفراعمة عتمت ,متك ع عل دمت ع سلج ذا عط .13 
.448-455 .م ,94 ,اممردط ,ومو ,لتمصدعزامرزنات جع زل0'ل ممأاععط أل دآ كنامد ,إعاء اع “لدكل) 

185-19 .م رأمدك 1041 برل ه0٠‏ أ مطهمه عتتاعءأكلطة ها ,جمعطعتلا اء تدسوعدل .14 

نامز ب« 81 ,"وكحاطءاد ملا" » ,عطوصاط لزجو8 عزه؟ ,أعزناى ناج ومتاءسلصلمة عمن عيروط .15 
عحنها بوعطن0 دعن اناعد وول ممزورئلة ,(,لة) لعطاوهظ عثمك ,كتاكتتهمطاءء كبام تمعمع اتا قن 

- تامدك كعنوادادهعداانام وعدا عمل «رماوئ كه 2 مغ الإصمع حاف ل عونم6ط1-ع مك8 .16 
بوالاثاعة عمأعداكمه1 ع1 > ,اعصيه ووإرمط : 1994 ,ستصوصةلا بأمطادعللة ,عي معرمكا ينه ععييو 
بجنا ومل عامعة 1 » ,1دسوعدل : 1036-1058 .م ,انمره عياط إن بمعيها «١,‏ متممك لدءذلك10 وأ 
:ديد :5 75 دز أأأللا ألم ومتفدعظ » ,مهاه : 177-191 ,عمامةاى االد- اند ,علغاه1 حصول .< دننعا 
مومم ٠,‏ بوواماعة عأطصة دوذ عط" لوعامظ ءااتمسماة عل لممددهط مه تعدمالة وحصت 
,2.13-0 ,2000 ,7 بلونفعاءا ماإددمات عل دأو ادم 

بل مارم بصن عتالا .كع تدكأ ةلاه ادم دا ينهم ومل عام مآ له بععللحصية ععينظ عنملا ,17 
معطبزجاءعء سحلة ه صغطنآ عل واذلة : 1993 ,اعطعلئة متطلة ,كقضدط ,عبرا بعصمكة انم علعيممر 
,دسخغطنآ عل منداة : !199 ٠,‏ 7 عزوتهد عنت0ء كآلاط بوثي8 رموركة حدم تن وفمجعدة ,منمرداا 
.2004 ,كاناط روضوط ,عامضافة +« عتامعوماااظم 

اع عسمتسظ ,ماع مط عله كندل عأبجهلذا جاممطا : رأ لل'ء 11 إن ممه:لة 71:6 “نقطدت وه [0 .18 
096 بووعط لكان نولا 

فصد متلوسكظ عملطلحتهما ع1 : ممعطسولة لمد عمعطاسومن » معان لإممظاصة عتما .19 
.مطماط مدنا عه كدأء !ا ,11 أعتصد« مره “عتمعمام9 عه مجبنانةت عطد مز وستممتطامه1اع5 ممتاحضتك 
زعله8 ,وملمسم م١[‏ [ه فاط لا نه مربررابث «لمتطسصط : فصا املع علا #تنه معبوك ,لخلة) مم 
0م ,2004 ,دجم والمعطتمنا جمتامدا! خمطول ,عم 

: وإعةزو االلا كد ,داعا رودص ء بمعادا'ل كبرو2 ,(.كلةة) امزمعقة3 .2ك لتمطعتن6 .2 عزه20.1 
0.000 2000 اتاط ,جما ركتوء «سماعمك ام دعادع 

03 وأعوممطتيه8 مبمععدذلا ,ادو ولق ول عسزم :2 ,مستئمجءتصوكة أل منهدهة .21 
لومم 11 عمط ,م1 مالعلة أ ععم مدمالها1 معرونظ اناتوم ا'لأءل عالدنا'ل وجمر5 هأ عم تنس 
.5 .م ,1935 ,مندن5 اعلا در 

1148-2 .م ركه عا ,صداه1 .22 

طلاعس؟ عطد صذ سنداءة أه كأمنها مط لمد ممساءمغاطععة معنملا كمد تاهالا .21 
أوسا : علاللا مد17 إه وستععلة 7136 ,(كل) م تكممم8 مملتوضط© كك كوم0 متا« نامع 
سات 114 ,من هسام ,عع ميدن عرار إن لممءط عأ رمق إومككا قبره فكوا «ممسصيط مواحملك؟ :1 
1 361-375 .م 198 واتسعحرهنا! مسونط الك 


247 


,5و80 ععع180 عل كك عمعوه8/1 ععمجول عل كمعاأعالتة ,الأعم5 «التأكبانا أن جمعهما مذولا .24 

هد عل ععالعدنضانه مغاتتاناء2 ع1 اء ,عدوغ ومو ,ععمعطملهق'ل ومرمدم ذ عتطدعه |لطئط هآ .25 
رع قصل عمعلفعده© أعناصدل/ا! : كالاعع6 10 لتنا كعناواء ناو أجمع ام أعلملا .عمد تطزز أ نامج 
0امععدده) [2 ,ونع سصعلائلا ععسومفكةظ معععمهظ : 1993 بمصعلدط ,1252-1284 ,وأطمد أء )[ معدوإلة 
]0 اتواع! 116 : عانق #عنجممة 726 ,مقطهدللم'0 .7 طدعكو3 : 1994 ,اتلدلا اأعدمإلة تعجمستليه 
-عء الحظ مأصماممق عمم عتطممعوواط 3 تكعدية علتتن عامع28 .1993 ,عتطماعلتلتطع ,علنيعم و عز مع«م/ام 
. .1963 ,لضصلهاة ,منطمد ك )7 وكمرم/لم ,ماأعع8 كمع 

-ععلامء اء ععنوولامء عل عتطجومه لصدع صن ,1984 هع ,ختمجم هد عل كمة كارع اوعد مم1 رتروط 
: انان إن 07عم22 ,كوريظ .[ تعطامه : ممموطملف ذه 5ممجمعدم غات امه وواعنتسذل كدمك 
: 1990 ,عتطاح أعقهاتطا! ,ععابعككتمدعا1 «سندعن) : لاعه 1197 كثدا يده مأزاكمح) إه لعدصمعة عدط؛ اا معدوإلة 
ععمن"! هتنه اععلك::[ : «معنتهاده) 1[ كعنويول 02:14 فعاتهعا عنأا مكرموإلة كه كقامم/لا 11:6 ,(.60) دملا 
«هل0) ععائها807! ,كلرزمحكط عتتعدر0/ل4 ,(.60) «رعلاعكا 8 صطع1 : 1985 ,وماعمعصاط ,ععهق علفمثاا عذا جا 
ع 6156 1هها00ه) واكأناعةة ,(1284-1984) ماطه5 كه ,ل( 056إل4 م وزمدمدمه8 : 1986 2004 ,3 ,33 ,را 
أمك عماعة ,(.60) تعيوتنفه8 اعبوناة عل 02:105 سقدال ر 1985 ومع املام ,3 ,9 ,كمماساصالط كماوناكظط 
معقهها : 1984 ,لتتلقالطا بمعممة رز يوطه بعقا ,مأطمد كه )ل( معدمإلة : أمنرواءمدمء؛ معمهادمه 
118 لمممما 116 : عاذاكمت) إه عا معتدؤيلة ,(كلث) دوء7 متعطلق جماعمه كك وصبموالت/! معويفاة 
.1990 ,43 ,كمع منتعانصا ععابه:0!! اجا كعاهه)5 ألصصصهط] ,ااالأدمح5(::1 أهازمائماج 11 انث ,[1221-1284) 

عا : عاطزظ ع زه «صمناها الاتكصنقة «مللة دمتامنسم) ء ,لمععة ستسداة عزم/ .26 
لفءنهمامء:!1 «ومامع !1 إه امماعد5 «جماكمط عمعلاط 116 ,« إأعطه1 آأه ععوهدنا عنصذاكا عط كه بجروك 
5 [أنقله1 ؛ 67-97 .جو ,2003 ,24 ,عاتم 

داك ععدم عع لهقء اق ) كدداهلصفعلة ده عمسصدتائفى ققاك11 » ,وزصمدر© ها عل ملرمضةءظ عزملا .27 
© ع#نأماكا ,عمغلكتمهما : 119-142 .م ,1970 ,35 أء 1-53 ,م ,1969 ,34 ,عمق |4 ٠,‏ (متلسات 
6 .م ,116 .م ,50 يظلقاهمد 

اء كهةاأناكنائة عتألهء علنااامه ج0600 : اتننم0 :ممع ه53 واإمرعنع/ا » ,مواأه؟ عنزه/ .28 
ع0 كغتصناة عككنوء نم8 1160651 ع0 عباعل مككتط د ,عتنامطمهن5 عل متمطعىي8 وماعة كودع لمسكء 
1011| ١0ت‏ 6715 771أناك 1 أك 10115 ك1 ,(.605) عقصة5 .2 اء نامعاباصماط .آل مار« (1175 .7) متلولدك 
كعاناء اناك كعلنناة ل عتادع) ,كتعتلتوط ,كاعهاهمه ك كمعدعواعة : (عاعغاد “اند ازرا) علوبة 7:40 علوم 
.185-95 ,م ,2003 ,علد4 601 ومتاأمكااتجق عل 

ك 0712711-ع1أعج] يلت ك 116ئأهد 1276 انك 2882711611011 ,عمو أل عاتروقة عل ملأوععن2 .29 
ع أصرصرم1 ممع عل عمتمجصهما ومتعدلوت ك عطتنها .هت ,عمق ”ل جبمعل نهد عل وتبربل هأ جبد ععرنااعا 
.172-13 .م ,1997 ,ومتم سمط مرمده81 ,وتمدط 

ع1150 .تتناككادد 260 2 للاناأمها عد 20 اك عككانة أء18 االاأعشتام أمتعثل وموناأعسوطع ج11 » .30 
-5601 187726 وأأامعك26 ,كتتهأ5 عأصهك8ة عل كنالتتمعتنا8 ,+ ستحمة ععطئا كع ثيو ممددمعلف ص أيعا 
كع ل عنموعلهلة ,وتمطاعآ ,0:ه1ل) أبجعه 71011 70101165 أ7ععرع2 وز ,(.60) معسياها .ل © ,815 ,عم 
اء ممسلعء ك2 صل ره ممل5 امنواة أن لتمطعصياظ » ,عتمطاق 0 طاعضة عنمت ,امتقطعنيظ ميك .1864 ,عدا 
علا صذ كدستولا2 سممتاكضط ء ,كأمطه6 : 82-83 .م ,1اماقمممأجرعط 4انه أعبدم 1 ,77006 ,(.كل) ,م12 
مره مم5 أمنوكة كه لتمطعمنظ8 : ميعلمكتدع3 كه دتملهمن؟ متها عل لسة بصناطعه طاأمعءاعتط1 
-مكبدء ل إه ««ملع تدعا عتطفمعيه © ع8 إه جرواكالة عنذا 1١‏ كعتهنا5 : عنجت 041 ,(.ل6) ,له كه عجلعع! .8 
285-06 .م ,1982 ,عاناتاكصا ابش-وع8 علقطع1 0هل ,حت ءلمعدحع[ ,ع«عسوم مساوم[ 0؛ لءبممعممط جما 

كع أمدعم دعل عنوصضة! 3[ تمعتغاتقم كعمافتستص 205 5ن10 » : 4 : 14 ضونه0 رعأمصعت عوط .31 
«تعاصصةن0 ركمة8 ,(.مهة) اعاستصتكما1 ,« ععاطتونالعنها عتقدع عه عل صقة امعتمطاء68مم عابو 
2 مم ,1970 ,تنمأ تمسصصةا 

ع 5نالنقعدنا8 .ل ,كزناها كعل اء كودأكدعدك كع 106 نةتردرمه زه أامتعوعل عاص عتزهظ .32 
.33 هك ,عماعاتمد معجنع1 متامامعععط ,كتدهأ5 عندوللا 

ع0 ,ملاعلا عى علدعوةا علاع عل دضأكه؟ عاتنا عمصجول أنان عامعا عوتروعيم ع1 .33 
-©7 55 عمصول قه ععجععه80 : 176-179 .م ,1988 ,10-18 ,متعدظ ,(,كل4) عااتدحدممة أبنو" ك أموع 
0 عتتغأكأمنا ,عمتعلامز عمفأمرعمم ,رمف مبععفقط ها صقل صماة 

ركفكهط ,عاعةاى “اللا ينك «اعقاصميع 1 وبأل ععنطءديدا] : عنعن كهأ أء مع 170710 عمل رتوسداطم أت وانبهه .34 
88-1 .م ,1980 بوممقصنصتها؟ 

النالط .:ترمائة'! عل اء عكتككشة 'ل كامج:جه:1 عل ع71/7م716 هأ : ا«علأيد عا عودء ادقع ع[ ,صهاه1 .35 
7 ,أفداء5 ,كتجوظ ,كه أله 1م411 ععاعفاد 

«عناله ,1253-1255 ,أمعرمة مام 2"! عدمك عوصرمل! ,علعنتستطيظ عل عتصنيه الأب © عنملا ,36 
: 1997 ,عأمدوأاهد عتعمستتمص1 ,وممط رعامرممعا غصعظه ا عمنملع-ء لهات عل عأمالعصسصمه أهء مملو 
+6 1 لباو الت : بحر 06(1) ا[انمع111171 عدأ! إت ء1لق4! عط أ عامعم0ك1! لنت كتمعرمجبيع ,ملمكامي؟ تاخمة 
اناق ,16تعأها-اعند06 عاغطء ألا : 2001 ,خعممعاعة5 أن «اممعلهعءة طكتمماط ,ملعك ,ع0 عل عدم 
- فى اللا قت “للاد بسننت عوهرون عل دنوالعاعم ععل عنجاءهقباك عملم0 : امعج«هم عامجا" عل كعنيام كما 
ناه أن 00 كانواككاتم ععءأ ات #التعموط صة ,لمقناعنظ ممع1 : 1994 ,«رمأمصستمطت معمدو1] ,كتتوط رععله 
-ك11: ,كفكته 0 ,لمقطعتظ : 1977 بعصم عل عكتمجهدة عاممظ ,عصصمظ ,(ععاعفاد بم ازمر) موق تصرولة 
-وامة لا ,كلما ,لمضافة: الها علف«م” نال كعاهاةت 021 كعطأاععوكوعم كمأ : وسبامعه رهن أء وعجلم«رماد 
0 لك 

عوامت | عدهل معمرملا ."ا .لهذا : 293-297 .م ,انتم 111:2 ,ماءبستطي2 عل عمريرواائت0 .37 
1نن0) عط اج ومتاقانصكتط أدمع1دا لقا عطلا ٠‏ ,مملعكا عنم ,أوطفل ع عاك .180-186 .م بأدعصممر 


7و6 


كلاماعزأء7تعاس1 : كتأزهاط 1186 .أت كك لاعكولا-5ناتمعمآ .11 سنا« 1254 ,عأهدةك11 صد0 لمد6 عط زو 
.162-13 .م ,1999 ,عا ا مكمه سمط ,دعل هحا ألا ,د«بمادا أمبصعتلءاط 1١١‏ دعتاسمء 2 

معط ركعاطم1 مسمعناها : 190-,86 ,25 ,د 1تمكدزتك2 عل لممسحومظ » موتك عءلط20 .38 
-اتقمتهلد5 ع0 غ6اأكاء اتلانا ,عنا0اتهه1قله5 ,/2111-1 5مأعأد ,1امع 2ه عن 070:16© هأ عك عمع:00711 كع 
عكرمه أعل ععدهتكتد كما نز ارمكمقع2 ع0 700 مرق حك » ,لام2 ماتملة عكول : 13-57 .م ,1972 ,عنو 
,5077851715 ,رلهله1 : 417-457 ,و ,1948 ,5 ,معااندصكاط ملأمالمتدكفكة ,« وتلعم لعلك دا وه ليا 
.0 ع«اتفروكء 

-هناو أت الع 0طأععأبة 1:6[ ك ,لادكة 7ع 70م ,16تأع 071 عل © أ1ع1«هأعداة ماع53 26 ,لاتقلا لامتتمظ .39 
ذ ملمقدك؟ طدعدول عل ع#اممهدمع دمتعن لهجا كك .60 ,كي ممابع ممم عدم أتعطمممع؟ أعتامنصة 
-0112) عل عتانا ع[ كناه5 .9-51 .م ,1983 ,4 *م ,متلد فاع مونهمامعمطععم ك م أرماكتط واعة ,ملمواءعط 
-اعنامهم غات ه 1غ : كءللة6 ع4 ضوع ذف 6ن2)53 امع مرعدكياد؟ 616 3 عيمككناه اعم مده اا ين 
أت عالنع 071 46 كأكةنعا02::1) عنانا ع1 كلام "لعأواعك:2 .للا عدم وتتامطعهنا5 ه 1550 دع 6إنل6 امعدرءا 
46 .لم دل "تاعتصوطاءة84 ماعد ع0" عآ ٠»‏ ,ملمواء2 1 ملممدى11 .كتاء7معدابا لادمعومح 
0 553لا 1أ0 : كأنةطا اولتق عل عههكتياه صتكل وعلط اء أعط أنهيةد ألأناهو 6#صمم 3 ,+ قمرد0'ل 
.د كأتقاا «متتقظ ج ملتتطت 21 موءتأستقفاكتتاصة دنتطه ها عوطم وبعيم ع2 » 

.326-37 .م ,13-14 .م ,15كه5077 ,رهمهأه1 عأم؟؛ ,ملامعهنظ عبد ,40 

3 .239 .م ,3 ,ك5ع7ااعا ,0ل[مععنط 41١‏ 

.1132 ,50770661107111 77(ععع1 0112© ,ول [معونظ .42 

43. .صم ..هاط!‎ ١ 

حاعآ كعلاعا كعآ ,كلتةآ ,كعهدما 4 ,للب ألأديءد بصعلة) عدكعلاءان ها عك كملعا ,عتوتصناءط ,44 
ع معندااء2 » ,نآء03625 معدعع مط عزم/ .390-391 .م ,158-59 .م ,4 ,140-41 .م ,2 ,2002-2006 رقع 
-كنا!/ة معطا أه متكتلا وطاعمهياء2 » ,مطمحاظ ععدلة : 241-248 .م ,1977 ,42 ,كسامةسمئة ,« نطاصم ألع 
284-14 .م ,2001 ,76 ,1باأبععمة5 ,« اممظ عمتاصمعز8 لمة حصنا 

70 .2 ,زأه!آ عم انهدكام عه اذ تع ]ند ,أعتهاز5 .45 

,(بلهنا) أسمدنة! ععولا ,عمسدمط] عل فاأسعال عا ع2 ,هأمل وتاك ذلاعق معاع نتصصدره 61 .46 
-كتمةاعا1 : اكء/1! 14:ه اعمط ع1«أله2© ,هطوول8ظ بعصدلة : 10-11 .م ,2002 ,أهاعع! عل كممتاتفظ ,معصتلدر 
كمع هتأموء [رجصدء2 01 المع ,عخطم خطط ,كماءه1 «هججه011 هذا سه كاكئت مسلا معبرمد 
تطونة تمهيمء ذء مك11 تل معنها مصددمع [ل » ,عكعنصمصوعاط علعطعلقة واعومة : 166-173 .م ,2004 
- 01م ةا( ها عل عز2 ,ععك لها كندامآ : 226-273 .م ,1996 ,36 ,2016516727110 ,د وعاقطعده!1! ء معزط عل 
.5 ,قعتتااعآ كعآاء8 كعاآ ,كاموط ,مهف أموكمائطع عمتم فا ان رءأمكل 

.334 .م ,1993 ,أتباء5 ,وتتوط ,ءومنره0؟ يق #منعواة هه خم طلا سنج لنتوط .47 


الجزء الثاني 
أوروبا والتركي الأكبر 
بقلم/ جيل فاينشتاين 


الاستمرارية والتغير الجيوسياسيان 


لع له وستسمستععطا عا غه كأتهمصتطا ععتمة مقعم معتاك )0 عصد ام عط » ,ععلدةا ,11 .21 ,0 1 

.م ,1986 ,3 ,[2)0 ,ماكالط اندعجو«الط عفهده«معظ كه أهلاه1 ر« لننغصع طندعة)!ة؟ عط عن 
كتدعناء80 ات كانم011010 ركأنناءتضواة ,العمعكا عصعة اء 0216 نسدد 6ناوء82 كتنامآ-من1 .2 
«أ710!0فأكذ ك[4:14 عتنات التعصة أمن5 ,عله علآ ,1517 ات عقلء8 عل ء0801! : معدم جع تب 

.8 ,دعيب 
,970 ,134 ,/7001 ,الواعلاء8 ,« عاعظ تباط علا قر ااسقامصما1 )5ذ1ا » ,بالممط0 .6 3 : 
00 


الفصل الأول 
الفتح العثماني في أورويا 


عم ات رطمع 1 كصمك ,+« 1453 أمعويج 8 كممل صعسة كعك » ,اأعالد8 إعطعناة 1١‏ 
.115-116 .ص ,2008 ,ؤأكآ , انطضهاكا ,دتتمطجن 0145© .عنم ردمزهقم دمع :هداعا 

120-21 .م..110 .2 

5:41 ,د شنب عط نط +[أممصدتيلم 0 أذعناودصم 1156 » ,ناهول دمقطء 22 .م للاعطهع ذاظ .3 
كه| عقم عأمممضلمفل عاغنودمء صل ء 061162115 125 1970 ,201 ,أدسمتمعمولا 


654: 


عمال أه أكعنوصه© عط1 » ,اأءتممة لألداظ : 1965 ,كتية2 ,1 ,كعجاه:ول/ اه جنامنام12 ,« معسية 
٠ .‏ ,111 ,اثناء أ اجهاجره01 افراع 4 ,د (1361) 
.9 .م ,1990 ,كذكا ,لناطسهاك1 [4 1300-1 تتاأطام ابه:ه011 11:2 ,معطصسآ ستامه عهم 006 .4 
لقدة؟ 15 ملمسكر هه كموتءء ع8 : عزاه منامدمء؟ 0) قالط مرمم؟ » ,ارعماعه ,للا معطمعي5 .5 
لماللدء11 ,(1300-1389) 7#ها01107 116 ,(.60) باملوتتمطعه2 طاعطه لك فصقل ٠,‏ تدعو 
169-21 .ص ,1993 رجععط بواأسرع طامنا ماع 
5 ذ 5اناداءر كعقنها 2010101 أت 776190001101525 12025 » ,اممو أدكة]/! كأنامآ .6 ١‏ 
: 10-17 .م ,1953 ,آلا ,عمجن .< (ئه11 858 -) 1453 دع كععيط كه! عدم عاممتاصماكهمع عل موليع 
,442-40 .م ,1963 ,طانهروعظ8 ,11 ,عبمللة مكم0 كعد عصدل كترمعر 
كعلاذ6 ,ىو تالعمنسط متفلة ,لإمفعية ."1-.1ة عصقل دمستعدعلا عصقطم5)4 عل معد زلممج 1 0/6 .7 
002 ,لوتع مم1 أ علاعلهالن) ,كلمو ,أمهطانمان1 ,وه اسستكديعلا عمقطم 516 ,ستعتكداعا 
ركوط ,(.ل6) ععإعطعه دعامقط) ,كوم 1 كمة عداعام70 ع4 #اعنه17 اناع2 ,«لأكوهع هاوه .8 2.00 
0651066 3 : عالدنا عتطدعهة1 » ,متاقلا كقامعءال! تكفبج زه : 47-48 .م ,1896 ,سنامرع1 
كا كمجارعمأللا ,(.علن) 0ا تصق اء اممعبوية 6-0 ناوعحظ كتناماءصك31 كصهل ,د موزل عمولمم بل 
.231239 .« ,1992 ,الهتاهه مها آنآ ,كتمدط ,كتجه اء كمبهفاا ,كعاواعئال عمد جمم ا«تجم8 كيام 8 
.437-459 .م ,1992 ,700-10011_,معاع 14 ,« عصغلتكزقة عل عوزاد عا » ,دعولا مدامءزتة .9 
.8 .م ,11 ,1280/1863 ,لنامامقاكل ,الاجهبه 7840-1 ,0035 نل 52 ,10 
ك5 ,لا ,(.له) حرولاء؟ .1 ,اتهةواماله مصاوط "أ عل ع:5]01ز/م ,مع سردروةز عل طمعو10 .11 
.4570 .م ,1836 
حتقء ل ع0 “كغتم , المرملات عبامامع | اك علع ا افيا .كم )0 عل مكزع ,عالنعدهل! مدعل .17 
كوزلانائوط هلآ انه 2015 اتمواتلااط ,كاتم 0110 ,10007 [24 اء 24050 مم06 : 1991 ,وقيوط ,«وعومصق8 
.0 ,اللقظ ,علرما ركأك6 0711© 011011411 ]0 هك 16أ] 1( ك12ة] 1زم معاتللار 1116 .عملت أمادم 
ا 111+ 1 [الانافاأععق ره 6ل152)00ك2 اه عوتتوه روصحم ع1 > ,مامع رمع 0 13 56 
25-5 
-0110 :7 أكعلا:01© 4ائه :018065101© .#(نهأكة إن جماع 6[ ترط معروجرولط مم8 لأند دكا .14 
,164-169 .© ,2008 ,كدعا وانوعباتونا 0جه0:1 ,ل«ه!:0 ,عمط جمدم 


| الفصل الثاني 
أورويا العثمانية 


0110182165 كعلالطععة ,اأعقدمت نال ععمع مم2 ذا عل وواتطعية ,ابطمهك1 1١‏ 
.5 خم ,423 .٠أ0؟‏ ,111 ,عمق 
11 عط أن معاي عطكء مله لقع عمط عماعا! هل عل عكتقائة دملاءنله؟ .2 
1 مقدره011 ص عأدرهة لعه عط غه مسعععء 1 عط لهة صونانلده عنام ولقعمجة 186 : مدع 
-تإبزأهء مجه عدم 77601 كما ,(بكلف) دمدتكمععلا عمقطم»:5 اء طعداولاعآ «تسدزيع8 كمهل رد )مايرم 
101-102 .م ,1999 ,سمتامصديد1!'! ,ركوط ,عادم د تسمائده) عل عانتلك هآ عأ لاتمتطلاه) ننه كعناوذ1 
-عكمععع2 عل ممطاكنوع كع كعد 1اكناهاة 002265 125 هناد تددكظة » ليمطية8 إن 1 معجرة ,3 
01 116 إه بورماعطط لماعمة فاته ©111زمادمع1 ع11! [0 أهاتنامل ,« لقضره اه ممتصصظ! كمهل امع 
.9-6 ,م ,1958 
لأمعارواكاقط ,جمام1 4 #الأطااد 011071416 علطا 0 ١(ماتطببوم2‏ 17116 ,(للة) عوطع8 جومت 59 
.23-24 .م ,1996 ,ممملسة ,1[ ,كعاعة عأوئزجو 
.7 أناحاأضهاكا , «قطة)2! :مقاط عن عماتدنه1 ,عللتصتار ع4 العتصيظ ,ونولنطاة0 طورج؟ .5 
: أزاتملعاعلا اأطلاصة؟ [ماءااكتلماءم5 ها 0طاك2010011)ى ماأدترعطلق ,تالوكام سيطن 1 دين[ 6 
.8 علممواء8 ,وزمطمهماكا مأتإهتوممء ١‏ مانم ومءهممه ده 
ه607 ..10 ز 1985 ,لصتو تأكتاجي1 6 جا هاتمعافا8 إ0 «إعاعو5 4ت تيم ,أعتعا امتطعوكية 7 
18111 لزع ناه عطا صذ ععع02 لمسنوعن » ,.0 : 1990 ,185108 ,لمطصفاكل ,متموطلة بذ وعمر1ع 2 
عطا ده ععمع ناكسا كال هة «مأكصدويتن عتسممدمعة ,لاوج وم دأناصمم مه ععامم بمقمتصتاء2 .عع 
6125 5011 أ© عداه][أنجعوهكة عا تبعتسنامد ,(.60) متعاكماء/! ك!1لز0 عمهل <١,‏ ععتالنه علععر0 ذه لععرمة 
.399-424 .م ,1992 ,عستقومة؟؟ لرمتأقارع5:ناع20 هل ,وموم 
أهاد ع0 إه أممتاء5 ع1 إه 1أأعلله8 ,د عمصنطوص2 عطا ده كغأمم مم5 » ,عع مو 116 1 .17 .8 
6 ,9 ,1966 ,29 ,كعاولا3 دمع 0نم 
,1960 مللقظ ,علوها ,1 ,.األة *2 ,اتنمأكة] ع عامفمماعه::8 « موكمظ » أنه ,اوزلرنازط .8 ,9 
.1301-5 . 
طتسة 1" هذا" ,متقلصط ,جملصلاعع. عد معللتاه) عفستععة ترمهق الأبمط ,علعلده1 انلدي ,10 
.144-16 .م ,1954 ,ناممتطناكا 


هوه 


الفصل الثالث 
تمثيلات التناحر 
عصءاط مناكك! 0 عتغم يل عمتماوءصتصرمف غ1 عند ومع قعظ » ,ستامجعدلقة علندا مدعل .1 
أ ناة5 .1 اه 'نقدكةقطتزع8 .8 كمدل ,د 1[ ا112[:016 تماأناك نان 11 ع2 عممم بال ععتئع1 ها عل أعروع:) 
.213-239 .م ,1998 ,رمواأومهطن ,كقية2 ,ععتمدكاعدوعط ها 2 كنم سكيد اك كدع انك ,(.قلة) 
بلكفلاة"1 ,كلتو ,(دماءةزى #اابعد-ثاننا) ا7مقاعع0 تك «برعط هم ,بامعصساءط معد عم 1 2 58 
.263 .م ,1978 
ذ مارم دررعنج ها ععم الممتلمى نه 11 ولط عنل مكتمعكتل 021210أككدممق » ,1مأء25ع8 .0 .3 
.2 ,1966 ,4-5 ,20/11 ,51212 أك 2/14 .5 ,« أطعصي 
1101121 وععتناطعطة1 ععل “نباذابب! ععل صا لالطمصعطعناظ1 ناح » ,كناش طناه: 06 لنقاتطاتدها] 06 .4 
-تأعكنع مماطوطه8 ,(.60) ععاء11 مقعنلهف كصمل ,+« أنءلستنتطعطول .18 لصن ,16 جمعل سمعطعئتدج عنطء 
١‏ ,69-0 .م ,1985 ,عمعصعال ,امع« اسلعاءء8 عاءكعتمودو0 
2 هآ .[1432-148 ,5ط12:1 5001 © 0478:11و:07ء عأ |[ اع1« لقثلا ,عع ع دتطمظ عصحصظ .5 
.171-15 .م ,1954 ,اأمنزوط ركامةآ ,عتأواكفةة ]أ عل 1اله711لا10 غلك 71101106 فلك اناعج 
-7710آ ...فلق 170476 أفاءك 01غا قله ع[ ]3 21 رعع نط1 عآ /إدان عل عانلكطا عبمعصء موغط) 15 ./0 .6 
عأله!ا أنه ك ععمم1 داه [أامملهوة] أجه أ كته كا ألفجاك أ كع 107 عرلتك 21101 1١نم‏ ]انمه هأ عل م7تهداع 
:ناآ عدمتاعبدعععل صل ,رومامع .1 : 1994 ,عع الاعجنههااة عل غاتوع اننا ,1620 16ت حبنه 1453 26 
همدو .1 عمقل ,« متعااعة لله عأكنااة اجتناخقع ١‏ للااععا»:أ5 دز متتتدوعة )0 لازماعاي ع1 .لتتصمطء 
.2573-7 بع ,1974 ,عموع 1710 ,مماده! مبرد أذ ء أأعاطه0 معرادقة ,(.لن) 
ها عل كترهانعاعموكاة ,متحتصمطء أكعظ كصهل ,1535 اعالأناز 28 ,عناء أنه هآ عل عبااعآ .7 
4 .م ,1848 ,كتنة2 ,1 , االصة مأ عاتمل معدم 8 
,0135 نأهان 1م1216 ,ركععهدم]ا : (1535) كنصداة عل «موتاتلفيت 1 » ,حدما-ءاموبو5ع2 عأناانر5 ./0 .8 
هأ ن كانه تاك كه 6115© ,(.605) اعناو5 اع عمدمقصوع8 دقفل ,+ دع [أعتناأيت كوو أذدنانوعمنة1 
: 15-2 .ص ,ع1 نهددنه 111 
لع اتعا سا5 .ارعمده أو[ .16 «علقمد ججرة 1 مده وأعنعظ ,عملسطعك لمعتكد تلا .9 
رحاء تطتداا! ,عدن أدلفع8 ١ع‏ عككلتة 1012 اع عاقنتط7اتدكيية اإعناعز] فم أعكلاءجعع فسن «عداعكطاتامم بعل 
39 .م ,1978 ,اعم8 .134 © 
-7910لل0 الاع لك أطأقتقته متم مترمأها : معطعتكق ,102 ,عصتدة8ة ,كممكةط ل عبوغطاهنل146 .10 
_ 0 
80 ممه نط- مع ل ,نتل انعا تعاعم: نال عوأواكاقط .اتبمأدا اه معلا ,تمأسيق معمصض"ظ .0 ١1لا‏ 
ا د ,أذناع5 ,مفقط ,(.لهن) 
عصلظ ,كام ,كأموجمم] ده :تعتلملة | عل قله عتسوس 1 هآ عل كتططء1 اعط 1قة .12 
.3 .مم ,1682 ,امععانام) 
١.747 .‏ ,1 ,...كة01الشأعوعة/ة ,عتفتسقط0 .ع .13 
أعاعتاة كه عأمعجه”آ علعمم0 '! ممم اتفقمم 0114 فنعاط لأللا عتهاما عل أعامام:مة عومعدومجه 1ط .14 
:ممم بره عوط رعلغ مويه لنده66 'نعم ماك ,1652 ,1نونا1آ] 5أمجصم؟1 معط ,كتية8 ,ممم لمعاوولق8 
ركاسوط ,كمأعفاد “انز اع “انالا عتلنه 104705 كعأ 2م0711 عاغلنا هآ عل كطاتلعك: أء ععطارزابا ,علمكامت هأ عء»ه 
.119-10 .م ,2004 ,عمعصد1 ع0 دعنتها كع اننا وعكموعمط 
غاأطادام ,عاججوظ'! عل عاقنوججمه ها عند لاذلا كاداصا غ جأنطاعة عل عأم816 ,عتدطعآ ./لا.0 .15 
,0 ,كضة ,كتمقد1105 عل .1 عدم كعامم كعل اء ع6120:م عن عولج 
ركامةط ,1680-1715 ,أ ,21116 ص0لك 00715016166 هآ ع4 عع مع ,لنمعوة .2 عدم 6ن .16 
.4 مم ,1968 ,+« ععة10 » ,لعقدصد اله 
ركلة 1 !لكأ لماعو 1«أنطع : 6(]1050© ,كممستعطظ عل عدوقصطععد! عل غاتض عا عاملوعت حعقم ,07 .17 
7 بمذاهلامهء مداع :مطدابا أت ,عمنفةررءط عمعةاعتصاداه) راك 14 
.لجع أ لذأع 278 كعك انش :ازج |51 كانه تلاك «عانهة:05 كعك 1عفاربمارلا «عاعدجء1] ,2ناهكةا اعون[ .18 
2 *2 ,80 .م ,1971 ,توستاء5 كنندك1 ,لأموكاءر8 دء ومدصطاتض*1 ,كا سأعامعد لا عمرأععاوماه« مم مقط 
521-1555 أ ,7كالتجوادعام سهامء) 0:10 1(كاأمامعمة 0110:2071 ,نادلد عع طعماظ .5 .19 
.9 ,(.عمقكة) عو ل رط ممه 
وعالءللا .6 ل صمل ',« ملمععكما وتعميكا مالءعط عل منهالتقدمكه قددأكدتانانا » ,عصمدظ .20 
.48-50 .م ,1986 ,3//ا ,11:مل0 عامط 14كم2 تالعفاععط مزدوده مغد0 ددهل ,(.60) 
ممعسلطن؟! .للا اء والنسطان© .8 كممل « صعطتة1 عثل لضن «عطااآ » ,ألأعمر8 ستعماة .21 
.9-27 .ص ,2000 ,تع تتأحانا]! ,عع«يعككتموعظ ععك م تعاجةا1 عذال 4ه موموعياظ ,(.كلة) 
.81-48 .م ,1909 ,كمدق للا ,30/2 ٠).‏ ,علهالا ععطايدا «أتعالة .22.2 
,ممعصاءك5 1أغه1 عدم عتوده11 عل كععجرمء0 عل متها دع غالهن بل عكتمعصمع؟ وملاءنال12 .23 
2003 ,كأكعةطعدسصة ,عقناه[يه1" 
.86 .م ,...:7دمادة كه عممدنظط ,ند تله .24 
ك 165و أأامم كسبامعئخ2 ,(.ل6) عاأذتاعان5 .8 .8 عصدل ,ء 2001 كتنامعدوتط ٠‏ ,عناولة ها عل .5 .25 
1 446 ,م ,1967 ,ع قوع0 ,كعراها نانم 
6 م«ععطوا مع دأ موألدء رت ععصاء عمقاط عنك لمنب طمعوم3 علغط2 » ,طعماع] ععالهلا .26 
.161-169 .م ,... الع هاده ب أمقمع8 عتأءك ةمه 05-!أعكاع نباطوطه7] ,(.60) ع11612 عق كعهل ,« 1625 علط 


5و6 


,« تطععيكة تعلق معمعامم هل ع عمنعمة'للند عأدوللعء0 صا ألنااة تأصسكيم 1 » ,أقيمن2 .27.8 
أله طئن11 : كع لقند ععلددككتهودع1ا » ,كستكلسماط .ل : 465-515 بم ,1970 ,7:11 ,تسمنمعيه ”ا الى 
135٠‏ .م ,1995 ,49 ,كاممه8 عله :ماعط صب ,« 11 لعصطعة1! أه ععم عطا دأ مانا علحكصة 
.144 

8 01110 مأعه© » تأعجية1 ع4 عدم ملاعل وارهلتصوتصدره© ,وترنو وأنندط .28 
اله أله .[0؟ ,1538 ,ماميويه 

كمهل ,« نطوم طتالعنط عط كه عترم عع عستاممعر8 مز مطعي عطك ء» ,وتلتممجوماء0 ./ز ,29 
«ت1آء ل كهمدهطط] عنا]" ,صمت بجمجرهال0 هذا اذ ععانملن) 214 عمط «منوزعء2 ,(.60) طصردة .8 © 
,149154 بسر ,1993 ,الدع الهلا عاماد تتباوككلقة أممعطامه1! أه جوع20 برازسواءانونا ترمة 

م أواننها أكعطال ذا عاله| 0711:الألععح عا مهد ووجمعكال مده معائم] ,0ثرأامكم53 .12 .30 
معت1 أعل تقناع ها جعم شاتعناء] نابا وده هآ انمع ةاكمندممم أأعننت ها إكسرااة عدمععم معرمرؤل 
.65 .أ0؟ ,ععتمة ١‏ ,1570 مدسه! مناعدج/ا أل معتأط جع ما«ادعتصمدمهة ها جم 

وممل ,1453 أءلأندز 15 16 ,عتممد ,لا مقامءزلز عم ناك 0061133 متناها عل عم1اع[ .31 
.14-6 .ص ,1983 ,عدعوامظ ,اإمرهىةان«هاكرده© أل وانتهم مأأناى زنوج وعمم ء أاألهدا 16511 ,أمناخءط ع8 

,(.ل4) اعطاعع8 علسسس[ع-صمعل ,«رعامودةل[ ن عوط ع4 منتصكسمغ لممتتط ندع ته ع0 .8 .32 
.373 .ص ,2005 ,« عبوأكققك وذاه؟ » ,لستفاصتتلد ,كاموم 

مره مدرو عل 0 #عععسترع 0 كعك تععامنداأعاعع/ 4 ول ,سعداطد8 صمح .33 
,1957 ,معالمطععمعكوالةا مع0 عتمعلهطط ,لعتصسلا ,1475 :تن تمماكعمعده 05 عل ععطة وامدمم 
826١‏ 

لأصتذزدء8 أ (.60) مأععنام5 عوك ,مككتمع ه إه كام ه81 ,عانه لنمط18 دأ امماكدمع1 .34 
.176-17 .م ,1975 ,مموتطعتق1 أه واتسعازونا ع1 تعطية مدخ ,(.50أ) 51015 

ته« ناك ,1601 ,كلتةظ ,#بعمعوعا! عل عيل عأ مبعنجواءئى0ا/ا «مم كعن1 كعك مان 2/2 م1 .35 
.9 .ص,... م1 72:6 ,لمملائنمج .2 .6 

...114705 كعك علاع )© مدو زاكم مل عف«جه] 016ك #ككمم اكع ثيب عه عل انه ارععععم1 4035 .36 
: .لاطأ ماك : 1598 ومبرا 

.ةط ناك ,1595 .هملاآ ....عاههن أرعهه:1 تك #دكمم اكع زيو ع عك «وجنامءئ2 .37 

بلأعتهناا! ,تعلق جسطاعطهل .16 «علقمد جمز صدللةإععتهة 180 0ه بطعاه8 ,عوامطعد ,لمتا وتلا ,38 
1978 

.56 .0 ,.14ط1! ,39 

.7 ,1 .... كةامأاماءمعفلا ,عغتدرمطك .40 

.2.59 7 سه بأعع8 ,عدلسطع5 41١‏ 

42 114, 9. 0 

(كتأه:«عقملآ عد مجفوط عل معئئضم0 هذا) متبوه1 عل عزهأل/ا ,(.60) معمتلقة ماعيدت6 .43.5 
980 لع امت ,ل ملداة 

457 .م ,.4اط1 .شق 

.413 .م .1514 .45 

414 .م .قاط 1 .46 

ركاكة8 ,2016كعة فلل ععاتمككتم هط .ععروط عتوتاطيد ها ا عكزمعلا ,أفمعلولا عاأععندآ .47 
7 رعالأعطع 112 

228-23 .م ,1274111857 لناطههاكا ,1 ,اأنةأمك-له لقع كتلط ,بع8 مفلضءظ لعصوطة .48 

6 ,01101231165 كعاتطععة الأععدم دل عمدعل كفرط هآ عل وعاتطعية ,أناطممك]1 .49 
"1 ,11لا أرو زازه 

أ)]102 كصدل 6تاطيم ,687 11 .8 ,نرماده؟ عل كتدلدم يل عفكيم بل وعلتطععق ,لنطقهاذ1 .50 
«ناعهل الناقءلانامط عل عمقتصوبط! عله 1475 دع مأك عل عابادء ها » بمقتره 12 تتدع1 اأء عق 
6 3 العمتنهه0 عا .506-511 .م ,1976 ,4 ,2/11 رعنتوألةأنا0د اء ععدنت علنر0دج بول كدعنطه) ,« كاترعجم 
.كتامكا! .30 عدم اتبالهنا 

دمع ها عل غم عا 7 عمقحرمغاه عللعاءةأه عمتمافتط ل عاأموعءىء ولا » ,رمهلا عقام 51١ 67 ١31‏ 
د ومفصطة؟ مسال طفطت ننه 11 ستاعد مقثليد نبل عصعع! عضن عمقل (1566) «جمباءعوع5 عل عمومم 
عمأه اك | عل عست مفلا علأعاء1[زه ممأواكتطط ,اأعلم ,اعمعضاظ ,(.كل6) لدد8 .303 اء أمسخدت .ل( كول 
.143-152 .م ,2003 ,عتاءعط نج ,وقيوط ,كعسسلنهم دءأطعجمددمم: كما كبرهك 

عصتغطا سنك عتهملمعمفع : عسصرمع هله ععطعة'![ ع2 » ,كم تمتأمدفلا عمقطام516 فصفك 1106© .52 
-مجه كدنه1/أهت1 كما ,(.كل6) كمس أكدعلا عمقطم56 اء طأعنامااعا «تمتمزدعظ8 عمل «٠,‏ عسوتام زلمعممج 
.173 .م ,1999 ,«هااممجدكانآ ,حقوط ,عاصم«اتسعاكده©) عل عنينيك هآ عل امعتصيبها ننه كعموتاوراته 

.170-184 .م ..160 .53 

ا أعنلاعا .8 كمقل ,< لتمومسا؟ مذ غامد عط غه بجعاب عطلاء بعمله5 لذ6 مهم 016 .54 
13 .ص .... 25 91ة! و لإأهعممه كدروطااقهه م1 كعا ,(.كل6) كمستممنلا .5 

.لاتظ ,علهما ,أطعاء) مرتاب زه فأروس 11:6 .«انأه::ء1/1 جداجره01 دق ,اأماصة0 امعطام8 ,67 .55 
.63 .2 ,105 بصراء 2.45 ,62 .م ,2004 

.414-475 .م ,1828 راأوءآ ,111 ,كعتطءاء!! نت أععةاسمةججده كعك ع نولت لعكع2) جع اتايج 11 000 .1 .56 

اج م0 كناعم نواه أاعو8 كعل عنمعا- كدرو امأ أكامهم 1 اونأعدة طم عا بعصاصء 11 .للا ,7 .57 
-اأعكتضه:05 دعل عاالمجنتججه؟0 تعن كاراكائا عبج عمماأع8 «راعا .544-1548 [ برمرطول جع كيه جلأنه 
.42 ,لءأجماعآ , تعطاعدل118:1 


/ا65 


عطاعوتطمدعمناطئط لصن عطععتطمصوواط : عتعورمؤ0 كبعمصو[مطمدظ8 » ,عتيلن1 .5 ,58 
راعلا 2 عأمطامةأطتطاوصمننملط «عل كه «عع اسن أعئ ادع معلا ٠‏ «وأعكلا ,« مشتداكمفطدع 72 :مكنا 
.19-24 .م« ,1920 ,11 ,عع دسا انثالا 

0 ,(.60) عتهلة .لل ملقمتة© عصعل < معدو0 أ-لق تمطضدت؟ » ,ولمعد قطء جولتطاعة' .59 
.124 .م ,40 بك ,1947 ,تلعصحودلا عنرن[عنا]" ,لنطمهاكا ,تعالمه12 


الفصل الرابع 5 
الحدود الإسلامية - المسيحية في أوروبا 


-كاهتهاله) ,6نمع77:00 غاء عط ممتجممعاأقعا/! ]أ : امع أل ممعم ونا ,تستكفدمظ موسا 1 
ّ .1997 ,هماء5 

عل عه؟ عل بمعلك ع1 أمععية [...] ممعتطءتصنة ععلتمائلتم: كعقوم عمة » ,عاممعى نهم 07 .2 
«-ممكمدم عل بسنا صن أء كعتتقتصماات كوه أككعيعة كنات عع عوصبا8 1 عل تتممحدع ع1 رفاوء سمط ها 
071110٠‏ عل عأماكاع ,عالقنهل! ضوع : « عصمد تلتكتاط اء عممعنافمك كدمتامكائك ع1 عاد صوتام 
57 .م ,1991 ,لمدمتاممععاصا جمع8 ,كته ,تتمجرمانه معأمرجة]] قن عتاعتطييم]] : وعم 

مال ,المواع8 تستصقالا عل «لمانقم ٠أمناط‏ ا لفتعد عبد و«اطاتجج ماب -أ-نناع !ع5 5ع اتصساءاظ .3 
دم هأ مك عننواسصالعط مها عجعل داع بأه!! كملا ,فللاعه5 اه اماطا ,كعيواادرلة ,عنجدح عتلمطاولة حدم 
.128 .م ,1994 ,لاتق ,عللعا ,كممامز كم ة وأعفاد “مد يك 

.4446 .م ,2002 ,تعل1آ ,عدتص لا ,ع:1:]12:م0 أه وععذادمم] ماله ,تمملء2 ونط©ط متمدقا .4 

,للاكلة ,للفنام ,عاتمديولا ٠,‏ وتمعيءز 00 زعاتاممدممجعمع؟ا ستعتدرمط! وزعماع؟! » .5 
عناه#اماواط «أكثأوط١٠انم0110‏ لجوزع ن2لوام1 دمقدط مهم عاك ,803 م ,1-479 ,177 بعك 2 
ك1 16لات انه كعا«متهلق ]0 تمأاتلء 001::012164 جه ,لوادت طن8 1-بلا5 1 ) كمم اماعط 
.62-3 .م ,2008 ,لافظ ,علمآ 

,05 11 ,كعسهقصمناه وعطلطععة ,لتعموده© يل ععوعلتممع2 12 عل وعااععف ,ابتطمهماذ] .6 
.62 .0 ,فاطا ص متك : 378 .م 

.21-2 .م ملا ,.لت “3 ,1281/1864-1867 لناطصماكا ,نطابه1 مد«اولة .7 

اكع أعنجلة ,ععصوط فده عملا +17 ١2577140ل510‏ 011071471 ث4 ,ممكلة .11 دتصتأعنا/ا ,07 .8 
.195-198 بم ,1995 ,للتاظ ,علووعاآ ,1700-1783 ,ممما 

-ؤلاة عممءاع8 ه800 عط 01 الع تم واءاء2 2220 كمتعت0 عط؟ » ,نقلد2 هدمة0 عدم عازن ,9 
كقعل ,« (صتطدعه طتمععغطو برأعدء عط 0) من) اوتموصاقط مذ #ستمصوظ سمددم0 عطا أمصتمهة جنا 
2 © 40 .م ,... كو مناوطه11 4:14 كانمدع لالط ,كاجه:0110 ,(.كلة) جملن82 ,2 1ه 10ئمة5 .0 

-عداهدها بعصاء! عمغتماعمم ,ومعطاعي8 عل ع«بعسواعد ,تاءعاءط2) «عتو0'0 ععوجنذ! عامموعوطججم .10 
,عصدوطممك-/اآموقيد5 غاتععانصنا ,عازلفما عمغطا ,تطعتضية عيوتصتصلط عدكة عل عللعسسمه ومن 
1 .2006 

1655 عل عع :لآ عل كه انز( كعل 18212011101165 ,« 67001:1116 » عل ,تعوع86 مدعل .11 
: 76 .م ,1913 ,كآلاط ,فاوط ,عأعقلى [الما ينه غماق "ل الوجك انك كدنعام 010[ كنأ ميرد ومبلعمعرامع11 .1681 
2 كلق ,1662 ,6تأ ممع 

,1785 ,تاتشلعاكلكق ,كقتهانه1 كما كك كع1107 كعا عند 1011 عل «مجمط يدك كمأممقا8ة .12.07 . 

2004 رهاط قط مهش ,كمة2 ,(.ل6) طاه1 عمععط 

: غناو لأصعما8ة ع1 سقس لمك ذخ ,نإدعأت لعاممتمطه84 ,عنمم0 عل صمططا ندل عنناء1 هل 692 .13 
عللمموعلم عععل عوتمعصه] .معنا : 1301(/2) 1308 .18 ,تمعامه؟ عل كتقاهم نيل عمكتاجم ييل وعلتطاعيج 
رأوهمامه1 عل كتهامع عل عقعيت نال ععسطتباعمه كمأ عمق مقد«دام0 06 61 ما ,أت أت معدع تصمعع 
.2 ,1978 ,تلمانله1ة ,ع:(112 ها روقروط 

ع1 ,عاعغذ ؟الاءا نال «اعتصهينن! عع تكم0رم ولا » ,لزإدزعنيوأاء 0س تع عوعة لمامقطء 0/7 .14 
,« 1038105أ0 كعاتطعصح مم1 عومج 'ل عنجمعممدح 562 هأ عل عمنتوته'! اء زفاءعء عمكدلا تنتصلط ععمتيم 
.258-29 .ع ,1969 ,102 ,علاواتفأها50 ات #ككلا! م10:14 يدك كسعالم © 

اا 21111671 هآلا عضول ,« 7 'تتقاصمهاه”ل عتاذا داك عنالتلامء226 عاأتنونامة » ,متعمظ كزياما .15 
.61-0 .م ,1979-1980 ,111-11 ,عماكق 

:611 ل عل أ جعللا تراولط هده والفصع8 ,عص]طط : زددعة إه عامادنا 316 ,العدععهعظ8 ,إلا .© 64 .16 
.92 ,قعهطاة ,عانع ملم جاع 

.3 كه عمل ,338 ماكب8 ,ممم ناصمادم2 د مابرح8 مقصم؟ ,ثماث'ل ميتطعيق ,عوتدعلا .17 

فجن واسلاءامتاطا بج العو تساأعدوونةنا .املسيماءنا مأععت م0 لتمسطاع5 كدسدل1 /6 .18 
,لاع لهطكع للا ,(.60) «عترة1 هتةسبها© ,1!ل للعساط ع2 عمل ذا كجلااتائلة لوي و 0 
0 .م ,1997 

1 لسسلة عل كزها عل عنله© » ,ستعادماءلا .© ,متتتداة .81 معتطمعه8 ف ,أعلمترعظ ,31 ,19 
.19725.13 ,2006 , تامع النالأعكد0 530051-11 ,+ وبعدعلعورد عل ععستتاصيم 1 امقععم 

عأانقاط عومد ماعكمنا .كانه :ليك كع7اأها/! ركدء 17:1[ كعتماععظ ,قاو« .© برعطمه .20 
.0 .م ,2006 ,أعطمظ ,وقد8 ,(.لدعا) مدتمعامه تا" أعسسماة ,(1500-1800) علسوجه 1160 


4ه 


نم6 لمك كلق اتااع لازم ع5 ع0 بلعلا )22101310 ع1[ الزماعهناز كسمعتوتويكا د12[ 05220 .21 
«أمد عد ,1813 كغل رعلاتامامة! 5[ ,1806 ضع معتدمةأممهم أمامءوتاضم كتبعماط تدك منعحة ها لذ عع زا 
لعتمة8 عم مع ممم مااع تعاتوعءة كتاوط أنة1 أناك1 أصدلزة تاقاط لم0 ك1 رعماءة درن حهم وعل 
.9 ,0![185 ,عوط ,1800-1820 ,ع#صوصة عضنك 21[ هأ ,كعننودءمعطبصط ععجاه05© كما بعقعمدط 

0 .مص ,... 115 76/16تلك كعباماءكظ ,235 .22 

23.4. 

تق« فاك ,284 ,م ,1649 ,كلكة8 ,كه نأهك7هء كود عل ك عأتمطبم8 عل م أو]كاك ,مدل عجوزط .24 
٠‏ ,م ,... كن لق تاه جمنتماععط ,كااة2 

-199 .م ,1989 ,ستحعط ,كقوط ,العالة ك عده :0 كععط ,تقكعفمووع8 عللعندآ اه 8325501056 ,25 
.244-45 : 200 

اللا بعاتعلنه: ماله «ماونق عا عل معتجمدكنواخ .عمط أت تلمع ما عل أعقاءة ,نزاغ8 مءنءسة .26 
3417-2 .م ,2007 ,8101 ركتبوط , ععاعةاد اذاثالا 

كلا50 701166[ ١ع‏ :01107107 الاعأيهكععطرجه جنا .كع أفل111آ دعق كعألمموط مآ ,نلصء)ظ لعوصطءقة . 27 
.144-145 .م ,1981 ,مغصكقا! دأمجمة:؟ ,فد ,(.لة) سامملا .© ,ععءدععة8 مأ 


الفصل الخامس , 
ثفرات في المواجهة 


.6 "2 ,888 غ1 ,نموهامه1 ع0 كتد1هم دحل عمكيم نحل عبوغطمناطاظ ,أبطمقاك[ ١١‏ 
.1092 م ..ها15 .2 
همه ععوعتها) كوم عقاكق ,1572 ,كموط ,...عناهاا_علانام5 ها ع عمانعا مسال عأمم) .3 
بلا لم8 ,كلتو ,(520-1660[) #جاالتوعائيا 4010 ا1أج/11101 ,لإإواكالط اإعدعم7 جز 141 1116 0 
42,72 
عع ,« مأعغلو “تود داه كعننا كه1 الدمرععمم وعلإقطبرمص-ملناعدم دعل » ,زوع لموع2 .4 
.201-220 .ص« ,1936 ,10 ,كعههلمماعا ععوية دعل 
كانهل ءأنأممك عنتطمة عل اء عأره:«انتعاكد0) عل ا«ماله1010 ها ركه «أعم كلا عصقطاح 56 .0 .5 
--190 .م ,1990 ركمو ,كعنا وجلا كنده]]ألههما كما 
معاي » راءلالله8 .1/! عدم عاك ,عمعبطد«نا"| عل كعذافاومجم كعك «مكع 122 ,أعاموط عبوبددللنت6 .6 
-877010 اتناك كلنالتلكوى 725زغ الا كعناواعنب عل 205معم ث3 : 5020 بال م5 عل كناعم ,#بأم ص08 مث ءل 
كانم انهم 11 كما ,(.605) 5ه تمدع 4لا ,5 ع طعناولاعة ,8 عصهل ,« عناو سوفن ممعرط عدمع ذا عل دعم 
10-٠‏ ,جر بعآصما أ لمعاكدم) عل عالندك هآ ع0 لاعامنانا ناه كملاواام لوعومه 
,255-59 .ص« ,... كه هالملعط عاألهه«ماوماط «أعتامط٠سممدم0‏ لا بس و .72 
اعدوذلا : 1966 ,عمهتةنالدةا ,:مماكا ه مها عط +ذ عمموط سه ععلاا ,نسل 0 .8 
.0 ,كمع لإالوتعنافونا هتط سامت ,كلرملا ببت1! ,ععمءط فته «وللآ برهن محصط إبمه 01 71:6 ,عأتقموط 
6٠‏ .م ,...تأوم مأ عل تفاع ,لإاغظ .1 .9 
,0م10 ,1605-1635 بماندعده1 أل عثز0 هاه وانوطئا أعل عمتعسامع اله «طلع" ,للهيدة .ط .10. 
-1613 الإلهاا ما لإعصبهلماط-اه مطعلة؟ : ععمعتعمءظ8 مالا يساكمة صم » ,كوعبا اللععنطلق : 1936 
اء “تعمج تعتالاء1! .ةا ,عتهنتولاه عننهووية أ ة كأمانوطئا كمأ :هم كلانا 5نام0م70ن كسا كصهل ,« 1618 
.23-42 .ص ,2002 ,لاموجرعء8 ,(,605) معصتطلد/اا .14 .© 
٠‏ 23 .91 .ه .111 ...كانم أنماعمعةلم ,مغتصمطك .11 
تعلاءعممصام الإكبط2-المقدرو0 علمضعل طاعضلهء علنالزن8 » ,أععمه1 «ااأمطقاع5 » .12 
عم اأعامقعام النارة8 ,الأتلزه8 لامددعءز : 271-292 .م ,133-165 .م ,1946 ,10 ,تعواعلاء8 ٠,‏ ملمطلتقط 
.5 ,أناطهمماكآ رأرعأاءاءكههة: متعيصط-أددم ع0 مقا جنر 0111[ جمانا مدو 
أ-2/1 ,كع لقتاتملات كعلاتطاععة ,اتععدمه يل ععمعلتضطظ وا عل وعستطعيق ,اناطمماك]آ .13 
7 .2 ,54 .م ,... العامقفعاظ عأتاجة8 ,تلاأللزء8 عهم ماك ,ق319 "م ستلرف مضا 
110-07 بط ....كة:هااشلعاة عناعة«ماواط «أكتامظ :0م :010 ,عالجو نعلوام! .2 .14 
أمعامماهار! 18 .كعد «عس«فاطه 11:6 : وعتعمممواما «مانتص/01/0:21-1 ,معكعتصيعط؟” كممةة 15 
عالاعهه! كلقع بصاعدطا عأيع«رماوال-لمعتاوم له «موعله م إه لتعوم ملعل عدا هه ف امع اعهط 
عغاأدمع للونا! عل ططاط عفغطا : وادعا عمل المعأه؟ إه كناجوجوء م إه رمثائله لعلمامسه جره تلأس 
.(أ77قعاطآ عمد علأطتمممؤتل) 161 .م ,1991 بتطعع لال 
لال5 100 .[ن؟ ,145 845.1.16 ,8111 ,1612 كعمد 10 لإمعع لاذلا عل ,رك بره برععد5 عل برعاموتظ .16 
0 116همه ,عتلومعلها عل لمعدول-أ23© ذضقل ,1682 عطمععه 3 ,أمع ننج كعنجدء لانت .17 
.كمد أ عاغوعء6 ,(.كلة) اأمعونامظ كعبوعج1 اه عطتاولء1 عضقلقم] ,ععدمل«مووعجرم© ,كعنهدهى الأن6© 
40741 .م ,1976 
مكاكة8 ,1 ,هلله عرأمامعا عل عنم مالعدمعاسا كعاعم'ك اأعنعع2 ,مونطعصدملصمتكر 8 .15 7 
.9 ,م ,1897 
2 كم اك لالأدا أت كتناءللهككهطاتته عه كعة :001 كان أاعنام اعت دعل اصع ,عتقصسط عجرعام .19 
1969 ,كتنو8 ,16و11 رمكتمجاهمم] وناب اوفط مأ وكيز عتأمطمادعلل! عل عقاقه؟! دعا جاماوعل معتمظ 
173-14 .م ,امتدعء ذة ممأاءتصاعوز | أكدياة عتم : 89 .م 


24 


ع4 كفهل ,« ععصصظ عل عتتعامطامة! عل ولعمصوتامء ع1 عبد عتنمعولط ٠‏ ,عومتفتامصظ8 ,20 
.0 .م ,1873 ١1,‏ ,(.60) عسعملصا .1 ,ععغام:دم» 

.9 .م ,1آآ ....,كةامةاماءمع1]4 ,عغتسفط .21 

.عامم ,395 .م ,كل ,.هلط؛ عصدل ,1557 أهص 24 ,عبعغلما 1.06 3 عرزاع] .22 

-كع 277 ,مها وصدل ,1545 عتطتمعدمم 10 ,ع[ممص لأسمافمه6 عل اأعوماءلا عل ارمومهه .23 
.ص ,1845 عل تمواعآ ,لآلا أممكا «ععنها كعل حدع0:دمم 

-6ه1 عفغط ,عطعماقة لع نالتمستصظ عدم فاك ,177-178 .امك ,66 ثم ,148 16 .كمر ,© .) ,تالد8 .24 
2720-1 .م ,2008 ,كك6(18 | عل عززل 

عل عتصم ,عسوعجها ع4 امعدو[-اعتتبطد0 كصول ,1682 لتناز 15 ,لمر به عع نودت لانت .25 
659 .م ,1976 ,وتتو8 ,عإغدع0 ,(.5ل6) أمعوتمطظ .ل أ عمأولء1 ."1 ,ععدمل:«مععع مم ,كعبودعاائنت 
337 .م ....عندم عأ على بقاع ,لاأع8 ل عقم مالك ,.ود 

.67 مم ,...عأم2 77:6 ,لسملائيه8 .26 

672 تدز [2 ,وتوطععه2 أمدعل مننك نيل ,وعؤأناويه7 ذ عمدممدومظ عل لنقصسة .27 
,م ,...عقمهكامت هأ ععناه | ا نم8 ,علغتمصسصسط هم ماك 

عوكاه مستممع! عل عموءفممنكء مم1 ملأل كاعزممم علا »> علفتمصيه2 لنمنة0 .28 
. 3356-7 .« ,... 17700106 اكت 112:15(أناك!!!!1 كء0 كك #الهاكةأ عل عجاناى:2 ,(.ل6) امنامطعف .10 صقل ,« نهد 

-8405 أعاعتقة عمم فاك ,236 ,[11”” .8 .ا .لق ,عممم عل كعلقمه1لنم وعبإلاععة رحقيوط ,29 
نال كلمقطعتمقه اه وغطء هات ,قوعم عونك ولسمقطععه1/1 .صه3)ةستصمل عميخل ععممدوتول؟ » منامعجم 
.2*6 ,1976 ,كتمع انلةالة ها عل كاه ,« جعاعغه “انان اء “الثلالا كنا اوهلاع 

7 .ص .111 .... كةامألهاعوع6 1 ,ععغ امن ممصمل 1580 فهتم ,111 تدم ذخ اندع كعباوع313 .30 

,4 بضواط ,كعضيدط 1١,‏ رعااتعومهاا عل معمع«ممت ييل ع«أواكة] ,ععكمورء8 كنيمآ مهم 16> .31 
00 
-أن | عل عوغطا ,(1520+1720 عجن ذ) زننوبها عا ات عع: 12 هأ ,عكتوء/ا ,عل تموريه25 لناون0 .32 
.1151-1152 .ص ,2003 بعسصسمطارمك-١1[-وقبوط‏ 16أوعلا 

11890 .م ..4غط1 .33 

,نالقه!لانطسك لذادة! عممل ,226 عم ع98 .أه) ,12321 .8 ,نمعامه؟ عل عنعن نال وعاتطءحق ,34 
لنحاصهاكا ,أتعلاء2 علاط تأممممي 12321- عد الاثامه! 952-[4.95] ونه الاهمعكاممصامه1 
,179-60 .م ,2002 ,12018 

كعمقك ,1665 ,اعأعاوء/ا-عوة11 ها عل كتوء2 عنهولدكققطصية! 3 كدو أ ءءتصضاكما ك1 06 .35 
.26 .© ,...5الاع 01118255200 رياه 1015ل/1)كا:! عتقصنا©طا 

, 1578-12 ,م11 الناندا ع20ه17 عطا هانه عتجرمطبه88 ««عأللاللا عا نالنا5 عمعصمجب5 .36 
.7 رؤععو2 وأأسعناارنا لدما0 ,لم01 

تاوعد .71 ولزتدسيك كعممل ,+ غلمدع؟ «معأمعللا نمه كدمنادلتطامهت ٠‏ ,مومعلاع وعطلع .37 
مه ,1603-1839 ,ممأصط مج010 ععلها 17:2 ,111 ,إعغاسةة1 له «جرمادالط ععلأطد«ده©) م71 ,(.60) 
.285-35 .م ,2006 ,كععع2 بوإاأسرء اونا عولتطديه0 ,عولط 

7 .١ج‏ ,... كال 655046 ط1(ئه كلله 115مأاء)15171!! عتقوباط .38 

.0 ,ص ,ه ...كته 1ل انا تمه » ,ممعللع ,39 

ألاتعكتهالا .عنوتأتجمورمءة عدووتطممو ولا » ,6تسلسهكت أععمملة )ء ممغتصيمه وعاأعمك ,40 
انان لع لتتصمء قعل 7كألسمعفت 5ع1 عبد عررملمء للقظ) لدعلا عم عاالءبن كنام أمماعطعه مع اتطعموعة 
-7 .0 ,1984 ,دملإآ ,لأقاعءمد اك عأ«جونلامعك ,عحأهغكىة2 كمهل ,+ (عأعفاه :ان بات كمتامدك1 

قاى نابلا قات اانهناعل | 2715 كته 701] ع 71712زهع فال عرأماكا ,ومعدعمكظ ابد كسمل 6)© .41 
9 يم ,1911 ,كاتودط ,عأ 

.305 .ص ,« ...كه دأناتصهك » ,درعللت8 .42 

كاله ,عكاهج01هم] 6 1«مدكلء7اعاة هآ عل 8107720115 سا معسهل1ا عمط بتامكدتكلاة زملاامع6 .43 
.0 .« ,1935 ,نعط 

قمول ناك ,1488 ,هلزنا ,:تعلمكبع ل عل كانه «ارععمءم كعاء تتعددء2 ,ترعن1ز ع1 عاأمعذلا .44 
ب .4344 بم ...لم2 72:6 ,لمقلاتسمهط 

,1620 ,كتمهط ,#اعاطعك ع1 هأ ع وجلاعا] ععلاغطا كيام كل فدووجت«ممء أرعه5 اعدوياه8 علا .ك4 
.9 .م ..ماطا وهل غاقكت 

.3 .م ,1560 ,كععفاته7 ,كع 1 كعك عناوأاطنيمة! ما ع2 ,اعاووط عترياهالأنا0 .46 

اناعم رع طأناوم:8 هل عق ١م‏ لتبمراع8 عل «وانرعجاب4'0 ععدزملا عا ,(لث) ععأاأعطعة ,طن .47 
.م ,1892 ,كتتوظ رع انهمعئاه8 عل عببك ,801 عأ عممالقاط عل «ماأأععرد ك اتمناعدهما «عبريع»ة 

عمتاختتطاع تعها! ,عنوةإأتعماط ع1 ام جامد عل عأمده! عدو2 ,بردامءألظ! عل عمامعزلم .48 
.46 .م ,1989 ,080885 يلل كععدععو2 ,رهط ,(.كلة) 705 أكه67لا عتتقطم6ا5 اء تعتترم 

.1860 ,عنوه1ه) ,علط رمه فأواصمة كع :ا ععل ترلعإععولاط عاط .49 

أعم10اننهاكثاما ١أعه١‏ عداعاط «عامأء العناطعع ه17 !انمد أععتجدع0 كتولط ,ععصتاطح8 عممظآ .50 
3 ,غاعتجماعا ,طعتمسالا ,امم -ووعهظ 1< فإتناععرنا ععل «أعهد: (553-1555 [) عأعما«اعائا :دنا 

أنه جمأطمانم كثم[ طلاس ,1584-1602 ,اتتودها عنأا ده المكرء10ده5 درلهل ]0 دأن ه17 116 .51 
1 ,كع5لظامآ ,عه00:1: !مكعم كذ1أ «ادم(] دندمااعماعد كانه 

هجو كدأ سباك #اغانواطا ,ععانهككتهدم8! هاه تصوطما بك ممبصعظ'.] ,برأعنوم؟ عفضقلقمة ,52 
7 .ص« ,2000 02ص[ ,عحطدع0 ,عنوة]ا نودلا عا تمدام عل تمدع | عتصمك حتهمهمم] كساعير 


10 


ب (جهتن [-600|) «تمندصوانه عجام د خل| 0215 ه11 ع لأععه «النععهتزه/1 ,معورهحرمظ8 داأاأعطودزناظ .53 
.ص ,2007 رعذمنها اء علاناعموموزوقة ,قوط ,[آ 

7 .م بأطعتصم عبوتسمتصوط عل عاأعكيامه ومنتاءبلهن رز عمتك! ممغاوام1 .54 

: 7 مم .. لاطا .55 
.2 ,55 عا عهع (162 عفنده | ده 'ز80 عقل أترعد«علنتمة7اانء عأ ممع أأه] اتنمنصا بل ععدرملاآ .56 
.8 .م ,1632 ,اكقوأامنه1 معضلة ,كتبوط ,(لتمعصصيو0 4 وعلإقطوء0) 

.286 .١ج‏ .. فاط .57 
.50 رؤتتوط ,عأوه:«ةاتبداكتده) فق عكار ء ٠7‏ عل معهنزمت عل كثنام»كا0 عم ,أمكوكةت كع نداوعدل 2 3 
601.23 

ع[ ,عمككهظ ,(.ل6) ععدبدج1! .11 ,نوها ينك موعزملا عط ,عترهمد-عموعء2 بل عممنائم .59 
.63-64 .م ,1986 ,عانطمذتامط 

عع لأعحسظ ,1633 ,1632 ,7631 ,1630 خعلاماجه نه اعله] عنامزعوال5 عل -5 سل عبرهن/ .60 
.148 .م ,1643 ,كناتماء'! عوأمامفق ع عطن1] 

ععلفمعف كععاافا كساعتكيام دك كعلاناء0::1 عاما غ2 +5 بدك كعععترمل/ا دمة ,امآ نا كهامء1!ة 6١1١‏ 
كامح ,عأهده أدج عنوة طاو لطن ١عتاعطعج1]‏ عمرصقم) 1654 ,ععتدياه!© كتهبصع0 ,وتتج] .... ااندناصا يال 
.0 .م ,(1976 

.9 .جز .62.1814 

1 ل صسماء8 ممءاط عل كارو أنونجعوطهة كما .اتتوناعا ينه عوعنزملا ,حرماع8 مجرعاط .63 
.404 بم ,عتعأءلهصقطك ,كقوط ,(.0ل6) عامع13 ملمموعلة ,(1553) 

64. [10 . 

عتمم فاك :1623 ,كعنزمط'1 ,لأمصعداء2 عل .34 عمم وعارتعي دعمااء| عل عماونوع: نال أءأد)<ظ .65 
324 بم ...ع7 716 ,لمقلا ممظ 

.28-0 .ص ....كعدنة1 كع عناواأطناصة8 هأ ع2 ,اعاحوط .66 

.304 ...م72 7116 بلعقلائيه : 145-1547 ,م ,1646 ,كععهنزه؟ اء دعممدعوط:4 ,وععاذدن8 ,67 

عل ا ورم مقع هد عل مجه '! ع1 فدهة) عل عبه©) وأ 4 نماكظ ,مكنع عدامامة .68 
بععهم ماذعه عل «ملاجعمع ع كعنارعك كماكعيوانمء كملعأ عل كاناوعكاك إعلط هن ععثله * ومع1016:1] كعى 
.189 .م ,...عامية7 77:6 ملمفلائيه8 : مجعم ,21 .1ه ,1542 ,ععحيم 

.0 .م ....كع«نا1 كعل عننوتأطباجية8 ها ع2 ,اعزووط .69 

70. 1614., «١ 9. 

.6 .( ,... كمع6ز1/0 كما ,تأما نا .71 

1887 كاد" ,(لة) «ماأعطء5 طن ,ممم جلك «ناعأدوثلم عك ععمنومم/ا عا ,لتمعدمعط© دعل .72 
.109 .م 

ركفتتثة 1" ,جع كقلهمآ ,١ل‏ لمعه لأعهللا عا لذت وأمادط اتمد«م)01 771:6 ,اود دبرلدهن5 .73 
.204-06 .م ,2004 

125-131 .م ,52,1975 ,؛دبهأءا «26 ,« معائلا وذ أطعاعب؟ قلإناظ ء ,وامء؟ امم .74 

,مم0 ,كأءاإصة نون ءلاوع كعك العامة :ا ,أعابعتا! .1 لنقاء نظ .75 

8 .م ,1980 ,معمعهاا كتمعصعدظ ,كقدط ,عاك ع ماقم «اعكهم صا ,«معوتلها عدم نحمكة .76 

روكلية .اذ قمهل ,- "عنوععء نوعب" ءمسكتلقمعتره! أء ععمددكتموء2 شل ء ,ععنط1 عا وتات .77 
4ل ل4ةبم,...ععتته:] نأك كانه ةا رأناكن زد ععل اع تترماكة | عل ع«زهكئ:27 ,(.60) 

عدون عوااء كعمل صمل ذ ,.. .كم ذأ تستهلده8 عل عامدم ع1 .8/1 "نهم ,لع««مطعاط ءل عالآ ها .178 
.0 1 عطصبا .2 ععك صتمل عاكصة 5 

عل صصنتز عل ومأأعبلدة عل اممكآك1 2 عأيو لمعن باو 1 سايصية > معتنطلع8 عأممم ,79 
داا ذ عمدعدجمم كاتعدتسومصر عل وولءءلامء ذل كوغدم هل ,عاعذزو 116جلا عاعم2) 116 للق كعناج دا 
161ل كعنعادها دعا أه أنتطندهاك! ,(.لك6) أعماذة] عتغلمم1 عسهل ,+ ععمك”] عل علمصملغهه عدوغطه1لطنظ 
283-37 .م ,1997 ,تقعوتكية انا ,خقيوط ,رذمان1 

اه /الاد يدنه د01 تن كمكانبنط] حعدن أبرنأنكىاعنن كنم]دى أ ,امس 0 تررعط “تددر خأ .80 
.2 .ص ,1902 ,كاتو ,1 ,ععاءفةى “ا اثالا 

.35 .ع .2 ,11 ,1986 ,لموجة1 ,عندوةاطاوفه! هأ عل كععانا عاد كعة ,«نلم8 رمع[ .81 

1966 ركوط واتوعلاأولا «اععدطصتمظ ,عمام«مط تنه أعممصباع ,مانا ,لعتموط محصمر 0 

0 

-/ا[-وأموط م 1أدعاتمد[ عل موغط) ,تطوتصة عبوامتصمط عصاة عل عللعتيمه دملاء:ل120 .83 
.218-89 .م ,2006 ,عودمطءو5 

هن وضاذاء ااواتطا امعطم ععل أعط تأجرهجومء) «عتاعكلاتماصعه «ز ,معود11 601360 .84 
.2003 بمعوسطعة دتتدل! مستارع8 ,فسش قلات عتطعاة) طتئم] دمن اأمحدمل ملع 

.4 مم ,... لم1 782 ,لعدالنسهظ عدم فاك ,125 ,/اآ ,كعه::316 ,عداء:ة384 ما عل عع |0 .85 

.420 .م ...د “عناوكع ناولا" علكالماوعكه![ كن ععسمكدتمهويعءظ هل » ,ععنط1 عل .0 تدر 9 86 

87. 54. 

.لها .88 

-اتصسل عه عنوتجموك عوة! عل ,مصهالذة! عبد فلجدوعظ » ,أطهه]“لإمصيدن) عنوأمتتموط ,89 
462.م.... عمتسم ا 015هاسأنتكه ةج كعل كه «مأكة! عك عجأماكة!! ,(.60) دوعق .لأ كصدل ,د كعر 


ل 


الجرء الثالك . 
الإمبريالية الأوروبية 
وتحولات العالم الإسلامي 
بقلم/ هنرئ لورنس 


الفصل الأول 
منعطف القرن الثامن عشر 


عمغتصعمم وا عل أنطعفل بد علمكتد عع علاعصمه كستمعضفصة وعمتداة دعل عمسرطا ١ ٠١‏ 
: عطممنة 

-الهطا كابجلتيامه بره نتاوة] علا / أأمجت؟1 له كعمد م[) 10 / هاسنععنفءماة إه كلاولط عط دوم » 
« ,2ع قترت رادها ١ن‏ راثت 16 ل / دوعأ 


الفصل الثاني 
تمدين أم فتح 1 


لماكت كاللنت «اندة كتتماعء نهل عل ععزمم غ1 عند عا[اأتجناوعه؟ ع0 .81 عهم اند #رموصعهظ .1 
,تسممططللهه ,وضدط ,ععنفام نمع ععجمض صط ,1847 نمم 24 غ1 ,عتغولة'! عنامم دمل سمصعل كععأقمتلره 
.9 .م ,111 ,1962 

بلممستلادة ,ركمو ,ععنفاماترمء كمعن وذ ,أع 0ل «ومتاكعيي ذا عبد كتتامعؤتل 0معم5 .2 
.0 .م .** ,11! ,1985 


الفصل الثالث 
زمن الإصلاحات 


,علمعة! ارمع امود ع كع حكعوتااحية عننة عفنوتصتاصصم عدتمجعهدة عللءك85ه دمع نم1 1٠١‏ 
ديدم عع كه تتعطفا ندل عأواكته!! ج دإتلمكت؟ عثتملكدمه قك كمدوئمه«مامنك عننعتصنعمط ,لتقصخا اعللة 
.80065 تنك أ 50 ,م« ,980 ,تاأنامكزعء8 ,24 عمهه) ,كتينمز كمد © ماعفلد ازالحد بك ندع 0-متاأعرجظ ياك 

.م ,1912 ,كلوط ,عفتجاءت عل ممتعبج هأ عك 5عدع ,0 كما ,أقصدظ لوسمصلظ .2 

-214م ,29 ما ,...كةتماعدمه هء ععنتفائم اماك كامءنتصعه2 ,لأهدذا اعلم كصهل عع؟ .3 


223 

المع اتطنا ,1859-1948 عءمعواة نه 5(نداسصأنعسم اك كليل ,طتطصعكة لعسمسحطمكة .4 
.1567 .م ,1994 ,أقطمظ ,لالع ردانلا 

ركتهةط ,1865-1866 ,عتذهلة'! كتتمل كتمعنجهم] دانتة عددأاطهك كعل ده تمسلاد هآ عل مععاطه 1 .5 
01 م ,1868 

,10 ماه ,وعتمساى بمعاعمط 404016 ٠,‏ كتامدمتئدلة ده مطموط تلق » ,كائدمظ لجدممعظ .6 
8-79 .م ,1974 

عل ستكتمطك معوهم ,عطحرمامت لمععداظ عدم عماطمعدكه عتهه!مطتصة'! عل عاطدوعكدع! "تاملا .7 
.(130 .م ولمتاماتك) 125-160 .م ,22 “م اأء 87-117 .م ,21 "م مم0 ,أممطوكف له متل له اقصهزم 

275 ,د وممتندوتاتئك ها عل عمتككنط'! كمعل كعنو تصغ كعأميعم دعل امهم 5[ ع2 ».8 
,317-35 .م ,لآ ١‏ ,1948 ,كلدو ,ععرفأمسهدم 

.945-965 بص ,لعا ,1948 ,قتيوط ,كمافأطاصنه دعبم ,« ععمعاعد ها اء ع«رداصداذأآ ٠‏ .9 

-616 02 ,« 1882 هه عاأمجرة ! نه معصدظ هملء ,كمعسها ممعآا] عصهل مالدات معونما .0) 
.13-2 .م ,2007 ,كصم أمظ كطلن ,وتدط ,11 ععز 


الفصل الرابع 
زمن الإمبراطوريات 


.604 .م ,1989 ,لمدترة؟ ,ومدط ,ع ععابد ,لمملائقت أعطعناة-ممعل 1١‏ 
.1900 ععطومك؟ 0ج ,عكتمع ممع ممجتزاط ,« عتذولة'! عل ممتادينك ملء .2 


5. 


,كلو ,كعافأم!1ز0ه كع 7لابظ) ٠,‏ ووعودعا ع0 .84 عل ومأامءء6 عل 5زنامعؤأل ناج ععدمط26 » .3 
.799-18 .م .1 ١٠١‏ ,1948 

.898 عوطتاء 01 ,عكامعججمم] عننوء ]قا ,« هلماعد؟ عل وموها ما » .4 

,« عكتهومه6 عنوهما 2آ ع0 و«مأمعممممم 13 عنتمم ععموؤزالف! ذ عانئهه عممعنامم ١‏ .5 
.1087-1095 .م ٠١11,‏ ,1948 ,كتبوط ,ععنفامام ععسيع) 


الفصل الخامس 1 ّ 
الزعزعات الأولى للسيطرة الأوروبية 


.6 بم ,2 *د ,1908 ,401 ١تأناكيهه‏ ع0:دمددد ياك وننوع .1 

,13 ,العا ,عنموظ ,عفغو علاءسيمم ركوط ,(عفكط) كعغومصة ععرنوكم ععل عيفاوزمئ 1لا .2 
.0 «أناز 14 

2 صننز 2 ,15 ,2611 رعاموظ ,عفد عللعسولز ,فا .3 

-أنكعم:د: 810:0 يل عع ٠,‏ كماتا'ل «#لاأتعقمم هتاذ عم1لء1 ,عمقص لنكنسم غنول أامه » .4 
.1166 .م .5*3 ,1910 عبطتمعامعة ,نعم 

تصدع1آ كمه كترمع: ,1-8 .م ,1905 ,دمد8 ,عطعبه «مأنه هأ ول لأعنفظ عا ,بسنامعة طنوءلز .5 
-94 بم ,1998 ,الا0آكها أتعطامآ ,كتتوط ,ع1 أنكعاج هأ «نامح عاثنأ ها .كفات كءل «باماعظ عا ,كوعندها 
10 

.2000910 ,عكتمعادم/ عأكةءة ,« 5ععدط1 كعل اك كعطهىمة دعل عتوكتمعماقة 1 » .6 

2 عتطموععفل ,عكندع :هم عدج عا .« اتقموو1 .31 عل ستسودزل ولاء .7 

2267 بم ,20 1 , 1979 ,لتأانا0الاع8 ...دعلا وألمة««صأواك 5ل :«ربع20 ,أتهود1 اعلة .8 


الفصل السادس 
الحرب العظمى وبدايات التحرير 


عناواظكف ل ومنتاععد ,عقوصة! عل مزه هات ,عدتأ؟ عل عفاد[ عل عباوتضمماكتط ععاصع5 .1 
1916-7 .0226 أناكناه عناوأ أله .2104 50 7 

عأقل وه اممصترةة ,كعمد سل كناد كععتدآاة كعل عللعتمغادتم تممعاما موأكذاميوم ,8م81 .2 
د عتأنيللم صا له كعصمماقع كعستهماعه عوتكاتديء تتتطقطن معظ8 .13 أعنوءز كصحل ١917‏ أخصح 14 نل 
0 أككامعصدم عمدكل اماك اعه ة ممتاستاممأ؟ا ك بممغولة 

حصا ,191021928 وم؟! : 0:1 جم] اكعه0) أممعجدمة ,تعطعزعقة أبحداءةط! دممل كتداومة ع1 .3 
.7179 .م ,1976 بؤوعءط معقطا1 ,كعرل 

-1(مجع عأ اه كوطهيق عدأ ,1:ه107اه عملم نظا تهائظ عامبدداع-عم1ردة! اع دعرو طامط عستامامة .4 
.8 بط ,1981 ,لاسمموع8 ,ممطئآ بال كع«تهاتدع تهنا كممنائل 8 كعا ,كعء«مككنيام دعل 


كلمة شكر 
يشكر المؤلفون أوليقييه بتريه جرينويّو وبودا اتماد لاقتراحهما فكرة هذا 
الكتاب ولتقديمهما تعليقات على صيغة أولى له. 


ويشكر جون تولان ميشيل سكيلنيك لإعادتها قراءة الجزء الأول منه لما 
قدمته من إضاءات له. 


المؤلفون في سطور: 


هئري لورنس 
متخصص في شؤون العالم العربي - الإسلامي وأستاذ بالكوليج دو فرانس (كرسي 
التاريخ المعاصر للعالم العربي). : 


جون تولان 
متخصص في تاريخ العصر الوسيط وأستاذ تاريخ بجامعة نانت ومدير دار آنج - جييا 
لعلوم الإنسان. 


جيل قاينشتاين 
أستاذ بالكوليج دو فرانس (كرسي التاريخ التركي والعثماني) ومدير دراسات بكلية 
الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. 


المترجم في سطور: 


بشير السباعي 
شاعر ومؤرخ ومترجم مصري. 


من أعماله: 


تأليف: . 
٠.‏ مرايا الانتلجنتسياء دار النيل» الإسكندرية» 16 
٠‏ فوق الأرصفة المنسية؛ الحوار المتمدن» .70١7‏ 


ترجمه: 


ز. !. ليقين: الفكر الاجتماعي والسياسي الحديث في لبنان وسوريا ومصرء دار ابن 
خلدون؛ بيروت» 195178. 
ط” تحت عنوان: الفكر الاجتماعي والسياسي الحديث في مسصر والشامء دار 
شرقيات» القاهرة: 117 
باجرات سيرانيان: الوفد والإخوان المسلمون؛ مكتبة مدبولي؛ القاهرة - دار آزال» 
بيروت» ك١‏ 
ز. !. ليقين: التنوير والقومية. تطور الفكر الاجتماعي العربي الحديث. مكتبة 
مدبولي» القاهرة» خش ١‏ 
تيموثي ميتشل؛ استعمار مصرء سينا للنشرء القاهرة» ١91١‏ (بالاشتراك مع أحمد 
لك. يا كاقافي: قصائد» دار إلياس» القاهرة» 11 
ط؟ (مزيدة) تحت عنوان: آد يا لون بشرة من ياسمين! ؛ العلاقات الثقافية 
الخارجية: القاهرة» .7١١١‏ 
تيموثي ميتشلء مصر في الخطاب الأميركي» مؤسسة عيبال» نيقوسياء .199١‏ 
تزقيتان تودوروفء فتح أمريكاء مسألة الآخرء سينا للنشرء القاهرة, .١15537‏ 
طا3 دار العالم الثالث» القاهرة» الوك 

58 


روبير مانتران (إشراف): تاريخ الدولة العثمانية» جزعان: دار الفكرء القاهرةء 
047 

فيليب فارج ويوسف” كرباج: المسيحيون واليهود في التاريغخ الإسلامي العربي 
والتركي:. سينا للنشرء القاهرة:» .١1554‏ 

طقل المركز القومي للترجمة» القاهرة,» .75١١7‏ 

إدواردو جاليانو: الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية. تاريخ مسضادء دار النيل» 
الإسكندرية؛ ١145‏ (بالاشتراك مع أحمد حسان). 

توماش ماستناك: الإسلام وخلق الهوية الأوروبية؛ دار النيل» الإسكندرية, .١9496‏ 
طاء الملتقىء مراكشء» ", 1999ب 

هنري لورنس وآخرون: الحملة الفرنسية في مصر: بونابرت والإسلام؛ سينا للنشرء 
القاهرة: ,.١1996‏ 

توماش ماستناك: أوروبا وتدمير الآخر. الهنود الحمر والأتراك والبوسنويون: دار 
مصر العربية» القاهرة. 106 


تيموثي ميتشل: الديموقراطية والدولة في العالم العربي. دار مصر العربية؛ القاهرة» 
155 
طال 15116 
زكاري لوكمان: خطاب الأفندية الاجتماعي. 8-*+ 151١‏ دار مصر العربية: 
القاهرةء ١9851‏ 
: جان-كلود جارسان: ازدهار واتهيار حاضرة مصرية: قوص. سينا للنشرء القاهرة. 
/1 15 
طق المركز القومي للترجمة: القاهرة: 02 
هنري لورنس: المملكة المستحيلة. فرنسا وتكوين العالم العربي الحديث؛ سينا للنشرء 
القاهرة؛ ,١9591/‏ 
هنري لورنس: بونابرت والإسلام. بونابرت والدولة اليهودية؛ دار مصر العربية: 
القاهرة» ,١15548‏ 
جويس منصور: افتح أبواب الليل» منشورات الجملء كولونياء .١994‏ 
عبد الله الشيخ موسى: الكاتب والسلطة؛ دار مصر العربية» القاهرة: .١599‏ 

48 


فرنان برودل: هوية فرنساء المجلد الأول: المكان والتاريغ؛ المجلس الأعلى للثقافة» 
القاهرةء 1١355‏ 

ط؟,ء المركز القومي للترجمة» القاهرة» 7١١١‏ 

فرنان برودل: هوية فرنساء المجلد الثاني: الناس والأشياء, المجلس الأعلى للثفافةء 
القاهرة؛ الجزء الأول ,7٠٠١‏ الجزء الثاني» .7٠٠١‏ 

ط؟؛ المركز القومي للترجمة»ء القاهرةء .7١١١‏ 

عقا فتحي: إرهابء. المجلس الأعلى للثقافةء القاهرةء ط١اء .١498‏ 

ط ؟,ء المركز القومي للترجمة»ء القاهرةء .7٠١5‏ 

هنري لورنس: الأصول الفكرية للحملة الفرنسية على مصرء الاستشراق المتأسلم 
في فرنسا »)١1798-1١794(‏ دار شرقياتء القاهرةء 1955 

5١1١6 طكى‎ 

برنار نويل: لسان أناء دار شرقيات؛ القاهرة, 1599. 

طا.: الهيئة العامة لقصور الثقاقة» القاهرة. .5١١١‏ 

هنري لورنس: كليبر في مصرء المواجهة الدرامية مع بونابرت» دار شرقيات» 
القاهرة: 1999. 

جاك دريدا وصفاء فتحي: دريدا... من جهة أخرى؛. فيلم تسجيليء؛ أخبار الأدب» 
القاهرةء .١999‏ 

برنار نويل: حالة جرامشيء الهيئة العامة لقصور التقافة» القاهرة, .٠٠٠٠١‏ 

أندريه ريمون: المصريون والفرنسيون في القاهرة (1!/954١1-١01١8١)ء‏ عين» 
القاهرة: .5٠٠٠١١‏ 

نوربرت إيلياس وآخرون: التمدن بين الاجتماع والتاريخ» متون عصرية في العلوم 
الاجتماعيةء ؟. القاهرة» :3٠٠١١‏ (بالاشتراك مع إيمان فرج). 

شارل بودلير: سأم باريسء الكتابة الأخرىء القاهرةء ديسمبرء .7٠٠١١‏ 

ط١‏ منفصلة: دار آفاق» القاهرة - منشورات الجملء كولونياء٠7.‏ 

ميشيل بالار: الحملات الصليبية والشرق اللاتيني» عينء القاهرةء ؟١٠7.‏ 

آلان جريش وطارق رمضان: حوار حول الإسلام: دار العالم الثالثء القاهرةء 


اك 


11 


هنري لورنس: المغامر والمستشرقء المجلس الأعلى للثقافةء القاهرةء .7٠١15‏ 
توماش ماستناك: السلام الصليبي؛ المجلس الأعلى للثقافة» القاهرة, .7٠٠١٠‏ 
ط ”. المركز القومي للترجمة» القأهرة: 8ل 
جاك بيرك: أي إسلام؟: دار العالم الثالثء القاهرةء .7٠٠٠١5‏ 
ريشار جاكمون: بِيْنَ كتَبة وكتاب. الحقل الأدبي في مصر المعاصرة؛ دار المستقبل 
العربي» القاهرةء ”3 
هنري لورنس: المشرق العربي في الزمن الأمريكي. من حرب الخليج إلى حرب . 
العراق؛ دار ميريت» القاهرة» ٠.‏ ", 
هنري لورنس: مسألة فلسطين. الكتاب الأول» 1514-11754ء المجلس الأعلى 
للثقافة» القاهرةء كدولل, 
ط ث”ء المركز القومي للترجمة: القاهرةء دول”, 
ايف ميشو (إشراف) جامعة كل المعارف: ما المجتمع؟: المجلنس ب للثقافةء 
القاهرة؛ 0 (بالاشتراك مع آخرين). 
ايف ميشو (إشراف) جامعة كل المعارف: ما الثقافة؟: المجلس الأعلى للثقافة» 
القاهرة» ٠٠١5‏ (بالاشتراك مع آخرين). 
ميكائيل لووي وأوليقييه روا وموريس بارببيه: حول الدين والعلمانية؛ دار ميريت» 
القأهرة .5٠١5‏ 
تيموثي ميتشل: دراستان حول التراث والحداثة: دار ميريت» القاهرة .7٠١٠١56‏ 
هنري لورنس: مسألة فلسطين. الكتاب الثاني, 4١91١1-؟؟15,‏ المجلس الأعلى 
للثقافة» القاهرة: كردلل 
طا المركز القومي للترجمة» القاهرةء 18ل, 
هئري لورتس: مسألة فلسطينء الكتاب الثالث. ؟1471-15375ء المجلس الأعلى 
للتقافة» القاهرة» /لآء”, 
ط'ء المركز القومي للترجمةء القأهرةقء .5٠١9‏ 
هنئري لورنس: مسألة فلسطين. الكتاب الرابع» 1441-15477., المركز القومي 
للترجمة:ء القاهرة؛ /ا١٠٠.‏ 
طق المركز القومي للترجمةء القاهرة: 518 

411 ْ 


هنري لورنس: مسألة فلسطينء الكتاب الخامس: ,.1505-1١5141‏ المركز القومي 
للترجمة»ء القاهرة, .5٠١4‏ / 
ط]ء المركز القومي للترجمة» القاهرةء .7٠٠١9‏ 

هنري لورنس: مسألة فلسطينء الكتاب السادس؛: »1157-١9455‏ المركز القومي 
للترجمة:؛ القاهرة؛ .5٠١9‏ 
طء المركز القومي للترجمةء القاهرةء .70١9‏ 

جلبير الأشقر: العرب والمحرقة النازية» حربُ المرويّات العربية - الإسرائيلية: 
المركز القومي للترجمة» القاهرة - دار الساقي؛ بيروت» .7١٠١‏ 

هنري لور نس: الإمبراطورية وأعداؤهاء المسألة الإمبراطورية في التاريخ» المركز 
القومي للترجمة:» القاهرقء .5٠٠١‏ 

تيموثي ميتشل: حكم الخبراء» مصرء التكنو- سياسة:. الحداثة» [التمهيد والمدخل 
والفصول 4» 5 5» 9]ء المركز القومي للترجمة» القاهرة؛ .50٠١‏ 

ليون تروتسكي: الفاشية: ما هي؟ كيف نهزمها؟ , الحوار المتمدن : .7١١١‏ 

إرنست ماندل: النظرية الماركسية في الدولةء الحوار المتمدن .7١١7 ٠‏ 

إرنست ماندل: الحركة الطلابية الثورية» الحوار المتمدن » ؟١١7.‏ 

أغنية الغريب ٠‏ أصوات فرانكوفونية مصرية:؛ الحوار المتمدن» 5017. 

هنري لورنس: مسألة فلسطينء الكتاب السابع» 19177-1551؛ المركز القومي 
للترجمةء القاهرة, .7١١7‏ 

جورج حنين: بلاء السديم (مختارات من أعمال كاتب سوريالي)؛ بيت الياسمين للنشر 
والتوزيعء القاهرةء 75١١7‏ إبالاشتراك مع آخرين]. 

آلان روسيّون: الهوية والحداثة-الرحالة المصريون في اليابان» لور كز القومي 
للترجمةء القاهرة: 27١١5‏ 

تيموثي ميتشل: ديموقراطية الكربون - السلطة السياسية في عصر النفط ٠‏ المركز 
القومي للترجمة» القاهرة» 5١١54‏ إبالاشتراك مع شريف يونس]. 


517 


هنري لورنس: مسألة فلسطينء الكتاب الثامن. 1181-1517 المركز القومي 
للترجمة» القاهرة.» .5١١5‏ 

برنار لايير: عالم متعدد الأبعاد. تأملات في وحدة العلوم الاجتماعية: المركز القومي 
للترجمة؛» القاهرة - آفاق للنشر والتوزيعء القاهرة: 6 


11 


(الجزء الأول) ار 
السراسنة والإفرئج: مزاحمات ومنافسات وتلاقيات 
بقلم/ جون تولان 


٠هوووووو»‎ 


الفصل الأول: عالم الجغرافيين: من 5112 4824814 إلى بلاد الإفرنج 0 


أيناء إسحق» أبناء إسماعيل و ل ا ا 1 


1١6ه‎ 


آخر الدنيا: بلاد الإفرنج منظور! إليها من بغداد في القرنين التاسع والعاشر ... ٠١‏ 


العالم منظور! إليه من أوروبا اللاتينية في القرن الثاني عشر: 


الجغرافيا والتاريخ بحسب إيجيس دو سان - فيكتور و ل الا ل ملا 
الفصل الثاني: الفتح وتبريراته: الجهاد؛ الحملة الصليبية» الاسترداد 5-5ظ5ظ5ظ2 
الحرب والفتح في الإسلام: من محمد إلى الخلافة العباسية 0 
الفتوحات العربية منظوزا إلنها من جَانب كتان الحوليات الأوزوييين في 
القرون السابع والثامن والتاسع ف م ع 6 نه وا 1 عه ا أ لول ولوف ع موا 2ل لعا 
الحملة الصليبية من وجهة نظر الإخباريين ام ا لط ووه للع الا ا 21011 
الحملة الصليبية من وجهة نظر الحقوقيين 8 *2*#5#ظ 
الاسترداد في إسبانيا ا 0 
يقظة الجهاد في وجه الإفرنج في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالسث 
و ا 


من الاسترداد الإسباني إلى فتح الإمبراطوريات: 
الإيبيريون في مواجهة المار في القرنين الخامس عشر والسادس عشر 


11 


الفصل الثالث: الدونية الاجتماعية للأقليات الدينية: حالة الذميين 


والموديخاريين 12111111 
محميون وأدنى درجة: الذميون في المجتمعات الإسلامية في أوروبا 
(الأندلس وصقلية) ا لان 3 111 1 0 ا ل 1 ف 
الأقليات المسلمة في الدول المسيحية: القانون والممارسة غ12 
الأبرى والعييك ...........نيي .يي يوق ويةة 700 1323# 


الفصل الرابع: بحثا عن الذهب المصري: التجار في عالم البحر 

المتوسط جاو مط ةلا رالش وروا وام مان عر ا 1 

المدن والارياف بين أوروبا والعالم الإسلامي الو 
من «بحيرة مسلمة» إلى السيطرة الإيطالية بين القرنين الحادي عشر والرايع 

عشر ب 0000000000 

أنماط التبادلات: العقودء التقانات» المؤسسات المرفأية 0« 

أثر التبادلات على الاقتصادات والذهنيات 1101 


الفصل الخامس: في مدرسة العرب: تبادلات معارف 1 
العلم والفلسفة اليونانيان - العربيان في أوروبا اللاتينية لحرا انام ولط واو قم 
التبادلات الفنية والثقافية لج دعوو اال وان نوا وله مقن نودرك ا وان لا ان 
المنازعات والتلاقيات الدينية ماع 48 و ف ل وه اع ووه ل طامط سا4 41320066 


النزعة الإنسانية ورفض الثقافة العربية 0000 


(الجزء الثاني) 
أوروبا والتركي الأكبر 
بقلم/ جيل فاينشتاين 


الاستمرارية والتغير الجيوسياسيان لمق قم هاداد ال وه الأ عه ال و1616 2 
الإمبراطوريات العظمى في العصر الحديث فمففممو ووو ووم وفمووفوووووو ووم ممم ممه 


م 


نحو تقسيم إسلامي - مسيحي وعد عا ةنمو عوقو مهمه عام جو افع واه 


المماليك والبرتغاليون 00000 


١ هه‎ 


العثمانيون والبرتغاليون 00100 ا ااا ا 


الجماعة المسيحية والإسلام في المغرب شع عق وو مقو قزرو موق الوه ومدق تم 
في الشمال الشرقي: الروس والتتار ا ا ع و مو ل 22 ١‏ 
الموجة الإسلامية الجديدة في اوروبا ل ا مم شف ا ل ل 
الفصل الأول: الفتح العثماني في أورويا ا 0 
الترك والمسلمون في أوروبا قبل العثمانيين ... ابن لو لولاا ليا 
أصول العثمانيين سنن ا كم لدع أطأو دو افده قيمع 46 سو دوه لدو ل ل ال ١‏ 
الانتقال إلى أوروبا مممم مم مهمه ممم ممم م م هفهل ومو م 1 2 يونا 
الموجة الأولى للفتوحات في أوروبا الشرقية لظ ا م اونا 
كوسوقا: المعركة والأسطورة ا 00 
بايزيد الأول» «الصاعقة» 00 0 
معركة أنقرة )١5٠7(‏ والفترة الطويلة ما بين عهدين 00 20000 
الإحياء في ظل محمد الأول 1 1 1 1 1 1 ا 0 
مراد الثاني والائتلاف المسيحي م اهاوق مام و نيط م ماما لأ و لمعه فلو الا ولواح وااو معد لا زا 
الاستيلاء على القسطنطينية اما وه جنك هوه و لاله لا الل وو و ازاك ل دك را 
فتوحات محمد الثاني الأخرى طعا ناعون سف د انون وا لاا ل ا ات 1 
بايزيد الثاني و«قضية جم» ع ا مطل اليو 3ك للك لقان رو امه الاك لانم وال لد أ ف 
سليم الأول والمنعطف شرق الأوسطي 271017101 
النجاحات الأولى لسليمان القانوني: بلجراد ورودس 550000 1[ 1 10 
موهاكس: سحق سلاح الفرسان المجري اممو ا لاه لالم ا مالل مولن اق 
حصار ثيينا الأول: فشل جرى التستر عليه 1 
سليمان وشارل الخامس: الرهان الإمبراطوري افق ا الو و لامو موا مك هق قا 
أمير البحر باربارومنًا والتحالف الفرنسي - العثماني 1 21101011101 
حملة مولداقيا 550101 *ش*ظظ1 عه كع قا لاد ا الوا 1 
التقسيم الثلاثي لمملكة المجن ................ لا أن ع اة نوات ومو موا 4 6 1 
مواصلة الزحف في المجر الطار هم وام ماا ها عام اع لدع عه 424443 الاو ووفك اد عا 7 مقن 
تثبيت الحدود العثمانية وما ود ة ناهج اواك وه 10064 داك ود اماد ماحد اماه اذا مط و وا 
سيجيتقار: الحملة الأخيرة و و عع و و ع ف بعباة طم اقم م 6 المع ع الح لل ال مط عا 9 


الفتوحات الأخيرة في أوروبا (أواخر القرن السادس عشر-القرن السابع عشر). ٠١٠‏ 
التقهقرات العثمانية الأولى في أوروبا (أواخر القرن السابع عشر - القفرن 


الثامن عشر) 0 ا 
الفصل الثاني: أورويا العثمانية ا ااا 
انقسام قديم 0 0 و 1 
الدوائر الثلاث للسيطرة العثمانية في أوروبا ام اه و م أو لاط ا م 11 
أوروبا متعددة الطوائف ممم مفو وفم مم ممم مفو وموم مومه مم ممم م ووم ممم ةوف ءءء ءءء ءءنة لاا" 
حدود الاستيطان التركي في أوروبا ب0015 0 ااا 0 
الذميون: «الكفار المحميون» ا مط لا او عأطاة ل أه ا ل 10016 
مسألة التحولات إلى اعتناق الإسلام ااا 1 
تحت سيطرة الهلال ولمع وه وو مم مه م م ووم ممم مو م ممم م مو مم ممم موقم مم ممم ممت ت تلت ا 174؟ 
موقع غير المسلمين المع م م لمع م ممعم ممما ممم موق قم م ممم قم قوف لكالا 
الفصل الثالث: تمثيلات التناحر 257 0 0 0 م 
الأعباء الإيديولوجية ...ا ل و 0 
إضفاء القداسة على المعركة ..........يييييييت تابي 2 لم 7 
البروتستانت حيال الترك .... الما وجح ع م و ا ولاه امن 
ال ممونوعمط© 3411115: فرسان الأزمنة الحديثة ا ا 0 
«التركي الرهيب» 8 ببب00002021 0 0 
طاغية الترك وموم ةم مومهم ممم موف م ممم مو ووم مم م ووو ممم وم ممم ممم ممم ام ةزر نمل ةن نيت 44؟ 
الجهاد والغزو في أوروبا ااا ا ا ا ا ا انلا 
البحث عن التفاحة الذهبية وممصم ةقمعم ممم ة ووم ةم مهو ء ةم ةم و ممم ةمون ة ةم لمم ل رتت 723 
فكرة أورويا أم فكرة روما؟ مممم ممم ممم مهمه وم ةفل ء ممم ممم ةم ممم مول ةم ةم ةم ةق .تنه 715 
الفصل الرابع: الحدود الإسلامية - المسيحية في أوروبا كما 
المنظومات الدفاعية ممم مةةةة هه وموم ممه همومه م مه ممم روف ة ممم قو ق ءا ام وم م م لنت ولا 
الحرب الهابسبيورجية مل مم مم م ممم ممم فوم ة مو ة مم ممم ممم مم ء ةمل مما لم رمم اتن [/ا؟ 
الحدود البحرية 111521000 ااا 0 


حدود التتر 6 6 قوق ودر هئ 101 60 81 0 طاشنو و و ا 2 -3 
ملحمة حدودية: القوزاق و8 000 ل ماف لفاك ةالو ياه 


سكان حدود أخرون: من التناحر إلى المحاكاة .... ا او و 20 ليرا 
الحدوديون العثمانيون 87 2000 0 00000 00 


القراصنة البربر ... 0 0 22521171011 0 
القرصنة 1 1[ 1[ 1[ 1[ 1[ 110000 


الفصل الخامس: ثغرات في المواجهة 2 5 *ظ*ظ, لوقام 


معضلات الصراع المسطح ......... 6 2 ش**2 00 ا 
رسالة النبوءات ممموفوة ومممممءم مم ءءء ممءمءءءمنة 00 0000 ان 


فضاء الدييلوماسية 22110000 لك لال 100 0 وها 
التحالف الأثم ا ل فقوو 0 ملمءمءوةةوةومفةن لازن "7 
حول الاستخدام الجيد للامتيازات 5 هه”طظظ1 ش*ظظ 000 
ييراء عالم دييلوماسي أصغر 25211011 ا 21 م 0ه 0 
حدود الاندماج التركي ...... 000000 

تجارة شرق اليحر المتوسط .......... 0 211101 و اا العام 
تقافس الأمم 0000 1 1 5326171 ل مام 1 000000000 


الصدارة الفرنسية في شرق اليحر المتوسط ........... 17 لفاس 
الاتجاهات الجديدة لتجارة شرق البحر المتوسط .. شظ5ظ له ملعملل ولام 


صمود الاقتصاد العثماني .... ل اواو 0 شظ1 ولأ اع وول علد ل مسي 
«الرحالة الجدد» .... اانا ا روه لواو وان و2 اذ 6 2 فلل لل اقوس 


أوليا جلبي عند الإفرنج ا ام واه ءاوه ععره هقد ء دفر 5 وفرع ةم ل مل ء ممم وميم 
نشأة الاستشراق أله ولط دوه اط حو ا ا من 


ترجمانات وموظفون أخرون جهابذة في السفارات مم 0 فبءرةروءر ةر ل زر ههلا 
التأمل الفلسفي . واو وقلع لاوا لا 1 0 لقا ا ل الهم 


5114 


(الجزء الثالث) ا" 
الإمريالية الأوروبية وتحولات العالم الإسلامي 
بقلم/ هنري لورنس 


الفصل الأول: منعطف القرن الثامن عشر ا ل ل 
ثورات النصف الثاني من القرن الثامن عشر 35*57ظ2 ا 0000 
التنوير والإسلام وهووو٠‏ وووممووووووورم هم دوووووهة ومءعميوةوءووءة, ومفووووه. ووععءموءوءووءورمه 14 
الترجمة السياسية 9بببتبب2ب0202 0 0 0 0 0 ا 
الأوروبيون في العالم الإسلامي موموووممممءمءءءءة ةد ت تر نف ل ام اداة 2م 22 218 
مصير الدولة العثمانية اي اا ااا اا ل 
الحملة على مصر ..... 1[ 1 1 ااا ااا ا لقا 


الفصل الثاني: تمدين أم فتح ؟ اا 0 
تمدين مصر ا لاا ما ع ةلل لاع 
لايقينيات مبدأ القومية: اليونان ف تنك ال و انم 0 
لايقينيات مبدأ القومية: الجزائر ا اقم ف اا ا ل مقا 
لايقينيات مبدأ القوميات: بلاد الشام ةل ل ا و 1 
إشكالية الفتح 50006 5101 

الفصل الثالث: زمن الإصلاحات ا م ا 1 
إشكالية الإصلاح ماما اااي ببب0101001 0 ا 
انعكاس صورة أوروبا المسيحية ل ا ا ا الولو 
تحرير غير المسلمين في أراضي الإسلام 1211 ا م ل 4 
تحولات الفضاءء تحولات الهوية .... ا 0 0 ا 441 
النلمة الإسلاجاك آم إسلاح القطاب الإمرلاني مارم 1 
رينان: من التعصب إلى السامية ممم مومه ممم م ووو ممم ممم فم ة ةلف موف ممم مم مف منت نتن "هع 
الأزمة الشرقية بين عامي ©1417 و8/17/١‏ 89ب00 00 100 


0 


الفصل الرابع: زمن الإمبراطوريات 000000 0 20511131300 
منطق الإمبراطوريات: أفريقيا الفرنسية 6[ [1[ذ[|ز[ز[ز[ز[ز[ز[ز[ [ [ [ [ 1 10000 
منطق الإمبراطوريات: إنجلترا في مصر وفففةممو مرو و ررم ةة مم ممم ممم مم ءءء ءمءء نه 
الإمبراطورية العثمانية أو ارتباط الإمبراطوريات 83 #567*##<*25ظ 
الأزمات الشرقية الجديدة ل ل للن 4 10 ال ل 2002 


الفصل الخامس: الزعزعات الأولى للسيطرة الأوروبية ...................... 
الإسلام والثورة: قارس ممه عاق 4ه 6ه قوع وقوه هع 6ه هوه :ناه ره ممه واج واه وه قم ووه 


أنعدام الاستقرار الأوروبي ومصير العالم الإسلامي 111111111989 
جماعة تركيا الفتاة 700700101 5ك 


«لحظة لوشاتليه» عط عع لاه علاط تا فاه 444 له لاك ههاه 6 الواع واو معام 4 0 لوطه ل 


المسألة الصهيونية والمسألة العربية #1701000000« 


المغرب الأقصى وليبيا مه 03 افيه هيه د سواه هو 26 واه و4 ع 20 م 6ما دواع هكد هيه 
الخروب البلقائية ومصيز الدوئة العثمائية 0 


الإسلام والقومية 101111101110000 
الهند البريطانية وشراك الطائفية ا 010 


بثاء دول قي الشرق الأوميط ...نتمم ممم ممم مهمو 6 
القنابل الموقوتة: فلسطين والبترول والإسلام السياسي 76 5*ظ5ظ5 
الشمال الأفريقي الكولونيالي 0000 
الفضاء السياسي للعالم الإسلامي 10000 


"715 


الفصل السابع: الرهانات المعاصرة مظع عو الوك لوت تت للم و :3 


العالم الإسلامي في الحرب العالمية الثانية امول ا اس د ل 


دخول الأمير كيين المسر 4 08 21 
انتهاء «اللحظة البريطانية» اما لاه 6 مادم 6 6354و 0 2101 222252 


الشمال الأفريقي على طريق الاستقلال كن حاط لاا لو لبا 1 و 1 
نزغٌ الاستعمار والمواطنة الإمبراطورية ومولد إسلام أوروبي 177 
القومية والعالم الثالث والوصول إلى العالمية.........٠‏ 152111110 
الإسلام السياسي وثقافة السخط وحقوق الإنسان 000 
شواغل القوة والشواغل الأمنية الأوروبية ..... امو او ا 
مُكونات وجدانئية مشتركة 11510770000( 


11 


الإشراف الفنى: حسن كامل 





هذا 000 5 اند عام ري 
ما ل اال 0 
وحتى الآن- مرورًا بتفكك بيزنطة, ا ل 
ا ل ل 00 
2 ا 0 00 
لم تتو 0520000 20001 والعالم الإسلامي. ٠‏ ومع أن أهمية هذه الصلات 
ال ا 0 بعيدٍ ل 
ليست بهذه 0 

اا ا ا ‏ ال 00 
ا 1 0 
وأوروياء بل المطلوب. هو استكشاف العلاقات المتعددة بين الجنويين 
الي ا ا ا 0 
ا م ل 7 


ا ا 0 0 


ديني وثقافي وفكري ا 
في هذا 0 التاريخ المديد 800 
خلاصة تاريخيةً مرجعية لتجلية د تعقد الرهانات والتراثات والأحداث ت المعاصرة. 





1 


الغلاف: 6 صالح